آخر 10 مشاركات
سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          79 - قسوة وغفران - شريف شوقى (الكاتـب : MooNy87 - )           »          1 - من أجلك - نبيل فاروق (الكاتـب : حنا - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          492 - حبيبها - كارول مارينيلي (عدد جديد) (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          ومازلنا عالقون *مكتملة* (الكاتـب : ررمد - )           »          أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )           »          93 - زواج العمر - منى منصور (الكاتـب : meshomasray - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9699Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-07-23, 05:36 PM   #2701

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.صباح كل حاجة حلوة للحونة قلبي الغالية

كيف الحال ياقمر..
إن شاء الله كله تمام..والامور على خير مايرام
اعتبرى هذا
تسجيل حضووووور مبدئيا لرؤيتك فقط
ولإلقاء التحية عليك
وعلى الصحبة الجميلة
طابت جمعتكم بكل الخير والبركة
حبببتييييي هلاااا انا ملييحة ومشتااقة كيفك انت.... واحلى حضوور بوجود شمسنا التي لا تغيب باذن الله❤❤❤❤

shezo likes this.

ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 14-07-23, 05:56 PM   #2702

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

احم احم اولا جمعتكم مبارركة جميعا ❤❤❤


ثانيا مش رح اكون رسمية واحكي فصحى لأوصل اللي بدي اياه فتحملوني لاني عنجد مضغوطة هههه......الله المستعان


حبيت اوضح إنه على دفتري المسودة خلص السرد المكتوب من الرواية وبقي عليه مقتطفات ورؤوس اقلام لحتى الخاتمة.....لهيك انا وظيفتي هلا أألف أول بأول شو ضل منها.......وتحديدي للفصل حطيته عشان اضغط حالي وانتج غصب عني عشان متأخرش عليكم اكثر واكثر......لا تخافوا مفش تأجيل ان شاء الله ههههه بسسسسسسس اللي كنت راسمته لهذا الفصل نقاااط كثيرة واغلبها مشاهد لازم أألفها ولكن لضيق وقتي ما قدرت يكون كامل متكامل من ناحية الاحداث
فقررت مثل اللي سبقنه اعمله جزئين ولكنننن الجزء الثاني مش رح يكون خلال يومين وثلاث
لأني مسافرة بإذن الله بعد كام يوم لمدة اسبوع ولما أرجع بالسلامة يا رب رح استأنف تأليفه وكتابته وانزله( لا تخافوا التأليف الفوري عندي اسهل الحمد لله من تعديل الجاهز والتلاعب به هههه ).....
فرجاءً لا تحكموا على فصل اليوم او الجزء الاول منه او تسألوا عن النقص بأحداثه بصرااااحة عشان لا احبططط فأنا كمان مكنتش حابة انشره غير متكامل الأركان .....بس كان هذا وقتي وكل قدرتي لاكتب حتى اليوم منذ اعلان موعده
......بتمنى تتفهموني بقراري لتقسيمه وخاااصة اللي انتظروا لقاء أحمد وميار وهم عارفين حالهم ههههه لأنه مش رح يكون بهذا الجزء.......بكون ممتنة منكم لو احترمتوا قراري وتفهمتم ظروفي .....وبارك الله بكم جميعا❤❤❤❤❤



ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 14-07-23, 06:18 PM   #2703

سماح نادين

? العضوٌ??? » 487383
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 426
?  نُقآطِيْ » سماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
احم احم اولا جمعتكم مبارركة جميعا ❤❤❤


ثانيا مش رح اكون رسمية واحكي فصحى لأوصل اللي بدي اياه فتحملوني لاني عنجد مضغوطة هههه......الله المستعان


حبيت اوضح إنه على دفتري المسودة خلص السرد المكتوب من الرواية وبقي عليه مقتطفات ورؤوس اقلام لحتى الخاتمة.....لهيك انا وظيفتي هلا أألف أول بأول شو ضل منها.......وتحديدي للفصل حطيته عشان اضغط حالي وانتج غصب عني عشان متأخرش عليكم اكثر واكثر......لا تخافوا مفش تأجيل ان شاء الله ههههه بسسسسسسس اللي كنت راسمته لهذا الفصل نقاااط كثيرة واغلبها مشاهد لازم أألفها ولكن لضيق وقتي ما قدرت يكون كامل متكامل من ناحية الاحداث
فقررت مثل اللي سبقنه اعمله جزئين ولكنننن الجزء الثاني مش رح يكون خلال يومين وثلاث
لأني مسافرة بإذن الله بعد كام يوم لمدة اسبوع ولما أرجع بالسلامة يا رب رح استأنف تأليفه وكتابته وانزله( لا تخافوا التأليف الفوري عندي اسهل الحمد لله من تعديل الجاهز والتلاعب به هههه ).....
فرجاءً لا تحكموا على فصل اليوم او الجزء الاول منه او تسألوا عن النقص بأحداثه بصرااااحة عشان لا احبططط فأنا كمان مكنتش حابة انشره غير متكامل الأركان .....بس كان هذا وقتي وكل قدرتي لاكتب حتى اليوم منذ اعلان موعده
......بتمنى تتفهموني بقراري لتقسيمه وخاااصة اللي انتظروا لقاء أحمد وميار وهم عارفين حالهم ههههه لأنه مش رح يكون بهذا الجزء.......بكون ممتنة منكم لو احترمتوا قراري وتفهمتم ظروفي .....وبارك الله بكم جميعا❤❤❤❤❤

معك يا روحي و مشتاقين و متأكدة مثل كل مرة انو الي بينزل بس ابداع ????❤️❤️


سماح نادين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-23, 07:38 PM   #2704

فاتن مصيلحى

? العضوٌ??? » 489643
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 69
?  نُقآطِيْ » فاتن مصيلحى is on a distinguished road
افتراضي

سبحان الله والحمد لله اللله اكبر

فاتن مصيلحى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-23, 01:55 AM   #2705

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
:sss4:

السلام عليكم.....

كم دقيقة بإذن الله وبكون نازل.....



الجزء هذا تقريبا 52 صفحة وورد يعني بحجم فصول وسطى سابقة .....الأحداث فيه هي تسلسل للفصل السابق ومجبرة عليها وقد حذفتُ مشهد كان يجب أن اختم الجزء به ولكن لعدم رضاي عنه فعلت ذلك.......لذا أرجو مرة أخرى بأن تتفهموا تقصيري بأحداث هذا الجزء وسأعوضكم إن شاء الله بتنويع الأحداث بجزئه الثاني ........

دمتم بخير وأتمنى أن يلاقي رضاكم.....


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 15-07-23, 02:03 AM   #2706

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل التاسع والثلاثون (( عهد الصداقة )) الجزء الأول



شعرت ببرودة ألمّت بي ثم استرخاء ثم لم أعد أحس بشيء بعدها سوى أصوات متفاوتة بين القريب والبعيد وآخر ما رأيتُ من واقعي وجه (ضياء) أحد اشبال كتيبتي الذي كان يهزني مع هتافه مرتجفاً:
"سيد هادي...أرجوك....لا تستسلم ....ستأتي الإسعاف حالاً إن شاء الله......حاول التحمل ولا تغلق عينيك !!....."

وبعدها أغمضتُ عينيّ هاربا من الواقع الى دنيا أخرى وحلم جميل ظهرت به أمامي حورية بيضاء مشرقة تختبئ ملامحها وراء دخان ...تناديني بترانيم عذبة... حاولتُ اللحاق بها وقبل امساكها انحجب النور من أمامي وغدا كل شيء حولي ظلاماً دامساً وتلاشى صوتها ليحل مكانه هدوء غريب مريب يتبعه حبس للأنفاس ثم النبض بقلبي أعلن ضعفه وحركتي سكنت بسلام وفوق دمائي وعلى أرضي رفعتُ لروحي راية الاستسلام...

×
×
×

القنابل كالرعود تقصف مدوية على أرض الحرب تخلّف وراءها نيراناً براقة ودخاناً غزيراً يحجب أنوار الغروب.....النزاع مستمر...والمقاومة ثابتة!!....ثوّارنا صامدون لا يبرحون الأرض...تبادل مكثف للرصاص!...الإصابات تتفاوت والانتصار يتأرجح!!....المشفى الميداني المتنقل القريب يحتل بقعة تبعد عن ساحة المعركة أربعمئة وبضع من الأمتار!!...يتواجد في مكان أكثر انخفاضاً مما يمنع عنهم متابعة التطورات الميدانية بوضوح!!.....يُنقل إليهم المصابون بحالات متوسطة بواسطة مركبات عسكرية صغيرة ومن أصيبوا اصابات طفيفة يقدّم لهم العلاج الفوري مكانهم من قِبَل فريق طبي صغير مجنّد لهذه الخدمة ليعود الجريح للقتال من جديد فنحن نحتاج لكل عنصر سواء كان أساسياً أو بديلاً!...أما الحالات بالغة الخطورة والحرجة ينقلونها بسيارة إسعاف الى مشفى المعسكر الاكثر تطوراً!!....اتصال يتبعه انقطاع للاتصال دقائق على هذا الحال!!.....كان أحد أطباء الفريق المصاحب لكتيبتنا يعمل جاهداً على إيقاف النزيف بما لديه من معدات بسيطة ومحاولاً بشتى الطرق منعي من الغياب عن الوعي!!...مزّق قميصي للوصول الى الجرح دون أي عراقيل بينما تلك القطعة الصلبة الحادة ما زال جزءًا منها يغرس للداخل لا يستطيع تحريكها فهو لا يعلم لأي عمق تصل وأي عضو داخلي تضر!.....العرق يتصبب منه ....يركّز مرتبكاً تارة بإصابة بطني البالغة ثم يعود ليلقي نظراته للجرح العميق الذي أصاب ساقي بينما لسانه لم يكف عن القاء أوامره بتشديد لمساعده الأول كي يضغط جيداً بقطعة قماش معقّمة على المكان النازف بساقي قدر الامكان!!وكذلك بتكرار طلبه من مساعده الآخر للوصول هاتفياً للمشفى الميداني ....بعد عدة محاولات نجح بالاتصال ووضع على مكبر الصوت فقال الطبيب بصوت مرتجف لهم:
" اتصلوا بالمقر حالا حالاً واخبروا السيد سليم ليبعث لنا مروحية لنقل مصاب بحالة حرجة لمشفى المعسكر!!.."

مسح جبينه يزيل قطرات العرق بكم ذراعه وتابع لاهثاً:
" يوجد تشويش بأجهزة اتصالاتنا مع المقر والاسعاف لن تتمكن من الوصول إلينا فالطرق وعرة والوقت لن يسعفنا!..."

وعلا صوته بصراخ مشدداً:
" الإصابة بالغة الخطورة!...أسرعوا هيا وابعثوا لنا حالياً جهاز التنفس الاصطناعي من عندكم ريثما تصل المروحية!!.....لا نريد أي تأخير!..."

" من المصاب؟!"

ردّ محذراً بصوت مرتبك:
" القائد هادي!...عليكم التكتم عن الموضوع لمن حولكم وفقط اوصلوه للسيد سليم مباشرة وهو يتصرف بمعرفته!!...أحذركم ....يمنع تسريب الخبر!..."

حذرهم من ذلك لأن الخبر شديد الحساسية وبدستورنا عندما يكون الجريح من القادة يُكتم عن هذا لسببين أولهما منعاً من حدوث أي بلبلة وزعزعة لقوة الجنود تؤدي لإضعافهم واستسلامهم خوفاً او احباطاً !!....فللقائد دور كبير بتوجيههم ثم تشجيعهم وتحفيزهم للاستمرارية بالنضال والجهاد ويكون هو رأس القوة والقدوة في الصمود!!..فإن ذهب يتركهم بحرب نفسية اضافة للحرب الحقيقية!....والسبب الثاني عندما يكون بالأمر اغتيال فالأكثر حرصاً هو عدم نشر الخبر خشية من وصوله للأعداء الذين لم يتموا مهمتهم بنجاح وربما يعاودون لإتمام عملهم الناقص!....

استمر الطبيب بمحاولاته اليائسة كي لا استسلم...يكابد بجهد كي لا افقد وعيي كلياً فقد كنتُ بين الوعي واللا وعي!!....بعد عشر دقائق رجع إلينا المشفى الميداني باتصال يخبرهم بأن المروحية بدأت بالتحرك وستكون في الميدان بظرف دقائق قليلة!!.

×
×
×

عاصفة رملية هوجاء اجتاحت المكان حيث الأرض المستوية القريبة سببها هبوط المروحية العسكرية المجهزة بأجهزة طبية خاصة للحالات الحرجة.....قبل أن تلامس الأرض انفتح بابها فقفز منها السيد (سليم الأسمر) راكضاً بلهفة إلى بقعة تجمّعنا حيث يُقدم لي الاسعافات الأولية.....لم يأتِ كرئيسٍ للثوار ولحزبه....بل أتى مرتديا لباسه العسكري الذي يزيده هيبة وأتى كصديق ليطمئن على أمانة صديق من زمن ليس بعيد....أبي (محيي الدين الشامي).....أتى كأبٍ قلبه مرعوب على ابنه.....أتى كقائد يهتم بأشباله.....جاء إلينا كابنٍ لهذا الوطن الطاهر!!......يركض ملتاعاً مقبلاً نحوي حتى وصلني ثم بكل عزم وإصرار للانتقام تبعه الذي قفز من المروحية راسخاً على الأرض كالطود الشاهق وسلاحه يلازم ظهره كأنه وتدٌ يمنع انهياره ثم سار بخطواته الأبية مخلّفاً غباراً خلفه يشي عن سخطه متجهاً نحو هدفه المرصود إلى أن وصل ووقف مكانه ناصباً كتفيه بشموخ العز والكرامة هاتفاً بثبات:
" نحن جنودك يا ابن الشامي وأرواحنا للوطن وشرفاؤه فداء .....سندك حصون الأعداء لنعيد حقنا والدماء.....وسنجعل نهارهم ليالي ظلماء....قسماً بمن رفع السماء "

ثم استلّ رفيق درب المقاومة خاصته سلاح القناصة وأطلق رصاصاته المتوعدة الغاضبة بالهواء غير سامحاً لأي دمعة أن تبوء عن مدى حزنه الغائر في قلبه.....!.....سبقه الأول وقرفص جواري يحاول اخفاء وجوم وجهه من الحال الذي وجدني به بينما أعاد نظره فوراً يسلطه على ذاك الثائر الغاضب المرافق له والذي أفرغ خزينة سلاحه.!!....تبعهما الفريق الطبي المتخصص ينزلون من المروحية ويحملون المعدات الطبية اللازمة للتدخل الفوري !!.....الجو كان مشحوناً بالغضب واللوعة مع رائحة الرصاص المختلطة بالروائح الأخرى التي صدرت إثر تفجير السيارة والدخان الخانق والدماء الزكية !!.. ..منظر يرج الأبدان .....دمار يتبعه دمار.....ما أبشعه من منظر!!.....وما أوجعه من حال!!.......انتصب السيد (سليم) واقفاً بجسارة يدوس بها على آلامه ثم تطلع على تجمع لعصبة من الأشبال الذين كانوا الأقرب للحادثة وانشغلوا معنا يتراوحون بين العشرة والاثني عشر جندياً وقطب حاجبيه بقوة صارخاً بصرامة وهو يشير نحو شمس الغروب التي يظهر نصفها العلوي قبل الانغماس كلياً بالظلام وهي البوصلة لنقطة النزال الضاري:
" مكانكم هناك......ما إن أنزل يدي سأجدكم على أرضكم بالحال ولا أريد أي كلمة عمّا حدث...."

وتبع جملته يشير لستة منهم آمراً بخشونة:
" أما أنتم عليكم تمشيط المكان حالاً وجلب الكلب الخائن الذي فجر المركبة......يوجد سيارة مشبوهة ما زالت متوقفة بعيدة قليلاً عن المنطقة...... لقد تفحصنا الوضع من فوق بالمروحية....أي أنه ما زال في دائرتنا ......مؤكد يتخفى الحقير مرتدياً لباس بلون رملي وأعشاب للتمويه والأكيد أنه لم يبتعد كثيرا عن هنا........"

رفع ذراعه الأيسر ينظر لساعة يده العسكرية ثم ضرب شاشتها بإصبعيّ يمناه الوسطى والسبابة بحزم مضيفاً:
" معكم نصف ساعة ويكون تحت قدمي وإلا لا تروني وجوهكم!!......هيا انصراف...."

رفعوا أيديهم محاذاة جبينهم بتحية العسكر مجيبين بصوت واحد:
" أمرك سيدي..!!"

ثم انفكوا عن بعضهم ينغمسون بعدة اتجاهات بين التلال والحقول الشاسعة لمهمة البحث عن الخائن !!......عاد السيد(سليم) يركّز نظره مع الفريق الطبي الذي يعمل بطلاقة كيدٍ واحدة يتساعدون من أجل السيطرة على وضعي....!!...بدأت تمتماتهم تعلو وانتابتهم حالة من التوتر فهتف سائلا:
" ماذا يجري...؟!"

ردّ أحدهم مقرّاً بشحوب:
" نبضه ضعيف وضغطه منخفض جداً.......علينا نقله سريعا للمشفى وهناك نكمل....لا يمكننا ابقاءه هنا......لقد نزف بشكل مبالغ.....يحتاج لصفائح دم بديلة للذي فقده ولربما نحتاج لضربات كهربائية!!....أتمنى أن يسعفنا الوقت...."

التفت للذي أصدر شهقة خوف مغلّفة بالحزن الشديد ورآه يمسح دمعته فوقف بصلابة يكلّمه :
" ضياء......هادي لن يرضا بالضعف والاستسلام ......هيا اذهب لزملائك وكن جانبهم .....اذهب واتحد مع المساعد الأيمن لهادي ......عليكم سد فراغه حاليا..."

بصوتٍ حزين مرتعد ردّ عليه وهو يمسح دمعة أخرى:
" لا يمكننا أن نكون مكانه مهما فعلنا ......نحن نحتاجه سيدي !!.....أرجوكم افعلوا ما بوسعكم!!...."

لم يردّ عليه إنما أخفض رأسه من فوره يتابع بحدقتيه المحروقتين حزناً عمل الفريق الطبي الذي قرر وضعي على السرير النقال بكامل الحذر دون الاتيان بأي حركة خاطئة يمكنها ان تحرّك تلك القطعة الدخيلة فتزيد الوضع سوءاً ولمّا نجحوا بمهمتهم وتوجهوا للمروحية تقدّم بخطواته الصلبة ذاك الثائر الغاضب قناصنا وشيخنا الوسيم نحو السيد (سليم) هاتفاً بجدية وصلابة وبملامح أحد من السيف:
" اسمح لي لأكمل المعركة عن صديقي..."

رمقه بنظرة عابرة ثم ألقى حدقتيه للذين يسيرون نحو المروحية وقال بهدوء:
" اذهب....لا مكان لك هنا!!.. "

بانفعال رهيب وشموخ مهيب ردّ في الحال:
" مكاني هنا....لن أبرح الأرض حتى آتي بحق صديقي ووطني .."

بصرامة وتصميم بارد ظاهريا:
" قلت لا مكان لك هنا.....اذهب معهم"

بحرقة دم وقلب يئن بالألم هتف وهو يهز سلاحه بيده:
" سأقود المعركة عن هادي......سأكمل مشوار صديقي.....لن أسمح بدمه المهدور أن يضيع هباءً.....السيطرة شبه كاملة لنا......"

تقدّم نحوه بصلابة وقبض جانب كتفيه بقسوة يهزّه يريد أن يسنده لأنه يعلم عن الانهيار الداخلي الذي يعيشه وصرخ:
" أحمد....أنا من سأقود المعركة......الخطة معي ...لا يمكنني المجازفة بك وبالبقية ....."

بعينين سوداوين محتقنتين بدماء الغضب ودموع الحزن تملأ المقلتين ساخنة كاللهب ردّ مقهورا برجاء:
" سيد سليم أرجوك.....سأنفجر بمكان خطأ إن لم أحارب مكانه......سأتمزق من الداخل إن لم أكمل رسالته....سأحترق إن لم أجلب حقه!!.....اسمح لي أرجوك.....أنا أيضا أفهم ماهية الخطة وأعدك لن أزل والله معي !!...."

أفلت ذراعيه عائدا خطوة للوراء منتصباً اكثر بوقفته المهيبة ثم أشار بيده نحو المروحية آمراً بحزم لا يقبل النقاش:
" قلت أنا سأقود المعركة بإذن الله ....أما أنت جاء دورك الآن لتقوم بمهمتك السامية .....أن تكون الرفيق لصديقك في محنته ....أن تكون السند بأصعب اوقاته......إبقَ معه وافعل الاجراءات اللازمة هناك...صديقي الطبيب نضال موسى سيستقبلكم بمشفى الشمال....لقد أرسلتُ له رسالة عاجلة فمشفاهم من أقوى مستشفيات دولتنا تطوراً ....يديره نخبة من أمهر الأطباء..!... .هيا اذهب......لا تؤخرهم ....ستقلع الطائرة!..."

وأضاف حاسماً الأمر:
" اذهب بأمان الله ...سيلحقك سامي الى هناك بطائرة الشرطة التفقدية ...لقد طلبت من بلال اعلامه!.."

من سيطفئ غضب هذا الزلزال الناقم ؟؟....لم تعد عينيه الفحميتين سوداء بل أضحتا جمراً ملتهباً....يكاد يختنق...إنه وبكل ما فيه يحترق.....دماؤه ثائرة وحميته نافرة .....انصهر قلبه بين الوطن الذي نادى والصداقة التي نادت.....كانت قد مرت دقائق قليلة على نشر الاشبال للبحث عن المجرم الخائن !!......استدار يحاول ابتلاع سخطه بعد أن زمجر كالإعصار معترضاً .....مشى خطواته بقوة مضاعفة متجهاً ناحية المروحية حيث ينتظرونه ......وقبل أن يصلها بمترين التفت الى يساره عند سماعه أصوات زملائه الذين يمسكون بالوغد الذي كان ما زال على مقربة من الانفجار للاطمئنان على عمله ولم يتمكن من الهروب والافلات منهم بعد سماعه الأمر بالقبض عليه!....كانوا يصرخون مناداة على قائدهم الأكبر السيد (سليم الأسمر) هاتفين :
" سيد سليم...لقد تم القبض على المجرم الخسيس .."

دقة في النابض خلف أضلعه كانت الحاسمة...الدافعة...الداعمة.. ..أجل!.....لقد رآه بينهم....أجل لقد أكدوا أن ما بين أيديهم هو من فعلها.....فعلها وباع الوطن!....فعلها واغتال صديقه !.....كيف سيخمد ناره؟!....بماذا سيريح ضميره؟!.....باستدارة كاملة لجسده الصلب مزلزلة الأرض من تحته وبصرخة مجلجلة الأفق من فوقه هتف بغل وغيرة على وطن وصديق وكلينا نتقاسم قلبه:
" انظر إليّ أيها الكلب الحقير ..!!."

التفت إليه بالحال مع عصبة الأشبال وبشموخ الثائر الأبيّ ومهارته الفذة بالقناصة ....وبمجازفة دون ارتجاف او تردد صوّب سلاحه بكل دقة عالية واحترافية وثقة لا متناهية رغم وجود ذاك الخائن بين زملائه ثم أطلق رصاصاته ثاقباً بها جسده النجس تزامناً مع صراخه:
" مُت أيها الخائن ..."
" كن عبرة لغيرك يا وضيع.."
" كيف تجرأت وغدرت صديقي ؟!"
" جهنم وبئس المصير..!!.."

لينهي الأمر برصاصة على جبينه يطرح جثته المليئة بالثقوب والدماء النجسة ارضاً ونفخ ببرود من بين شفتيه على فوهة بندقيته ثم اشرأب بعنقه دون ندم أو خوف من سخط الذي كان يقف بعيداً مذهولاً ومصدوماً من فعلته وقد فهم على الفور سبب صدمته فصرخ بذات الثقة ليصل صوته إليه:
" سيد سليم اطمئن......لا تخف....أعلم لأي جهة كان تابعاً...لقد أخبرنا الخائن الآخر بذلك...."

ثم أضاف بعد سكتٍ يسير:
" ما كنتُ استطيع أن أكون جنب صديقي وانظر لعينيه لو لم أفعلها .!."

ورفع السبابة والوسطى بيمناه كتحية وسلام بينما كان يحتضن سلاحه بيسراه وابتسامة ماكرة مرتاحة تزيّن وجهه توازي دموع قلبه وقال:
" استودعكم الله....غزوة مباركة بإذن الله..."

وقفز صاعداً للمروحية ليبدأ رحلته الصعبة برفقتي....!!


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


من في البلاد لا يتابع أخبار حربنا ؟!....المهتم والغير مهتم....المساند والمعارض....الخائن والوفي!....تعددت النوايا ولكن المتابعة واحدة!!....فكيف بعوائل الأبطال؟!....كيف بأهالي الجنود؟!....كيف بمن وهبوا قطعة من روحهم لأجل الوطن ؟!....كم بيتاً خرج منه شبل؟...سواء كان ابناً او زوجاً او شقيقاً وأباً......هؤلاء هم الأكثر وفاءً واهتماماً بما يحصل في أرض المعركة....يرجون النصر للحق من أجل الوطن ويبتهلون من الله ليعيد الثوار سالمين إلى بيوتهم!!.....وهذا كان الحال في بيتنا الجبليّ.....كان (شادي) يتابع بلهفة آخر التطورات وكانت والدتي تطهو الطعام وقت الغروب....لقد أخبرتها شقيقتي أنها ستأتي وزوجها لتناول العشاء عندهم !....وبينما كانت منغمسة في عملها بالمطبخ شعرت فجأة برجفة في قلبها فوضعت يدها على صدرها بالحال متمتمة:
" يا رب لطفك....استر يا رب واحمهم وسدد رميهم ....يا رب كن معهم لا عليهم....يا رب اعد لنا ابناءنا بصحة وعافية...."

ثم تابعت عملها وشيء في باطنها يزعزع طمأنينتها....!!..

" شادي.....افتح الباب...الجرس لا يعمل وهناك من يدق علينا!!.."

صرخت بجملتها من المطبخ الأكثر هدوءاً فبغرفة العائلة صوت التلفاز يصدح بقوة ولم ينتبه للطارق.....لبّى نداءها في الحال وبعد دقيقتين دلفت إليها بمرح:
" السلام عليكم يا أم هادي ..."

ثم اقتربت ببطء من ثقل حملها وكبر بطنها فهي الآن في شهرها وقبّلت خد والدتي التي تفاجأت بمجيئها الآن قائلة:
" وعليكم السلام.....ما بكِ أتيت باكراً؟.."

والتفتت الى الوراء باحثة وهي تكمل:
" الطعام لم يجهز بعد....هل أتى زوجك معك؟!.."

عبست بدلال وردت :
" آه يا أمي...كان قد وصل الى البيت من توه....استحم واستلقى ليرتاح فجاءه اتصال عاجل هبّ من فوره على اثره وارتدى ملابسه اليومية بعفوية دون اهتمام وقال لي فقط...* عليّ الذهاب لخارج المدينة لاجتماع طارئ يخص عملنا....لا تقلقي ....ربما لن اعود الليلة ....اذهبي وابقي عند أهلك!..*....يا إلهي كم كان حانقاً متجهماً..."

ثم زفرت أنفاسها وتابعت بعطف عليه :
" بالطبع سيغضب وينزعج......لم يتركوه يرتاح مسكين.."

وضعت يدها على كتف ابنتها وقالت بهدوء فيه حزن لم تدركه:
" علّه خير ابنتي....لا نصيب له اليوم ليتعشّى معنا ..."

ثم مسحت على بطنها بمداعبة وأكملت:
" كيف هو حبيب جدته ؟!....أصبحتِ في منتصف شهرك وما زال ملتصقاً بك!.."

مسّدت بطنها بحنية وردت ضاحكة:
" بالفعل!... أظن أنه ينتظر انتهاء الحرب بإذن الله وعودة خاله هادي سالماً ليحضر ميلاده .."

ضحكت تجاملها ثم هتفت من جب فؤادها:
" يااااا رب "


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


لم تتزحزح من مكانها وهي تلهج بالدعاء ....قلبها منفطر عليها وروحها تتألم لأجلها .....ابنتها الروحية وسيدتها الصغيرة تعاني في غرفة العمليات وتصارع من أجل الحياة ولم يكن الحال أفضل عند (رهف).....كانت تدعو لها بقلبٍ خالص وهي تجوب رواق المشفى متوترة ....خطيبها يساندها في محنتها ويهدّئ من روعها عليها ....لقد فكرت السيدة (سهيلة) للحظة بأن تحاول الوصول إليّ ولو عن طريق السيدة (إيمان) بعد أن أدلى الطبيب بالخبر المؤلم الحزين!......ظلت حائرة في أمرها !...رأت أن الأصوب هو إعلامي بالأمر ولكن التيه الذي عاشته مع خوفها على من بالداخل جعلاها أن تتأنى بقرارها وأن تنتظر الساعات القادمة على خير!.....لقد مضت ساعة وأكثر بعد عودة الطبيب لاستئناف عمله !...العملية القيصرية لا تأخذ وقتاً ولكن حالة المريضة ليست طبيعية وعليهم الانتظار والصبر !.....انفتح الباب الكهربائي الفاصل بين غرفة العمليات وغرفة الانتظار .....خرج الطبيب إليهم وكان وجهه قاتماً بسبب الجهد الذي بذله فهرولت إليه (رهف) وخطيبها لتسأل بلهفة ورجاء مع دمعة سقطت من مقلتها:
" أرجوك أيها الطبيب...طمئنّا على كليهما!.....أرجوك لا تفجعنا!.."

أنزل كمامته عن فمه....تنهّد بعمق وأجاب بجدية:
" الأم بخير الحمد لله....لقد استعملنا بنجاً كاملاً معها لذا ما زالت نائمة !....."

قاطعته التي اقتربت منهم جالسة على كرسيها المتحرك وهي تقول:
" والذي في بطنها !....كـ....كيف حاله؟!.."

ضغط على شفتيه قليلاً وهو يهزّ رأسه ورد وهو ينقل حدقتيه بين ثلاثتهم :
" لقد أنقذنا الطفل بفضل الله ....وضعناه بالحضانة الخاصة لاكتمال نموه....لكن!!.."

ابتسمت (رهف) ابتسامة صادقة وسائلة:
" هل أنجبت ولد؟!.."

ليتبع سؤالها سؤال عمتها المرتبك:
" لكن ماذا ؟!."

تبسّم مجاملاً وهو يومئ برأسه ايجاباً ناظراً للأولى هامساً:
" أجل ولد..."

ثم اخفض نظره للأخرى مستطرداً:
" لكن الولد سنضعه تحت الرقابة المشددة لمدة أسبوع.....في الحقيقة وضعه ليس جيداً.....سنبذل قصارى جهودنا والأمر كله في الأول والآخر على الله .....دعواتكم!!..."


~~~~~~~~~~~~~~~~~


كم مرّ من الوقت؟!...لا يعلم !....كيف استطاع الصمود أمام زوجته دون أن يشعرها بخطب ما قد حدث ؟!....حقاً لا يدرك!.....أتاه الاتصال المشؤوم تاركاً قلبه مكلوم ....نزل عليه الخبر كالصاعقة وهو في البيت إلا أنه بقدرة الله ثم قوته تمالك نفسه حتى ارتدى ملابسه وفرّ خارجاً منه بعد تحججه لها بعمله وقاد السيارة بجنون حتى وصل مركز الشرطة ومن هناك أوصلوه إلى تلة الصقور حيث تنتظره المروحية الخاصة بالشرطة أعلى الجبل...!!....وها هو دخل الى مبنى المشفى في شمال البلاد بعد هبوط طائرته في ساحتها!....كان يسير مسيّر حيثما يأخذه قلبه وأينما يهديه حدسه ....خطواته كانت واسعة كاد يكسر بها الأرض الرخامية من تحته.....قاطب الجبين والدمع في العين حزين!....يسير ويا ليت له جناحاً ليطير!....لا يعي ولا يفقه من أين أتته تلك المقاومة للثبات بينما عقله يقول له...ماذا ستفعل لو توأم الروح قد مات ؟!.......أخيراً مال يساراً الى الرواق الواسع حيث كراسي الانتظار وباب كهربائي عريض خلفه مريض بحالة حرجة...وربما!....بحالة احتضار!.......اسرع بخطاه أكثر ليُكشف له المكان بصورة أكبر ويرى صديقنا بلباس الثوار الأسود يجلس على كرسي وهو يتكئ بمرفقيه على ساقيه ويحاوط رأسه بكفيه يطرقه للأرض ولسانه يتمتم بالدعاء بينما يهز رجله بتوتر وارتباك ليحرر وضعه ذاك عند سماع الهمس المخنوق للآتي من بعيد :
" أحـ....أحمد!..."

تلاقت أعينهما المجمرتين وتعانق قلباهما النازفان بوفاء واخلاص ليهمس الجالس ووجهه محتقن بدماء الوجع:
" سـامي!!....لقد أتيت!.."

ثم انتصب واقفاً يقابله وهو يجول بنظره لياقة بلوزته الكحلية الغير مرتبة ولشعره المبعثر ووجهه المصفر وكأن الدماء هربت منه وأكمل بصوت ثابت مزيّف:
" هادي يا سامي....ادعُ له...."

هل حاله يسمح بالدعاء؟!...هل مظهره يوحي لمعالم الحياة عليه اصلاً؟!...كلا....بقيَ صامتاً وملامحه مبهمة....يقف صامداً وقواه آيلة للسقوط....من قال أنه حيّ؟....هل الحياة بالشهيق والزفير والنبض بالقلب فقط؟!....كم احياءً أمواتاً على الأرض ؟!....وهو أصبح منهم!....أجل.....لن يعيش إلا إذا برق الأمل عند فتح ذاك الباب!...لن يتكلم إلا إذا بشّره الطبيب بالجواب!....يتطلع عليه (أحمد) بينما هو يلوذ بالصمت.!....رفع يده إلى كتفه يشد من أزره وقال وهو يشير بالأخرى إلى المقعد الملاصق لهما:
" اجلس يا صديقي......أنت ليس على ما يرام!.."

ألقى حدقتيه البنيتين للباب ثم لصديقه وبالكاد سحب قدميه ليرتمي بوهن على المقعد وجاهد بخوف شديد ليخرج سؤاله:
" كـ...كيف هـ...هو؟!....مـ...ماذا حدث معه بالضبط؟!"

جلس جواره ووضع يديه بين ساقيه ناظراً إليهما وأجاب وهو يصك فكيه بغيظ:
" حثالة لم يستطيعوا مواجهته وجهاً لوجه فلجأوا إلى الغدر...."

شد قبضتيه ثم رفع قبضة يسراه وضرب ذراع المقعد وهو يكز على أسنانه مردفاً بسخط :
" تأخرت....تأخرت بحمايته!.....ذلك الحقير خالد لم يعترف عن مخططهم إلا باللحظة الأخيرة...تباً لهم وتباً لي ولتأخري!..."

لام نفسه كثيراً ....رأى أنه قصّر باستجواب الجاسوس.....ما كان عليه لينتظر حتى ينطق.....كان عليه اخراج الاعتراف منه ولو اضطر لاجتثاث لسانه ..لو أنه عاد إليه قبل الغروب...لو أنه صمم اكثر...لو استخدم أساليب التعذيب..لو...لو..لو...لكن ما الجدوى الآن من الملامة...لم يزده هذا إلا غلّاً وقهراً....بل ضاعف من عذابه لنفسه وهو بأمس الحاجة للحفاظ على قوته دون حرق طاقته...فاليوم أمامه طويل والمشوار في الصبر أطول!!.... عليه الرضا بما قضى الله...ما به حانق وساخط وهذا قدر لا يستطيع تغييره مهما فعل.؟!....مسح شعره بغيظ من أفكاره ثم تمتم مستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم ومستغفراً ....التفت ليمينه حيث يجلس الآخر لحظة همسه الخافت الذي خرج بسبب صوته المخنوق:
" أين إصابته تحديداً؟!.."

صمت برهةً ولمعة ألم اجتاحت عينيه المحمرتين وأجاب وهو يشير لبطنه :
" قطعة حديد من السيارة مزقت بطنه....."

قاطعه متسائلا:
" هل اخترقت الواقي؟!"

" لم يكن يرتديه !....نزعه ليخفف حملاً عنه كي لا يتأخر عند جلبه الذخيرة من سيارته"

تنهد موجوعا ثم أشار لساقه وفوق الركبة تحديدا ليكمل:
" وإصابة أخرى بساقه ....رأيتها ليست هيّنة ...أعانه الله وشفاه ..."

واستطرد بالحال:
" الحمد لله أن رأسه لم يتأذى على الأقل.....كان يرتدي الخوذة!.."

هزّ رأسه ولا يعلم ماذا يجيب وماذا يقول له وعن ماذا يسأله ثم عدّل جلسته يحني ظهره يتكئ بمرفقيه على ساقيه ويضرب برتابة قبضة يمناه ببطن يسراه من شدة قلقه وغضبه ووجهه الأشقر محتقن بالدماء الحانقة على الخونة وعيناه متكدستان بدموع أبت الخروج من بيتها فعاد الآخر لجلسته الاولى يحاوط رأسه ليستأنف أدعيته ثواني ثم دقيقتين وبذات اللحظة رفعا رأسيهما وانتصبا واقفين معاً بطولهما متأهبين لحظة خروج ممرضتين تهرولان بتوتر لتناديا على الطبيب الأعلى شهادة صاحب المشفى وصديق السيد (سليم) لأمر عاجل ثم اعترضا طريق ممرض ثالث خرج من نفس المكان بعد لحظات ليسأله الأكثر تحكماً بانفعالاته هذه اللحظة:
" ماذا يجري ؟!"

قبل أن يجيب تطلعا لحالة الاستنفار التي حدثت خلفهما وهو قدوم الطبيب المطلوب راكضاً مع مساعديه والممرضتين فتتبعا دخولهم حتى اختفاءهم بملامح مبهمة وذهول وعيون حائرة ضائعة ثم عاد (أحمد) ليسأل الذي ما زال بقربهما:
" أجبنا!.....ماذا يجري في الداخل؟!"

طرق رأسه وأجاب بإيجاز :
" المريض......توقف قلبه!"

* المريض توقف قلبه*...
جملة رنّت بأذنيّ أولهما لتصل مخترقة أذنيّ الآخر !!....

المريض توقف قلبه!!....
توقف يا زمن وسجّل ....هناك لعهد الصداقة من خان......اكتب يا قلم وبالتاريخ سجّل ....بطل يموت على يد جبان.....انزل يا غيث وعلى التراب سجّل ....في بلادنا ضاع الأمان!.....ابكي يا عين ويا دمع على الخدّ سجّل....متى سيكون الإنسان إنسان؟!.....اغضب يا قلب وبنبضاتك سجّل ..... هان الوطن هان هان !.....امضِ يا عمر وبين أيامك سجل ....لم يكن للسعادة مكان.......الزم مكانك أيها الزاهد العابد وعلى سجادة صلاتك سجّل......دعاء يبعد عنا الأحزان......أفكار عاثت بهما ولم يجدا لحالهما عنوان.......متى ولمن سيشيعان الخبر وكيف سيبشّران نبع الحنان؟......بأي حال ستغدو ؟.....أببكاء وعويل أم ستعلو بالزغاريد وستفرش الأرض بالورد والريحان؟!..........ما بالهما واقفان بجمود؟....ألم يستوعبا بعد؟....هي ثواني لم تجتاز الدقيقة جمعت كل الخواطر السيئة في ذهنهما .....صدى الجملة عاد ليرنّ داخلهما وكأنه ينبههما ليستيقظا من سكوتهما.....قرعت الطبول في قلبه هذه اللحظة حال ادراك ما سمع وتغيّب عقله عن التفكير ذاك الأشقر ومن هول صدمته أمسك تلابيب الممرض وهو يهزّه صارخاً:
" كيف تقول هذااا؟"

يهزّه ويتابع بذات النبرة:
" أتعي ما تفوهت به؟!"

كان (أحمد) ليس أحسن حالاً.....كان يجاهد للثبات وهو تائه أيمسك الدموع من عينيه أم يسكت صراخ أوجاعه أم يوقف نزيف قلبه؟.....ومن بين توهانه لفت انتباهه حركات صديقه العدوانية مع الممرض دون ذنب له......فاختار الصمود أكثر غير سامح لحاله بالتحطم وفك بصعوبة تلك الضحية من براثن غضب الأشقر الذي لم يعد يتمالك نفسه بعد أن أفلته وهو يدور هائجاً ناقماً يركل المقاعد تارة ثم يقلب غيرها ويدنو من خزانة زجاجية تحوي على مطفأة الحرائق يضربها بلكمته الصلبة ليتناثر زجاجها وتتناثر معها دماؤه الملتهبة غير آبه لها ولا للمكان الذي هو فيه ولا للتجمع الذي بدأ يحدث من نوبة الغضب التي اقتحمته ....مغيّب مغيّب كلياً فقط يركل ويرعد ويزبد ناقما ساخطا كارها كل غدار وكل خائن بعد أن صرخ صرخة خرجت كزئير الأسد الهائج بينما من يحتاج للسند مثله تضاعفت مسؤوليته وهو يحاول أن يهدئه ويسكته قائلا :
" استهدي بالله يا سامي....لا تفعل هذا بنفسك!"

لم يعره اهتماماً وأكمل بثورانه يدور ويدور دون أن يخف هياجه فاقترب منه بعزيمة وأمسكه من كتفيه يحاول تثبيته صارخاً به:
" كفى يا سامي كفى....ما هذا الجنون؟"

رغم غضبه المستعر وعروقه النافرة الا أن الانكسار كان واضحاً عليه بمظهر اكتافه المنحنية وانخفاض رأسه أرضا ولكن عند كلام صاحبه الأخير استقام بقامته ثابتا وحدّجه لثواني ثم رفع يديه يمسكه بقوة هاتفاً:
" أين ذاك الحقير....أين ال***....أريد أن أقتله بيدي.......دلّني عليه....دلني....سأريه الويل ..."

شدّ أكثر على جانبيّ كتفيه وهزّه هاتفاً بصوت جهوري متين خارجه القوة وباطنه حزن دفين:
" لقد قتلته.....قتلته يا صديقي ولن يجدوا عضوا واحدا سليما داخله......مات موتة الكلاب....ذهب الى الجحيم...ارتح يا صديقي.....ليس أحمد من يترك وضيعاً نجساً يتنفس خلفه.....لست أنا من أترك دماء أخي ورفيقي وأمضي في حياتي!....."

ما زال (سامي) يمسكه من ياقته وما زال (أحمد) ممسكا بكتفيه.....حلّ الصمت بينهما لثواني سقيمة يلقطا أنفاسهما ليكسر ذاك الصمت الأخير الذي همس:
" إنا لله وإنا إليه راجعون.....إنا لله وإنا إليه راجعون"

قالها وهو يدنو برأسه لا شعوريا لرأس الآخر الذي هتف بضعف ونبرة قاتلة من شدة ألمها وهو يفعل بالمثل ليلصقا جبينيهما ببعضهما :
" لا تقلها ...أرجوك....لا أستطيع السماع....أي حمل سيتركه لي لو راح !....أي جراح سيوشم بقلوبنا ؟....لم يمت.....صديقنا قوي...سيقاوم وسيشهد على استقلالنا واستقرارنا....سيحتفل معنا بانتصارنا الذي بات قريب..."

" يا ليت يا صاحبي يا ليت....ليتنا في كابوس وسنصحى منه......ليتنا لم نسـ...نسمع بـ..بآذاننا أن قلبه ....تـ...تـ..و..قف.."

والى هذه النقطة انهارت الحصون واغلقت الجفون بعد ان غرقت العيون وهما على وضعهما جبهاتهما ملتصقة وناصية الحزن تربطهما دون همس يخرج من أيٍ منهما تزامناً مع نزولهما أرضا ليقرفصا متقابلين يشبهان طفلين فقدا أمهما ثم ينفجران ببكاء مرير يمزق نياط القلوب ويذهب العقول...كان الوجع في القلب دفّاق والدمع من العينين يراق...عجز...ضعف ثم احتراق...يبكيان بحرقة وألم دون أن ينفصلا وكأنهما يشدان من أزر بعضهما....يشعران بفراغ مميت....وكأن شيئاً ينقصهما....صورتهما غير مكتملة......هناك قطعة مهمة مفقودة....قطعة لا يستطيعان التنفس دونها.....لا يمكنهما الاستمرار قُدماً من غيرها ......قطعة ستحرمهما تذوق الفرح مهما صار......قطعة فككت عقد عهد الصداقة.....!!.........قطعة ربطت صداقة ثلاثي بمتانة ...ثلاثي لم يزعزع علاقتهم غضب.....ولم تفرق قلوبهم هجرة......ولم تصبهم عين.....قطعة نفيسة بنظرهما سرقها منهما الموت على يد جبان وكل خوّان......اسودت الحياة أمامهما وضاقت الدنيا عليهما وسدت الطرق بوجهيهما وفي بالهما....انتهى العهد...... وذهب (هادي)...!!
وكانت آخر همسة مستضعفة هربت من شفتيّ شيخنا:
" فلنعزي أنفسنا....إن ملتقانا الجنة بإذن الله"


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


مرّ اسبوع وحالها لم يتغير.!!....فبعد استيقاظها من تأثير البنج واستيعابها لما حصل معها كانت ردة فعلها الأولى البكاء والبحث عن صغيرها بهيستيرية مما اضطرهم لإعطائها مهدئ بالحال ...فلم ينفعهم الكلام معها واخبارها أنه حيّ......لقد دخلت العملية وفي بالها فقط أنها فقدت طفلها!!....نامت وصحت على هذه الفكرة ....وبعد ساعات قليلة من أخذ المهدئ والنوم عادت إليها مربيتها و(رهف) مجدداً ...انشغلتا لتهدئتها من انفعالها وحدّثتاها عمّا حصل معها وبشّرتاها بأنها أنجبت ولدا وبأنه بخير وموجود في الحضانة لاكتمال نموه....لم ترَ سابقاً رضيعاً عن قرب....لم تخالط أطفالاً بهذا العمر....لقد عاشت طوال عمرها منعزلة عن المجتمع وتقابل فئات قليلة منهم....وفجأة أصبحت أماً خرجت منها روح أخرى!.....عندما هدأت بالفعل وأصبحت بنفسية أفضل قليلاً قررت (رهف) مرافقتها لغرفة الحضانة الخاصة بابنها كما قال الطبيب بأنه سيبقى بها تحت الرقابة للاطمئنان عليه!....كانت تمسك بها صديقتها وتتقدمان بتمهّل الى تلك الغرفة.....كم عاد إليها الأمل والشوق لتحتضنه!....تمشي بانحناء تمسك بطنها لشعورها بالألم وهي ترتدي رداء المشفى الخاص وحجابها يحيط رأسها بعشوائية.....وصلتا إلى هدفهما....لم تستطع لمحه من النافذة الزجاجية ....دخلتا إليه وكانت باستقبالهما ممرضة لترشدها على كيفية اخراجه والتعامل معه.....في البداية رغم الوجع كانت سماءيها تبرقان بالفرح توقا لرؤياه وقلبها يخفق بالحنان الفطري....ما زال بالحاضنة الشفافة التي تبعد عنها امتاراً قليلة وهي تقف بمنتصف الغرفة......فجأة....تسمّرت مكانها لحظة اخراج الممرضة له منها ....ما هذا؟...من هذا؟....انخطف اللون عن وجهها....تصلّبت شرايينها....ابتلعت ريقها وعلا وجيب الخوف بقلبها!...بصعوبة وبطء التفتت الى يسراها من حيث تمسكها صديقتها وعيناها جاحظتان وهزت رأسها برفض هامسة:
" مـ....مـ....ما هذا ؟..."

وضعت يدها تمسح بها على ظهرها لتسكنها وهي ترد:
" تقدّمي حبيبتي....هذا ابنك...هيا اقتربي!.."

حثّتها لتتقدم وفعلت بتثاقل لأنها هي من تدفعها ....دنتا من الحضانة ثم التفتت للتي همست وهي تحمله بابتسامة:
" انظري لصغيرك ما أجمله.."

ثم مدّت يديها لتقربه منها بالمجال الذي تقدر عليه لأنه مربوط بأسلاك تخص مراقبة الاعضاء وجهاز للنفس فحالت بين الاستجابة لها والهروب من هنا صدمة جعلتها تتحنّط مكانها وكأنها تمثالٌ في متحف يعبر عن صورة بائسة لفتاة محطمة حملت كل هموم الأرض على أكتافها !....لم تتزحزح قيد أنملة....ولم تبدر منها همسة!...فقط ما كان يوحي بأن هذه مخلوق من البشر هو حركة صدرها بفعل اضطراب نفسها الذي يتضاعف وجلاً!......كررت تلك طلبها بهدوء....مرة تلتها مرات!....فحررت نفسها من جمودها وهي تستدير لتهرب من المكان متمتمة:
" لـ...ليس ابني!.....هذا ليس طبيعي!....انتم تكذبون!....!..."

وبدأت تسرع خطاها وهي تتأوه ممسكة ببطنها والحجاب انزلق عن شعرها غير آبهة له أو غير مدركة لحالها ...تحاول الركض متعثرة بأوجاعها و(رهف) لحقت بها فوراً لتسندها حتى وصلتا غرفتها ثم أشارت لخطيبها ليذهب ويؤذن بأذنه وبقيت هي عندها.!!....لقد دخلت بصدمة من صغر حجمه ومظهره الذي لا يشبه الاطفال الطبيعيين ....لأول مرة ترى هذا المنظر!....فعقلها لم يستوعب وحدود معرفتها لم تتقبّل أن الطفل السباعي يكون بهذا الشكل والحجم وخاصة بعد ما عاشت من معاناة قبل دخولها غرفة العمليات....معاناة أذهبت ما تبقّى عندها من عقل!.....والآن ها هو الأسبوع مرّ على هذا الموقف وهي ما زالت في غرفة المشفى بالكاد تأكل وتشرب دون أي كلام يذكر....لقد دخلت بنوبة اكتئاب ما بعد الولادة...عبّرت عنها بالصمت التام والشرود في الفراغ....دون بكاء ودون صراخ ودون اعتراض.....أضحت كدمية يسيّرونها ...لتأكل...لتستحم...لتنام!...اس? ?وع لم تفكر بزيارته رغم وجودها معه!!....
كان هذا هو اليوم المتفق عليه من أجل تسريحها للبيت......فصحتها الجسدية جيدة بفعل المغذيات ومكان العملية وضعه ممتاز.....لا حاجة للبقاء......فقط عليها العودة للمشفى بشكل يومي لزيارة ابنها ومحاولة ارضاعه !!..ارضاعه؟!...وهل حالتها تسمح؟!....هل وضعها طبيعي؟!......اسبوعا كاملا والممرضات ومربيتها وصديقتها تستنزفن طاقتهن لإقناعها بأن تضعه على صدرها علّه يتذوق حليبها ....لكن محال...ما من مجيب!!....هي في عالم آخر بعيداً عنهم....ما زالوا لم يفقدوا الأمل منها فوصوا من ترافقاها بأن لا تستسلما بمحاولات اقناعها لإرضاعه ...فقد كان لديها فائض من الحليب لدرجة كان يلطخ ملابسها ويجعلها رطبة ....خسارة!....كان يضيع سدى دون استغلاله ...سيجف حليبها دون أن تغدق على ابنها به...فلا يوجد أفضل من حليب الأم الطبيعي!!....لكن!...ما ذنبها إن كان المشفى حكومي يرتاده البسطاء ويفتقر لنواحي كثيرة منها أطباء بدرجات عالية أو اخصائيين واستشاريين نفسيين لمثل هذه الحالات وغيرها؟!...اخصائيين يشخصوا حالتها ويفعلوا اللازم من أجلها!......لم يعيروا حالتها اهتماماً وظنوا أن هذا مؤقتا وسيختفي تدريجيا في غضون أيام قليلة....أو ربما تجاهلوا ولتنزع هي وذويها أشواكها بيدها!!...قمة الاهمال والتسيّب!!....مشفى مثل هذا لن يكلف نفسه كثيراً لتوظيف هذه الفئات لنشر التوعية والارشاد فهو بالكاد يعمل على المهم...إنقاذ حيوات!.....لا يدركون أن هنالك أناس يُقتلون بالحياة إن لم يجدوا أحداً يمسك يدهم!........ على الأهالي الانتباه والسعيّ لتدارك حالات بناتهم قبل تفاقم الوضع وقبل الوصول لمراحل صعبة للاكتئاب مما لا يمكن التعامل معها ومن الممكن أن تصل الى حد الأذية....سواء الأم لنفسها أو لابنها!....فكم من حادث حصل....سببه اكتئاب ما بعد الولادة!........ساعدت (رهف) تلك البائسة ذات الحظ العاثر بارتداء ملابسها وحجابها ثم توجهتا برفقة السيدة (سهيلة) الى غرفة الطبيب الذي أشرف على حالتها بعد أن طلب منهم ذلك من أجل اجراءات الخروج...!!.....جلست (رهف) على كرسي أمام مكتبه بعد أن أجلست (ألمى) على الآخر المقابل لها والمربية بقيت على كرسيها المتحرك تتوسطهما فافتتح الحديث مبتسماً بطيبة وتواضع ناظراً إليها ثم سألها:
" كيف أنتِ الآن سيدة ألمى؟!"

تطلعت عليه تنظر إليه نظرات خاوية دون إجابة ...كرر سؤاله بأسلوب آخر حتى تجاوبت معه تهز رأسها رامشة بعينيها إيجاباً وكأنها تريد أن تتخلص منه!....تبسّم لهذا التجاوب الفقير....وحرّك أنامله بمهارة على لوحة مفاتيح حاسوبه يكتب عن حالتها وما يترتب عليها عمله كزيارة طبيبة نساء بعد شهر للاطمئنان على رحمها وما عليها أخذه من فيتامينات وأدوية ثم قام بطباعة ورقة ليسلمها لها وبهذه اللحظة دخلت الممرضة المسؤولة عن طفلها تريد توقيع من الأم يوثق معرفتها وموافقتها أنهم سينقلون ابنها الى قسم الخدّج الكبير بعد تحسن حالته وتقدّمه!...وقبل اخذ التوقيع بدأت تملأ استمارة اخرى بتفاصيل عامة لبعثها للداخلية من أجل اضافته لهويتها! ....تنقل عن ورقة غيرها رقم هويتها وتاريخ ميلادها وعنوانها وجاء الدور المهم والأكثر حماساً عند كل أم وهو تسمية مولودها!....رفعت رأسها باسمة تسألها بهدوء:
" أجل سيدة ألمى....أي اسم يا ترى اخترتِ لابنك؟!.."

هل قالت ابنها؟....إنها لا تعترف به!....سألت مرة وتبعتها بمرة ومرة ولم يصلها أي رد....تنهدت الممرضة بتعب واحباط واستقامت واقفة رغم محاولة الموجودين معها لجعلها تنطق بالاسم ولكن كل هذا لم يجلب أي نتيجة فانتقلت تمد لها الورقة الأخرى تطلب توقيعها على الأقل....سلّطت حدقتيها عليها تنظر بلا مغزى ثم بكل برود وهدوء قامت عن كرسيها واستدارت خارجة غير مهتمة لأصواتهم ونداءاتهم واسئلتهم فاستقامت واقفة (رهف) واحتارت وهي تنقل نظراتها بين طيف الخارجة والطبيب وعمتها والممرضة ثم لحقت بها يائسة لتتمتم الجالسة على كرسيها المتحرك بالحوقلة والاستغفار حزينة عليها فقاطعت تسبيحاتها التي هتفت لها:
" سيدة سهيلة....بما أنك الأقرب لها...يمكنك التوقيع عنها وتسمية الولد.....لا بد أنها قالت أمامكم مرة أي اسم ترغب تسميته!....اريد الاسم الكامل ضروري لأني سأرسل الاستمارة للداخلية من أجل تسجيله في الدولة."

مطت جذعها قليلاً نحو مكتب الطبيب تخط توقيعها بعد أن هزت رأسها موافقة على التوقيع وعند الاسم شردت قليلاً تبحث عن طرف خيط يرشدها الى أي الاسماء تحب فلم تتذكر أنها خاضت معها حديث عفوي يخص هذا وكذلك لم تنس رفضها لانتقاء اسماء إن كان ولدا أو بنتاً وأنها تركت هذا لهذه اللحظة التي حُرمت من لذتها !!....بحثت وبحثت في أروقة عقلها وتلك الواقفة تنتظرها بصبر.....لاح أخيرا في بالها اسم برأيها هو الأنسب....تبسمت ابتسامة واهية ...زفرت أنفاسها ثم نطقته وأكملت في سرها بريب " سامحيني صغيرتي....هذا ما يجب أن يكون....وعليك القبول به لا مفر "

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


وبمشفى الشمال كما الوقت في بلاد اللجوء ازدهرت الآمال وربما القلب عن الفرح سيبوء!!.....إنه صباح اليوم السابع على التوالي يصعدان فيه الى الطابق الثالث ويتوجهان تحديداً الى الغرفة المنفردة التي نقلوني إليها بعد أيام من تواجدي بقسم العناية المكثفة وهما يستعدان للحظة على مدار الاسبوع انتظراها وهي لحظة ايقاظي من المنوّم الذي استمروا بإعطائي إياه كي لا اشعر بآلامي وجروحي العميقة الشديدة .......رغم ذبولهما الصريح ونفسيتهما الشبه محطمة من الأرق والقلق وسهاد ليلهما إلا أنهما متحمسان كثيراً لسماع صوتي ورؤيتي مستفيقاً فاتح العينين.......الفرحة لا تسعهما وتفيض منهما كالشلال المتدفق فهما لم يلبثا أن ينسيا ما عاشا قبل أيام ساعة وقوع تلك الجملة البغيضة على مسمعيهما......فبعد انهيارهما التام وتسليمهما لأمر الله بدقائق قليلة خرج إليهما نفس الممرض ليلقي إليهما البشرى بأن بعد رحمة الله وكرمه وقدرته نجح كادر الأطباء بإعادة نبضات القلب إلى مسارها الصحيح مستخدمين كافة الأجهزة المتطورة لديهم بما فيها جهاز الضربات الكهربائية.....وقتها انقلب حالهما وتبدلت سحنتهما فأضحت عبرات الحزن دموع فرح وتكشيرة الوجه ابتسامات صادقة وهما يحتضنان بعضهما بقوة غير مصدقين أن هناك شيئا أشبه بالمعجزة قد حصل وهما أكثر من يوقنان أن لا يرد القدر إلا الدعاء والله استجاب لندائهما الصادق وأن طالما رضا الوالدين يرافقنا فسينجينا الخالق من سابع سمائه...!!.......يومها صليا معا ركعتي شكر لله على عطاياه بقلب خالص وأمضيا ليلتهما حتى الشروق بالمشفى دون أن يغلق لهما جفن وبعدها أصرّ الصديق الطيّب وشيخنا الوسيم على (سامي) ليعود أدراجه إلى المدينة الجبلية بعد اطمئنانهما على استقرار حالتي كي لا يثير الشكوك والشبهات وخاصة أمام أهلي فما حصل معي ما زال طيّ الكتمان وهم يعلمون أنني بالجنوب أحارب وقد أمضى الأخير أيامه بين العمل وزيارتي أما اوقاته القليلة التي تواجد بها أمام زوجته كان يتحاشى النظر إليها ليخفي معاناته من الكارثة التي ألمّت بي!!.......خفف الأطباء من جرعة المنوم تدريجياً وجاء وقت استفاقتي!......بدأتُ بالتململ أشعر بجفاف حلقي وشفتيّ ثم قمتُ بالشد على عينيّ......أحسستُ أنني بدنيا غير دنيانا....رأسي ثقيل ثقيـــل ....جفوني ملتصقة....بالكاد حتى فلحتُ بفتح عينٍ واحدة ثم تبعتها بالأخرى وما إن فتحتهما بشكل أكبر حتى قفز كل منهما على جانبيّ متحمسان وباسمان وهامسان بصوت كأنه خرج من فم واحد:
" هادي.....حمداً لله على سلامتك"

" مـ...ماء....أريدُ ماء..."

نطقت حروفي ومررتُ لساني على شفتيّ ليتحركا بنفس الخطوات يبحثان عن قارورة قريبة هنا او هناك فتبسّمت الممرضة التي كانت ترافقهما مع الطبيب وهو رئيس المشفى وصاحب السيد (سليم) وهمست لهما:
" انتظرا......سنسقيه عن طريق إبرة أفضل الى حين أن يصحصح أكثر..."

ثم بعملية وهدوء قامت بالأمر تسقيني قطرة قطرة دون ارتواء....!...

تفحص الطبيب جروح العمليات بمساعدة الممرضة وتبسّم مطمئناً لأنها غير ملتهبة ووضعها سليم ثم نظر لصديقيّ هاتفاً بعد أن رأى حماسهما لمساعدتي:
" يمكنكما عند استيقاظه جيداً مساعدته بارتداء منامة المشفى....البنطال والقميص......وإن عاد لوعيه بالكامل اخبرا الممرضة لتوجهكما كي تدعماه ليتمشّى قليلاً إن استطاع وأراد ذلك!....طبعا مع مساعد المشي الخاص."

×
×
×

بعد أن تفحص الطبيب قيمي وحالتي تركنا ومعه الممرضة ليبقى بجانبي رفيقيّ درب طفولتي وشبابي ...كان احدهما يجلس على الأريكة التي تحتل زاوية جانب النافذة والآخر على كرسي يجاوره.....يتبادلان أطراف الحديث تارة ثم يراقبانني بعيونهما ....مرّ وقت طويل كنتُ فيه اخرج تمتمات غير واضحة غالبيتها ثم أعود لأغط بنوم عميق......ساعات طويلة أمضياها ما بين تواجدهما جانبي او خارج الغرفة يتمشيان......يتناولان وجبات تسد رمقهما ويشربان قهوتهما ليستمدا القليل من الطاقة .....حلّ المساء فوصلتُ الى مرحلة كاملة من الوعيّ.....كنتُ أتأوه بها عند محاولاتي التحرك...تناولتُ وجبة عشاء خفيفة وبدلت رداء المشفى المفتوح بمنامة ثانية من قطعتين وهذا بالطبع بمساعدة الغاليين على قلبي!.....شرحا لي مع الطبيب حادثتي وكل ما مررت به !....سمح لي الطبيب بالتحرك دون بذل جهد .....جلبوا لي أداة المساعدة على المشي كخطوة أولى....كنتُ أرتدي لباس المشفى الخاص وفي يدي تغرز ابرة مربوطة بالكيس المغذي ....أعانني صديقيّ لأنهض جالساً على فراشي ....باغتني الدوار لوهلة وكأني أحمل جبالاً على كتفيّ نزولاً لعضديّ.....انتظرتُ قليلاً ثم زفرتُ نافثاً أنفاسي لأقف....لقد شعرتُ بالملل حال افاقتي الكاملة ....كرهتُ تيبس أطرافي..واختنقتُ من الغرفة أريد استنشاق هواءً طبيعيّاً.....المرة الأولى كانت صعبة والثانية لم تكن أقل منها صعوبة وعند الثالثة شددتُ عزيمتي ...عليّ النهوض ...لن أحاول بل سأفعلها حتماً.....ما زال صديقاي يقفان جانبي ولم اسمح لهما بمساعدتي بهذه المرحلة رغم اصرارهما لكني العنيد الأكثر اصراراً.....توقفتُ أخيراً ثابتاً مكاني....بفضل الله....تبادلت النظرات والابتسامات معهما فربّت (سامي) على كتفي هاتفاً بحماس:
" أجل....هكذا أيها الفهد الأسود...يمكنك فعلها...لم تخيّب ظني بك!"

ضحك (أحمد) ضحكة رجولية معتزاً بي ليضيف على كلام الأول:
" هذا صديقنا العنيد....لن يثنيه شيء ولن ينال منه أحد حمدا لله"

مع تشجيعهما شعرت بدمائي تجري بحماس بمنابعي وداريتُ أوجاعي....الوجع سيزول....المهم أنني حيٌّ برعاية الله...نجحتُ بالوقوف والآن عليّ أن ابدأ كطفل أتعلم خطواتي الأولى.....انحنيتُ اتكئ على قابض مساعد المشي وحركته قليلاً لأحرك قدميّ ....تقدمت بيميني السليمة وأردت أن اتبعها بيساري السقيمة وهنا بالذات ...كانت الفاجعة.... ومركز التحول الأصعب بحياتي.....لم أشعر بها ولم استطع نقلها .....في البداية لم الفت انتباههما وفي النهاية ظهر الأمر كإشراقة الشمس على وجهي وجوارحي....انتبها لعروق يديّ البارزة الممسكة بالمساعد ولأوردتي النافرة على عنقي وأنا اجاهد بنفاذ صبر على جعلها تتزحزح غصباً عنها ويجهدني العرق......تبادلا نظرات بينهما بدت مصدومة لكنهما يفقهان ماهيتها دون أي همسة وارتأيا السكوت دون تدخل.....بقوة تملكّتني بفضل النيران التي اشتعلت داخلي عدتُ للوقوف دون دعم المساعد وأمسكتُ بيديّ أعلى ساقي اليسرى لأحملها كي أدفعها خطوة للأمام....نجحتُ بنقلها وأردت الصمود لأنقل الأخرى معطياً الأمر لعقلي...لكن عند تمركز ثقلي على الجريحة الرخوة اختل توازني وتقلقل ثباتي وكبناء شاهق انفجرت أساساته انهرتُ سامحا لنفسي ان أتحول على الأرض كالركام بضعف واستسلام إلا أنني لم أصلها بسبب اللذين بمحبة ودعم لا محدود وبحركة شهمة أخوية متوازية من كليهما أمسكا بذراعيّ يسنداني بما اوتيا من قوة وارجعاني لأجلس على السرير ليهمس توأم روحي وهو يضع يده على كتفي:
" ارتح هادي....ربما استعجلنا على هذه الخطوة..."

وتبعه (أحمد) يضع كفه على مؤخرة عنقي يمسدها بدفء وعطف قائلا بصوته الهادئ:
" ستفعلها يا صديقي......الله ثم نحن معك "

لم اعطهما أي ردة فعل ...ربما يشعران بي وما أعيش داخلي أنا واثق من هذا فنحن الأصدقاء منذ الطفولة نقرأ افكار بعضنا.!!...حرارتي وصلتهما...حرارة منبعها بركان يحرق دواخلي!.....كم تمنيتُ الهروب منهما ومن نفسي هذه اللحظة.....كم وصلتُ لدرجة صعبة من القنوط....شعور لم أعشه آنفاً وانا الانسان الصابر المؤمن بقضاء الله وقدره....لكن العجز أطاح بي...بدد أفكاري وشتتني من ذاتي......نفسي محطمة والقلب مكسور واي انكسار؟....انكسار عميق جعل الروح تنوح.....القلق من وضعي يجري في منابعي كجري النار بالهشيم!...."ما بي؟..."...اتساءل بسري..." أهناك شيئا لم يخبراني به؟"....أكملت تساؤلاتي لنفسي بنفسي!........كيف الهروب وأين أذهب!.....ناشدت وحدتي....أريدُ عزلتي ...فألقيتُ كلماتي إليهما وكانت كجمرٍ لاذعٍ عليهما:
" اخرجا.....لا أريد أي أحد!"

ربما لسعتهما كلماتي....لكني مجبر....اشعر أني أحتضر وانتظر ملك الموت ليرفع روحي للسماء!....الى الحنّان المنّان ....لأطوف في أعالي الجنان.....فأنا سئمت...سئمت هذه الدنيا.....كل المشاعر السلبية تكابلت عليّ هذه اللحظة الأليمة....وكأن حياتي توقفت هنا....اليوم أعلن تاريخ وفاتي عن عمر يناهز السابعة والعشرون عاماً....أجل أنا متّ ....شيعوني واجعلوا تراب بلادي يحتضن جثماني!......لمّا لم أرَ أنهما تحركا ثرتُ أكثر فخرجت نبرتي من بين أسناني بشكل أقسى وجافة:
" قلت ...اخرجا..."

رمش شيخنا الوسيم مع ايماءة برأسه للأشقر الذي لم يهتم لكلامي يطلب منه الخروج معه متفهماً حالتي وأني ارغب بالبقاء وحدي فانصاع ذاك دون رضا يسحب قدميه بتمهّل ولما خرجا وأغلقا الباب خلفهما نزعتُ بغلّ الابرة من يدي والقيتها لحيث تستقر ثم اتكأتُ بمرفقي على فخذيّ منحنياً للأمام وحاوطتُ رأسي من الخلف شابكاً كفيّ ببعضهما سامحاً لعبراتي أن تتحرر من محجريهما لتتساقط على بنطالي ...بكيتُ وبكيتُ وآاه كم بكيتُ....بكيت لضعفي وقلة حيلتي....شريط أحلامي وأهدافي مرّ من أمامي وكلها تحتاج قوة وجسد سليم وأنا الآن غرقتُ بهوّة وساقي غدا سقيم ....كم من الجراح تحملت وكان أكثرها هذا أليم.....اختفى شريط الأحلام من أمامي دون رجعة وصارت أهدافي أوهام....هذا ما رأيت ....كل شيء تحطم وكل طموحاتي تلاشت.....شردتُ بالنافذة أمامي لا أصدق أن بعد الليل سيضيء النهار.....ظللتُ شارداً دون هدف يرصد......لأدخل بحالة اكتئاب ما بعد الصدمة..!!....أما بالخارج يقف البطلان حزينان على وضعي ولكنهما يشجّعان أنفسهما أنهما لن يستسلما.....منذ متى كان الاستسلام موجوداً في عهد صداقتنا ؟؟....تحرّك (سامي) يسير ذهاباً وإياباً يفكر ويفكر بينما (أحمد) يستند على الحائط يقف على رجل والأخرى يرفعها للخلف يكتف ذراعيه يسرح بالرواق الواسع ليشارك صديقه بالتفكير والذي توقف عن حركته سائلا:
" ماذا سنفعل معه؟!....عليه أن يعلم."

ردّ عليه بهدوء وركازة:
" علينا الصبر والانتظار أياما أخرى!.."

اقترب منه عابساً وجزعاً ليقول:
" نصبر وننتظر ماذا؟!.....لن يغير شيء هذا!..."

بذات الهدوء المريح أجاب:
" مع الصبر والتروّي تأتي الحلول من عند الله..."

بغيظ من الوضع هتف بوجع:
" سمعت بالحرف الواحد ما قاله الطبيب لنا ولا أدري لما طلبتَ اخفاءه عنه؟!....."

ثم تحرّك مكانه يمسك صدغيه مرهقاً من التفكير وحائرا ليضيف:
" أنا في دوّامة ....لا اهتدي لحل....كيف سأخبر أهله؟...بل كيف سنخبره !..."

حرر ذراعيه وانزل قدمه المرفوعة على الحائط ثم قطب جبينه منزعجاً ورد مصمماً:
" أهله لا تخبرهم.....فليظنوا أنه ما زال في ارض الحرب وتحجج بأي شيء عن قلة تواصله معهم الى حين تحسّن نفسيته ليتكلم معهم!......أما هو قلت لن نخبره عن وضعه...!"

" وضّح لي لماذا أنت مصر؟.....أليس من الأفضل أن يعلم بأن ساقه أصبحت في شبه إعاقة دائمة وعليه التعايش وتقبل نصيبه؟!.."

قال معترضاً على طلبه فدنا منه ذاك الذي يكون هادئ بقرارته وغاضب عند غيرته ليجيبه واثقاً:
" إن علم عن وضعه سيستلم للأبد ولن يقاوم...عقله الباطني سيقتنع ويقنعه أن يتقبل عجزه....ستهبط عزيمته وتهرب إرادته ....ألم يقل لنا الطبيب أن بمثل حالته تكون نسبة ضئيلة جدا ليتماثل للشفاء ولكنه يحتاج للإرادة والاهتمام وكذلك معجزة من الله....تلك النسبة لو كانت جزَيء بسيط ...سنعتمد عليها وننميها له....سنصنع الإرادة ونطلب العون من الله.....سندفعه ونقنعه أنه يستطيع.....سنتكاتف ونتعاون لنثبّت أمامه حلمه الذي تمنى الوصول إليه ....بالإيمان بالله والتوكل عليه والقرآن......وبالتشجيع والإصرار....لن نقبل الهزيمة ولن نيأس.....سنعتبرها معركتنا وعلينا الانتصار على الألم...على العجز......نحن قاتلنا أقوى الرجال بفضل من الله أنضعف أمام عجز بسيط قادر أن يشفيه؟!......"

تنهّد يستعيد أنفاسه وتابع بصوت أقوى إنما ما زال يحافظ على هدوئه:
" هذه مهمتنا السامية يا سامي .....مهمة من أغلى المهمات!.."

ومدّ له يده يبسطها أمامه مردفاً بتحدي:
" أتريد أن تكون معي لنقضي على عجزه ونعيد إلينا هادي البطل بإذن الله؟"

تطلع على تقاسيم وجهه الوسيمة الرجولية ثم أخفض عينيه ليده ولم يتوانَ ولم يعطِ نفسه مهلة للتفكير وهو يلثم كفه بكفه ثم يشدّه إليه يحتضنه ويضرب بخفة على ظهره بيده الأخرى يؤكد له كلماته:
" لا تسأل يا صديقي....معك حتى النهاية...أشر لما تريد وأنا جاهز إن شاء الله"

شدّ من احتضانه وربّت مثله على ظهره وهو يبتسم بفخر واعتزاز هاتفاً:
" ها نحن جددنا العهد وسيعود إلينا بإذن الله صديقنا الفهد ....سيعود كالسابق وأقوى وسيحصل على مراده...ودائما الله معنا..."

تبسّم براحة متنهداً وكأن حملاً أزيح عنه وهو ينفصل عن حضنه هامساً:
" نعمَ المولى ونعمَ النصير.."


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


هناك في أرضنا الطاهرة الفسيحة ما زالت الاشتباكات على حالها ....قاد معركتي السيد(سليم).....كان ينقسم جنودنا ويتناوبون كل يوم....قسم يرتاح وآخر يقاتل في الليل والصباح وبما فيهم القائد.....أكثر من أسبوع مضى على حادثتي حتى أتتنا بشرى كدنا نفقد الأمل منها في السابق بعد انتظارنا لها ....بشرى جاهدنا لنحصل عليها ...فقد كان بعض من إداريي حزبنا وقادتنا والمتحدث الرسمي الأول بشأن الثوار مع المتحدث الثاني أي اختصاصي العلاقات العامة وهو شيخنا الوسيم يبذلون جهودهم ومساعيهم وهم يلتقون بشكل سري بكبار ومسؤولي جنود الدولة من أجل اقناعهم بالتحالف للقضاء على زمرة نتنة باقية من النظام السابق تحاول توسيع دائرتها وتكثيف جنودها واتباعها الخونة لإعادة قوتها والسيطرة على الحكومة والرئاسة ثم الوطن بأكمله من أجل مطامعهم التي لا تنتهي وجشعهم الذي لا يزول وها هو أتى اليوم الذي وافق به جنود الدولة للانضمام الى معركتنا يصفّون جنبنا كتفا على كتف ويدا بيد وبهذا ازدادت قوتنا وتضاعفت عزيمتنا فاشتد القتال والنزال.......خطط تغيرت وتبدلت باتفاق .....رسموا تكتيكاً لحصارهم ...جنود صفوف أولى وثانية وعتاد رهيب متطور للاستخدام العسكري.......قاموا بإنشاء حصوناً ولجأوا لخنادق كنا قد حفرناها سابقا استعدادا لمثل هذه الأيام....بدأوا يقاتلون من فوق الأرض وتحتها.....حرب ضروس واستنزافات هائلة وخسائر بالأرواح وبالمادة.....المدفعيات تنتشر بكل مكان ومدرّعات ثابتة .....أسلحة مختلفة تتصدى لنيران العدو ....منا المهاجم ومنا المدافع .....تكتيكات متقنة ومدروسة على أيدي أكبر الخبراء من القادة ....تحدّي منا وعناد....إصرار وتصدّي هدفه تحرير البلاد وتطهيرها من الأوغاد.....الأيام تمرّ والساعات الطويلة عسلها بالحرب مُر......فأي حياة هي حياة الحروب.....أي نفسية يعيش الجنود البواسل....أي طاقات يستنزفون....بأي ثمن يضحون من أجل مستقبل باهر فيه الأمان والاستقرار لأولادهم......أي كلمة شكر تكفيهم....أي حق سنوفيهم؟......جنود وثوار يحملون أمل لغدٍ مشرق مكلل بالنجاح والعيش بسلام........وها نحن كنا وما زلنا وسنستمر حتى نذوق لذة الانتصار على كل خائن، عميل، مجرم وجبّار......!!


~~~~~~~~~~~~~~~~~~


مرّت من أمامهما كأنها طيف أو شبح تسير بلا روح خارجة من الحمام متجهة إلى غرفتها المشتركة مع (رهف) ...جسدها غدا أكثر نحولاً وبياض بشرتها صار شاحباً وسماءيها حزينتان تحيطهما ظلمة من الذبول أما شعرها تربطه لها صديقتها بعفوية للخلف كأنه غير مسرح ومهملٌ دون عناية!!.....نظرتا إليها بأسى على حالها ولمّا اختفت عن أنظارهما تطلعت الجارة ليمناها حيث تجلس السيدة (سهيلة) والتي لم يخفَ على أحد انطفائها من شدة تأثرها مما حلّ بصغيرتها وسيدتها ثم سألتها فضولاً ترتجي من خلفه الاطمئنان على ضيفة حيهما :
" ألم تتحسن بعد؟! هل ما زالت مصدومة ؟!"

هزّت رأسها بحركات بطيئة من ثقل همها بعد أن زفرت أنفاسها الجريحة ثم استدارت ليسراها لترد بهدوء ونبرة يائسة:
" منذ اسبوعين أي منذ خروجها من المشفى وهذا حالها يا أم وجيه !!.....عجزنا عن اخراجها من صدمتها ....تمضي يومها متقوقعة على سريرها ....بالكاد تدخل لقيمات قسراً لمعدتها ...تجبرها عليها رهف....."

حشرت الكلمات بحلقها فخرجت منها باختناق وهي تكمل:
" قلبي منفطر لما آلت إليه ولم أعد أقوى على رؤيتها بهذا الوضع.......ما بيدي حيلة....ما بيدي حيلة ....اسأل الله أن يتولاها......والحمد لله على كل حال......الحمد لله.."

وسكتت لتسمح لدمعاتها المحروقة بالإفصاح عن مدى وجعها وقهرها عليها...!!

تركت تلك الجارة الطيبة لها المجال لتفرغ كبتها وحزنها على أمانتها وهي تلتزم الصمت ...وكم تعاطفت معهن وشعرت بضيق من أجلهن وراحت تفكر كيف ستساعد وكيف بإمكانها مد يد العون لهن.....فهي لمّا سمعت ورأت ما حل بضيفة الحيّ الحسناء الفاتنة اختلجت صدرها غصة ....فتاة بعمر الزهور تَضيع وتُضيع معها طفلاً لا ذنب له .....طفل يحتاج حضن الأم والحنان ......رضيع يتواجد في احدى زوايا المشفى منذ اسبوعين وبقي أياما وليالي أخرى قليلة من أجل تسريحه لبيته ....ينتظرون اكتمال نموه وتحسن وضعه أكثر فأكثر.....ابنها الذي تطور بشكل ملحوظ بفضل من الله والذي لم تفكر بزيارته كل هذه المدة....ليست قسوة ....ليس نفور .....إنما لا مشاعر لديها لا إيجابية ولا سلبية.....انعدمت أحاسيسها ....تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة......صدمتها بكائن تراه بحجم لا يتصوره عقلها ولم يتقبله......لجأت للصمت والصمت فقط ....لم تبح عن شيء منذ رؤيته ....عن ماذا أساسا ستبوح وهي معطوبة التفكير؟!.....لم يأتِ في بال إحداهما أي مربيتها مع ابنة شقيقها أن هذا ممكن أن يكون بداية اكتئاب ما بعد الولادة .....تراكمت الهموم والغموم عليهما من أجلها وصدمتهما بردة فعلها إزاء ابنها الذي عدّت الثواني وهي بانتظاره لاحتضانه لم يعطهما الفرصة للتفكير السليم والبحث الدقيق عن حالتها !.......كانت الجارة ما زالت تبحث في عقلها وفجأة تذكرت حالة مشابهة لحالتها حدثت بالسنوات الخمس الأخيرة مع كنة شقيقها فتبسّمت متحمسة تقطع شرود جارتها العزيزة السيدة (سهيلة):
" صحيح تذكرت........لا بد أنك تذكرين أنت كذلك ما حصل لكنة شقيقي عندما أنجبت ابنها الأخير .....كانت حالتها مطابقة تماما لحالة ألمى...."

رمقتها بنظرة لثواني معدودة تحاول بها استرجاع ذاكرتها التي تخونها أحيانا ثم غضنت جبينها عندما وصلت لمبتغاها لترخي بعدها ملامحها وتبتسم هامسة:
" أجل...أجل....تقصدين ممكن أنها تعاني من اكتئاب وعلينا اللحاق بها ومعالجتها قبل تدهور وضعها؟!...يا الله كيف لم يخطر على بالي هذا ....توقعت مجرد صدمة ومع الأيام ستزول "

وضعت يدها تربّت على فخذها وأسنانها البسيطة تظهر من ضحكتها البشوشة التي تنير وجهها الطيب وهي تجيب:
" بالضبط......أتذكرين يومها زوجها حفظه الله لأنه انسان واعي ومثقف ويحبها أدرك حالتها الغير طبيعية وسعى من أجلها فانقذها قبل فوات الأوان حمدا لله..."

اختفت الابتسامة عن وجه السيدة(سهيلة) ونكست رأسها لحجرها وهي تضع كفها فوق الآخر ثم همست بأسى:
" يا ليت....ليت زوجها هي الأخرى بجانبها!.....حرمت نفسها منه .......كان سيفعل مثله وأكثر مؤكد...لم يكن ليتركها تعاني .....خسرت رجل من زينة الرجال وعائلة لها مكانها بالمجتمع بسمعتها الطيبة ورقيها .......فليسامحه الله والدها الذي دمر حياتها وفرّق بينهما .....كنتُ سأضعف وانكث عهدي وقسمي معها وأتصل به إلا أنني بالدقيقة الأخيرة ألغيت فكرتي خوفاً من ردة فعلها....خفت أن أخسرها للأبد فهي مكسورة الجناح وربما لو فعلتها كانت ستضيع كلياً لأنها عند عنادها وعزة نفسها تثور وتتهور دون تفكير فتغرق بمصائبها أكثر هداها الله....."

هزّت رأسها جارتها تتفهمها وهي تحوقل وتدعو بإصلاح الحال ثم علت نبرتها لتشجعها قائلة:
" الله يفرج الحال ....صبرٌ جميل والله المستعان......ها ماذا قلتِ؟!....."

لاذت بالصمت للحظات ثم وجّهت وجهها للأخرى وهي توجّه سؤالها:
" لكن....المستشارة النفسية أو الأخصائية العاطفية ألن تحتاج لمال كثير؟!....."

هزّت رأسها إيجاباً وهي تجيب:
" بالطبع لا يوجد اليوم شيء دون ثمن او مقابل.....لكن مؤكد حسب حالتها والمدة التي ستستغرقها بالعلاج !.....هي ما زالت في البداية فالحقوا بها هذا أفضل من أجلها ومن أجل التكلفة الأقل ...يعني آمل ذلك وأتمنى ألا أكون مخطئة بتقديري!........فأصحاب الخبرة هم من يعرفون تشخيص حالتها ويقررون كيف العلاج يكون! لكن بالنهاية تحتاج لمال ليس بقليل بالتأكيد...فهذه مراكز خاصة وليست حكومية..."

سرحت قليلاً مربيتها فاستطردت جارتها:
" ماذا ستفعلين؟.....كيف ستدبرين أمر المال؟!..."

تنهّدت وهي تنظر للفراغ ثم أعادت حدقتيها إليها وردّت مجبرة على هذا الحل:
" عندما سافرت لوالدها من أجل اللقاء الأول ...كان قد مضى أيام يسيرة على وفاة خالتها ....يومها زارتني صديقة خالتها السيدة إيمان تحمل بعض الأمانات من أجلها ونبهتني أن لا أسلمها لها إلا عندما يعود لها عقلها بعد معرفتها بالحقائق وكانت قد جلبت معها رزمة من الدولارات تعود لزوج ألمى هو من سلّمها إياها كي نصرف عليها ما تحتاجه تلك الفترة قبل أن يحوّل لها مبلغاً طائلاً لحسابها أعادته له في الحال لا تريده........ولأنها عادت ثائرة وحانقة عليه آنذاك لم استطع اخبارها بزيارة السيدة إيمان ولا بالمال الذي اجبرتني على أخذه بأمر مشدد من زوجها...فأنا أعرف صغيرتي مجنونة....ستمزق المال لا تدرك قيمته ولن يهمّها أساسا والمهم أن تدمر كل شيء منه!....خبأتُ هذا المال وقلت لنفسي حد الله ما بيني وبينه.....حرّمته علينا وخبأته ولم أخبر حتى رهف عنه.......فيومها قررت أنني لن أطعمها وأكسوها منه لأنها لو علمت سيجن جنونها وستكرهني!.....لكن الآن الصحة وسلامة عقلها أهم......الآن تفكيرها ليس سوي وعقلها غير سليم لأستشيرها واطلب رأيها ..أنا مجبرة على استخدام هذا المال وقسما لو كان معي مثله لما ترددت ولما فكرت لألمس هذا.......ينتظرها طفل كأنه يتيم الأبوين ملقى بين حيطان المشفى !!.....فليرضا الله على رهف وخطيبها الذين يقوما بزيارته يوميا للاطمئنان عليه والاهتمام به وتسميعه آيات من الذكر الحكيم!.......آن الأوان لأتصرف ولن يهمني لو علمت لاحقاً بأن مصروف العلاج من زوجها .....فلتفعل ما تريد لن أهتم والمهم هو أن تعود لوعيها لتحتضن طفلها البريء ...!!.....المستشارة النفسية ستساعدها بالكثير الكثير بعد تراكم مصائبها عليها مصيبة تلو مصيبة...."

تنهّدت بأريحية هذه المرة بعد أن اهتدت للطريق وتبسّمت بامتنان لجارتها التي فتحت ذهنها ثم طبطبت على يدها شاكرة وهي تضيف بهمس:
" بارك الله فيك يا أم وجيه.....لولاك لما كنتُ أعرف كيف سأتصرف وماذا سأفعل من أجلها.....أراحك الله مثلما أرحتني واسأله أن تفرحي بأولادك...."


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


دخل بيته متسللاً بساعات متأخرة من الليل.....لا يريد أن يوقظها....فهذا حاله منذ أسبوعين.....يهرب منها....يهرب بوضوح!.....لا يقدر على مواجهتها....يعيش أوجاعه بصمت أمامها لأنه لا يريد أن يشركها...كل مرة يبتكر حجة لكثرة غيابه......ماذا سيخبرها؟.....شقيقك عاد من الموت وأصبح بعاهة شبه مستديمة؟.....ربما...ربما لو أنها ليست حاملاً كان سيخبرها وستكون أكثر تفهما وتحملا......لكن حالتها لا تسمح بأن تستقبل صدمات وخاصة مع الهرمونات التي تجعلها بحالة غير طبيعية!......صعد الى غرفتهما ولم يشعل النور ....توجّه الى طاولة الزينة وخلع ساعته ووضع هاتفه ومفاتيح سيارته!. ثم أشعل الإضاءة الخفيفة الصفراء التي تحيط بالمرآة ....أصدر جهازه رنة قصيرة واضاءت شاشته....حمله يقرأ الرسالة الواردة ...تبسّم ابتسامة مائلة قبل أن يرد على ما ورده فهتفت من خلفه حانقة:
" أضحكنا معك!..."

أيعلم كم هي مشتاقة لحضنه؟....أيشعر كم هي تواقة لقربه؟....كم هي بهذه الأيام تكون بأمس حاجته..؟.....إنها بأيامها الأخيرة من شهرها التاسع.....كل تفكيره يصبه بهمّه الموجود بمشفى شمال البلاد......يحبها.....يعشقها ...لا خلاف!...يشتاق وآه آه من نار الاشتياق ......لكنه يمر بأوقات عصيبة تجهلها.....أهملها بشكل جليّ وهو الذي كان الأكثر حماساً لهذه الأيام ينتظر ولادتها!.........لا مزاج للمداعبة والمشاكسة...روحه المرحة يكاد يختفي أثرها من البيت....روحه التي تملأ الأرجاء بطاقة إيجابية......طاقة اعتادت عليها وفقدتها قبل أيام ...لكم اشتاقت لسماع ضحكته...إنها حتى افتقدت نعتها بالضفدعة......تراه على غير عادته وبدأت تعصف بها الأفكار وتذروها الوساوس.....ليس ذنبها....هرمونات منها وهروب منه ما عساها أن تظن؟!.......أجفل من همسها بعد نهوضها من السرير وزلوفها إليه فاستدار والهاتف بيده هاتفاً بخفوت:
" دنيا.....ما بك مستيقظة؟......إنها الساعة الثانية بعد منتصف الليل!..."

راقبت نبرته وراقبت يده وتحديداً اصبعه الذي أغلق الهاتف من الزر الجانبي ظنا أنها لم تنتبه فخفق قلبها ثائراً بسخط وغيرة وحاولت تجاهل اسمها الصحيح الذي كادت أن تنساه من شفتيه لأنه نادراً ما يلفظه فهو يناديها...دنيتي وغيرها من قائمة تحببية لا نهاية لها عنده وكذلك تجاهلت عدم طبع قبلته على وجنتها التي هي من طقوسه اليومية عند دخوله البيت ووقوع عينيه عليها وهمست بصوت مهتز :
" منذ متى تبقى بالعمل لهذه الساعات؟"

ضحك ضحكة هازئة مبتورة وأجاب معترضاً:
" نعم؟!......منذ متى تتدخلين بساعات عملي ؟!"

ارتج الشهد بعينيها وعلا صوتها مجيبة:
" سأتدخل.....هذا حقي!.....ألا تلاحظ حالتك بالأيام الأخيرة؟....فقط تهرب من البيت ......دوما عمل....اجتماع....لقاء اصدقاء ....معسكر.....وأين أنا من بين كل هذا؟!.....أجبني!..."

استدار للمرآة يوليها ظهره بعد أن وضع هاتفه وبدأ بفك أزرار قميصه دون النظر لانعكاسها وهو يقول ببرود حازم كي يحسم الأمر دون فتح مجال للنقاش:
" أنتِ في قلبي.....وهذه ظروفي الحالية وعليك تقبلها"

ثم رفع حاجبه بحدة ورمقها بنظرة أكثر حدة من المرآة وهو يتابع عمله وقال بنبرة خافتة تحذيرية:
" وألف مرة قلت لك.......صوتك لا يعلو.."

دنت من جانبه مشتعلة وأمسكت ذراعه ليستدير نحوها وهتفت بثبات :
" الآن ستشرح لي ظروفك هذه كي أتقبلها كما تريد......لست مجبرة لأتقبل شيء أجهله!.....ألا تفكر أن خلفك امرأة على وشك الولادة....أين حماسك؟...أين مسؤوليتك اتجاهي ؟"

التفت إليها بكامل جسده بهمّة نارية وأمسكها من ذراعيها منحنياً بوجهه الذي اكتسى احمرارا بعد إثارتها لحفيظته....يدرك...يدرك كل شيء لكن ما بيده حيلة....أيجلس جانبها ويلاطفها ويفيض بعشقه عليها وهنالك من ينتظر دعمه قبل السقوط الى الهاوية؟؟....تضغط على أعصابه وتزيد عليه وهو ضائع يؤنبه ضميره لأنه مقصر بحقها هذه الفترة.....تمنى في سره أن تصبر عليه وتتفهمه دون أن يبوح بالهموم التي اثقلته....لكنه يعي أنها لن تصل الى هذه النقطة من فهمه دون أن يشرح لها ولو القليل ويعلم أن لا يوجد أحد يسمع من أخرس وهذا حاله.....لكن ضغطها الآن ولو محقة به ولّد انفجاره فهزها دون قصد وصرخ بها:
" لستُ ملزماً لأشرح لك برنامج أعمالي....أنا أعلمك بما عليك معرفته لا أكثر لا أقل .....طلبتُ منك البقاء هذه الفترة عند أهلك ورفضتِ....لم أجبرك إنما أجبرتُ أخي ليكون دائما مستعدا من أجلك ووصيتُ والدتي عليك....وهاتفك يلازمك لأي حالة طارئة لتتصلي بهم كما قلت لك!....ماذا يمكنني أن أفعل أكثر وهمومي تغرقني من رأسي لقدمي؟...أجيبي!.......أما حماسي بابني إن لم أعبر عنه هذا لا يعني أنه تغير.....ومسؤوليتي اتجاهك لا تعلميني إياها وأنت أكثر من تعرفين بأنني لا أقصر بواجباتي اتجاه أي أحد يخصني.......فاستهدي بالله واختصري ...لننام بهدوء لأنني مرهق ومنهك ...."

تساقطت الدموع على خديها واحتقن انفها باحمرار طفيف لطيف ...احمرار غضب وألم واحمرار من رغبتها به....تريده بشدة....وتشتاق....وتشعر أنه يخفي شيئا عنها!!.....أفلتها فرأى آثار اصابعه الطويلة تدمغ على عضديها ...." تباً تباً.."....شتم نفسه بسره....لم يقصد أذيتها وإيلامها......رفع بصره لوجهها وكم كان لونه لذيذاً دافئاً وتلك العينين تلمعان ببريق ذهبي من اختلاط الدموع بالعسل مع انعكاس الضوء الأصفر بهما فعاد ليحيط ذراعيها الصغيران بقبضتيه الكبيرتين وجذبها إليه برغبة دون أن يسمح لبطنها البارز بأن يبني سدّا بينهما ولثم شفتيها بشفتيه بقبلة نارية كم كان عطشاً لها وهي الأكثر ظمأ منه ثم أفلتها يلقطا أنفاسهما ونظر إليها يتأملها...بتقاسيمها الناعمة ووجهها البريء الذي لا يشبه حدة طباعها ....ظلّ ثواني يتأملها ومدّ يده بحنية يسحب مشبك شعرها البني الناعم المموج بتعرجات خفيفة لينسدل على كتفيها والقاه جانبا على سطح الطاولة هامساً بعشق حد الذوبان:
" اشتقت يا عينيّ الشهد..."

ثم عاد ليضع يده على شعرها خلف رأسها وقرّبها منه برقته الرجولية ليخطفها الى عالمه بقبلات هادئة متروّية ولمّا حرّك يده ليزيل عباءة قميص نومها استيقظت من غفلتها وخنوعها بين يديه ثم رفعت كفيها لصدره تبعده عنها قاطبة حاجبيها بغضب كاذب محرجة من استسلامها وابعدت عنه تسب نفسها وضعفها وهي تتجه الى مكانها على السرير هامسة باقتضاب :
" تصبح على خير..."

وشدّت لحافها تدثر جسدها المشتاق توليه ظهرها تاركة إياه ينظر إليها بعتاب وانهزام ولم يكن يقوَى على مناورتها فالتعب وقلة نومه أخذا منه ما أخذا ....اتجه الى الخزانة يخرج بنطالا قصيراً ليرتديه وينام أما هي ادّعت النوم كاذبة تحرمه نفسها وتحرم حالها منه ولم تدرك أن هذه الليلة من الحرمان ستطول أياماً معدودات وما أكثرها...!!

×
×
×

بعد صلاة الفجر عادت الى سريرها واستلقت ثم نهضت لشعورها أنها تحتاج لدخول الحمام ....أشعلت الأباجورة جوارها وجلست على السرير ببطء من حملها تنزل قدميها أرضا ثم التفتت للخلف ورأته ما زال نائماً فتساءلت" يا ترى هل صلّى الفجر أم أنه لم يستطع النهوض؟"....تذكرت أنها دخلت الحمام للوضوء قبل قليل وكانت أرضه جافة أي لم يستخدم الماء...إذاً عليها ايقاظه للصلاة.....حسناً ستدخل قبله وتعود مجبرة على ايقاظة كي لا يفوته الفجر!!....ما إن استقامت بوقفتها متكئة بيدها على الظهر العالي للسرير حتى أخرجت أنّة تزامناً مع وضع يدها الأخرى أسفل بطنها...ولمّا حاولت السير كالفيضان نزل الماء من رحمها دون أي سيطرة منها مع شعورها بانقباضات باغتتها بقوة فصرخت بالحال:
" بطني....سااامي....ساامي.....ربم? ? سألد الحقني!...."

لا يدري كيف فاق من نومه وقفز ليصبح عندها مصدوماً ومرتبكاً لا يعلم كيف يتصرف وهي تتأوه وجعاً من شدة الانقباضات التابعة لطلق الولادة وكذلك ماء الرأس ما زال يتدفق منها فاستجمع قواه وبسرعة بديهة ألبسها عباءة بسحاب ولف حجابها على رأسها وهي تبكي موجوعة بينما هو يهتف يهدئ من روعها بشفقة عليها ومرة يبتسم متحمساً ومرة يعبس متألما لألمها ضائع بين الحالتين:
" سنذهب دنيتي ....تحملي حبيبتي ....دقيقة ارتدي ملابسي وسأوصلك الى المشفى بسرعة البرق بإذن الله"

تخبط في حركاته لا يستطيع الابتعاد عنها وتركها واقفة ويريد ارتداء ملابسه.....نظر الى المشجب القريب فرأى ملابسه الرياضية البيتية معلّقة....سحبها في الحال وارتداها غير مهتم لمظهره كلواء معروف في المنطقة فهو الآن زوج وأب فقط وسيقوم بدوره على أكمل وجه!......دس هاتفه ومحفظته بجيبه وعاد إليها يساعدها على السير ووجدها لا تقدر التحرك خطوة فبقوة من الله وبلياقته البدنية رغم ازدياد وزنها في الآونة الأخيرة بالإضافة للذي ببطنها حملها على ذراعيه خارجا من غرفتهما ونزل بها الدرجات بخطوات واسعة سريعة ثم سحب مفتاحه الآخر الخاص بسيارة الشرطة ليذهب بها كي يبعد المركبات من أمامه ولما كانا في طريقهما الى المشفى اتصل بحماته يعلمها لتجهز نفسها ثم بشقيقه ليجلب والدته ويصطحبا حماته معهما..........كان يقود بجنون حذر....تارة ينظر للشارع وتارة إليها يمد يده يمسّد لها يدها بدفء يحاول أن يسكنها ويطلب منها أن تستعن بالله بينما هي غارقة بأوجاع لا شبيه لها وهي أوجاع المخاض ...غرق يفتك بها ويبعثر له الدقات بقلبه من أجلها!....الأشقر مراعي لأبعد الحدود....لم يصمت وهو يكلّمها ليسليها ويلهيها عن آلامها......كم كان حنوناً معها ونسي أنها تعيش جنوناً الآن ما بعده جنون...!!

" ساااامي..."

اهتز قلبه من صراخها فسألها مرتبكا وهو ضائع بين الطريق وبينها:
" أجل حبيبتي..."

" اخرس يا سامي اخرس....فجرت مخي تبا لك....!!"

أجابته وهي تتلوّى ألماً فبهتت ملامحه مصدوماً لكنه تذكر أن عليه الصبر مهما فعلت لأن الله وحده يعلم ثم كل أم ما تعاني تلك اللحظة فعاد يركز بالطريق يبتلع كلماته بصمت....خيّم الهدوء عليه إلا من أنينها...يريد أن يتكلم لكنه لا يجرؤ أن يستفزها بصوته...مرت دقائق فصرخت:
" ساااامي.."

همس ب:
"ها؟"

" لماذا تصمت ولا تتكلم؟...اقرأ قرآن ....هيا اقرأ سأموت من الألم.....أريد أن أفهم من أين نزل عليك الهدوء الآن ولسانك لا يدخل حلقك"

أمرته بجنون متناسية أنها من طلبت فأجاب بطاعة كالطالب المجتهد وهو يستغفر بسره ويسأل الله أن يلهمه الصبر وفكر أنه ربما يحاسبها بعد أن تقوم بالسلامة على صراخها وقلة أدبها معه:
" حاضر....حاضر دنيتي سأقرأ... "

بدأ يرتل آيات بيّنات ما يخطر على باله بصوت هادئ فقاطعته صارخة تنظر إليه حانقة بينما بيديها تمسك قاع بطنها:
" ضع يدك على بطني وأنت تقرأ..."

تمتم محوقلا ومستغفرا وهو يمد يمناه لبطنها بلطافة فصرخت:
" ماذا قلت؟"

" لا شيء!.."

" بلى بلى....سمعتك تستغفر.....أنا أعلم لا تطيقني"

ولما فتح فمه ليبرئ نفسه أصمتته هاتفة:
" حسناً لن افتعل مشكلة الآن.....تابع قراءة قرآن"

لم يجرؤ هذه المرة على نطق أي حرف خارجي سوى آيات قرآنية وهو يهز رأسه ودماؤه تغلي في منابعه من جنونها الذي جننه !!...أمسكت يده التي على بطنها تحتضنها كأنها تلتمس منها أمان وقوة فتبسّم ثغره وفرح قلبه يبدو أنها استكانت قليلاً.....هذا ما ظنه!...
" آاااي.."

صرخ متأوهاً بشدة يسحب يده من يديها ينظر لجانب كفه وتحديدا لمكان عضتها حيث آثار غرز أسنانها والاحمرار !.....كادت تمزّق جلده من قوتها ...فصرخ منفجراً بها:
" ماذا فعلتِ يا مجنونة؟!...."

ردّت باكية ببراءة:
" لا تصرخ بي!..."

قال مغتاظاً وهو يمد يده أمامها:
" سأصرخ.....مزّقتِ جلدي....انظري!..."

تململت بشدة بعد أن عاد إليها الألم بصورة أكبر وأجابت وهي تشتمه صارخة بنحيب تلقي عليه قاموس لأول مرة يسمعه منها وهي لا تفقه ما تتفوه به:
" تستحق يا جبان ....هذا كله من أفعالك يا ***.....تريد ولد ...تريد ولد......لن أحمل مرة أخرى يا***...اذهب واجلب ولد بنفسك يا***.."

طفح به الكيل منها ونفذ صبره بعد أن فاجأته بقاموس شتائمها.....يبدو أنها خزّنته لهذا اليوم كي تنتقم منه!!...توعّد داخله لها...سيحقق معها ويؤدبها على الفاظها النابية!... لكنه الان يعلم كيف يسكتها فبكل برود أجاب مع ابتسامة ماكرة:
" حسناً لا تحملي يا ضفدعة.....سأتزوج غيرك لتجلب لي اولادا كثر"

استغلت أوجاعها فاستدارت له وبدأت تلكمه وتضربه بقبضتها الصغيرة فقهقه ضاحكاً وهو يدخل الى ساحة المشفى ويقول بعد أن تذكر كلام أمه والنساء أن هذه ما هي الا طلقة منسية وستعود لتحمل طوعاً لا كرهاً بفطرة الأمومة التي تحملها كل أنثى:
" حسناً حسناً...آسف. توقفي.....لن أتزوج ولن ننجب غيره"

لما وصل مدخل المشفى أوقف سيارته وترجّل واتجه ناحيتها يفتح بابها هاتفا:
" ها نحن وصلنا أخيرا الحمد لله....هيا دنيتي انزلي"

"سامي"

كانت قد استكانت قليلا لما خف الطلق فهمستها متوسلة تنظر ببراءتها وتشبثت بأطراف الكرسي تحتها وتابعت:
" اعدني الى البيت.....لا أريد الدخول...خدعتك....لن اولد!..."

طوال الطريق ظل متوتراً مشدود الأعصاب حتى وصلا ولما سمع جملتها الهادئة الكاذبة دون أن ينبس ببنت شفة انحنى وحملها رغماً عنها هاتفاً بابتسامة ثعلبية:
" حسناً حبي.......اخبري الطبيبة بذلك وأعدك إن أثبتت صحة كلامك سأعيدك الى البيت بالحال...."

وغمزها وهي على ذراعيه مضيفاً:
" ألا تعلمين أن دخول الحمام ليس مثل خروجه......وأنك بوضع لا تراجع عنه؟...."

ودخل بها البناية على عجلة يضعها على كرسي متحرك متجها بها الى قسم النساء والولادة ...يدفعها مسرعاً بحماس بينما هي يصدر منها شهقاتها التي ترافق بكائها كالطفلة الخائفة تتمنى الهروب حتى اصبحا أمام الباب الواسع للقسم لتبدأ مراسم استقبال ابنه الغالي وأسده....(سليمان)

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


يتبع الجزء الثاني في موعد آخر إن شاء الله....


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 15-07-23, 02:05 AM   #2707

عرين الاسود

? العضوٌ??? » 511217
?  التسِجيلٌ » Mar 2023
? مشَارَ?اتْي » 15
?  نُقآطِيْ » عرين الاسود is on a distinguished road
افتراضي

وينه الفصل الجديد مش لاقينه ????????????????????

عرين الاسود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-23, 02:32 AM   #2708

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Icon26

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عرين الاسود مشاهدة المشاركة
وينه الفصل الجديد مش لاقينه ????????????????????
هلا......موجود بآخر صفحة....تأكدي!


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 15-07-23, 08:11 AM   #2709

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,556
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صباح النسمات العليلة والزهور النضرة حبيبة قلبي

☆ جرحا بقلب الوطن☆
لطالما كان الصراع من أصحاب المصالح عديمى الضميرأمرا ليس بغريب
ولكن ان تأتى الخيانة ممن لا يتم توقعهم أبدا بتواطئهم مع الأعداء والخونة
لهو أمر جلل يصيب الوطن بالحزن والخسارة والألم الرهيب
الخيانة أسوا شئ على وجه الارض تفسد الهواء النقي وتلوث الامن والإستقرار

ما تعرض له هادى شيئا عاديا في عرف المجاهدين فهم إحتمال لشهيد بأى وقت
ولكن أن تأتى الضربة وليدة الخيانة عن سبق عمد فهذا مؤلم للغاية
فالمرء يعرف عدوه ويتعامل معه على هذا الاساس
فكيف إن لم يتم التعرف على الهوية وعلى الخيانة ؟

حالة هادى الحرجة استدعت إتخاذ كل الإجراءات السريعة لآنقاذه
ويظل أمره لله
ولكن من حوله اتبعوا ما كان يجب فبظل الحرب يكون التعامل حسب الحالات والامكانيات
ومرافقة الشيخ الجميل له سيكون داعما له ودافعا للتمسك والصمود
وليستمر البقية فيما هو مفروضا عليهم فالوطن يحيا وإن ذهب الجميع فدائه

وكم جاء كلماتك عن أسر المجاهدين معبر جدا وصادق فهم أكثر من يعايشون القلق والرعب على من يخصهم في ارض المعركة
وقد برعتي في وصف حال عيوش في عبارتك
( في عملها بالمطبخ شعرت فجأة برجفة في قلبها فوضعت يدها على صدرها بالحال متمتمة)
قلب الام بالفعل هو مرآة تعكس نبض ما يحدث لأبنائها
وإن لم تعرف ما حدث بالضبط
ولم يفتها إستدعاء سامى كما اخبرتها دنيا ليلهج لسانها بالدعاء وقد نخزها قلبها قلقا على ولدها

☆على قيد الحياة☆
كل ما يواجهه المرء هو بقضاء ويكون ذلك اكثر وضوحا حال الموت والخشية بروح تفيض وأخرى قد تقبض
نعلم ذلك الحال جيدا ولكن حال مواجهته يكون الوضع مربك وصعب للغاية
يا لهادى وألماه وكلا يواحه الآمه بشكل أو بآخر
وكلاهما تعرض لفقد محتمل هادى بحياته وألمى بحياة طفلهماوالذى اظنه تأثر بحالة ألمى السيئة اثناء الحمل
فلينجيهما الله جميعا

ومشهدى المستشفى صعب جدا تصورهما سواء لهادى وصديقي عمره
او ألمى وحالها الذى استدعى حقنها بالمهدئات وذلك الإكتئاب ما بعد الولادة
وايضا جهلها التام بالاطفال الذى يجعلها ترفض رضيعها لصغر حجمه
واختلافه عن اقرانه
المى ما زالت كما هى ترفض الالم وتهرب مما لا تحتمله

وسهيلة إمراة بسيطة الثقافة لولا جارتها التى نبهتها للعلاج النفسي لظلت تبكى من أجل المي دون مساعدة حقيقية
وربما بهذه الخطوة تستعيد المى رشدها وتبدأ بإظهار ردات فعل طبيعية
لا هذا الجمود

☆عهد الوفاء☆
الصداقة هى اروع معني بالوجود
فالصديقه إنعكاس لصديقه يتشارك معه كل لحظات حياته
هو أقرب من الأهل والإخوة
الصديق وطن

وقد اثبت كلا من أحمد وسامى ذلك بصمودهما بجوار هادى حتى انجاه الله
تحت دموع الفرح منهما وكانا قد فقدا الامل
الى تعاهدهما على الوقوف بجانب هادى حتي يتغلب على إصابة ساقه القوية التى يتعوق حركته
ولكن المهم ان يستعيد حركتها فلا تعوقه عن الحياة
هادى له آمال عريضة من أجل إنقاذ الوطن وتلك الإصابة لا ريب ستصيبه بالإكتئاب والإحباط
ولهذا وجد الاصدقاء ليقفوا مع بعضهم في الازمات

والشئ الذى خفف من وطأة الكارثة هو تقدم الجنود بقيادة سليم بعد إنضمام جنود الوطن فتزداد قوتهم لمواجهة الخونة والطامعين

☆بين نارين☆
حين يتعرض الإنسان لمحنة كبيرة قد تخصه او غيره وعليه عدم الإفصاح عنها
يصبح التعامل مع الاقربين منه صعبا جدا
فهو يبدو مختلفا عما إعتادوه وبنفس الوقت لا يستطيع ان يتصرف كسالف عهده
هى محنة بكل المقاييس وان كانت وفاءا لأغلى الغاليين

سامى يعانى بالفعل مع دنياه والتى ترى تغير احواله كلية ولا تستطيع التفهم أو الصبر كما طلب منها فوسواس الغيرة وتقلب حالها بسبب الهرمونات يجعل ردة فعلها غير متوازنة
وبين هذا وذاك يتعذب سامى لعدم قدرته على إراحتها وهو نفسه يعانى من التعب النفسي والبدنى لمصاب هادى

لتكتمل بولادة دنيا والتى حملها على عجل للمشفى وسط جنون إمرأة تلد حيث تكون الامها مبرحة
وكل تلك المظاهر المرعبة والصوت العالى والفاظ دنيا التى تصفه بها
عليه احتمالها وحده
لحين يصلا للمشفي ويلتقيا والدتها و الباقين

سلمتى يا نور عيوني
وكل الحب وأكثر لقلبك الجميل


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-23, 08:15 AM   #2710

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,556
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا لحونة قلبي

المشهد الاول مؤلم وابكانى وانا أتخيل الإصابات البشعة لهادى
و التى اسوأها جرح الخيانة
وكم برعت في وصف الوضع جيدا

كما جاء مقدم السيد سليم بزيه العسكرى ذو مغزى كبير في بث روح الإقدام وعدم الخذلان والمضى قدما حتى لا تتأثر نفسية المجاهدين
بإختفاء هادى وإن لم يعلموا بإصابته

وأيضا راق لى جدا مشهد الشيخ الوسيم احمد وهو يعاقب الخائن فورا
فالامر لا يستأهل تأجيل
حتى يستطيع مرافقة صديقه وقد ارتاحت نفسه قليلا لعقاب الخائن

المشهد كله ملحمى رائع ومذهل ياقلبي
عبرت عنه في عباراتك تلك
(اصلاً؟!...كلا....بقيَ صامتاً وملامحه مبهمة....يقف صامداً وقواه آيلة للسقوط....من قال أنه حيّ؟....هل الحياة بالشهيق والزفير والنبض بالقلب فقط؟!....كم احياءً أمواتاً على الأرض ؟!....وهو أصبح منهم!....أجل.....لن يعيش إلا إذا برق الأمل عند فتح ذاك الباب!...لن يتكلم إلا إذا بشّره الطبيب)

(يا ليت يا صاحبي يا ليت....ليتنا في كابوس وسنصحى منه......ليتنا لم نسـ...نسمع بـ..بآذاننا أن قلبه ....تـ...تـ..و..قف)
تزامناً مع نزولهما أرضا ليقرفصا متقابلين يشبهان طفلين فقدا أمهما ثم ينفجران ببكاء مرير يمزق نياط القلوب ويذهب العقول...كان الوجع في القلب دفّاق والدمع من العينين يراق...عجز...ضعف ثم احتراق...يبكيان بحرقة وألم دون أن ينفصلا وكأنهما يشدان من أزر بعضهما....)
المشهد موجع جدا لحونتي
لقد تآمرت على بكائي عدة مرات
ولكن لا بأس لينجو هادى وانت مسموحة ساعتها ياقلبي

بينما وصفك الدقيق لحال ألمى فهو كثيرا ما بحدث بعد الولادة
ويجب مراعاته جيدا
كماشرحك الواقعى جدا لحال المستشفيات الحكومية
وهذا للاسف الحال عند معظمنا

ورغم رفض ألمى لوليدها الا انها إن أرضعته وضمته لصدرها ستشعر بمعنى الامومة ولن تستطيع تركه ابدا
بينما الاسم الذى اسمته سهيلة لطفل ألمى لا استطيع توقعه
اللهم الا اذا كان محي الدين على اسم جده

جاء هائلا ومذهلا رسمك لمشهد هادى وصدمته لما أصاب ساقه تفصيليا معبرا جدا فهادى ليس اى شخص بل هو جندى وهب حياته لوطنه
وعبرت كلماتك عن ذلك في عبارته
(" اخرجا.....لا أريد أي أحد!") لاعز صديقيه وشارحا صدمته
بينما موقفهما الرائع تجلى في تلك العبارة
(ومدّ له يده يبسطها أمامه مردفاً بتحدي:
" أتريد أن تكون معي لنقضي على عجزه ونعيد إلينا هادي البطل بإذن الله؟")

على الرغم من الحزن الذى تغشي الاحداث كلها
الا ان مشهد دنيا وسامى خاصة الجزء الخاص بالولادة رسم البسمة على وجهي
حقا دنيا هذه بها قدر كبير من جنون
والجميل الاشقر عليه الصبر رغم حزنه على هادى
وليكون وصول سليمان قريبا هدنة من الاحزان وفرحة للجميع


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:08 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.