آخر 10 مشاركات
1- لمن يسهر القمر- روايات أحلام القديمة- آن هامبسون (كتابة /كاملة)* (الكاتـب : جين اوستين333 - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          طوق من جمر الجحيم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : samar hemdan - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          شيء من الندم ..* متميزه و مكتملة * (الكاتـب : هند صابر - )           »          281 - أميرة رغم عنها - صوفي ويستون **تصوير جديد** (الكاتـب : Hebat Allah - )           »          و أَمَةٌ إذا ما ابتُلِيَت في شرَكٍ ما جنتَ *مميزة* *مكتملة* (الكاتـب : فاطمة عبد الوهاب - )           »          استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          تبكيك أوراق الخريف (4) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

Like Tree17Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-01-22, 01:44 PM   #21

noof11
alkap ~
 
الصورة الرمزية noof11

? العضوٌ??? » 308652
?  التسِجيلٌ » Dec 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,052
?  مُ?إني » ف قلوووب المحبين
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » noof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond reputenoof11 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


يسلموا ع الروايه الجميله



noof11 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-01-22, 01:24 AM   #22

تغريد حمص

? العضوٌ??? » 426893
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 40
?  نُقآطِيْ » تغريد حمص is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايدك شكلها مشوق يعطيك العافيه

تغريد حمص غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-01-22, 02:03 AM   #23

اريج البنفسج

? العضوٌ??? » 133270
?  التسِجيلٌ » Jul 2010
? مشَارَ?اتْي » 357
?  نُقآطِيْ » اريج البنفسج is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اريج البنفسج غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-22, 10:51 PM   #24

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن

لاحظ ياسر تأخر أمجد وسحر عن الباقين إلا أنه كبح جماح نفسه، ولم يطاوعها بالذهاب إليهم، لكن بعد مرور عشر دقائق لم يتمكن من الصبر أكثر وقبضة قاسية صاحبها شعور سيء جدًا سيطرا عليه، ولم يعد هناك بد من التوجه للبحث عنهما، فوجد سحر منحنية عند السلم، وبجانبها أمجد، فاستدار؛ ليعود من حيث أتى، ولم ير انتفاض جسد سحر بشدة كأنها تصعق بالكهرباء، ولا ذلك الألم الشديد الذي بدى على ملامحها الشاحبة عندما أمسك أمجد بها صارخًا:
"سارة".
لكنه سمع صياح أمجد، والتفت إليه، وما إن رأى عنف حركة سحر حتى أسرع للنبع يهتف:
"دكتورة سارة، سحر تحتاج لكِ، ستجدينهم عند السلم، إن احتجتِ أي مساعدة ناديني سأكون بالقرب منكم".
أسرعت سارة إليهما، وما أن أبصرها أمجد حتى قال:
"لقد سقطت فجأة، ولا أدري ماذا بها؟!".
وأمام عنف تشنجات سحر وقفت سارة ذاهلة لثانية قبل أن تتحكم بذاتها، وتسرع بإمساكها قائلة:
"مددها أرضًا، وثَبِّت رأسها على ذراعك قدر الإمكان".
ثم قامت بحل وشاحها بعدما فكت أول زرين من قميصها؛ حتى لا تختنق، وكبلت جسدها بكل قوتها، فسألها أمجد، وقد ظنها نست من شدة الخوف على سحر:
"ألا يجب أن نضع طرف وشاحها داخل فمها؛ كي لا تؤذي لسانها؟!".
أجابته بمهنية، وقد تمكنت من استعادة سيطرتها الكاملة على نفسها:
"لا يجب وضع أي شيء أبدًا داخل فمها، ذلك قد سيسبب لها مزيدًا من الضرر، أو تختنق لا قدر الله".
استمرت نوبة التشنج لدقيقة ونصف، أمالتها سارة عقب انتهائها على جانبها، وأبقت رأسها على ذراع أمجد بيننا تتفحصها جيدًا؛ لتتأكد من عدم تأذيها أثناء نوبتها، تحمد الله على سلامتها، وقد جنبتها الرمال الناعمة وإسناد أمجد لها إصابة رأسها، ثم قالت:
"سنتركها هكذا حتى تفيق، ثم أحملها لخيمتنا ستحتاج للراحة بالتأكيد؛ كي تسترد قوتها".
خمسة عشر دقيقة مرت عليهما كساعات قاسيات حتى تحركت سحر ممسكة برأسها، والتعب الشديد ينضح من قسمات وجهها الباهتة، تتأوه قائلة:
"رأسي يؤلمني بشدة".
جلست سارة على ركبتيها، ولفت وجه سحر إليها برفق، ثم سألتها:
"حبيبتي بماذا تشعرين أيضًا؟".
صمتت سحر تمامًا، ولم تجبها، فجُن أمجد من القلق عليها، وسأل سارة بخوف:
"ماذا بها؟، لِمَ صمتت هكذا؟".
وعلى الرغم من خوفها الشديد إلا أنها قالت:
"طبيعي جدًا أمجد، فلأول مرة يحدث لها هذا التشنج مشكلًا مجهودًا زائدًا على جسدها المتعب أصلًا، كما أنها على الأغلب تشعر بالتشتت، احملها بحذر سنذهب؛ لإجراء فحوصات لها".
حملها أمجد بحرص بالغ بينما يقول لسارة:
"لِمَ حدث لها ذلك؟!".
مطت شفتيها بينما تستوي واقفة، ثم قالت:
"هذا ما يحيرني، لا أجد أي تفسير منطقي أو سبب ظاهري مفهوم لتشنجها هذا، ستخبرنا الفحوصات بحقيقة ما حدث".
ثم قالت بعدما انتبهت لحجاب سحر المحلول عن رأسها الذي سهى عنه أمجد:
"انتظر قليلًا".
وأعادت تثبيته بخفة، ثم ذهبا تجاه النبع مارين بياسر الناظر للإتجاه الأخر شاردًا يقلب بصره في الأفق، وما أن مرا من جواره، وخاطبه أمجد حتى انتبه لوجودهما:
"انتظرني أحتاج للتحدث إليك".
ثم وضع سحر برفق في الخيمة، وعاد للتحدث مع ياسر أولًا، ثم جمع الفريق يقول لهم:
"سيتولى ياسر المسؤولية في غيابي إن تأخرت للغد بنويبع، أختي مريضة، ويجب أن أذهب بها للمشفى".
وصمت قليلًا منتظرًا اعتراضًا عنيفًا من علي أعد نفسه له جيدًا، لكن ما أذهله هو عدم تفوهه بكلمة واحدة، بل كان حزينًا مستسلمًا بشكل غريب، لم يعتده منه أبدًا، وعلى الرغم من قلقه إلا أنه لم يكن الوقت المناسب للإستفسار مفضلًا الإسراع؛ لنقل أخته إلى المشفى، وما أن وصلوا حتى عرفت سارة عن نفسها، وشرحت ما حدث للطبيب الذي أَيَّدَ الطبيب تشخيصها المبدئي، وقام بإجراء كافة الفحوصات اللازمة، وعندما رأى نتائجها أخبرهم:
"على المستوى العضوي لا يوجد ما يفسر هذه التشنجات الفحوصات طبيعية، ربما يكون سببها نفسي على الأرجح خاصة أن الأمر لم يحدث لها من قبل".
سأله أمجد الذي لم يزده تشخيص الطبيب سوى رعبًا:
"هل نومها لكل هذه الفترة يعتبر شيئًا طبيعيًا خاصة أنها تنتبه من أقل الأصوات؟".
حاول الطبيب طمأنته، وشرح له بصورة أوضح قائلًا:
"علاماتها الحيوية توضح أنها ليست بغيبوبة كما تظن
قاطعه أمجد متسائلًا
"هل هي فاقدة للوعي؟".
عدل الطبيب من وضع نظارته قائلًا بينما يمسد أعلى أنفه بإرهاق:
"لا هي متعبة بشدة، ستتابعها الممرضة حتى تستيقظ، وعندها سنفهم منها طبيعة ما شعرت به قبل النوبة، ربما يساعدنا على تشخيص حالتها بصورة أفضل".
"لا تتخلي عني أرجوكِ روحي تزرح تحت وطأة الألم، لن تستريح حتى أسلمكِ الأمانة، أرجوكِ لا تتركيني، لقد انتظرتكِ كثيرًا جدًا حتى أوشكت روحي على الهلاك".
"رِينِّينَا".
فزعا على صوت صراخ سحر المتعالي الذي بدد هدوء الليل، وأسرعت سارة إليها تمسك بيدها بشدة قائلة:
"سحر اهدئي حبيبتي".
وفي نفس الوقت سألها أمجد بينما يسقيها قليلًا من الماء، وتربت سارة على كتفها:
"ماذا بكِ اختي؟، لِمَ تصرخين هكذا؟!"
نظرت حولها بتيه تتحقق أين هي، وقطع تأملها للغرفة صوت أمجد الذي سألها مجددًا:
"ماذا يؤلمكِ حبيبتي؟!".
مَسَدت رأسها، ولازلت لم تستعد تركيزها كاملًا بعد قائلة:
"أشعر بصداع شديد، ماذا حدث؟، ومتى أتينا للمشفى؟ وكيف لم أشعر بأي من ذلك؟!".
سألها بعدما أنهت حديثها:
"ما الذي تذكرينه حبيبتي؟!".
صمتت تسترجع ما حدث، ثم أجابته:
"أنهينا العمل، ثم توقفت أمام المجسمات، و...".
وتوقفت عن الكلام فجأة، وقد تجسد الرعب بكل أشكاله على ملامح وجهها، تتذكر ما رأته عندما لمست الياقوتة، وما حلمت به، فقال أمجد لها:
"اهدئي سحر، اذكري الله حبيبتي، اطمئني أنا معكِ، لا تحكي إن كنتِ غير مستعدة، فقط استرخي".
ظلت تنتفض بحضن سارة، تهذي بخوف أحكم قبضته على قلبها:
"أخبرتني أنني حاملة العهد، أنا لا أفهم شيئًا، لقد بدا الحلم حقيقيًا جدًا، لكنني كنت أعلم أنني أحلم على عكس المرة السابقة".
رفعت رأسها عن كتف سارة متابعة هتافها الغير مفهوم:
"لقد رجتني ألا أتخلى عنها، وأن أصل لها مجدّدًا، كما تحدثت عن جدتنا، وأنها لم تفهم رسائلها لها؛ لذلك لم تصل".
اتسعت عينا سارة بشدة تحدق فيها متسائلة:
"ماذا يعني ما تقولين سحر؟، وماذا أرادت أن توصل لكِ؟!".
نظر لهما أمجد متعجبًا مكتفيًا من كليهما معًا، وقال بذهول:
"أنتِ تبحثين حقًا عن تفسير لما تقول؟، لقد كانت تحلم، ماذا حدث لكما هل جننتما؟".
ثم سار تجاه الباب هاتفًا بضيق:
"لقد طاوعتكما فيما أردتما سابقًا، لكن ماذا الآن؟،هذا الموضوع أصبح أشبه بالهوس بالنسبة لكِ سحر، وأنتِ سارة تشجعينها على ذلك".
تعالت أنفاس سحر بشكل ملحوظ حتى غدت كلهاث كاد يمزق صدرها، يشل حواسها عن الإدراك خوف شديد جعلها تهتف بحديث أشبه بالهَذْرِ:
"رِينِّينَا سارة كانت تستغيث بي، شعرت بألامها كلها، وكأنها بجسدي أنا، روحها كانت تئن، لقد شعرت صدى ألمها بروحي".
في هذه اللحظة دقت سارة الجرس؛ لتستدعي الممرضة، وعاد أمجد جوارها، وما أن رأى ذعرها الهيستيري حتى خرج ينادي الطبيب الذي قال بعد انتهاء الفحص:
"لا تفسير لدي لما يحدث معها، يجب أن تتحدثوا لطبيب نفسي".
لم يعقب أمجد فقط ضم أخته إليه، يمسح على رأسها مرتلًا المعوذتين حتى استكانت في حضنه، وهدأت أنفاسها رويدًا، وربت على كف سارة المذعورة من الحالة التي وصلت لها سحر قائلًا:
"سأعرضها على طبيبة نفسية صباحًا، ستكون بخير إن شاء الله".
عادت سحر للنوم، واستمر أمجد يرتل بجانبها القرآن الكريم، فقالت سارة بعدما مر ساعتين:
"لقد استغرقت في النوم، ارتح أنت أيضًا، غدًا ييسرها الله لنا بحوله وقوته".
استيقظت سحر قبل الفجر بساعة، وافاقوا معها، فقالت لسارة:
"من فضلك ساعديني؛ لأتوضأ أحتاج للصلاة".
صلت مغرب وعشاء الأمس، ثم اتبعتهما بركعتي قيام الليل تبتهل إلى الله ترجوه السلامة والعافية، تحاول استعادة قوتها الداخلية حتى أصبحت أفضل حالًا بعدما غمرت روحها السكينة، وربط الله على قلبها، فالتفتت لأخيها حينما سمعت آذان الفجر، والقوة تفيض من عينيها قائلة:
"لا تقلق أخي أصبحت بخير الحمد لله، اذهب للصلاة، وبعد عودتك سأقص عليكما ما حدث".
جلست سحر على سريرها بعد أن أنهت صلاتها وبجوارها سارة ممسكة بكف يدها، ثم حكت عندما رجع أمجد بهدوء ما حدث لها سواء في الواقع أو الحلم، وقص عليها أمجد ما حدث بالأمس، ورعب ساحق يتملك منه، لا يدري كيف يجب أن يتصرف.
"أمجد".
هتفت بها فجأة، ثم تابعت بينما يدها تتلمس رقبتها شاردة:
"الاميرة التي رأيتها البارحة والثانية التي حلمت بها كانتا نفس فتاة الوشم رِينِّينَا، أنا أكيدة من ذلك".
كانت الأمور تزداد غرابة وتعقيدًا، فأضافت لها سارة لغزًا جديدًا حينما سألتها:
"من هي رِينِّينَا؟، ولماذا بالأمس فقط حدث لكِ هذا؟، لقد لمستِ الأحجار أول أمس، ولم تتأذي، كما لمسناها جميعًا، ولم يحدث لنا شيئًا أيضًا".
هزت سحر رأسها بينما تزداد ملامحها انعقادًا:
"لا أدري حقًا سارة، لكنني يجب أن أعيد الأمر حت....".
هب أمجد واقفًا يقاطع حديثها بغضب لم تره منه من قبل:
"لن تعيدها أبدًا، وإن وصل الأمر بي أن أمنعك عن العمل نهائيًا".
صمتت سحر تمامًا تعي مدى رعبه عليها الآن وهواجسه التي لابد تتلاعب بعقله أنَّ شاءت في حين تدخلت سارة قائلة:
"أهدأ أمجد، الأمور لن تحل هكذا، جميعنا نحتاج للتأني، وتحليل الأمر بتروٍ؛ للوصول لحقيقته حبيبي".
"انتهى النقاش، سأذهب؛ لأحضر الإفطار" .
خرج أمجد من الغرفة، وأغلق الباب بشدة أفزعت سحر، فربتت سارة على يدها داعمة لها وكلتاهما تتفهم مدى خوفه حاليًا، وبعد صمت طويل قالت:
"أنا أكيدة أنه بعد أن يهدأ، ويفكر مجدّدًا سيتوصل لحل آمِن، اعذريه سحر المسؤولية الملقاة على عاتقه أصبحت أثقل وأشد وطأة، ألهمه الله الصواب، لا تحزني حبيبتي".
دمعت عينا سحر خوفًا وتأثرًا:
"أنا أتفهم موفقه، ولم أحزن من حديثه، فقط أخشى...أن يصر على رأيه، وأخسر عملي الذي أعشق، فأنا لن أعصيه أبدًا مهما كان قراره".
فتح أمجد الباب، وسمع حديثها، فدخل للغرفة، وضمها إليه قائلًا بحنان:
"سنفكر بحل أفضل يحميكِ أولًا، لن أضعكِ في هكذا اختيار، أنتِ مدللتي التي أخشى عليها أكثر من نفسي، لا تحزني".
رفعت عيناها التي أضاءتها السعادة بينما يهز رأسه مؤكدًا على حديثه:
"لقد تحكم بي خوفي عليكِ، بل لكي أكون صادقًا رعبي من أن يتكرر معكِ ما حدث سابقًا".
تهلل وجهها فرحًا، وقبلت وجنته قائلة:
"بارك الله لي فيك أخي، أحبك من كل قلبي".
وبينما تقول له سحر ذلك، كانت سارة تربت على كتفه مؤيدة له، وبعينيها تقدير وعشق لم يخطئه قلبه، فقال أمجد متنهدًا:
"سأجرب أنا أولًا، ثم ستعيدينها أنتِ مجدّدًا، وسأبعدكِ سريعًا؛ لكي نختبر فقط ما سترينه، لكن سحر إن تكرر الأمر عديني أنكِ لن تغامري وتلمسين أي شيء داخل المقبرة أيًا كان تحت أي ظرف".
"أعدك أخي".
"أسأل الله ألا أندم على قراري هذا، حين لا ينفع الندم".
ألقت بقبلة لأخيها قائلة:
"أقسم لك، سأنفذ كل ما تقول".
وقف أمجد، لا يستسيغ ما سيقوله بعد قليل، ولكنها غاليته:
"سننتظر حتى يتفقدك الطبيب، ثم سنعود، لكنكِ لن تشاركي اليوم، سترتاحين وقبل المغرب تُعدين التجربة ربما يكون للتوقيت عامل في ذلك الأمر".
ثم قال بعدما عاينها الطبيب، وصرح لها بالخروج:
"اعدا نفسيكما، سأذهب لأطمئن على حازم، ثم أعود لكما سريعًا".
أذن مهاب له بالدخول، فسأله بصوت منخفض ما إن أصبح بالداخل عندما رأى حازم نائمًا:
"كيف حاله الآن؟".
اقترب منه معانقًا بينما يخبره:
"بخير الحمد لله، جرحه يتماثل للشفاء، يومان، ونعود للأسكندرية، ثم سأنضم إليكم في اليوم التالي، كيف حالك أنت؟، علمت من ياسر بالسلم المرمري ورسومات السور، وكذلك تحليل علي وأختك للأمر هل من جديد؟".
حكى له عن بقية ما وجدوه من نقوش السور، وما حدث لسحر أيضًا يستشيره، فقال له مهاب:
"أرى أنك توصلت لحل جيد بالفعل، أسأل الله لكم السلامة جميعًا من كل سوء، فقط كونوا أكثر حذرًا".
ربت أمجد على ركبته، ثم قال:
"سنفعل إن شاء الله، اهتم أنت بنفسك وبحازم، ولا تحمل همًا، أبلغه سلامي حينما يستيقظ".
عادوا جميعا لموقع عملهم، وذهبت سحر لخيمتها كما وعدت أخيها بينما انضم أمجد وسارة لفريقيهما عند السلم، وبدأ العمل بعد أن اطمأن الجميع على سحر، ثم قال علي موضحًا ما اكتشفوه صباحًا:
"لقد وجدنا الأميرة المحاربة تتقدم المجموعة الأخيرة من حاملي القرابين".
وأشار للجزء الذي يقصده من المنحوتة، ثم تابع بجدية:
"أخيرًا علمنا باسمها، فأعلى النحت وجدنا اسم الأميرة رِينِّينَا وألقابها، واتضح أنها أول امرأة تعين فيما يشبه منصب وزير الحربية، وهو منصب هام جدًا كان حكرًا على الرجال فقط".
وقالت ريناد مكملة حديثه:
"لم نسمع من قبل عن امرأة شغلته، نعم هناك العديد من الملكات اللاتي حكمن مصر القديمة، لكن رِينِّينَا ستكون أول وزيرة حربية، ولا يوجد ما يوضح بعد لما استحقت أن تشغله".
كان الخوف الشديد لازال يسيطر على أمجد منذ الصباح، أما الآن فتحول الأمر لرعب تسرى قشعريرته الباردة بأوردته ما إن يسمع باسم رِينِّينَا، وكل لحظة تمر عليه يزداد يقينه فيها من مدى خطورة اكتشافهم أكثر من سابقتها، كما اتضح له بجلاء أنهم سيزيحون اللثام عن أمور لم يعلم بها أحد من قبل، وزاده توترًا تفكيره بجاذبية الأسرار الكبيرة، وقدر الخطر المحدق بهم والذي لا مرادف له سوى الموت المحقق إن علم بحقيقة ذلك المكان أحد قبل انتهائهم من استكشافه بالكامل وتوفير الحماية الكافية هذا إذا غض النظر عن الثراء الشديد للمكان، وأنه بالتأكيد سيحتوي على أثار ذهبية، فقال لهم بحزم:
"لا أعتقد أنني أحتاج لتنبيهكم ثانية على أهمية السرية التامة حيواتنا على المحك حتى تسلم اليونيسكو حماية المكان للحكومة المصرية".
قال ياسر على الرغم من وعيه بمدى ذعر أمجد، وبأن ما سيقول سيثقل عليه، لكنه لابد له أن يعلم:
"من واقع عملي كمرمم المكان هنا على الأغلب لم يسبقنا إليه أحد".
نظر له الجميع بتعجب، فتابع:
"الجدارية على السور مطلية بمادة كيميائية شفافة هذه الطبقة متآكلة في بعض الأماكن بفعل عوامل التعرية فقط، فالرسومات تحتها لم تتأثر قط، أعتقد أنك عندما تراها عن قرب أمجد ستأكد أو تنفي ذلك".
توجه أمجد للجدارية، وتحقق من فرضية ياسر الذي سأل بعد ثوانٍ:
"كيف خفي ذلك المكان عن الجميع طوال هذه السنوات؟، هذا أمر غير مطمئن، خاصة مع وجود رصد في المكان".
تقدم منهما علي، يعيد شعره للوراء بتوتر بالغ قائلًا:
"ياسر محق، ولا يجب أن ننسى الجثة التي وجدناها هنا والتي لم نتمكن من دراسة، أو تحليل ما حدث لصاحبها؛ نظرًا لوقوع الحادث".
زفر أمجد بضيق، ثم قال:
"نعم علي أتفق معك، أنا أحتاج فقط لبعض الوقت؛ لأعيد ترتيب أفكاري، ثم سأنظم استراتيجية العمل في الأيام المقبلة، هيا نستأنف العمل".
عاد الجميع للموقع مستكملين عملهم، ولأول مرة يقتنع علي بأن الله قد رحمه من مسؤولية كانت ستثقل كاهله، وتزيده همًا فوق همه، وانضم لباقي الفريق الذين انتهوا من الجانب الأيسر للسور، واتضح لهم نحت بارز لإيزيس شديد الأناقة والرقي باللون الأزرق الداكن، يليه لون برتقالي لطبقة الريش الأولى من جناحها، ثم ريشات أطول ذهبية اللون، تكاد الألوان من شدة جمالها تحسبها طُليت بالأمس، تجلس فيه على كرسي ثانية قدمها اليسرى تحتها والأخرى مضمومة إلى صدرها فاردة ذراعيها وجناحيها ناشرة حمايتها بأرجاء المكان مرتدية زيًا أزرقًا غامق اللون شديد البساطة، لكنه أيضًا بديع الشكل، وفوق رأسها تاج عبارة عن علامة عرش أبيض اللون، ومن خلفها نصوص بالهيروغليفية لم يترجموها كاملة بعد لاتجاههم للعمل على الجهة اليمنى من السور حتى انهوا نصفه، وكما اعتادوا أوقفوا العمل للصلاة، ثم تابعوا بعدها حتى أكملوا السور كله، واتضح لهم أوزيريس بهيبته ووقاره مجسد على هيئة رجل ذو رداء أبيض اللون، يمسك بيديه المرفوعتان للأمام جهة الصدر عصا الراعي في يده اليمنى وفي اليسرى عصا النخخ، يرتدي تاجًا يتوسط أزرقه الملكي الأبيض الزاهي ناظرًا ناحية اليسار، فقال أمجد بعدما جمع أدواته:
"لنتوقف عن العمل الآن الشمس أوشكت على المغيب، سنكمل عملنا غدًا إن شاء الله".
ذهب الجميع، وبقي أمجد وسارة واقفين عند السور، وعندما وجدتهم سحر عائدين ذهبت هي لأمجد، تذكر الله في نفسها، فعلى الرغم من فضولها الشديد، وحبها الأشد لعملها إلا أن ما تنوي عليه يعتبر مخاطرة غير محسوبة العواقب، يرجف لها قلبها، ثم انضمت إليهما عند السور، فقال أمجد ما أن رآها:
"ألازلتِ مصممة على رأيكِ سحر؟!".
توكلت على الله، وحسمت أمرها قائلة:
"أجل أخي".
أبعدها للخلف قليلًا، ثم قال:
"إذن سأجرب أنا أولًا".
وقام بلمس الياقوتة الزرقاء، فلم يحدث شيء، وكذلك فعلت سارة وأيضًا لم يحدث جديد، فسمت الله، ومدت سحر يدها، وعلى الرغم من تخوفها الشديد ويدها المرتعشة إلا أنها تلمست الياقوتة، ومن فرط تعجبها ظلت تحدق أمامها، لا تصدق ما تراه بعينيها، ولم تنتبه إلا حينما جذبها أمجد، تكاد أنفاسه تتقطع من شدة رعبه عليها بوجهها الشاحب وعينيها المتسعتين، وسؤاله:
"ماذا حدث؟!".
التفتت له قائلة، ولازال الذهول يسيطر عليها:
"لم يحدث شيء".
علا صوته بعصبية بالغة لم يتعامل بها من قبل معها:
"سحر أوضحي، أعلم أنه لم يحدث جديد بالنسبة لكِ، لكن اشرحي لي ماذا رأيتِ؟".
ربتت على كتفه تهدئه بينما تقول:
"لم أر أو أشعر بأي شيء، السلم كان كما هو، والمكان طبيعي جدًا بدون أي تغيير".
نظر لها مندهشًا، ثم سألها:
"ماذا يعني هذا؟!".
رفعت كتفيها، ومطت شفتيها علامة على جهلها بحقيقة الأمر، ثم قالت حائرة:
"لا أدري ماذا حدث، أو حتى لِمَ شعرت بسريان الطاقة أمس، ولم أشعر بها اليوم؟!".
وهنا بدت فكرة تخيل سحر لكل ما حدث أكثر منطقية بالنسبة له، فسألها بشفقة:
"هل أنتِ متأكدة أختي أنكِ رأيتِ هؤلاء الأشخاص البارحة؟، ربما كنتِ تتوهمين من شدة الإرهاق والتعب".
تنهدت محبطة بحزن غريب سيطر عليها، وكأنما خاب أملها عندما لم يحدث شيئًا، وقالت:
"أنا أيضًا كدت أُكَذب نفسي، وأصدق أنني توهمت ما حدث عندما لمست الياقوتة البارحة إلا أنني ما أن رأيت الجزء الجديد الذي عملتم عليه ظهرًا، والجزء الذي أنهوه من السور حين سافرنا نحن، تأكدت تمامًا أنني لم أكن واهمة".
ثم رفعت نظراتها الحائرة إليه، وأضافت ببساطة كادت تقتله غيظًا:
"هو مطابق لما رأيت إلا أنه كان مجسدًا إضافة لوجود السور، فكيف علمت بوجوده، وبنفس التفاصيل، وأنا لم أره من قبل؟،هذا ما لا أجد له أي تفسير سواء منطقي، أو خيالي حتى".
"لا تتندروا على ما سأقول" .
حذرتهم سارة، ثم تابعت حديثها:
"ماذا إن كان السر في أنكِ كنتِ متعبة؟!".
سئمت سحر من تكرار نفس الحديث، لكنها قالت بانفعال:
"أوضحي أكثر سارة ماذا تعنين؟، أنا أكيدة مما رأيت، ولم أكن واهمة، لكم مرة يجب أن أعيدها حتى تصدقوني؟!".
"أصدقكِ سحر، اهدئي لا داعي لكل هذه العصبية، ما أقصده أنكِ رأيت ما رأيت كمكافأة مثلًا على تعبك الشديد".
سكنت تتطلع لملامح وجهها مستكشفة ردة فعلها، وحينما وجدتها تنتظر بحماس تتمة حديثها قالت:
"أعلم أن ما أقول غير منطقي، بل أقرب للجنون، لكن الوضع برمته غير طبيعي أو منطقي، فلِمَ نفكر بأسباب منطقية نمطية؟!".
التمع الأمل بعينيها من جديد متسائلة:
"أتعنين أن أُعيد التجربة غدًا، لكن بعد يوم عمل شاق".
شاركتها سارة الحماس قائلة:
"أجل هذا تمامًا ما أفكر فيه، وربما يجب أن نكرر أيضًا التفاصيل ذاتها بنفس الترتيب".
نظرت سحر لأمجد تستشيره، فقال لها ضاحكاً:
"لن يزداد الوضع جنونًا عمَّا هو عليه بالفعل، لا أرى أي مانع أن تجربي غدًا إن شاء الله".
ابتسمت سارة وسحر، وساروا تجاه الخيام حتى وصلوا النبع فتحلقوا حوله، وقطعت ريناد الصمت المطبق متسائلة:
"هل انتبهتم للكتابات التي تعلو رأس كل ملك من ملوك الجدارية؟!".
نظر لها الجميع، ولم يعلق أحدهم، فتابعت:
"المجموعة الأولى من اليمين كما حلل السيد علي هي للآشوريين وملكهم ساو ششتار، ويتقدمهم الملك المصري تحتمس الثالث الأضخم حجمًا بالجدارية".
والتقطت أنفاسها، ثم أردفت بهدوء لا يفارقها:
"وفي طليعة الموكب كله أوزيريس يوجههم نحو أمون_ رع، بينما الناحية اليسرى من السور فهم حاملي القرابين وملكهم الكنعاني مواتللي الثاني".
أكمل علي حديثها قائلًا بحماس:
"تسبقهم الأميرة رِينِّينَا متقدمة أربع حاملي قرابين أُخر في سابقة من نوعها لم ترى أبدًا".
وكان السؤال الأكثر بديهية هنا هو ما تفوه به جيمس:
"لِمَ يعتبر الأمر غريبا؟!".
شرحت له ريناد موضحة:
"لأن الكتابات الهيروغليفية أوضحت أنها أميرة، وليست زوجة للملك، فلِمَ كل هذا التبجيل لها حتى أنها جُسدت أقل حجمًا عن الملك بالشيء اليسير دلالة على عظمة مكانتها الغير عادية؟!".
وهمست في نفسها قائلة "هذا إن غضضنا النظر عن وجود إيزيس في طليعتهم فاردة جناحيها كإشارة لبسطها حمايتها على متبعيها، تقودهم نحو أمون _ رع أيضًا"، بينما قال علي:
"إن كان تخميني صائبًا؛ فوفقًا لتحليل الأنسة ريناد البوابة ستحمل تمثيلًا لأمون _ رع المرتجى وهذه القرابين كلها مقدمة لإرضائه، كما كانوا يعتقدون".
انتبهت سحر من حالة الشرود التي سيطرت عليها، وقالت:
"أعتقد أنك على صواب في تخمينك سيد علي، وأعتقد أنه سيكون هناك تمثيل لحورس؛ لإكمال الثلاثية إيزيس وأوزيريس وحورس الصغير".
لم يرد علي، بل بقي مشدوهًا، فلأول مرة منذ بدأ هذه الرحلة توجه له الحديث مباشرة، وكم كان يتوق لسماع صوتها؛ كي يَطْمَئِن قلبه عليها أكثر حتى أفاق من سهوه على آذان المغرب الذي صدح بصوت ياسر العذب، فصلى الجميع، ثم تابعوا النقاش، وكان فريق الحراسة قد استيقظ، وانضموا لهم حول النيران التي أعادوا إشعالها بعدما اشتدت الرياح على غير المعتاد أو المتوقع أيضًا؛ نظرًا لحالة الطقس صباحًا، فأذكاها عمر بمزيد من الحطب؛ حتى لا تنطفئ، وبعد أن انتهى ذهب تجاه خيمته، ثم عاد حاملًا بيده شالًا خفيفًا وضعه على كتفي زوجته، وجلس بالقرب منها بينما قام وسام؛ ليجيب هاتفه، وبعدما أنهى الإتصال طلب الإجتماع بعمر وأمجد، ثم أخبرهم:
"لقد اتصل صديق لي بالداخلية كنت أتابع معه تفاصيل التحقيقات في حادثة سيد حازم، وقد أبلغني للتو أن الحادث مدبر تبقى فقط الوصول للمحرضين بعدما تم تحديد الدافع".
"وما كان؟"
"الأمر كله رُتب لسرقة المكتشفات قبل نقلها، لكن هناك خطأ ما حدث، وخطأ أخر ارتكبه السائق حينما تناول الترامادول، ففقد وعيه، وتسبب بالحادث".
"لقد تم تبديل الخطة".
ارتفعت الأعين كلها تصب كامل تركيزها على أمجد منتظرين إكماله لحديثه، فقال:
"كان من المفترض الذهاب للطبيب أولًا، لكنه اعتذر؛ لذلك ذهب ياسر وحازم لتسليم المكتشفات في المخزن، ثم ذهبا بعد ذلك لهشام لتسليمه التابوت، ولم يعلم بذلك التغيير سوى مهاب وجيمس، وأنا بالطبع".
ظهر الغضب الشديد على وجه وسام بينما يقول:
"إذن هناك خائن بينكم، السارق كان يعلم بخطة النقل وترتيبها، هل تشك بأحدهم أمجد؟".
قال أمجد على الرغم من الحيرة التي تعبث بأفكاره:
"لولا الصدفة التي حدثت وسام، وتيقني أن جيمس قد علم بتغير الخطة، لكنت جزمت بأنه الخائن بيننا، لكنني الآن لا أدري من هو حقًا".
حاول وسام مساعدته على ترتيب أفكاره من جديد، فسأله:
"لِمَ جيمس بالذات من كنت ستوجه إليه شكوكك؟".
"لأن علي استمع إليه يتحدث العبرية، كما أنه كان يتصرف بغرابة في البداية، وكان شديد التحفز والكره لنا".
نظر له وسام متعجبًا:
"لِمَ قلت في البداية ما الذي تغير؟، ولِمَ كان يكره فريقًا يلتقيه لأول مرة كما علمت؟".
كان الأمر أشد ارباكًا لأمجد مما تخيل، فقرر مجارة وسام لعل اسألته توصلهم لاستنتاج منطقي:
"لا أدري حقًا، ربما هو لم يتغير، وهذه خطة محكمة منه، أو أنه تغير بالفعل، لكن هناك خائن أخر، عقلي يكاد ينفجر من كثرة الإحتمالات وتداخلها".
"اهدأ أمجد، وأجب كل سؤال على حدى، واترك تحليل الموقف لي".
"جيمس مُؤخرًا تبدلت معاملته تمامًا معنا، هو لم يكن يكرهنا كفريق بل كمسلمين، كما أنه لم يدري بمعرفتنا بتحدثه العبرية من البداية".
ولأول مرة منذ بدأ ذلك الحديث قال عمر:
"أو أنه لم يتحدثها أصلًا أمجد، وعلي هذا كاذب مدعي، وهو الخائن، من تبقى أيضًا من الفريق غير علي؟".
مسد أمجد رأسه يهلكه التعب بعد كل ما مر به اليوم من كوارث إضافة لذلك الصداع الذي سيطر عليه، ثم قال:
"لا أدري عمر، ربما أنت محق، لم يتبق سوى هاني، ولا أدري أي شيء عنه لم أعمل معه سابقًا، كل معلوماتي عنه أنه من أفضل متقفي الأثر".
تنهد بضيق لكنه تابع الإجابة على سؤال عمر:
"من رشحته من البداية صديقة سحر أريحا بعدما عملت معه سابقًا، وشهدت له بالبراعة، الوضع متشابك جدًا، ويجب علينا الحذر التام ومن الجميع".
جذبت غرابة الاسم انتباه وسام فسأله:
"أتعلم أسمها بالكامل؟".
تعجب أمجد من سؤاله، لكنه أجابه:
"بالطبع، اسمها أريحا ظفار الكاسب".
التفت عمر لوسام، ثم سأله:
"ما الذي توصلت إليه التحقيقات أيضًا؟".
"الخيط الوحيد الذي أمكن المباحث تتبعه هو خط هاتف السائق، فبعد إصدار إذن النيابة تم الإطلاع على كافة الرسائل والمكالمات التي وردت للسائق".
"وماذا اكتشفوا؟".
"رسالة تحوي عنوان بريد إلكتروني للمراسلة من خلاله مع تنبيه شديد بحذف الرسالة، يبدو أنه من حسن حظنا البالغ نسي السائق حذفها، فتم اختراق البريد الإلكتروني، والاطلاع على كافة الرسائل المتبادلة من خلاله".
قاطع أمجد حديثه متسائلًا
"ما رأيكما أن نجلس؟، ثم نتابع حوارنا أنا أكاد أسقط تعبًا".
"بالتأكيد أمجد".
ثم تابع حديثه:
"تمكنا من تحديد الزمان والوجهة، لكن لم تذكر نوعية المسروقات، بل أمر بإحضار السيارة كلها إليهم دون إحداث أي ضرر براكبيها".
استنتج عمر أن مكان التسليم لم يفدهم بشيء، فسأله:
"هل توصلتم لأي معلومات عن المُحرض؟"
"لا لم يتوصلوا بعد البريد الإلكتروني للمحرض على قدر عالٍ من التأمين، مما يدل على أنه محترف وبشدة، فللأن لم يتمكن أمهر مهندسي الإلكترونيات من اختراقه".
ولأول مرة يشعر أمجد بذلك العجز المقيت، فسأل وسام:
"ما الذي يجب علينا فعله؟".
ربت على كتفه مشفقًا عليه مما يعاني بسبب هذه المسؤولية القاصمة بحق:
"لا شيء لنبقي الأمور كما هي أمجد، لكن الحذر الشديد واجب، لا أحد فوق مستوى الشبهات، الجميع متهم حتى ظهور الحقيقة".
أذَّن ياسر للعشاء، فقال وسام بعدما وقف:
"فكر جيدًا أمجد ربما نسيت شيئًا ما، وأنت عمر التزم الحرص البالغ وفريقك بكامله".
أفاق الجميع من نومهم بعدما نعموا بالراحة، أما سحر فقد استيقظت تصيح بشدة متألمة، تسري دمائها كنار حارقة بجسدها مما جعل أمجد يهرول لخيمتها يروعه صراخها الباكي بعدما فشلت سارة في تهدئتها، فضمها إليه بيننا تقول لاهثة تلتقط أنفاسها بمشقة بالغة:
"رأيتها ثانية أمجد، لقد وضعت كأسها الذهبية على الحوض المرصود بعدما أنهت حديثها مع الملك، ثم دخلت للمعبد، وأمرت حاملي القرابين بترك السلال على موائد القرابين، فوضعوها، ثم انصرفوا في خضوع تام، ثم أطلق الكاهن البخور".
كتمت نهنهات بكائها بكل قوتها، وتابعت حديثها بفزع:
"غمرت سحابة ثقيلة منه أرجاء المكان، وبعد أن انتهوا من طقوس تقديم القرابين، توجه الملوك الثلاث ورِينِّينَا لقدس الأقداس، ثم تلو العديد من التعاويذ السحرية".
"ماذا؟!" .
لم تنتبه سحر لسؤال سارة، وأكملت برعب:
"قاموا بتوقيع الإتفاقية، ثم خرجت هي بمفردها، وملأت كأسها من جديد، واقتربت مني تمد يدها به نحوي، شلل تام ألم بي، فأمسكت الأميرة مرفقي بشدة، ووضعت الكأس على شفتي بعنف، وعندما رفضت شربه همست بأذني "لقد نجحتِ، يجب أن أرحل الآن، لكنني سأعود"، هي ست..ستعود أخي، أنا خا....ئفة".
كانت ترتجف، وتكرر بهذيان:
"رِينِّينَا ستعود، رِينِّينَا ستعود".
هزها أمجد بشدة حتى أصابها الدوار صائحًا:
"يكفي سحر، يكفي بالله عليكِ، اصمتي، فقط اصمتي".
ثم ضمها بشدة لصدره خائفًا حائرًا مشتتًا لا يدري ما الصواب لا يكاد يفيق من مصيبة حتى تسقط على رأسه كارثة أشد عنفًا من سابقتها، فقال بضعف تراه منه سحر للمرة الأولى:
"أنا تعبت، صدقًا لم أعد أحتمل، ذلك كثير جدًا، ماذا يجب أن أفعل وأنتما لا تساعدنني، بل تزيدنها عليَّ؟!".
ثم تركهما معًا، وخرج مسرعًا من الخيمة لا يلوي على شيء حتى أنه لم يجب ياسر حينما ناداه بينما في الداخل صمتت سحر تمامًا تتطلع أمامها تنهمر دموعها دون إرادة منها منكمشة على نفسها، فضمتها سارة تهمس لها:
"لا بأس حبيبتي اهدئي، لا بأس".
استكانت سحر إليها تتمنى أن تنسى، تتمنى أن ينتهي كل ذلك الوجع والغموض بينما اكتفت سارة بتحريك يدها على طول ذراعها، فهتفت سحر متألمة تبعد يدها عنها:
"آه".
رفعت سارة سترتها، ورأت علامات أصابع حمراء أشبه بالحرق حيث قالت سحر أن رِينِّينَا أمسكتها، فلم يعد بإمكان أي منهما إنكار حقيقة ما حدث، وسيطر الذهول عليهما حتى عاد أمجد بعد فترة ما أن هدأ قليلًا، ووجدهما ينتظرانه؛ ليصلوا، وعلى الرغم من ملاحظته لحزنهما الواضح إلا أنه غض الطرف عنه بعدما بات أكثر استنزافًا من أن يخفف عنهما، لا يعلم أن ما يشعرانه الآن لا يمت للحزن بصلة، بل هو رعب خالص تشعبت جذوره بقلبيهما، حاولتا تجاهله بالعمل، لكن عينا سارة المدققة في كل ما يحدث حولهما بحذر التقطت ذبذبات توتر ياسر الذي توجَّع قلبه المتيم بنيران العذاب، يسقيه جهله بما جعلها تصرخ بذلك الفزع علقمًا إضافة لرؤيتها شاردة مهمومة هكذا، واكتمل الثلاثي بعلي المُتَبْعثِر بين حبه لها، ورفضها لتقربه منها، هذا إذا تناسى حبها لأخر، وأنين روحه عليها حتى مرت عليهم ساعة من الجحيم استغرقوا خلالها في عملهم، تستنزف طاقتهم شمس الصحراء الحارقة على الرغم من أنها الساعات الأولى من النهار والأخف حرارة إلا أنه يوم صيفي لاهب، لا يخفف وطأته ولو نسمة هواء واحدة، كأنما شعرت الصحراء بحريق صدورهم، وأحبت مشاركتهم اتقادها، وعلى حين غرة صاحت هند منبهرة، تحمل بين يديها أوجات (عين حورس) ذهبية براقة متوسطة الحجم تتلألأ بلونها الأزرق الزاهي:
"انظروا ماذا وجدت بين الرمال!، يالجمالها!".
رفع أمجد رأسه، ثم قال لسحر بلا مبالاة:
"صوريها، وضعيها في غلاف لحفظها".
ثم التفت وقال:
"علي بعد انتهاء سحر اكتب لي تقريرًا عن النقوش الموجودة على هذه التميمة، كونوا أكثر حرصًا وأنتم تغربلون الرمال".
استمر العمل لثلاث ساعات أخريات، ولم يجدوا شيئًا جديدًا، اتضح فقط جزءًا جديدًا من رسوم السور، وتغير شكل المكان بعدما انتهت السلالم، وتبدلت الأرضية من مرمرية إلى جرانيتية سوداء، قال أمجد بآلية:
"ياسر الأرضية تحوي نقوشًا لم تزال الرمال عنها بعد، صب كامل تركيزك عليها، وحينما تنتهي منها صورها، علي وأنسة ريناد اعملا سويًا على جانب السور الأيمن، وسأعمل أنا وسحر على جانبه الأيسر".
توقفت ريناد عن العمل عقب اتضاح جانب جديد من السور تتأمل جدارية حورس الخاصة بسحر الشفاء، تدقق النظر لقبضة اليد القوية المملكة بأسد، بينما في الأسفل رأس تمساح تعلو ذيل تمساح أخر، ثم قالت لعلي المستغرق تمامًا في عمله:
"أعتقد أن تتمتها ستكون نحت لحورس الطفل ممسك بيده اليسرى غزال كرمز لإحكام قبضتيه على الشراسة والوداعة؛ لإحداث التوازن بين قوى الطبيعة".
ألتفت علي بوجهه لريناد، ثم قال متظاهرًا بالحماس:
"أو قوي الخير والشر في صراعهما الأبدي، يقف بقدميه على تمساحين بالغين متعاكسين كرمز لسيطرته على المرض والأذى وبالتأكيد سيعلو رأسه النتر بس، نتر الحماية للمرضى عند قدماء المصريين".
اشتعلت ريناد شغفًا مفتقدة كونها عالمة أثار، ثم قالت:
"أجل ما تقوله صواب، وربما سنجد نقوشًا، إما تحكي قصة حورس، وتعرضه للدغ طفلًا، أو ستحوي تعاويذ سحرية للشفاء والحماية خاصة من لدغات الxxxxب والثعابين".
وقال ياسر حينما توفقوا عن العمل للصلاة:
"لقد أنهيت جزءً كبيرًا من الأرضية، وقد اكتشفت أنها نصوص مكتوبة سيكون علي الأقدر على ترجمتها".
استقام علي واقفًا، ثم قال:
"لا مشكلة لدي، لكن من الأفضل أن نزيح جميعًا الرمال، ثم نقوم بالترجمة من الغد سواء لكتابات الأرضية أو السور، وبذلك نوفر الجهد؛ لإتمام العمل، ونستغل الوقت أفضل استغلال ممكن".
ثم نظر لأمجد مستطلعًا رأيه، فقال:
"أوافق".
تابع على الذي لم يخف عليه تغير أمجد الجلي، لكنه لم يكن الوقت مناسب لأي سؤال شخصي:
"ما يثير استغرابي بشدة لِمَ الأرضية منقوشة أيضًا؟!، وليس هذا فحسب، بل النقوش بلغة تشبه الهيروغليفية، لكنها ليست هي، ولا علم لي بمعناها".


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-01-22, 09:00 PM   #25

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع
رد أمجد بفتور بينما ينظف أدواته:
"أنا لم أعد استغرب أي شيء، ولا أجد تفسيرًا لذلك، ربما سنعلم عندما نُنهي اكتشافنا".
أوقفهم جيمس عن العمل بعد قليل قائلًا:
"لقد وجدت جعران (خنفساء)".
أخذته سحر ووضعته في غلاف؛ لدراسته بعد تصويره، وبحلول العصر كانوا قد أزاحوا الرمال عن نصف متر جديد من السور، وحدث بعده ما أسعدهم جميعًا حينما تفاجؤوا بحازم يلقي عليهم السلام، ثم قال:
"أتيت للإطمئنان عليكم قبل أن أعود لأسرتي صدقًا اشتقت لكم ولأجواء العمل واجتماعاتنا الليلية حول النيران بشدة".
أقبل الجميع على حازم يحمدون الله على تمام شفائه، وخروجه من المشفى بخير حال بيننا يقول مهاب بحبور:
"لقد أصر أن نأتي؛ لنسلم عليكم أولًا، فلم أتمكن من الإعتراض خاصة أنني افتقدتكم أيضًا".
اقترب ياسر من حازم معانقًا، فقال له بسعادة:
"عندما أعود سنُحي ليالي الصحراء كما اعتدنا في مهماتنا السابقة، أوصلوا سلامي للجميع، يجب أن نتحرك الآن حتى نصل قبل الليل".
تابع الفريق العمل، وتأكدت صحة نظرية علي وريناد حول الجدارية، وعلى الجانب الأيمن من السور اتضحت نقوش كثيرة تروي قصة ما، أو سطر عبرها تعويذة ربما، لم يتضح لهم ذلك بعد خاصة عندما توقف العمل؛ لكي يصلوا ويستريحوا لنصف ساعة، وبحلول المغرب كانت الجدارية كما الأرضية بأكملها قد انتهت إزاحة الرمال عنهما، وفي المنتصف بناء ما اصطدمت به الفؤوس، لكن الإرهاق الشديد كان قد نال منهم جميعًا، فقال أمجد:
"يكفي ذلك، سنكمل غدًا".
اقتربت سارة تتحدث لسحر هامسة بينما تربت على كتفها:
"حبيبتي ماذا قررتِ فيما يخص لمس الياقوتة مجدّدًا؟!".
لمست سحر مرفقها لا إراديًا وهي شاردة، ثم قالت:
"ربما يومًا أخر".
عادوا للنبع حيث الخيام، وصلوا المغرب، ثم التفوا حول النيران في عادة يومية جديدة اكتسبوها من جو الصحراء الفريد خاصة بعد الغروب، وانصرف علي لخيمته؛ ليعمل على الأوجات التي وجدوها بينما عملت سحر على دراسة الجعران في ضوء النيران، وكعادة سارة المغرمة بكل ما يكتشفون جلست صامتة جوار سحر بينما تكتب تقريرها، وعندما انتهت منه، واتصلت بجدتها كما اعتادت أن تفعل يوميًا تخبرها بتفاصيل ما يحدث معهم قالت لسارة التي يتفجر الفضول من عينيها:
"تريدين معرفة ما نُقش على الجعران أليس كذلك؟!".
شدت على يدها بقوة، وقالت:
"بالتأكيد".
أخرجت سحر الجعران من غلافه بعد أن ارتدت قفازاتها؛ وقلبته على ظهره، ثم قالت:
"لقد نقش على الجعران أمنية كما تعود قدماء المصريين، فعندما كانوا يرغبون بشيء ما بشدة، كانوا يقومون بنقش أمنيتهم على ظهر جعران كل حسب مقدرته لصياغته".
سألتها سارة بلهفة:
"وماذا تمنى أصحاب ذلك الجعران؟!".
أجابتها بابتسامة رائقة زارتها أخيرًا بعدما وقعت في حب تلك القطعة الرائعة:
"صاحبة الجعران كانت تتمنى الإجتماع بحبيبها في العالم الآخر".
ثم التفتت لأمجد، وسألته:
"ما نوعية الحجر الذي يمثل قرص الشمس أعلى رأس الجعران؟!" .
كانت القطعة أجمل من أن يتجاهلها خاصة حينما تجلت في عينيه نظرة تقدير لشدة جمال الجعران وألوانه إضافة لروعة صياغته، فقال:
"الكوارتز الذهبي، ويعتبر من الأحجار الكريمة نادرة وجود خاصة بذلك النقاء".
أذَّن ياسر للعشاء، فصلى الجميع، ثم ذهبوا للنوم عدا علي الذي بقي ساهرًا؛ ليكمل عمله، وياسر الذي سلبه القلق والتفكير القدرة على النوم بعدما لاحظ نظرات علي لسحر خاصة عندما حدثته البارحة، كانت الغيرة تنهش قلبه، لكنه لا يملك إلا صبرًا، يدافع عنها قلبه بأنها لم تعلم بطلبه بعد، كما أنها لم تتجاوز حدود الأدب هي لم تنظر لوجهه حتى، وبينما هو غارق في افكاره كان علي قد أنهى عمله، وكتب تقريره، ثم ذهب حيث يجلس، ثم سأله والحرج يكتنفه:
"إن كنت أحب فتاة بشدة فكيف أخطو تجاهها؟، كيف أعبر عن حبي لها، وأعلمها به؟، لقد حاولت كثيرًا لكن دون فائدة".
وعلى الرغم من الغم الذي استولى على قلب ياسر حينما خمن هوية الفتاة التي يقصدها علي قال:
"بكل بساطة اذهب إلى والدها، واطلبها زوجة لك، أقرب طريق للوصول هو الطريق المستقيم".
اشتعلت دماء علي بالحماسة الشديدة خاصة أنه كان يصعب الأمر على نفسه كثيرًا، والحل بسيط، بل بسيط جدًّا ومنطقي أيضًا، وقال مصوبًا طعنة جديدة لقلب ياسر عامدًا:
"أذن سأطلب يدها من أخيها".
وفجأة انطفأت حماسته كما اشتعلت، وقال بصوت منكسر تخلله شظايا قلبه المحطم:
"ماذا إن أخبرتني أنها كانت تحب غيري؟!".
انتعش الأمل مجددًا بقلب ياسر، فلا يمكن أن تكون سحر المقصودة، بالتأكيد هو أساء تفسير نظرات علي البارحة، وقال:
"إذن اتركها يا صديقي حتى تتعافى بمفردها، وتقرر البدء من جديد، ثم اقتحم حياتها بكل قوة، ولا تسمح لها بالتراجع أبداً".
ثم ربت على كتفه، وتابع حديثه برفق:
"إن كنت تحبها حقاً، وتتعذب الآن، فاقترابك منها وأنت تعلم بحبها لغيرك سيقتات على روحك، ويقتلك حيًا".
كان علي مشتتًا حاقدًا متألمًا بحق، وقد قهر قلبه عزوفها عنه، لكنه سأله على كل حال:
"هل تعتقد ذلك حقًا؟!".
أصدق له ياسر النصيحة قائلًا:
"بالتأكيد، معاناتك ستدمر حياتكما حتى إن أحبتك، فلن تنسى لها أبدًا أنها كانت تحب غيرك خاصة إذا أعطيتها كل ذلك الحب والتفهم الذي أراه مرتسمًا على وجهك".
وعلى الرغم من صعوبة ما سيتفوه به لاحقًا إلا أن واجبه يحتم عليه إخباره بحقيقة الأمر؛ كي لا يعاني أكثر:
"ستحرق الغيرة روحك يا صديقي مستنزفة طاقة صبرك، ولن تنال سوى الألم، وربما يتحول الحب بداخلك لكراهية ورغبة عمياء في إذائها والإنتقام منها؛ لإيلامك هكذا".
بعذاب بالغ أقر علي بحقيقة الأمر، وصاغه في سؤال قائلًا:
"وماذا إن لم تشعر بي؟!" .
شدَّ ياسر على كتفه داعمًا، ثم قال:
"إذن هي ليست نصيبك، ومهما حاربت لن تكون لك، فلا تدمي قلبك فيما لا يفيد، ولن يتحقق من ورائه طائل ربما قدرك يخبئ لك من هي خير منها".
كان صدق ياسر في نصيحته يزيده غضبًا من نفسه واستحقارًا لها، وعلى الرغم من تأنيب ضميره الذي لا يرحمه، لكن ضعف نفسه غلبه، فأخرسه وقال:
"لكنني لا أريد سوى سحر".
سيطر السكون على الجلسة ياسر يحترق غيرة ووجعًا، وعلي تكتوي نفسه بسعير التأنيب حتى مرت الليلة، كما يمر كل شيء، فلا عسر يدوم، ولا يسر يستمر، واستيقظ أمجد قبل الفجر بساعة، لكنه فضل الاختلاء بنفسه، ولم ينضم لهما، وجلس في هدوء وسكينة يسبح الله يسأله أن يلهمه الصواب، وانتبه من سهوه عندما أمسكت سارة بيده قائلة:
"أنت أهل لها، ومادمت لم تسع للمنصب؛ سيعينك الله عليه".
شدت كلمات سارة الرقيقة من أزره، فقبَّل كف يدها من الداخل، ثم نظر لعينيها قائلًا:
"أحبكِ سارة، كلماتكِ هذه خففت عني الكثير".
استيقظ الجميع، وصلوا، ثم تناولوا طعامهم صامتين كل ينوء صدره بما يحمل من هم تظلل غمامة كئيبة يومهم، لا يعرفون لانقشاعها طريقًا، فصمت كل منهم مخفيًا شديد ما يجد متلاهيًا بالعمل؛ لعله يشغل عقله المرهق ولو لفترة، لكنهم لم ينجحوا، وتجلى ذلك حينما أوشك على أن يكسر طرف البناء الصغير الذي يعملون لإزاحة الرمال عنه، فقال بعدما ترك أدواته جانبًا:
"أسف أمجد ذهني مشتت بشدة، سأستريح قليلًا، ثم أعاود العمل معكم".
أكمل الجميع عملهم بصمت مطبق، والشرود يطوقهم جميعًا حتى قاطعهم جيمس قائلًا:
"لا أدري ماذا حل بكم جميعًا منذ الصباح، اتركوا العمل إلى أن تستعيدوا تركيزكم؛ لن تنجزوا شيئًا هكذا".
وكأنما أمجد كان ينتظر مثل ذلك الإقتراح، فقال على الفور:
"لا بأس نرتاح الآن، ثم نستأنف العمل بعد ساعة".
جلس الجميع عند النبع ياسر بقلب منقبض منذ الأمس، واعتراف علي بحبه لسحر يعاد بعقله ملهبًا غيرته، كما أن وجودهم بمعبد غارق بالتعاويذ، معد لطقوس السحر وتقديم القرابين لرموزه يزيده كآبة، فتلى آيات من القرآن الكريم للوقاية من السحر، فهدأت النفوس، ومع نهاية تلاوته عادت للقلوب سكينتها واستقرارها، واقتربت سحر من أخيها، ثم جلست بجانبه، وقالت:
"آسفة أخي، حملتك فوق طاقتك، لكنني ضائعة متعبة، ولا أدري ماذا يحدث معي".
كانت نظرات عينيه المتفهمة خير دواء لحزنها، ومن يشد عضدها غير أخيها الحبيب الذي قال لها:
"لا أعتقد أبدًا أنكِ تحتاجين للإعتذار، أنتِ غاليتي، كل ما حدث كان؛ لشدة خوفي عليكِ، لكن ذلك لا يعنيوأنني لن أكون بظهركِ دائمًا، فمادمت حيًا سأظل سندكِ _بعد الله عز وجل".
ثم ربت على يدها، والتفت موجهًا حديثه للفريق:
"هيا للعمل على بركة الله لقد أضعنا وقتًا كافيًا، جزاك الله خيرًا ياسر، كانت تلاوتك دواءً ناجعًا".
استأنف الجميع العمل وهالة من الطمأنينة تشملهم، وقرب وقت الظهر كانوا قد انتهوا من إزاحة المساحة المتبقية من الرمال، واتضح لهم الجزء المقابل لجدارية لوحة الشفاء ممتلئ بكتابات هيروغليفية، وأسفل منها نحت لمزارعين يحصدون أرضًا زراعية، ويقدمون من خيراتها لخادمات الملوك الثلاث الجالسين على كراسيهم المذهبة اللاتي يقمن بتقديمها لهم في أوان لامعة تكاد تحسبها حقيقية من شدة الدقة وجمال الألوان وسطوعها مشكلين لوحة نابضة بالحياة، وفي منتصف الساحة ظهر حوض الشفاء المرصود كاملًا أعلاه نفس اللوحة على الجدارية، لكنها مصغرة يحتضنها تمثال الأميرة رِينِّينَا الضامة ساقها لصدرها في رقة، لم يسلبها الصخر الصلد إياها، تتناثر على حوافه الأواني الذهبية والفضية والبرونزية المزخرفة التي قام علي وأمجد بجمعها، ووضعها في الأغلفة المخصصة لها، كما وجدوا العديد من الجعارين مختلفة الأحجام والخامة، فمنها ما هو حجري، ومنها ما هو أنفس كالفيروزي، والعديد من الأحجار الكريمة الأخرى جميعها منقوش على أظهرها أماني أصحابها إلا أنه ما من واحدة تنافس الأولى في جمال الشكل ودقة الصياغة وثراء المعدن النفيس، أو حتى الحفر البارع للنقوش على ظهرها، وكانوا كلما وجدوا مقتنيات أكثر كلما التهبت حماستهم أكثر، وضاعفوا جهدهم متابعين إزاحة الرمال، ليجدوا خلف الحوض تمثالين أحدهما لشيدو لاماسو يمين الحوض، والآخر لإيزيس علي يساره فوق منصات جرانيتية سوداء باسطي أجنحتهما العملاقة، وأخيرًا بعد صلاة العصر بساعتين ظهرت لهم البوابة المفضية للمعبد بنقوشها وزخارفها البديعة منقسمة لقسمين متطابقان لهما في المنتصف ثلاثة ألواح بارزة تشكل عندما تلتقي الزاوية العليا للمثلث مليئة بالرموز والنقوش أشبه ما يكون بالبوابات البديعة للهرم الأكبر، ويعلو هذه الألواح نحت بارز لأمون_رع جالسًا وحورس واقفًا من خلفه بوجهي عقاب، يحتلان منتصف مركب الشمس في شموخ، وقرص الشمس الملتف بالحية يتلألأ فوق رأس رع_أمون، والتاج الملكي للجنوب والشمال فوق رأس حورس بينما في المقدمة يقف ست ممسكًا برمحه مستعدًا للزود عنهم، وفي الخلف إيزيس وأوزيريس ممسكين بالعنخ وصولجان واس.
كان الفريق يتأمل جمال بوابة المعبد عندما رن هاتف أمجد الذي صاح بزعر بالغ متسائلًا:
"ماذا تقول؟!، متى حدث كل ذلك؟، لقد كان بخير البارحة، هل أرسل لك ياسر ليكون بصحبتك؟".
صمت قليلًا يستمع لمحدثه، ثم قال يحاول أن يهدأ من ذعره:
"خيرًا إن شاء الله، من فضلك مهاب طمئنني عليه ما أن ينتهي الفحص الجديد، شفاه الله وعافاه" .
كانت التساؤل مرتسمًا على وجه الجميع، لكن من نطق به كان ياسر:
"ماذا حدث أمجد؟".
"لقد توعك حازم بشدة في الطريق، وعاد به مهاب إلى المشفى، وحُجِز بالعناية المشددة إلا أنه منذ قليل توترت الأجواء، واستمر في زيارته الكثير من الأطباء، وأخرهم لم يطمئنه بعد".
قاطعه ياسر متسائلًا:
"أيحتاج لذهاب أحدنا إليه؟، يوم عملنا انتهى على كل حال".
تابع أمجد حديثه:
"لا تقلق ياسر، لقد اتصل بهشام، إنه يسألنا الدعاء لحازم، فتأخر الأطباء، وتتابعهم عليه أقلقه".
دعوا من قلوبهم لحازم بالشفاء في نفس الوقت الذي وقف فيه هشام يلتقط أنفاسه بعدما أسرع إلى مهاب ما أن اتصل به يسأله:
"كيف حاله؟".
أجابه بخوف شديد لازال يسيطر عليه:
"لا أعلم هشام، لا أعلم".
ثم صمت يسترجع أحداث صباح الأمس حينما بدى حازم بصحة جيدة، وفي منتصف الطريق ظهر عليه تعب بسيط ظن أنه ناتج عن الإرهاق بعد طول رقوده بالمشفى، أما أثناء رحلة العودة فقد كان يتصبب عرقًا، كما أن حرارته ارتفعت بشدة، فعاد به للمشفى بنويبع مسرعًا؛ لوجود ملفه الطبي بها كاملًا، وبالتالي لن يعطلهم إجراء فحوصات وتحاليل جديدة إن ذهب به لمشفى أقرب، ولازال ما حدث بعدها يقلقه بشدة خاصة تنفس حازم بصعوبة شديدة حتى ازرق وجهه عندما وصلوا، وها هو ذا في العناية المشددة من وقتها، قال هشام بعدما لاحظ شروده، وانتقلت له عدوى خوفه:
"أنا سأتصرف".
وعندما انصرف؛ لتفقد الأمر تجمع عدد كبير من الأطباء والممرضات حول الغرفة، وسادت الاجواء حالة من الهرج والمرج، تجلت في وجوههم التي يظهر عليها الترقب الشديد، ودفع كل ذلك التوتر المحيط بمهاب للتوجس خيفة، فابتهل إلى الله بالدعاء لحازم، ثم اقترب من أحد الأطباء، وسأله:
"ماذا يحدث؟، لِمَ كل ذلك العدد من الأطباء؟".
أبدل الطبيب الإجابة بسؤاله:
"لِمَ أنت هنا الآن؟، وقت الزيارة انتهى".
صاح به مهاب بعدما لاحظ تهربه من إجابته:
"أنا لم أطلب زيارته، أنا أسأل لِمَ لم يطمئنني عليه أحدكم حتى الآن؟!، ماذا يحدث؟!".
ازداد الطبيب توترًا، وقال بعصبية:
"المريض حالته حرجة جدًا، لقد حدثت له مضاعفات خطيرة لا علم لدى بتفاصيلها".
ثم أضاف يبرئ نفسه:
"لست الطبيب المسؤول عنه، أنا هنا؛ لأنه تم استدعائي للحضور على الفور، ولم أفهم أي تفاصيل بعد، من فضلك يجب أن أنضم لهم".
وقف مهاب حيث هو ينتظر خروج أحد الأطباء، وانضم له هشام الذي سأله:
"هل علمت أي شيء؟".
"لا، لكن هناك أمر مريب، ويجب أن أعلمه".
انصرف هشام ثانية باحثًا عن إحدى الممرضات بالمشفي كان يعرفها من قبل قال لها:
"سيدة حبيبة أريد أن أعرف ماذا حدث للمريض بغرفة العناية المشددة؟، لِمَ كل ذلك التوتر؟!".
اصطحبته لغرفة الممرضات، ثم قالت له بصوت خفيض:
"الممرضات يتحدثن أن الدكتور سامي قد أخطأ مجدّدًا، وأنه السبب فيما يحدث للمريض، لكن لا أحد يعرف ماذا حدث بالضبط".
"ولِمَ ذلك؟".
"طاقم التمريض والطبيب المشرف على الحالة قد تم استدعائهم لمكتب مدير المشفى، كما أنه يتابع حالة المريض بنفسه".
ازداد خوف هشام على حازم الأخ والسند قبل أن يكون الصديق، يفتديه لو استطاع بعمره، فقليل من هم أمثال حازم معطائين مخلصين لا يتخلون عن أصدقائهم أبدًا مهما كانت العواقب، فبعد الله _عز و جل_ لم يساعده سوى حازم ومهاب في رفع الظلم الذي وقع عليه، وليس ذلك فقط بل بذلا قصارى جهدهما؛ لإنقاذه وإثبات تعرضه للظلم، وأنه ضحية المفسدين وليس أحدهم، كل ذلك مر بخاطره في ثوانٍ معدودة، فشعر أن الدنيا أصبحت أضيق من ثقب الإبرة بعينيه، فاستغفر الله واستعاذ به من الشيطان الرجيم، ثم سأل الممرضة:
"هل الدكتور محمود من ساعد في إخفاء أخطاء الطبيب سامي السابقة؟".
نفت حديثه بشدة قائلة:
"لا لا، لم يكن المدير وقتها هو نُقل إلى هنا منذ شهر تقريبًا، وكان موضوع الحالة الأخيرة قد تم حله بطريقة ما".
"وما رأيكِ فيه؟".
"شهادة حق لله هو مختلف تمامًا عن المدير السابق عادل لا يفرق، الكل عنده سواء، من أخطأ أيًا كان يعاقب، ومن أحسن أيًا كان يثاب".
"شكرًا سيدتي، جزاكِ الله كل خير".
"الشكر لله أستاذ هشام، لن أنسى لك وقوفك بجانبي وزوجي حينما تخلي الجميع عنا".
رجع هشام إلى مهاب، وسأله:
"هل هناك أي جديد؟".
"لا ليس بعد".
فُتح الباب، ثم اقترب منهم الدكتور محمود قائلًا بأسى:
"البقاء لله، أعلم أن ما سأقول شديد القسوة عليكم، لكن الجرح تلوث، وأدى ذلك لصدمة إنتانية، توقفت أعضاء الجسم على إثرها عن العمل".
ربت على كتف مهاب الذي انهار من وقع الصدمة، وتابع حديثه مع هشام الأشد سيطرة على نفسه:
"حاولنا إنقاذه، لكن أمر الله نفذ، سأنهي التقرير سريعًا؛ لكي يتمكن أقارب المتوفي من استلام الجثمان".
نظر مهاب بتيه من حوله، لازالت الصدمة تشل تفكيره، لا يدري ماذا يجب أن يفعل، لا يستوعب إلى الآن ما حدث، يتساءل بينه وبين نفسه بذهول "حقًا حازم توفاه الله، أخيه وصديقه الوحيد قد فارقه، كيف ومتى حدث كل ذلك؟!، لقد كان معه منذ ساعات فقط، وكان بخير"، وهتف من أعماق قلبه:
"يا ألله أسألك الصبر".
سمعه هشام، فقال شادًا على يده:
"تجلد يا صديقي، نسأل الله لنا وله الثبات، قل لا اله إلا الله".
قالها مهاب مغيبًا، وعيناه تمتلأ بالدمع يجاهد؛ لكي يبقيه حبيس عينيه، ثم أخرج هاتفه ليتصل بعم حازم، وأبلغه بما حدث؛ لكي يستلم الجثمان، وتلى ذلك فترة عسيرة من الانتظار الأليم لقلبه، أمسك فيها مهاب بمصحفه لقراءة ما تيسر له من القرآن، والدعاء لحازم بالرحمة والمغفرة والتثبيت عند السؤال، مر الوقت ببطء شديد حتى أذن العشاء، فذهب للصلاة، ثم اتصل بأمجد يخبره بوفاة حازم، وعاد ينتظر مجيء هشام الذي أقبل عليه يكاد الحزن والإرهاق يقتلانه، وقال له:
"لقد انتهت الإجراءات، الجثمان جاهز للغُسل الآن".
"أنا سأساعدك".
وعلى الجانب الأخر كانت ليلة عصيبة أخرى تمر على الفريق جوار النبع، فللأمسية الثانية على التوالي لازالت الكوابيس تطارد سحر التي استيقظت فزعة كما الأمس، فسألتها سارة والتعب يفتك بها:
"بماذا حلمتِ اليوم؟".
استوت جالسة، ثم قالت:
"لقد حلمت برِينِّينَا إلا أنني هذه المرة لا أتذكر سوى لقطات متفرقة من الحلم اختلط فيها الواقع باستغاثتها، لكن الجديد كان وصية جدتي لي".
انتبهت سارة، ورفعت رأسها عن وسادتها، بعد أن كانت نائمة، ثم قالت:
"وبماذا أوصتكِ؟، وما علاقة جدتكِ برِينِّينَا؟!، فللمرة الثانية تشاهدينها في حلمكِ" .
جذبت شعرها بخفة، تكاد تفقد صوابها، ثم قالت:
"هذا ما لا أتذكره أبدًا، مهما حاولت استعادة تفاصيل الحلم إلا أن وصية جدتي ظلت مبهمة، وكأن غشاوة تحجبها عن عقلي، لقد حاولت جهدي أن أتناسى الموضوع برمته، لكن أحلامي أبت علي ذلك".
اشفقت عليها سارة مما تجد، وقالت لها:
"بماذا تشعرين سحر؟، بماذا يخبركِ قلبكِ؟".
تنفست سحر بعمق بالغ، تحاول التركيز، ثم قالت حائرة:
"إحساس غامض يخبرني بأهمية إعادة التواصل مع رِينِّينَا مرة أخرى، مشكلتي الكبرى أنني لا أدرى لهذا التواصل سبيلًا، لا أدرى ماذا أفعل، أو كيف أتذكر؟!".
"بالتأكيد رِينِّينَا هذه لا تدري أنكِ لا تعلمين كيف حدث التواصل من البداية أصلًا؛ لذلك تظنكِ رافضة له، أو ربما أنتِ لستِ جاهزة بعد".
سألتها مرتبكة:
"إذن في رأيكِ ألا أحاول مرة ثانية؟".
ربتت سارة على يدها، ثم قالت:
"نعم حبيبتي، لقد جربتِ من قبل، كما أنكِ لا تعلمين طريقة جديدة لتجربيها، أما إن كنتِ غير جاهزة بعد، فأعتقد أن الأمر سيحدث تلقائيًا عندما تكونين مستعدة".
"معكِ حق".
في نفس الوقت، لكن بمشفى نويبع، وصلت والدة حازم يسبقها قلبها وروحها؛ للإطمئنان على ولدها الأثير، تستند إلى ابنتها همس، وما أن أبصرت مهاب حتى قالت:
"ماذا به مهاب؟، وكيف حاله الآن؟، طمئني عليه، يكاد قلبي يتوقف خوفًا، ما مدى خطورة حالته؟".
اقترب منهم العم والأسى والحزن يمزقان فؤاده قائلًا:
"لقد عادت روحه لبارئها أم حازم البقاء لله، سبحان من له الدوام".
صمت قاتل غمر الجميع، وكأن على رؤوسهم الطير، توقفت أثنائه والدة حازم حيث هي تنظر إليهم بتيه فرض نفسه على واقعها، ثم صرخت بأسى صرخة تردد صداها بأرجاء المكان:
"حازم".
وخانتها قدماها على الرغم من شدة تشبث ابنتها بها إلا أنها سقطت وإياها أرضًا تغرق الدموع أعينهما، لا تنطقان ولا حتى تستمعان لما يقال لهما، وكأن حجابًا قد ضرب بينهم عزلهما وحدهما بعيدًا عن الجميع، ساعد مهاب والدة حازم، وأجلسها على الكرسي الأقرب إليهم بينما قامت همس وحدها، فأسندها عمها، ثم قال لها:
"قولي إنا لله، وإنا إليه راجعون حبيبتي".
رددتها خلفه ترجو من الله أن يربط على قلبها ويصبرها بينما طافت والدة حازم في عالم غير العالم شاردة لا تطرف عينها حتى كأنها جسد سلبت منه الحياة، ولولا دموعها وأنفاسها الرتيبة لظنوا أنها لحقت بولدها، وفجأة بدأت شهقات والدة حازم تتعالى، ودخلت بنوبة هستيرية من البكاء، فأسرع مهاب إليها، ينادي على ممرضة؛ لتسعفها نقلتها لغرفة مستقلة، ثم رفعت لها قدميها، إضافة لجلسة أكسجين تساعدها على التنفس، وأعطتها قرصًا مهدئًا، وبعدما انتهت الجلسة، وأفاقت قليلًا من تأثير المهدئ، سألت والدة حازم:
"ماذا حدث له مهاب؟، لقد حدثني قلبي أن سوءً قد أصابه بعدما شعرت بألم حارق يغمر صدري صباحًا، وقلب الأم لا يكذب أبدًا، لكنني رفضت التصديق، متى تو....".
لم تستطع أن تكملها، تبكي بشدة تكاد نفسها تذهب عليه حسرات لاحقة به، لولا صبرًا وتثبيتًا أفرغه الله على قلبها؛ لماتت كمدًا، فحكى لها مهاب بالتفصيل ما حدث، وكل دمعة كانت تفيض من عينيها، أو عيني همس كانت كماء النار تكوي قلبه، عاجز هو عن التخفيف عنهما، أو عن نفسه حتى، يسأل الله له ولهم الصبر والقوة؛ ليتحملوا، ثم خرج والعم ياسين من الغرفة، وجلسا أمام بابها حتى عاد هشام ما إن أنهى عمله بعدما تم استدعاؤه لأمر عاجل، وأخبره مهاب بما حدث، ثم أضاف:
"لا أدري هل ستريدان رؤيته، أم لن تقويا على ذلك، والدته منهارة بالداخل".
"على الرغم أنني لا أحبذه إلا أنني لا أستطيع منعهما إن أرادتا ذلك، لكن يجب أن نسرع؛ لنتمكن من الصلاة عليه فجرًا".
طرق هشام باب غرفتها، ثم قال:
"البقاء لله سيدتي، أنا هشام صديق حازم رحمه الله، لقد انتهت كل الإجراءات اللازمة، وجهزناه للدفن".
قاطعته والدة حازم بينما تقوم من سريرها:
"أريد أن أراه لآخر مرة".
شهقت همس، وأمسكت بيدها قائلة:
"لا أمي، لا تفعلي ذلك بنفسكِ، قلبكِ لن يتحمل".
"لن أسامح نفسي أبدًا، ولن أقوى على الصبر؛ إن لم أودعه للمرة الأخيرة".
يئس هشام من إمكانية أن تغير رأيها، فقال لها:
"تفضلي معي سيدتي، أسأل الله لكِ الثبات والصبر".
ألقت والدة حازم النظرة الأخيرة عليه، ودموعها تغرق وجهها بينما ينازع قلبها ألمًا، ثم مسحت بيدها على وجهه، وقبَّلت جبينه سائلة الله له العفو والمغفرة وأن يسكنه الله فسيح جناته، وخرجت من عنده تستند لمهاب بينما ينهي هشام تجهيزه، وتوجهوا للمسجد؛ كي يصلوا عليه، ونقلوه بعربة الإسعاف إلى الإسكندرية حيث مثواه الأخير راجين أن يكون قبره روضة من رياض الجنة، أما عند النبع فاستيقظ الجميع، وأدوا صلاة الفجر، ثم أخبرهم أمجد بوفاة حازم التي وقعت على أنفسهم كالصاعقة، وانهار عقب سماعها جيمس أرضًا على الرمال يبكيه بحرقة، أورثت قلوبهم حزنًا فوق حزن، فاقترب منه ياسر رابتًا على كتفه واعيًا بمدى وطأة الخبر عليه، ثم قال:
"اهدأ جيمس، هو بمكان أفضل الآن، أحسبه من خير الرجال، اسأل الله له الجنة، اصبر يا صديقي كلنا مفارقون، والذكي من يجيد استثمار رحلته".
اجتمع باقي الفريق حول أمجد الذي قال بتأثر شديد بعد أن دعا لحازم :
"أعلم أن هذا قاسي عليكم، لكن لا يجب أن يتوقف العمل، سنكتفي بإنهاء إزاحة الرمال عن الأرضية؛ ليقوم علي بترجمة نقوشها بعد أن ينهي ترجمة كتابات الجدارية الأخيرة".
ثم التفت، وقال:
"وأنتِ آنسة ريناد ستقومين بترجمة أول جزء من السور، هيا للعمل على بركة الله".
لكنه توقف فجأة، وسأل علي:
"هل أنهيت تقريرك عن الأوجات؟".
وما إن سأله أمجد هذا السؤال حتى مرت أحداث الأمس كاملة أمام عينيه فزادته غمًا إلا أنه قال بمهنية منحيًا مشاعره جانبًا بينما يقدمها لأمجد:
"نعم أنهيته، التميمة تحوي نصوص وتعاويذ سحرية للحماية من الشرور، كما رموز القوة الملكية، بمعنى أوضح هي رمز شمسي لرع وحورس معًا يجسد النظام والصرامة، كما الوضع المثالي المستقر لحكم مالكها".
دقق أمجد النظر إليها، وجذب عينيه لونها الأزرق الفريد عَمَّا سواه، ثم قال:
"جيد علي إلى الآن ما اكتشفناه يعتبر كنز من المعرفة لتاريخ هذه الحقبة الزمنية خاصة أنه لم تلمسه يد التخريب، أو النهب".
قام كل منهم بعمله الذي أوكله له أمجد، وبعد ساعة توقف ياسر عن العمل، واقترب من أمجد قائلًا:
"الحوض به شروخ تحتاج الترميم فورًا، سأعمل على انهائها أولًا قبل أن يزداد تضررها".
"لا مشكلة ياسر هذا عملك، وأنت الأدرى به".
تابعوا عملهم بإتقان قدر الإمكان متغلبين على ما يشغل بالهم، ويصيبهم بالحيرة والشجن إضافة لوفاة حازم والألغاز التي ملأت المكان، وبحلول الظهر كان كل من علي وريناد قد انجزا عملهما بشكل أسرع؛ بفضل تعاونهما معًا، فقال علي:
"لقد أنهينا ترجمة الجدارية، وما توصلنا له أنها نصوص سحرية مخصصة؛ لإنماء النباتات وحمايتها من الآفات، وأخرى لتشفي هذه النباتات من الأمراض، كما وجدنا تعويذة ثالثة؛ لإبعاد الxxxxب والأفاعي".
توقف عن الحديث، ومسح قطرات العرق المتجمعة على جبينه، ثم تابع:
"بالإضافة لتعاويذ حورس للحصول على القوة والشجاعة والصحة، وإذا كان تصورنا صحيحًا؛ فحول ذلك المعبد كانت تزرع هذه النباتات، وتسقي إما بمياه الأمطار الساقطة".
قاطعت ريناد حديثه مختلفة معه في الرأي قائلة:
"أعتقد أن الأقرب للصواب أنهم كانوا يجلبون الماء إلى هنا بطريقة ما، فهناك قنوات صغيرة جدا محفورة بهندسة رائعة، ثم كانوا يمررون الماء على هذه التعاويذ".
التفت علي وأمجد ناظرين حيث أشارت، وتابعت هي حديثها:
"فتحمل معها السحر للنباتات، لا أدري هل كانوا يزرعون أنواعًا محددة فقط من النباتات، أم بمختلف أنواعها، ثم كانت تقدم للملوك؛ للحصول بركة المعبودات كما كانوا يظنون".
كان أمجد لا يدري أيستبشر خيرًا من المعدل الجيد الذي يتقدمون به، أم يتوجس خوفًا كلما تكشف لهم سر جديد، لكنه قال بحيادية دون أن يوضح حقيقة شعوره:
"جيد جدًا، ونحن أنهينا إزاحة الرمال بالكامل، تستطيعون العمل على نقوش الأرضية بعد الصلاة".
"انتظر هناك ملاحظة أخرى على المساحة الرخامية المصقولة".
عاد أمجد إلى حيث كانوا وافقين، وقال علي:
"إنها مقسمة لمصفوفات أسطوانية الشكل متساوية الأبعاد، تحوي كل واحدة منها على تعويذة سحرية مختلفة، بالطبع لا أعلم معناها أغلب الظن أنها مكتوبة بلغة خاصة بالكهنة السحرة".
قال ياسر لأمجد بعد أن أنهى مناقشته مع ريناد:
"لقد أنهيت ترميم الأجزاء المتضررة، واكتشفت المزيد من النقوش عبر هيكل الحوض الخارجي".
ثم وجه حديثه لريناد قائلًا:
"أعانك الله آنستي ينتظركِ عمل شاق".
التفتت سحر بحدة تنظر إليه تفتك بها الغيرة، والتقت نظراتهما تعاتبها عيناه المتألمة، فيتردد صدى وجعه بصدرها هي، على الرغم من جهلها بما حل به، لكن نظراته مختلفة بها شيء غامض إضافة للألم فشلت في تفسيره بينما كان هو غارقًا في بحر أخر من الهواجس أشدها تمكنًا منه سؤالين، لماذا اختاره علي؛ ليخبره بكذبته تلك أيعلم بحبه لسحر؟!، خاصة عندما تيقن بعدما هدأ من كذبه، لا يصدق أبدًا أن تحدث سحر رجلًا في أمر بهذه الخصوصية، لا يمكن أن تفعل أكيد هو من ذلك، لكن لماذا يكذب علي؟!، سؤال بقى دون جواب، نفضه عن عقله حينما قال أمجد:
"أوشكت الشمس على الغروب، لن نفتح المعبد اليوم، بل غدًا إن شاء الله".
تحرك الجميع، بينما بقت سحر واقفة كما هي شاردة بعمق، فسألها بدهشة، وقد فهم ما يشغلها:
"أتريدين إعادة التجربة سحر؟!".
صمتت حائرة، لا تدري ماذا تريد حقًا، وقالت لها سارة بينما تمسح على رأسها:
"ألم نتفق فجرًا على تأجيل الأمر حبيبتي؟!".
قالت بتعب بالغ:
"سأجن من فرط التفكير، يجب أن أحاول مجدّدًا".
سألها أمجد بهدوء؛ لعله ينجح في إقناعها:
"لِمَ لا تتغاضين عن الأمر، وتتركينه على حاله؟، ربما هو شر قد صرفه الله عنكِ، لِمَ تذهبين له بقدميكِ باحثة عنه؟!" .
"أعلم أخي أنك تخاف على كثيرًا، وأنا أيضًا خائفة لا أنكر".
ضمت شفتيها بقوة ضاغطة على السفلى بأسنانها، وقالت:
"لكني لا أعلم كيف أوضح لك حقيقة ما أشعر به، هناك شعور داخلي يدفعني دفعًا لتكرار التجربة لا أجد له تفسيرًا إلا أنه أقوى من أن أتجاهله، أو أن أصرف تفكيري عنه".
حاولت سارة إقناعه قائلة:
"دعها تجرب أمجد لن ترتاح حتى تصل لحقيقة ما حدث لها، فتهدأ أفكارها، ولا تظل تنخر دماغها كالسوس".
أفسح أمجد لها المجال، فتحمست ومدت أصابعها تتلمس الياقوتة، لكن لم يحدث شيء اليوم أيضًا، وأخذت على إثر محاولتها نفسًا عميقًا، ثم زفرته، وقد تهدل كتفيها إحباطًا بينما تقول:
"يبدوا في نهاية الأمر أنني مضطرة للإنتظار مجدّدًا".
حدثتها سارة مواسية:
"لا تحزني حبيبتي، ربما كان نوعًا ما من التواصل نشأ لأسباب مجهولة، وانقطع كذلك لأسباب مجهولة، وربما يحدث مرة أخرى".
جذبها أمجد برفق من يدها متجهين للنبع، ثم قال:
"لعله خير سحر، لا تبتئسي هكذا أختي، ولا تدعي حماستكِ تخفت، على الرغم من استغرابي الشديد لحماسكِ المبالغ فيه هذا، فالأمر مخيف جدًا؛ نظراً لما تمرين به أثناء حدوثه".
نظرت لأخيها، ثم تنهدت قائلة:
"ربما فضول المرأة داخلي اشتعل؛ وغذى جذوة حماسي، الحمد لله على كل حال، بالتأكيد ما حدث هو الأفضل لنا جميعًا".
بعد أن أنهى أمجد صلاته، توقف هو ووسام جانبًا، ثم سأله الأخير:
"ألم تتذكر شيئًا جديدًا بعد؟، الوضع يزداد تشابكًا".
"لا لم أتذكر وسام، أنا مرتبك بشدةوحياة أفراد الفريق كافة على المحك، ومطلوب مني توجيه شكوكي لشخص ما_ بناءً فقط على ملاحظاتي التي قد تكون خاطئة".
وهز رأسه بتعب بينما يمسده قائلًا:
"هذه مسؤولية ثقيلة تكاد تزهق أنفاسي، أخشى أن أظلم أحدهم بسوء ظني، وأعيش أسير ظلمي له طوال عمري، سامحني لن أستطيع".
"وما الحل؟، أنت الوحيد القادر على إمدادي بالمعلومات الموثوقة أمجد".
"سأحكي لك ما حدث منذ بداية المهمة، وكذلك شكوكنا جميعًا، وعليك أنت أن تحلل الأحداث ذلك من صميم عملك".
جلس وسام على صخرة قريبة، ثم قال:
"لا بأس أمجد، أنا أتفهم موفقك، وما تعانيه أعانك الله على ما أنت فيه".
"اللهم آمين، سأسهر معك اليوم بعد نوم الجميع لنتناقش سويًا إن شاء الله".
توجه الجميع لخيامهم بعدما صلوا، وبقي أمجد مع وسام وفريقه يناقشون ما يقوله:
"هذه الفتاة أريحا كانت تسأل سحر كثيرًا عن المهمة صحيح أن أسئلتها كانت عادية جدًا، ولم تثر ريبتنا إلا أنه لا مجال للخطأ الآن، فأن تكون بريئة، وأنا أظلمها بشكوكي، ونتيقن من ذلك خير من أن يكون لها دور ونغفل عنه".
أوشك الليل على الإنتصاف ولازالت المناقشات مستمرة، وتمكن التعب الشديد من أمجد حتى أنه يبقي عينيه مفتوحتين بمشقة بالغة، فقال له عمر:
"لقد بذلت مجهودًا شاقًا بالصباح، وها نحن الآن نحملك فوق طاقتك بالسهر معنا، اذهب أنت؛ لتستريح، وإن توصلنا لجديد سنبلغك".
وبعد ساعة استيقظ أمجد فزعًا على نداء سحر:
"لقد علمت حل اللغز أخي".
فتح عيناه بمشقة بالغة يسألها بعدم فهم:
"عن أي لغز تتحدثين سحر؟!".
جلست بجانبه تهزه بيدها؛ كي يفيق، ثم قالت:
"لقد علمت أخي لِمَا لم يحدث تواصل في كل مرة جربت فيها، أنا لم ألمس الياقوتة بيدي المجردة، لقد كنت أرتدى قفازاتي".
رفع يدها عنه، ثم قال لها بخفوت:
"سحر أيًا كان استنتاجكِ أنا غير قادر على الإستيعاب، ولم أنم سوى منذ قليل، اذهبي سحر، وسنتناقش غدًا إن شاء الله فيما تريدين".
وما إن خرجت من خيمته حتى غرق في سبات عميق من فرط التعب الملم به، لكن سحر لم تستطع الصبر، وصاحت بسارة عندما عادت لخيمتهما:
"استيقظي، هيا من فضلك".
أفاقت سارة فزعة تسألها:
"ماذا حدث؟!".
جلست سحر، وأجلستها بجانبها، ثم قالت:
"اغسلي وجهكِ أولاً".
وعندما فعلت سارة وجلست من جديد، قالت سحر:
"أعتقد أننى لم أنجح في تواصلي مع رِينِّينَا؛ لأنني لمست الياقوتة وأنا أرتدي قفازاتي، بينما يجب أن أنزعهم".
ارتسمت علامات الأسف على وجه سارة، ثم قالت لها:
"سحر أنتِ في المرة الأولى كنتِ ترتدين قفازاتكِ أيضًا أنا من نزعتها من يديكِ حينما فقدت الوعي".
تغضنت ملامحها، وزمت لشفتيها تسألها:
"حقًا؟!".
أجابتها سارة مشفقة:
"نعم حبيبتي، ليتني أستطيع مساعدتكِ؛ لتنتهي حيرتكِ هذه، لكنني لم يعد لدي أي تخمين سواء منطقي أو غير منطقي".
ربتت سحر على شعرها، ثم قالت:
"لا تحزني سارة، أنا أكيدة من صدق إحساسكِ، الأمر برمته غريب وغامض، لعله خير، عودي للنوم، أسفة لإزعاجكِ دون فائدة".
عادت سارة للنوم بينما بقيت سحر جالسة حيث هي، وهمست لنفسها:
"هل كان ليصدقني، لو بإمكاني أن أحكي له؟!".
أفاقت سحر من شرودها عندما قالت سارة:
"لا أعلم" .
نظرت لها سحر دهشة تسألها:
"لا تعلمين ماذا؟!".
أجابتها ببساطة شديدة:
"لا أعلم أكان ياسر سيصدقكِ أم لا؟".
سألتها سحر بذهول:
"هل تفوهت بسؤالي بصوت عالٍ؟!".
"نعم فعلت".
ولم تتمكن من السيطرة أكثر على ضحكتها التي صدحت متعالية، فجزت سحر على أسنانها مغتاظة منها، وقالت مهددة:
"اصمتي فورًا إن استمع أمجد لضحكاتكِ هذه سيقتلكِ هذا إن لم أفعالها أنا أولًا".
وضعت سارة كلتا يديها على فمها تكمم ضحكاتها، ثم سألتها:
"هل ستنامين، أم ستتابعين التفكير بحبيب قلبكِ؟".
"بل سأنام ،ومن الأفضل أن تفعلي أنتِ أيضًا قبل أن أتهور وأخنقكِ".
أخفت سارة رأسها بجراب نومها، ثم قالت ضاحكة:
"سأعود له سريعًا، مقاومتي تنهار بسهولة أمامه حبيبتي أقصد النوم بالطبع، لا تسيئي فهمي".
وبعد ساعة قضتها سحر في محاولات فاشلة للنوم، قامت لتسير، وابتعدت قليلًا عن محيط ضوء النيران، فناداها عمر متسائلًا:
"إلى أين تذهبين آنسة سحر؟!".
وجهت سحر ضوء مصباحها إليه تستوضح من يحدثها، فأغمض عيناه، وابتعد عن مجال الضوء بينما تقول:
"لا تقلق سيد عمر، لن أبتعد، لم أستطع النوم، فقررت الذهاب؛ لألقي نظرة على الرسوم" .
"سأبقى بالقرب منكِ لحمايتكِ، لكنني لن أزعجكِ، سأدعكِ تُنهين عملك".
استدارت مبتعدة تجاه المعبد، ثم قالت له:
"جزاك الله خيرًا سيد عمر".
وسارت مستجيبة لهاتف داخلي يأمرها بالإقتراب من المكان لبت نداءه دون تردد، وجهت ضوء مصباحها تجاه الأحجار الكريمة وبخاصة الياقوتة الزرقاء، يخطف بصرها تألقها بصورة مبهرة، وكأنها مشتعلة، تأمرها أن تمد يديها، ففعلت مسلوبة الإرادة، وتلمستها بشغف بالغ.
"أرجوك مليكي اعف عنه، لا حياة لي دونه، أرجوك انفه، أو اسجنه، فقط لا تقتله، لن أتحمل ذلك، لن أتحمله أبدًا".
ثم انهارت على ركبتيها باكية، تضم يديها لصدرها، ودموعها تجري أنهارًا، وقالت بعذاب أدمى قلبه:
"ما يجعلني أحيا هو أنفاسه التى تتردد بصدري".



التعديل الأخير تم بواسطة Fatima Zahrae Azouz ; 23-01-22 الساعة 12:44 PM
ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-01-22, 02:01 PM   #26

سحر سليمان

? العضوٌ??? » 441098
?  التسِجيلٌ » Feb 2019
? مشَارَ?اتْي » 10
?  نُقآطِيْ » سحر سليمان is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة احب القصص الخيالية

سحر سليمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-02-22, 10:33 PM   #27

زهرة جبال سوس

? العضوٌ??? » 472553
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 109
?  نُقآطِيْ » زهرة جبال سوس is on a distinguished road
افتراضي

[المحتوى غير ظاهررر

زهرة جبال سوس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-02-22, 09:16 PM   #28

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي الفصل العاشر

الفصل العاشر
قام الملك من مجلسه على عرشه الذهبي، ومد يده لها؛ ليوقفها، ثم ربت على ظهرها بحنان بالغ متألمًا لما تقاسي في حب ذلك الخائن، وقال:
"لأجلكِ أنتِ فقط سأعفو عنه، لكنه لن يحيا أبدًا بمملكتي" .
تهلل وجهها سعادة بعفوه عنه، لا يهمها أي شيء أخر، سترحل مع زوجها حيث يريد، وستتنازل عن الحياة بوطنها الذي تعشق فقط ليبقى هو لها، لكنه تابع حديثه بما قصم ظهر قوتها:
"ولن تجمعكما أرض واحدة ذلك شرطي الوحيد، وبالتالي لن تظلي زوجة له في هذه الحياة هذا أقل ما يستحقه الخائن، يستحيل أن أترككِ تعانين معه لعنته ما دمت حيًا، فهل توافقين؟".
رفعت رأسها بعنفوان على الرغم من جثوها أرضاً، تنظر إليه بحدة بالغة، ثم انكسرت نظراتها، فأخفضت هامتها ثانية، وعجز أليم يكبل قلبها الذى يتفتت من فرط الأسى، يحثها على الرفض على الإنتفاض حتى أوشكت على التمسك به، وفتحت فمها، لكنها ما لبثت أن أغلقته، ولم تتحدث، فخاطر سادي أفزعها "وما البديل رِينِّينَا؟!، هل ستحين إن هو قُتِل؟!، هل ستتنفسين هواءً تعلمين جيدًا أنه لن يشارككِ إياه؟!، مليككِ لن يغير قراره أبدًا، المعادلة هنا حياتكِ معه المشكوك في إمكانية حدوثها، أم بقائه هو حيًا، فماذا ستختارين؟".
استسلمت ودماء روحها الثكلى تسطر كلماتها التي صبغها الألم قائلة:
"ن عم....أوافق".
روحها تنتزع بقسوة، لم تتوقف دمعاتها عن الإنهمار، تنعي قلبها الهائِم بحبه الذى فقد حياته للتو، تمسده بأمل اللقاء في عالم أخر، تتمنى أن يخفت الألم ولو قليلًا، فقط لو استجاب لها زوجها، أو كان بيدها خيار حتى جذب الملك يدها وأوقفها بينما مغيبة هي عما حولها، ثم قال لها بحزم:
"ارفعي هامتكِ رِينِّينَا، فما لمثلكِ خلق الانحناء، قاسٍ حكمي، نعم، لكن خيانته كانت أقسى، أخي تحالف مع أعدائي، واستخدمكِ لتحقيق مآربه، أقسم لكِ لو أنه يحبكِ لعفوت عنه، لكنه كاذب مخادع".
توقف عن الحديث مرغمًا حينما لون الاستنكار نظراتها الجريحة، لكنه أبى صمتًا يخفف به عنها، واختار إجبارها على تنفيذ أمره قائلًا:
"أنتِ لن تحيي رفقته مجدّدًا، وهذا أمر لا نقاش فيه، وعلى قدر ألمكِ الآن إلا أنكِ ستتعافين، ستُشفى جراح قلبكِ، وإن لم تشفى؛ فستبقى معاناة فراقه مرغمة أهون من جُرْحِ خيانته لكِ أنتِ أيضًا".
استوت واقفة، وعاد الملك لعرشه، ثم قال:
"إخلاصكِ لبلدكِ، ورفضكِ لمساعدته في مؤامرته الدنيئة لن يكون دون تقدير، من الغد ستتسلمين منصبكِ كأميرة محاربة تقودين الجيش أنتِ لا ينقصكِ الذكاء ولا التفاني؛ لأجل وطنكِ".
"لا أريد".
تابع الملك حديثه متجاهلًا ما قالت، يتفهم قدر المعاناة التي تحياها الآن:
"لولا حبكِ الغامر لأخي، وتقديري لإخلاصكِ هذا، لتزوجتكِ، وجعلتكِ ملكة للبلاد تحكمين من بعدى حتى وإن كان لي أولاد ذكور".
رفعت سحر أصابعها بعدما شعرت بالوهن يدب في أنحاء جسدها، تتقطع أنفاسها من فرط المجهود كأنها كانت تركض بكل قوتها، وجلست أرضًا حتى هدأت، ثم نظرت لساعتها، واكتشفت أنه لم يمر سوى ربع ساعة منذ تركت سارة بخيمتهما، وهي التى شعرت وكأن ساعات مضت، ثم انتبهت للحديث الخافت بالقرب منها، فوجهت مصباحها تجاه الصوت، فوقع الضوء على وجه ياسر، وصدمها كم الفزع المرتسم على وجهه، تفكر في نفسها كم هو غريب ما يربطها به، هل حبها له يجعلها تتفهمه هكذا؟، حبيب قلبها خائف عليها، نظرات اللهفة في عينيه لأجلها وحدها، لقد شعر بها بطريقة ما، وهنا احتفلت دقات قلبها التي أصبحت كالمفرقعات النارية تتقافز سعادة، وانعكست فرحتها تلك على وجهها الذي أضحى كلوحة ناطقة بالجمال مشعة بالحبور، ياسر يحبها كما تحبه إلى أن فاقت من سهوها فيه، واستنتاجاتها من الإنفعالات التي تعاقبت بوجهه على صوت عمر يحدثها قائلًا:
"لا تفزعي أنسة سحر، هل أنتِ بخير؟".
حمدت الله في سرها أنه فسر جمودها ذاك بأنه رد فعل على فزعها، وقالت:
"أنا بخير".
وازداد تخضب وجنتيها بالحمرة عندما التقت عيناها بعيني ياسر الذي كان قلقًا حتى وقعت عيناه عليها، وتبدلت نظراته لتفيض بالدفء عندما اطمئن أنها بخير، ولم يلمح استغراقها به بعد أن أغمض عينيه تلقائيًا، وأدار وجهه عن الضوء، يتصارع بداخله شعوران، يتمنى أن يرى وجهها الآن، ويحمد الله في نفس الوقت على عدم تمكنه من ذلك، وعلى تصرف عمر الحيي عندما لم يوجه كشافه إليها، فبالتأكيد إن رآها هو؛ لتمكن عمر أيضًا من رؤيتها، وغيرته عندها كانت ستقتله، وللمرة الثانية أخرجه وسحر حديث عمر من الفقاعة الوردية التي غلفتهما حينما قال:
"كان ياسر يستفسر عن سبب ابتعادي عن موضع إضاءة النيران عندما خرج من خيمته، ولمحني أسير تجاه المعبد".
استعادت سيطرتها على نفسها، وقالت تهم بالسير تجاه النبع:
"لا بأس، شكرًا لك سيد عمر، ولك أيضًا سيد ياسر، سأنصرف لخيمتي".
تسمرت قدما ياسر بالأرض، وقد فتنه صوتها المتهدج بنطق اسمه الذي يسمعه منها للمرة الأولى منذ بدأت مهمتهما بهذه الطريقة، يتخيل وقع سماعه لاسمه مجردًا من بين شفتيها على قلبه، إن كان هذا شعوره عندما سمعه بصوتها الرقيق _وقد سبقته بكلمة سيد_، وحلق خياله بعيدًا لما يتمنى؛ وماذا إن سبقته بحبيبي؟!".
"ياسر، ياسر".
"عذرًا عمر ماذا كنت تقول؟، لقد شردت".
ضحك عمر، وقال:
"بل كثيرًا يا رجل، أنا أتحدث إليك منذ انصرفت الآنسة سحر، وأنت لا تجيبني، هل ستعود معي، أم ستذهب للمعبد؟!".
"سأتي معك".
توجهت سحر لخيمتها تشعر بأنها مستنزفة، وما إن وضعت رأسها على وسادتها واسترجعت ما رأت؛ حتى زاد تشتتها وحيرتها، "ماذا يعنى ما شاهدت؟!، ولِمَ ذلك الموقف تحديدًا؟!، والأهم ما علاقة كل ذلك بها هي؟!"، ومن أمواج الحيرة المتلاطمة لبر أمان عينيه انتقلت أفكار سحر، تسترجع كل لحظة مرت بهما منذ تلاقت أعينهما، تستعيد لذة اللحظات الماضية، فتضيء ظلام ليل أفكارها، وتبحر معها في التخيل أكثر، "تُرى كيف سيكون رد فعله لو لمح غرقها به؟!، هل كانت ستصيبه سهام عينيها العاشقة، وتوصل له ولهها به؟، هل كان ليصارحها بمشاعره؟!"، وعند ذلك الخاطر دقت نواقيس الخطر برأسها، "ماذا إن لم يحب جرأتكِ بالنظر له هكذا؟!، كيف ستواجهينه بعد ذلك؟!، لقد أطلتِ النظر لوجهه، ولولا ستر من الله أسبغه عليكِ لما علمتِ كيف ستتصرفين، أين حياءك سحر؟!"، لحظات مرت عليها ونفسها تؤنبها حتى انتبهت لما هو أخطر، "أهذا كل ما يشغلكِ؟!، كيف سينظر إليكِ بعدها؟!، ماذا عن النظر لله لكِ وليس بينكِ وبينه حجاب وأنتِ تحاسبين؟، بأي حجة ستبررين ما فعلتِ؟، وغارقة في ندمها سارعت سحر تصلي ركعتين لله، ولسانها يلهج بالإستغفار، عقدت النية بهما على إصلاح ما أفسدت بقلبها تلك النظرة حتى أنهت صلاتها بخشوع، ثم بحثت عن مرآتها تنظر إلى وشمها الذي شعرت ببرودة منعشة أصابت صدرها بموضعه، فوجدته يتلألأ، وانتابتها قشعريرة صقيعية بينما صوت خافت يهمس بأذنها:
"نجحت باختباركِ الثاني، اعترافكِ بخطئكِ، وثباتكِ على مبادئكِ وما تؤمنين أنه صواب؛ أنجاكِ، لكن القادم أصعب؛ فاحذري".
وما إن انتهى الصوت الهامس حتى انتفضت وجلة تهمس:
"رباه ماذا كنت سأجلب على نفسي من ويلات؟!".
مرت الساعات المتبقية على خير، واستيقظ الجميع؛ لصلاة الفجر إلا سحر التي لم يغمض لها جفن، تنتابها رجفة الخوف من آن لأخر، وبدى الإرهاق الشديد على وجهها، فسألها أمجد:
"ماذا بكِ سحر؟!، تبدين متعبة للغاية".
"أنا بخير الحمد لله أخي".
وصمتت حائرة لا تعلم لما أخفت الأمر عنه، تنصت لحديثه الذي وجهه للفريق قائلًا:
"سأفتح بوابة المعبد اليوم، وعندما نصبح في الداخل سأقسم العمل بناءً على ما سنجده به".
كان أمجد قد أخذ القلادة من سارة، ولاحظ عندما اقترب من البوابة أن موضعها واضح جدًا، وأثار الأمر ريبته بعدما بدى أسهل كثيرًا مما توقع، وسيطر على ذهنه خاطرًا يخبره أن هناك شيئًا خاطئًا لم يكتشفه بعد، وعلى الرغم من قلقه ذاك سمى الله، ووضع القلادة في مكانها، وما أن تلامس المعدنان حتى شعت القلادة بضوء أبهر أعينهم، فأغمضوها جميعًا، ثم ابتعدوا للخلف يظلل كل منهم عينيه، وهنا تحققت كافة مخاوف أمجد، وتجسدت أمامه بعدما أبصر ما حكت عنه سحر من قبل، لكن ليس هذا على عظمه ما أثار فزعه، بل ما زلزل كيانه كله هو جثة أخته المدرجة أمامه بدمائها، يعلو رأسها كيان أسود شديد البشاعة، أما ياسر فقد رأى نفس الجمع من الماضي، لكن المختلف أنه رأى سحر وعلي يحاول إذائها بينما هو مكبل بقيود وهمية عاجز عن إنقاذها، وكان الأشد ألمًا وقسوة ما أُختص به جيمس من بينهم، فبنفس خلفية الرؤية المشتركة من الماضي بينه وياسر رأى أشلاء والدته وأخته بنفس المشهد القاسي كيوم التفجير إلا أنه كان هو زارع القنبلة، وكانت دمائهم تتقاطر من يديه هو، لكن الأشد غرابة كان انتقال الصورة لمنظر مختلف تمامًا وأكثر عجبًا، فلقد أنقذ حازم من الموت، ثم تموهت صورته بينما يفديه بنفسه، أما من كان له رد الفعل الشاذ فكان علي حينما سقط أرضًا من فرط الضحك، ثم صرخ بهستيرية وهو يرى أباه يقايضه بالكنز المكتشف دون أن يرف له رمش بينما والدته تتوارى في ركن بعيد صامتة سلبية كما اعتاد منها، تنزف دمعاتها ببطء خاضع، لم ترفع يدًا، أو تهمس بكلمة حتى دفاعًا عنه وبينما كل منهم غارق فيما يرى أسرع هاني نائيًا بنفسه، والذعر الشديد يفتك به بينما تصرخ هند:
"ماذا حدث لهم؟!، لِمَ يتصرفون بغرابة هكذا، وكأنهم تماثيل شمعية أُلصقت بموضعها؟!، وما كل ذلك الألم وتلك المعاناة المحفورة على وجوههم؟!" .
وفي حين أسرعت هند لعلي الأقرب إليها جرت سحر وسارة لأمجد تتفقدانه، تهذي سارة بصراخٍ باكٍ:
"لا أدري ماذا به، وكأنني لم أدرس الطب من قبل، نبضاته جنونية السرعة كما أنفاسه المتلاحقة، ولا يستجيب لي أبدًا".
شدت سحر على يدها بقوة، وهمست لها:
" أرجوكِ تمالكِ نفسكِ، سأبقى أنا جوار أمجد، وتفقدي ياسر أنتِ، لن أستطيع مقاومة نفسى إن ذهبت أنا إليه".
ذهبت سارة له، وفي نفس الوقت تركت هند علي، وركضت مسرعة توقظ زوجها الذي هب من سباته فزعًا بينما تشد زوجته يده، والرعب المفرط يشع من كل خلايا جسدها عاجزة عن التفوه بكلمة واحدة، وما أن رأى حال الرجال حتى أسرع لسارة يسألها:
"ماذا بهم؟!" .
"لا أدري، لا يوجد تفسير منطقي واحد لما حدث لهم، جميعهم متسارعي الأنفاس والنبضات يعتريهم الذهول" .
وكما بدأ كل شيء في ثوانٍ معدودة، انتهى أيضًا في غمضة عين، وسقط الرجال أرضًا في حالة من الخدر لازالت تكتفنهم، لا ترمش عيونهم حتى، وكأن حاجزًا غير مرئي ضرب بينهم وبين الآخرين، دقائق من الرعب الخالص مرت على الجميع، وكأنها سحابة وانقشعت، فجلسوا معًا مرة أخرى يدققون النظر لما حولهم، خَرَّ عقبها كل من أمجد وياسر أرضًا سُجدًا حامدين الله شاكرين فضله فرحين بسلامة أحبائهما، وهمس ياسر متنفسًا الصعداء:
"الحمد لله لقد كان وهمًا".
بينما بكى جيمس حتى قطع نياط قلوبهم من فرط عنف وأنين بكائه، أما الأكثر إبهامًا لهم على الإطلاق؛ فكان علي الذي ما أن فاق لنفسه حتى علت وجهه شراسة سافرة، وارتسمت بعينيه كآبة بالغة، الوحيدة التى فهمت معناها هي ريناد بعدما رأت ما شاهد إلا أنها لم تبصر أي شيء مما أبصره الباقون، تقاوم شللًا أَلَمَّ بها من قوة صدمتها ثبتها في موضعها واقفة أوهن من أن تستطيع تحريك عضلة واحدة بجسدها حتى انهارت أرضًا، وبقيت نظراتها مسلطة على وجه علي غافلة عن إسراع سارة إليها تسألها:
"ريناد هل تسمعينني؟!".
حولت ريناد نظراتها عنه، ووجهتها إليها، لكنها لم تتحدث، فمسحت سارة على وجهها بخفة، ثم قالت محاولة من جديد أن تفهم منها:
"ريناد حاولي تحريك يدكِ، أو حتى اهمسي، هل أنتِ بخير؟!".
بمشقة بالغة نطقت ريناد كلمة واحدة:
"علي" .
تعجبت سارة، وسألتها:
"ماذا به علي؟!".
بأنين مُوجِع قالت:
"يتألم.....والده".
ثم بكت بتأثر، فقالت لها سارة، بينما تربت على كتفها:
"اهدئي ريناد، ولا تتحدثي، استرخي فقط".
ومسحت على رأسها تقرأ المعوذتين، وتدريجيًا استطاعت ريناد تحريك يدها، ووضعتها على يد سارة، ثم همست:
"ماء" .
ذهبت سارة مسرعة، وأحضرت زجاجتي مياه، ألقت بواحدة منهما لسحر، ورفعت هي الثانية لريناد تسقيها، وما أن استردت أنفاسها حتى حكت كل ما رأت لسارة التي فهمت للتو سبب رد الفعل الغريب لعلي، وبينما تحدث هي ريناد كانت سحر قد أعطت زجاجة المياه لأمجد الذي شرب منها، وأعطاها لياسر الذى لم تفارق عيناه سحر، والأكثر غرابة بالنسبة لها أنه لم يكن ينظر لوجهها، بل كأنما يتفقدها، أما هاني فقد انضم لجيمس، ومرت ربع ساعة حتى استطاع الجميع استعادة توازنهم، وأُزيحت عنهم غشاوتهم، وتمعن أمجد بالجميع، فميَّز بوضوح شديد من تعرض لمثل ما تعرض له، ثم سألهم:
"من منكم سيكمل للنهاية، ومن سينسحب؟، أنا لا أعلم ماذا حدث منذ قليل؟، أو هل سيتكرر مجدّدًا، أم لا؟، فكروا جيدًا".
وكان ذلك أول ما تفوه به بعد صمت طويل.
"أنا سأكمل، ولن يوفقني شيء حتى لو اجتمعت شياطين العالم كافة وسحرته؛ فسأتابع".
كانت الدهشة بأبلغ صورها مرتسمة على الوجوه _سواء لمن رأى أو لمن لم ير_ من شدة عنف علي وإصراره وكأنما ما رأى قد بدله عدا ريناد وسارة اللاتي التمستا له العذر، في حين تخلى أمجد عن استغرابه سريعًا، وقال:
"كما تريد علي، أنا فقط سأسألك سؤالًا واحدًا، هل ما رأيت يخص أحدنا؟!".
التمعت عيناه بوحشية صرفة، ثم قال:
"لا، لم يتعلق بأي منكم" .
جلس جيمس على السلم، ونزع عنه فقازاته؛ حتى مزقها من شدة جذبه لها، ثم ألقاها، واستند بيده على السلم بينما الأخرى مسد بها جبينه الغارق بحبات العرق البارد، وقال:
"أنا لن أدخل ذلك المعبد معكم حتى لو وضعت كنوزه كلها تحت قدماي، هذا المكان به شيء شيطاني، لكنني لن أتخلى عنكم".
التفت له أمجد، ثم قال:
"كما تشاء جيمس".
ثم وجه حديثه لياسر:
"من فضلك أريد أن أتحدث معك بمفردنا".
ثم وجه نظره للباقين قائلًا:
"سأنتظر قراركم، وأيًا كانت سأستجيب لها".
ثم ابتعدا عن باقي الفريق، وقال أمجد بتقرير:
"ما رأيته يخص سحر، أليس كذلك ياسر؟".
نظر له ياسر مذهولًا، ثم سأله:
"كيف علمت؟!، هل رأيتها أنت أيضًا؟!".
ضم أمجد قبضة يده بقوة، وقال برهبة:
"نعم كانت مغطاة بالدماء في مشهد بشع لن يمحى من رأسي أبدًا ما حييت".
وإن كان ياسر قد ذهل من قبل؛ فقد سيطر عليه الرعب الشديد الآن، وقال بقلق:
"لكنني لم أر ذلك".
سأله أمجد بتوتر، وكأنهما تبادلا الإنفعالات:
"ماذا رأيت؟!".
صمت ياسر، والدماء تفور داخل أوردته حتى كادت تتفجر منها حمية لحبيبته، ثم قال بعصبية:
"كان علي يحاول إيذاءها، لا أدري ماذا رأى علي، ولا أعلم إن كان صادقًا، وإن كان ما رآه لا يتعلق بنا أم لا، لكنني لا أثق به، ولا أعلم كيف أحميها، وعجزي هذا يقتلني".
اشتد الغضب بأمجد ممتزجًا بالرعب على سحر، فقال:
"أجننت ياسر؟!. أوسأعجز أنا عن حمايتها؟!".
قال ياسر مصرًا على رأيه، وقد أفقده ما رأى اتزان أفكاره، يسيطر عليه خوف يدفعه ألا يتجاهل الإشارات لأي سبب كان، لكنه حاول تلطيف أسلوبه؛ كي لا يُغضب أمجد أكثر، وينجح في إقناعه:
"أعرف أنني لا يجب أن أقول ذلك، لكنني لست بمنافق، كما أنني أريدها زوجة لي، وقد صارحتك، وأعاهدك أنني لن أقصر في حمايتها أبدًا حتى إن لم تكن من نصيبي سأفديها بروحي".
زمجر أمجد بضيق بالغ مما يقوله ياسر، ويزكي به نيران غضبه الشرهة، ولكمه بوجهه صارخًا به:
"اصمت".
لكن ياسر أبى الصمت، وتابع حديثه:
"إن كان ما رأيناه يحمل ولو واحد في المئة من الصواب، فلن نغامر بها أليس كذلك؟!".
صمت مُفجِع فرض سلطانه عليهما بدده قول ياسر:
"أنا أعيد طلبي لها، وأريدها زوجة لي في أقرب وقت؛ كي تسمح لي بحمايتها معك، أرجوك اسألها عن رأيها".
كانت اللهفة والخوف والرجاء الشديد يتقاطرون من أحرف كلماته، لكن أمجد قال بصرامة على الرغم من أساه:
"ليس الآن ياسر، طلبك جاء في وقت قاتل، خائن ومعبد ملعون وكوارث تتساقط فوق رأسي من كل مكان، ذلك كثير، كثير جدًا عليَّ".
"ومن هو ذلك الخائن؟".
بلا مبالاة أجاب أمجد:
"لم ندر هويته بعد، ربما جيمس، وربما غيره علي" .
ثم تركهما، وانصرف عائدًا لباقي الفريق، فقال عمر ما أن أبصره:
"لن أستمر معكم للأسف سأعود وزوجتي للقاهرة".
صاحت هند غاضبة:
"عمر".
لكن عمر تابع حديثه، ولم يلتفت لها حتى:
"أستأذنك أمجد".
ثم نظر لها زاجرًا، وجذبها من يدها بشدة، واتجه للنبع قائلًا:
"سنتحدث بخيمتي، لكن قراري لا رجعة فيه".
"أنا سأكمل ، لكن هل ستكمل أنت سيد أمجد؟".
"نعم أنسة ريناد، ماذا عنك هاني؟".
وعلى الرغم من خوفه الشديد قال:
"سأكمل معكم بالطبع".
مرت الساعات على الفريق ببطء بالغ، كل منصرف لنفسه، منهم من يدعو، ومنهم من يقرأ القرآن، ومنهم من يجلس شاردًا يحمل هموم العالم فوق كتفيه، ومنهم من يندب سوء حظه الذي أوقعه في تلك المهمة الكارثية إلى أن أذَّن ياسر لصلاة الظهر، وبينما يصلون تذكر أمجد أنه لم ينزع القلادة من البوابة، وتعاقبت على ذهنه الأفكار فيما يمكن أن يحدث، لكنه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وحاول جهده الخشوع في صلاته حتى ينهيها، ثم توجه للبوابة بعدها، ولمح بها تغيرًا ما إلا أنه لم يميز كنهه، فسحب القلادة، ثم سأل سارة التي جاءت وراءه:
"هل صورتِ البوابة قبل أن أحاول فتحها؟!".
"نعم أمجد".
مد لها يده قائلًا:
"أرينيها".
فرفعت الكاميرا له، وما إن دقق النظر للصور حتى وجد كتابات الألواح الذهبية على الباب قد تغيرت تمامًا، وهنا تذكر كلمات جدته، فعاد لخيمة سحر، وقال لها بتثاقل:
"أحتاج مراجعة خطاب جدتي".
ثم قال لها بعدما أحضرته:
"اقرئي الجزء المخصص لفتح البوابة".
"أما بالنسبة لكيفية فتح المقبرة فاذكروا ما علمتكم إياه منذ كنتم صغارًا(ترتيب الأولويات الحياة والعمل والحساب)، دعوا الشمس توضح اتجاهكم، وعندما تتبدل الألواح أعيدوا ترتيبها".
"إذن بشكل ما يجب إعادة ترتيبها وفقًا للرموز التي تعبر عن الأولويات التي ذكرتها جدتي والتي لا أدري عنها أي شيء حاليًا".
ثم تابع باستياء شديد:
"هذا ما كان ينقصني".
زفر بضيق وهو يخاطب باقي أعضاء الفريق بعدما خرج لهم قائلًا:
"لفتح البوابة يجب فك رموز لغز جديد، سأقضي بقية اليوم محاولًا حل أحجية الألواح".
"عن أي ألواح تتحدث؟!، وكيف ستحلها؟!".
اقترب أمجد منهم، شرح لهم ما توصل إليه، ثم تابع حديثه قائلًا:
"إن لم أصل للحل الصحيح سيذهب جهدنا سدى، ولن نتمكن أبدًا من فتحها".
أكد جميعهم على كلامه، فتابع:
"سأعمل عليها أنا وسحر، أما بقيتكم فأنتم أحرار في وقتكم، أدعو لنا ألا نُخطئ، فلا أعلم عاقبة ذلك الخطأ إن حدث".
تفرق الجمع، لكن أمجد ناداهم مرة أخرى، وقال بتحذير:
"لا أعتقد أنكم تحتاجون أن أذكركم بمدى خطورة الاقتراب من البوابة بعد ما رأيتموه بأعينكم".
ثم جلس وسارة وسحر مستندين إلى صخرة عملاقة يستظلون بها، يقارنون بين الجواب والصور الجديدة والقديمة للبوابة، فقاطعت سحر تركيزه على الخطاب حينما لم تستطع تجاهل الأمر أكثر، وسألته:
"ماذا حدث أمجد عندما وضعت القلادة في موضعها داخل البوابة؟!".
ترك أمجد الصور بعدما تيقن ألا فائدة ترجى من التطلع إليها وهو فاقد لتركيزه تمامًا، ثم قال متنهدًا بغم:
"رأيتك أنتِ سحر".
سرت قشعريرة باردة بجسده أجبرته على الصمت لثوانٍ، ثم تابع حديثه يفكر معهما بصوت عالٍ في كل ما فشل في إيجاد تفسير له:
"ما حدث وما شعرت به لا أجد له وصفًا أو سببًا، من أين أتت الطاقة_ إن كانت هكذا فعلاً_؟، وكيف سرت لأجسادنا دون أن نلمس شيئًا؟!، ولِمَ كانت الصورة جامدة كمشهد متوقف لا كما كنتِ تشاهدينها أنتِ، وأيضًا لحاضرنا لا ماضينا".
فجرت سارة مفاجأتها قائلة:
"لست وحدك من رأى الحاضر، علي رأى أبيه".
نظر أمجد لها بذهول وغضب لا يبق ولا يذر، ثم سألها جازًا على أسنانه بعنف بالغ:
"وكيف علمتِ بما رأى علي؟!".
قالت بسرعة، وقد فهمت لِمَا غضب هكذا:
"لست أنا من عَلِمَت".
"من إذن؟!" .
اعتدلت في جلستها، كي تكون أكثر راحة، وأجابت سحر:
"ريناد".
ثم قصت عليهما ما أخبرتها به ريناد عما شاهده علي بالتفصيل، لكن رد الفعل الوحيد الذي نالته منه كان الصمت التام، كل منهما يحاول تحليل المعلومات الجديدة التي علموها إلى أن بددت سحر بعد بضع دقائق هذا الصمت الخانق قائلة:
"لنعمل على حل لغز الألواح، فعلى الأقل لدينا فرصة للفهم هنا، (الحياة هي صراع دائم بين الخير والشر إلى قيام الساعة)، هذه هي كلمات جدتي، أحفظها عن ظهر قلب من كثرة ما رددتها علينا، وجعلتنا نكررها صغارًا".
تابع أمجد حديثها مبتسمًا بحنين لذكريات نقشتها الجدة عميقًا بقلوبهم خففت عنه قليلًا مما يجد:
"عملكم إما يزرع قلوبكم بالخيرات، أو يفترسها بالخطايا، احفظوا قلوبكم غير مدنسة بالذنوب نقية طاهرة".
بحماسة شديدة تسري منعشة أوردتها قالت سحر:
"فيما يتعلق بما تعنيه جدتنا بالحساب، فستجد بالألواح إما كلماتًا أو رموزًا تعبر عن حقول الأيارو أو بحيرة النار، أنا أكيدة من ذلك".
سألت سارة مستوضحة:
"مهلًا، ماذا تعنين بحقول الأيارو؟، وما هي بحيرة النار؟!".
تبسمت سحر واعية لمدى تحرق سارة للمعرفة، وقالت:
"حقول الأيارو في الميثولوجيا والأساطير المصرية القديمة تمثل الجنة في المعتقد المصري القديم، وهي عبارة عن حقول من قصب تتميز بكثرة الأنهار والأشجار كرمز للنعيم".
قاطعتها سارة مستفهمة:
"معتقداتهم تتشابه في كثير من النقاط مع الشرائع السماوية هل يعني هذا أنهم كان لديهم منهاج إلهي في وقت ما، ومعتقداتهم لم تقم فقط على حكايات أسطورية تجسد تخيلهم لما يحدث بعد الموت وعند البعث؟!".
جذب سؤال سارة انتباه سحر بشدة، فقالت:
"بالتأكيد، ما من أمة إلا وأرسل لها نذير، من وجهة نظري الشخصية أعتقد أنه ربما تم تحريف الغيبيات، أو أُضيفت لها اللمسة البشرية في محاولة تجسيدها".
التمع الحماس بعينيها، وسألتها:
"لماذا تعتقدين ذلك؟".
"قدماء المصريين عرفوا معنى التوحيد، وأمنوا به سارة على عكس المُشاع عنهم، متون الأهرام أو (كتاب الموتى) يُذْكَر فيها عن الله «خلقت كل شيء وحدي، ولم يكن بجواري أحد، بكلمتي خلقت ما أريد»".
"وماذا أيضًا؟".
"مصطلح (النتر) في ترجمته الحرفية لا يعني إله، بل يعني قوى الإله، وما يطلق عليها معبودات ما هي في الأصل إلا تجسيد رمزي لصفات الإله الخالق في الأرض، فالماعت رمز العدل، وليست ألهة العدل، وهكذا بقية النتر، ربما عُبِدت بالفعل في بعض الأزمان، لكن ذلك لم يكن الغرض من نحتها في أول الأمر".
أسندت سارة مرفقها إلي قدمها، ووضعت قبضة يدها تحت ذقنها، ثم قالت:
"لقد فهمت، أكملي حبيبتي، ما هي بحيرة النار؟، أنا أستمتع جدًا بجو الأساطير ذاك وخصوصًا بطريقتكِ في روايتها".
ابتسمت سحر، وربتت على رأسها قائلة:
"طفلة بريئة أنتِ سارة في جسد امرأة، محظوظ بكِ أخي بارك الله لكما، وأسعدكما حبيبتي".
ثم أكملت حديثها شارحة:
"عندما ترتحل الروح إلى العالم السفلي (الدوات)، فإنها تصادف أنهارًا من نار مستعرة تفصل بين طريق الماء واليابس، إذا كانت الروح طاهرة؛ تمر بسلام، وتقوم نيران البحيرة بتخليص الروح من كل ما علق بها من شوائب على الأرض، أما إن كانت الروح غير طاهرة فإنها تسقط في نار البحيرة، وتتعرض لعذاب شديد وألام مبرحة، هذه هي أسطورة بحيرة النار".
التفتت سارة تنظر لأمجد الشارد بعمق، فسألته:
"أين ذهبت بأفكارك حبيبي؟" .
انتبه لها، ثم قال بعد هنيهة:
"فهمت جزءًا جديدًا من اللغز، صراع الخير والشر الذي تعنيه جدتي هو صراع أوزيريس وست بدون شك، وذلك هو حل اللغز الأول، أما ما يثير حيرتي، ماذا تعني ب(يزرع قلبك بالخيرات)؟!".
صمتوا جميعًا، وكأن على رؤوسهم الطير، كلاهما مستغرقين بأفكارهم، يحلل كل منهما بطريقته ماذا قد تعني الجدة بحديثها ذاك، وأفاقوا من شرودهم على أذان العصر يصدح به عمر، فاستقام أمجد واقفًا يساعد زوجته وأخته، ثم قال:
"هيا للصلاة، وبعدها ليقضِىَ اللهُ أمرًا كان مفعولًا".
تابع أمجد العمل على باقي أجزاء اللغز، وعادوا لجلستهم على نفس الصخرة، يتوسط أمجد سارة وسحر الممسكة بالخطاب تقول:
"لقد ذكرت النصف الأول من الجملة فقط هل معني ذلك أنك تعلم تفسير جزئها الثاني؟!" .
قال بابتسامة تجاهد؛ كي تجد مكانًا لها على وجهه المتجهم:
"نعم أعلمه (تفترسه خطاياه) ترمز ل(أمِّت أو عمعموت) الوحش الأسطوري".
ضربت سحر رأسها بيدها، ثم قالت:
"نعم صحيح، كيف لم أفكر في ذلك؟!، أحسنت أخي".
ثم نظرت لسارة، وقالت لها باسمة:
"سأحكي لك أسطورته قبل أن تسأليني حتى".
ثنت سارة قدميها تحتها، وأسندت يدها على جانب مستوى من الصخرة تستمع لحكاية سحر بكل تركيز.
"عمعميت هو عبارة عن كائن أسطوري له رأس تمساح، ومقدمة جسده على شكل أسد، أما النصف الثاني لجسده فلفرس النهر، وعندما تعقد محكمة الموتى أمام (أوزيريس) و(رع) يوزن قلب الإنسان بريشة الماعت، فإن كان خفيفًا وغير مدنس بالخطايا الكبرى نجا وعبر ل...".
قاطعتها سارة بابتهاج:
"لحقول الأيارو، أليس كذلك ؟!".
ضحكت سحر قائلة:
"بلى حبيبتي صحيح، وإن كان قلبه ثقيل بالخطايا، افترسته عمعميت، هذه هي الأسطورة بتلخيص شديد، فلها العديد من الجوانب الأخرى والشخصيات، لكنها لا تتعلق بوحشنا الأسطوري".
رجتها سارة:
"أكمليها من فضلكِ".
استسلمت سحر، وقالت لها:
"لكِ ما تريدين، سأكملها لأجلكِ، وفقًا للمعتقدات المصرية القديمة يمثُل الميت أمام محكمة مكونة من إثنين وأربعين قاضيًا بعدد أقاليم مصر، كما يمثلون مبادئ ماعت نتر النظام والقانون الإثنين والأربعين، وفي مقدمتهم رع وأوزيريس وخلفه أخته إيزيس ونفتيس وأمامهم أبناء حورس الأربعة، ويأتي حورس بالميت لتوزن أعماله بواسطة أنوبيس، وباقي الأسطورة شرحتها لكِ من قبل، وتنقش هذه الأسطورة بأغلب جدران المقابر".
قامت سارة من موضعها مسرعة، ثم قبَّلتها على خدها ووجهها ينطق بالسعادة قائلة:
"أحبكِ كثيرًا سحر، بارك الله لي فيكِ".
ثم عادت وجلست في مكانها من جديد، حل الصمت بردائه القاتم على الجلسة مجدّدًا حتي صاحت سحر:
"وجدتها، جدتي تقصد إما حقول القصب، أو حقول القمح".
نظر لها أمجد مستغربًا:
"حقول القصب أفهمها، لكن لِمَ القمح؟!".
"إذا تأملنا في أسطورة البعث سنجد أنهما نوعا المزروعات الوحيدين المذكورين في القصة، حقول القصب في الأيارو، وحقول القمح كما في بردية آن ني".
هتف أمجد بسرور:
"كلامكِ صحيح سحر، يبقى الآن أن نضاهي استنتاجاتنا بالكتابات والرموز على الألواح، ثم نعيد ترتيبها".
نظرا للصور مجدّدًا، وقال أمجد:
"اللوح الأول الخاص بالحياة وفقًا لترتيب جدتي سيكون أوزيريس يمينًا، و(رع) في المنتصف، و(ست) إلي يساره".
أكملت سحر والفرحة تشع من عينيها:
"أما اللوح الثاني الخاص بالعمل، فالقمح أو زراعة الخيرات ورمزه آن ني، و( إيب أو يب) أي القلب، جواره ريشة(الماعت)، ثم ملتهمة أرواح الموتى عمعموت".
ونطقا سويًا بعدها:
"اللوح الثالث الخاص بالحساب حقول أيارو، يليها (أنوبيس )، ثم....".
صاحت سارة تصفق بيديها:
"بحيرة النار".
اكتمل حل الأحجية، بقي فقط أن يجربوها على البوابة، وينظروا أستطاعوا حل اللغز بصورة صحيحة، أم سيواجهون كارثة جديدة نتيجة لخطئهم؟!.
أذن المغرب، فذهبوا للصلاة، وبعد أن أنهوها، اقترب ياسر من أمجد قائلًا برجاء:
"أريد أن أتحدث إليك من فضلك" .
"حسنًا ياسر".
ثم التفت للصخرة مرة أخرى، وقال لسحر وسارة:
"سأعود لكما سريعًا".
وما إن ابتعدا بمسافة كافية حتى توقف أمجد، فاقترح ياسر بتوتر لاحظته عينا أمجد:
"ما رأيك أن نتحدث بينما نسير؟".
"فكرة جيدة ياسر، لما لا، أنا أيضًا أحتاج للمشي؛ لعل ذهني يصفو، فيمَ تريد أن نتحدث؟".
"هل علمت أختك بما رأيت؟".
"نعم، لكنني لم أقص عليها كل شيء، كما أعتقد أنني علمت ما رأى علي".
سأله ياسر مندهشًا:
"كيف حدث ذلك؟!".
قص عليه ما أخبرته إياه سارة، فصمت ياسر لفترة، ثم قال:
"إن كان ما تقوله أنسة ريناد حقًا، فعلي أضحى كوحش جريح، والخوف كل الخوف ممن يوضع في مثل موقفه، إن كانت رؤيانا تمثل المستقبل، فهل علي من البداية طامع فيما سنجد؟!، وإن كان ما رأينا يمثل ما نخشاه، فمعني ذلك أن علي فاقد للثقة بوالديه لدرجة أن يراهما في مثل ذلك الموقف؟!".
أمسك أمجد يد ياسر؛ كي يوقفه، وقال:
"السؤال الأهم هنا ياسر كمسلمين مؤمنين بالله متيقنين أنه لا يعلم الغيب إلا هو، كيف يجب أن نتصرف بعدما رأينا؟!، هل نتجاهله كأنما لم يكن، أم يجب أن نأخذ حذرنا؟!".
قال ياسر بيقين:
"سنفعلهما سويًا، إيماننا بأنه لا يعلم الغيب إلا الله لا شك فيه، أما بالنسبة لعلي، فلنأخذ حذرنا منه".
وعلى عكس القوة التي تحدث بها في السابق، قال ياسر بتوتر خاشيًا رفض أمجد:
"أسف على حديثي صباحًا، لم أحسن اختيار الوقت ولا الطريقة".
"لا عليك ياسر، لم يحدث شيء".
أضاف ياسر بتوجس:
"لكنني لازلت أُريدك أن تُحدث أختك عن طلبي، وتسألها رأيها، أثق تمام الثقة أنك كفيل بحمايتها".
سأله أمجد بعدما صمت مجددًا:
"لماذا إذن؟!".
"أريدها زوجة لي الآن؛ كي يعلم علي أن الطرق قد تقطعت به للوصول إليها، وأنها أصبحت حَليلتي".
توقف أمجد حيث هو، ولم يعقب، فقط يتفرس في وجه ياسر، وكأنه سيتمكن من اختراق أفكاره، ثم قال.



التعديل الأخير تم بواسطة Fatima Zahrae Azouz ; 05-02-22 الساعة 12:52 AM
ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-22, 06:02 PM   #29

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة noof11 مشاهدة المشاركة
يسلموا ع الروايه الجميله

أسعدكِ الله حبيبتي شرف لي متابعتكِ الغالية فرحانة جدا إنها نالت إعجابكِ 😘💞


ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-22, 06:07 PM   #30

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تغريد حمص مشاهدة المشاركة
تسلم ايدك شكلها مشوق يعطيك العافيه

تسلميلي يارب حبيبتي ربنا يجبر بخاطرك يا رب
اللهم آمين يا رب جميلتي 😍🥰


ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:19 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.