آخر 10 مشاركات
287 - كذبة العاشق - كاتي ويليامز (الكاتـب : عنووود - )           »          284 - أنت الثمن - هيلين بيانش _ حلوة قوى قوى (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          275 - قصر النار - إيما دارسي (الكاتـب : عنووود - )           »          269 - قطار النسيان - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          ياسميـن الشتـاء-قلوب شرقية(26)-[حصرياً]-للكاتبة الرائعة::جود علي(مميزة)*كاملة* (الكاتـب : *جود علي* - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

Like Tree17Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-03-22, 03:30 PM   #41

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي الفصل السادس عشر


الفصل السادس عشر
بقى أمجد بخيمته ينهي تقاريره محاولًا التغاضي عن ذلك الحزن ثقيل الوطأة الذي ضيق أنفاسه، وأشعره بالتوجس طوال ساعتين أنهى فيهما قدرًا لا بأس به من عمله، ثم قرر أن يرتاح قليلًا، وذهب؛ لتفقد سارة التي لازالت تجلس ساهمة بشكل يفطر القلب منذ صلوا الفجر، وقد انتفخت عيناها من شدة البكاء، فضمها إليه، ومسد على رأسها بحنو، يسألها بقلب واجف:
"لِمَ تبكين حبيبتي؟".
ضمت نفسها إليه أكثر، تستمد منه حبًا وطمأنينة؛ لعل خافقها الذي يرتجف كعصفور مرتعب بيد طفل قاسي أذاقه العذاب يهدأ، ثم همست له بعذاب:
"أنا خائفة، بل أكاد أموت رعبًا، شيء ما سيء سيحدث أمجد، قلبي ينبئني بذلك".
رفع وجهها إليه، ثم قال بحنو بالغ محاولًا التخفيف عنها مؤجلًا حاجته الماسة لمن يخفف عنه شعوره المقبض الذي تشاركاه، وقد بات متيقنًا أن عاصفة تلوح في الأفق ستقلب حياتهم:
"أتخافين وأنا بجانبكِ سارتي؟، ألم يعد وجودي يطمئنكِ؟".
أجهشت بالبكاء، توشك أن تفقد تماسكها الواهي، ثم قالت بتيه من بين شهقاتها التي جرحت حلقها:
"أنا لا يخيفني سوى بعدك أنت، أرجوك لا تتركني، سأموت بدونك، أنا أحبك أمجد".
"أنا ل...".
قاطعته منتحبة تفضي إليه ببعض من مكنون صدرها المختنق بسره الفادح، وقد انهارت تمامًا قدرة قلبها على التحمل في ظل كل ما يحدث من حولها:
"حياتي من قبلك استعمرها الألم والوحدة، لم تتلون بالسعادة والأمان إلا عندما أصبحت زوجتك".
سألها بعجب شديد من مسار أفكارها الغريب:
"وما الذي سيبعدني عنكِ حبيبتي؟!، لن يفرقني عنكِ سوى الموت، أنا أفديكِ بعمري".
ثم سألها ذلك السؤال الذي ينخر في عقله كالسوس منذ عقد عليها:
"لماذا اخترتِ العيش بعيدًا عن خالكِ، والبقاء بمصر وحدكِ؟، ألم تستطيعي مسامحته بعد؟".
أهلكها الخوف تتمنى لو تستطيع أن تحكي له، لكن الأوان لم يئن بعد، لازالت حياة أحب الأشخاص إلى قلبها على المحك، وقالت مبررة موفقها بالقدر الذي يسمح به ما يعرفه عن حقيقة نشأتها:
"أقسم لك حاولت كثيرًا، لكنني لم أتمكن من ذلك، لقد كان السبب بموت صغيري رؤوف".
ثم صمتت مجبرة حينما اصطفت ذكريات طفولتها التعيسة أمام عينيها، وشردت تسترجع ماضٍ أليم لازالت بصمته تفسد عليها حياتها بدءًا من غربة ببلد لا تعرف به أحدًا مرورًا بوالد سكير أذاق أمها كؤوس الشقاء بعد أن بدد ميراثها مستغلًا يتمها ومرض قلبها وهوانها عليه دون أب يقاتل لأجلها أو أم تحنو وتخفف عنها بأس ما تلاقيه منه كل هذا إضافة للدواء الذي يذلها ويهين كرامتها؛ كي يحضره لها، لكن ما زاد قهر والدتها وقلة حيلتها هو تخلي أخيها الوحيد عنها منشغلًا بتأمين مستقبله مع والد زوجها غاضًا الطرف عن معاناتها حتى رحمها الله من ذلك الشقاء الذي كانت تلاقيه، وانتقلت لجواره الكريم حينما كانت في السادسة من عمرها، ولم يدع لها والدها فرصة توديع أمها التي تزوج بعد وفاتها مباشرة من الحسناء راشيل رؤوبين التي ذاقت منه الأمرين بعد حملها بطفلهما إلا أنها على الرغم من ذلك لم تسئ لها يومًا، بل وضع الله محبتها بقلبها، واعتبرتها كابنتها، وهي أحبت حنانها الذي أغدقته عليها، وأصبح أخوها رؤوف ذلك الطفل الأشقر الوسيم الذي أحبته ما أن وقعت عيناها عليه هو النعمة الغالية وسط حياتها المزرية، وكانت أسعد أوقات حياتها هي تلك الأوقات التي كانت تساعد بها راشيل في كل ما يتعلق به تطعمه تبدل له ملابسه تجلس بجانبه تقص عليه حكاياتها الطفولية حتى تغفو، ولم تكن تتركه، أو تبتعد عنه أبدًا سوى للذهاب لمدرستها، وظل الحال على ما هو عليه من هدوء خادع لخمسة أعوام غطى فيهن رماد السعادة المؤقتة جمر قسوة والدها المفرطة التي قتلت بداخلهم الكثير حتى فاض كيل راشيل، وقررت الهرب بابنها من جبروت أبيه، ورحلت الى فلسطين المحتلة حيث تستوطن عائلتها على الرغم من رفضها التام لذلك الأمر سابقًا تاركة من خلفها مراهقة تجرعت لوعة اليتم مرتين، يُسَوِّمها أبوها سوء العذاب بغضًا في تلك الذكرى الحية التي تجسدها والدتها فيها، تجلده نظراتها اللائمة على أخطائه دون هوادة بعد أن هجر الاستقرار حياتها نهائيًا بتفريقها عن أخيها الوحيد إلى أن شملتها بعد طول صبر رحمة من الله وفضل، ومات المسمى كذبًا بوالدها غير مأسوفٍ عليه لتعيش من بعده في كنف خالها الذي رفض بشكل قاطع تواصلها مع أخيها وأمه، وأجبرها على التأقلم مع الحياة وجزء من روحها شريد عنها، فلم تذق طعمًا لراحة حتى أتمت الثامنة عشر من عمرها، وأصرت على السفر؛ كي تبحث عن أخيها الذي صدمها ما اكتشفته عن حياته بعد وفاة أمه التي باغتتها المنية عقب فرارها بعدة أشهر، ورفض أهلها وجود رؤوف بينهم، فوضعوه بأحد الملاجئ التي لم تدع أحدها إلا وبحثت فيه عن صغيرها الحبيب لتكتشف الطامة الكبرى التي عصفت بحياتها المزرية عندما علمت أن قرة عينها لاقى أسوء معاملة قد تمر بحياة طفل بعمره، وأصبح اسمه واسم والده العربيين وصمة عار يدفع ضريبتها من براءته وطفولته المغتصبة، والأمر على عظمه لم يتوقف عند ذلك، بل كان هرب الصغير وتشرده هو نقطة اللاعودة في طريق الانحراف الذي فُرض عليه دون ذنب أو جريرة، وذلك ما لم تعلمه هي أبدًا بعدما عادت إلي خالها مكملة دراستها للطب بفرنسا مؤجلة حلم اجتماعها بأخيها للعام القادم، ولم يمس قلبها المفطور على أخيها مطلقًا ذرة يأس، بل كانت تسافر كل إجازة باحثة عنه بنفس الإيمان الراسخ أنها ستجده يومًا ما، لكن محاولاتها الدؤوبة لم تكلل بالنجاح حتى أنهت رسالة الماجيستير، ولازال أملها بإيجاد أخيها يتوهج بقلبها دافعًا إياها؛ للاستماتة وبذل الغالي والنفيس؛ لأجل اجتماع شملها به من جديد، وفي إحدى زياراتها لفلسطين بعد حصولها على الدكتوراة فوجئت بمدية تُوضع علي عنقها ما أن ابتعدت عن المطار مفضلة السير على قدميها حتى تصل لوجهتها القريبة بينما تكمم يد السارق فاها، ثم همس بأذنها بصوت أجش، وقد فاحت من فمه رائحة خمر مقززة دفعت بغثيان شديد إلى حلقها:
"اعطني حقيبتكِ ومجوهراتكِ التي لا أعتقد أبدًا أنهما أغلى من عمركِ الذي سأسلبه إن تفوهتِ بحرف".
نزعت عنها حقيبتها تسلمها له، وكذلك سلسالها وخاتمها، لكنه كان طامعًا بجسدها الغض الذي أَسَال لعابه أكثر، وحاول مراودتها عن نفسها، وذلك ما لم تسمح به أبدًا، بل ظلت تهتف بهيستيرية:
"النجدة، ساعدوني...".
وما أن رأت ذلك الرجل القادم من مدخل الشارع الذي احتجزها فيه السارق حتي صرخت بأعلى صوتها:
"أرجوك انقذني".
واستماتت في الدفاع عن عرضها بكل ما أوتيت من قوة بعدما تابع الرجل الذي كان يسير بجانبهما طريقه متجاهلًا إياها، ثم أبصرت من بين دموعها التي أغرقت وجهها ذلك الشاب الذي أقبل عليهما مسرعًا، وتعارك مع سارقها، ثم أبعدها عنه حينما أوشك أن ينحر عنقها من فرط غضبها لعجزه عن نيلها، وكان أخر ما سمعته من الشاب قبل أن تفقد وعيها هو قوله بهدوء بينما يحملها بين ذراعيه برفق بالغ خائرة القوى:
"نجوتِ".
أفاقت بعد قليل لتجد نفسها على سرير بغرفة غريبة، ولم تتذكر أيًا مما حل بها لثوانٍ عدة حتى عادت لها ومضات من اللحظات السابقة، فرفعت رأسها التي أوشكت حافة المنضدة الصغيرة المجاورة للفراش أن تصدمه لولا كف الشابة التي حالت بينهما، وقالت لها بينما تمد كفها الأخرى؛ لتساعدها على النهوض:
"اهدئي أنتِ بخير".
"أين أنا؟، ومن أنتِ؟".
"أنا ممرضة، وأدعى فيكي، لا تخافي أنتِ آمنة تمامًا، جاري ديفيد أحضركِ إلى شقتي بعدما أغمي عليكِ".
نظرت لملابسها برعب لازال يرتعد له جسدها، فقالت فيكي مهدئة لها:
"أنا من بدلت لكِ فستانكِ، لا تفزعي".
ثم التفتت عنها تبحث عن شيء ما في أرجاء الغرفة المبعثرة، وقالت ما أن وجدته:
"تفضلي حقيبتكِ، ستجدين بداخلها خاتمكِ وسلسالكِ، إن أصبحتِ بخير ديفيد يريد الاطمئنان عليكِ".
سألتها بتيه:
"من يكون ديفيد؟!".
"صديقي الذي أنقذكِ".
أومأت بخفة آذنة لها، ثم قالت بخفوت ممتن بعدما لاحظت بساطة حال فيكي:
"أشكركِ عزيزتي، ثوبكِ الذي ألبستني إياه رائع، أحببته بشدة".
"ثمنه خمسون دولارًا فقط".
ثم هتفت منادية ديفيد بعدما سألتها:
"ما اسمكِ؟".
أخرجت من حقيبتها مئة دولار، وأعطتهم لها بينما تقول بامتنان:
"سارة الغازي، أعجز عن إيفائكِ حقكِ، إن أتيتِ لفرنسا لا تترددي بزيارتي، هذه بطاقتي بها كل أرقامي".
دخل ديفيد إلى الغرفة يسألها بلهفة استغربها هو نفسه:
"كيف حالكِ الآن؟".
ابتسمت له بعذوبة، ثم قالت:
"بخير، مدينة لك بحياتي، لن أنسى لك معروفك هذا ما حييت، أتمنى أن تشرفني بالزيارة بمقر شركة الغازي بباريس".
وما أن تحسنت قليلًا حتى أوصلها ديفيد لفندقها، ولم يتركها طوال فترة مكوثها بفلسطين إلى أن انتهت إجازتها، ومُنيت محاولتها للعثور على أخيها ككل مرة بالفشل، وعادت لباريس خالية الوفاض، وعلى الرغم من مرور السنوات إلا أنها ظلت تحافظ على زيارتها لفلسطين التي توطدت خلالها علاقتها أكثر بديفيد الذي أضحى صديقها الحميم، وفي ظهيرة أول يوم لاستلام عملها كطبيبة متمرسة فاجأتها رؤيته بعد انتهاء دوامها أمام المشفى الذي تعمل به، وقد فتح ذراعيه التي ارتمت بينهما بسعادة تغرد ضحكاتها الناعمة مطربة أذنيه حين حملها مقربًا إياها أكثر من قلبه المشتاق لها، ثم همست له بعدما قَبَّلت وجنته:
"ما هذه المفاجأة الرائعة؟، لِمَ لم تخبرني؛ لأصطحبك من المطار؟".
أجابها بانتشاء، وقد نشر ابتهاجها السعادة بروحه المحترقة ألمًا:
"وأُضيع على نفسي ملامحكِ النابضة بالفرحة، وتلك الضحكات التي تضيء عتمة حياتي؟!".
أضاءت البسمة عينيها اللتين تحولتا لنجمتين لامعتين، فهمس ديفيد مسحور بروعتهما:
"اشتقت لكِ كثيرًا جميلتي".
قضيا اليوم سويًا يتنزهان بحدائق لوكسمبورغ الخلابة، ثم ذهبا في المساء لبيتها الذي استقلت به عن خالها منذ أتمت الثامنة عشر، يحلق الحب فوقهما بجناحه الوردي، فاقترب منها ديفيد بلهفة، ولم تمانع على الرغم من أنها مرتها الأولى، بل كانت تتوق إلى حبه وأن تبادله شغفًا بشغف مغيبة بفيض مشاعرها تجاهه بينما تبعد عن منكبيه قميصه الأسود الذي أبرز وسامة وجهه الأبيض المشرب بحمرة وجمال عينيه الزرقاوين اللتين تعشقهما، وعلى حين غرة انتفضت مبتعدة عنه كالملدوغة، تتمتم بهستيرية:
"لا".
كاد يفقد عقله غارقًا في ذهوله من ردة فعلها الغريبة وهي تقاومه بعنف، يريد فقط فهم ما حل بها، يعي جيدًا أن جسده به من الندوب العديد، لكنها ليست منفرة لذلك الحد، لكنها جذبت يدها منه بعنف بالغ حتى أنها صدمت المرآة بقوة، وأسقطتها أرضًا، فتفتت وتبعثرت من حولهما كما تناثرت روحها للتو، ورغم كل ذلك الضجيج لم تنتبه لها، ولم تشعر بالألم الرهيب الذي اشتعل بمرفقها بموضع جرحها الغائر، بل سيطرت على عقلها الأفكار السوداء التي جعلتها تتقيأ قرفًا مما أوشكا أن يفعلاه، تكاد روحها تزهق، فابتعد ديفيد عنها يعتصره الألم بعدما تأكد أنها تشمئز من جسده، وجلس على الكرسي المجاور لباب الغرفة منكسًا رأسه بين كفيه، يستعيد ذكرى كل خذلان مُنِيَ به في حياته، والصمت الكئيب يغلفهما بردائه لنصف ساعة، لم يتغير بها شيء، لا هي تحدثت، ولا هو مَلَك القوة على الاستفسار منها، وحين أصبح ذلك السكوت المهيمن خانقًا لأنفاسه المتعثرة توجه للباب مغادرًا بقلب منكسر بينما يرتدى قميصه مجدَّدًا، لكنه فوجئ بيدها المرتجفة تمنعه من إغلاقه، بل وتزيح برهبة تجلت على وجهها الشاحب بشدة عن صدره نصفه الأيسر متلمسة قلادته العتيقة بعدما تمالكت النذر اليسير من أعصابها، وإن كانت لا تزال تذرح تحت وطأة عنف صدمتها بما رأته، ثم همست بكلمة واحدة بصوت شديد الخفوت:
"رؤوف".
تجمد مكانه حيث يقف كتمثال قُدَّ من صوان، وقد أذهب وقع كلمتها اليتيمة بثباته؛ ثم انهار جالسًا بتثاقل يتساءل ذاهلًا:
"كيف؟!، شهرتك الغازي!".
أجابته بحزن بالغ، تنهمر دمعاتها أخيرًا مخففة عنها القليل من وجعها القاسي:
"استخدم شهرة والدتي، لم أرد لشيء أن يجمعني به مثلك، لكنك غيرت اسمك كله حتى شهرة والدتك تخليت عنها".
"مايكل رؤوبين".
سألته بقهر بالغ:
"ماذا؟".
قال بتيه يتمنى أن تبكي عيناه كما ينوح قلبه البائس:
"اسمي الحقيقي مايكل رؤوبين...، هكذا كانت أمي تناديني، وسعت جاهدة؛ لتوفير أوراق رسمية لي به".
ثم هتف بسخرية من حياته التي تحولت بين غمضة عين وانتباهتها لمأساة مروعة:
"ولأنني مَشْؤُوم ماتت قبل فعلها؛ ليصبح اسمي لعنة عذابي حتى تمكنت من استخراج أوراق هوية مزورة".
"أرجوك لا تقل ذلك أخي".
"لا تتعجلي بقول أخي، فلأجل تلك الهوية الجديدة ارتكبت مصائبًا، ألم أخبركِ أنني تعيس الحظ".
شهقت جزعة حينما قال لها:
"ما تورطت به؛ لأتمكن من النجاة التف حول عنقي كقيد أبدي من جحيم".
ولثوانٍ لم يستطع التكملة، لكنه أجبر نفسه على البوح لها:
"وفَرَضَ عليّ نمط حياة ملتوٍ سيدفعكِ للهرب مني ككلب أجرب ما أن تعلميه".
وضعت يدها على فمه، تنشج بعنف بينما تقول وهي تحرك رأسها نافية:
"مستحيل أن أفعل، اصمت أرجوك، أنا لم أرد بحياتي كلها سوى العثور عليك".
قاطعها بعنف صارخًا؛ كي يُصمتها رغم يقينه من صدقها، لا يرغب أن يعرف ولا أن يُكوى بالألم أكثر:
"كاذبة".
قالت من بين أدمعها المنهمرة مدرارًا بعدما أمسكت بيده، ترجوه أن يصدقها:
"كنت آتي كل عام للبحث عنك، لم أفقد الأمل لحظة، ذلك سر زياراتي المتكررة الذي أردت دومًا معرفته".
"مستحيل".
"أنا أحبك أخي، أحبك مهما اقترفت، أنت ضحية ذلك الظالم الذي أنجبنا".
ضحك بهستيرية بينما يبعدها عنه، ثم هب وافقًا، وقال ساخرًا:
"انتظري؛ لتعلمي الحقيقة ببشاعتها كاملة أولًا، سارة الطبيبة النابغة التي كرست حياتها؛ لمساعدة الناس، بل وقامت بالعديد من العمليات الجراحية الخطيرة دون أجرٍ".
ثم أمسكها بعنف من عضدها يرجها رجًا معمي بالفاجعة التي هبطت فوق رأسه من حيث يأمن:
"سارة التي كنت أتهيب الاقتراب منها كحبيب، واكتفيت بصداقتها حتى أفقدتني سطوة عشقها اتزان عقلي، لا أظنها ستتقبل مايكل القاتل المأجور".
تهاوت على السرير بعدما وقفت؛ كي تمنعه من المغادرة، وهتفت بعدم تصديق:
"كاذب، رؤوف لا يمكن أن يفعل ذلك".
عاد لضحكه الهيستيري، ثم قال بقهر، وقد تحول صوته لأنين، وكأن مجرد تفوهه بالكلمات يدمي قلبه:
"أتصدقين أن مايكل الذي أظله حنان أمه، وتنعم به لم يكن ليجرؤ على التفكير في الأمر بينما فعلها رؤوف دون رفة جفن؟!".
وما أن أنهى جملته حتى خرج مسرعًا من البيت بأكمله إلا أنها لحقت به قائلة بصوت مبحوح من شدة بكائها غير عابئة بالدموع التي أغرقت وجهها، وشوشت رؤيتها، تتشبث بيده بكل قوتها:
"لا تتركني، احتاج فقط لبعض الوقت؛ كي أتقبل.. حقيقتك".
قال لها بأسى ما زلزل كيانها، وفتك بفطرتها السوية:
"أنا أحتاج لعمر كامل، فحتى إن حدثت المعجزة وتخطيتِ كل ذلك؛ كيف سأراكِ أنا كأخت بينما أعشقكِ كامرأة أصبو لوصالها؟!".
تركت كفه بسرعة، تتجعد ملامحها اشمئزازًا، فنظر ليديهما، ثم لعينيها مكممًا صرخة ألم تشقي روحه، ومضى لا يلوي على شيء تاركًا إياها تقاسي ويلات ما علمته توًا هاتفًا بها بقهر:
"مستحيل سارة".
وبصوت شديد الخفوت لم يتخط حدود صدره المتمزق حسرة أضاف بكآبة:
"مستحيل حبيبتي".
مر عامين منذ أخر مرة رأت بها رؤوف، كانت تحيا فيهما بجمود، وقد ذهبت أمالها كلها بالسعادة دون أدنى فرصة لعودة، وتحولت لآلة صماء، لكنها ظلت للأسف على قيد الحياة، تذهب للمشفى صباحًا، ثم تعود منها إلى بيتها في روتين قاتل وعزلة مدمرة فرضتهما على نفسها التي تجلدها على ما لا يد لها فيه حتى هَلَّت شهور الشتاء الباريسي قارس البرودة، وحملت لها أيامه ما غير حياتها تمامًا بعدما حضر رؤوف لرؤيتها لأخر مرة، وقال لها بعذاب لم يفارقه ولو لثانية:
"جئت لأودعكِ أختي، اطمئني ستتخلصين من وجودي الكريه أخيرًا، وربما العالم بأثره".
رفعت يدها إلى فيها مصعوقة، تكمم صرخة كادت تغافلها وتنطلق مدوية حين أبصرت وجهه المكدوم وذراعه المُجَبَر، ثم جرت إليه بلهفة لم تستطع السيطرة عليها، تشكو دموع عينيها همومها الثقيلة على صدره المكدود؛ لعلها ترتاح ولو قليلًا، وسألته بذعر:
"ماذا حدث لك؟".
أجابها بشرود إجابة لا تمت لسؤالها بصلة:
"أتعلمين، أنا من حولت نفسي لما وصلت إليه أعترف، لكنه كان الطريق الأمثل والوحيد في اعتقادي وقتها".
سألته ثانية وهي تجلسه على الكرسي المقابل لمكتبها، ثم جلست أمامه متمسكة بيديه الباردتين بين كفيها الدافئين:
"كم يبلغ الثمن الكافي؛ ليتركوك وشأنك؟".
"حياتي".
همس بها بسخرية سوداء، ثم تابع حديثه بلامبالاة كاذبة:
"أو عشر مهام أُنازل فيها الموت، إما يغلبني فأرتاح، أو أنتصر؛ وأعيد تكرار الأمر لتسع مرات جديدة، برأيك كم تبلغ نسبة نجاتي؟!".
ظلت صامتة، يكسر قلبها يدها المغلولة غصبًا عن مساعدة وحيدها، لكنها ما لبثت أن قالت بيقين لا تعلم من أين أتت به، تسترجع وجه أمها الباسم:
"ستنجو، فقط لا تنزع عنك قلادة أمي".
نظر لها بعجب بالغ كأن رأسًا أخرى قد نمت لها بينما تتأمل بتأثر الكلمات المنقوشة على القلادة، ثم تابعت حديثها بابتسامة شقت غيوم الحزن بعينيها:
"هي أهدتني إياها وخاتمها الذي أعدته لي من السارق قبل موتها بشهر واحد، وقالت لي "كلمات الله ستحميكِ بهجتي".
تنهدت بحنين وأكملت بخفوت، وقد غمر قلبها موجة كاسحة من الاشتياق لحضن والدتها الرؤوم:
"لا أزال أذكر حديثها، وكأنها حفرته بعقلي لا تفوهت به".
"مادامت غالية عليكِ بذلك الشكل لِمَ أعطيتني إياها؟".
"لنفس السبب الذي جعلك تحتفظ بها كل هذه السنوات وأنت لا تعلم حتى ما كُتب عليها".
"سارة لا تراوغي، لِمَ بذلك الوقت تحديدًا؟".
غامت عيناها بآخر زادها الذي صبرها على طول غيابهما من امرأة شكلت معنى العطاء لها طوال حياتها الصعبة:
"سمعت الحبيبة راشيل تتحدث عن هربها بك، وأنها ستعود ثانية؛ لتصحبني، فأردت أن يحميك الله لي".
همس بتألم، وقد لمست كلماتها الصادقات قلبه:
"سارة أنا...".
"أنت عدت لي من قبل، وسيحفظك الله حتى تأتيني سالمًا، فتكتمل روحي بك".
ثم أضافت بارتجاف أقرب لنوبة ذعر غلبها، وقد طفت على السطح الطفلة كسيرة القلب المتوارية بركن قصي من ذاكرتها، تلك الطفلة المرعوبة على الدوام من أن يُنكل بها والدها، ولا تجد من يخفف عنها، تهذي تقنع نفسها قبل أن تفعل معه هو:
"أمي لا تكذب أبدًا، أنت ستعود لأجلي أخي...، لن تتركني لوحدتي مجدَّدًا، أليس كذلك؟".
تقطع قلبه حزنًا عليها، وقد تخيل ما سيحل بها إن فقدته، لكنه لا يملك من أمره شيئًا، هذه هي الطريقة الوحيدة التي قد تحرره منهم، وقال يمنحها أملًا كاذبًا لم يجرؤ على مجرد التفكير في سلبها إياه:
"بلى، أختي".
"سارة...، سارة حبيبتي أين شردتِ؟".
لم تتمكن من إجابته مقتنعة أن أنصاف الحقائق التي يعرفها بالفعل عن حياتها قبل استقرارها بمصر تكفيه الآن، وقالت بأسى:
"لا شيء حبيبي، أخبرني هل أنهيت تقاريرك؟".
قال بمشاكسة محاولًا التخفيف عنها:
"لا، لم أكملها بعد، فقد خطفتني من نفسي ساحرة رائعة، هي بالمناسبة زوجتي الجميلة، أيرضيك أن تفعل بقلبي كل هذا؟".
امتلأت عيناها بالدمع الذي منعت انهماره بكل قوتها؛ حتى لا يفيض صادحًا بوجعها، وأخفضت نظراتها؛ كي لا تشكو لعينيه قسوة الحياة التي اختارتها بكامل إرادتها، وقالت:
"هي تحبك كما لم تحب من قبل، أنت فقط كل ما تريده من هذا العالم".
ضمها إلى صدره يحتوى الحزن الصارخ بعينيها، يتمنى لو تخبره بما يقض مضجعها، ثم قال بمزح:
"متأكدة أنكِ تريديني أن أكمل عملي بعد كلماتكِ الرقيقة تلك التي عبثت بانتظام نبضات خافقي؟".
"بلى، ويجب أن تذهب فورًا؛ كي نتمكن من الرحيل عن هذا المكان سريعًا".
استجاب لها أمجد، وذهب لخيمته عازمًا على جعلها تفضي له لاحقًا بكل ما يؤلمها مقررًا أنه لن يطاوعها على الصمت أكثر من ذلك، يحتاج أن يعرف ماذا حدث معها حقًا، وسر ذلك الخوف الساكن بعينيها على الدوام؛ كي يتمكن من مساعدتها.
خرج فرسان العهد من الغرفة السرية، وبدأت رحلة عودتهم داخل السرداب التي ظلت سحر طوالها غارقة في أفكارها التي تشاركتها دون أن تدري مع زوجها، فغمرت عقله أمواج تخبطها المتلاطمة بين ما يمليه عليها ضميرها وحبها لأخيها، وبين شعورها القوي الذي تأبى حتى الاعتراف به لنفسها بأن سارة مظلومة بشكل ما كما يحدثها قلبها، وأخذه التفكير بما يتوارد لذهنها بعيدًا، يحلل هو أيضًا الموقف؛ لعله يرى الحقيقة بشكل أوضح حتى توفقوا جميعًا فجأة في وسط السرداب تمامًا حينما زلزلت مسامعهم صرخات تشي بعذاب أليم، تعرفت سحر فورًا على صوت مطلقتها، وصاحت بذعر استوطن نفسها:
"سارة".
وعلى حين غرة عميت أعينهم عن الرؤية تمامًا، وساد ظلام حالك تبعه سكون شديد خيم عليهم، ثم ما لبث أن بهر أعينهم ضوء الشمس الساطعة بينما يشاهدون ما يراه هاني الذي تعالت ضحكاته بصخب، وقال بانتشاء:
"ما رأيكم ببث مباشر لما سيحدث، ولن تستطيعوا إيقافه مهما أوتيتم من قوة؟".
ثم سكت صوته الكريه، وبدأت أعينهم تتابع الصور المتلاحقة التي بدأت وتيرة سرعتها في الهدوء، وتحولت لما يشبه نظام عرض المقاطع المرئية لسارة مدماة الشفاه والجبهة بوجهها المكدوم وحجابها المفكوك جزئيًّا تصرخ مستغيثة بينما ينكل بها هاني خاتمًا وحشيته معها بصفعة أصمت أذنها وشجتها من فرط قوتها وهو يقول لها بتشفٍ:
"حم*قاء غبية، صدقتي أكذوبتي بسهولة، وأتيتِ دون مقاومة حينما هددتكِ بحياة سحر، وفرتِ عليّ الكثير".
ثم ضحك بهستيرية تقطر كلماته تفاخرًا بنفسه بينما يقول:
"لكنها إحقاقًا للحق كانت كذبة متقنة، والآن حان وقت الحقيقة، أخبريني لِمَ فديتِ سحر بنفسكِ؟".
شهقت سحر بذهول، ودمعت عيناها بينما تتابع بقية البث الذي صمتت فيه سارة ولم تجب، وقد ازداد فيض دموعها اختلاطًا بدماء جروحها العميقة، وحينما فطن هاني أن الترهيب لن يؤتي بالنتائج المرجوة قال لها مهادنًا:
"إن أخبرتني ما أريد معرفته، لن أمد يدي عليكِ مجدَّدًا".
نظرت له باحتقار تجاهله متعمدًا، ثم تابع كأنه لم يفهم ما تقصده بنظرتها تلك:
"وبما أن الثقة معدومة بيننا، ها هو قسم غليظ سأخطه فوق قلبي، إن لم أفِ به، فلتحل علي اللعنة".
وما إن أنهى كلماته حتي أشار فوق قلبه بما يشبه علامة العنخ _مفتاح الحياة_ التي توهجت بالأحمر القاني، فقالت سارة له بصوت خافت هو كل ما استطاعت إصداره من حنجرتها التي ألهبها طول الصراخ دون منقذ بعدما كاد يغمى عليها من شدة التعب خاصة أنه استنزف قوتها كاملة منذ أتى بها لغرفة قدس الأقداس تهادنه:
"لا يهمني بِرك بقسمك من عدمه، ستحل عليك اللعنة في كل الأحوال، ماذا تريد أن تعرف؟".
"لِمَ فديتها؟".
ثم صمت مفكرًا قبل أن تتفوه بحرف، وقال مستنكرًا:
"ڨينكس المتجبرة سيدة المهام المستحيلة تقايض بحياتها روح شخص آخر!، كيف يُعقل ذلك؟!".
أجابته بعدما بصقت الدم الذي ملأ فمها:
"بل سارة الطبيبة صاحبة القلب الطيب هي من فعلت ذلك، وليس ڨينكس".
وضحكت بشدة حينما أبصرت البلاهة المنعكسة على وجهه حينما لم يستطع فهم حديثها على الرغم من جروح وجهها التي آلمتها، ثم تابعت بتسلية، وقد عادت روح ڨينكس الموءودة تنتفض بداخلها:
"سحر نقية، أحبتني من كل قلبها، ساعدتني واعتبرتني كأخت لها، ورغم من كل مساوئي، أنا لا أرد الإحسان بالإساءة أبدًا".
قاطعها هاني مستهزئًا:
"هراء".
تابعت سارة حديثها غير عابئة به؛ فسواء لديها أصدقها أم لم يصدق:
"أمجد يستطيع تحمل كارثة فقداني، أما هي فستقتله خسارتها؛ ولأجل أمانهما ترخص حياتي".
تنهد هاني باستهزاء مدعيًا التأثر الشديد، ثم قال:
"اكملي، لا تتوقفي".
تابعت حديثها رغم امتعاضها من السخرية التي لونت صوته، تحتاج للجهر بتلك المشاعر التي ملأت قلبها لأمجد وسحر حتى إن لم يسمعها المعنيين بها:
"كنت بقمة سعادتي وأنا أضحي بنفسي، وأفتديها متحملة جزاء ما اقترفت يداي؛ لعلها تكون لي شفاعة عند الله".
"كيف انضممتِ للمنظمة؟".
عادت بذاكرتها للوراء، وقد أضحى اليوم هو فرصتها الأخيرة؛ لسداد ديونها كافة، ثم قالت، وقد غامت عيناها:
"عندما رحل أخي أول مرة كان يجب أن أجري جراحة دقيقة، اعتذرت عنها؛ لعلمي أنني لن أستطيع التركيز فضلًا عن الإمساك بالمشرط".
تغضن وجهها بألم أشد قسوة ينبع من روحها المعذبة بذنبها، وتابعت بخفوت كأنها تسر نفسها:
"لكنني فوجئت بامرأة مسنة تقتحم مكتبي، وتقبل يدي، ترجوني إجراء الجراحة لحفيدها الوحيد".
"وبالطبع استجبت لها؟".
"نعم، رغم تعبي الشديد ونفسيتي المدمرة غلبتني شفقتي، وأجريت له العملية، لكنني فشلت بإنقاذه".
توقفت سارة عن الحديث، وقد آلمها استرجاع هذه الذكرى بالذات أكثر مما فعل بها تعذيب هاني الشرس، لكنه لم يمنحها الفرصة؛ لاستجماع نفسها، بل قال بغلظة بعدما سأم مما تقصه عليه:
"لا أريدكِ أن تحكي لي قصة حياتكِ، اختصري، واخبريني بما أهتم بمعرفته، صبري كاد ينفذ".
"تدمر مستقبلي المهني، وحاول عم الطفل قتلي، لكنني نجوت، وتمكن أخي من تنفيذ مهمته الأولى بنجاح ساحق".
جز على أسنانه بقوة غيظًا حين وصلت لذلك الجزء من حكايتها كارهًا ذلك التبجيل الذي كان أفراد المنظمة يصبونه على مايكل العظيم منفذ المهام الأسطورية صبًا بينما لا يجد هو سوى الازدراء، ثم سألها بضيق:
"ماذا حدث بعد؟".
"زارني، وعندما علم بما حدث سافر بي بعدما لفق حادثة تثبت موتي، ومنذ ذلك الوقت دُفنت للأبد سارة الغازي، وانتزعت أنجلا رؤوبين، أو ڨينكس حقها بالحياة".
"تابعي" .
"مر عامان ارتبط فيهما مصيري بمصير أخي أتم خلالهما ثلاثة مهام جديدة، وقضيتهما في تدريبات قاسية بعدما قررت مشاركته قدره المحتوم، إما أن ننجو سويًا، أو نهلك معًا".
قبضة من عذاب خالص التفت حول قلبها تضغطه بعنف بينما تتابع بندم تجلى بعينيها الحزينتين:
"تحولت حياتي تمامًا كأن الرحمة انتُزِعت من قلبي بإجبار الأيام لي على التنازل عما حلمت به، وفقت أخي قسوة لأتمم خلال عام واحد عمليتين شديدتي الخطورة".
"وماذا عن مايكل؟".
"أنجز اثنين أخريين، لكنه أصيب في أُخراهما بشدة، فكلفتني المنظمة بمهمته التي كدت أفقد حياتي خلالها لولا طمع رئيسهم بي".
نظر لها بشهوانية يتأمل جسدها المستور بحسرة، فتابعت بقوة وغل وصله كاملًا؛ فأرجف قلبه علي الرغم من كونها مقيدة اليدين تكاد تلفظ أنفاسها:
"قتلته بتلذذ، كما سأفعل بكل من تسول له نفسه مجرد الاقتراب مني، وفررت بنفسي".
تراجع هاني لا إراديًا خطوة للخلف هائبًا ذلك التوحش السافر الذي التمع بعينيها، فأكملت حديثها راضية عما وصله منها:
"أما مهمتي الأخيرة فرغم اعتقادي بادئ الأمر أن هناك خدعة خاصة أن ما كلفوني به لا يصل لمعشار ما كنت أواجهه سابقًا، لكنني فهمت بعدها أنهم أرادوني أن أصبح حاملة الحجر الدموي".
نظر لها هاني بغضب وحقد متأصل بنفسه تجاه كل من يفوقه مكانة أيًا كان من هو، فقالت باستهزاء بالغ بينما تضحك بانتشاء من شدة الغيظ الذي ارتسم على وجهه، فبعض العادات القديمة لا تندثر مهما فعلنا:
"لا تتعجب هكذا، صدقًا إن بقيت كڨينكس، ولم تغيرني عشرتي لأمجد؛ لظللت أنت مجرد تابع ذليل لا أهمية له كما كنت دومًا".
ثم تابعت على نفس الوتيرة تستفزه أكثر:
"وتحولت أنا لذلك الكيان الشرس الذي تلهث المنظمة لامتلاكه، لكنني لم أبلغهم بحصولك على قوى الحجر".
"لماذا؟".
"أردت أن يدمرهم ما صنعته أيديهم، .... وستفعل".
جعد أنفه، وقال بكبر:
"لن أفعلها أبدًا".
تعالت ضحكاتها من جديد حتى نبضت جروحها بالألم، فتوقفت مرغمة، ثم سألته بسعادة لم تدعيها:
"أسترضى أن تكون وحشهم المدلل الذي يحركونه كيفما شاؤوا؟!".
وحينما لمحت الغضب الذي استعر بعينيه قالت بتهكم:
"هنيئًا لك إذن، سعيدة جدًا بالمكانة الحق*يرة التي اخترتها لنفسك".
ثم زفرت أنفاسها بملل متعبة، وقالت:
"ألن تنهي هذه المهزلة؟، وجودك الكريه يشقيني أكثر بكثير من كل ما لاقيته من تنكيل".
تخلى هاني عن بروده الشهير، وأوشك أن يفتك بها؛ ثأرًا لنفسه من استهزائها به، لكنه توقف فجأة، ثم علا نعيقه القميء قائلًا:
"محاولة ذكية أعترف بذلك، وكادت تنجح لولا ذلك الهمس الذي نبهني لخطورة فقداني لتركيزي".
وأخرج ببطء من تحت سترته السوداء خنجرًا صغيرًا توارى حده المصقول تحت غمد غارق بالنقوش الدقيقة للتعاويذ، وجرح به معصم يدها، ثم قال بابتهاج:
"حان الآن وقت تحقيقي لانتصاري كاملًا".
وتوجه لطاولة تقديم القرابين أخذًا من فوقها كأسًا ذهبية ملأها لنصفها بالدماء الغزيرة التي تتساقط من يدها، يستنزفها ببطء سادي متلذذ، ثم قال بينما يتجرعها بهدوء مستمتع، ويمسد بيده الثانية على العلامة الحمراء فوق قلبه:
"لم تعودي تتعجبين من نكثي بوعودي أليس كذلك؟، وللعلم ألمي بسيط مقارنة بعظم ما تجديه أنتِ".
ثم ضغط قبضتاه بعنف بالغ على معصم يدها الد*امي:
"فح*قير مثلي كما تقولين يُتوقع منه أي شيء، منطقي جدًا صحيح؟!".
وتابع حديثه تلتمع عينيه سعادة بالألم المحفور على وجهها:
"لم أحتج أبدًا لمعرفة التفاهات التي هذيت بها، كان مجرد فضول واستثمار لوقت محدد أحتاج لمروره".
اتسعت عيناها ذعرًا، وزاد وجهها شحوبًا فوق شحوبه الشديد بينما تسمعه يتابع بنفس التفاخر العقيم:
"كل أردته أن تأتي إلى هنا دون مقاومة؛ كي لا ينتبه الفرسان؛ وأتمكن من إنشاء جدار حماية يمنع حامل السر من اختراق أفكاري".
ترك الكأس الفارغ من يده بعدما صبغ ببقية دمائها التي تلا عليها بعض التعاويذ قدما التمثال المصغر لشيدو لاماسو، ثم قال بملل:
"لقد سئمت حقيقة من تلاعبه بي هكذا، وخدمني الحظ، فحصلت على ما أصبو إليه حقًا، دمائك الشهية كقربان".
ثم التفت عنها مغادرًا متلذذًا بمعاناتها، وقال:
"أرأيتِ من منا أكثر سفهًا من الأخر؟!".
سقطت سحر على ركبتيها مصعوقة، تهتف بذهول منتحبة بعدما فقدت قدرتها علي الإبصار مجدَّدًا، وتلاشت الصور من أمامها:
"سارة.. الغالية، ماذا فعلتِ بنفسكِ؟!".
وظلت جامدة حيث هي تمر أمام عينيها ذكرياتهما سويًا منذ تعرفهما ببعضهما صدفة كما كانت تعتقد وقتها، تتذكر كيف دعمتها في كل موقف احتاجت به لوجودها، وشدت من أزرها، كيف صانت عرض أخيها، ولم تسمح لأحد بالنيل منها أو منه، وملايين الذكريات الأخرى التي احتلتها كلها سارة كأخت وصديقة قبل أن تكون زوجة لأخيها، وصرخت بعذاب حتى تشقق حلقها:
"لا".
أنهضها ياسر عن الأرض، واستجابت هي له كدمية يحركها كيفما شاء، لكن تلك النيران التي اضطرمت بعينها شلته لحظيًا بينما تقول:
"لن يقتص لحق سارة منه سواي، أنا من ستقتله بيديها العاريتين".
ثم خلصت نفسها منه بعنف فاجأه، وجرت تقطع كل عشر درجات من السلم بخطوة واحدة، فربت جيمس على كتف ياسر؛ ليفيقه من صدمته، وأسرعا يجريان بكل قوتهما تاركين الصندوق بوسط الممر؛ كي لا يؤخرهما، لكن الطاقة اللازوردية شعت حول سحر بكثافة لم ترها أعينهما من قبل، وحجبتها عنهما بعدما قيدت حركتها، وأعاد لها صوابها تدريجيًا تخاطر رِينِّينَا معها:
"ستهلكين نفسكِ بفقدانكِ لطاقتكِ، لم تُوهبي هذه القوى؛ لتنتقمي، بل لترفعي راية الحق متحكمة برغباتك مسيطرة عليها لا العكس".
ثم هدأت حدة انفعالات رِينِّينَا التي وصلت سحر كاملة، وقد توحد إحساسهما بمشاعر كل منهما للأخرى، وتابعت رِينِّينَا تواصلها معها الذي صبغته الشفقة بعدما أبصرت أولى التأثيرات السلبية لثقل المسئولية الملقاة على عاتق وريثتها الحبيبة:
"أنتِ أقوى من ذلك، أفيقي لنفسكِ حفيدتي؛ لتتمكنوا من إنقاذها وأنفسكم، لقد استيقظت شياطين الكينداڨيت، ولبوا نداء حامل الحجر الدموي".
انهارت سحر جالسة أرضًا، تتفجر الدموع من عينيها مغرقة وجهها الذي أخفته بكفيها، ثم أجهشت بالبكاء؛ لعلها تخفف قليلًا من هذا الهم الذي استعمر نفسها، وأسرع ياسر بعدوه ما أن تبددت قبة الطاقة من حولها، يمسد على رأسها بينما تقول مستنزفة دون أن تغير من جلستها:
"لقد استدعى هاني شياطين شيدو لاماسو".
قال بهدوء يستعيد استقرار أنفاسه المتلاحقة:
"أعلم؛ لذلك يجب أن تستعيدي رباطة جأشكِ، ما سنواجهه ليس بهين".
رفعت عيناها إليه تستمد منه قوة وعونًا لم يبخل بهما عليها، ثم قال بعدما لاحظ الاصرار الذي التمعت به عيناها:
"هذه هي سحر التي ملكت القلب والعقل بعنفوانها، انهضي، فما لمثلكِ خُلِق الانهزام، سارة بحاجتكِ".
ثم مد يده يشدها إليه؛ كي تستوي واقفة، يبثها دعمًا لا نهائيًا، في حين اقترب منهما جيمس الذي قال له ياسر بتماسك يحسد عليه:
"أريد منك أن تنقل طاقة الشفاء عبر المسافات، هذا أملنا الوحيد المتبقي؛ لإنقاذ زوجة أمجد".
أغلق جيمس عينيه مسميًا الله مستجمعًا أكبر قدر ممكن من التركيز، وبسط راحة يده اليسرى بينما يمسك بيده اليمنى كف ياسر الذي تشابكت يده الثانية بخاصة سحر، وبعد بضع ثوانٍ تدفقت الطاقة مخترقة تلك المسافة الشاسعة الفاصلة بينهم وبين بوابة السرداب، واستمر الأمر لدقيقتين، ثم انقطعت فجأة، فسألت سحر بخشية:
"لِمَ توقفت جيمس؟!، ماذا حدث؟".
أجابها بتقطع بينما يلتقط أنفاسه اللاهثة:
"لا أعلم، ربما نجحنا، أتستطيع أن تتواصل مع أفكارها ياسر؟".
"لا، لكن لنأمل خيرًا، هيا لم يعد هناك وقت يذكر، أشعر باقترابهم البالغ منا".
أكمل ثلاثتهم المتبقي من السرداب ركضًا حتى وصلوا للمقبرة، ثم أعادوا التابوت لمكانه، وخرجوا منها بعدما خبأ جيمس التمثال الوردي في الكوة المخصصة لتمثال القرين، وما أن وطأت أقدامهم بابها حتى وجدوا هاني يتقدم جيشًا عملاقًا من الكائنات الأثيرية مطموسة الملامح مشوهتها تسربلوا بأردية رمادية باهتة، واتقدت أعينهم الحمراء الفاقدة للحياة بالكراهية، كما اتشحت ملامحهم بالشراسة السافرة، يتوقون للفتك بمن يواجهونها متسلحين بسيوف صدئة تتقاطر من أَسِّنَتها دماءً سوداء لزجة، ولأول وهلة تمسكت سحر بيد ياسر تشد عليها برهبة مما ترى خاصة أنها لم تتخيل بأسوء كوابيسها أن تصادف مثل هذه المخلوقات، بل وتلتقيها أيضًا وجهًا لوجه، والأكثر من ذلك جنونًا أن عليها محاربتها، ثم زفرت أنفاسها بعمق تحاول استجماع شجاعتها الهاربة، وما أن اتخذ الفرسان قرارهم بالمواجهة حتي شعت طاقة كل منهم مشكلة ثوبًا ساترًا لا يُظهر إلا أعينهم بينما تحول خاتما جيمس وياسر لسيفين بَتَّارين يتلألأ على نصليهما الفضيين اللامعين انعكاس حلتيهما، وانطلقت من أكف سحر صواعق زرقاء متألقة تخلى الطريق أمام جيمس الذي تقدمهما حاميًا ظهره بهما، وكذلك فعلا هما أيضًا، وساعدهم ضيق السرداب كثيرًا عندما حاصرتهم الكنداڨيت من الأمام والخلف، فصب ياسر وسحر انتباههما كاملًا عليهم بينما جابه جيمس هاني في قتال حامٍ أقل ما يوصف به أنه ضارٍ، وتصدى ياسر لأشد الكنداڨيت بأسًا يتبادلان ضربات السيوف التي تطاير الشرر من حوافها المصقولة في كر وفر شديد البراعة، وانشغلت سحر بتوجيه صواعقها لكل من يقترب منهم حتى أوشكت طاقتهم على النفاذ بينما شياطين الكنداڨيت لازالت تحارب بشراسة إلى أن تمكن جيمس بعد طول عناء من فصل رأس هاني عن جسده الذي استعرت نيران الغضب بجوفه، فكانت وبالًا عليه، وأوشكوا أن ينتصروا بعدما ارتجفت قلوب أعدائهم رعبًا عقب موت قائدهم المخزي إلا أن أحد الكينداڨيت على حين غرة تمكن من إصابة سحر بضربة غادرة عندما ابتعد ياسر عنها قليلًا، وشتت تأوهها ألمًا انتباهه، وكانت الثغرة التي تمناها الكنداڨيت بقيادة أبشع شياطينهم؛ وتمكن خصماهما من إصابتهما بجرحين بالغين زاداهما اضطرابًا إلا أن جيمس صاح حينما لاحظ استنزاف ياسر لجُل طاقته رعبًا على سحر إضافة لمقاومته لألمه الطاغي:
"اهدأ، سأبسط طاقتي عليكما، فقط استعيدا ثباتكما".
ثانية من السكون التام أغمض كل منهم فيها عينيه، لا يفكرون سوى برغبتهم في التعافي وهزيمة جنود الشيطان، فتحررت عنهم ثلاث حلقات متتابعة من الطاقة حاوطتهم، ثم ظلت تتمد تدريجيًا حاصدة في طريقها نبتة الشر الخبيثة حتى أفنتهم جميعًا عن بكرة أبيهم، وما أن اطمأنت سحر أنهم أنهوهم كما كانت تعتقد حتى سقطت أرضًا تتقطع أنفاسها، يستغيث جسدها من وطأة الألم الحارق الذي سرى بأوردته، وجرى منها مجرى الدم بعدما نضبت طاقة كل خلية حية به حتى الرمق الأخير، وجلس جوارها كل من ياسر وجيمس، وقد أخذ التعب الشديد منهما كل مأخذ، يسود الصمت التام أرجاء المكان بعدما كانت يدوي فيه صليل السيوف منذ قليل، ثم سأل جيمس بإرهاق بالغ:
"هل انتهى الأمر، أم سنُفاجأ لاحقًا بما تشيب له رؤوسنا رعبًا؟".
وبالطبع لم يجد إجابة عند أحدهما، فقط سكون شعر من شدته أن أجسادهما غادرتها الحياة، ولم يطمئنه أنهما بخير إلا تحرك صدريهما بأنفاسهما الرتيبة، وأعينهما التي تطرف كل فترة، بينما في الخارج كاد أمجد يفقد عقله، وقد وقف مكبلًا عاجزًا عن مد يد العون لمن بداخل المعبد خاصة عندما اكتشف غياب سارة أيضًا بعدما أنهى عمله، وجمع أغراض علي من غرفته كما طلب منه، وصدمه ارتفاع قبة حمراء عملاقة من حول المعبد بالكامل كان أول ضحاياها وسام الذي اقترب محاولًا اختراقها فمزقته إلى أشلاء على الفور، وأصاب مقتله بهذه الطريقة البشعة قلوب باقي الفريق الذين اجتمعوا عقب سماعهم لصوت صراخه برهبة مدمرة، وكأن الأمر يحتمل مزيدًا من الرعب باغتتهم مجموعة من أشرس المرتزقة الذين أرسلتهم المنظمة؛ لضمان نجاح المهمة غير عابئين بالدماء التي ستسفك في سبيل تحقيقهم؛ لرغبتهم الشرهة بالسيطرة على مقاليد الأمور، لكن مهاب وفريقه الذي جهزه مساء أمس عندما أوجس خيفة من ذلك التوتر البالغ الذي أصاب هاني، فأمرهم بالاختباء داخل كهفين بباطن جبل موسى الأشم كانوا لهم بالمرصاد، ودارت بينهم معركة لا تقل ضراوة عما حدث بداخل المعبد كُلِلَت بالنصر عليهم بعدما منحتهم أفضلية موقعهم يد الغلبة على هؤلاء المتوحشين إلا أن رصاصتهم الغادرة وجدت طريقها لجسد أمجد الذي سقط مدرجًا بدمائه في نفس الوقت الذي خرج الفرسان من المعبد عقب تبدد قبته بموت هاني رأس الشر، وانتبه جيمس للنقطة الحمراء التي ثبتت على موضع قلب ياسر ما أن أصبح في مجال رؤية أحد قناصة المرتزقة، فحال بين الرصاصة الغادرة وصدره، ثم تهالك جسده الغارق بالدماء التي صبغت قميصه ناصع البياض بالأحمر القاني بين يدي ياسر الذي أسرع بإسناد جسد صديقه المتهاوي، وسمع أخر ما همس به بتقطع:
"أشه...د أن لا...إله إلا...الله، وأشهد أ.. أن
مح...مد رسول الله".
لم ترَ سحر أي مما حدث بعدما تجمدت في مكانها عند بوابة المعبد، تُرَاوِدها رؤية سيطرت على كافة حواسها، لم تتخلص من سطوتها إلا عندما انتهت، ثم هتفت بصوت خافت قبلما تسقط فاقدة للوعى باسطة يدها:
"علي .... احترس".





التعديل الأخير تم بواسطة Fatima Zahrae Azouz ; 17-04-22 الساعة 01:41 AM
ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-22, 03:32 PM   #42

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي الخاتمة

الخاتمة
وكان آخر ما رأته هو بقعة الدماء الآخذة في الاتساع على صدر أمجد، وياسر الذي مدد جسد جيمس على السلم برفق، لكنها فقدت الوعي قبل أن يصل إليها، ولم تشعر بجزعه عليها الذي أفقده ثباته المعهود، ولمدة ثلاثون دقيقة أخرى حامية الوطيس ظل ياسر واجف القلب على حبيبته وصديقيه العزيزين حتى تمكن مهاب وفريقه من إلقاء القبض على آخر قناصة المرتزقة، كما تمكن أدهم وفريقه من تقييد الاثنين المتبقيين من جنودهم، وقبلها بساعات داهمت قوات من الشرطة منازل ومخازن أتباع المنظمة بمصر وخارجها بالتعاون مع الإنتربول، فخبت شعلة المنظمة إلا من شعاع ضئيل يجاهد للنجاة.
وصلت سيارات الاسعاف، وتوزعت جهود المسعفين بين إنقاذ ذوي الإصابات الخفيفة في أماكنهم، ونقل الأخطر إصابة إلى مشفى سانت كاترين، وما أن وصلت الحالات حتى استنفر كامل الطاقم الطبي والممرضين الذين تجمعوا حول الجريحين ذوي الحالة حرجة، ثم توجه أحد الأطباء؛ لمعاينة سحر بعدما أخرج ياسر الذي وقف أمام غرفتها يقبض على جمر الصبر انتظارًا لطمأنة الطبيب الذي أنهى الفحص، وقال له:
"المريضة تعاني من انهيارًا عصبيًا، لن أستطيع تقييم مدى سوء الحالة إلا بعدما تفيق من تأثير المهدئات".
"ومتى سيحدث ذلك؟".
"خلال ثلاث ساعات على الأكثر، حاول إبعادها عن أي ضغوط".
تهالك ياسر جالسًا على المقعد القريب من غرفتها، وقد أدمى قلبه ما تمر به حبيبته، يسأل الله لها الشفاء ولجيمس الذي لم تفارق ذهنه صورة جسده المُسجى طوال لحظات السكون التي احتاجها؛ ليستجمع شتات نفسه، ثم نهض من جديد باحثًا عن مهاب؛ كي يطمئن على الجميع إلى أن وجده جالسًا بجوار غرفة العمليات، وقد تهدلت كتفاه، تعاد أمام عينيه المسبلتين ذكريات أيام قاسية قضاها أمام مثل ذلك الباب ينتظر أن يبشره الأطباء بنجاة حازم، فربت على ركبته برفق بعدما جلس بجانبه، ثم سأله:
"هل من أخبار جديدة؟".
"ليس بعد".
عادا للصمت، يشد كل منهما أزر صاحبه حتى انتبها على ضجة جديدة، ولمحا ريناد تهرول مسرعة خلف أحد الأطباء، وقد علا بكائها بهيستيرية، فقاما يتفقدانها، وإذا بهما يريان جسد سارة الخامد فوق السرير المتحرك بوجهها مشوه المعالم ذي الجروح العديدة التي انتشرت خلاله، تنقلها الممرضة لغرفة الأشعة، وهتف مهاب مصعوقًا:
"يا إلهي!، لِمَ عُذبت بوحشية هكذا؟، كيف لم ننتبه لعدم وجودها بيننا؟".
بينما سأل ياسر ريناد المنهارة:
"ماذا أخبركِ الطبيب؟".
"اشتباه بكسر في الضلوع".
لم تستطع تمالك نفسها أكثر، وانفجرت باكية بينما تكمل حديثها:
"والعديد من الكدمات والسحجات المنتشرة على طول جسدها".
ضم ياسر قبضتيه بعنف، ثم قال لها:
"اهدئي أنسة ريناد ستكون بخير إن شاء الله".
لم تستمع لأي مما تفوهه به، وسقطت جالسة، تستند بجسدها المرهق للحائط متمتمة بكلمات خافتة لم يتبينها ياسر الذي لم يجد بدًا من تركها وحدها، والتوجه لإحدى الممرضات قائلًا:
"من فضلكِ آنستي زميلتنا منهارة تهذي أمام غرفة العمليات".
ومر الوقت ببطء ثقيل على أعصابه التالفة حتى خرج أحد الأطباء مبشرًا بنجاة أمجد، وزوال الخطر عنه مع مَقدِم ممرضة تسأل لاهثة:
"أين أجد ياسر أو أمجد؟".
اقترب منها قائلًا:
"أنا ياسر".
"المريضة التي جاءت معكم أفاقت، وحالتها سيئة جدًا، أنها بحاجتك، هي لم تكف عن النداء باسمك".
أسرع ياسر إليها يسبقه قلبه المنتفض هلعًا متخيلًا هول معانتها، فمهما كانت قوتها إلا أن ما مرت به ينهار تحت وطأته أقوى الرجال عزيمة، يتساءل بينه وبين نفسه عن وقعه على تلك الرقيقة الناعمة التي ما أن أبصرته عيناها حتى نادته بلوعة تشكو آلام روحها:
"ياسر".
لم تحتج لكلمات، عيناها الدامعتان ونبرتها الثقيلة تكفلتا بنقل مشاعرها كافة له، فقال للممرضة المشفقة عليهما التي تبعته:
"أحتاج للبقاء مع زوجتي بمفردنا".
ثم ضمها إليه رابتًا بحنو جارف على ظهرها بعدما همس لها:
"اطمئني حبيبتي، أمجد وسارة أصبحا بخير".
رفعت وجهها إليه بلهفة، وحين أومأ لها إيجابًا أعادت إسناد رأسها إلى كتفه، تغرقه بفيض دموعها التي تساقطت على بشرته كالأسيد الحارق، فهمس لها بنفس الخفوت غير عابئ بما يقاسيه قلبه جراء رؤيتها باكية:
"ابكي حبيبتي؛ لعلك ترتاحين".
وكأنها كانت تنتظر إذنه لها تلاحقت شهقاتها تشي له بحرقة قلبها بينما تتوسد صدره حتى غرقت في النوم من شده إرهاقها، وظل هو جالسًا دون تململ، يدعو الله لها إلى أن مرت ساعتين تخطفته الحيرة بعدهما أيبقى حتى تصحو، أم يحركها بخفة؛ كي يذهب للإطمئنان على جيمس، ثم يعود لها؟، لكن قلبه العاشق لها حسم قراره لصالحها كحاله دائمًا، وأجبره على البقاء بجوارها ملبيًا حاجة حبيبته الملحة لقربه أكثر من أي وقت مضى، واستمر يمسد خصلاتها حتى ثَقُل جفناه، وسقط رأسه مستقرًا فوق جبين واحته الغناء، يستنشق أنفاسها العطرة، ولم ينتبه من غفوته إلا على اهتزاز هاتفه وصوته المكتوم بجيبه الذي أخرجه منه، وأجاب اتصال مهاب الذي طمأنه على خروج جيمس من غرفة العمليات، ونقله للعناية الفائقة، وعاد للنوم ثانية بعدما عَدَّل وضع سحر على صدره؛ كي لا تتضرر جيدها إلا أنها استيقظت على حركته البسيطة تلك مستشعرة إحساسًا جديدًا، فهنا على صدر زوجها تذوقت طعم السكينة، وأمدتها أنفاسه التي حاوطتها كأم رؤوم بالسلام مذهبة خوفها، وقد أبدلتها إياه بأمان غامر، وما أن انزاحت غشاوة النوم عن عقلها حتى أسرعت برفع رأسها عن صدره، تتهرب بعينيها من كحيلتيه الحانيتين، لكنهما قبل أن تبتعدا عن خاصته أخبرتاه بانقشاع العاصفة، وعودة زمردتيها الخضراوين لصفائهما، وأعلمه اتقاد تورد بشرة وجهها الناعمة من أثر النوم لحمرة فاتنة أنها خجلة، ولم يستطع أن يتغلب على رغبته العارمة في تقبيلها، فمال عليها ماسًا وجنتها الساخنة بشفتيه برقة سلبتها أنفاسها، ثم قال بمشاكسة يأمل أن تخفف عنها ما تجد:
"مساء الخير جميلتي، كيف تشعرين الآن؟".
قالت بحياء بعدما ابتعدت:
"بخير الحمد لله".
ثم همست متنهدة بخفوت شديد لم يسمعه:
"ليتني أستطيع أن أصف ولو جزءًا مما فاض به قلبي من حب خالص لك وحدك".
قال ياسر بينما ينزل قدميه عن الفراش:
"اعدي نفسكِ؛ كي نذهب؛ لنطمئن على أمجد والبقية".
تطلعت له باستغراب شديد، ثم أخفضت نظراتها تتفقد ملابسها، فقال لها مبتسمًا:
"ارتدي حجابكِ سحر".
رفعت يدها تلقائيًا تضعها على شعرها، تتأكد مما يقوله، ثم قامت بارتباك تبحث عن حجابها، وكادت تتعثر إلا أنه تمسك بيدها قائلًا بابتسامة زادتها غرقًا به:
"اهدئي حبيبتي".
قالت متنهدة بحالمية دون أن تنتبه لما تخبره به:
"ومن أين لي به ذلك الهدوء في حضرتك، وقلبي تتسارع خفقاته يود أن يفارقني مُحلقًا إليك؟!".
ضمها إليه مغيبًا إياها بما يبثها من عشق تفجر بقلبه لها حتى أفاقا حينما تتابعت الطرقات على باب الغرفة، فابتعدت سحر راكضة إلى الحمام، تغلق الباب من خلفها بينما تتلمس بيدها وجنتيها المشتعلتين وهي تنظر لنفسها بالمرآة المعلقة، تتأمل تلك النظرة المتألقة بعينيها الملتمعتين سعادة وهذه البسمة الرائقة التي ارتسمت على شفتيها، ولازالت نشوة اللحظات السابقة تغلف روحها إلى أن انتبهت من سهوها على صوت ياسر يستعجلها، فغسلت وجهها، وارتدت حجابها، ثم خرج إليه تنظر لكل شيء عداه، ورحم هو خجلها الشديد، وتقدمها باسمًا إلى غرفة أمجد الذي أسرعت سحر إليه تضمه مبتعدة عن كتفه المصاب قائلة بسعادة:
"حمدًا لله علي سلامتك أخي، أتم الله شفائك على خير".
قال لها بصوت خافت لا زال أثر التخدير لم يفارقه بعد:
"كيف حالكِ أنتِ وسارة؟".
"نحن بخير أخي، لا تقلق".
سألها بينما يحاول النهوض، فتغضنت ملامحه ألمًا:
"أين هي؟".
مدت يدها تمنعه عن الحركة بخفة، وقال ياسر عندما لمح امتلاء عيني سحر بالدموع:
"اطمئن هي بغرفتها نائمة تحت تأثير المهدئات، ما أن تستيقظ ستأتي إليك".
تثاقل جفنا أمجد، لكنه جاهد؛ ليبقى مستيقظًا بينما يقول لسحر بتعب:
"لا تتركيها بمفردها، هي لا تطمئن إلا بوجود أحدنا".
"سأفعل أخي".
شد ياسر على يد سحر داعمًا لها، ثم قال بهمس بعدما تأكد من انتظام أنفاس أمجد:
"سيصبحان بخير، سأذهب؛ لتفقد البقية، وسأطلب من الممرضة أن تعلمكِ حينما تفيق سارة، كوني قوية لأجلي، كل ذلك سيمر".
قالت متنهدة:
"يا رب".
وغادرها ياسر متوجهًا لغرفة الإفاقة حيث نُقل جيمس، فسمع الطبيب يقول لمهاب بأسى:
"البقاء لله، بذلنا ما بوسعنا، لكننا لم نتمكن من إنقاذه".
تقدم منهما ياسر متسائلًا بحزن عصف بقلبه:
"ما الإجراءات المتبعة؛ لاستلام جثمانه هو أجنبيّ".
"ماذا؟!".
قال مهاب مصححًا لسوء الفهم الذي وقع:
"هو لا يتحدث عن جيمس، بل أحد مساعدي أدهم، وسأتكفل بالاتصال بأهله".
استرجع ياسر الله داعيًا للمتوفى، وحامدًا له على نجاة جيمس، ثم سأل بقلق:
"كيف حال جيمس؟".
أجابه الطبيب موضحًا:
"لقد اخترقت الرصاصة الرئة، لكننا تمكنا من استخراجها بنجاح، إن مرت الأربع وعشرون ساعة القادمة دون مضاعفات؛ سيصبح بخير".
لم تستطع سحر الإنتظار حتى تفيق سارة بل أسرعت إليها ما أن اطمأنت على أمجد من الطبيب الذي أتى لمعاينته، فصدمتها حالتها التي تفوق سوءًا ما شاهدته بمئات المرات، وضغطت زر استدعاء الممرضة؛ كي تسألها عما تعاني سارة كاملًا، لكنها لم تجد لذلك وقتًا بعدما علت صرخات سارة، تقاوم بكل قوتها ما تراه بحلمها بينما تهتف مستنجدة:
"لا، ابتعد عني، أمجد أدركني".
أسرعت الممرضة تثبتها؛ كي لا يتفاقم الشرخ بضلوعها بينما تحدثها سحر بهدوء قدر ما سمحت به أعصابها التالفة:
"سارة حبيبتي، أنا بجانبكِ، استيقظي أختي أرجوكِ".
حاولت سارة فتح عينيها المتورمتين ما أن اخترق صوت سحر تلك الظلمات البشعة التي أحاطت بها، ولازال جسدها ينتفص فزعًا، وما أن رأتها بعدما اتضحت الرؤية أمامها قليلًا حتي أجهشت بالبكاء، تشكو قسوة ما مرت به وما وُسِم علي جسدها من عذاب بينما تقول بتقطع:
"أريد... أمجد".
قالت الممرضة لسحر:
"حاولي تهدئتها، اختضاض جسدها هكذا سيبرحها ألمًا، ويضاعف معاناتها حتى يسري مفعول المهدئ بجسدها، وتعود للنوم".
ظلت سحر تمسد على رأسها، وتحدثها قائلة:
"أنقذناكِ حبيبتي، أنتِ بخير، لن يمسك أحد بسوء أبدًا".
"أم...جد".
"هو بخير، سيأتي إليكِ بعد قليل، نامي الآن، ارتاحي سارة".
ثم تابعت التمسيد علي شعرها قائلة بخفوت شديد عندما لمحت انغلاق عينيها:
"كل شيء سيمر حبيبتي".
انتصف الليل، وبسط أشد أوشحته قتامة على وجه السماء، وسحر تتنقل بين غرفتي أخيها وسارة؛ حتى فتك بها التعب النفسي أكثر منه البدني، وقد اتحدت عليها الهموم كافة التي لم تجد منها مهربًا سوى بركعتين في جوف الليل، تسأل الله فيهما أن يحفظهم جميعًا، ثم تمددت جوار سارة تطمئنها وتطمئن بها إلى أن مرت الليلة الأطول والأشرس على قلوب الجميع، وأشرقت الأرض بنور ربها حاملة مع إشراقتها أملًا جديدًا، ابتهجت بمقدمه سحر بعدما صلت فرضها، ودعت الله كثيرًا طامعة بفيض عطاء أكرم الأكرمين، وما أن قامت عن سجادتها حتى رأت سارة تتململ في رقدتها، فجرت إليها خوفًا من تكرار ما حدث بالأمس قائلة:
"سارة حبيبتي، كيف حالكِ؟".
أَنَّت سارة بألم حينما حاولت التحرك، وثبتتها سحر بينما تقول:
"لا تتحركي فجأة؛ كي لا تتألمي".
نظرت سارة بتيه من حولها، ثم سألتها:
"أين أنا؟، ما...ذا حدث؟".
"أنتِ بالمشفى، ونحن جميعًا بجانبكِ، لن نتخلى عنكِ أبدًا أختي، لا تخافي، لقد مات مُعذبكِ".
عادت لها ذكريات الأمس دفعة واحدة، فرفعت رأسها مبهوتة إلى سحر تسألها برعشة احتلت جسدها:
"أنتِ تعلمين... كل شيء، أليس كذلك؟".
وحاولت التحرك، لكن بترو هذه المرة سائلة بخوف كان أشد وطأة على نفسها من كل ما تعاني:
"وأمجد؟...".
ثم تلفتت من حولها برهبة متسائلة من جديد:
"أين هو؟".
ربتت سحر على كتفها، وقالت مطمئنة لها:
"لا يعرف، أمجد أصيب؛ لذلك لم يأت لكِ البارحة، لكن أصابته بسيطة، أقسم لك هو بخير".
هتفت سارة بلوعة:
"أرجوكِ ساعديني؛ كي أذهب إليه".
حاولت سحر منعها قائلة:
"يجب أن يراكِ الطبيب أولًا".
لم تستجب سارة لها، بل حاولت النهوض بمفردها متغاضية عن ذلك الألم الحارق بصدرها، تكتم أهاتها، فأسندتها سحر، لكنها أجلستها أولًا؛ كي تستريح، ثم أوصلتها لغرفة أخيها، ورأت بعينيها لحظات من القهر الخالص تشاركتاه، واحتل قلبيهما بينما ينظران لأمجد الذي أظلم وجهه ما أن رأى ما حل بسارة، يقتله عجزه عن حماية زوجته التي كانت تحت رعايته، وها هو لثاني مرة يفشل في الحفاظ على سلامتها، وهي تلوم نفسها بيننا تتقدم مقتربة منه على استحياء مستندة بثقل جسدها كاملًا على ذراع سحر، تجلدها نفسها أنه لولا خديعتها له لما حدث لهم جميعًا كل ذلك، تكتم تأوهات تألمها؛ كي لا تزيد عليه وطأة إحساسه بالذنب الجلي برماديتيه المنطفئتين بينما تجلسها سحر برفق جوار أمجد، وترفع لها قدميها بعدما عدلت الوسادات من خلفها، ثم سألتها بقلق:
"مرتاحة؟".
أومأت سارة برأسها إيجابًا، وجلست سحر على الكرسي المجاور لهما، واكتفوا جميعًا بصمت مشحون بكافة العواطف المتناقضة، يحاسب كل منهم نفسه دون شفقة، فشعرت سارة بروحها تكاد تفارقها، تقر من صميم قلبها أنها مذنبة، لكنها أضعف من أن ترحل أو أن تتحمل قسوة تنازله عن حقه فيها، تخشى أن ينفيها من حياته عندما يعلم بالحقيقة، ولا تملك حق الاعتراض إن قرر سلبها روحها بإبعادها عن دفء حنانه ورعايته، ومدت يدها المرتجفة لكفه تشبك أصابعهما برفق مستزيدة من فيض حبه الغامر؛ لعله يكون زادها حينما تأتي لحظة الوداع مرددة كلمات سحر بنفس الخفوت تواسي بهن نفسها:
"كل شيء سيمر".
قالت سحر راغبة في إنهاء ذلك الصمت المدوي بصراخ قلبيهما:
"جيمس أصبح بخير، وأنتما عصفوري الحب سأطلب جمعكما بغرفة واحدة؛ توفيرًا لصحتي".
وتنهدت بتمثيل بينما تقول:
"تلك العاشقة الولهة لم تستطع صبرًا؛ حتى يعاينها الطبيب، وهرعت إليك على الفور ما أن أفاقت".
نظرت سارة لها بامتنان؛ فعلى الرغم من علمها بكل شيء لازالت نعم الصديقة، لم تتخلَ عنها رغم جريرتها، لكن روحها ارتجفت ذعرًا على حين غرة عندما تفوه أمجد بسؤاله بعد طول سكوت:
"ماذا حدث لكِ سارة؟".
أخفضت رأسها متوترة، يهتف بها قلبها لا تخبريه، لكنها قالت بشجن متلعثمة، وقد أصم أذنيها ذلك الضجيج الذي تعالى بصدرها اللاهث، وأصابها ألم شديد أشعرها أن روحها تنتزع منها بوحشية:
"دخل... دخلت لل... للمعبد".
قاطعتها سحر على الفور قائلة:
"ستحكيان لبعضكما كما يحلو لكما، لكن حينما يمن الله عليكما بالشفاء، الآن وقت الراحة".
رفع سارة رأسها فجأة مذهولة، تفيض عيناها الدامعتان بالامتنان الشديد لسحر التي حمدت الله في نفسها حينما طرق الباب، ثم أذنت بالدخول للطبيب الذي قال لأمجد بعدما تفقده وسارة:
"أصبحتما بخير، لكنكما ستبقيان معنا ليومين إضافيين؛ حتى نطمئن عليكما تمامًا".
دخل ياسر ومهاب بعد انصراف الطبيب، وامتلأت الغرفة بجو من المرح أشاعاه بمزاحهما مع أمجد، واكتفت سحر بملازمتهما تأجيلًا للمحتوم لأطول وقت ممكن حتى مر اليومين المتبقيين على خير، واكتملت نعم الله عليهم بتحسن حالة جيمس الصحية، ثم صرح الطبيب لأمجد وسارة بالخروج مع مراعاة الالتزام بأدويتهما، وما أن غادرهم الطبيب حتى حانت لحظة المواجهة التي لمحتها سحر في عيني سارة، فلم تحاول منعها متيقنة أن حياتهما لن تستقيم بوجود ذلك الحاجز من الأسرار المرتفع بينهما، وأومأت لسارة موافقة تشجعها على إخبار أمجد بنفسها بالحقيقة كاملة؛ لعل الأمر يكون أخف وقعًا عليه، ثم قالت لأمجد:
"أشعر بألم في ظهري منذ الصباح، سأذهب للطبيبة قبل أن نغادر، لن أتأخر عليكما".
قام أمجد؛ كي يذهب معها، لكنها همست له بخفوت:
"سارة تحتاجك أخي، فليس بخاف عليها تعمدك الابتعاد عنها في الفترة الأخيرة".
بقي أمجد يفكر بكلمات سحر طويلًا حتى انتبه على نداء سارة الخافت باسمه، ثم قولها بعذاب، وقد حسمت أمرها:
"ألا تريد أن تعرف لِمَ دخلت للمعبد؟".
اكتفى أمجد بالصمت، ونظر لعينيها المحتقنتين بالدموع منتظرًا إجابتها، وقصت هي عليه ما حدث من البداية كاملًا بقلب مكلوم، لم تخف عنه أي تفصيلة مهما بدت عديمة القيمة من وجهة نظرها إلى أن أنهت حديثها بقلب واجف وروح منهكة وجسد قد خذلها وخانتها قوته، ترجوه أن يعفو، لكنها علمت من عينيه أن ألمه عظيم، وصدمته فيها أعظم، ومن صمته الطويل، وقبضه ليديه بينما يشيح بنظراته عنها علمت أنها النهاية التي لا مفر منها، فانهارت جالسة تستمع لكلمات كالجمر الحارق ألهبت قلبها قالها آسيًا على تضحيتها الغالية وانتصارًا لثقته وكرامته اللتين نحرتهما:
"دعي الزمن يشفي ذلك الجرح الغائر سارة، ربما بعدها يُكتب لنا الاجتماع ثانية".

تمت بحمد الله إلى لقاء قريب إن شاء الله مع الجزء الثاني



التعديل الأخير تم بواسطة Fatima Zahrae Azouz ; 17-04-22 الساعة 01:43 AM
ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-22, 12:31 AM   #43

ياسمين صبحى

? العضوٌ??? » 405724
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 598
?  نُقآطِيْ » ياسمين صبحى is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة شكرا لكم

ياسمين صبحى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-04-22, 09:06 PM   #44

فريدة عرابى

? العضوٌ??? » 472544
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 119
?  نُقآطِيْ » فريدة عرابى is on a distinguished road
افتراضي

🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤

فريدة عرابى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-04-22, 01:06 AM   #45

funy19

? العضوٌ??? » 36652
?  التسِجيلٌ » Aug 2008
? مشَارَ?اتْي » 3,009
?  نُقآطِيْ » funy19 is on a distinguished road
افتراضي

Thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaanks

funy19 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-05-22, 08:56 PM   #46

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسمين صبحى مشاهدة المشاركة
رواية جميلة شكرا لكم
الشكر لكِ أنتِ حبيبتي على متابعتكِ الغالية 💕💕


ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-05-22, 08:57 PM   #47

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فريدة عرابى مشاهدة المشاركة
🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤
تسلميلي يارب يا جميلة ❤❤


ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-05-22, 08:58 PM   #48

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة funy19 مشاهدة المشاركة
thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaanks
اسعدني تعليقكِ جميلتي 💞🌹


ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-05-22, 04:04 AM   #49

الاء ميراي

? العضوٌ??? » 351987
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 394
?  نُقآطِيْ » الاء ميراي is on a distinguished road
افتراضي

شكرًا... ....

الاء ميراي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-05-22, 09:07 AM   #50

مالك النجار

? العضوٌ??? » 340242
?  التسِجيلٌ » Mar 2015
? مشَارَ?اتْي » 214
?  نُقآطِيْ » مالك النجار is on a distinguished road
افتراضي

شكرااااا جدا شكلها تحفة

مالك النجار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:22 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.