آخر 10 مشاركات
حب غير متوقع (2) للكاتبة: Mary Rock *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          54-لا ترحلي-ليليان بيك-ع.ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : dalia - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9699Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-02-24, 05:03 PM   #2991

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,551
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي


مرحبا.حبيبة قلبي

*رائع بل أكثر.. المشهد الاول أو تلك المتعلقة بالجميل سليمان
وقد جعلتنا نعيش الاجواء معه لحظة بلحظة
وهذا الاشقر الجميل قد أعد خطوات مدروسة للإحتفال به بدءا من المشفي وصولا لبيته
كما لو كان إستقبالا لامير وهو أمير فعلا
يعده والده ليكون درعا للوطن

*وأيضا دلال الضفدعة عليه التى تأسره بحبها صورته بمنتهي الرقة
*وكم راق لى تلك اللفتة الجميلة بهديته للجميلة عيوش
عندنا نقول بيمسح جوخ لحماته
ولكن بالنسبة لسمسم هى محبة حقيقية وعيوش تستحق
وأنت ياقمر تستحقين التميز على كل حرف تكتبينه

* يا مبدعتنا الجميلة..ماذا تفعلين بي لقد اوجعت قلبي علي هادى من مصداقية تعبيرك عن حالته ورسم صورة قاتمة تنضح بالحزن مما يكابده وهو ملتزم الصمت رغم وجود الشيخ الجميل أحمد معه يؤازره ويرفع من روحه المعنوية

* أراك واقعية جدا في تلك الصورة فأمثال هادى حياتهم وأرواحهم
ليست ملكا لهم
فإذا عجز المرء عن أداء ما عليه فقد معني الحياة والتمسك بها

*ما تعانيه ألمي ليس مجرد نكران لإبنها أو خشيتها منه ومن فقدانه بل هى صرخة صامتة تتمرد بها على كل حياتها حتى لو كان وليدها الصغير
فمن بقي لها حتى يكون لها حق الإحتفاظ بقربه وإحتضانه
*هى رغما عنها لا تدرك ان تلك حالة مرضية ولجوئها إلى الله هو سبيلها للخلاص منه وما يأتينا أو يتركنا هو بأمر الله وحده فهى ليست تعويذة نحس كما تتوهم
*وكم برعت يا جميلة في رسم صورة تفصيلية لحالتها وفي كيفية علاجها ايضا بحكمتك ورؤيتك الجميلة وتناولك للاحداث بشكل سلس معبر جدا

*وأضحكنى كثيرا تعبيرك جاء ميعاد تسريح إبنها من المشفي وكأنه مجند وهو بعد باللفة

* حبيبة قلبي ما اجمله الصديق المخلص البار الذى يبذل نفسه لصديقه يؤازره ويكن بظهره يقف معه في الضراء قبل السراء
هذه هى الصورة الجميلة التى رسمتها لشيخنا الوسيم الجميل
*وكم برعت في رسم أحزان هادى وألمه بطريقة أبكتني من أجله
فمثله لا يستطيع ان يظل مكبلا بمقعد متحرك او يبتعد عن ساحة الجهاد

* ما أجمله مشهد المجنون سامي وهو يجلب سليمان لحد خاله
وما أروعك وانت تتخذين كل الإحتياطات حتى لا تعلم دنيا بفعلته

*حبيبة قلبي لحونة..اليوم عيد ميلادك فيحق لنا طلب ما نريد
ولذا اطالب بمنع الشيخ الوسيم من الإرتباط حاليا حتى يحل أموره مع من تحبه ولكنها تتغابي دائما في حضوره

* يالروعتك حبيبتي وأنت تبدعين في وصف ملامح حياة ألمي المرأة العاملة وتفاعلها مع الناس بكل الحب
وايضا تلك الملامح المتلاحقة لهادى قبل تنصيبه
وما أجمله العهد الذى ردده من أجل الوطن وذلك القسم الجميل الذى إنتهي بسجوده لله شكرا
كم أنت مبهرة حقا لحونتي الغالية

*ما زلت تشوقينا ياقمر فهادى ذاهب إلى السجن بنفس الوقت الذى به ألمي ومع هذا لن يلتقيها
وهى تخضع لتأثير كلمات والدها رغم حزنها ونقمتها من أسلوبه مع طفلها الجميل
* التمس لها العذر فهو ابيها ومن بقي لها بالدنيا
وطبعا أيلا بلغتها المكسرة تلك لن تفيدنا بشئ في لقائها بهادى


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-24, 06:00 PM   #2992

فاتن نبيه
 
الصورة الرمزية فاتن نبيه

? العضوٌ??? » 487008
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 1,428
?  نُقآطِيْ » فاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond repute
افتراضي



لاجئ في سمائها
الفصل التاسع و الثلاثون الجزء الثاني

عندما أنهيت الفصل تاهت عني نفسي و تشردت و تناثرت بين السطور فلم أعرفني في غمرة التشتت إلا و البسمات تتناثر على ثغري تناثرًا اقرب للبلاهه.. للآن تحت تأثير الفصل بما فعل بي و كلما فتحت صفحاتي لأكتب كلمات تدري مصيرها القائد للفشل الذريع فلا حروف تصف ما يعتمل بالقلب الآن و لا حروف تُوصف الحروف الجوهرية التي خرجت من قلبك لتعانق سحاب السماوات العليا و ترتشف منه خلود الجمال و عبق الطبيعة الفياحة بالزهو و السحر السارق للألباب
و حين نثرت اوراقي ارجو ان استرد قلبي لاكتب القليل مما لا يوفيك قفزت لخاطري تلك الأغنية فكانت تشرح ما يجول بصدري

أشهد ان لا امرأة تجتاحني
في لحظات العشق كالزلزال
تحرقني تغرقني تشعلني تطفئني
تكسرني نصفين كالهلال
تحتل نفسي اطول احتلال
واجمل احتلال
إلا انتِ

ياامرأة اعطتني الحب
بمنتهى الحضارة
وحاورتني مثلما
تحاور القيثارة

تطير كالحمامة البيضاء
في فكري اذا فكرت
تخرج كالعصفور من حقيبتي
اذا انا سافرت

★★★
للجمال أحكام لكني بعدما سبحت في خضم السطور فقدت قوانيني فغرقت ذلك الغرق المحبب للروح و تركت نفسي تعوم مع تيارات المشاعر السخية التي اغدقت علينا بها.. فخرجت منه مسحورة، مبهورة، متقطعة الأنفاس.. و لازلت لا اجد كلماتٍ تسعفني لأعلن عن ذاتي.. فالكلمات نفسها وقعت أثيرة ذاتها المتشحة بما بروحك من نقاء و حالمية

★★★

صيام طويل قطعناه حتى مل الصوم منا و إذا بالافطار أجمل ما يكون و اعظم ما يكون.. المشهد الأول جاء كجرعات مسكنة للروح الهفهافة بالشوق لنجد هادينا و حبيبنا متخبط يأسره الاكتئاب و يتشح بالصمت الغريب عليه.. و اصدقائه الأوفياء يقفون جواره جمبًا إلا جمب.. الجميل سامي يحارب مشاعره ليظهر سكينة زائفة و قد ساعده فرحه و بهجته بولي العهد في ابداء تماسك و طمأنينه واهيه.. و أحمد بتماسكه و رضاه بالله يحاول تثبيت هادي و وضع قدمه على صراط الصبر الذي ذل عنه في لحظة ضعف..

★★★
كم ابدعت في وصف مشاعر الأسد سامي و فرحته الجلية بقدوم سليمان وليّ العهد الذي تشوق إليه و اشتفت نفسه لاحتضانه بين يديه..
مجنون كسامي يجب ان يضع لمسته الفريدة من نوعها فيكون احتفالا يشهد له التاريخ و يهدي ابنه مسدس في يومه الاول ههههه
ما هون عليّ و ترك بي بعضًا من عقلي مشاهد سامي التي تجعل البسمة تزحرف تلقائيا بذكر اسمه فأستنشق بعضًا من الهواء بعدما تشتكي رئتاي و تنبهني أني أحبس تنفسي لكن ماذا افعل و قد خطفتني كلماتك و تركتني مسلوبة الارادة

و في المساء جاء وقت الحساب.. بكيت من الضحك و انا اقرأ.. لكن دينا كانت ذكية في قلب الطاولة و تليين قلبه فإذا به يذكرها بالذي مضى ههههه و يذكرها بالسباب التي قالت فتخاف المسكينة و لا تدري أنها في فخ و شرك مبين هههههه
ادرك سامي أن لكل شيء ايجابيات و سلبيات متتتتت ضحك من انزعاجه من ابنه عندما ركضت اليه دنياه هههه
★★★

في الوقت الذي يغرق فيه هادي في يأسه و حزنه على حاله و احساسه بالعجز يربت أحمد بجذور الصداقة على قلبه و يثبته بكلمات تشمخ لها الجبال لكن أنى له ان يسمع و قد أجاد الشيطان تطويق قلبه بأصفاد متينة.. ذكرني هادي بمثل على ما اتذكر «لكل جوادٍ كبوة» لا اعلم ان كان صياغة المثل صحيحة هههه لكنه فعلا صادق و ينطبق على هادي كثيرًا.. ذلك الذي كان يركض للحق و يقف للنصر وقف الجبل.. ها هو يجلس يندب حظه صامتًا.. لكنه لن يطيل
في نفس الوقت احتل الضعف و النفور قلب ألمى و استجابة لطلب مربيتها شفقة عليهم من يحملون همها.. رهف كانت موفقة في اختيار العلاج النفسي... فتلك الحالات مشهورة جدا بعد الولاده المشكلة التي تواجه الكل و قد تودي ببعض الامهات للانتحار هي قلة الوعي.. لكن المى كانت محظوظة و قد من الله عليها بأناس لديهم وعي كافي لانتشالها من بحر اكتئابها

★★★

فُطر قلبي على ألمى و قد كان بكائها يقطع نياط القلوب.. تتعذب بظنها انها سبب تعاسه من حولها.. خائفة هي من الفقد الذي تجرعته مرات و مرات.. لكنها بفطرتها النقية ساعدت الطبيبة في انتشالها في فقاعة صمتها و وجعها لتتحدث و في الكلام راحة كبيرة.. بقي عليها ان ترى ابنها و تحسه

محي الدين.. يا حلاوة الاسم و حلاوة حاملة.. تلك السيدة سهيلة تستحق قبلااااات.. بدأ من تسميتها الطفل هذا الاسم الذي يثبت لألمي أنها مهما أنكرت تظل تنتمي لذلك الغائب و بعد هذا كلماتها العفوية التي جعلت قلب ألمى يلين و يُولد من رحم الحزن قلبًا جديدا مشتاقًا و يكابر
الشهر الذي مر في البعد و الفراق بين الأم و ابنها حرم كلاهما من الرباط الإلاهي الذي وضعه الله بين الأبن و أمه.. في الرضاعة الطبيعية التي تعزز شعور الطفل بالثقة و الأمان.. لكن ألمى بحبها الشديد الذي تفجر قادرة على تعويضة
★★★

حتى إبراهيم والده الروحي فشل في اخراجه من صمته و قوقعته.. كم اشفقت عليه و بكيت لمحاولاته التي لاقت الصمت قهرًا و جزعًا.. الجميل سامي قد بث بتهديده التحدي الجديد في قلب احمد
أجمل ما في الأمر تلك الصحبة المشتملة في قلوب إلاهية فيها من الاطمئنان بالله ما يجعلها قلوبنا فريدة غير موجودة في عالمنا.. يا ربي حقًا تماسكهم و تعاونهم.. هكذا تكون القلوب المتآلفة في حب الوطن.. قد تعمقوا في حب عظيم فصارت صداقتهم أعظم
دمعت عيوني و أنا ارى جنون أحمد النادر و تدرج مشاعره من القسوة للبكاء و الرجاء ثم الى القسوة مجددا... يا ربي كيف برعت هكذا في تصوير هذا الكم من المشاعر.. انا لا أصدق أن تلك كلماتٌ نابعة من قلم.. هي كلماتٌ نابعة من قلب الحقيقة و قلب الطبيعة.. بل من قلب الحب الذي هو يشتمل كليهما و يزخرف الحروف...
و نجح شيخنا الذي لا يعرف اليأس طريقًا اليه في جعل هادي يخرج من هدوءه المقيت لينفجر أروع انفجار هههههه... يااااه يا لحونة ادخلتي قلبي في عاصفة مشاعر خرج منها منهكا يبكي و هو سعيد

★★★

في اكتئابها كان اكتئابه و في شفائها كان شفاؤه.. كانت هذه الملاحظة أكثر ما اغبط قلبي حقًا.. سبحان الذي يجمع القلوب رغم تفرقها و دون أن تدري
ها قد عاد هادينا الى ذاته و تابع المسير في طريق التحدي ليثبت لذاته قبل أي أحد أن أسطورة هادي لن تنحي بسهولة.. و ان الظهر الذي حمل أعباء الوطن لن يحنيه عجز بسيط قد يزول بكلمة من الله
أتى المجنون سامي بابنه الى تلك المنطقة ذكرني بالحرامي الذي يسرق بالليل و يقول يا رب استر هههههههه
واثق هو من ابنه انه لن يفعلها لكن وجهه نظره في محلها حين قال لهادي لابد انه شم رائحة امه فاطمأن و فعلها... اي سبب غير أن سامي غير مسيطر هههه و الكارثة ان يجعل هادي على آخر الزمن يغسل لابنه متعللا بشادي متتتتتت والله

★★★

ما تلى من أحداث لا يجوز الكلام فيه.. فالكلام مهما كثر لن يدل على حرف و لن يوفيه... يا ربي تركت قلبي هناك و لم افلح في استرداده رغم محاولاتي في تلقيه...
تزوجت الجميلة رهف و تركت المى التي استعانت بمربية جديدة تعينها على رعاية ابنها.. كتب لها الله أن ترزخ تحت وطأ تلك المشاعر المتواترة فما عاد قلبها يختبر إلا نار الشوق..
ما يثبت و يدل اثباتًا قاطعًا على نقاء ألمي أنها لم تسمم أذني الطفل بكلمات سوء عن ابيه كما تفعل الكثيرات.. رغم أن ألمى في جنح الظلم و لو كانت هكذا بغبائها و سذاجتها.. لكنها لم تقل للصغير سوي كل جميل و تتمنى من هادي أن يخطو خطواته نحو ابنه و نحوها..

ثم تراه في التلفاز وجهه يتسنمه العزة و الايباء و روحه تكلل بالفرح بعد انجاز كبير.. فيجول بقلبها و يصول العديد من المشاعر و هي اعترفت ان أولها و أشدها كان الفخر الشديد بحبها و والد ابنها....

★★★

كم أوجعني قلبي عليها.. صغيرة على الهم هي(وجه باكي)
حماسها و بهجتها و شوقتها لترى والدها و الشوق الأكبر لترى فرحة والدها بصغيرها.. لكن هذا الحيوان لم يفعل ولو شي جيد واحد في حياته.. كسر فرحتها و أدمي قلبها و جرحها ليملأ قلبها بأكاذيب و يسمم مسامعها بما يريد.. أريد الدخول للهاتف و تلقين عاصي درسًا لا ينساه ما حيا..
الحلو في الأمر ان كلاهما في مكان واحد.. هل يعلم الشقيّ سامي بزيارة المى للسجن.. ههههه والله لا يستبعد هذا الاحتمال فالمجنون يفعل أي شيء
★★★


انتظر القادم بشوق لم ينمحي و لم يقل مقدار ذرة واحدة❤
يا ربي تحدثت كثيرًا لكني للأسف لم أوافيك ولو قليل من حقك
أنا للآن اتعجب من هذا الابداع الفريد حفظك الله و دام ابداعك..
لكني متحسرة و خائفة و حزينة.. كيف لهذه الرواية أن تنتهي.. لا استوعب هذا (وجه يبكي )

اعذريني على تقصيري لكني والله لازلت تحت وطأ تلك المشاعر المتضخمة بالفصل.. الأحداث تتواتر على ذاكرتي دون توقف فأجد نفسي أبتسم كالبلهاء و لا أقدر على صياغة مشاعري صياغة توفيها ذرة من مقدارها لكني أقول أنك كاتبة بالفطرة.. حفظك الله و اسعدك في الدارين










shezo, Salomah, شهلا, and 2 others like this.

فاتن نبيه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-02-24, 06:04 PM   #2993

فاتن نبيه
 
الصورة الرمزية فاتن نبيه

? العضوٌ??? » 487008
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 1,428
?  نُقآطِيْ » فاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond reputeفاتن نبيه has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
السلام عليكم...


سأنزله حالاً إن شاء الله وبمشاركة واحدة كالعادة لأنه قسم الى قسمين ......


القسم غير معدل بالكامل لذا أرجو أن تتجاوزوا عن اخطائي وهفواتي .....وانتظر تعليقاكم بكل حب مهما كان رأيكم به .....أتقبل النقد المحترم بكل رحابة صدر ويسعدني نقاشكم.....شكرا لكم





مرحبًا بك حبيبة قلبي ❤
الفصل يعلن عن ذاته و يتحدث عن المجهود الجبّار المبذول فيه
انا لم أشاهد أي خطأ إملائي لذا ضعي رجليك في الثلج و نامي

نقد (عيون جاحظة)
هههههه لأصدق حقا هذا إن بقي بهم عقول ليفكروا بها
عن نفسي فقد تركت بالفصل روحي و قلبي و عقلي و كياني و وجداني و نفسي و مشاعري
لحونة كلمة بسرك
أنت أمهر سارقة عرفتها ههههههه
سامحك الله


فاتن نبيه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-02-24, 01:15 AM   #2994

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم....



سأقوم بتنزيل الفصل خلال دقائق إن شاء الله.............أتمنى لكم قراءة ممتعة وأنتظر رأيكم


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 18-02-24, 01:28 AM   #2995

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

القسم الثاني من الفصل التاسع والثلاثون ((عهد الصداقة)) الجزء الثاني



~~~~~~~~~~~~~~~~~~

"أُف..."

تأففتُ ناظراً لساعة يدي.....لقد بدأتُ أشعر بالضجر بعد مرور وقت أكثر مما تبجح!!........لا يمكنني الانتظار سدى ودون هدف وما جعلني حانقاً هو تواجدي بنفس المكان المسجون به النجس قبّحه الله ...فلم يفل من تفكيري كوني هنا بالقرب اشعر بطاقته السلبية النجسة.... والفكرة بحد ذاتها تثير اشمئزازي !!......سامحك الله يا صديقي.. سامحك الله يا (سامي)!!...ليتك أنهيت عملك قبل مرافقتي!.....مرّت دقائق كثيرة وأنا ما زلت في الخارج وعلى نفس الحال!! ....قررتُ التوجه للداخل لاستعجله لنمضي في طريقنا فنحن لا نعلم حركة السير كيف ستكون!!.......استفسرت عن مكانه ولما قصدته وجدته منشغلاً مع رئيس السجن يحتسي الشاي ويثرثر كعادته....." يا إلهي!..".....أخرجتُ تنهيدة حارة......أريد الذهاب للمعسكر !!...لا يمكنني أن أتأخر!!......نظرتُ لغرفة الانتظار الواسعة...كانت خالية من الناس إلا من عربة طفل مركونة أمام مقعداً فارغاً وباعتقادي أنها فارغة ايضاً!!.....هذا جيد فأنا لا أحب الضجيج والازدحام..!!....جلستُ على أقرب كرسي للباب وأخرجتُ هاتفي ألهي نفسي به!!....بعد قليل أجفلتُ ناظراً للأمام عند صدور بكاء طفلٍ من ذات العربة.....اشرأبيتُ بعنقي أتفحص إن كان أحدٌ بقربه.....لم أجد!!.....تطلعتُ يمنة ويسرة.....لا أثر !!....علا بصرخاته المنادية بكاءً ولم يُقبل عليه أحد!!....يبدو أنه كان نائما واستيقظ!.......لا أعلم كيف يتركون طفلاً لدقائق دون رقابة وإن كان نائما؟!....ما هذا الإهمال؟!....".يا ترى أين ذهبت والدته؟!"......تساءلتُ بضيق!!....صبرتُ دقيقتين او ثلاثة ولم يظهر لنا أيّ كائنٍ بشريّ؟!....حسناً ربما واجبي الآن القيام بدور المربية !.....فتلك المخلوقات الصغيرة نقطة ضعفي مهما كان دينهم وعرقهم...رحمةً وحباً......أحسستُ بعاطفة شديدة تدفعني إليه.!!....خطوتُ بهدوء واتزان نحوه وما زلتُ اتفحص بحدقتيّ قدوم فردٍ تابعٍ له من أحد أروقة هذه البناية!!.....وما إن أبصرته بعد وقوفي ثابتاً ازائه حتى راودتني كتلة من المشاعر الجميلة الجياشة.!!.....هدأ لثواني لما لمحني فانخطف قلبي وانشرح صدري!!....رباه على البراءة والجمال!...كان طفلاً في سن السابعة أو الثمانية أشهر .....هكذا بدا لي حسب تقديراتي !.....عاد لبكائه يتململ مكانه منزعجاً فدبّت في نفسي الشفقة عليه ووجدتني انحني امسح على شعره الاسود الناعم الخفيف بحنان!! ...لم يسكت فاضطررت لحمله محاولاً اسكاته وتهدأته.!!......أجل لقد صمت وبدأ يتفحصني بعينيه ويا لسحر عينيه !!...تبارك الله أحسن الخالقين!!....تابع بوصلة الصراخ بعد أن تأكد أنني لا اخصه ولا أمت له بصلة!!.......هذه فطرتهم!!......هززته برفق اداعبه واسكته بينما كنتُ ابتسم له هامساً بحنو ومشاكسة:
" ششش اهدأ ....ستأتي ماما حالاً.....لكن لا تغضب مني سأوبخها لأنها تركتك دون رقيب!....اتفقنا؟!.....ششش.... اهدأ .... اهدأ .....لا تبكي يا صغيري....."

نجحتُ بإسكاته أخيراً.....الحمد لله!!.....جلستُ على المقعد المجاور لعربته وهو ما زال في حضني اضعه بشكل جانبي على حجري!......رفع رأسه لوجهي من جديد يتأملني.....لاحظتُ أن ذقني المهذبة تشغل تفكيره....ربما والده غير ملتحي لذا استغربها!!.....مدّ يده يتحسس منها ثم أنزلها بالحال مع انكماش ملامح وجهه الابيض البريء وانتفاض جسده فابتسمتُ هاتفاً:
" هل نخزتك ذقني ايها الشقيّ؟!......غداً ستكبر وسيصبح لك مثلها ان شاء الله!...."

رفع يده الناعمة الصغيرة مرةً أخرى لذقني فكبّلتها بقبضتي بترفق وقبّلتها له بحب وكان منايَ التهامها!! .....اوقفته على فخذيّ ثم الصقته لصدري احتضنه باحتواء حد الاستحواذ...كانت حركة عفوية مني افعلها بشكل خاص مع (سليمان) ...لكن....سبحان الله... دخل قلبي هذا المخلوق بل خطفه دون أدنى مجهود منه وشارك ابن شقيقتي الحضن !!...استنشقتُ بشرته الحليبية من جانب عنقه بانتشاء مغمض العينين هامساً بأذنه:
" الله....كم أدمن رائحتكم المميزة !!....شذاكم له سحر فريد على روحي......"

صرتُ أداعبه وادغدغه لأسمع ضحكاته التي أطربت الفؤاد بعد وقت من الملل ودقائق قاحلة !....ما زال لم يأتي أحد!!.....أيعقل هذا؟!......كان يتلمس أزرار قميصي تارةً بأنامله الشهية...ثم يرنو بنظره مع مد يده يحاول الوصول الى شعار الرُتبة الموجود على كتفي تارةً أخرى ...ألوانه جذبت انتباهه!!....كان يناغي بكلمات لا معنى لها وأحيانا يصدر حروفاً وكأنه ينادي أبيه وأمه:
" با....ما...با..."

حملته ورفعته للأعلى أهزه وألاعبه وضحكاته اللذيذة تعلو وتتضاعف وشعوري بالسعادة يتضاعف معها وعند لحظة إنزالي له أخرج القليل مما بجوفه من الحليب على قميصي الخاص باللباس العسكري!!.....ذاك الشقيّ تقيأ عليّ ولطخني!.......عدتُ لأوقفه على فخذيّ مسلطاً عينيّ بعينيه وقلت معاتباً بعدما أخذتني الذاكرة وأشعلني الحنين لتلك البعيدة عندما كنا بالمعسكر لحظة استفراغها على ملابسي:
" قل لي أيها الرجل......هل التقيؤ على الآخرين هي عادة عند أصحاب العيون الزرقاء؟!"
" أخبرني ما العمل الآن وموعد هام بانتظاري ؟"
" هل تريد أن أذهب بهذا الحال .؟!"
" أترضى لي بذلك يا صديقي؟!"

كان يستمع إليّ ضاحكاً وسنيه الصغيرين الأماميين السفليين يلمعان وما إن أنهيتُ كلامي حتى أقبلت فتاة ثلاثينية تهرول نحوي تحمل زجاجة الحليب خاصته وهي تقول:
" اوه...أنت....لمَ ..تمسك...هذا...الصغير ؟!.....ماذا جرى؟!...ما به.... الصغير؟!...."

كانت امرأة متوسطة الطول ..حنطية اللون....ملامحها تبدو عربية لكن لهجتها متكسرة!!......أجبتها موبخاً:
" كيف تتركين الطفل دون رقابة؟....أين كنت؟....هل هو ابنك؟!....ما هذا الإهمال واللا مبالاة؟؟!....انتبهي له......"

امتقع وجهها تنظر للخلف بارتباك وأجابت:
" اوه ...نو...نو...كلا...يا...سيد...صغير ...ليس ..ابني...انا ..مربية هو......زجاجة....ذهبتُ...لغسلها. ...واستخدمتُ الحمام!.."

قطبتُ حاجبيّ لما مدت يديها تأخذه بعد أن وضعتْ الزجاجة بالحقيبة الخاصة به وقلت:
" إذاً قومي بعملك على أكمل وجه ولا تتأخري عنه مرةً اخرى!!.."

هزت رأسها ايجاباً مرتبكة ثم ألقت حدقتيها لقميصي المتسخ وانحنت تخرج مناديل رطبة من حقيبته بحرج وهي تحمله على خصرها ومدت يدها لتمسح لي البقعة وهي تتمتم:
" آسف..سيد....آسف سيد..."

نصبتُ كفي أمامها بجدية أمنعها هاتفاً بخشونة:
" لا تلمسيني!! .....اعطني المناديل أنا سأنظف نفسي!..."

ظلت واقفة أمامي بينما انشغلتُ أنا بإزالة آثار القيء عن قميصي ولما انتهيتُ سألتُها مستفسرا:
" أين أهله؟!.."

تطلعت للخلف ثم أرجعت وجهها لي وأشارت للطفل بإصبعها وهي تجيب:
" ماما هو...زارت....بابا هو في السجن..."

" أجل...حسنا.."

قلت باقتضاب واستقمتُ واقفاً بطولي الفارع ناظراً إليهما ثم ثبتّ عينيّ على الصغير....ضحكته البريئة دغدغت عمق كياني ..." ما هذه المحبة وهذا الانجذاب يا جميل؟!"....قلتها في سري وأملتُ جذعي أقبل خده قبلة طويلة بحب امتص رحيقه حتى احمرّ مكانها ثم بطرفيّ أناملي قرصته برقة وسألتها بفضول دون أن احيد بحدقتيّ الترابيتين عنه وقبل أن أوليها ظهري:
" ما اسم الطفل؟!.."

أجابت بسلاسة:
" موهي.."

رفعتُ حاجبي مستغربا مكرراً جوابها في دماغي ومتسائلا " موهي؟!...ما هذا الاسم الغريب والذي اجزم بلا معنى ؟!...."....حدّجتني بابتسامة تلقائية فطنتُ لها فخرجتُ من تساؤلاتي الفضولية مبدلاً ملامحي لابتسامة خفيفة كمجاملة مع رمشة عينين ثم وليتها ظهري أخطو خطواتي خارجاً من المكان!!....موهي؟!..كدتُ أتهور واسألها ما هذا الاسم السخيف؟!......طفل بكل هذا الجمال يحمل اسم (موهي)؟!......لا بد أن أمه اجنبية أو من تلك الفئات المدمنات للمسلسلات التلفزيونية الأجنبية والآسيوية ومعجبة بأحد الممثلين او الشخصيات الوهمية وسمّته على اسمه .....ماذا سيكون غير ذلك؟!....فالتافهات كثيرات .....يقتدين بأشباه الرجال ويجعلن لهم قيمة.......لم يعد يعجبهن أسماء دينية أو ابطال حقيقيون.!!......أو.....أيعقل أن هذا اسم الدلع خاصته ...ولربما أنه ليس من ديانتنا !؟.......أجل....ممكن ذلك......"أوف....ما بي أشغلتُ تفكيري ؟!.....ربما من الملل فهذا ليس من طبعي"......حدثت نفسي واستغفرت ربي محركا رأسي برفض من الفكرة التي أثارت حفيظتي ولوصولي لأفكار لا تعنيني وأكملت سيري حتى وصلتُ الباب وتوقفتُ لا ارادياً مكاني.... التفتّ برأسي للخلف لتشق ثغري ابتسامة ودودة صادقة ارتسمت لأجله وأنا ألقي نظراتي الأخيرة عليه أودعه بينما كنتُ في داخلي احرصه من عيني المعجبة ومن قلبي الذي أحبه ثم أدبرتُ غائباً عن أنظارهما مخلّفاً بصماتي الخاصة عليه...!!
×
×
×

سرنا بخطى متوازية خارجان من مبنى السجن الأمني المركزي متجهان الى سيارته رباعية الدفع البيضاء فقلتُ له ساخراً:
" مؤكد أن الساعتين اللتين أمضيتهما في الداخل كان منها ربع ساعة مهمة تخص العمل أما النصيب الأكبر كان لمزاحك وثرثرتك الغليظة !!.."

ضربني بيمناه أعلى ظهري ضاحكاً وأجاب متفاخرا بتصنع:
" كل دقيقة أنا موجود بها بأي مكان تكون مهمة للآخرين يا صديقي......حتى النفس الذي أتنفسه ذو أهمية كبيرة لهذا الكون.......فقط أنت وشقيقتك الضفدعة من لا تقدّران قيمتي!!.."

" اوه .....ليتك تذكرت البني آدم الذي كان منصوباً في انتظارك لتغدق عليّه بأنفاسك الذهبية ولم تحرمه وجودك الثمين !!....."

قلتها هازئاً ثم أكملت بجدية :
" تأخرت كثيراً سامي وأنت تعلم أن هنالك اجتماع والأهم الاختبار الخاص بالجدد بانتظاري!......لن أعيد هذه الغلطة مرة أخرى وارافقك!....توبة!..."

ضغط على زر مفتاحه عند وصولنا الى سيارته ثم استدار مستندا عليها بظهره ليجيب وهو يكتف ذراعيه ويرفع احداها متكئا بذقنه عليها :
" أشعرتني وكأنك أنت من ستخوض الاختبار وقلقاً لهذه الدرجة خوفا من عدم قبولك!...."

مط جسده نحوي يضرب جانب ذراعي بتكرار وتابع بتباهي مسلطاً أنظاره على تقاسيم وجهي:
" يا رجل.....أنت رئيس أركان الجيش....يعني الآمر الناهي......الجميع ينتظرك حسب ظروفك.....لن تقوم القيامة لو تأخرتَ قليلاً عن لقائهم ولن يهربوا الشبان الذين سيتم اختبارهم!!..."

واستطرد مازحاً:
"على العكس اتركهم يتنفسوا ويستعدوا للقاء الفهد الأسود الشرس والقائد الأكبر الذي لا يقبل أي زلة......مؤكد يحمدون الله الآن لأنك لم تظهر أمامهم بعد!...."

نظرت له رافعا حاجبي بعدم رضا مع انحناءة صغيرة بجذعي وقلت:
" احترام المواعيد واجب يا سيادة اللواء........يبدأ النجاح من هنا......علينا تقدير الوقت .....الوقت له قيمته وعلينا استثماره دون تضييعه باللهو والعبث الغير مفيد"

ردّ بانزعاج مصطنع وهو يشير لنفسه:
" أتقصد أنني كنتُ ألهو بالفعل في الداخل يا حضرة القائد .؟!"

" حاشاك.....استغفر الله.....أنت تلهو؟!....."

قلتها بسخرية فرد غير مبالياً:
" اسخر....اسخر كما تشاء...العمر واحد....هل سأمضيه جامدا مثلكم لا تعرفون للمزاح والمرح طريق؟!.."

أجبته في الحال بصوت جاد:
" لم أنهك عن المزاح.....لكن الله أقسم بالوقت ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حثنا على المحافظة عليه واستغلاله جيداً......."


وأردفتُ ممتعضاً اؤنب نفسي:
" ثم إذا أنا كقائد أهملت هذه النقطة أمامهم كيف سيقتدون بي ويؤمنون بمبادئي وقراراتي وخاصة أن هذه دفعة جديدة منتسبة ؟!."

تنهّدت وعدّلتُ وقفتي مستقيما بينما كان هو يصغي إليّ وأضفت مغيراً نبرتي ومشيراً له لباب سيارته أحثه على الركوب:
" هيا يا غليظ .....كفانا ثرثرة.....علينا الاسراع .....سيفوتني الموعد !..."

ضيّق عينيه ناظراً لقميصي بتدقيق واقترب ببطء مني ومسكه بطرفيّ إصبعيه جانب البقعة سائلا:
" ما هذا الذي على قميصك؟!..."

احنيتُ رأسي لصدري أنظر لمكانها ثم لاحت على وجهي ابتسامة تلقائية وأجبت:
" لا تهتم...!.."

قال بفضول:
" ماذا فعلتَ بغيابي؟!.....اعترف!..."

ثم أمال جذعه مقترباً من البقعة يشمها لينتصب بعدها من فوره هاتفا باستغراب:
" يا الهي....ماذا تفعل رائحة سُليمان عليك وأنت لم تره اليوم؟!..."

أملت شفتيّ بابتسامة رزينة واستدرتُ قاصداً المقعد الأمامي جانب السائق وأنا أقول:
" اركب...اركب.....سأخبرك!....."

لما ركبنا فتحت الدرج الأمامي من فوري منحنيا بجسدي أبحث عن مناديل رطبة فيبدو أنني لم أقم بتنظيفه جيدا وقلت:
" ألا يوجد معك مناديل رطبة؟!"

شغّل المحرك وألقى نظرة سريعة نحوي ثم أشار للصندوق بيننا قائلا:
" ستجدها هنا......أخبرني ما هذا الذي على قميصك؟!"

دعس على الوقود بينما اشغلت نفسي بفرك البقعة جيدا وأنا أرد:
" طفل صغير تقيأ عليّ.. ....يخطف القلب ببراءته وجماله الملائكي....بسم الله ما شاء الله.....فليحفظه الله لأهله....!"

رمقني متعجبا وأعاد عينيه للأمام وهو يقول بجدية:
" ما أتى بالطفل لك حتى يتقيأ عليك ومن يكون أصلا؟! "

ثم بدّل نبرته في الحال للسخرية كطبعه متابعاً ينقل نظراته بيني وبين الطريق:
" هـــيه أنت.....أخشى أن تكون متزوجاً بأخرى من خلفنا وأصبح لديك طفل !!....أي هذا ابنك!...سرك ببئر ....اعترف يا صاحبي !..فأنت من شهور مشغول ....قبل الحادثة وبعد شفاؤك......متحججا بالوطن والأمور السياسية والأمنية وكل ما يخص الدولة!....."

" يا ليت ".....وددت...وفي قلبي كم تمنيت...ويا لصعوبة ما تمنيت .....يا لصعوبته!!.... .....فكل أحلامي الأسرية بنيتها معها وحدها......أولادي لم أرغب بهم إلا من رحمها.......مخيلتي لم ترسم إلا ليالي لحبنا....ليالي نشعل بها لهيب العشق ونذوب بلذة الغرام ......كم تمنيتُ من ليالي آتية يكون نتيجتها الأمل......ابنتي...أملي.....الخا ئن تضخم مع الزمن بين أضلعي ليحمي حبها .....ليمنع تسلل أي دقة لغيرها !!...ولكن...للأسف....أين هي عني ؟!.....أين؟!........عدتُ من سرحاني بما مضى وأحلامي بعيدة المنال أروي له حكايتي مع الصغير خاطف قلبي ولما انتهيتُ منها ولم أفلح من محو البقعة جيدا هتف (سامي) بمزاح وهو ينظر تارة إليها وتارة للطريق:
" لا ترهق نفسك كثيراً......مفعول القيء خاصتهم على الملابس اسوأ من مفعول الكلور ....اسألني !..."

وأكمل بصوت جدي:
" أتريد أن نذهب لمحل ملابس تشتري قميصا بدلا منه؟؟"

اتكأتُ بمرفقي على النافذة مسترخياً بظهري على المقعد بأريحية قائلا دون اهتمام:
" لا تكترث.....تابع طريقك......ربما يجف من الهواء قليلا أو سأبدله من المقر العسكري بأي شيء وإن لم أفعل لن يهمني!......هذه دمغة براءة ممَ سأخجل؟!..."

ضحك بمكر وقال:
" البراءة أنا وأنت نعرفها لكن هيبتك ستضيع بين ظنونهم!.....اسمع نصيحتي!..."

أجبته بهدوء واثقاً:
" فليظنوا ما يشاؤون.....لستُ مجبراً على تبرير شيء لأي أحد كان.......وبصمة ذو الوجه الملائكي لن تعيبني..."

تأفف باصطناع ثم ركّز عينيه للطريق مضاعف سرعته وهاتفا:
" ربما سينوّر الملح في البحر يوماً ما....لكن رأسك الصوّان لن يلين أبداً........أنتم جميعكم شلة فاسدة خسارة بكم نصائحي الذهبية....!!.."

~~~~~~~~~~~~~~~~

انتهى وقت اللقاء الذي بدا ثقيلاً على عاتقها وليس كما تمنت وظنت!!... ودعته بعناق صادق بادلها صدقه ...فهي أميرته المدللة وجفائه لا يعني عدم حبه لها إنما طبع في شخصيته المعقدة القاسية أما بالنسبة لابنها هو لم يشعر بأي شيء اتجاهه...لا تجاذب ولا تنافر.....اكتفى بالحياد ....لن يحقد عليه حالياً فهو يبقى طفل والأكيد لن يحبه لأنه من صلب الد أعدائه ...لا يستبعد بأن يصبح يوماً غريماً له فربما دمه دماً مصفى من دماء( آل الشامي) وجيناته بالكامل عليهم...هذا ما أسره في نفسه لحظة رؤيته للحفيد الوحيد.!!.....عادت أدراجها نحو غرفة الانتظار تسير باتزان بحذائها الأبيض المريح وهي تعيد طرف حجابها المورد بزهور وردية وخلفيته بيضاء للوراء بعد انزلاقه لكتفها وصدرها وكانت ترتدي فستانا خفيفا ورديّا ورغم بساطة مظهرها إلا أنها بدت أنيقة كما هي بل جميلة الجميلات!.....عند وصولها للمكان تفتحت أساريرها وأزهر وجهها بفطرتها الأمومية عند وقوع نظرها عليه بعد غياب ساعة زمنية عنه وأقل قليلاً أحستها كأنها يوماً كاملاً....فمع أنه يرهقها بمرحلته العمرية هذه إلا أنها تعلّقت به ولا تراه إلا الوجه المشرق بحياتها بل كل حياتها!!... كانت المربية تجلسه في حضنها وتداعبه بإحدى العابه الخشخشة الملوّنة .!!......التفت الصغير بتلقائية لصوت خطواتها فضحك ضحكة واسعة أظهرت سنيه الصغيرين في الأسفل وبدأ يرفرف بيديه لها كي تحمله وهو يناغي:
" ما...ما...ما.."

نبض قلبها بالحنان لحركاته والفراشات رقصت في جوفها ....مدّت يديها نحوه بالهواء وهي تقبل عليه تشرق الابتسامة على ثغرها وتناغيه تعيد حروفه :
" ما....ما.......ها قد أتيت يا روح ماما..."

وما إن وصلته حتى أحنت جسدها نحوه تغضن جبينها وتضيق عينيها بإمعان لتمدّ يدها تتحسس خده متسائلة باستياء:
" إيلا.....ما به خد محيي الدين؟!....لماذا لونه أحمر؟!....هل لسعته بعوضة لعينة وأنت لم تنتبهي لها؟!.."

ارتبكت قليلاً وردت:
" نو...سيدتي...كلا...هذا مكان قبلة سيد..."

انتصبت بوقفتها مستقيمة بتأهب دون أن تأخذه وتابعت استفسارها باستياء أكبر:
" أي سيد؟!.....ماذا تقصدين؟!...!.....اشرحي لي حالاً..."

ثم أمالت نفسها قليلا تحمله بينما كانت تنظر للمربية تنتظر إجابتها لتقول الأخيرة وهي تقف مباينة لها:
" ذهبتُ ...غسلتُ زجاجة....كان موهي نائماً....ولما رجع أنا هنا.....وجدتُ سيد تحمل موهي لأنه كان يبكي !!.."

عبست ملامحها وهمست معاتبة بصوت هادئ:
" ما هذا الاستهتار إيلا؟!.....ماذا يفعل الغريب مع صغيري؟!......احمدي الله أننا داخل محل آمن لا يستطيع أحد الإتيان بأي حركة خاطئة !.....ماذا لو كنا في الخارج؟....ألا تفكرين أنه من الممكن أن يخطفه أحد أو يؤذيه؟!..."

" آسف سيدتي...آسف.."

اومأت برأسها تقبل اعتذارها ثم حوطته بذراعيها تحتضنه بقوة ومشاعرها الأمومية تتدفق حبا وخوفا عليه ثم قبّلته من خده وتحديداً المدموغ بالأحمر وهي تهزه برقة وتلاطفه بصوت شجيّ يقطر حنية :
" هل بكيت يا حبيبي ؟!....هل تركتْـ..كَ....إيلا...وحْـ..دكَ. ؟!"

أكملت كلماتها الأخيرة بتقطيع عندما لامس أنفها عنقه ثم بدأت تمرره بالتدريج على جلده حتى سائر جسده فوق ملابسه ليبدأ قلبها يخفق بجنون وحشيّ مع انخطاف لون وجهها والتماع سماءيها وعادت تحتضنه بتملك رهيب وكأنها أحست بأمرٍ مريب ثم تعاقبت أنفاسها بانفعال ضاري وبالكاد همست باختناق وتلعثم وهي تجول بحدقتيها في الأرجاء بعد أن اخترق عطري الرجولي الصاخب الخاص بي أنفاسها وكل ذرة بجسدها حتى وصل لعمق ذاكرتها :
" مـ....من...من.....الـ..سيد؟!...."

ما زال القلق يعتريها والوجوم يخيّم على ملامحها وما زالت عيناها تتفحص الأرجاء بحذر وهي تأمرها:
" اجيبي...مـ...من....الـ...سيد؟!.... كـ...كيف...يبدو؟!..."

تبسمت المربية فهي لم تستطع الوصول لتفكيرها وأجابت بحالمية وهي ترفع يدها لفوق:
" اووه...ما شالله...ما شالله .....طويل سيد كثيراً.....وسيم سيد جداً........تلبس سيد ملابس جيش......له ذقن مهذب وأنيق.....اوه سيدتي...ما شالله عيون ما شالله ....."

قاطعتها بسرعة بديهة لاهثة ومتلهفة:
" هل له حاجبا مشقوقا من الطرف؟!..."


ردت متعجبة ومعجبة:
" اوه ...صحيح...سيدتي....كيف عرفت؟!......هل أنت تعرف سيد؟!....محظوظ أنت لو يعرفه.....كله رجولة وشموخ وسيطرة.....كما نحب نحن نساء....."

" لـ..لا...لا أعرفه ...."

فرّت حروفها منها متبعثرة فسألتها تلك:
" حقاً سيدتي؟!.....أنا ظننت أنك تعرف سيد..."


"كـ...كلا....لا أعرفه ..من أين سأعرفه؟!...لكن....وصفك ....ذكرني برئيس أركان جيش هذه البلد!......يعني ...اقصد....يعني توقعت.... لأنه هكذا شكله...."

قالتها بتوتر كاذبة ,هاربة من هيجان مشاعرها وانحنت تدس لعبة الخشخشة التي كانت بيد ابنها بالحقيبة بارتباك وسرعة متابعة أوامرها:
" هيا إيلا......اجمعي الأغراض...علينا الذهاب الى الفندق بأقرب سيارة أجرة!....هيا إيلا اسرعي!...."

مصدومة.....مرتعبة......القلق يغمرها من رأسها لقدميها ....ستلغي أي خطط رسمتها وستفر من هنا بأسرع وقت ممكن تحميه ونفسها!!.....هل احتجبت وحجبت الحقيقة معها شهوراً لتكشفها بمكان ووقت لم تفكر بهما أبدا وبعد كل هذه المدة التي نجحت بها بإخفائها ؟!....

هتفت المربية تذكرها:
" لكن ....قلتِ ...سنذهب للسوق القريب من هنا سيدتي!"

" كلا إيلا....غيرت رأيي......أنا متعبة جدا.....طائرتنا في الصباح الباكر....أريد أن أذهب للفندق فقط....هيا...هيا..."

ردت معترضة بصوت حاولت به استجماع قوتها وودت كثيرا لو أنها كانت الآن فوق السحاب في الطائرة تعود أدراجها الى تلك البلاد التي احتضنتها....لتذهب بعيدا...بعيدا.....عن كل شيء في هذا الوطن المزعوم الذي لم تجد به إلا ضربات قاضية أنهكت شبابها وحطمت آمالها وخاصة بمثل هذا اليوم بعد أن خذلها والدها بابنها وموقف الرعب الذي تعيشه الآن والذي أدى لتجميد دمائها وتجفيف حلقها...!!.........اومأت لها مرافقتها صاغرة ونفذت أوامرها بصمت !!....خرجتا من بناية السجن الامني المركزي وهي ما زالت تتشبث بابنها بقوة وسيطرة وبعينيها تتابع تفحصها للمكان بحيطة وحذر مضاعف حتى وجدتا سيارة أجرة قريبة أقلتهما إلى الفندق القديم ذو الثلاث نجمات في العاصمة وتحديدا وسط البلد حيث الاحياء الشعبية !!.

×
×
×

لما وصلتا بأمان إلى الفندق الذي تنزلان به توجهتا معاً الى غرفتهما المشتركة.!!....دخلت (إيلا) الى الحمام بينما هي تنهدت تضبط أنفاسها براحة بعد شعورها بالطمأنينة بين جدران الغرفة وفي هذا المكان المغلق عليهم....كان (محيي الدين) في حضنها فهمست له بارتياح بعد أن داعبت عنقه بأنفها وقبلته له:
" الحمد لله...نفدنا يا صغيري.....نفدنا......ماذا كنتُ فاعلة لو كشفنا؟.....كيف سأواجهه؟!....."

سرت رعشة في أطرافها جعلت قلبها ينتفض وجلاً مما جعلها تعصره بذراعيها على صدرها كأنها تستولي عليه بكل قوتها لتهمس له بنبرة متذبذبة مع سقوط بضع قطرات من سماءيها :
" يا الله....حقاً ماذا كنتُ فاعلة لو أخذك مني؟!....يا الله التفكير بهذا لهو مرعب كثيراً يا صغيري.......لا أتخيل ذلك....سأموت.....سأموت لو عرف عنك وحرمني منك!!.....لن أسمح له .....لن يأخذك إلا على جثتي!!..."

زلفت من سريرها وخلعت حذاءها ثم جلست عليه تستند على ظهره وترفع ساقيها لتضع ابنها بحجرها متكئا عليهما يقابلها وغلّفت قبضتيه الصغيرتين بقبضتيها الرقيقتين البيضاوين وداعبته قليلاً ليضحك ثم لاذت بالصمت تفكر سارحة بالفراغ أمامها لتعود تحدق به وعيناها تلمعان.....تبدد الخوف منهما الآن وجاء مكانه......العشق....ذاك العشق المحرم عليها......قبّلت له كفيه ثم دنت منه لتعيد تمرير أنفها تستنشق بانتشاء مسكر كل ذرة تجدها من عطري الصاخب عليه مستغلة وجود المربية بالحمام!......همست بذوبان تناجيه وكأني أنا ماثل أمامها على هيئة صغيرها :
" آه.....ذبحتني....لمَ تترك بصماتك؟!....ألِكَي تأسرني بك فوق أسري؟!......أشتاق.....وربي أشتاق.....واحترق بهذا الاشتياق يا معذبي بهجرانك !!....."

ولأول مرة لم تسمح لكلمات والدها أن يرّن صداها في ذاكرتها ...تلك الكلمات التي جلدها بها وهو يخبرها بأبشع الاحتمالات.....عشيقة أو امرأة أخرى!!....وارتأت أن تشبع نفسها الجائعة العطشة لقربي بأن تحتضن ابنها تستنشق رائحتي عنه وتقبّل خده المدموغ بقبلتي كالمغيبة المدمنة قبل أن يتبخر كل هذا ولا يبقى أثر يروي القليل من ظمئها ....!!.....كان ما يخرجها من سكرتها الأصوات التي يصدرها ابنها استعدادا للبكاء ....فبعد أن أشبعت رغباتها القت نظرة خاطفة متفحصة للرواق الصغير الموصل للحمام لتتأكد من غياب تلك ثم همست له بنعومة وعينيها تشع عشقاً لا ينضب من قلبها رغم الأحزان:
" أخبرني يا حبيبي......ماذا قال لك والدك؟!....بماذا همس لك؟!....كيف كان صوته؟!....حدثني عن دفء أنفاسه ....أوصف لي الأمان الذي يحمله حضنه.... هل شعرت به كما شعرت أنا ؟....حضنه لا ينسى يا صغيري.....حضنه كان كفيلاً ليشعرني بالأمان ويغنيني عن ثروة بأكملها!!.....أما زال شامخاً قويا؟!......أما زال لطيفاً مع الأطفال كما عرفته؟!.....ألم يراني بك كما أراه أنا بملامحك..؟!....آه يا صغيري من سوء النصيب وفراق الحبيب!!......"

قطعت حديثها عندما أقبلت عليها (إيلا) ...رفعته بسرعة فخضته دون قصد ليخرج القليل من فمه الصغير الورديّ سائله الأبيض الجامد فتلقاه صدرها ....وما إن لبثت أن تتأفف بنزق باحثة عن منديل بالقرب لتمسحه حتى انفجرت مقهقهة حد الشماتة تهتز مكانها عندما قالت الأولى بعفوية:
" نسيت أن أخبرك سيدتي.....موهي فضحنا .....تقيأ على قميص جيش للوسيم ذاك .....ولطخ له هو .....أنا أحْرِجَ سيدتي كثيراً....."

ولما خبتت ضحكاتها الشامتة تدريجيا لقطت أنفاسها ثم غمزت لابنها بمكر وقالت مشجعة بغرور وتباهٍ تنتصب بعنقها وكتفيها:
" أحسنتَ محيي الدين....هكذا أريدك.!!...إنه يستحق هذا وأكثر.....لم تقصّر بما فعلت بالحيطان المغرورة "
×
×
×

سارت الأيام برتابة ومرّ اسبوعان لتأتي تأشيرة (إيلا) التي طال انتظارها سابقاً لتودع بهذا اليوم من عرفتهم من أهل الحيّ وكان الوداع الحميمي الدافئ خاص بها وبابنها اللذين أخذا مساحة كبيرة من المحبة عندها فامتلأت المحاجر بالدموع وحزن القلب على الفراق الذي كان لا بد منه إن عاجلاً أو آجلاً وعادت لتتكفل بكامل المسؤولية لصغيرها وتقوم بكافة المهام الخاصة به حباً وإجباراً حتى يبعث الله لها حلاً يخفف من وطأة حملها.....!!

~~~~~~~~~~~~~~

تتهافت الأصوات من كل حدبٍ وصوب ....منهم من يحمل الدلاء المملوءة بالماء ومنهم من يجر خرطوم بيته القريب.. يحاولون انقاذ المكان الى حين أن تأتي سيارة الاطفاء والاسعاف والشرطة بعد الاتصال بهم!!......الدخان الأسود يتصاعد بكثافة وكأن الليل أسدل ستائره وقت الظهيرة.....هناك من يسعل اختناقاً وهناك من يبكي حسرةً .....هناك من يحوقل شفقةً....كلهم بقلبٍ واحد وألمهم واحد واقفون ينظرون لشباب الحيّ العاملين بشهامة وجد وجهد كبير بانتظار أن يخمد هذا الحريق الذي نشب في بيتها الصغير سابقاً المجاور لبيت مربيتها قبل أن يتحوّل لمطبخ تسترزقان منه وكان سببه تماس كهربائي من مقبس يحتاج صيانة خاص بالفرن الكبير الذي تحيطه الخزانة الخشبية ومواد كثيرة قابلة للاشتعال خلّفت أضرار جسيمة وقد امتدت النيران وصولاً لبيت مربيتها فلحقه ضرر هو الآخر لتدخل شعلتها من نافذة مفتوحة كانت تتدلى ستارتها البسيطة فلقفتها النار وأكلتها لتسقط بقاياها على السجادة فتسري عليها كالأفعى حتى تنتهي عند منضدة متوسطة الحجم فيها أدراج عدة وكان أهم ما بداخلها ...مالاً تذخره من عملها لتصرف على ابنها والآن غدا رمادا وكأنه لم يكن شيئا يذكر فهي لم تعد تتعامل بحسابها الخاص والمصارف بل قامت بإغلاقه منذ أن رحل والدها عنها بعد أن أعادت تحويل ذاك المبلغ الكبير الذي أودعته به من أجلها وكانت وكأنها أعلنت الحداد عليه تاركة خلفها كل ما استعملته بوجوده ليبقى مع الذكرى وأي ذكرى؟!!.......الدخان طال ما طال من بيت مربيتها ولكن الحمد لله استطاع الشبان أن يلحقوا بغرفتها التي كانت تشاركها بها (رهف) ونجحوا بالسيطرة عليها وإيقافها قبل انتشارها بكامل البيت وقبل أن تبدو ركاماً وحطاماً فما تأذى منها المنضدة ذات الأدراج والسجادة والستارة ولم يمس الضر باقي أركانها...حمدا لله......أما مصدر رزقها أصبح سراباً أو حلماً جميلاً استفاقت منه لتصفعها الحقيقة بمصيبة تلحق بكل مصائبها!!......كانوا يجلسونها على كرسي بلاستيكي في شرفة لمدخل بيت أحد الأقارب مقابل لمطبخها المحروق.... تحيط بها النساء ...تجاورها خالتها (سهيلة) على كرسيها المتحرك وتقف تحمل لها ابنها (رهف) الراضية بقضاء الله المتوكلة عليه...فإيمانها الراسخ بروحها منع تهويل الكارثة عندها رغم كبر حجمها بينما تلك البائسة التعيسة ما زالت هشة وتحتاج الكثير حتى تصل لدرجة كبيرة من القناعة بنصيبها والرضا بما يحل بها والإيمان الذي ينير بصرها وبصيرتها... أجل...ما زال لديها الكثير حتى تصل لذاك الشعور ...شعور السلام الداخلي الذي يبث الطمأنينة بالقلب...لكنها ستصل له ولو بعد حين بما أنها خطت أول خطوة مقبلة الى الله بإرادتها مخلصة النية!!.....كانت تبكي بحرقة مزقت القلوب ....وجهها محمراً وعيناها مجمرتان ليس من تأثير اللهيب الذي تراه رأيَ العين بل لسعها حريق الحزن داخلها ....يكويها....يؤلمها...يشتتها من ذاتها أكثر وأكثر!!.....تحاول جاراتها تهدئتها لا يعلمن ما الذي يزيد من نحيبها لهذه الدرجة ....يوجهن نظرها للنصف المليء من الكأس وليس الفارغ وهن يهتفن بمواساة صادقة:
" انظري مثلا....بيتك أنت وخالتك سهيلة لم يكن الضرر به كبير الحمد لله..."
" احمدي الله أنكم كنتم عند رهف جميعكم ولستم به ....فهذه نعمة....لقد حفظك الله وحفظ لك صغيرك..."

وبأخرى كلمات حانية وزّعنها على مسامعها عسى أن تربّت على قلبها وتكون بلسماً لجرحها.!!...شهقت من شدة البكاء وهمست باختناق وهي تمسك رأسها والعبرات تغرق ثيابها :
" هذه مصيبة......ليس فقط مالي ما خسرته ...."

ورفعت رأسها نحو شريكتها وكأنها تتوسلها بنظراتها الضعيفة وبعينيها المغمورتين بالدموع متابعة بهمسها المختنق:
" مصيبة يا رهف.....المال الذي جمعناه وأحصيناه لنوزعه على التجار وأصحاب الحق وبما فيه ربحنا كان بدرج المطبخ حيث نضع ما نحصل عليه..."

انقبض قلبها لوهلة ...فعلاً مصيبة!!.....هذا ديْن وعليهما سداده...لكنها حاولت طمأنتها قدر الإمكان مشفقة على الحال الذي وصلت إليه وقالت برزانة تمسك الدموع المترقرقة بمقلتيها:
" الحمد لله...فليعوضنا الله بخير منه ....هذا قدرنا المحتوم ورزقتنا المكتوبة .....حكمة الله جل في علاه.....لا تبتئسي ....سنجد الحل معاً بعد الاستعانة بالله وهو لن يضيعنا ......اهدئي ألمى ....لا تفكري الآن..."

واستدارت نصف استدارة حيث تضعه على الطرف الآخر من خصرها لتقرّبه نحوها وهي تهزّه مردفة:
" أنظري لمحيي الدين كيف ينظر إليك...يبدو خائفاً فهو لم يرك بهذا الوضع سابقاً...."

مدت يديها تأخذه منها وأجلسته على حجرها تحيطه لتمده بحنانها وتستمد منه أنسها وأمانها وهي مستمرة ببكاء صامت كي لا تخيفه بينما دموعها تهطل مدراراً وتجري على وجنتيها تحفر من الأسى أنهاراً...!!
×
×
×

حضرت الشرطة وباشرت التحقيقات بعد إخماد الحريق الهائل الذي سرق وقتاً طويلاً من أهل الحي وبمساعدة رجال الاطفاء وهكذا أغلِق الملف بعدما أُكِد أنه لم يكن بفعل فاعل ولا يوجد خلفه جريمة أو خسائر بشرية .....لقد سدّ باب رزقهما الوحيد وعليهما بالرضا ...إنه كان أمراً مقضياً... !!
×
×
×

بعد يومان من الكارثة ...اجتمعت هي وشريكتها لتقيّما حجم خسائرهما ولتفكرا بطريقة السداد والتي وصلتا إليها أخيرا وهي بيع قطع من ذهب العرس الخاص بـ(رهف) مع قطعتين من المجوهرات الصغيرة خاصتها وقد كانتا مما تبقى معها بالإضافة لأخرى أسوارة ثمينة أبقتها كقرشٍ أبيض ليومها الأسود ....فالكوارث التي أحلّت بها علمتها الكثير وكانت قطعة أخرى لن تتخلى عنها!!......ها هو أسبوع مر بسلام ....لا ديْن لهما أو عليهما....نامت كلّ منهما قريرة العين هادئة البال راضية طوعاً أو كرهاً بهذا الحال!!..... وبهذا انطوت صفحة أخرى من كتاب حياتها كُتبت بنار حبرها أسود لتضاف الى سلسلة المصائب التي تلحقها منذ وفاة والدتها حتى اللحظة التي تتنفسها....!!.....وأعلن هنا عهداً جديداً تبايع به الفقر الحقيقي الذي سيكون مسار حاضرها ومستقبلها فقد سُدت أمامها السُبل وتقطعت الطرق.!!...بعد مرور أيام اضطرت أن تبيع الأسوارة الثمينة لتبدأ بالصرف من ثمنها...على نفسها وابنها بحذر دون تبذير حتى يأذن الله لها إيجاد عملاً يناسبها تجعله مصدر رزقها......عقدت النية للسعي وأعدّت العُدة وستجوب الشوارع العامة الكبيرة وأزقة الأحياء الصغيرة لتجد ما يناسبها وطفلها...!!

~~~~~~~~~~~~~~~~

أعيش مرحلة ذات أهمية بل من أهم المراحل في حياتي وبأكثر وقت حساس تمر به بلادنا ...فيها الاستقرار واثبات الذات وإصلاح ما دُمر من أرضنا بعد أن عاثوا فيها فسادا........تلك المرحلة امضيتها مثابرا أجري وراء مصلحة بلادنا لحماية مساعينا وجهودنا وربط ما وصلنا إليه بوثاق شديد لا يمكنه الانفلات!! ...فقد كانت هذه مرحلة حاسمة قاسمة لوطني لننهض به وكانت كذلك فرصتي لأثبت صدقي وولائي لمنصبي بتفاني وإخلاص!! ....مسؤوليات انهالت على عاتقي بعد استلامي له وازدادت ضغوطاتي وها أنا كعادتي ما زلتُ لم أجد الوقت لأتنفس....كثّفتُ جهودي له وصببتُ جلّ وقتي لأجله....وبعد توفيق الله فلحت خلال شهرين بإعادة الكثير من الأمور لنصابها متمكناً من مكاني مستعداً لتخوض البلاد انتخابات بنزاهة ليس لها مثيل وبنظام ورقابة عالية وحماية شديدة من الجنود في الداخل وعلى الحدود لمنع أي دخيل أو عميل بزعزعة أماننا واستقرارنا فارشين ورود السلام بكل بقاع الوطن..... وقد أتى هذا اليوم وأتت معه البشائر ليمسك الحكومة الحزب الجديد الذي كان نتيجة ائتلاف حزب الثوار خاصتنا وحزب جنود الدولة ليصبح باسم (عهد الأحرار) بعد فوزٍ كاسح بفضل المحبة والثقة التي منحه إياها الشعب بكافة أطيافه وطبقاته ليمثلهم ويكون.... صوتهم... صوت الحق... ودرعهم...درع الشرفاء.... ورايتهم...راية السلام....من بعد فضل الله.....وأصبح رئيس الحزب الرسمي ورئيس الحكومة الرجل المنتخب من الأعضاء السيد (سليم الأسمر) حفظه الله ووفقه لما يحبه ويرضاه... !
×
×
×
بعد استقرار بلادنا ووضع أسس ونظام للمكان الذي أنا به (رئيس أركان الجيش) حان الوقت لألتفت لمسؤولياتي الأخرى .....وعدي لنبض الحياة....العمرة التي وعدتها بها في زمن من الأزمان....لقد حجزتُ لنا تاريخاً في هذا الشهر لمدة عشرة أيام وتذكرتين لنحلق متجهين إلى أرض الحرمين كي نؤدي مناسك العمرة عنا وعن روح والدي سائلين الله أن يتقبلها منا...!!.....كان هذا اليوم اجازتي التي هي من حقي بعد غيابي لثلاثة أيام عن أهلي!!....عدتُ دالفاً بيتنا الجبليّ منتعشاً أريد أن ألقي عليها البشرى بعد أن استقبلني شقيقي دون اشعارها......وجدتها تقوم بغسل الأواني في المطبخ....اقتربتُ منها ثم احتضنتها من الخلف وأملت جذعي متخذ جانب وجهها لأقبّل خدها ناطقاً شوقي وسلامي:
" السلام عليكم يا أم هادي......كيف حالك أماه؟.....لقد اشتقتُ لك!"

جففت يديها بمريولها واستدارت تعانقني تتشبث بي لتصل طولي جاهدة وتقبّل وجنتي هاتفة:
" وعليكم السلام يا مهجة القلب ...أنا بخير يا عزي وسندي طالما أنتم بخير!!...."

وكعادتها أكبر اهتماماتها خدمتنا وعدم إنقاص شيئا عنا فقبل أي كلام التفتت للموقد ثم إلي مردفة بحنان:
" هل أنت جائعاً بني؟!"

وربتت على صدري وهي تتابع:
" لا بد أنك جائع...اجلس لأسكب لك الطعام ..ما زال ساخناً.."

تبسّمتُ بحبٍ لها فرحاً بحنانها وأمسكتُ كفها أسحبها لأجلسها على إحدى كراسي المطبخ قائلا بنبرة متزنة هادئة:
" اجلسي أمي.....سلمت يداك لستُ جائعاً....لديّ ما أقوله لك..."

فعلت مطيعة طلبي وفعلتُ مثلها مقابلاً لها ولما رأت عيناي تلتمع سروراً وتقاسيم وجهي تنطق بهجة وحبوراً قالت من فورها متحمسة:
" هل قررت إعادة زوجتك بنيّ؟!..."

" هل ستعود ألمى إلينا؟!.."

هتفها شقيقي باندفاع يفيض سعادة والذي دخل من توّه المطبخ ملتقطاً سؤال أمي فرميته بنظرة ذات مغزى بعد أن تبدّل حالي واصفرّ وجهي وعدتُ موجها حدقتي إليها مع خروج كلامي بنبرة جافة:
" كلا أمي....ليس هذا....شيء آخر...."

دنا منها بتباطؤ يقف جوارها بينما هي طالعتني بنظرة باهتة وقالت بنبرة فرّ حماسها:
" إذاً ماذا بني؟؟"

أخرجتُ التذكرتين من جيبي وغمزتها بمشاكة لأعيد الحياة لتقاسيمي هاتفاً:
" استعدي للسفر لأداء العمرة إن شاء الله بعد أسبوعين من الآن..."

لم تبخل عليّ بابتسامتها الحنونة لكني لامست انطفاء روحها عندما ردّت كمجاملة منها :
" الحمد لله....الحمد لله....رضي الله عنك وارضاك هادي يا ولدي..!!"

قلت رافعاً حاجبي باستغراب:
" ألم تفرحي أماه؟!...."

"بلى...لكن"

أشاحت وجهها جانباً هاربة بنظراتها مني وأكملت بخفوت:
" كنتُ سأفرح أضعافاً لو أصلحت حالك وحياتك أولا ثم ذهبنا جميعا إلى هناك..."

وعاد يشرق النور على صفحاتها وهي تقول:
" ما رأيك بنيّ أن تذهب وتجلبها ولربما يهديها الله وتتحجب ثم تقتنع لتأتي معنا الى هناك....لعلّها تكون بداية جديدة لكما بصفحة بيضاء.. ؟!"

وضعتُ التذكرتين على سطح الطاولة أمامنا ومددت يديّ أضع كفها بدفء بين كفيّ وهمست بهدوء:
" لا يمكنني هذا الآن أمي.."

قطبت جبينها وسألت مستفسرة:
" لمَ لا يمكنك هذا؟!..."

تنهدتُ تعباً وأجبتها:
" لأن لا صلاحية مطلقة معي الآن لأسافر كيف ومتى وأين أشاء أما العمرة استثناء !!.."

ساد صمتاً يسيراً وهي تطالعني ثم هتفت:
" إذاً اتصل بها هاتفياً .....آن الأوان لإعادة كل شيء للمسار الصحيح يا هادي بعد مرورك بظروف كانت أقوى منك ومنها....لا تؤجل أكثر!.."

شردتُ بالأرض مجيباً:
" لا أريد أمي اتصالاً.....أريد أن أقف أمامها بكامل حواسي وأن أشعر بها وبكامل حواسها.....لنضع النقاط على الحروف!!.... "

" ولمَ التعقيد هذا؟!....صدقني النساء لسن متحجرات مثلكم يا رجال...كلمة واحدة تطيب خاطرها تملكها....وكلمة أخرى كفيلة بهدمها وخسارتها!!....اتصل وطيّب خاطرها على الأقل!.."

تنهّدتْ بهدوء وأردفتْ:
" الحمد لله......انتهت الحرب وعدت من الموت بسلام وحصلت على ما تمنيت بفضل الله واستقرت بلادنا أخيرا وها أنت ستحقق وعدك لي بالعمرة.....أسبوعين تبنى بلاد وتهدم بلاد......قم بإصلاح علاقتك بها ولو هاتفياً حالياً...."

لذت بالصمت...أفكر كيف سأجيب وبمَ أجيب وأساسا هل أنا واثق من هذا؟!.....أغمضت عينيّ وحررتُ أنفاسي بهدوء...فتحتهما وهمست بنبرة منخفضة:
" أمي....أنا سأذهب إليها بعد العمرة ولو خطفتُ نفسي عن طريق الأنفاق .....وسأطرح سؤال بخيارين ليس لهما ثالث.....ولن أجبرها أبداً وسأنفذ إجابتها فور وصولها لقلبي قبل سمعي...هذا وعدي....سأسالها...ماذا تريد؟....إما أن تأتي معي الى هنا ....حيث بيتها وزوجها وبلدها الأصلي ...أو..."

قاطعتني متحفزة الملامح:
" أو ماذا؟!.."

استصعبتها ...أجل....ليس سهل النطق بها.....كم يكون شاقاً على اللسان قول بما لا يتمنى القلب!!....لكني أدركتُ أنني كنتُ ظالماً بحقها ومع حقها حق قلبي....لم أكن جازماً لكني كنت شبه متأكدا أن بعد ما مررنا به وعشناه مرغمين من مشادات وفراق وبعد ...باتت عودتنا معدومة....كنتُ في البداية أنانيا بما فيه الكفاية والآن عليّ أن أنصفها...ومجبرٌ على هذا......عند عودتنا بالسلامة بإذن الله من تلك الأرض المباركة....سأسير أو أطير ...لا يهم....إلى بلاد اللجوء التي لم أزرها منذ شهور....حيث تقبع سمائي...هذا التفكير بحد ذاته لا يزدني إلا لوعة وعذاباً وكأنني أجلد ذاتي وأعاقب نفسي!!......لقد جمعنا حب ملطخا بانتقام وفرّقنا كبرياء غذاءه العناد وسوء فهم أحمق.....كم أخطأنا بحق أنفسنا....سمحنا لتوسيع الشرخ بيننا حتى أضحينا غريبين لا نسأل عن بعضنا ولم نجد من يقدر على لم شملنا ....فالظروف كانت دوماً ضدنا وأقوى منا.......حبي لها محفور في أوردتي.....ووفائي لها لا يقبل النقاش.....كانت السماء لأرضي وصارت الروح لروحي وستبقى الحبيبة الحاضرة في قلبي الغائبة عن عيني!.......ولأني أعشقها سأسعى من أجل هذا عسى أن تغفر لي ذنبي بحقها !!....انتظريني يا مدمّرتي....سأنصفك بإذن الله وأرجو أن تسامحيني!!.......كانت هذه أفكار وقرارات لم أشرك أحدا بها سابقا وأبقيتها أسيرة يصونها صمتي!!..أما الآن جاء وقت إطلاق سراحها متمماً كلامي لنبض الحياة بكلمة واحدة ألجمتها :
" أو الطلاق"

أطلقتها من بين شفتيّ مؤكداً للخائن في صدري أن يتقبل الحقيقة المرة ويرفع راية الاستسلام لأني واثقاً وأكيداً سيكون هذا قرار المدللة سمو الأميرة....سلطانة قلبي....ستحكم علينا بالهلاك حين تنفينا من حياتها...ولكن.....إن كانت راضية سنكون راضين ....وسنفرح لفرحها ملزمين....وسأدعو لها في الهداية للدين وأن تتخذ طريقها لرب العالمين لأنني عشتُ هذه السنين وأنا على يقين أنها ليست لي في هذه الدنيا راجياً أن تغدو حوريتي في جنة الخالدين !! ..

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

دفعت العربة خاصته على الرصيف خائرة القوى.....وصلت الى مدخل بناية تضم مؤسسات عامة ومكاتب مختلفة لمهندسين ومحاماة ....توقفت تحت مظلة البوابة خاصتها تلقط أنفاسها اللاهثة وتستظل من أشعة الشمس التي ورّدت بشرة وجهها حتى كادت تحرقها!!.....أخرجت هاتفها من حقيبتها المعلقة على مقبض العربة لتنظر لساعته....تأففت ساخطة..... أوشك المؤذن أن ينادي لصلاة العصر.......لقد خرجت للبحث عن عمل يناسبها من قبل صلاة الظهر بأسبوعها الثاني على التوالي من رحلة السعي لرزقها ...كل مرة تتجه لمنطقة مختلفة.....لكن يومها هذا كان مغايراً عن باقي أيامها بعد اضطرارها لاصطحاب ابنها معها فخالتها (سهيلة) لديها فحص روتيني بمنطقة بعيدة و(رهف) من ترافقها وقد أحرجت من أن تضعه عند فتيتان ممن تعرفهن بالحيّ لأنها فعلتها الأسبوع الماضي بالتناوب وهي لا تريد أن تثقل عليهما مجددا..!!....حمدت الله أنه ما زال نائماً منذ ما يقارب الساعة والنصف رغم ضوضاء الطريق وأصوات الناس!!.....تطلعت بيأس للباب الداخلي الخاص بالبناية المقفل بإحكام معلناً انتهاء الدوام....كم كانت آملة أن تجد عمل بأحد المكاتب هنا ....لا يهم سكرتيرة أو عاملة قهوة أو أي شيءٍ كان!!.....فالمكان قريب نوعا ما لحيها وطريقه سلس ومريح.......لكن لا نصيب!!.....عادت تجر عربته بخطى واهية وجرت معها أذيال خيباتها....مرت عن محلات عدة فتوقفت عند زقاق نظيف على يمناها....الغرابة به لفتت انتباها!!....والفضول جذبها لتخوض مغامرتها ....إن وجدت عمل فهذا رائع وإن لم تجد سيكفيها هذا الانجذاب!.....وجّهت العربة لمدخلة وبدأت تسيرها بتباطؤ تلتفت يمينا ويساراً تتعرف على أسماء المحلات به أو تنظر لأبواب البيوت العتيقة بألوانها المتفاوتة.....ركّزت بأرضيته فتذكرت....إنه نفس البلاط الخاص بذاك الحيّ.....من أحجار الرصف الرمادية!!....خفقة في قلبها أنعشت ذكرياتها .....إذاً هذا مكان مصغر عنه.....باتت أكيدة!!.....أكملت مسيرتها فالتمعت حدقتاها عندما وقعت على لافتة أحد المطاعم الصغيرة هنا.....خاص بالأكل الايطالي!......وليس هذا فقط ما أشعل نظرة الفرح بعينيها ورسم الارتياح والانشراح على محيّاها إنما الورقة المعلقة على الباب ومكتوب عليها بثلاث لغات ...ايطالية وانجليزية وعربية [ مطلوب عاملة مطبخ ].....لم تنتظر دقيقة لتفكر بل سحبتها قدماها لتدفع العربة بسرعة أكبر وتصل للمحل بإقدام وحماسة كأنها تخشى أن يطير من بين يديها....ففيه وجدت ذاتها....الأكل الذي تحبه...العمل الذي تحتاجه....والوظيفة التي أضحت تتقنها لحد كبير.....فتحت بابه الزجاجي ليصطدم بالجرس النازل من السقف ليصدر رنيناً ويخبر أصحاب المكان أن هناك من جاء!!....تلفتت في الأرجاء ووجدت طاولتين يشغلهما الزبائن بينما ثلاثة أخريات شاغرات!!....فهو لا يتسع لأكثر!!....خرج رجل خمسيني شعره يغزوه الشيب ويرتدي قبعة الشيف وملابسه....ملامحه عربية ....هي واثقه أنه كذلك!!....سألها بوجهٍ باسم ولكنة عربية تختلف عن لكنتها:
" تفضلي سيدتي.....كيف أستطيع مساعدتك؟"

شعرت بالراحة اتجاهه فاقتربت خجلة وهمست وهي تشير للخارج:
" رأيت الاعلان على الباب...!!"

" أجل.....هل تريدين العمل؟"

اومأت برأسها إيجابا فقال:
" ما هي قدراتك في مجال المطبخ؟!"

ردت باستحياء:
" أجيد تقطيع الخضار....وصنع أنواع مختلفة من المعجنات وبالطبع غسيل الصحون!!"

تبسّم برضا وهتف يشرح لها:
" جيد جداً........أنا شريك صغير بالمطعم مع رجل إيطالي له عدة مطاعم متفرقة....يحب الدقة في العمل والنظافة على سلم الأولويات عنده طبعا....يهتم بسمعة المكان......لا بد أنك لاحظتِ بأن الزقاق وكأنه مقطوع من أحد أحياء إيطاليا....وأنهم يتنافسون بالمحلات..."

هزت رأسها توافقه وهمست بوجنتيها الوردتين:
" أجل لاحظت....يشبه الحيّ الإيطالي الكبير الراقي في مركز المدينة..."

ضحك وقال:
" تماماً.....ذاك أصبح مكتظاً فانتقل بعض الايطاليون الى هذا الزقاق وامتلكوه رسمياً ثم حولوه ليصبح كطابعهم وثقافتهم وتراثهم !!.."

همست:
" جميل ..."

فهتف في الحال:
" نحن نحتاج عاملة من الصباح حتى الظهيرة فقط.....إن كان يناسبك يمكنك البدء من الغد...ما رأيك؟!.."

أشرقت الشمس بسماءيها وردت مستبشرة:
" بكل سرور....لن اتأخر إن شاء الله"

غيوم حجبت شمسها عندما تذكرت أن غداً لن تكون( رهف ) متواجدة بسبب مشوار خاص مع زوجها ومربيتها لا يمكنها الاهتمام به وحدها لوقت طويل فأردفت بنبرة يائسة وخجلة:
" هل يمكنني اصطحاب ابني... فقط للغد؟!.."

فكّر قليلاً وكم كان طيباً متعاوناً عندما أجاب:
" حسناً إن كان لمرة وبسبب ظرف مؤقت ...وشرط أن لا يعيق عملك!!.."

انبسطت أساريرها من جديد وحمدت الله على هذه النعمة ....شكرته بحبور واستأذنته مدبرة والسعادة تغمرها كأنها ملكت الدنيا...!!
×
×
×

ارتدت بنطالاً شبه ضيق أسوداً يستره قميصاً طويلاً يصل لركبتيها بلونه البنفسجي ويتوسطه حزاماً يتماشى مع البنطال والحجاب بلونيهما....ملابس بسيطة لا تعد لباساً شرعياً كاملاً إلا أنها تصبح فاخرة عليها بجسمها المرسوم بإتقان ووجهها الفتان ....النور يشع من محيّاها والجمال يخجل من جمالها.....العينان تتألقان كالشمس في كبد السماء وبشرتها الحليبية تتورد في بهاء...!!..حزمت أمتعته في حقيبته الخاصة ...وضعته في عربته وخرجت باكراً حتى تجد سيارة أجرة دون أن تتأخر !!.....وصلت للعنوان المنشود واستقبلها ذات الرجل الطيّب.....عرّفها على المطبخ وأدواته ....ومن حظها السعيد لليوم أن (محيي الدين) سهر كثيرا في الليل مما جعله يتوق للنوم الآن....رضا من الله....هكذا فكرت!......وضعت عربته القابع بها بسلام وسكون في ركنٍ فارغ بالمطبخ بعيدا عن الفرن والموقد وشرعت تطبق المطلوب منها بتركيز ....بعد ساعة أرادت أن تستفسر عن شيء احتاجته ولما همّت للخروج من المطبخ متجهة نحو طاولة الحساب حيث يتواجد ذاك الرجل الذي أخبرها أن شريكه سيأتي جحظت عيناها ذاهلة فتراجعت خطوة للوراء تحتجب بأطار الباب تزدرد ريقها وتحاول تنظيم ضربات قلبها التي تسارعت مع أنفاسها!!....همست في سرها ومقلتيها تجمع الدموع " يا الله....لا يعقل!.....إذاً شريكه يكون إدوارد...ذاك الايطالي.....صـ...صديق ...... هادي ...صاحب المطعم !....يا رب استر عليّ ولا تجعله يراني!....."....لم تفلح بالسيطرة على المعركة التي يخوضها قلبها ولم تلبي نداء الاستغاثة من قدميها اللتين أوشكتا على الانهيار من شدة توترها واضطرابها .....حارت ماذا تفعل؟!...كيف تنقذ نفسها قبل أن يناديها....همست في سرها " لمَ ليناديني"...أجابتها نفسها ..." مثلا ليتعرف عليك كونك عاملة عنده !."....فكرت ضائعة لثواني ثم استجمعت قواها وفرّت هاربة للحمام تختبئ إلى أن يذهب مصدر رعبها......كان وجهها يعتريه القلق وجبينها يلمع بحبيبات من العرق......تفرك يديها وتدعو في سرها أن لا يطيل في مكوثه رغم أنه أخبرها الرجل الطيب أنه سيأتي لأخذ بعض الأوراق.....صارت تواسي حالها بكلامه....بعد قليل بشرها الجرس بانفتاح الباب فخرجت تزفر أنفاسها بقوة وتسللت وصولا لباب المطبخ لتتأكد ولما وجدته فارغاً منه أحست بحمل ثقيل أزيح عن كاهلها رغم قلقها من الأيام المقبلة كيف ستتصرف بوجوده وما إن قررت العودة لمتابعة عملها حتى دخل الرجل الطيّب ليقول لها:
" سيدة ألمى أنا مضطر للخروج وسيصل ابني وسام ليأخذ مكاني بعد قليل ....عملاً موفقاً"

رمشت بأهدابها توافق على كلامه واتجهت للثلاجة تخرج ما تحتاج من الخضار ولما خلى المطعم من الزوار وأصحابه......غسلت يديها ودنت من النائم ترمقه بنظرات حانية مبتسمة تملأ عينيها به ثم انحنت تقبله وهمست برقة وهي تداعب خديه بظهر كفها بلطافة :
" نوم الهناء حبيبي.....نم عني وعنك ....أمك تكاد تقع من شدة النعاس!!"

شمّرت عن ذراعيها لتباشر تقطيع الخضار وصارت تدندن بصوتها العذب تسلّي وقتها تركز على ما بين يديها لا تشعر لا بالدقائق ولا بنفسها ولا بالذي كان واقفاً متكئاً على أطار باب المطبخ مبهوراً بالفتنة واللوحة البديعة التي يراها أمامه !!....تنحنح يخبر عن وجوده وما إن أجفلت شاهقة حتى جرحت طرف إصبعها ليندفع نحوها يخرج منديلاً ورقياً من علبة بقربها ثم يمسك لها يدها ويغلف مكان إصابتها بجرأة ودون استئذان هامساً بنبرة عاطفية متقنة:
" أعتذر يا جميلة.....لم أرد إجفالك"

سحبت يدها منه بخوف وقطبت جبينها بضيق وسألت بجدية:
" أنت....أنت السيد وسام أليس كذلك ؟"

" وسام....دون سيد رجاءً....أبغض الرسميات"

بابتسامة هائمة غير مريحة رد عليها فتابعت بنبرة حاولت أن لا تكون فظة :
"كيف دخلت؟....لم أسمع الجرس!"

أمال جذعه ساندا مرفقيه على السطح المعدني الأكثر ارتفاعا من الذي تعمل عليه وهمس بصوت رخيم!..:
" يوجد باب خلفي خاص....لا جرس فيه!"

امتقع وجهها وابتلعت لعابها ترطب حلقها الذي جف رهبةً لحظة إجفالها ثم فتحت الأدراج القريبة منها باحثة بتوتر ظاهر عن لاصق طبي ولم تكن ترى أمامها جيداً ....مشتتة تماماً!!..... لتُجمّد بحثها لما مدّ أمامها واحدا يلقي غمزة جريئة لها هامسا بمكر مبطن:
" أتبحثين عن هذا؟"

هزت رأسها بـ نعم ومدت يدها لتأخذه وهي تشكره بخفوت لتتسمر مكانها لما لم يعطه لها بل دنا منها مجتازا الحدود حتى كاد يحشرها بينه وبين السطح المعدني خلفها وهو يتابع بنبرة خافتة مقصودة:
" مدي يدك لأضعه لك بإحكام..."

استجابت محرجة ثم سرت قشعريرة في جسدها خوفاً عندما شعرت بقرب أنفاسه الساخنة منها وهو يهمس :
" حرامٌ على هذه الأنامل البيضاء الرقيقة أن تعمل...."

خطفت يدها من أمامه مرتاعة لحظة انتهائه من مهمته معها وعادت لتشكره مجاملة وفي داخلها كمٌّ هائل من الشتائم والدعاوي تنهال عليه بسبب انزعاجها منه والقلق الذي يساورها!!....لاحظت كم أنه شخصٌ غير مريح خلافا لوالده....رغم أنها لا تنكر بأنه يعتبر وسيم.....طويل بجسد متناسق وبشرة سمراء بملامح جذابة ....ولكن شخصيته المستفزة اللعوبة منفرة جداً .....خاصة لمن مثلها!....فتاة لا دخل لها باللعب ولا بالعلاقات كلها وكيف إن كانت تعشق رجلاً وذائبة في هواه ....ولا ترى غيره......زوجها وأب طفلها...؟!.......ابتعد قليلاً يتيح لها التحرك ويتيح لنفسه تقييمها بشكل أدق عن كثب ....كانت تعمل وتتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها ....احمرار خديها وتأثيره عليها وارتباكها أعجبه جداً......بدت له شهية .....فاتنة بشكل جنوني رغم أنها لا ترتدي لباسا مغريا.....لكن الحزام الذي نحت خصرها وأظهر رسمة جسدها جعله يدرك كخبير نساء الحسن الذي تحمله ...دمية الباربي... هكذا اسماها بعقله ...وكان يكفيه السحر في عينيها والجمال في وجهها والنعومة القاتلة في بشرتها !! ....ليضعها فريسة لرغباته الوقحة !!......أكملت عملها دون إنجاز.....فيدها تتحرك ببطء مناقض لعقلها المسرع بالوساوس والهواجس..!!......ضاق المكان عليها وضيّق أنفاسها وخاصة وهو يطلق صفيراً منغماً بخباثة ...تركت السكين من يدها وبدأت تحرك كفيها تهف على وجهها المشتعل من سوء أفكارها به!!.....لم تنتبه لشظية صغيرة من البقدونس المفروم كانت عالقة على اصبعها وأضحت على خدها بسبب حركتها......لمحها بنظرته الدقيقة المتفحصة من كان يسند نفسه على دولاب المطبخ يكتّف ذراعيه ببرود وهو يراقبها فاستقام يرفع زاوية فمه بابتسامة ثعلبية مقترباً نحوها....نكست رأسها هاربة من عينيه التي تخترقها فانحنى قليلا بجذعه ومد سبابته لذقنها يرفعه لها تزامنا مع حركة من ابهامه ليزيحها عنها فانتفضت متكهربة مقشعرّة وصرخت بحدة تنهره:
" سيد وسام ...ماذا تفعل؟!.."

رداً باسماً بنبرة لعوبة:
" لا تخافي يا فاتنة.....هنالك قطعة بقدونس على خدك ..."

بصوت مرتجف ومشاعر مختلطة من الاحراج والرهبة همست راجية:
" لو سمحت سيد وسام....ابتعد أريد أن أكمل عملي..."

واستدارت تتابع تقطيع الخضار وإذ به يغلق الطريق من خلفها بجسده الذكوري ونيته الشيطانية.. يميل من فوق كتفها ...يدنو من عنقها الموؤد تحت الحجاب مغمض العينين يستنشق بانتشاء هامساً بوقاحة ودناءة :
" تفوح منكِ نكهة أناناس ....أهو عطر أم صابون أم ماذا؟؟"

صاحت بارتياع وهي تستدير بطلاقة تدفعه من صدره:
" ابتعد...أرجوك ...ابتعد عني!.....ماذا تريد؟.."

ببرود وعدم إحساس أطلق ضحكة مبتورة وهو يستجيب لدفعها له متعمدا وقال بجرأة:
" أريدك....تعجبيني...."

صرخت بنبرة دفاعية تتشبث بما عندها عله يعتقها:
" لطفا سيد وسام.....ما هذه الجرأة؟!....انا امرأة متزوجة.....ألم ترَ ابني هناك؟"

" رأيت.....أود أن أقول يا حظ زوجك ...لكنه لا يستحق أي كلمة جيدة ما دام يترك هذا السحر الناعم للشقاء والعيون الجائعة....!!...لا بد أنه أحمق!..."

وعاد ليقترب منها بسفاهة وفجور هاتفا بغرور:
" إن تماشيت معي....سأعطيكِ مالا يغنيك ولا تحتاجي لأي عمل يشقيك.!!..."

ليباغتها يمد ذراعه الطويل يتحسس خدها بظهر اصبعه بطريقة مقززة ونظرة وله مريضة الفكر هامسا:
" يا ويل قلبي على هذه الفتنة التي تحملينها!..."

أبعدت يده بعنف وصرخت بشراسة:
" أنت قليل أدب ...ابتعد!!.. لا تلمسني...أو سأصرخ...."

حشرها ضاحكاً وهتف بثقة نجسة:
" أستطيع أن آخذ ما أريد منك بسهولة....في هذا الوقت لا يرتاد مطعمنا الزبائن ولن يسمعك أحد......ثم أنتِ عاملة عندنا وطاعتك لرب عملك واجبة"

ثم مد يده قبل أن ترد بحرف ليجذبها إليه بفظاظة فقاومته وهي تنفجر بكاءً كله حرقة وألم وسخط من كل شيء وعلى كل شيء تتوسله أن يتركها....تخبره عن ابنها...تهدده بوالده الطيب....تشد على عينيها لا تقوى على رؤية مصيرها هذه الساعة...تفتحهما فترى ظلام الظلم يحيط بها ...تقاوم والعبرات تغرقها...تدفعه والضعف بأطرافها يخيفها فماذا تكون قوتها بجسدها الغض النحيف مقابل جسده الصلب؟!..حاولت قدر الإمكان عرقلة يديه من الوصول لياقة قميصها....تخدشه بشراسة وهي التي تئن متألمة على حالها... أناتها نصفها مكتومة ونصفها تخرج متقطعة مع تقطع أنفاسها...شراستها دفاعية وشراهته بالنيل منها مرضية.... ولم تعلم كيف واتتها الفكرة بأن تضربه بساقها بين ساقيه بأقوى قوتها التي نبعت من غلّها وكراهيتها قبل أن ينجح بشق أزرار قميصها فابتعد مجبراً موجوعا منحنياً يشتمها بكلمات نابية....سافرة....كلها بذاءة لا تليق إلا ببنات الليل وهربت مستغلة انشغاله بألمه منتحبة...تجر عربة ابنها مسرعة ..خارجة من المكان المشؤوم الذي كان سيكون رزقها وأضحى عارها....حجابها غير منظم وملابسها مبعثرة ....الصدمة مما عاشت ترج كيانها ...وجهها مصفر لا دماء تجري بمنابعها...حلقها جاف...تبخرت المياه من جسدها....يهتز بدنها النحيل ...وتشهق بقسوة تمزق أوتارها....نوبة نشيج داهمتها لا تستطيع إيقافها ...الصراع معه أنهكها ....أنين يفتك بروحها ...تتأوه من لمساته... كارهة.. مشمئزة... .تركض والعربة تسبقها.....لا تعلم أين تذهب وأين تتجه....الرؤية أصبحت ضبابية.....كل الطرق متشابهة أمامها ....كلها معبدة بالخذلان والأوجاع...وكلها لا تأخذها إلا للضياع.....رأت الوجوه التي تقابلها جميعها كأنها وجوه الشياطين....تسرع خطاها والخوف على ابنها كان وقودها كي تتحمل ولا تنهار....تجري وتجري حتى وصلت لحديقة عامة بسيطة على طرف شارع......دخلتها والدموع لا تتوقف من سماءيها ....تنزل بتدفق وتبلل قميصها ....ألقت نفسها على أول مقعد خشبيّ بهتت ألوانه من عوامل الطقس يصادفها.....حاولت ترتيب ملابسها تخفي ما كان ممكن أن يسلب منها .....كانت منهكة...متعبة....تفقد ..حصانتها.....تلهث وتلهث لم تتحكم بأنفاسها ...أوصالها مرتجفة...وقلبها ملتاع....ناقمة...حانقة....تسبّ كل شيء يأتي ببالها....استيقظ ابنها فحدقت به بضياع والعبرات تغشى عينيها ...حملته وهي تشهق من أثر نشيجها وحملته تحتضنه بقوة تستمد منه بعض الأمان ....داعبته دون روح لتعطيه اهتمامها الفطريّ....شرع بالبكاء ليزيد بالضغط عليها ....حاولت اسكاته ولم تفلح فأخرجت زجاجته المعدّة سابقاً وعدلت جلسته بحضنها لترضعه وأوصالها ما زالت ترتجف ...هو يأكل يملأ معدته الصغيرة....وهي تفكر بحياتها المريرة.... لما انتهى أرجعته للعربة تثبّت حزامه عليه.....بعد نصف ساعة استطاعت أن تستكين قليلاً......شعرت بالغثيان ..الجوع يعتصر معدتها....لم تفطر في البيت وأجلته للعمل.....ولكنها انشغلت هناك ثم انتهى يومها قبل أن يبدأ بمأساة حُفرت في ذاكرتها لتضعها عند شبيهتها السابقة......حادثة (صلاح) ....ثاني تحرش تتعرض له في عمرها الصغير...ما ذنبها بجمالها؟...لمَ تصادف حثالة البشر وهي وحدها؟!.....تشعر بالازدراء من كل شيء حولها.....ستعود للبيت بعد أن تهدأ كي لا تلفت نظر مربيتها وتزيدها اوجاعا عليها....فيكفيها أنها تتحملها مع مصائبها!!...لا ينقص أن تضيف همّا فوق همومها!! ...ارتأت البقاء في الحديقة تتنسم نسمات عليلة تبرد احتراقها بكل ما فيها!!.....تذكرت قطعة الشوكولاتة التي بحقيبتها.....أخرجتها تسكّت نداء معدتها ....فتحت الغلاف وقضمت أول قطعة منها برقتها المهلكة....كان ابنها يلعب بلعبة معه وهي سارحة تسترجع أوجاعها التي تتبارى لقتلها.....تنهّدت بعد أن ابتلعتها وقبل أن تقربها مجددا لتقضم لقمتها الثانية وقع نظرها على طفلة بائسة....تقف بالقرب منها....وجهها مغبر...شعرها مشعث...ملابسها بالية.... تطالعها بحسرة وخاصة على اصبع الشوكولاتة الذي بيدها وتسرط ريقها بجوع قاهر...!!....نظرت إليها بتحديق تتأمل حالتها الرثة...تبدو ابنة ست سنوات ....دارت الذكريات بعقلها لتتذكر كلامي لها في يوم لم تنسه.../// " * لا تعلمي !!...من الممكن أن يأتي يوماً وهذه الصغيرة يصبح لها شأن ومكانة عظيمة وربما أنتِ في حينها تكونين من تستجدي اللقمة لإطعام طفلك الجائع ويضعها الله في طريقك كرزق...لذا لا تغلقي الأبواب أمامك!!...* "\\\.....قناعة تامة داخلية بكلماتي اجتاحتها وشعرت بغصة تختلج صدرها......رأت كم كنتُ محقاً وخاصة عندما عاد صدى صوتي يرن بمخيلتها وهي تتابع نفس الذكرى والموقف ......///..." * تقلب الموازين في لحظة....تنتقلين من مكان لآخر برمشة عين !!...تكونين في نعيم السماء وفجأة تجدين نفسك في قعر الأرض !!.... لا تدري ماذا يخبئ لك الزمن......ارجو ان لا تري هذا اليوم.....هداكِ الله..* " \\\.....انسكبت عبراتها مع انسكاب ذكرياتها وحدّثت نفسها كأنها تحدثني متسائلة بضياع ووهن " كيف تنبأت بمستقبلي.؟!...أيا ترى كنتَ تدرك أن هذا سيحصل لي فعلا؟!.....كم قاسي وصعب الأمر عليّ...صعب جدا.......في السابق رافقتني بقوتي وعزّي ...واليوم تتركني في قمة ضعفي أتجرع الويلات وحسرتي وحيدة....لا سند ولا معين .....كم نحتاجك الآن ....أنا وأخرى قطعة من روحك...ابنك الذي يحمل دماءك......أين أنت؟!...أين....وربي نحتاجك أكثر من ذي قبل...".....خرجت من ذكرياتها وحديثها لنفسها تسحب أنفاسها وتمسح دموعها بظهر كفها....مهما اكتوت بنار الاحتياج لن تُقبِل...مهما نبض نابضها بالغرام لن تعود.....فهي ذات كبرياء عالٍ وهو ما تبقّى من عزها وثروتها...أنه ميراثها الوحيد الذي ستتشبث به وتحافظ عليه ولن تحيد مطلقاً عن قرارها!!.......تنهّدت ورسمت بسمة عطوفة على ثغرها ثم نادت بحنان وهي تمد يدها تحركها نحوها لتأتي:
" تعالي حبيبتي عندي......."

اقتربت منها فرفعت يدها تضعها على كتفها تمسده بحنوٍ مغاير لاشمئزازها في الماضي لمن هم بمظهرها وهمست بنعومة:
" ما اسمك"

ردت ونظرتها لا تفارق ما بيد تلك:
" نورا..."

قالت بمحبة ومداعبة وهي تمد لها اصبع الشوكولاتة:
" هذا لكِ....لكني سرقتُ منه لقمة ...سامحيني!..."

تهللت أساريرها بفرح عارم وسحبتها من يدها بالحال لتضعها في فمها وولت تركض مدبرة حتى دون أن تشكرها من شدة لهفتها وجوعها لتبتسم بأسى من خلفها ثم تناظر صغيرها تحدثه:
" الجوع كافر بنيّ.....اسأل الله أن لا يضعك بهذا الظرف "

بعد قليل مر رجل من أمامها يحمل بالونات للبيع...وقع قلبها لرؤيتها واهتز جسدها وانتفاضة رهيبة حدثت في احشائها ...إنها عقدة طفولتها التي تلازمها....الخوف من الانفجارات...!!....أغمضت عينيها وبدأت تدعو الله برجاء مستضعفة بأن يختفي هذا البائع من أمامها.....أحست بحركة صارت بالقرب منها تزامناً مع مناغاة ونغمات تصدر من صغيرها....فتحت عينيها بذهول لما رأت ذاك الرجل أصبح عندها بابتسامة خلوقة يسألها:
" ما رأيك سيدتي أن تشتري للصغير بالوناً.."

بكلمات سريعة يكسوها اهتزاز الخوف ردت من فورها وهي تحرك يدها كأنها تهش ذباب عنها لتبعده:
" كلا كلا .....لا نريد ..شكرا....اذهب...!!.."

لم يكن من ثقيلي الدم الذين يلتصقون بالزبون!!....ما إن أدار ظهره يخطو خطوتين حتى انفجر ابنها بكاءً وهو يشير بيده بحركة عفوية يقبض ويبسط كفه كإشارة أنه يريد بالوناً...فكان من الطبيعي لابن التسعة شهور أن تجذبه ألوانها وحركتها مع الهواء.....حاولت تهدئته بتحريك العربة....لم يرضا....الرجل يبتعد والصغير عيناه معلقة بما يحمل ويستمر ببكائه.....حدقتيها المرتعشتين بهلع تتنقلان بينهما.....النظرة الأولى لابنها....والثانية للرجل....عقلها يشعر بالسكينة كلما ابتعد الرجل....وقلبها يعصف بصورة هوجاء حزناً على ابنها ....وما بين النظرتين حيرة وما بين الخيارين مجازفة عسيرة ....معركة تدور في باطنها بماذا تضحي؟!...من الغالب؟!....أي المشاعر ستنتصر ؟!......صمت يكسر فلذة كبدها او كلمة واحدة تجعلها على خوفها تنتصر:
" إنتظر..!!..."

أخرجتها بصوت خافت...لم يصل للمقصود....دمعة انزلقت من مقلتها تعاتب ضعفها.....رجفة القلب تدفعها لتعلو بصوتها....وعزيمة اكتست خلاياها تحارب بها كل ما يبكي ابنها او يؤذيه....فهتفت بنبرة مرتفعة تدك حصون جبنها :
" يا عم....انتظر....أريد بالوناً..."

تضحك لضحكاته ...غدت منفرجة الأسارير لفرحته التي استشعرتها ما إن أضحى البالون له....كيف فعلتها؟!...معجزة أسمتها.....أجل معجزة..... ها هي قريبة منه بعد أن اشترته وربطته له بالعربة وهو يشد حبله يحاول الوصول إليه ...لم تعد خائفة ...تلاشت رهبتها....وهاجر عنها جبنها لأول مرة منذ أن كانت ابنة الثلاث سنوات...!!....لقد أصبحت أماً والأم لا تخاف بل تتحدى كل شيء في سبيل إسعاد إبنها وحمايته .....وهي لن تكون له غير ذلك حتى آخر رمق من عمرها!!...ومستعدة أن تحتضن الموت ليعيش....كما احتضنته يوماً أمها...!!

×
×
×

مرّت ساعتين وأكثر وهي بمكانها في الحديقة العامة لم تشعر بهما....كانت تأرجحه بالأرجوحة المناسبة لسنه....وتتنقل به من لعبة لأخرى وضحكاتها تخرج من عمق فؤادها تصدح في الأرجاء ....عادت طفلة لتلعب معه...لتشعر به...لتسعده.....رسمت لها وله دنيا صغيرة آمنة لبعض الوقت بعيداً عن الدنيا الكبيرة التي لا تسعها....ستحلّق معه بين النجوم عند اللزوم ...وستخفيه بين السحاب من غدر أولئك الذئاب....ستفعل ما ظنته مستحيلاً....فقط لأجله....!!.....لما قررت العودة إلى البيت رفعته عن إحدى الألعاب هامسة قرب أذنه بعد أن قبّلته:
" هيا صغيري....سنعود عند جدتك سهيلة....ستقلق علينا إن تأخرنا أكثر.....وعليّ أن أصلي الظهر قبل دلوف العصر ....."

كانت تسير به متجهة نحو المقعد الذي تركت العربة عنده فبدأ بالبكاء فهتفت تواسيه:
" أعلم أنك جعت وتريد أن تنام....بقي القليل من الحليب في زجاجتك ....ستتدبر أمرك به حتى نصل البيت!!..."

لما وصلت مبتغاها أخرجتها له ووضعته في حضنها تكمل له ما تبقى بها....انتهى منها ولم يشبع فبدأ يتململ بنزق يريد المزيد.....تذكرت علبة الفواكه المهروسة التي اشترتها له صباحاً ووضعتها في حقيبتها وليس بخاصته....التفتت هنا وهناك لم تجدها....جالت بعينيها بإمعان من حولها ...أين اختفت؟!....هبّت واقفة تقلّب ما بالعربة...غطاؤه...حقيبته....ال سلة التي تكون تحتها....ولا أي أثر فأدركت أنها سرقت بما فيها ....علبة الفواكه...هاتفها....وورقات قليلة من المال كانت بحوزتها.....وبطاقة هويتها ..!!....فانهارت على المقعد من خلفها وهي تحمله لتخوض معركة أخرى مع مصائب أخرى ...كانت متجمدة الملامح.....تشبه الدمية البلاستيكية.....لا حياة فيها ولا روح...ظلت لبرهة هذه صورتها حتى أخرجها بكاؤه الذي يوحي بجوعه...ونعاسه...واحتياجه لتبديل الحفاظة فقررت الانضمام لحفلته الصاخبة....أوقفته على حجرها وضمته لصدرها تضع رأسه على كتفها وتهزه عسى أن ينام بلا طعام بنحيب يفتت الصخور....ويجعل القلب عليهما ملتاع ...تهز وتهز ودمعاتهما تختلط معاً لتسجل عذاب كتب على حياتهما وازداد نشيجها وارتفع نحيبها عندما تذكرت كرتونها المفضل (سالي) وبأن والدتها كانت ستسمها بها فهمست بنبرة مبحوحة اختناقاً ومشاعر محروقة ألماً:
" آه أمي ....صحيح لم يكن اسمي سالي كما أحببتِ....لكن يبدو أنني اشبهها شكلا وبؤساً....بمآسيها وأوجاعها ...كلتانا فقدنا أهالينا.....كلتانا حياتنا هموم وأحزان....كلتنا كان علينا مواجهة وجه العالم القاسي ومرارته ..بل يا أمي معاناتي أنا أضعاف معاناتها...."

ثم وقفت تحاوط جسده وتشده لجسدها كأنها تريد ارجاعه لبطنها تحميه من غدر الزمان وبدأت تغني بصوتها العذب أغنية بديلة للتهويدة التي كانت تشدو له بها للنوم وشعرت أنها تمثلها وتنبع من أعماقها وهي تبكي حالها:

" [[ أنا قصة إنسان
أنا جرح الزمان
أنا سالي سالي
أنا قصة إنسان
أنا جرح الزمان
أنا سالي سالي
أعيش في حنين
لوقع المطر.. لضوء القمر.. ورسم المصير
سالي سالي سالي
سالي سالي سالي
يانور الأمل الطالع
بدل أحزان العمر
كي نلمح نور الفجر كي نحلم مثل الزهر
لنغني نغني نغني
سالي سالي سالي
سالي سالي سالي ]]
(( كلمات أغنية الشارة لكرتون سالي))

~~~~~~~~~~~~~~~

حتى الأيام لم تعد تتشابه عندها....فكل يوم يمضي يأتي خلفه أصعب منه وأقسى...كيف لا والوضع المادي يزداد سوءاً..؟!..والفقر يحيط بها من كل جانب؟!...احتياجات الطفل التي كلما كبر تكبر معه......احتياجاتها الخاصة أيضاً....تحاول قدر الامكان التعايش مع المال الذي معها بقايا ثمن أسوارتها الثمينة .....تحسبها أنها كانت آخر قطعة لديها من المجوهرات...أما ذاك يستحيل أن تقترب منه مهما كان....إنه خطها الأحمر.....لا تبدله بكنوز الدنيا وهي عانت كثيرا بسبب فقدانه وتاقت جداً لإيجاده وامتلاكه!!.....خلال هذه الأيام لمّا رأت مربيتها حالتها التعيسة قررت مفاتحتها بالموضوع ذاته....تلف وتدور ثم تعود لتذكيرها به ...ونصحها!....إنها لا تعي أن كلما توسعت فجوة البعد يتوسع معها سخط سيدتها الصغيرة وحبيبتها وخاصة بسبب الوضع المادي الذي تعيشه وتمر به هذه الفترة وصعوبة تلبية مقومات الحياة لابنها والصرف عليه!!.......تعشق لا تنكر!...هذا ليس بيدها...حبها حباً كبر معها وترعرعت عليه حتى صار قلبها ينبض به بين النبضة والأخرى...لكن الآن اختلط الحب الكبير بالغضب والحنق الشديد فغدا قلبها ينبض مرة لينثر احساس لذة الغرام بخلاياها ثم تأتي الثانية لينتشر القهر ويغذي روح الانتقام بتفكيرها......أي انتقامها مني بابني كما عزمت ونفذت ولن يثنيها شخص عن ما نوت إلا إن حلّ شيءٌ عظيم يبدل حالها التعس المكروب ويبدد أفكارها السوداوية القاتلة!!.......لذا باءت محاولات السيدة(سهيلة) بالفشل بما يخص موضوعنا ولا يمكنها فعل المزيد وذاك القسم يكبّلها وفوضت أمرها لله ليحلها من عنده وبالوقت الذي يشاء....!!.......في هذا اليوم الثامن من بعد حادثتها البغيضة المؤلمة عند تعرضها للتحرش وفقدانها لحقيبتها وما حوت داخلها كان ابنها نائما وهي تقوم بتوضيب البيت وقت الظهيرة ولم ترغب بالذهاب مع مربيتها الى بيت أحد اشقائها لتلبية دعوة غداء....كانت تشعر بالضجر وحركة ابنها تتعبها وخاصة لوصوله لمرحلة الحبو السريع ومغامراته ليعيث خرابا بالأغراض من حوله وما تطال يده لذا اعتذرت والتزمت البيت فهذا الكائن الصغير كلما تقدّم اسبوعا يتطور بشكل ملحوظ....بات يقيّد تحركاتها وأصبحت تؤجل رغباتها هذا إن وُجدت!......بعد أن أتمّت أعمالها جلست على أريكة ترفع ساقيها بشكل مائل عليها تحشر جسدها الهزيل متقوقعة ببراءتها الطفولية وعفويتها وبمنامتها السكرية التي يزيّنها دببة بنية صغيرة لتشاهد التلفاز تؤنس به وحدتها....طرقات على الباب فضت خلوتها.....أنزلت رجليها بملل وانتعلت خفها وجرت قدميها متبرّمة ....من خلف الباب تناولت أسدال الصلاة تستر شعرها وفتحت لتجحظ الأعين الأربعة بانشداه...ذهول....تعجب...استغر اب....لا أصوات...لا كلمات...ثواني وأقل سُحقت ونفس الأعين تطالع بعضها بصمت ....صنمان يقابلان بعضهما ...وما إن تدفقت الدماء بالأوردة وعاد العقل للاستيعاب حتى خرجت شهقة هول المفاجأة والصدمة من كلتيهما تتبعها خروج اسمين مختلفين من الشفاه وكلمة واحدة متشابهة بنفس اللحظة وكأنه ذات الصوت:
" ألمى....محجبة؟!.."

"ميار.....محجبة؟!.."

لا تفقه أيّ منهما من كانت الأسرع بالانقضاض على الأخرى لتتعانقان...تشدان من احتضان بعضهما ...تدوران...تقفزان...تصرخان...ث م تنفجران بكاءً....مشاعر جياشة تغرقهما تتدفق منهما بسخاء....كلمات كثيرة وكثيرة تحبس داخلهما....تساؤلات عديدة تحكيها نظراتهما.....يتركان فرجة بينهما تتأملان بعضهما بشوق يحمل كل المرارة وأذرعهما ملتصقة تأبى الابتعاد كلها حرارة ..ثم تلتحمان من جديد بحضن تاقتا له يحمل سقم البعد الذي طال.....يا الله...لا هذه ولا تلك تصدق أنها ترى الأخرى قبالتها...صديقتها...توأم روحها....همست بصوت أوشك على الاختفاء من فرط البكاء:
" ميار...ميار...كـ...كيف؟...قسما لا أصدق....أشعر أنني بحلم ....هل أنت حقيقة؟!.."

ردت بصوتها المتأثر ببحة :
" حقيقة يا ألمى وربي حقيقة ....لقد اشتقت لك ....يعلم الله منذ متى أسعى باحثة حتى أراكِ أمامي...."

همست وما تبقى من دموعها ما زال يتكدس بسماءيها:
" أين كنتِ...أين؟!.....افتقدتك كثيراً.......كيف وصلتِ إلي.؟!.."

تحررت منها تعود نصف خطوة للخلف ونكست رأسها لما أدركت المكان الذي تراه به وتابعت بحسرة وهي تجول برأسها كأنها تخبرها أن تنظر إلى ما آل إليه حالها:
" هل سمعتِ بما حدث لي؟!....أرأيتِ أين أصبحت؟!....."

اقتربت منها تربت على ظهرها ناظرة نظرة عطوفة حاولت اخفاءها بطبعها المرح وكلماتها التي تبث التفاؤل:
" ماذا سيدة ألمى؟....ألن تستقبليني في الداخل؟!....أم أن أهل الحيّ هنا يكونوا مثقلون من الضيوف؟!..."

تبسمت بوهن ووضعت يدها خلف ظهرها تدفعها للدلوف هامسة:
" بالعكس.....هنا أهل الكرم وحسن الضيافة....هيا تفضلي!..."

دخلت خطوة للداخل ولما رأت الأحذية تصف خلف الباب فانحنت تخلع ما بقدميها ثم استقامت وقالت بنبرتها المرحة وهي تتفقد الأركان التي تراها:
" أتعلمين؟....أحب هذه البيوت!....لها طابع خاص يشع دفئاً....ليس مثل بيوتنا تلك باردة مجردة من المشاعر.....أغبطك على هذا المكان!!.."

جاملتها باسمة وهتفت بنباهتها:
" فعلا المكان دافئ وجميل ...لكن لا ترهقي نفسك كي تواسيني على حالي يا ميار.."

دخلتا الى غرفة العائلة حيث كانت في البداية ...جلستا على أريكة ازاء بعضهما بشكل جانبي كل منهما ترفع ساق تحنيه تحتها والآخر يتدلى على الأرض فقالت ميار:
" ستخبرينني بكل شيء وبالتفصيل الممل منذ أن افترقنا!..."

أجابتها بقنوط:
" ماذا ستعرفين أكثر مما عرفتيه؟!"

ردت مصممة:
" لا أعرف إلا القليل يا ألمى....أنا كنت في المدينة الصناعية تعلمين"

أنزلت حدقتيها ليديّ تلك وسألت بنبرة متعجبة:
" صحيح أين خاتم زواجك؟!....هل تزوجتِ أم ما زلت مخطوبة."

شدت جذعها تنصب كتفيها بملامح مغرورة تصنعا وقالت:
" بلا زواج بلا بطيخ......اعطني حريتي أطلق يداي"

"ماذا تقصدين؟!"

سألتها لتجيب:
" يعني فسخنا كل شيء....ارتحت من شبيه الرجال.......سأخبرك لاحقاً....أريد أن أسمع قصتك بالأول"

شهقت تضع يدها على فمها بدهشة لثواني وهمست:
" لماذا؟!.....ظننت أن الدنيا ضحكت لك"

" اسكتي......صمنا وكدنا نفطر على بصلة رائحتها نتنة.....لكن الحمد لله نجني الله قبل أن آكلها فاسدة"

" لا تقولي هذا!.."

هتفتها بصدمة فردت عليها وأغمضت عينيها بوله تمثيلي مضيفة:
" آه يا صديقتي......شتّان ما بين الثرى والثريا.....بين البصل والزلازل "

ضحكت تلك فعادت لنبرتها الطبيعية تقول:
" هيا اخبريني عنك وخاصة موضوع الحجاب وسأخبرك عني"

حدّقت بها لبرهة وسألت:
" اخبريني أنتِ كيف وصلتِ إلى هنا...؟!.."

تراخت ملامحها وكساها القهر بسبب تأخرها وردت:
" حاولت أن أتصل بك لم أفلح وكذلك لميس فعلت....لم نستطع الوصول إليك......لا هاتفيا ولا غيره......كأن الأرض انشقت وابتلعتك!......ومنذ شهور عندما فسخت خطوبتي لم أتمكن من العودة هنا إلا بعد ما أنهيت الفصل في الجامعة كي لا أخسره.....ومن حوالي أربعة شهور ونصف تقريبا عدت وأهلي لنستقر هنا في مدينتنا الساحلية ....التحقت بجامعتنا مجدداً....وبدأت برحلة البحث عنك دون كلل ...أقسم لك.....سألتُ بالجامعة عن محامي عائلتك لأوصل لكِ ولم يرضوا بأن يعطوني أي معلومة .....لو كانت معي لميس ربما لوجدناك أسرع.."

قاطعتها:
" أين لميس؟!.."

ردت من فورها :
" تزوجت منذ سنة تقريبا بينما كنت في المدينة الصناعية ..لم أتمكن من حضور الزفاف لكنها بعثت لي مقتطفات من حفلها وأرسلت لها هديتي بالبريد....وبعد أسبوع سافرت لتستقر مع أمير زوجها في جورجيا ليكمل تعليمه هناك وهي ستلتحق بجامعة للهندسة أيضا "

غصة ألمّت بها تتحسر على دراستها وهي تذكر الهندسة أمامها لكنها حافظت على رباطة جأشها هامسة:
" وفقها الله...."

أكملت تلك قصتها:
" المهم أنني بعد جهد جهيد ...تذكرت مكان شركتكم السابقة ....تعلمين زرتها بالماضي مع زوجك يوم اختطافك..."

لمَ؟....لمَ تذكرها بأحلى أيامها المرّة؟!....هي بالتأكيد لا تقصد لكن قلبها المكلوم له رأي آخر مع الذكريات والحسرات.....فيتحسس من سيرة الماضي بحلوه ومره.....!!

وتابعت بسردها:
" من محاميهم وصلت لمحاميكم وهو أعطاني عنوانك الحمد لله..!.....هيا اخبريني ما حصل؟..."

شرعت تقص عليها أبشع القصص التي لن تسمع مثلها.....كانت تتفاعل معها ...تبكي في حين...وتعترض حيناً آخرا على بعض الأشياء....تحاول نصحها رغم أنها من الداخل امتلأت حنقاً وسخطاً عليّ بسبب هجري وإهمالي لصديقتها المقرّبة....لذا لم تكن تحرضها وهي تسمع ما فعلته بها لكنها اكتفت بشتمي في سرها كلما غلت دمائها!!.. ...أما لما وصلت تقفز من حملها لولادتها شهقت (ميار) تضع يدها على صدرها هاتفة باستغراب:
" لديك ولد ؟!.....أكائن صغير جاء لدنيانا ؟!..."

لم يعطها المجال لتضحك أو ترد عندما صدح بكاؤه في البيت فابتسمت ابتسامة مائلة ترفع حاجبيها وتبسط يدها هامسة :
" اسمعي الإجابة.."
انتصبت تلك تسبقها واقفة وهي تقول:
" لا أصدق .....أخيراً سأرى انتاجكما ....حقاً أنا مصدومة من هول هذه المفاجأة..."

ولحقتها دون شعور منها متحمسة لرؤيته وهي تتابع بصوتها التمثيلي بينما (ألمى) تضحك من قلبها على كلماتها:
" أيها الزلزال الصغير ....عروسك قادمة إليك....افتح يديك وعانقني ....إني أعيش جفاف عاطفي لا يسر عدو ولا صديق!!..."

لما وصلتا الى سريره دنت منه فسكت عن البكاء لأنه يرى وجها جديداً ...كان يتأملها يتعرّف عليها باحثاً عن وجهها بعقله الصغير...أما هي همست بمحبة صادقة وكأنه يخصها فعلا:
" بسم الله ما شاء الله......في الحقيقة توقعتُ أن يكون انتاجكما مختلف ومميز......فنحن نتحدث في النهاية عن التحام دمية بزلزال......لكن لم أظن أنه سيكون وسيما لهذه الدرجة....حفظه الله !..."

وبدأت تداعبه وهو في سريره يقف متمسكاً بقضبانه فرفرف قلبها لما ضحك لها وأظهر ثناياه الأربعة ثم أزاحت أمه وحملته تقبله بنهم لا يشبه نعومتها...تدغدغه من سائر جسده وهو يقهقه متجاوباً معها.....بعد مرور وقت قدمت به المستضيفة ما كان بالبيت يلائم التضييفات البسيطة وأتمتا قصصهما لبعضها واهتمتا بالصغير الذي أخذ حيزا كبيرا من الجلسة هتفت (ميار) وهي ترفعه عن الارض وتضعه على حجرها:
" صراحة هو يأخذ لون عينيك وبشرتك لكن ملامحه بالكامل لأبيه.....لا تنكري ذلك!......تعادلتما في العشق وأتيتما بنسخة تحمل أجمل ما فيكما...."

اومأت برأسها توافقها والضحكة تزيّن محيّاها...هذا يكاد يكون أجمل يوم تعيشه منذ الحقائق التي انهالت عليها...صديقتها تذكرها بكل شيء جميل....وبكل ذكرى أجمل.....بعد قليل تنحنحت تلك وتشجعت هاتفة:
" لا تغضبي مني......أنت أيضا مخطئة بحق نفسك وبحق ابنك ....أما يامن.... هادي......أنا لا أبرر له أي شيء ولن أبرر أبدا ...ربما ظلمك فعلا.....فهجره لك كل هذه المدة وعدم السؤال عنك يجعلني أود خنقه صدقاً....لن نعفو عن هذا ...هو يحتاج لمن يُعلِمه بحجم خطئه الفادح.....حتى وأن يعاقبه.......لكني أرى أنك تختارين ظلم نفسك وأحبائك معك........من رأيي عليكِ مواجهته وإخباره......ممَ أنتِ خائفة؟!....أولا لا يمكنه أخذه منك بالإجبار...فهو ما زال في سن تحت رعاية الأم ....ثم ربما تصلان لاتفاق بينكما من أجله!....."

همّت لتتكلم تفرج عن شفتيها فأسكتتها واضعة كفها على كفها متابعة:
" حسناً أنت سعيدة هنا.....لكن الولد سيكبر.....سيسألك عن أبيه....أتظنين أنه سيسامحك لو علم أنك حرمته منه بسبب مشاكل بينكما وبسبب عنادكما الغبي وكبرياءكما البغيض .؟!....."

مسدت لها يدها بكفها الذي يعتليها بحركة دافئة تدعمها وأكملت:
" ألمى اسمعي الكلام لمرة .....لا تحرميه أبيه.....حتى لو اضطررت للذهاب والعيش ببلده وأنتما منفصلان!..... عليه أن يترعرع بحضن أمه وكنف والده......لا تقتلي له أهله بالحياة.!!.....كونه زوج فاشل لك....وظالم معك....لا يعني هذا أن يكون أبا فاشلاً وظالماً.....لا تخلطي الأمور ببعضها.!!.....لا أقول لكِ عودي له كزوجة أو حبيبة.....محيي الدين هو من يربطكما ويجب أن تفعلا المستحيل من أجله ."

احشاءها تتمزق ...ضائعة بكلماتها....تراها محقة لحد كبير......لكنها مصممة على أفكارها بعقلها الصغير وغضبها الأعمى فهي تظن أن وصولها إليّ واخباري عنه سيكون كأنه تذلل وتصغير لنفسها وتحقير لكرامتها.. أو استجداء منها لتعود لي!! ..لذا بقيت متشبثة بقرارها هاتفة:
" ميار لا تضغطي عليّ....لطفاً!!....أنت محقة أو لا هذا لا يعنيني....... لن تشعري بي وبما عانيت .....أتعي حجم الكارثة التي أنا بها ؟!...رأيت بنفسك...بلا عمل بلا مال ..بين غرباء ومع طفل.....أي كارثة أكبر من هذا؟!........كرامتي وكبريائي هما ما يمكنني مجابهته به ......هو ذا نفوذ سلطة ومال....شخصية قوية ....عائلة مشهورة ....ولا تنسي أنه ذا كبرياء لعين.......لمَ أنا لأتنازل عن ما أملك وأقابله فيظن اظهاري لابنه هو لأستجدي قربه وعطفه وحبه واهتمامه.......سأتفق معه بشأن ابننا إن أتى بكامل ارادته وعلم بنفسه ...أعدك!!.....يكفيني ظلمه لأبي ولكن ما فعله من ظلم بحقي كبير.....يكفي......."

لاذت بالصمت تجمع كلماتها التي تريد أن ترد بها عليها ثم همست بتأكيد:
" لكنك تحبيه...لا تنكري هذا.."

ردت بإباء وكبرياء:
" مهما أحببته ومت في حبه ...لن أهين نفسي عنده...!.....كل ما عشت وما زلت أعيش حتى الآن ...سببه واحد ووحيد....شخص اسمه هادي الشامي.........لا تحاولي اقناعي بالله عليك....."

×
×
×

منذ وقت لم تفرغ خزانتها بالكامل لتعيد ترتيبها.....أنزلت ما أنزلت من الرفوف العلوية بينما كانت جميع الأبواب مفتوحة على مصراعيها.....ترتب بانتظام .....أي غرض لا تحتاجه تلقي به بالنفايات وآخر تضعه للتبرع وتحتفظ بما يلزمها......استُنزفت طاقتها وحُرقت كرة النور لديها بعد أن كانت تعمل بنشاط وبالطبع النصيب الأكبر لاستنزافها والمسبب الوحيد لحرقها هو المخلوق الصغير الذي يحبو يدور في الغرفة يتعرف على الأغراض المبعثرة مخلّفات مهمتها التي بيدها .....دنا بفضوله المشاغب لإحدى اقسام الخزانة المفتوحة ....اصطاد بنظرته الثاقبة أشياء توضع بفوضوية في قعرها....سحب طرفها وإذ بها حقيبة صغيرة غير مغلقة بإحكام ...حرّكها فسقطت ورقة منها.....سحبها بأنامله الصغيرة الشهية ....قلّبها يتفحصها ثم رفعها لفمه يتذوقها ...بدأ يمتص طرفها ....كانت تقف على كرسي تمط جذعها تضع أغراضا بالرف العلوي للخزانة والباب يحجب رؤيتها....لما ارخت جسدها لمحته فقفزت صارخة مندفعة نحوه:
" محيي ماذا تفعل؟!....هذه سموم ليست للأكل يا صغيري.."

شدتها منه واستقامت.....ضيقت عينيها وغضنت جبينها تتفحصها بسرعة فأدركت أن هذا الظرف الخاص بخالتها (فاتن)....هوى قلبها تأثراً...وارتعدت أوصالها ....كم مضى عليها ونسيتها؟!!......من بعد وفاتها لم تفكر يوما بفتحها.....لأن صاحبتها ماتت فلن تفيدها.....أبقتها بالحقيبة التي لم تعد تستعملها والتي كانت تلائم ملابس التبرج وأناقتها السافرة في ماضيها ذاك......فضولاً غزى عقلها وحنيناً سرى بأوردتها.....بسملت واستجمعت قواها ثم فتحتها.....!!

[[ بعد السلام والمحبة التي احملها لك أكتب رسالتي بيدٍ ترتجف وقلب يئن ألماً........صغيرتي ومهجة روحي....ألمى الروح......في كل حرف أطبعه تنزل دمعة توثق صدق كلامي.....لأخبرك عن الأمور التي تجهليها ولأني أعرفك أكثر منك...فأنا أعلم أنه عندما تنجلي الحقيقة....ستتبدلين.....ستقهر? ?ن.....تغضبين....تبكين....وتصابي ن بالجنون......أتمنى لو جاء هذا اليوم أكون موجودة معك.....لأحتويك....لأخبئك....لأ? ?ميك من نفسك قبل الجميع ...وأداعب لك شعرك حتى تهدئي وتستكيني كما عودتك........لكن أقدار الله لا نعلمها....هل أكون أو لا أكون؟!.....لذا وددتُ تجهيز هذه الرسالة عسى أن تشعري بقربي منك إن كنتُ لا أكون......عزيزتي وأملي في الحياة.....أنا لم أتعمد اخفاء عنكِ الحقيقة لأؤذيك أو أغدرك....بل انتظرتُ أن تصبحي قوية للمواجهة....ناضجة للاستيعاب.....فمشاعرنا تهزمنا دائما لكن الفكر السليم يسعفنا لنعود وننهض من جديد......خذي أنفاسك واسمعيني....اشعري بوجودي حولك وأنت تقرئيها وضعي نصب عينيك أنني أحبك حباً تخطى حتى حبي لأمك ....أنت قطعة من قلبي أما بعد يا صغيرتي.....أنا ووالدتك كنا نعلم عن والدك وأعماله كلها ولم نكن نجرؤ لنتكلم بالموضوع أبداً...أدرك حبك له ولن ألومك فهو يبقى والدك ...أنتِ ذقتِ بعض من قسوته فقط بنيتي....أما والدتك التي لطالما ادّعى حبها ذاقت قسوته في ذروتها...حبه لها لم يكن إلا مرضاً فتك بها وطالنا أنا وجدك.....هو رجل مريض بحب التملك لديه جنون العظمة ....سأحكي لك ما يأتي ببالي مما حصل ....مثلاً ....اجبرها تحت التهديد على ادخال اموال حرام لحسابها كي لا يثير الشبهات باسمه من صفقة ضد الدولة مع دولة مجاورة .....لمّحت لي حينها لأنه هددها انه سيحرمها منك ان لم توافق........لقد تمنت لك دوما عيشا رغيدا!!.......وطلبت مني أن اقف جانبك وأن اخرجك من ظلمات بيتكِ المقيت الى النور!!..لأنها كانت هشة مثلك وأنا أقوى منها لا أسكت!!..فأرادت لك النور منذ أن كنتي في رحمها......ولن تجدي نورا أعظم من النور الموجود في عائلة هادي زوجك وحبيب طفولتك........هؤلاء اناس تربوا على العزة والكرامة ...الدين القيّم والخُلق الحسن........رضعوا الشجاعة والوفاء.....أنا وضعتك في مكانك الصحيح لأنك طاهرة نقية وهم من يليقون بك صغيرتي......إن ظننت نفسك مخدوعة فانت مخطئة.....هذه رحمات من السماء نزلت عليك على مهل .....وراء قسوة الموقف سترين لطف الله بك.....لكن عليك ان تبدلي الزاوية ....لا تنظري من زاوية واحدة بنيتي.....استديري حتى ترين الحقائق فعلا.....معرفتك ليس الا بداية الحقيقة......الحقيقة تكمن في قلب والدك وعقله ......إن نجحتِ في سحبها من لسانه فقد فزتِ وإن لم تنجحي عودي وافتي قلبك لما يرشدك وافعلي ما يريحك.....لكن اياك ان تلومي أحداً بنصيبك وما عايشتِ.....إياك أن تضعي الذنب على احد....كل منا سيعاقب بذنبه.....فأرجو ألا يكون ذنبك مناصرة للباطل وازهاق للحق........لن اقول عن نفسي ضحية ومضحية....لكن انظري بعين قلبي ولو مرة.....انسانة رأت موت والدها العاجز أمامها وصمتت خوفا من انفجارات كارثية وتحملت العيش مع قاتله.... تراه كل يوم وتقتل نفسها بالبطيء برؤياه....خلية خلية تموت فيها من أجل غيرها أن يعيش........أجل حبيبتي لا تنصدمي!....والدك من قتل جدك أقسم لكِ...هذه ليست تهمة إنما حقيقة حبستها داخلي حماية لأمك ولك...أنا إنسانة فقدت وشقيقتي املاكنا جورا ببصمة مزيفة اجبارية فعلها والدك بوالدي.!!....انت تعلمين أن جدك كان انسانا متعلما ومثقفا وصاحب حق.....ابحثي في اوراق والدك لا بد انك ستجدين الورقة وعليها البصمة....هو يحتفظ بها لأنها مهمة!........لمَ ليبصم على ورقة رسمية وهو بإمكانه الكتابة والتوقيع مثلنا؟؟......أما توقيعي خدعتني أمك به بطريقة ما بسبب ارتعابها منه وخوفاً علينا وعليك بعد تهديداته التي لا تحصى ولاحقاً أعلمتني بذلك وجعلتني اقسم ألا اواجهه بالموضوع ....لكن بعد موتها أرسل الله لي أبطالاً يأخذون حق كل مظلوم منه وكان من أكبر المظلومين عائلة هادي.....والدك خان الوطن من أجل المال والمناصب وقتل والد زوجك.......لقد كان صديقه يا ألمى لكنه باع وغدر!!....حب المال والسلطة أعمى بصره وبصيرته .......تنفسي صغيرتي وتحملي الآتي وحقيقته الموجعة ......مثالاً آخراً عن بطولات والدك......لقد كان له عشيقة بوجود والدتك!!....أتدركين هذا؟!......من يحب لن يخون لكن من خان الله وخان الوطن لن يهتم لغيرهم......وعشيقاته كُثر ....حتى وأنتِ امرأة متزوجة وسوزي على ذمته خان أيضا واتخذ عشيقة.....إن لم تصدقيني اذهبي لإيمان وأنظري للصور.....كان سيُفضح في الصحف....أتعلمين من منع هذا؟!.....زوجك...هادي.....حماية لك ولمشاعرك.....هذه وجبة دسمة للأخبار منعها من أجلك فقط!!.....كي يبقى رأسك مرفوعا بين زملائك وأصدقائك....هل شخص فعل هذا لك رغم أنها كانت لصالحه تظني أنه ممكن أن يؤلمك أو يسمح بإيلامك؟!.....بنيتي لا تتهوري بأحكامك وتدمري حياتك......الحياة اخذت منك أماً وستأخذ الاخرى... لكنها فتحت لك بابا آخرا يوصلك لأم عظيمة مثل حماتك أم هادي...تلك السيدة العظيمة وزوجة قائدا عظيما يشهد له الجميع......لا ترفسي هذه النعمة صغيرتي........الحياة حرمتك الاشقاء.....وعوضتك بأشقاء هادي......اذهبي وانضمي اليهم....تقرّبي منهم فأنتِ من تستحقين هذا!....كوّني عائلتك الدافئة التي تمنيت بيدك....هذه فرصتك!!......الحياة هجّرتك من وطنك الحقيقي الى وطن لو دفنت تحت ثراه للفظك لأنك تبقين الغريبة.. ....اذهبي وعانقي تراب وطنك الذي لن تجدي أحن منه عليك!!........الحياة اعطتك اشارة بحضن دافئ وآمن حينما كنتِ صغيرة كي تلمسي هذا الاحساس بقلبك البريء بعيدا عن افكار الكبار وضغائنهم ليكون اصدق شعور وأنقاه.....شعور تتشبثي به ولا تضيعيه من يدك!!......اذهبي الى حضن الذي أجزم أن يفديك بروحه اكثر من والدك!!.....لأنه المخلص الشهم ولا يحمل إلا دماء الشهامة....كان الله كريما معك بنيتي......لقد أوقع والدك بأيدي أناس شرفاء لن يحرموه الحياة غدراً كما يفعل.... إنما سينصرون الحق بسجنه ...إنهم بإمكانهم بسهولة تفجير رأسه دون ان يرف لهم جفن ...انظري لهذا الجانب..!!....وراء القضبان تزورينه متى شئتِ ....ليت والدك طردني ووالدي للشارع وبقيت معي انفاسه.....ليته لم يحرمني وجوده وإن كان صورة... ...ليت......ليت.....انت محظوظة ابنتي......لم يحرموك والدك الى الأبد.....ما زال موجودا ويتنفس.......فلا تحرمي نفسك الحياة السعيدة والعيشة الرغيدة واذهبي....اذهبي وواجهي المتسبب بكل الآمك ثم اقبلي لعائلتك الجديدة وستجدين قلوب الجميع تنتظرك.......أناس لم يؤذك أو يعاملوك بذنب والدك ...أين ستجدين مثل هذا الكرم والسخاء بالمعاملة؟!......هذه الشهامة من شيمهم ونصرة الحق تتغلغل في دمائهم.....طريقهم لن يضيعك....فلا تضيعي نفسك بيدك!!.........لكِ كل محبتي يا صغيرتي.....مني أنا من عشت وسأموت محاربة للظلم......خالتك فاتن.]]

×
×
×

بعد أيام عديدة عادت (ميار) تزورها من جديد....تحمل بيديها الكثير من الهدايا وكلها لزلزالها الصغير (محيي الدين)....لما فتحت لها الباب هالها مظهرها الكئيب....كلا ....هذه ليست صديقتها التي عرفتها سابقا وحتى منذ أيام....انقلبت مئة وثمانون درجة......استقبلتها بملامح حزينة ووجهٍ شاحب.....حاولت أن تسحب منها الكلام علها تفرغ عن نفسها ولكنها أبت أن تعترف بشيء وأبقته لها.....بعد حديث يسير همست بخواء وهي تتلمس العقد في عنقها:
" يجب أن أزور أبي.."

ردت بحيرة:
" ما المشكلة ؟!..."

اعترفت هاتفة والضياع يتملكها:
" لا مال لديّ ...وزيارته بالنسبة لي مسألة حياة أو موت وخلال يومين لا أكثر لأني سأنفجر....!!..."

" ماذا ستفعلين؟!.."

سألتها وآثرت أن لا تتدخل لمعرفة سبب الزيارة لذا لم تستفسر أكثر أما تلك رفعت عقدها وهمست بصوت مجروح:
" سأبيع آخر ما تبقى لديّ....عقدي ذو القلب الذهبي....الذي يحوي صورتي وأمي وخالتي رحمهما الله...."

صرخت معترضة:
" مستحيل.....لن تبيعيه.....أعلم قيمته عندك ألمى..."

ردت بصرخة أكبر:
" أقول لك أريد مالاً وزيارتي مسألة حياة أو موت..."

التزمت الصمت لبرهة وحاولت أن تكون حذرة كي لا تجرحها وهي تقول:
" سأعطيك المال..."

وقبل أن تهمّ بالاحتجاج تابعت من فورها تسبقها:
" ديْن.....ديْن يا ألمى..."

رمقتها بنظرة ذات مغزى وهمست والمرارة بحلقها:
" أتسخرين مني ميار؟!......من أين سأسدد لك الدين؟!...."

أجابتها بمودة ولطافة:
" لن تبقي دون عمل.....ستسددين لي على مهل..."

واستطردت بنبرتها المرحة تحاول أن ترطب الجو:
" أو سآخذ ديني من عينيّ زوج توأم روحي.......رئيس أركان بحجم الباب.....وصاحب شركات على مستوى دولي......هل سيهمه بضع قروش للمساكين أمثالنا؟!..."

حانت ابتسامة على شفتيها لأنها تدرك مزاحها...فمن أين ستراه لتفعلها؟!.... لتعود عابسة متجهمة الوجه وهي تهتف:
" لو وافقت على اقتراحك.......المشكلة محيي الدين....صعب السفر معه وحدي!!..."

بابتسامة لطيفة تشبهها أجابت واثقة مع نكهة مزاح:
" إن صبرتِ لأسبوع ونصف سأرافقك لاهتم بزلزالي الصغير....ما رأيك؟!..."

" كيف؟!..."

" بعد قرابة الاسبوعين يوجد حفل زفاف للابن البكر لخالي الصغير .....فأنت تعلمين أمي من هناك .....أي من وطنكم ذاك!!.....سأرافقها أنا وسيلحق بنا بعد يومين أبي وأخي قصيّ.....ومن حظك....أخوالي يقيمون في العاصمة.....وأنت ذاهبة الى هناك......ماذا قلتِ؟!."

تهللت أساريرها وزفرت بارتياح هاتفة بصوت أقوى من ذي قبل:
" موافقة.....لكن بشرط...."

" ما هو الشرط يا ست الحسن والجمال؟!."

"أن يحسب هذا دين على عاتقي دون مراوغة منك!!..."

اومأت لها توافقها ومدت يدها تصافحها هاتفة بروحها اللطيفة وخفة ظلها:
" اتفقنا ...أمرك سيدتي .."

ولمعت عينيها بدهاء....بفكرة لن تتخلى عنها وإن كان المقابل خسارتها للأبد.....فقد بلغ السيل الزبى وهي تراها على حافة الانهيار....وجهها الذي عرف بإشراقه وبهائه خفت نوره وأصبحت كأنها تقدمت سنوات من العمر ...عيناها غائرتين والهالات تحيطهما.....شاحبة كما لم ترها من قبل...مستحيل أن تكون هي نفسها التي ولدت وفي فمها ملعقة ذهب....هي نفسها التي حملت عمرها كله على كفوف الراحة....لن ترضى لها عيش المذلة .....هي تظهر قوتها لكنها حتما ستنهار......ستنهار يوماً بأبشع صورة ولا أحد يستطيع انقاذ روحها من تحت الركام...وستذهب ...ستذهب الى الأبد وتترك ...ابنها يتشرد في الطرقات.....إن لم تفعلها.!!...وقد أقسمت في سرها .." أقسم يا صديقتي أنني سأفعلها....رضيتِ أو لا .....لا يهمني ماذا ستكون ردة فعلك....لستُ مجنونة لألحقك بجنونك.....وليست ميار من تصمت عن هذا الظلم الذي تعيشي وتعيشين ابنك به.....سأفعلها مهما كان الثمن..."

~~~~~~~~~~~~~~~~~

هبطت الطائرة في أرض الوطن.....رحلة اتفقتا عليها قبل أيام..... كلّ منهما لها أفكارها ونواياها ...وكلّ منهما لم تعي أن هذه الرحلة هي التي ممكن أن تغير مجرى حياتها!!....ربما فيها تسطّر الأمجاد بعد أن تتلاشى الأحقاد !!....لا أحد يعلم وهما كذلك.!!..فماذا سيخبئ لهما القدر ؟!....بعد الانتهاء من إجراءات المطار ...سحبت (ميار) حقيبتها التي وضعت بها كل ما يلزمها لزفاف ابن خالها وما يلزمها لباقي أيامها وسحبت معها حقيبة أخرى تخص توأم روحها التي كانت منهمكة بجرّ عربة صغيرها متجهتان برفقة والدة (ميار) الطيبة الى موقف السيارات حيث هناك أحد أقربائهما جاء للاستقبال!!.....لما وصلن إليه سلّمت عليه ثم ودّعت والدتها التي أوصتهما بالاعتناء بنفسيهما... تقبلها بحب فقدته تلك الواقفة المبتسمة لهما منتظرة ليأتي دورها بمصافحة تلك الطيبة الكريمة التي عرفتها سابقاً لكن اليوم صباحاً تقرّبت منها أكثر ولامست حنيتها وهي تعاملها كابنتها ...فباتفاق مسبق تقرر أن تذهب والدة(ميار) الى عائلتها في العاصمة للمكوث هناك بينما ابنتها سترافق صديقتها بالفندق الذي حجزته لكلتيهما!!....استقلتا سيارة أجرة بعدما اختفت والدتها عن الأنظار.....استغرقت طريقهما ثلث ساعة من الزمن حتى وصلتا لذلك الفندق الضخم الفخم والذي يقبع في أطراف المدينة وفيه منتجع ترفيهي كبير للعائلات ....امتقع وجه (ألمى) وقالت بعزة نفس:
" ميار ما هذا ؟!.."

سحبت الحقيبة وقالت بغرور مصطنع وهي تسبقها:
" فندق كما ترين....اصمتي واتبعيني ولا تعكري صفوي......"

اجتازتها توقفها قائلة بنزق:
" أخبريني لمَ أتينا الى هنا....تعلمين لا أستطيع أن أسدد ماله لكِ.....لمَ تحرجيني؟!...."


أجابتها بنبرة متهربة:
"آخر مرة زرت بلاد والدتي وأنا في الابتدائية....أتريدينني أن أحشر نفسي مع العائلة أو أذهب لفندق بالي؟!...."

وأكملت بجدية:
" اتفقنا أن تسددي التذكرة ....ولم نتكلم عن الفندق......"

ثم أمالت جذعها نحو الذي يراقبهما بالعربة تقرصه من خديه مردفة بمداعبة:
" هذا الفندق هديتي لزلزالي الصغير لنمضي شهر عسلنا هنا....."

وناظرتها بنظرة متفحصة تمثيلية تتابع:
" أم أنكِ حماة نكدية متسلطة ستخربين علينا الأجواء؟!..."

قالت باستياء:
" لا أمزح ميار.."

ردت تقلد نبرتها:
" وأنا لا أمزح ألمى..."

ثم دنت منها تضع يدها على كتفها بحركة داعمة تهمس بجدية هادئة:
" ألمى أرجوك......لا تنظري لهذه التفاهات.....الأخوات لا يوجد بينهن هذه الحساسية التي أنتِ بها......الصديق وقت الضيق وأنا توأم روحك لستُ مجرد صديقة......لا تعلمي عزيزتي ألمى....ربما سأحتاجك في يوم أضعاف احتياجك لي......وإن كسرتني اليوم برفضك....صدقيني لن الجأ إليك طالبة رشفة ماء حتى لو كانت بها حياتي...."

تكدست دموعها واختنقت حروفها ....متأثرة ...لا تعلم أتحمد الله على نعمة هذه الصديقة أم تلعن حظها الذي أوصلها لما هي فيه!!؟.....فلتت دمعة منها رغما عنها فمسحتها لها وهي تهمس بصوت خافت متأثرة هي الأخرى:
" ألمى لا تبكي....لا تشعريني بأني غريبة...."

وجلت صوتها تعيد اتزانها ونبرتها المرحة لتهتف هتاف مسرحي:
" هيا ...لنقتحم هذا المكان.....نعيث فيه فساداً مع زلزالنا الصغير...نمرح ونضحك ونلعب ونأكل دون رقيب أو حسيب......ونلقي كل شيء خلفنا ....فالفرص التي تأتينا لن تتكرر والزمن لن يعود وقت الندم...."

لما رأتها تشق ثغرها ضحكة حقيقية استغلت الوضع واستدارت تسحب حقيبتيهما تنصب كتفيها هاتفة بحماس تستمر بتمثيليتها وهي تسير بتبختر:
" هيا يا رفاق.....نحن قادمون ...إفسحوا لنا المجال....واستقبلوا الزلزال...."

تبعتها تجر عربته.... مجبرة أو راضية لا يهم المهم أن ضحكاتها تعالت خارجة بصدق من جوفها ....لتبدأ مغامرتهم لاكتساح الفندق وعيش المرح والفرح دون تضييع للوقت!!...

×
×
×

بعد يومين مع إشراقة الشمس اللطيفة التي تدغدغ الطبيعة استأذنت (ميار) منها لتذهب إلى اقربائها تقابلهم وتسلّم عليهم احتراما منها لهم....فغير منطقي وجودها في بلادهم دون أن تزورهم...ستؤدي الواجب حاليا إلى حين مجيء يوم الزفاف ومضي الوقت كله معهم..!!...كانت هذه نيتها فعلاً ولكنها نيتها التي أظهرتها استغلالاً لتغطي عن نية أخرى مبطنة تخفيها لنفسها ....قبل أن تخرج سألتها ليطمئن قلبها :
" أكيد لن تتأخري عني لترافقيني من أجل زيارة أبي؟....فأنتِ تعلمين موعدنا مع اللقاء في السادس والنصف مساءً!!"

رمقتها بنظرات مبهمة لا تستطيع تلك قراءتها وأجابت بابتسامة حانية وهي تهمس بهدوء:
" لن اتأخر إن شاء الله.....انتظريني وسأكون قبل الموعد بساعات.....لا احتاج كل هذا الغياب....فقط شيعيني بدعواتك "

تبسمت راضية وودعتها هاتفة بطيبة قلب ونقاء:
" مشوار موفق عزيزتي ميار......سننتظرك أنا وزلزالك الصغير إن شاء الله لترافقينا وتهتمي به!!....مع السلامة!!"

×
×
×

قلبها يخفق بجنون!!...لماذا؟!...لماذا يخفق لهذه الدرجة؟!......أهي ساخطة؟!.... أم أن هذا هو الخفقان اللذيذ؟!..... لقد اختلطت الأمور عليها....لم تعد تملك صفاء الذهن لتقيّم نبضاتها.....وقفت أمام المدخل وتفحصت البناية وسط العاصمة من أسفلها حتى اشرأبت بعنقها ناظرة لأعلاها.....أخفضت رأسها وتطلعت للهاتف المأسور بيدها تتأكد من رقم الطابق الذي تريده..!!.....كاذبة! لمَ تتأكد منه وهي التي تحفظ عن ظهر قلب كل ما يوصلها إليه بعد أن بحثت عنه بدقة حين عزمت على تطبيق قرارها؟!.........دلفت الى الطابق الأرضي بثقة....هي لن تخاف ...ممَ ستخاف؟!.....صاحبة حق إذاً لن تهاب أحداً.....تقف ضد الظلم ولن تخشى الظالم مهما كان.....لقد استطاعت أن تعرف خلال أسابيع قليلة أي حياة مقيتة تعيشها صديقة روحها !!.....فقدتها في السابق ولم تشد أزرها ولكم أنّبت نفسها لتقصيرها معها!!.....أما الآن لن تكرر حماقاتها ولن تجلد ذاتها بعد أن وجدتها.....ستواجه..كعادتها..... وستناضل... لأجل صديقتها...وستأخذ لها حقها....لا بل ستنتزعه انتزاعاً إن لزم الأمر !.....مشت على الأرض الرخامية البيضاء اللامعة بسرعة وكأنها لم تلمسها ولم تترك أثرا لوقع أقدامها......وصلت الى المصعد وضغطت للصعود ثم دخلته وبلمسة رقيقة من سبابتها لرقم الطابق الثالث صعد المصعد وكادت تصعد معه من التوتر روحها!.....اشتد وجيب قلبها خلف أضلعها بينما تحفزت سائر اطرافها بانشداد عضلي لا تعلم مصدره......توقف عند مبتغاها وفتح لها أبوابه.....الطابق واسع ...تطلعت يمنة ويسرة بنظرة عابرة لكنها تعرف أن عنوانها لليسار كعنوان الرابض في صدرها......اتجهت نحو الباب الزجاجي الكبير فاستقبلها فاتحاً لها الطريق بشكل آلي لتدلف وتهب روائح عطرة تنعش خلاياها ....تطلعت بانبهار للأركان وأعجبت بالأناقة التي تزيّن هذه الشركة .....كانت تتميز بأثاث هادئ مريح وتصميمات عصرية واضاءات قوية وقد علمت بحذاقتها أن هذه تجديدات وترميمات حديثة لا تقبل الشك فحتى بقايا رائحة الطلاء الأبيض ناعم الملمس ما زالت تختلط مع العطور........سارت وصارت تنظر للجهتين ولتقسيم المكان وتوزيع الموظفين كلٌّ له مكتبه بغرفته الزجاجية المغلقة الملتصقة بالأخرى ....تابعت خطواتها حتى وصلت آخر الطريق داخلة لباب مفتوح له إطار خشبي ثم ردهة مسدسة متوسطة الوسع وعند كل ضلع فيها باب من الخشب داكن اللون....المساحة مخصصة لجلسة تنتصفه لاستراحة المدراء أما الآن المكان بحالة فوضى توحي أنهم ما زالوا في فترة تصليحات وتجديدات وفقط الواجهة هي الجاهزة........أمالت زاوية فمها بابتسامة انتصار حين قرأت على أحد الأبواب اسم ووظيفة من يقبع خلفه ومع إمالة فمها مال بالشوق النابض بسخط داخلها.....وجدت هدفها!......طرقته بنعومة فضحت ضعف قوتها التي ادعتها.....سمعت همساً ناعماً فيه حياء يسمح لها بالدخول فدخلت وبهتت ملامحها فور انجذاب عينيها للمنقبة الجالسة خلف المكتب.....سكرتيرته الخاصة!...وأيضاً آثار فوضى الترميمات ما زال حاضراً...تمتمت في سرها " ها أنت توظف النساء وتضعهن بقربك ...ظننتك لا تتعامل مع هذا الصنف بأريحية يا حضرة ال...."....وبشعور غيرة وليد من حب غير جديد قطعت سوء ظنها عندما لمحت بحدقتيها بنصرها الأيمن المطوق بخاتم خطوبة!....ابتلعت ريقها وارتجت حدقتيها ..." م..من تكون بالنسبة له يا ترى ؟!..".....عند هذا السؤال الذي خاطب ذهنها غلت الدماء بعروقها وسحقت نبضاتها المشتاقة لتبدلها بنبضات أكثر سخطاً عن ذي قبل.....فمنذ شهور أي في عز الحرب وانشغاله معي وهو لم يكن متفرغاً لصفحته وكان فقط ينشر أدعية مكتوبة متنوعة غير أن حياته الخاصة يتخذها سرا ولا يذكر أي شيء عنها...ويبدو الآن أنه فعلها!......فعلها وارتبط بصاحبة الحظ والنصيب دون أن يشهر ذلك !.....بعد تحليلاتها ألقت السلام بصوت ثابت مصطنع وابتسامة صفراء تلوح على محيّاها ثم هتفت جازمة وهي تقترب:
" أريد مقابلة مديرك!!..."

ردت بأدب وهي تتفحصها :
" هل لديك موعد معه يا آنسة؟!."

أجابتها بانفعال دارته وراء كشرتها:
" لا حاجة لموعد....جئت من أجل أمر هام وسريع لا يقبل التأجيل..."

" عفوا يا آنسة.....السيد المدير لا يقبل الفوضى "

قالتها وبسطت يديها تشير لها لحال المكتب والغرفة وهي تكمل:
"وخاصة أنه كما ترين نحن نعاني من حالة فوضى بسبب التجديدات للأثاث وغيره!.....يعني بالكاد يستقبل اللقاءات المهمة أما اللقاءات الأخرى يدحضها وكيف إن كانت فجائية دون اتفاق مسبق؟!...."

عدلت جلستها وجلت صوتها متابعة:
" عذرا منك.....لا أستطيع الموافقة دون إذنه!..."

نظرت بجانب عينيها للباب الثاني الموصد الفاصل بين الغرفتين ثم أعادت إليها النظر سائلة بفضول:
" أين هو الآن؟!..."

" خرج لتناول وجبة الغداء مع صديق في مطعم قريب ..."

تطلعت لساعتها وأردفت:
" سيأتي في ظرف دقائق إن شاء الله......لطفاً يا آنسة خذي موعد وعودي لاحقاً أما الآن لا استطيع مساعدتك ولا يمكنني إغضابه !..."

احنت جذعها قبالتها تكوّر قبضتها وتضرب سطح المكتب بخفة تؤكد قرارها وهي تقول بتصميم:
" عفواً منك أنت يا آنسة ....سأقابله ولا يمكنني العودة لاحقاً...أنا مصرّة."

ثم استقامت بوقفتها أكثر واثقة بما تنوي فعله واستدارت نحو باب الدخول لا الخروج وهي تشير لنفسها هاتفة ببرود لا يشبه النار المشتعلة بأحشائها:
"إن وبخك قولي له تلك الفتاة مجنونة واقتحمت الغرفة ولم استطع ردعها ......تابعي عملك براحة ونهارك سعيد..."

ثم فتحت باب غرفته الخاصة المكيّفة وأغلقته وراءها بهدوء تقمصته وأخذت تجول ببنّ عينيها على أركان المكان والنافذة الكبيرة الزجاجية المتربعة بصدر الغرفة وأمامها مكتبه مصنوع من خشب الجوز المحروق خلفه كرسي وثير من الجلد الفاخر البني وكان سطح المكتب مليء بملفات وجهاز حاسوب نقال ....تقدمت بخطواتها الحذرة حتى وصلت زربيّ بلون البيج يتخللها خطوط بنيّة كانت مبسوطة على الأرض وتوقفت على طرفها دون أن تدوس عليها ثم ألقت نظرة للكرسي الأسود اليتيم باهت اللون الموجود أمام مكتبه فحدثت نفسها وهي تلوي شفتيها بازدراء مصطنع.." ظننته صاحب ذوق رفيع عندما رأيت الشركة والتجديدات ....ما هذا الكرسي الشاذ والغير متناسق مع باقي التصميم وكأنه الغراب وسط عصافير الزينة؟!....حتى أنه واضح للعيان أنه قديم...هل بخل باقتناء غيره؟!".......كتّفت ذراعيها تضرب بقدمها الأرض برتابة تلحن نغمة ترقُّب وجسدها يهتز مع حركتها التي تظهر توترها وقلة صبرها على انتظاره وهي تولّي الباب ظهرها.....مرّت دقائق قليلة وما زالت على نفس الحال وكانت مرةً تتطلع على الجانب الأيمن للنافذة تقرأ عن الأطار المربوع المثبت شهادته الجامعية باختصاصه ثم تنظر على الجهة الأخرى حيث يثبت أطار آخر دائري فيه شهادة تقدير على جهوده في الشركة ...كانت من كلمة هنا أو هناك تشعر بالفخر مرة ثم تعود لتشعر بالحنق بالمرة الثانية!.....ارتجف خافقها حين سماعها قبضة الباب تتحرك قبل فتحه لكنها آثرت الثبات على وضعها ولن تلتفت له كي لا يظن أنها ملهوفة لرؤياه .....انفتح الباب بهدوء وأُغلِقَ بذات الهدوء ليقتحم المكان زلزال عبق عطره الصاخب يسبقه....سار بثبات متباطئاً شامخاً كعادته واثقاً بخطواته بعد أن ألقى نظرة خاطفة لتلك ذات الحجاب البرتقالي بفستانها الأبيض الصيفي الخفيف وعلى خصرها النحيل حزام كالحجاب وحقيبة صغيرة تشبهه أما الحذاء الرياضي أخذ لون الفستان .....!!...اقترب اكثر بحذر وهو يضيق عينيه قاطب حاجبيه يريد أن يستشف أي علامة عن هوية التي كانت تهتز مع ضربها الأرض وقد توقفت لحظة اقترابه بينما اخذت تسبح بعالمها مغمضة العينين من عطره الذي مع دنوه أكثر زلزل كيانها...وكاد يطيح بها....كم اشتاقته وكم اشتاقت لقوته التي تبخرت عن قطعته الرمادية الغالية المحتفظة بها !!....استغفر في سره ثم ثبت في أرضه وتنحنح ليقول بجدية وخشونة:
" هيه أنت يا آنسة....ما الذي تفعلينه هنا ؟؟!.....كيف تقتحمين الغرفة بوقاحة والسكرتيرة لم تأذن لك؟!..."

ها هو كما كان بالسابق....لا يستطيع التعامل برقة مع معشر النساء ....جلف .....وباب ...يجب عليه أخذ دروس بفن التعامل مع الأنثى!! ....استفاقت هاربة من شبه ذوبانها مجفلة وهي تستدير بطلاقة لتواجهه بتقاسيم فيها القوة الزائفة بينما عاصفة الصدمة يصاحبها الشوق هبّت بسائر جسده عند وقوع عينيه الفحميتين على وجهها الخمريّ فهمس من فوره بهدوء مضاد لخشونته التي كان عليها بعدما ابتلع ريقه دون أن يلفت نظرها :
" ميار؟!.."

تباً له وتباً لقلبها الذي اهتز عند سماعها اسمها من بين شفتيه متسللاً بهذه الروعة!....أكان دوما اسمها جميلاً هكذا أم الآن أحبته؟!....ما هذه النغمات التي خرجت من حنجرته الذهبية ؟!.... .تزلزلت في سرها بحديث سريع..." يا إلهي لا أصدق...الزلزال بشحمه ولحمه ...... اثبتي يا غبية ولا تنصهري أمام هذه الرجولة الطاغية في المكان.....اثبتي وكوني قوية وتذكري ما مهمتك هنا؟!....اياك أن تسيحي ...وإن كان هو بهيبته يقف أمامك ...ماذا بهذا ؟!....."

لكن هو سرعان ما عاد لوعيه فجلى صوته ليعيد نبرته الاولى القوية وهو يقول:
" عفوا....أقصد سيدة ميار..."

" آنسة ميار "

كانت ستصححه بهذه ولكنها لا لن تقولها....فليظن ما يريد....لن تبرر ولن توضح وخاصة وهي تذكر نفسها سبب زيارتها السامية فاكتفت ب:
" أجل ميار"

لم يسمع تأكيدها ولم يهتم لإجابتها إنما لأول مرة يشعر بالخوف !....ليس منها إنما خاف من ذاك أن يفضحه أمامها.... ذاك الذي بدأ يضخ هائجاً ليعيد ايقاظ الحب والإعجاب بين النبضة والأخرى واللذين كانا في سبات وهذا بعد أن سبحت عيناه بصورتها الجديدة التي لم يتوقعها بها وبشكل سريع ...يا لها من صدمة!...يا لها من مفاجأة....(ميار) ومحجبة؟!....ضربتين على القلب تصدم ..... الشقية التي أحبها هنا اولاً....ولم تعد متبرجة ثانياً.... كما تمنى وآه كم تمنى !....وبخوضه السريع عنها واستيعابه لما وصل له وخاصة عند نعتها بالتي أحبها في سره!.....خرج من شروده بعقله الواعي الذي دعمه لينهر نفسه لأنها لم تعد من حقه وهو أيضا لم يعد من حقها وعليه الصمود والجمود ورسم الحدود وإن كان قاسيا الطباع وجلمود.....لن يهتم!....فلتذهب دقات قلبه التي ورطته بالحب الى الجحيم!............لذا ارتدى قناعه الذي يحب أن يكون عليه أمام بنات حواء الغريبات عنه وسار بركازة حتى وصل كرسيه وجلس عليه يديره بشكل جانبي مشيحاً عينيه الفحميتين عنها ليظهر لها جانبه الأيمن......!

خير ما فعل!.....هل ظنها ستنزعج من حركته ذاك الباب ؟!.....فلقد أعطى لها بجلسته هذه المجال لتسرح وتمرح بأريحية ..ستتأمل ملامحه التي ظلت ليالي تهفو إليها ..ستجلي عينيها بوسامته المزلزلة لقلبها......هكذا ظنت!!..... لن يكشفها.... ولا تعلم أنه القناص ثاقب النظر بلا أي مجهود..!!..... نسيت سبب حضورها وأخذت تتنقل بين قسمات جانب وجهه الحسن المليح وبجسده العلوي الذي ترسم عضلاته بلوزة نصف كم سوداء لعينة أكلت من جماله ما أكلت وخاصة ببشرة ذراعيه البيضاء الرجولية والتي يكسوها شعيرات خفيفة متفرقة كادت تودي بحياتها أمامه....!....ركّزت حدقتيها على عضلات صدره ....هل يتحرك بضراوة أم يهيأ لها؟!.....لم تستطع غض البصر وهي تشاهد صورة حية مزلزلة.....لشيخها الوسيم ........عيناها ترى( أحمد)....وأنفاسها تختلط بأنفاس (أحمد) وقلبها يطرب على صوت (أحمد)......كم ستتحمل وكم ستصمد ؟......." يا رب ثبتني....يا رب ساعدني قبل أن أنهار ...مزيد من القوة اوهبني يا الله ".....

خرجت من جولتها التي كانت بين أروقة الوسامة على صوته عندما تنحنح ورفع ذراعه الأيمن يحك طرف حاجبه بسبابته ثم سألها بجديته دون أن يكلف نفسه عناء النظر إليها :
" بماذا أخدمك سيدة ميار ؟!.."

رقص قلبها لحظة اكتشافها أن بنصره الأيمن فارغ فاشرقت لها الآمال من جديد وقالت في سرها ...." أيها الأحمق لستُ سيدة...لستُ سيدة.....أنا آنسة ...فقط تجرأ وانظر ليديّ....انظر انظر...".....لما سكن قلبها وارتاح من سوء الأفكار عقلها كوّرت قبضتها أمام فمها لتسعل بتصنع ثم ما لبثت أن تشق ثغرها ابتسامة هادئة وهي تهتف لتصححه أخيراً:
" في الحقيقة أنا لستُ سـ..."

حتى طرقت الباب سكرتيرته المنقبة طرقتان لتقطع جملتها داخلة بكل ثقة وجسارة الى أن وصلته واستدارت جانبه خلف الطاولة تمد يدها ليده هاتفة برقة وصوت أنثوي ناعم وهي تسلط عينيها بعينيه:
" ها هو ........وجدوه ملقى على الأرض تحت مغسلة الحمام......."

لم يعطها جزء من الثانية لتنتظر فبسط يده أمامها لتلمس أطراف أناملها بطن كف يده دون أن يتكهرب بنفور أيّ منهما عندما أسقطت شيء داخلها ولم تلمحه جيدا الواقفة فالدخان الذي تصاعد إلى دماغها وهي تراقبهما وتراقب هذا التقارب بينهما أغشى عيناها وزعزع تفكيرها وجعل خفقاتها تتبعثر بجنون لكنها حمدت ربها أنه لا يستطيع لا سماع الدقات النافرة ولا اشتمام احتراقها فزفرت أنفاسها ببطء كي تعيد اتزانها وعادت لترسم ملامح ذات كبرياء على وجهها وستعلنها حرب لا محالة ....أتت من قبل لهدف يصاحبه شوق خفي أما الآن لن تخشى الخسارة وهي خسرت ربحها الأكبر....شيخها الوسيم......يمكنها الآن اطلاق سراح جرأتها ولو اضطرت لطول لسانها ووقاحتها ولن تظهر أمامه بصورة مثالية فظنونها اتضحت وتأكدت أن علاقة حميمية خاصة تربطه بها عندما تبسّم برقته الرجولية رافعا نظره للواقفة أمامه وهو يهتف بلطافة لم يستعملها معها:
" شكرا دارين ... الحمد لله أننا وجدناه......يمكنك الانصراف الآن الى مشوارك "

أدبرت لتذهب بطريقها فألقى نظرة رضا على ما بيده قبل أن يغلق قبضته عليه ثم رفع رأسه مبتسما يراقبها ويتبع خطواتها براحة ولما وصلت الباب نظرت إليه قبل أن تغلقه فوضع المحبس الذي اخذه منها أمامه على سطح المكتب ورفع كفه يوقفها قائلا مع قذفها بغمزة سريعة:
" اتركيه مفتوح.......لا تغلقيه!..."

اومأت ايجابا وعادت الى مكتبها تأخذ حقيبتها بينما التي تتلظى بالنيران والتي أعلنت حربها كانت تشعر نفسها كشمعة مشتعلة بلهاء دون رائحة تذوب وسط النور لا أحد يحتاج لضوئها وهي تقف تشاهد اللطافة والود بينهما واللذين يظهرا بنبرة صوتيهما ونظراتهما المتبادلة فأخرجها من صمتها الذي أسند ظهره على كرسيه بثقة وصلتها كأنها استعلاء وغرور منه وخاصة عندما هتف بنبرته الأولى الجادة معها:
" أجل سيدة...ميار......بماذا أخدمك.؟!....."

حرّك كرسيه المتحرك يديره يمينا ويسارا برتابة وبرود وهو يكمل وما زال لا ينظر إليها.....إلا بمرتين رغماً عنه كان يهزمه بهما شيطانه:
"رغم أنك أتيتِ بلا موعد ....فأنا لا أستقبل أحدا ولو كان رئيس وزارة ...هذا ضد قوانيني......لكن لنقل من أجل قصيّ شقيقك فقط سأتجاهل الأمر.."

يا له من بارد....بااارد....لا بل وقح...أجل وقح...ومغرور....وقليل ذوق....لم يعتذر عن مقاطعتها لجملتها قبل دخول تلك ولم يشر لها لتجلس على كرسيه الأسود اليتيم وها هو يتبجح بمبادئه ولا يعطيها أي قيمة!....حتى أنه لم يكلّف نفسه بطلب فنجان قهوة لها من خطيبته الطفيلية قبل أن تذهب لمشوارها.....لا بد أنه يدللها ولا يرهقها!....فهي سمعت محاضرته من شهور والتي كان عنوانها ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)....كم نال يومها من تعليقات اعجاب وهو يقدم نصائحه عن التعامل مع الزوجة وأهل بيته وحتى أن غالبية الردود كانت ( محظوظة من ستكون من نصيبك)....مرّت ذكرى المحاضرة من أمامها وعادت لتساؤلاتها الحانقة عن تصرفاته الآن وبالذات طلبه الأخير من الطفيلية ...ما قصده لتترك تلك الباب مفتوح...أيخاف منها أن تفترسه؟!....أم ظن أنها مولعة للبقاء معه في مكان مغلق ؟!......صحيح ودت كثيرا ابتلاعه لكنها الآن وخاصة عندما رأته يداعب المحبس بطرفيّ اصبعيه ليتركه يتراقص فوق المكتب ويصدر رنيناً بغيضاً ...رنينا أحسته سيفجر مخها غيرت رأيها ولن تكون أقل وقاحة منه ....فبالحرب كل شيء مباح وخاصة إن ذهب أمل ارتباط الحب وراح.!!......ولتبدأ باستفزازه ذاك عديم المروءة فكان أول ما خطر على بالها هي استدارتها بهمّة تخطو خطواتها السريعة لتصل الباب ثم تغلقه وتعود وهي تهتف بجسارة :
" أولاً لا أفهم لمَ منعتها من إغلاق الباب؟......هناك شيء يسمى خصوصية وهذا من حقي....لا أريد لأيٍ كان أن يقتحم المكان وأنا أتكلم......أريد أن آخذ راحتي.."

اوه..!!...حسمت الأمر السيدة (ميار) واثقة أنه سيرضخ لطلبها!.....ما إن وصلت الى مكانها السابق على طرف الزربي حتى نهض عن كرسيه رافعاً الهامة يمشي بخطى واسعة واثقة وفتح الباب مجدداً وهو عائدا قائلا ببرود مهلك:
" لا أحب إغلاق الباب عليّ مع غريبة وحقك بالخصوصية غير موجود لأنك أتيتِ دون موعد.....ثم لا غيرك اقتحم المكان.....وأنا راحتي تكون وهو مفتوح....تفضلي اخبريني ماذا تريدين؟!"

أنهى جملته عند وصوله إليها ناثراً شذى عطره لكنها كانت مقاومة لتمنع نفسها الملهوفة من السكران والذوبان والدوران في ملكوته واستدارت لتعود صافعة الباب بقوة جعلته يلتفت قبل اقترابه من مكتبه !!....تنهد بعمق ليجلب لنفسه نفحات من الصبر....يحاول أن يكون صاحب ذوق معها بالحدود التي يرسمها لنفسه... خاصة أنها شقيقة صديقه (قصيّ) ...احتراما له سيحاول أن يتصرف بمرونة لا يعرف إلى متى ؟!!.....لذا فضّل الصمت وعاد ليفتح الباب وهي ما زالت هناك تستند عليه ...وصلها وهمس مدعيا الرقيّ بالتعامل:
" سيدة ميار...ابتعدي لو سمحتِ......"

لن ترفع كتفها وترفض كالأطفال فهي لا تعلم كيف سيسخر منها....ففي السابق فعلها....نعتها بالخرقاء وكأنها طفلة......صحيح أنه أعتذر وصفحت يومها لكن الآن بينهما خيانة لمعاهدة سلام ....هي خانت وارتبطت وهو فعل بالمثل وإن كانت هي البادئة !!.....ولم تنسَ أنهما بحرب إثبات الأكثر وقاحة وإصرار...ابتعدت عن الباب بهدوء ففتحه وقبل أن يستدير أغلقته ....حركات صبيانية هي تعلم وهو يعلم.....حركات لا تليق بهما ولا بسنهما ومكانتهما......لكن ماذا سيفعلان بشعلة الغيرة على بعض والقهر من الفراق والحنق من وضعهما ؟!...ها هما يخرجان كل ذلك بتلك التصرفات التي ستثير سخرية من يراهما!.......لما أغلقته وضع يده على مقبض الباب ليفتحه وهو يصك فكيه بغيظ أخفاه عن وجهه لكنه ظهر بنفور عروق ذراعه وعضله المشدود!! ....قبل أن يحركه حاولت منعه بعفوية مجبولة في شخصيتها فوضعت يدها الصغيرة الناعمة فوق يده محدثة تماس شق قلبه وقلبها ...تماس جعله يخفض رأسه من فوره نحو وجهها الخمريّ البريء الغاضب وجعلها ترفع رأسها نحو وجهه الوسيم القاتل.....تلاقت أعينهما بثبات لأول مرة بهذا اللقاء ...لا اهتزاز لا هروب....فقط ثبات...بريق...عتاب....لهفة.....ي? ?أملان بعضهما في صمت....وفؤاد كلّ منهما يصرخ مناشداً للحب من كثرة اللهفة والشوق لبعضهما ...." لماذا فعلتِ بي هذا ؟!...لماذا بعتني؟!..لماذا عدتِ الآن؟!...." عيناه الفحميتين اللتين اتقدتا بالجمر منها ولها وعليها كادتا أن توشيان عن اسئلته بينما عيناها البنيتين ترجوان وتستغيثان وتناديان نداء لن يسمعه ولن يفهمه " اخطأت بحقك أعلم...لكني عدت...عدتُ تائبة ووددت أن يصفح عني قلبك.....وجدتك وفقدتك....ويا للوعتي على من فقدت "........كسر الصمت القاسي رنين هاتفه الخليوي الموجود على مكتبه وكان الإنذار ليعود إلى واقعه وحقيقة وضعه فنفض يدها عنه بجموح شديد وتجافٍ ظاهر لها ..كان باطنه عذاب الحب ووحده يعلمه ......ثم ولاها ظهره تاركا الباب مغلقا وهو متجهاً الى غايته بينما هي ظلت صامتة وصامدة وحرقة في قلبها من حركته النافرة منها !!.....جلس على كرسيه براحة واستل الهاتف الذي انتهى رنينه بخفة ليعيد الإتصال ولكن للأسف أنتهت صلاحية شحنه !!...تأفف ضجراً باحثاً عن الشاحن بلا مبالاة بدرج مكتبه....اوصله بالمقبس عند حصوله عليه غير مبالياً للواقفة هناك....استجمعت قواها لما رأت تجاهله لها وانشغاله بهاتفه ثم أقبلت نحوه وما إن وصلته تنتصف الزربيّ قرب الكرسي الأسود القديم حتى هتف ببرود يستصغر خاصتها وهو يحدق بهاتفه يعيد تشغيله:
" هل زوجك ذاك....يعني ابن عمك ....يعلم أنك أتيتِ لمقابلة رجل طلب يدك سابقاً؟!......في الحقيقة لو فعلتها زوجتي لكسرت لها قدميها ثم علّقت لها مشنقتها....لا أعلم الوضع بالنسبة له!..."

اشتعل داخله وهو يذكر خصمه واشتعلت داخلها من عنجهيته ذاك الباب المغرور وما زاد اشتعالها رؤية المحبس متربع على مكتبه ...ازدردت ريقها دون أن تلفت انتباهه وأطلقت ضحكة ساخرة تغذت على الحسرة من حالها وهي تشير بعينيها وحاجبيها للمستفز المعدني القابع على طاولته:
" هل خطيبتك المسكينة تعلم أنك ما زلت لم ترتدِ محبس خطوبتكما بعد؟!.........فأنا لو زوجي فعلها وخاصة إن علمت أنه لم يهتم لارتدائه وهو يقابل امرأة قد طلب يدها سابقا لأقمت له الدنيا وأقعدتها وسودت له عيشته بنكدي.....لا أعلم كيف ستتصرف هي!؟..."

يا لها من وقحة ....هل تتباهى بغيرتها على ذاك الأهبل أمامه هو؟!.....ألقى نظرة عابرة للمحبس ولاذ بالصمت مفكراً لبرهة.!..... علا رنين الهاتف الأرضي بعد انشغاله بحوارهما التافه فسحبه مجيبا بصوت ضاحك لا يستخدمه معها بعد معرفته يقينا من المتصل :
" أهلا بلال...."

"..."

" أجل أجل رأيت...لكن انتهى شحنه ولم أفلح بالعودة لك!...."

"..."

" اطمئن يا صديقي....عثرنا على محبسك ....لن تبيت الليلة في الخارج...."

"..."

ضحك وقال:
" قلت اطمئن ها هو معي ..لقد وجده عامل التنظيف تحت مغسلة الحمام ......يبدو أنك نسيته وأنت تنظف يديك من آثار الوقود..."

هل شعرت براحة وسكينة يوماً مثلما شعرت الآن؟!....أبداً.....المحبس ليس له؟!....يا لسعادتها...يا لهنائها...يا لفرحتها!.....تبسّمت برضا وتنهدت بسلام.....ولم تلبث أن تعوم أكثر بسعادتها حتى تذكرت تلك المنقبة وقربها منه !....عادت لصوابها ولن تذوب وتستسلم في الحال!......عليها معرفة صلته بها....ربما لا يحب ارتداء الخواتم لكنه خاطب!...حسناً بعد انتهائه من مكالمته ستستفسر أكثر بطريقتها وهي تراوغه إن أفلحت لأنه ذكي ونبيه ...مدير علاقات عامة محنك !.....ألقت بنّ عينيها للكرسي الأسود بجانبها ورغبت بالجلوس.!....أكثر من نصف ساعة وهي واقفة على قدميها وقليل الذوق لم يدعها لتجلس....إن كان وقحاً لا يعلم آداب وكيفية احترام الضيف فستفوقه وقاحة وتريه الضيف الوقح على أصوله الذي يأخذ حقه بالغصب!....حرّكت نفسها لتجلس فنهرها هاتفاً بحزم في الحال بينما وضع يده على سماعة الهاتف مانعاً وصول الأصوات ل(بلال):
" لا تجلسي.."

عبست ملامحها وهتفت بتحدي:
" لقد تعبت قدماي.....سأجلس"

هبّ من مكانه باستياء محرراً يده عن السماعة وهو يهتف مصراً:
" كلا ...قلت لا تجلسي...انتظري الك..."

" سأجلس...لم أر قلة ذوق لهذه الدرجة!.."

قالتها بحده وجرأة تقاطعه متخذة وضعية الجلوس تنفذ قرارها بذات الوقت فتمتم شاتماً دون أن تسمعه وهو يغمض عينيه:
" حمقاء....لقد وقع الذنب عني!.....تحملي نتيجة عنادك الغبي"

لم يكد ينهي جملته حتى وصل صوت إنهيار للموجود على الطرف الآخر من هاتفه ليستفسر في الحال عن مصدر ما سمع !... أما هو مد جذعه ليرى الواقعة على الأرض بعد انكسار الكرسي البالي بها وكان فقط يظهر له بالبداية الحقيبة البرتقالية التي بقيت صامدة على طرف المكتب بينما حزامها يتدلى نحو التي كانت متشبثة بها ثم أفلتتها وهي تتأوه وبيدها تحاول أن تمسد أسفل ظهرها من الألم!!...اهتز قلبه وعاد للجلوس في الحال يبعد عينيه عنها مستغفرا بداخله بعدما رأى ساقيها المغطيان ببنطال أبيض من القماش الضيق مرسومان بأنوثة رقيقة ومغرية حتى أعلى فخذيها بينما جزءاً يسيرا مكشوفاً منها يظهر نعومة بشرتها الخمرية ..نعومة كادت تسحقه ثم لبس قناع القوة ليصمد أمام الإعصار الذي باغته فهو شيخ غير معتاد على هذه المناظر الجلية والأدهى أنه رجل شاب ثائر حامي الدماء والأصعب أنها هي فقط التي عبثت باعدادته وبكل ذرة تملكه وابتلع ريقه ليهتف للآخر ببرود متقن هارباً من جريمتها:
" لا تهتم.......ربما أحد العمال الأغبياء ذوي الرأس اليابس لم يسمع الكلام ونحن نحذره للانتباه فأوقع دولاباً بوزنٍ ثقيل وكسره"

ماذا يقصد؟!...هل يقصد أنها غبية؟!... بل هل شبهها بالدولاب الثقيل ؟!....أيعقل أنه لاحظ ازدياد وزنها لاثنين كيلو او ثلاثة بعد عودتها لحياتها المريحة المرحة منذ انفصالها عن (تامر) لذا يسخر منها بكل صفاقة؟!.....تناست الوجع الذي ينخر قعر ظهرها فاقدة الثقة بنفسها وبجسدها النحيل وراحت تجول بعينيها على حالها وهي جالسة على مؤخرتها ارضا ...تتفحص إن كان يبرز له سمنة بمكان ما لم تلحظها ثم بخفة شدت للأسفل الفستان الذي ارتفع لفخذيها لحظة وقوعها لتستر نفسها وحمدت الله أنها ارتدت تحته هذا البنطال في اللحظة الأخيرة حتى لو كان قصيرا وإلا لانكشف لحمها بشكل كامل محرج اكثر أمام الجلف البارد ولن تخلص من لسانه ولا محاضراته حتى قيام الساعة..!!.....أكمل مع صديقه قاصدا اعطائها المساحة لتلملم الفوضى التي لحقت بها دون حرج لكنها حسبت تجاهله لها قلة ذوق فتمتمت وهي تلوك كلامها دون وضوح له بينما كانت تحاول النهوض بصعوبة مثقلة من وقعتها ومن شدة احراجها:
" قسماً إنك باب صدئ ....خسارة بك وسامتك يا مغرور......لم تتنازل وتساعدني !.....فقط لو يدرون متابعيك أنك قادم من العصر الحجري وبقلب حجر وعقل حجر....."

أنهى محادثته تزامناً مع نهوضها متأوهة من مكانها ويدها ما زالت على أسفل ظهرها لتقول بحنق ونبرة مرتفعة تتهمه والشرر يتطاير من عينيها تحاول مداراة موقفها المخزي:
" ماذا يفعل كرسي غير صالح للاستعمال في مكتبك ؟!.....ماذا لو أصبت بالشلل؟!....أيرضيك هذا؟!...لمَ لم تمنعني أم تعمّدت ذلك؟!.."

انزعج من نبرتها واتهامها له فرمقها بنظرة مستعلية ثم أشاح عينيه نحو الباب قبل أن يعيد النظر إليها مجددا وهو يجيب بجدية:
" اخفضي صوتك لو سمحتِ.......ثم ما هذا الاتهام؟!...أنت من لم تعطني المجال لأحذرك!......"

وبسط ذراعيه محركا رأسه ومستأنفاً بنكهة ساخرة:
"أظن من الواضح أننا في وضع ترميمات سيدة ميار .....العمال ما زالوا يفرغون الغرفة من الاثاث القديم وبقي هذا الكرسي وبعض الأشياء ... "

لم تهتم لجوابه وانحنت تأخذ حقيبتها الصغيرة عن الأرض فأنّت متألمة مجددا وبدا الوجع جلياً على وجهها وهي تنتصب ثانية وقد اغرورقت عينيها بالدموع فوقف قلقاً في الحال يسألها :
" سيدة ميار...هل...هل أنتِ بخير؟!..."

قالها وهو يهم ليستدير بينما نبرته الحنونة المهتمة خرجت منه بتلقائية وربّتت قليلاً على قلبها وقبل أن يخرج من خلف مكتبه رنّ هاتفه الخليوي فحمله مجيباً :
" خير دارين؟!....أهنالك شيء؟!.."

"..."

تبسّم ابتسامة شلّت أطرافها قبل أن يجيب بهدوء:
" أنت تعلمين أنني تناولت غدائي قبل قليل....سلمتِ دارين أنتِ وأمك"

صمت برهة وأضاف متحمساً يرسم ابتسامة أجمل من التي قبلها:
" ربما آتي للعشاء إن كان معي متسعاً من الوقت قبل العودة لمدينتي الجبلية ....فهذه أكلة لا تعوض بالتأكيد ...اخبريها بذلك....الى اللقاء"

أعاد الهاتف مكانه ثم طاف بعينيه بنظرة خاطفة على أركان الغرفة معيداً ملامحه الجادة وقام بسحب كرسيه الضخم الوثير من خلف مكتبه بعدما لم يجد أي كرسي آخر وقربه من الواقفة مشيراً إليه وآمراً بجدية لطيفة:
" تفضلي سيدة ميار....ارتاحي "

أنهى كلماته مقترباً من مكتبه يستند عليه بظهره شبه جالساً وهو يكتّف ذراعيه مضيفاً بذات النبرة :
" لم تقولي سبب قدومك!....بماذا يمكنني أن أخدمك ؟!....."

نظر لساعة يده وأكمل:
" لا يوجد معي الكثير من الوقت!...لطفاً اخبريني لأخرج...."

كانت نار تضرم داخلها تحرقها وحدها ...تعرضت لموقف محرج أمامه....وسبب قدومها هو الشرارة الأساسية أساساً وليزيد على الطين بلة رؤيتها معاملته الظريفة مع المنقبة (دارين) التي لم يرسم لها عقلها سوى أنه يربطه علاقة بها وخاصة شعورها بالتفرقة بين اثنتيهما بالمعاملة !!.......كانت لا تدري أي نار تطفئ !..كأن كل شيء تكالب عليها !!.....ما هذا اليوم الشنيع وما هذا الحظ العاثر؟!......مشاعرها المحترقة وظنونها جعلتها تجيب بفظاظة:
" شكرا سيد أحمد لن أجلس....أتعبت نفسك عبثاً......."

وبحركة تهديدية رفعت سبابتها تحركها وهي تردف هامسة من بين أسنانها:
" لكنك ستسمعني مجبراً ...قلت نعم أو لا.....لم آتي الى هنا لأتسلى معك أو أضيع وقتي ووقتـ..."

أسلوبها الآمر والفظ أستفز كبريائه الرجولي فاستقام يخطو نحوها يرميها بنظرات حادة قاطعاً جملتها وهو يقول:
" ألا تلاحظين أنك اجتزتِ حدودك معي؟!...من أكون ومن تكونين لتحدثيني بهذا الأسلوب؟!......"

وبأنفة وشموخ رفع سبابته أمامها ليكمل:
" أنا لا أجبر على شيء لا أريده ولأني أريد الآن....فقط.... سأسمعك..."

استجمعت شجاعتها وقابلته متأهبة بوقفتها تحاول السيطرة على دقات قلبها الوجلة والمقهورة منه بينما احتقان مقلتيها فضحها وهي ترد بصوت مهتز:
" لا حاجة لأكون أو تكون كي ..."

تركت جملتها مبتورة بمنتصفها وسحبت أنفاسها بهدوء لتهدئ من انفعالها وقالت وهي ترفع كفيها :
" حسناً حسناً .....أنا أتفهم أن لطافتك تلك من حق خطيبتك لكن هذا لا يعني أنه يحق لك أن تعاملني ببرود أو غرور وخاصة أني ضيفتك .."

وأسدلت عينيها مطأطئة رأسها وهي تهمس :
" الغير مرحب بها.."

لما كان قد رأى تلألؤ بنّ عينيها من الدموع دق قلبه رحمة وضعفاً ولكن كلمتها استوقفته من الضياع بضعفه أمامها وخاصة أنها أعادتها الآن بصورة جادة للغاية فرد في الحال متعجباً وهو يرفع حاجبه:
" خطيبتي ؟! هذه المرة الثانية التي تقولينها...."

رفعت رأسها تسلط حدقتيها بخاصته وهزته ايجابا متمتمة:
"أجل...خطيبتك تلك....دا...دارين"

توهّج الحب في نابضها وأزيلت غمامة الخذلان من أمامها عندما اخترقت ضحكته العفوية الرجولية مسامعها وهو يقول:
" لا حول ولا قوة الا بالله......دارين هي ابنة شقيقتي الكبيرة المتزوجة هنا في العاصمة....."

ابتسامتها الواسعة الصادقة أسرته فنسي نفسه لثواني معدودات سارحا بها ولم يلحظ دنوها منه حتى مدت يدها الناعمة تضعها على ذراعه بحركة دافئة حميمية وببراءة سائلة مع التماع الحب في عينيها والذي استشعره بحدسه الثاقب ، متناسية كل المشاعر المعقدة التي عاشتها :
" حقا؟!....أنت خال دارين وليس خطيبها؟!"

أيجب أن يطير فرحا من لمستها وقربها ونظرتها ...لأنه المحب الذي لم يحب سواها؟!....أم يزلزل المكان بغضبه وهو الشيخ الحريص الذي يحاول الالتزام بتعاليم الدين يجاهد هوى النفس وفتنة الحياة بمشقة وعناء بتكبدهما وبكل ما أوتي من صبر وخاصة بسبب ارتباطها ؟؟!....اختلطت عليه الأمور في البداية ...ثم ثارت دمائه لما حسم أمره يعيد لذهنه....إنها متزوجة....متزوجة!!.....شدّ على أسنانه غيظا...يا ليته يستطيع خنقها الآن بيديه ..حتى يكفيها يد واحدة فتلك العابثة ...صغيرة ونحيلة!!...كيف تفعل هذا به؟!...لماذا هذا التحرش الغير مقصود؟!...لماذا هذا التلاعب معه؟!....ما نيتها باستفزاز مشاعرها نحوه وهي ليست له .؟!....بل هي تعلم حدوده التي يرسمها لنفسه مع بنات حواء!....إذاً ماذا دهاها؟!......هي مرغمة أن تتحمل هيجانه وانفجار بركانه..وأن تتحمل قوة زلزاله ....سكبت الوقود على قلبه وعلى كل خلية عنده تاقت لها سابقاً وألقت عود الكبريت...لتشعله بكل ما فيه...لتشعل حبه الكبير داخله مع غضبه....لتشعل رضاه بنصيبه ونقمته....بصبره وانعدام سيطرته ....فجعلته بهذه الشعلة أن يهدر بها يقطع كل حبال تحكماته بلسانٍ منفلتٍ لا يخشى لا لومة لائم ولا أن يفقه أي القلوب سيكسر إن كان متعمداً أو لا وهو يبعد يدها بعدوانية :
" كيف تسمحين لنفسك بلمسي وللمرة الثانية وأنت على ذمة رجل آخر؟!..!....."

ليرجع خطوة للوراء ناظراً نظرات فيها الاستصغار تصلها كلهيب النار وهو يتابع بنفس الغضب :
" أنتِ تعلمين حدودي...."

وعادت تعلو نبرته الهادرة المزلزلة وهو يكمل:
" كيف تجتازين الحدود بهذه الجرأة...كيف؟!..."

واستطرد دون أن يصله أي ردة فعل من التي كانت تتجمد مع كل نفس يخرج منه وحرف حتى أضحت كعامود من الجليد لا مشاعر فيه من هول ما ألقى عليها وخاصة عندما نفث آخر نيران هياجه :
" الزمي حدودك معي وصوني زوجك ....لا أستسغ هذه الجرأة.!!..."

لمَ تعيش هذه التقلبات في وقتٍ واحد...ومعه خاصة؟....منذ بداية لقائهما وهي تشعر نفسها تسير راكبة خردة يقال لها دراجة ...عجلاتها من حديد ... تتسلق الجبال فتتخلخل عظامها ويهتز قلبها من شدة المطبات ثم تصل لقمته متابعة بخط مستقيم على رمال ناعمة سكبت أعلاه فتدغدغ روحها وكأنها تلمسها بقدميها وما إن تستلذ بهذا الإحساس حتى يأتيها زلزال يرجف الأرض من تحتها فتسقط من منحدره متدحرجة تملؤها الكدمات ليحتضنها البحر يموج بها بحنية ثم يأتي إعصار يلفظها إلى البعيد......كان هذا ملخص إحساسها بمشاعرها معه وكان كلامه الأخير هو الإعصار الذي لفظها لترتطم بعيداً حيث تكون....!!.....أتبكي؟!....لا والله....أتريه ضعفها كالسابق ؟!....مستحيل.......لن تعطيه المجال أن يعبث معها فيخرج أسوأ ما فيها ....لن ترجوه...لن تبرر له.....تحبه.؟....أجل بجنون!....فهي التي كانت تتغذى على صوته وكلماته ودروسه يوما بعد يوم ليتضخم هذا الحب في قلبها ويرضا عنه عقلها....أحبته بكامل ما فيها ....لكن......تباً لحب سيذلها!......تباً له هو نفسه هذا الأحمق الماثل أمامها لأنه لم يدرك أنها غير مرتبطة!! .....كيف يفكر بها؟!.....فلو عرفها حقاً وآمن بتربية عائلتها لها لعلم أنها مستحيل أن تكون بهذه الأخلاق......زوجة تقابل غريب أو تخون!!.....استعادت رباطة جأشها بنفاذ صبر....أغمضت عينيها والدمعات العصية التي تدفن بنّ عينيها تحاول التمرد لتفضح سر ضعفها وتفصح مدى جرحها....تنفّست دون أن تشعره بأنها تعيد ضبط أنفاسها ...وقاومت القهر بقلبها بجسارة اختلقتها.....ثم حاولت رسم ابتسامة متصنعة والرجفة التي تصاحبها على زاوية شفتيها لم تستطع السيطرة عليها وهتفت بصوت لم يكن هادئا ولم يكن صاخباً....وازنته تخفي به ثورة مشاعرها :
" كان بإمكاني الرد عليك سيد أحمد.....لكني تأكدتُ الآن أن كل الرجال متشابهين ..عديمي إحساس ....وكيف إن كانوا أصدقاء؟!..."

رفع حاجبه كردة فعل أولى يبحث عما وراء حروفها منتظراً استئنافها فاستأنفت:
" لن أضيع وقتي ولا وقتك......والأهم أنا جئتك لغاية ليست لنفسي ورسالتي ليست لك.....أراها مسألة موت أو حياة لشخص ما !!..ولم يكن حلا أمامي غيرك...."

" ماذا تقصدين؟!....عمن تتحدثين؟!"

سؤالين متتاليين نطقهما من فوره يغضن جبينه متلهفاً ليسمع القصة بعدما شعر بخطب ما سيفض مضجعه فأجابت بنفس نبرتها:
" أقصد رسالتي أوصلها لصديقك ذاك عديم الإحساس والمروءة..."

زفر أنفاسه بغضب واحتدت نظرته ليهتف بنباهة بعد أن لاح بباله الوحيد الذي ممكن يربطهما :
" ما به هادي؟!....ماذا تريدين منه؟!..."

ارتفعت زاوية فمها ببسمة مائلة ساخرة تحمل خلفها القهر وأجابت باستهزاء:
" أراك توقعت حالاً.....أم أن هذه الصفات تنطبق عليه فعلا؟!"

باستعلاء ونبرة باردة متهكمة قال:
" التوقع لا يحتاج لذكاء سيدة ميار بما أنه هو الوحيد همزة الوصل التي جعلتنا نقف أمام بعض هذه اللحظة !....أم لك رأي آخر؟!..."

ردت بنفس أسلوبها:
" إذاً توافقني في الشطر الآخر أيضاً.......سيد أحمد."

"الإجابة على قسم من السؤال لا تعطي المعنى كاملا ......سيدة ميار"

قالها وتحرّك بخطواته الواثقة ليصل مكتبه مجدداً يتكئ عليه يسند جسده من الخلف بإمالة صغيرة وكتّف ذراعيه بهدوء وتنهد ثم بابتسامة خطيرة رجولية وصوت ثابت تابع:
" ما به عديم الاحساس والمروءة؟!..."

وقبل أن تفرح بزلة لسانه واعترافه الصريح بما قالت أردف وهو يرفع كف يده المختبئة بسبب تكتف ذراعيه مع التواءة صغيرة ساخرة بفمه ورفع حاجبيه الأسودين:
" بالطبع كما ادّعيتِ أنتِ ....سيدة ميار....لستُ من أقول."

قال كلمتيه الاخيرتين ببطء مقصود ثم عاد يحرر ذراعيه ليتكئ بهمها على سطح المكتب من خلفه شبه مرتكز ويشبك ساقيه خلف بعضمها بشكل مزلزل من فرط الثقة وكأنها أصبحت أمام لوحة رجولية بحتة وهي ترى جسده المتناسق بلباسه الأسود الفاحم وطوله الفارع وعضلاته الساحقة كل هذا يظهر أمامها للعلن ولكنها لن تسمح أن تؤثر بها هذه اللوحة وإن كانت تستحق أن تضع بأفخم المعارض وأولاهما معرض قلبها ...لكنها تبقى مجرد صورة ..خلفها باب.....ويا ليت أنه باب بألوان زاهية إنما باب صدئ تدرك نوعيته منذ أول يوم اصطدمت به!! ....لكن ذاك الغبي الذي يهدر داخلها هو من استلذ بهذه الصدمة بل راقت له كثيراً وأصبح لا ينبض إلا بها ....تباً له من جديد!!....أما الآن ودّت لو تشكره لأنه انتشلها من أفكارها التي انحرفت بها عن الطريق بعد هذه الوقفة المهلكة عندما قال :
" أجل ....أسمعك.....ما به صديقي؟!..."

اقتربت منه بخطى انثوية ناعمة حتى وصلت مكتبه حيث يقف فتحفّزت عضلاته وسخنت دمائه خوفاً من أن تلمسه مجدداً لأنها لو فعلتها سيحطمها فعلاً ويحطم معها قلبه ولن يهتم بذلك ولا بشقيقها الذي يكنّ له المودة.....فبدأ يستغفر بصمت داعياً ألا تفعلها ليتنهد بارتياح تحكّم بألا تشعر به عندما سحبت من جانبه حقيبتها البرتقالية وتخرج منه هاتفها ثم تعبث به قليلاً داخلة معرض الصور وبسبابتها وابهامها تكبرها ودون سابق إنذار تديره وتقربه لوجهه ليمعن النظر فنظر نظرة عابرة دون اهتمام ولم يفهم مقصدها فسأل:
" من هذا ؟!.."

قربته أكثر وأكثر وكم رغبت بأن تصفعه به وتكسر له أنفه الجميل المنمق ليقطر دماً ويلطخ ذقنه المنمنم بإتقان والذي أشعرها بتنمّل أصابعها رغبةً بلمسه ثم ينزل ليشوه طابعه الحسن وينتهي به المطاف يغرق عضلات صدره عسى أن تفوح رائحة الدماء منه بدلاً من عطره الصاخب الذي يتخذه كرمحٍ يخترق به قلبها الغبي !!....تنهّدت تنهيدة بدت له أنها كأنها سئمت منه بينما هي زفرت بها أمنياتها التي خاضتها بقربه وأجابت على سؤاله بسؤال استنكاري قائلة بتشديد:
" برأيك من هذا؟!...ركّز بالصورة جيداً واجبني..."

سحب منها هاتفها بخفة ووضعه بكف يسراه ثم كّبر الصورة أكثر بطرفي أنامله ألطويلة وضيّق عينيه الفحميتين يستجيب لطلبها ...يمعن النظر جيداً بينما هي استغلت الوضع تتأمله من هذا القرب وحرقة بقلبها لسعتها أخرجتها بكلمات أسرتها بنفسها ..." سامحك الله ...لقد ظلمتني بظنك..."...وأبعدت نظراتها عنه بسرعة عندما رمقها بنظرة خاطفة ثاقبة اخترقت قلبها وأحرجتها كأنه أمسك بها بالجرم المشهود ولم تكن تعلم عن انتفاضة السجين المحبوس في زنزانة قفصه الصدري محكوم عليه بالمؤبد مع الأشغال الشاقة ...كانت انتفاضة سببها ....قربها......والتهمة.....حبها!!. ...


" لا تقولي ....هذا .....ابن هادي؟!.."

بجملة مستنكرة متعجبة كلماتها متفرقة كانت ردة فعله بعدما دقق بملامحه وربطها بيني وزوجتي لتسحب الهاتف من بين يديه بعدها وتدسه في حقيبتها مدبرة عنه تبتعد مترين ثم تلتفت بكامل جسدها النحيل وأناقتها لتجيب بكلمات فيها رائحة اللوم:
" أجل....هذا محيي الدين المسكين من لا يعلم والده عنه شيئاً......"

وبضحكة متهكمة تخفي المرار أضافت:
" أرايت لمَ اسمه عديم الاحساس والمروءة..؟!.."

لتلتمع عيناها قهرا وهي تكمل صارخة:
" صديقك.....هجر زوجته ورماها عند الغرباء...."

بدا شريد العقل وهي تلقي قذائفها لكنه لم يحيد عينيه عنها واستمر بالتحديق ليعود لوعيه عندما أكملت صرخاتها التي حاربت بها بكائها:
" لم يسأل عنها أبدا.....عاش حياته لشهور بالطول والعرض والله أعلم إذا ارتبط بغيرها أم لا...."

لتنطق جملتها الأخيرة باحتقار وازدراء تكرر كلماتها :
" صديقك ليس رجلاً.....ليس رجلاً....."

فهّب بعد تصلب عضلاته وانفلات أعصابه مدافعا يدنو منها:
" لا تقولي ليس رجلاَ.......كيف حكمتِ أنه يعيش حياته بالطول والعرض....ماذا تعرفين لتلقي تهمك الدنيئة عليه؟!...."

دنت منه مثلما دنا متحدية ومطت جذعها متحفزة تسلط عيناها بعينيه صارخة:
" يكفيني أنه حيّ ولم يسأل عنها ولم يعرف أن له ابن منها كي أحكم وأقرر أنه ليس رجلاً......لا تدافع بعاطفة كونه صديقك..."

" الذنب ذنبها.....كيف تخفي عنه أمرا مهما وخطيرا كهذا؟.......اذهبي وحاسبي صديقتك ولا تضعي اللوم عليه.."

" هو من هجرها ....لن تذل نفسها وتلحقه..."

" هي من تخلت عنه.....تحمد ربها أنه لم يقتل لها والدها المجرم الحقير "

وأردف بنبرة أقل ارتفاعا بعدما تذكر سبب الهجران الذي أخبره عنه (سامي) سابقاً:
" ثم هو هجرها لسبب تستحقه.......لم يجرم بحقها.....لم يجبرها على نفسه ولم يطلقها لتنهشها كلاب الشوارع......وكان سيعيدها..."

أجابت على آخر كلمتين بسخرية:
" كان سيعيدها!! .....فعل ماضي.....مرت شهور ولم يعدها....إذاً هو المذنب!..."

وأردفت تعلق على ما قبلها:
" صديقك تركها لوقت...لا هي متزوجة ولا هي مطلقة....تركها معلقة ليس لها به شيء غير اسمه فقط.....واسمه لن ينفعها......لن يحميها....لن يطعمها ولن يسقيها......على ماذا تتبجح أنت وهو؟!...."

" سيدة ميار....انتبهي لكلامك!.."

زجرها بحدة فتابعت بحسرة ولوعة:
" أجل على ماذا تتفاخرون والحقيقة أنها معلقة......تعيش في فقر يكاد يكون مدقع....لا مصدر رزق لها ولابنها.....لا بيت خاص يأويها......تعيش على أفضال الغرباء.....تخيّل أن لا مربية لها تحبها وتحتويها......ماذا كان سيكون مصيرها وابنها..؟!!......أهذه البطولات خاصتكم..؟!.....أهذا انجازكم؟!!.........لا تدافع عن الباطل رجاءً.....أنا أحملها قسم من الذنب أجل!.....لكن الذنب الأكبر ذنب صديقك.....هو المسؤول عنها....هو صاحب النفوذ ....صاحب الكلمة.....تقول لم يجبرها عليه ولم يطلقها....ليته فعل إحداهما.......ليته حملها وحبسها في غرفة في بيته ولا الحياة التي تعيشها الآن.....ليته طلقها وجعلها تشق حياتها مع إنسان يفهمها ويحتويها......!!"

لم يعد يستطيع أن ينكر أي شيء....ألجمته كلماتها...كل الأفكار وكل الحوارات التي كانت بيننا حضرت بذاكرته بقوة...نصحه لي...طلبه مني ....كلامها يشبه كلامه....يراها محقة...أجل محقة...لو فكر عقليا ومنطقيا هي محقة... لكن قلبه يعلم وأكثر من يعلم عن المعاناة التي خُضتها كل هذه الشهور وبأي ظروف مررت.ُ.....يعلم عن الحرب والعجز ثم النهوض بالدولة ...وكلها لا ذنب لي بها.....!!.....سحب أنفاسه بعمق وزفرها بتروّي بعد أن فرك زاويتا عينيه بإبهامه وسبابته ثم حاول الحفاظ على هدوئه قدر الإمكان كأنه يريد هدنة بينهما ليكون التعقل والحكمة هما الحاضران دون العاطفة والانفعال وهو يطلب منها برزانة ووقار دون أن يلمّح عن أي شيء يخصني أو يبرر:
" أجل سيدة ميار!!...ربما أوافقك على بعض الأمور...لكن رجاءً اخبريني الآن وبهدوء القصة كاملة من البداية!!. تفضلي اجلسي.."

اشار لها لكرسيه الوثير ففعلت وهو عاد ليجلس نصف جلسة على سطح المكتب فشرعت تقص له الحكاية من البداية حتى النهاية ...كان مصغياً بكل جوارحه إلا من مرات قليلة يقاطعها مستفسرا أو معترضا بحكمة وعقلانية وبعد مرور دقائق كثيرة أنهت كلماتها تنهض من مكانها تشعر بالإرهاق بعد كل هذه المشادات لتقول بتشديد وهدوء :
" يعني أخبر صديقك.....من تجرأ وطرق الباب ليرتبط بفتاة على سنة الله ورسوله عليه أن يكون على قدر هذه المسؤولية.....عليه أن يكون سندا لها....أن يحافظ على بيته معها....وأن يصونها كما واجب عليها هي صون زوجها ...هما الاثنان مخطئان لا أنكر.....وكل واحد منهما سينال حسابه ...هي نالت حسابها...."

وأضافت بنبرة غاضبة هازئة:
" أما بالنسبة لصديقك لا أعلم .....ولكني أتمنى حقاً أن يلقى عقابه الذي يستحقه إن ظلمها......."

لم يعلق على آخر كلماتها ...انتهى الكلام بينهما وإنتهى دورها....وقالت سلامها ....فهي شعرت أنها أدّت رسالتها وقامت بمهمتها والآن حان دوره....رأت غضبه وحنقه وقلة رضاه على ما سمع لكنه حاول المحافظة على تماسكه دون أن يبدي لها ردود فعل أو رأيه ولا تعلم ماذا ينوي؟!... ....تنهّدت تعيد اتزانها تنهيدة أخرجت معها لوعة قلبها من نار الحسرة التي تتلظى بها من لحظة الفراق هذه .....لقد جاءته تحمل رسالة وشوق...طموحها كان عالٍ وأمانيها كثيرة.......رسمت الكثير بحبر الحب الذي يملأ قلبها ....لم تتوقع أن يكون لقاءها به بهذا الانشداد... تحيطه هالة من التوتر بين الصد والرد....تملأه مشاعر متضاربة تنتهي بها مهانة أو متهمة.....تعلم أن لسوء الفهم النصيب الأكبر ليصلا لهذا الحال.....لكنها توجعت ...تألمت...احترقت من أسلوبه الفظ معها.....شيخها الوسيم يهينها بطريقة بشعة لم يستوعبها عقلها......تدرك بل تدرك جيداً أنه لا يجيد التعامل مع النساء ولا التغزل ولا اللطافة.!!....وكم تحب هذا به!!...إنه رجل طبيعي واقعي صريح لا لف ولا دوران عنده!!.....ومع هذا واثقة أنه يخبئ بشخصيته الغامضة لها الكثير من الأشياء الجميلة التي لم تصلها بعد.....ولن تصلها ...لأنه لن يكشف عن كامل شخصيته وحياته إلا لزوجته وامرأته الوحيدة......عند هذا الخاطر خفق قلبها غيرة عليه رغماً عنها....لن تتخيل واحدة أخرى تتنعم بهذا الغموض الرجولي الذي اشتهت اكتشافه....ولكنها هي (ميار كمال زيدان ) ابنة العز والنسب ستقبل بكل شيء منه إلا هذا الاتهام القبيح.....وإن كان ذنبها..!!..عليه أن يتحكم بما يخرج من فمه لأي امرأة كانت......أم هذا يفعله معها فقط؟...تساءلت بنفسها " هل لي تأثير عليه وأنا لا اشعر؟!...أتكون ردوده عنيفة بسبب صراعه بين الحب والحرام؟!....." ...هي تعلم أنه كان يحمل لها بعض المشاعر وإلا لم يكن ليطلب يدها....!!.....زفرت أنفاس أسية وفكرت...بوالدها وبشقيقها.. صديقه...ربما لن تجد فرصة أخرى للقاء......لذا لأنها (ميار كمال زيدان) وشقيقة (قصيّ كمال زيدان) لن تعطه الفرصة للابحار بظنونه وعلى هواه فيتضرر أهلها....هي خلوقة ذات تربية حسنة وستُعلمه ليس لغاية في نفسها بل....ليبقى شأنهم مرفوعا ولا يتسلل أي خيط من الشك يخدش سمعتها....ولته ظهرها مدبرة تتهادى بمشيتها وكل هذه الخواطر تكالبت عليها وأنهكتها....توقفت في منتصف الغرفة....استجمعت قواها....ابتعلت ريقها وشعرت بالعلقم ينزل لمعدتها.....استدارت واهتزت حدقتيها ثم التمعت بدموع أبية وهي تهمس بصوت رقيق انثوي إنما واثق فيه القوة والشموخ:
" سيد أحمد...!!.."

كان الآخر يوليها ظهره لما ألقت سلامها....ليست قلة ذوق منه...إنما لأنه عند لحظة الفراق انقبض السجين المنتفض في صدره ...لا يرغب برؤية صورتها راحلة ...جاهد ليفعلها كي يستوعب قلبه وعقله أنها ذهبت وهي ليست له...إنما لم يقوَ...ذاك القويّ الثائر المقدام الذي يدك الأعداء دون عناء ودون أن ترمش عينه...لم يقوَ على الوداع!.....استدار نصف استدارة مستجيباً لندائها مع رفعة حاجب.....تقدمت خطوة صغيرة...فاستدار بالكامل وتقدم خطوة أكبر ....كلٌّ حسب مقاسه!!.....خطوة شعرتها خطيرة على قلبها ....لعب الفأر في صدره وهو يلمح أن بفمها كلام وملامحها البشوشة كلها شموخ....ثم بصوته الجاد المتزن قال وهو يناظرها:
" أهناك شيء سيدة ميار؟!..."

تبسمت بعد أن اكتسبت شيئاً من الثقة وكمد الهوى والجوى يتلاعب في نبضاتها .....تنحنحت هاتفة بهدوء وثبات مع لمحة مزاح:
" أتذكر في الماضي لما أتيت لبيتنا لأنك تسرّعت بالحكم عليّ؟!.."

تنحنح خجلاً هاربا بنظراته ثم أعادهما إليها من فوره بثقة جادة يتقنها:
" أجل...جئت واعتذرت!!.....ما الذي ذكرك به الآن ؟!"

ردت بذات الابتسامة والهدوء والثبات :
" أنا أتيتُ الى هنا....لمهمة بتّ تعرفها....ولم أكن أريد أن أبرر لك ما سأقوله الآن ولكن بما أن شقيقي صديقك ولربما تلتقيان لم أقبل أن تنظر لعينيه وأنت تأخذك ظنون السوء في أخته..... ولا أريد أن يؤنبك ضميرك كالسابق فتضطر للسفر هذه المرة تحمل ورودك واعتذارك...ولنفس السبب...تسرّعك بالحكم عليّ..."

قطب حاجبيه باستفهام وعاد ينتفض ذاك السجين في صدره إنما برهبة أكثر من الحب منتظرا كلامها لأين سيوصله وهتف بإيجاز:
" القصد؟؟!..."

" لم آتي الى هنا خلسة ولا هاربة....أتيتُ رافعة الرأس برضا من أبي وأمي ودعم أخي......"

قاطعها معترضا:
" رضا زوجك أهم !!......سيدة ميار......"

شقت ثغرها ابتسامة أوسع أظهرت ثناياها فأجابت:
" بالطبع.......عندما أتزوج......لن أتحرك شبرا واحدا دون أمره ورضاه.....فأنا تعلمت الدروس منك يا شيخ أحمد..!!."

استعصى عليه الفهم فقال بتيه:
" لم أفهم!!...."

أجابت تحرجه:
" أقصد أنا لستُ متزوجة الآن ولم أتزوج ابن عمي أساساً.....فسخنا عقد القران من شهور...!!.....يعني اتهاماتك لي باطلة!...واسمي......آنسة ميار!......."


أنهت كلماتها هامسة قبل أن تستدير لتفر هاربة قبل أن تنهار حصونها وتتساقط دموعها...!..:
" دمت بخير سيد أحمد.....عن إذنك!!..."

أكملت خطواتها المتثاقلة نحو الباب المغلق وهو ينظر في أثرها شارداً....شتم نفسه في سره بعد استيعابه لتهوره المعتاد مع جنس النساء اللواتي يلزمهن خبير ليعلم ما يدور في عقولهن وكيف يعاملهن "..أحمق...ثور...سحقاً لغبائك!!..." وما إن فتحت الباب حتى انتفضت مجفلة ترجع للوراء عندما أغلقه بقوة بكفه وأصابع يسراه الطويلة مستنداً عليه ناكساً رأسه يضغط على شفتيه مفكراً كيف سينطقها لسانه وقد كانت هي تنظر إليه واضعة يدها على صدرها تهدئ ضربات قلبها متوقعة بل أكيدة أنه سينطق اعتذاره وهذا أقصى ما يمكنه فعله...فالباب يبقى باب ...صدئ او مدهون!!.....لتتفاجأ لوهلة فاغرة فيها ثم تعود لتتحكم بملامحها الطبيعية كي لا يمسك شيء عليها عندما زفر أنفاسه ومعها كلماته وهو ما زال على وضعه لا ينظر إليها:
" هل تتزوجيني ؟!"

~~~~~~~~~~~~~~~~~

مسرعاً ساخطاً والطريق طويل ....ينفث لهباً ..في باله مهمة وأمانة ورسالة....سيوصلها في طريقته بلا شك.......يخشى الا يسعفه الوقت ..يسابق الريح عليه أن يصل بسلام دون تأخير ....قرابة الثلاث ساعات وأقل تفصله عن المدينة الجبلية ....يفكر بكل ما حصل معه لليوم وماذا سيفعل غدا؟!..... كل أعصابه متحفزة قهرا تحمل بحور من العتاب.....الآن الساعة الثانية عشر ظهراً......وزيارة والدها في السادسة والنصف مساءً.....الذهاب والعودة يستغرق حوالي الست ساعات....العجلات تدك الشارع من تحته والغضب يدك القلب في صدره........قبل حلول العصر وصل بيتنا الجبليّ......كنا نجلس نحتسي الشاي أنا وصديقيّ الأشقر و(بلال) نستظل تحت الشجرة في حديقتنا الغناء بعد مرور أسبوعين وأكثر على عودتنا من آداء العمرة أنا ووالدتي......ولم أكن أخبر أحدا عن خطتي للذهاب إليها الأسبوع المقبل.... إلى بلاد اللجوء وسمائي أي يوم اجازتي الأسبوعية بعد أن قطعت تذكرة ذهابا وإيابا ليوم واحد بسبب أعمالي!!.....ونيتي كما قررت سابقاً ...مقابلتها لأشعر في كل حواسها وهي تختار الإجابة على سؤالي.....ما بين لم شملنا أو انفصالنا الرسمي!.....ترجل غاضباً من سيارته....تاركا المحرك يعمل والباب مفتوحا......شيخنا الوسيم متجهم الملامح!!....رمقناه بنظرات مبهمة لا نعلم سبب حالته وهو يقبل إلينا بعزم....والأدهى هذا ليس وقت عودته من العاصمة... ..لأول مرة في حياته لا يلقي السلام....فحاولت أمازحه قائلا بينما لم أدرك ما نيته من خلف نظراته الحانقة التي جعلت حدقتيه الفحميتين تزيد قتامة :
" وعليكم السلام يا شيخ أحمد...خير ...ما بك؟..."

" لا سلام ولا كلام..."

ألقى جملته ليلقي خلفها لكمة على جانب وجهي يباغتني بها لم أستعد لها وهو يهدر متهكماً بغضب:
" تحتسي الشاي مسروراً.....وابنك محيي الدين ....يعيش مشرد عند الغرباء في تلك البلاد ....لا تعلم عنه جائعا كان أو بردانا يا سيادة قائدنا العظيم..!!.."

**********(( انتهى الفصل التاسع والثلاثون))**********

قراءة ممتعة إن شاء الله...

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 18-02-24, 01:59 AM   #2996

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل 39 الجزء2
الشطر الأول.....

وتتوه نفسي بين دروب كلمات نسجت بحريرها البراق كونا سرمديا.. يتفتح وكأنه جنة القلوب.! ينبسط سهولا وحقولا ممتدة الأطراف تقيم حدودها على جنبات الروح وتندمج بها حتى تخالط كل أوصالها..!
من كان يدري أن للكلمات سحر قد يفوق بعظمته كل مظاهر الجمال المتجسد على هذا الكوكب بمادة أرضية فانية.. فقد كانت حروفك مرآة للروح في أجل صورها وأعظمها.. نبصر من بين طياتها عالما روحيا عظيما يسلب الألباب...!
منذ البداية فإن خيوطا سحرية تمتد لتأسر القلب وتسحبه بسلاسة ونعومة كأنها أثواب من حرير...
فلا يبصر للمرء نفسه إلا وهو ضائع بين فلك الكلمات..!

هدهدنا الحبيب أراه روحا حقيقية من الأرض المقدسة قد تجسدت في كيانك وتلبستك لحظة الكتابة لتوحي لك بمشاعرها وأحاسيها..فكيف للمرء أن يشكل فقط من الخيال شخصية بهذه الواقعية والقوة..! لا أراها إلا إعجازا..!
بين الأحزان والأفراح..! وكأن السعادة تصر بعناد أن تأتي منقوصة فالنصر الذي يدنو من أبطالنا عهدا بفوز أهل الحق.. والزائر الجديد سليمان.. أتيا مع مصاب هادي الجلل..! ورغم حزن قلبه أن يحتاج للعون ويشعر بالعجز رجل بعزة نفس عظيمة وكبرياء.. لن يهون عليه أن يحس بحاجته للأخرين في أكثر أموره خصوصية..! وقد كان هادي الذي يقدم العون للناس دوما وليس العكس..! إلا أنه ما كان ليتجاهل أفضال الله الكثيرة عليه... وخصوصا أنه لا يدرك بأنه صار أبا..!
غير أن الحزن والتعب كان فوق طاقته قد تراكم قاسيا على صدره..!

كم برعت حبيبتي بكلمات ساحرة ممتلئة بالحياة في أن توصلي كل مشاعر هدهدنا إلينا..!

يا الله سامي المجنون أخذ قلبي..! كم إشتقنا حقا لحظات السعادة الآسرة هذه داخل مطبات الحياة المليئة بالدموع والأحزان... !
كم بدى المشهد ساحرا بسعادته التي ترفرف بها النفوس في أعالي السماء..! صراحة لا أصدق أنك أنت يا كئيييبة من كتبتيه.. إعترفي بصراحة من أين سرقتيه ونحن "عزوتك" سنستر عليك..!
حقا المشهد كان بديعا جدا.. مبهورة كيف رسمتيه بكل هذا الكمال.. وقد رسمت البسمة من بين سحب الدموع..!
فرحة سمسم العظيمة بولي عهده مرفوقة بفرحة النصر.. وقد أغرق أحباءه بالهدايا ونساني البغيظ كانت شكولا لتكفيني..! لكنني صاحبة القلب الكبير سأسامحه..
رغم أن عرقي الشرير يتوق لرؤية ملامح وجهه حين يعرف أن طفل هدهد قد سبق صغيره لهذه الدنيا..!
المجنون كاد يوقف قلبي رعبا وهو يعطي الطفل المسدس..! خفت أن يرضعه الصغير او يضغط عليه فتصبح مصيبة... والحقيقة حتى أنا لو كنت هناك كنت سأفعل أكثر من دنيا..!
لكن والحق يقال المشهد أسرني جدا وهو يضع تلك الأصابع الصغيرة الناعمة على المسدس.. كأنه يحمل الطفل عهد الأحرار..! ويرضع إبنه منذ الصغر شجاعة الأبطال..!

لا حقيقة وبجدية أخبريني من أين سرقت هذه الروح الجميلة المليئة بالفرح والشقاوة.. ياااه ذكرتيني في لحونتي القديمة والتي إشتقتها بجنوووون... صراحه معذورة أم أنوس تناديك بالتفاحة الوقحة... هههه يا الله أخذت قلبي وقاحة سمسم الحلوة.. "وحظا سعيدا.." يااا رب همووت عن جد.. قال بده يعمر البلاد... سمسم الحلو المجنون.. أضحكني وهو يكتشف أن هناك مشاكسا صغيرا سيعطله عن أعماله المهمة ويسرق منه زوجته... لكن يتملكني فضول عظييييييم لمعرفة نوع المسابات التي أطربت دندونة بهم أذان زوجها المسكين..!
دندونة الحلوة التي أجادت ترويض أسدها بدلالها الحلو لتبعد عنها العقاب..!

يا الله يا لحوونتي أحتاج حقا لعطلة تجمعنا جميعا في البيت الجبلي الذي أخذ له هدهد الكئيب أكثر منك... يا الله مجرد تخيل المشهد يريح النفس..!
لكن هدهدنا يشبه الأسد الجريح وهو ينكمش على نفسه حزنا وإستياءا يبصر مصيرا لم يظن أبدا أن الحياة سترميه بها..!

حبيبتي ألمى الجميلة.. المحاربة الرقيقة..! كم هي قوية وهشة بنفس الوقت..! تحملت مصاعبا كانت لتهد الجبال لكنها لم تستلم لشيء وظلت تحارب دوما.. رغم كل أثقال الألم التي كسرت ظهرها..! حتى وهي في عز حزنها وتكدر نفسها.. لم تعارض ذهابها للطبيبة.. وماذاك إلا رغبة في تغلبها عن مخاوفها التي تكبل روحها في جحيم قاس..!
كم أشفقت على تلك الرقيقة التي تخاف على إبنها من حبها..! وكم هو سبب عجيب..! لكنه معقول بعد الخسارات الأليمة والمتتالية التي تعرضت لها..!

يا الله كم رفرف قلبي للقاء الجميل بين الأم وطفلها الصغير وقد صدق شعوري حين قلت أن الطفل سيسمى محيى الدين.. وكأن والده حقا من أسماه رغم بعده..!
قهو فعلا قد كتب إسمه بالسماء ليكون خليفة جده ووالده مكملا تاريخ عزة وصمود..!
ألمتي الحلوة لا غيرها بستحق أن يكون أما وهي نبع للحب والحنان..! لكن بالتأكيد لن يكون هذا التغيير بسهل عليها.. !

يا الله هدهدنا الكئيب الذي أثار سخطي فاق تحجر رأسه وتيبسه تحجر رأس ألمى..! يا سبحان الله كم يشبه كاتبته..! الكل محيط به يدللـه وبغمره بحبه والسيد قالب بوزو.. مكشر كعشماوي لا يفتأ يعدم أمال أصدقائه المساكين وهم يحاولون إنتشاله بلا أمل من الهوة السحيقة الذي يمرغ فيها نفسه..!
سمسم المسكين حبيب قلبي فاض به الكيل ودلال هذا المفعوص لم ينتهي.. وحتى حب وإهتمام العالم لم يكن يحركه..! الكئيب لا يأتي إلا بالعين الحمرااا.. من يصدق أنه جعل جبل الجليد القطب المتجمد ينفجر كبركان من حمم يحرق معه كل شيء..!

ومن الجميل أن هدهدنا الحبيب رجع لتعقله ليعود ليمارس حياته بعزيمة الفهد الذي لا تكسر..!
فيحارب لإستعادة عافية.. حتى يسترجع ما فقده..!

يا الله هدهدنا الحبيب أصبح قردا..! يا ربييي على الحلاااااوة...! لم يعتق الشجرة المسكين وتسلقها يجرح نعومتها... مع صديقه الذي شاركه جنونه... يااا الله متتتت وأنا أرى سمسمنا الحلو يجلب لومي اللذيذ لحديقة القرود..!
يا الله لا تتصورين ماذا فعلت بي لحووونتي وأنا أشتهي بجنون ملاعبة طفل حلو وأكله قبلاااا.. يا الله العصفور الحلو أتخبله أمام الجيش الرجولي الغوريلات المخيفة وهو حلو لذيذ..!
يا ربي متتت والمجنون سامي قرر أن لا يجلب حفظات الطفل قال أوصاه قال..! كارثة زرقاء..!

يا ربي متتت وشمتت في الرجال وفعلة الصغير تجعلهم في حالة نفير..! وهم يسعون لإخفاء أثار الجربمة الشنيعة..! وقد خاب أمل سامي الذي عول على طلبه..!
لكنني حقا شمتت وفرحت وهو يدعو على أحمد نفس دعوتي بزوجة تترك كل متاعب البيت والاطفال علبه.. وان شاءلله توأمين يسودان عيشته ياا رب..
ثقيل الدم ذاك الرجل لا أطيقه.. ااااع...

يبدو أن الزوجين المتنافرين عدا لحياتهما الطبيعية.. كل فب مكانه.. فها هي ألمى الحلوة مع صديقتها تمضي بجد تحقق نجاحاتها الصغيرة بالحياة.. كأم وسيدة أعمال..! حياة عجيبة قد تبدو غريبة عنها.. لكنها أجادت بجدارة أن تتأقلم معه..!

ما أحلى ألمتنا الحبيبة وهي أم حنونة تهدهد طفلها بكل حب حبن تلتحم روحها بطيف حبيبها البعيد.. فرغم نقمتها عليه إلا أن قلبها يهفو له على الدوام شوقا...!
كم كانت عاشقة وفية وهي تتبع أخبار حبيبها بما تسنى لها وقلبها في ذاك دليلها...

وقد نال الشريف هادي ثمن جهاده وصبره وسعيه للحق لينال مرتبة شرف هي تكليف له من أجل أن يرعى مصلحة الوطن.. ولا أكثر عدالة في الدنيا من أن ينال الحكم من يستحقه ويستحضر الله في وطنه وأهله..!
فهل كان يدري أن حبيبته على الضفة الأخرى تنتظره بكل حب ووفاء!!
ومن الجميل أن ألمتنا وولي العهد كان يشهدان نجاح هدهدنا من مكانهم ذاك..!

وها هي الأشهر تمضي وبطلنا قد شق نجاحه الساحق يمضي في حياته العملية...
وفي الجانب الاخر أتت ملاكنا الجميل مع طفلها الحلو حتى تزور والدها الخائن وتنال من سمومه البشعة..!


نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-02-24, 03:50 AM   #2997

Mon abdou

? العضوٌ??? » 449919
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 333
?  نُقآطِيْ » Mon abdou is on a distinguished road
افتراضي

شكرا شكرا شكرا
عايزة أحط الفصل فى برواز وخاصة آخر جملة لأحمد وأفضل أتفرج عليه.


Mon abdou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-02-24, 12:53 PM   #2998

Mme baza

? العضوٌ??? » 451252
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » Mme baza is on a distinguished road
Rewity Smile 5 رواية

لم استطيع قراءة الرواية:

Mme baza غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-02-24, 02:32 PM   #2999

زهر العمر

? العضوٌ??? » 371433
?  التسِجيلٌ » Apr 2016
? مشَارَ?اتْي » 4
?  نُقآطِيْ » زهر العمر is on a distinguished road
افتراضي

روووووووعة يسلم قلمك

زهر العمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-24, 03:31 AM   #3000

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.مساء الفل لألحان الدنيا الجميلة

ما أجمل آقتباساتك ياقمر
بمجرد ما بدأت في قرائتها حتى تذكرت تماما
فالإبداع الجميل لا ينساه أحد
والاجمل يا قلبي هو عنايتك بكل شئ
حتى ذاكرتنا يا اميرة الحنان

وهذا يحمسنا جدا للفصل الجديد
نفسي هادى يعرف إن عنده ولد
هيبقي عنده حافز إنه يقف على قدميه سريعا

ربنا يسعد قلبك حبيبتي يا منبع السعادة كلها
مسائك أحلى من السكر لحونة قلبي الغالية

شيزوو الغاالية حبيبتي ورفيقة دربي اااسفة عالتأخير بالرد ...بس والله بصعوبة كنت آكل وانام هالفترة لحتى ربنا افرجها ونزل الفصل بحمد الله ....اتحملوني رح ارد شوي شوي عليكم هالفترة خاصة مع امتحانات اولادي اللي استقبلوني فيهن بعد تعب الفصل ههههه....وطبعااا حب كبييير بقلبي الكن يا اغلى ناسي ع المفاجآت اللي عملتولي اياها وبكتنيي....رح اعلق بالتفصيل ان شاء الله وقد ما احكي رح كون مقصرة باللي عملتنه ❤❤❤

وطبعا مع قراءة اافصل عرفتي سبب نهوض هادي وتحدي عجزه ههههه


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:55 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.