آخر 10 مشاركات
رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          وداعا.. يليق بك || للكتابة : إيناس السيد (الكاتـب : enaasalsayed - )           »          639 - فلورا - ساندرا استيف - د.م (الكاتـب : angel08 - )           »          560 -زواج بالقوة -فلورنسا كامبل - روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : Roqaya Sayeed Aqaisy - )           »          488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن (عدد جديد) (الكاتـب : Breathless - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          85 - لن يعود الموج - ربيكا ستراتون (الكاتـب : فرح - )           »          امرأة متهورة - شارلوت لامب - روايات غادة (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree11394Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-09-22, 10:52 PM   #1751

زينة الدنيا

? العضوٌ??? » 426714
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 546
?  مُ?إني » مصر
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زينة الدنيا is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
لا اله الا الله محمد رسول الله
افتراضي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 165 ( الأعضاء 72 والزوار 93)
‏زينة الدنيا, ‏ارض اللبان, ‏awttare, ‏شيماء منصور, ‏Bashayerrr, ‏k_meri, ‏رهف ااحمد, ‏فايوليت س, ‏Hagora Ahmed, ‏حمراء الشعر, ‏رحيق الجنان, ‏حنان رنيم, ‏Abeerbalkher, ‏جنة الجنان, ‏عسلية العين, ‏Lolym, ‏mariam quaterji, ‏فديت الشامة, ‏أشجان عبد الله, ‏نجوم1, ‏افيندار, ‏هند عثمان, ‏تيماااااء, ‏الوقت يسرق, ‏Reham g, ‏مى نبيل4, ‏yasser20, ‏ام عبد الله 2, ‏نداااااا, ‏أم طه حنقه, ‏laila2019, ‏غرام العيون, ‏سوما, ‏رجوة2, ‏Zhoor211, ‏نفوسا, ‏narot, ‏هيا عزام, ‏Janafiras, ‏الاوهام, ‏fofoo92, ‏Ragh14, ‏dadauche, ‏فاطمة سوكاب, ‏بيبوبن, ‏بت الجوف, ‏nour66, ‏رسائل الله, ‏Maya2014, ‏walaaqasim, ‏narimar, ‏amina,j, ‏Iraqi1989, ‏مسك الليالي, ‏عمرااهل, ‏tatoo77, ‏فأره البندق, ‏..swan.., ‏temoony, ‏dılız, ‏خفوق انفاس, ‏رودى رامى, ‏عبق_الياسمين, ‏tabarak, ‏رهام الشاعر, ‏salama1111, ‏سرى عبد, ‏سلمى العادلي, ‏حبيبه البربري, ‏ران23, ‏اوراس اسار, ‏سلافة الهاشمى


زينة الدنيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-22, 10:55 PM   #1752

riyami

? العضوٌ??? » 298758
?  التسِجيلٌ » Jun 2013
? مشَارَ?اتْي » 956
?  نُقآطِيْ » riyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond reputeriyami has a reputation beyond repute
افتراضي

👀👀👀👀 في فصل اليوم،؟؟؟

riyami غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-22, 11:10 PM   #1753

الاوهام
alkap ~
 
الصورة الرمزية الاوهام

? العضوٌ??? » 252190
?  التسِجيلٌ » Jul 2012
? مشَارَ?اتْي » 1,023
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » الاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond reputeالاوهام has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 235 ( الأعضاء 96 والزوار 139)
‏الاوهام, ‏Tuta Al3fifi, ‏زيزفون 2, ‏Omsama, ‏رودى رامى, ‏رهف ااحمد, ‏الاء ابراهيم, ‏مريومه بنت عبدالله, ‏فاطمه دعدوشة, ‏Lolym, ‏wafaa hk, ‏مريم المقدسيه, ‏tatoo77, ‏Znooo, ‏فتاة طيبة, ‏Hagora Ahmed, ‏butterfly.z, ‏shimaa saad, ‏إشراقة الشمس, ‏ارض اللبان, ‏khadija910, ‏أنفاس الوطن., ‏نَـــايّ, ‏S.F.MOHAMED, ‏موضى و راكان, ‏افيندار, ‏ام عبد الله 2, ‏غرام العيون, ‏سوما, ‏فراولة بالنوتيلا, ‏دمشقية, ‏ام جواد, ‏ابو الشوش, ‏عسلية العين, ‏Aya adli, ‏هند عثمان, ‏raniea, ‏ران23, ‏شيماء منصور, ‏ليل سرمدي, ‏جوهر حياتي, ‏riyami, ‏زهرة ميونخ, ‏زينة الدنيا, ‏خفوق انفاس, ‏mina10, ‏مرح جبارين, ‏نجوم1, ‏فاطمة سوكاب, ‏سناء يافي, ‏رحيق الجنان, ‏awttare, ‏Bashayerrr, ‏k_meri, ‏فايوليت س, ‏حمراء الشعر, ‏حنان رنيم, ‏جنة الجنان, ‏mariam quaterji, ‏فديت الشامة, ‏أشجان عبد الله, ‏الوقت يسرق, ‏Reham g, ‏مى نبيل4, ‏نداااااا, ‏أم طه حنقه, ‏laila2019, ‏رجوة2, ‏Zhoor211, ‏narot, ‏هيا عزام, ‏Janafiras, ‏fofoo92, ‏Ragh14, ‏dadauche, ‏بيبوبن, ‏بت الجوف, ‏nour66, ‏رسائل الله, ‏Maya2014, ‏walaaqasim, ‏narimar, ‏amina,j, ‏Iraqi1989, ‏مسك الليالي, ‏عمرااهل, ‏فأره البندق, ‏..swan.., ‏temoony, ‏dılız, ‏عبق_الياسمين, ‏tabarak, ‏رهام الشاعر, ‏salama1111, ‏سرى عبد, ‏سلمى العادل


الاوهام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-22, 11:11 PM   #1754

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور فى انتظار الشموسه تطل علينا بابطالها لانعاش الجو

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-22, 11:20 PM   #1755

هيا عزام
 
الصورة الرمزية هيا عزام

? العضوٌ??? » 450660
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 55
?  نُقآطِيْ » هيا عزام is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم
في الانتظار
شموسة يعطيكي العافية والصحة وشكرا كثير ع التزامك ❤️❤️💋❤️💋


هيا عزام غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-09-22, 11:25 PM   #1756

هيا عزام
 
الصورة الرمزية هيا عزام

? العضوٌ??? » 450660
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 55
?  نُقآطِيْ » هيا عزام is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم
في انتظار الفصل
شموسة يعطيك الصحة والقوة وشكرا ع التزامك وابداعاتك الرائعة ❤️💋❤️❤️


هيا عزام غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-09-22, 11:36 PM   #1757

زيزفون 2

? العضوٌ??? » 440209
?  التسِجيلٌ » Feb 2019
? مشَارَ?اتْي » 319
?  نُقآطِيْ » زيزفون 2 is on a distinguished road
افتراضي

مررررة متحممسه للبارت حق اليوم
بانتظارك بكل شوووق شمووسة


زيزفون 2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-22, 11:47 PM   #1758

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير

بعتذر لو في أي أخطاء مطبعية، مفيش وقت للمراجعة وبكتب في ظروف صعبة جدا

××××××




خلف جدار الصمت..
حطام، وبقايا إنسان، وقلوب يؤلفها القدر.
خلف حنايا الروح..
توق، ورفقة، وردة تزهر في سنوات العمر.
وخلف شغاف القلب..
صوتك يمنحني الصبر

×××××

الفصل التاسع والعشرون

××××

"كيف تعرف كل هذا عني؟!" نطقتها لُچَيْن وهي تتطلع فيه برعب شديد وأضافت بنفس اللهجة المرتابة "من أنت؟ ومن تكون؟"
بلع ريقه ورد بهدوء "ربما أنت من أخبرني، فكيف سأعرف بخلاف ذلك"
وضعت كفها على نحرها تهتف "صقر لا تراوغ!"
قالتها وبدأت أنفاسها تزداد سرعة وتوتر فأشفق قلبه عليها وتمتم قائلًا وهو يتخذ نحوها خطوة "اهدئي لُچَيْن.. ماذا حدث لكل هذا؟"
صاحت فيه بهيستيريا وهي تبتعد للخلف "إياك أن تقترب مني.. إياك"
تجمد في مكانه ولاح الغضب على وجهه يقول "ماذا حدث لك لُچَيْن؟"
أعادت عليه أسئلتها بإصرار "كيف عرفت هذا الأمر الذي لا يعرفه أحد غيري؟ كيف عرفت أبسط عاداتي، أتقيأ حينما أتوتر.. أحك ظفر إبهامي في الآخر حتى أدميه، لا آكل كبد الذبيحة، وغيرها، كيف عرفت؟"
"لُچَيْن"
قالها بحشرجة فصرخت "أخبرني"
تكلم محذرًا وقد وترته حالتها "اهدئي ولا تصرخي"
صرخت بعناد وإصرار "هناك شيء غريب.. شيء مرعب لا أعرفه"
شعر بالحصار وبالخوف من المواجهة فقال وهو يقترب ليمسك بها "أنت تضخمين الأمور، والموضوع لا يحتمل كل هذه المبالغة"
تخلصت من يديه بعصبية وهي تقول "ابتعد عني قلت.. لا تلمسني.. لا تلمسني"
قال بسرعة وهو يرفع كفيه في الهواء أمامها "تمام.. سأتركك كي تهدئي ونتحدث"
استدار ليتحرك فهرولت نحوه ووقفت أمامه هاتفة " أنت لن تغادر من هنا إلا بعد أن تخبرني بكل شيء"
تحديها له استفزه فهدر بغضب "لا تعلي صوتك لُچَيْن"
صاحت بتحدٍ أكثر "سأعلي صوتي ولن أتركك حتى أعرف"
اتقدت عيناه بالغضب ورمقها بنظرات تحذيرية من التمادي، فبلعت ريقها لكنها ازدادت رعبًا وعنادًا وهي تتطلع فيه، فتماسك هو وكظم غضبه وهو يتحرك ناحية الخزانة يفتحها بعصبية ويسحب منها ملابس نظيفة، ثم خرج صافعًا الباب خلفه، تاركا الغرفة وصاحبتها في حالة من الفوضى.
فوقفت لُچَيْن تنهت وتحدق في باب الغرفة بذهول وتستعيد ما حدث في رأسها لعلها تصل إلى تفسير منطقي.
أما صقر فوقف تحت دوش الماء يستند بكفيه على الحائط ويتمتم بخفوت "أعتقد أنه لا مفر من الاعتراف بكل شيء يا صاح.. فلحظة المواجهة قد حانت، لكني لم أكن أرغب في أن تكون بهذه الطريقة"
حين خرج بعد قليل توجه نحو غرفة نومه لكنه وجدها مؤصدة من الداخل، فعبس وطرق الباب بعنف "لُچَيْن.. افتحي.. ماذا تفعلين؟"
كانت تحتاج لمساحة للتفكير وفرصة لتهدئة أعصابها؛ فلم ترد، انكمشت برعب مع علو صوته بينما هدر صقر "افتحي لُچَيْن قلت"
استمرت على صمتها وحضنت نفسها فاستفزته وأشعرته بالإهانة فضرب على الباب بقوة وهو يهدر بصوت جهوري "لُچَيْن افتحي الباب فورًا وإلا لن يمر الأمر على خير.. افتحي لنتحدث"
صوته كان مخيفًا ورأسها كان معطلًا وأعصابها ترتجف، ليضرب صقر مجددًا على الباب "افتحي الباب وإلا سأكسره فوق رأسك"
دخل نوح الشقة مفزوعًا صاعدًا من الطابق الأرضي ووقف يتطلع في صقر بصدمة وهو يضرب الباب بكتفه في محاولة لكسره فصاح بلهجة مصدومة "أبي!"
الكلمة كانت لها وقع قوي في استعادته لأعصابه خاصة حينما أدار رأسه ليتطلع في وجه نوح المصدوم قبل أن ينضم إليه آدم يتطلع فيه برعب فكانت رؤيتهما جرس انذار لينتبه لما تطور إليه الموقف.
لم يحب نظرة الصدمة في عيني نوح، ولا الخوف في عيني آدم، ولا الهلع في صوت منال التي وقفت في الصالة تنهت بقوة وهي تمسك بقلبها وتقول من وسط أنفاسها المتقطعة "ماذا حدث يا أبا فخر؟"
لم يقل شيئًا، وقف ينظر إليهم لثوان يتمالك فيها أعصابه ثم تحرك يترك الجميع وتوجه نحو باب الشقة المفتوح لينزل السلم في غضب بينما توجهت منال لغرفة ابنتها وطرقت على الباب قائلة "لُچَيْن.. افتحي يا ابنتي.. هل أنت بخير"
بمجرد أن سمعت صوت أمها القَلِق نفضت لُچَيْن عنها الصدمة وتماسكت كي لا تقلقها؛ فتحركت ببطء تترك جلستها على طرف السرير وذهبت لتفتح الباب. ولم تجد أمها فقط عند الباب، بل كان نوح وآدم أيضًا يطلان برأسيهما ويرمقانها بقلق، فأخفت ارتجافها وردت على سؤال أمها عما حدث بأن تمتمت بحشرجة "لا شيء.. تشاجرنا (وقالت للصبيين) هيا اذهبا للعب.. لم يحدث شيء"
تحركا بتلكؤ، كل واحد منها يجر الثاني بينما تطلعت منال في ابنتها تعيد سؤالها "ماذا حدث؟"
لم تعرف الأخرى بم تخبرها، كان الأمر غريبًا لدرجة لم تجد كلمات مناسبة لوصفه؛ فقالت بحشرجة "لا شيء يا أمي.. سأخبرك فيما بعد.. حينما أفهم سأخبرك"
تمتمت منال بحزن "لا حول ولا قوة إلا بالله! .. أصابتكن العين، تعالي أنت ترتجفين"
انتبهت لجين لأنها ترتجف بالفعل فحضنت نفسها ثم تحركت نحو السرير وهي تهز رأسها رافضة، وجلست تقول "هلا تركتني يا أمي.. أريد أن أجلس بمفردي لبعض الوقت.. أرجوك"
××××
"السلام عليكم"
قالها رامز وهو يدخل المحل فأحدث فوضى في قلب صاحبته بإطلالته الخاطفة للأنفاس وهو يرتدي بنطالًا من الجينز الأزرق وتيشيرتًا كحليًا يحمل علامة ماركة ملابس شهيرة، وفي قدميه حذاء رياضي فكانت هيئته وهو يقف عند الباب يمسك بميدالية مفاتيحه التي صنعتها له تحتاج لأن تكون موهوبة في الرسم كي ترسمه.
هللت فتاة المحل قائلة وهي تستقبله "ألف أهلا وسهلا، (وحركت عينيها بينه وبين رحمة تقول) مبارك عليكما الخطبة"
ابتسم رامز متمتمًا بلباقة "شكرا لك (وتطلع في رحمة التي تمنحه ابتسامة رقيقة يسألها) هل انتهيت؟"
هزت رأسها بالإيجاب وهي تعلق حقيبتها على كتفها وتمتمت ببعض التوجيهات لفتاة المحل ثم تحركت نحو رامز الذي استقبلها بابتسامة ونظرة خاطفة شملتها من رأسها حتى أخمص قدميها في ذلك الرداء الذي ترتديه فوق بنطال من الجينز الأزرق؛ كان رداءً فضفاضًا باللون الأبيض، أطول من الخلف عن الأمام، وله حوافه باللون الأزق، وحجابها ناعم من نفس ألوان الملابس، وترتدي حذاء رياضيًا أبيضًا فشاكسها بالقول وهو يسحب الباب ويسمح لها بالخروج " هل نحن متفقان على الملابس أم ماذا؟"
ضحكت ضحكتها الرقيقة ثم تمتمت بتلعثم محبب إلى نفسه وهي تتطلع فيه "لم يكن هناك داع للمرور لتوصيلي للبيت فالمسافة صغيرة"
فتح لها باب السيارة قائلًا بلهجة مشاكسة "لا تريدين رؤيتي إذن"
تطلعت فيه وهو يلف حول السيارة حتى استقر جالسًا بجوارها أمام مقعد القيادة ثم قالت مصححة "لم أقصد ذلك"
ربط حزام المقعد يقول "عمومًا.. نحن لن نذهب للبيت مباشرة، سأخطفك لبعض الوقت"
قالها غامزًا بعينه فأسر روحها بحضوره الطاغي، تأملته لبرهة حاولت فيها أن تخفف من هدير قلبها ثم سألته "إلى أين سنذهب؟"
تمتم وهو يتطلع في الطريق "إلى أي مكان أكون فيه أنا وأنت فقط، ألا يكفي أن ذلك اليوم على الغداء في بيتكم.. لم أنفرد بك حتى عشر دقائق"
ضحكت رحمة وتذكرت أن سيد لم يتركهما لفترات طويلة؛ إما يجلس معهما، أو يرسل زهرة لتجلس معهما، أو يرسل طفليه للعب في الصالة المكان الوحيد المتاح لهما للجلوس فيه، ثم يدخل بعدها كي يلعب مع توأميه ويشاكسهما.
أضاف رامز ضاحكًا "صداقة أخوك الطويلة لابن سماحة أصابته بالعدوى، كنت أظن أن أحمد وحده هو المريض بالغيرة"
قالت موضحة "أعتقد بأنه يشاكسك"
هز رأسه متمتمًا "أعلم ذلك"
"رامز"
اختلج قلبه وحرك أنظاره نحوها فتمتمت "أريد أن أرسل رسالة لسيد لأخبره بأني معك"
أطال النظر إليها فرسمت على وجهها ملامح طفلة مذنبة ووضحت "لن أشعر بالراحة وهو لا يعلم أني معك.. (وأضافت) هو لن يقول شيئًا أنا فقط لا أريده أن يغضب مني إن علم"
اتسعت ابتسامته ثم هز رأسه قائلًا وهو يعود للنظر في الطريق أمامه "افعلي ما يشعرك بالراحة
ابتسمت له شاكرة وأسرعت بكتابة رسالة لسيد لتعلمه بأنها مع رامز وسيأخذها إلى مشوار. وحين رن هاتفها عبس رامز يقول "لا تخبريني بأنه سيد!"
أجابته بابتسامة "إنها ليزا (وفتحت الخط متمتمة) كيف حالك ليزا؟"
ردت الأخيرة "أنا بخير راهما"
قالت الأخيرة "لا تشعرينني بذلك هذه الأيام"
ولم تفسر أمام رامز أنها منذ حفل خطبتها وهي تشعر أنها مكتئبة لتقول ليزا وهي تدلك جبينها بأناملها "بصراحة أعاني من بعض الاكتئاب"
سألتها الأخرى بقلق "لماذا هل أمورك جيدة؟"
ردت بلهجة مطمئنة "أنا بخير لا تقلقي، ريان ذهب للعاصمة هذه الأيام وهذا يشعرني بالاكتئاب بدونه"
لم تدر رحمة ماذا تقول لتضيف ليزا "كيف حال رامز؟"
"رامز بجانبي"
تمتم الأخير "سلمي لي عليها واسأليها لماذا لم تعد تتصل بي"
"اسألها بنفسك (قالتها رحمة ثم قالت لأختها) رامز معك"
أخذ رامز منها الهاتف وفتح مكبر الصوت يقول "أين أنت يا ليزا.. طمئنيني عليك"
ابتسمت الأخيرة في اشتياق له كأخ وصديق وتمتمت " أنا بخير رامز، القصة أني أقلل التواصل معك لأنه على ما يبدو يثير المشاكل"
نظر لرحمة ثم أجاب بلهجة واضحة "سوء الفهم انتهى ليزا فلا داع للشعور بعدم الراحة، كما أنني أصبحت رسميًا زوج أختك ولابد أن أطمئن عليك دومًا"
ابتسمت رحمة بينما تمتمت ليزا بهدوء فاقد للطاقة "شكرًا رامز"
قال ساخرًا يقلد طريقتها "عفوًا ليزا"
أضافت ليزا بصدق "أنا سعيدة جدًا من أجلكما.. وسعيدة لأنك أصبحت فردًا من العائلة غير محرم عليّ التواصل معه"
قالتها بعاطفة فقال رامز بلهجة دافئة "وأنا أيضًا سعيد لذلك.. وأتطلع أنا ورحمة لرؤيتك هنا في أقرب فرصة"
قالها وهو ينظر لرحمة التي أيدته لتتمتم ليزا "هذا ما أنوي عليه.. لابد من زيارة لكم على الأقل.. كما أنني أريد أن أحضر حفل زفافكما.. إياكم أن تقرروه فجأة"
غمغم رامز وهو يختلس النظر نحو رحمة "ليته يتقرر فجأة وبسرعة"
تخضب وجه رحمة بالحمرة من تلك النظرة التي رمقها بها بينما قالت ليزا باعتراض "لماذا رامز؟ ألا تريدني أن أحضر؟!"
ضحك الأخير وأجاب "أنا أهددك فقط كي تسرعي بالحضور"
"تمام.. سأنتهي من ذلك العرض ثم أرتب زيارة لكم، المهم سأتركك مع رحمة الآن.. لا أريد أن أكون شخصًا ثقيلًا بينكما.. وأخبر رحمة أنني سأتصل بها في المساء بتوقيتكم"
حين أغلقت ليزا الخط أخذت رحمة هاتفها ورامز يسألها "ماذا فعلت مع ذلك الطبيب؟ منذ أن أخبرتني وأنا أريد أن أعرف التفاصيل عنه وعما ينويان لأني بصراحة قلق من أن يكون غير جاد معها وفي الوقت نفسه أتحرج من سؤالها بشكل مباشر "
تنهدت تجيب "الحقيقة أنا لا أفهم شيئًا بشأن تلك العلاقة"
"لمَ لا تسأليها مباشرة عما ينويان؟"
"بصراحة هذا الأمر يقلقني عليها، فلم تخبرني بشيء مخطط بينهما، ولهذا أشك في نوايا هذا الطبيب"
عبس رامز وبدى الاهتمام على وجهه فتمتم قائلًا "هل أخبرتني باسمه ومن أي مكان هنا؟"
"لا أعرف سوى أن اسمه ريان (واحمر وجهها مضيفة) بحرف الراء الذي أحدث المزيد من اللبس عندي"
ابتسم رامز فأضافت رحمة "ولا أعرف أي شيء آخر"
تمتم رامز "هلا سألتها عن اسمه بالكامل، وأين يعيش؟"
قالت رحمة بامتنان "ليتك تفعل ذلك يا رامز وتسأل عن خلفية ذاك الطبيب، فكما تعلم الوضع حساس مع سيد ولن أستطيع اخباره بالموضوع"
تمتم بلهجة مطمئنة "لا تقلقي، وهات اسمه منها وأين يعيش"
"إن شاء الله (قالتها ثم سألته) هل قررت إلى أين سنذهب؟"
رد رامز "ما رأيك أن نتناول الغداء؟؟"
هزت رأسها موافقة فابتسم يتأمل حضورها الأنثوي بجانبه في السيارة ثم فتح كفه لها فرفعت أنظارها إليه لثوان لم تستطع الصمود معها في التحديق فيه ثم أنزلت أهدابها وهي تضع كفها في كفه، فشبك رامز أصابعه في أصابعها وهو يسحب يدها لتستقر مع يده فوق فخذه ويقود بيده اليسرى.
×××××
بعد قليل دخل رامز المطعم الفاخر وهو يحضن بيده كف رحمة فاستقبله مدير الصالة بالترحيب وقاده لركن هادئ في الطابق العلوي فصعدوا على درج خشبي حتى وصلوا لطاولة بجوار سور خشبي مفرغ بتشكيلات من الأرابيسك تطل على الجزء الأرضي من المطعم فتمتم وهو يسحب لها المقعد بعد أن شكر مدير الصالة الذي تركهما "المكان ديكوره جميل، يذكرني بما يصنعه أحمد"
علقت رحمة وهي تجلس " بصراحة يصنع تحفًا فنية بالخشب"
قال رامز مؤيدًا " هذا صحيح، إنه ما شاء الله موهوب وله اسم مشهور بين عشاق هذا النوع من الفن (وتطلع حوله في المكان مضيفًا) هل تعلمين بأني لا أحب الشهرة؟"
تطلعت فيه بتفاجؤ وهو يستقر في مقعده أمامها ليضيف رامز معترفًا "أحب دومًا الخصوصية، ولولا أني أحببت مهنة التمثيل وأراها مناسبة لي بعد أن فقدت وظيفتي الأساسية لما تحملت الشهرة (وناغشها بالقول) عليك أن تعتادي أنت أيضًا على هذا الأمر"
ابتسمت دون رد بينما اقترب النادل يرحب بهما ويولي اهتمامًا خاصًا برامز باعتباره وجهًا مألوفًا فنظر الأخير لرحمة وهي تنتقي من قائمة الطعام ما تريد واتفقا على الطلبات ثم أملاها للنادل.
حين ابتعد الأخير أحس رامز بأن بعض العيون عليه فتمتم بضيق وهو يعتدل في مقعده " أظن بأنه لم يكن قرارًا صائبًا بالمجيء إلى هنا"
ردت عليه بلهجة متفهمة "علينا أن نعتاد على هذا الموضوع"
صيغة المثنى اسعدته فتطلع في وجهها الجميل ثم سألها "هل أحضرت ما أريد؟"
اسدلت رموشها فلاحظ لون شفاف يلمع برقه فوق جفنيها يزيد من سحرها ومن توقه إليها ومن ذلك الانجذاب الذكوري الذي بات يصعب عيه التحكم في نفسه وهي بالقرب بينما قالت رحمة بمراوغة "ما هو؟"
تمتم بلهجة ذات مغزى "رحمة.. قلت ستمدينني بما يملأ جوعي للعاطفة"
احمر وجهها وردت بخفوت "هذه رابع ورقة تأخذها من الدفتر"
رد ببساطة وهو يسكب من زجاجة المياه في الكوب "وما المشكلة؟"
رفعت إليه أهدابها تقول "ليس هناك مشكلة سوى أنها تدور في نفس الموضوع وهو مشاعري المعذبة"
زم شفتيه كطفل صغير متمتمًا "أفهم من هذا أنك لم تحضري لي أية ورقة اليوم؟!"
تطلعت فيه لبرهة وهو يزيد من مشاعر البؤس على وجهه ثم تنهدت تقول وهي تفتح حقيبتها "تبتزني عاطفيًا بهذه المسكنة المزيفة.. عمومًا قدراتك في التمثيل تزداد اتقانًا أستاذ رامز"
التمعت عيناه وهو يتطلع فيها وهي تخرج ظرفًا جديدًا مصنوعًا هذه المرة من ورق الهدايا اللامع، وأعطته إليه فاتسعت ابتسامته وهم بفتحه لتسرع رحمة بالإمساك بساعده قائلة "ليس الآن أرجوك"
قال باعتراض "لماذا؟!"
خطفت نظرة حولها ثم غطت عينيها بكفها بتلك الطريقة الذي تذيب أعصابه وتمتمت "ليس وأنا معك"
ارتسمت ابتسامة ولهة على شفتيه وقال "ولكني أحب أن أقرأوه أول مرة أمامك"
لم تدر بما ترد عليه في الوقت الذي اقتربت فيه منهما مجموعة من الفتيات وقالت إحداهن لرامز " نحن معجبات بحضرتك، هلا سمحت لنا بأن نلتقط معك صورة؟"
تفاجأ رامز فاحمر وجهه بينما راقبت رحمة الفتيات الأخريات وهن يتهامسن فيما بينهن وعلى وجههن ترتسم علامات الإعجاب فتحكمت في شعور بالغيرة ينهش صدرها وثبتت ابتسامة على وجهها وهي تراه يترك مقعده ويتحرك بضع خطوات كي يقف بين معجباته يرسم ابتسامة تخلب اللب زادت من غيرتها وهي تنظر له بعيونهن، فالتقطن معه عدة صور، حتى سألته إحداهن "هذه خطيبتك أليس كذلك؟ لقد أعلنت عن عقد قرانك من فتاة من خارج الوسط الفني على صفحتك"
هز رامز رأسه بالإيجاب فقالت أخرى "لماذا لا تتصور معنا؟"
قبل أن تعتذر رحمة كان رامز يقول "هي لا تفضل التقاط الصور"
بعد عدة دقائق غادرت الفتيات بعدما أحست رحمة أنهن لن يغادرن من كثرة ما تلكأن حوله، فعاد رامز لمقعده يدمدم بخفوت "في بيتكم حصار من أخيك.. وهنا حصار من المعجبات.. أين من الممكن أن أذهب بك"
ابتسمت فسألها "هل شعرت بالضيق؟"
صمتت قليلًا ثم ردت برزانة "لن أنكر أني شعرت بالغيرة فهن متولهات بك، لكني متفهمة أن هذه ضريبة الشهرة وضريبة الارتباط بفنان"
مد يده يحضن كفها فوق المنضدة فأضافت " وأدرك بأنك غير قادر على زيارتي كما يحلو لك لأنني لا أعيش مع والديّ مثل باقي الفتيات، وتضطر لأن تنتظر أن يكون أخي بالبيت و.."
قاطعها قائلًا وهو يضغط على كفها برفق "رحمة، لا داعي لهذا الكلام.. أنا أفهم الوضع كله"
ابتسمت وازدادت حياءً في الوقت الذي أحس فيه رامز بأن مجموعة الفتيات يراقبنه، وخيل إليه أن إحداهن قد التقطت لهما صورة من بعيد، فأبعد يده عنها وقال بضيق "لم يكن قرارًا صائبًا أن آتي إلى هنا"
أهدته ابتسامة مشجعة فأضاف "علينا أن نأكل ونغادر بسرعة (ودمدم متحسراً) ماذا بينك وبين الله يا سيد حتى تفسد لي المشوار.. ( وتنهد مبرطمًا بلهجة بائسة) مشوار عادي يا عالم مع خطيبتي"
××××
هذا غير ممكن حدوثه، وغريب، والتفسير الذي يحاول عقلها التفكير فيه أكثر غرابة، لكنها لا تجد تفسيرًا غيره، لابد من أن تسأله قبل أن ينفجر رأسها من التفكير.
قفزت لُچَيْن من فوق السرير وأسرعت نحو باب الغرفة تبحث عن صقر وتتمنى ألا يكون قد سافر.
في الوقت نفسه في الطابق الأرضي كان عبد الله يسأل بقلق وقد عاد للتو من الخارج "ماذا حدث؟ لماذا تجلس هكذا؟"
قالها وهو يتطلع في صقر الجالس على المقعد في صالة الطابق الأرضي غير قادر على المغادرة من أجل مواعيده، أو الصعود إليها. يشعر بالقلق عليها ويخشى لو صعد إليها مرة أخرى ورفضت الحديث أن يستفز ذلك أعصابه المتوترة من مواجهة لم يكن يحسب حسابها ولا يريد أن يتصرف بحماقات الغضب.
تمتم بملامح معقدة "تشاجرت مع لُچَيْن وعلا صوتي"
راقبه عبد الله لبرهة ثم سأله "وهل الأمر بهذه الخطورة التي أراها على وجهك الآن؟"
"لا أعرف"
قالها صقر بحشرجة وهو يحدق في الأرض فعبس عبد الله قائلًا "لا تعرف! .. تكلم يا صقر"
دخلت لُچَيْن مقتحمة المكان ولم تنظر حتى إلى عبد الله بل قالت لصقر الذي رفع أنظاره إليها يتطلع فيها باتساع عينيه بدهشة "أريد أن أتحدث معك من فضلك"
لم يعجب صقر أن تتجاهل أخاه الأكبر بهذا الشكل، فتحولت ملامحه للغضب وقال بلهجة جافة "تمام.. اسبقيني وأنا آت خلفك"
قالت بإصرار "الآن"
هدر فيها بغضب "قلت اسبقيني"
سرت رعدة في أوصالها فبلعت لجين ريقها ونجحت في اخفائها وهي ترسم ملامح متماسكة على وجهها وتتحرك دون الالتفات لعبد الله مما زاد من غضب صقر ومن المجهود الذي يبذله كي يتحكم في أعصابه، أما هي فكان السؤال الذي يدور في رأسها يتضخم مع كل ثانية حتى صار كبالون عملاق ينحشر في رأسها فلا يترك لها مجالًا للتفكير في شيء آخر، فأسرعت بالصعود للطابق العلوي بينما سأل عبد الله "ماذا يحدث يا صقر!"
تمتم الأخير بضيق وهو يستقيم واقفًا "سأخبرك يا أخي.. ولكن دعني أذهب إليها أولًا"
بعد دقائق كانت لجين تتحرك كالممسوسة جيئة وذهابًا في غرفة نومها تنتظره حتى فتح باب الغرفة ووقف عنده يتطلع فيها بضيق مخفيًا اضطرابًا داخليًا مترقبًا لردة فعلها. فتوقفت أمامه متقبضة، ليقول صقر بلهجة حملت الكثير من الغضب رغم هدوءها "لم أحب الطريقة التي تصرفت بها، ولا تجاهلك لوجود أبو فراس"
لم تكن تسمع إلا أصوات الأفكار المخيفة في رأسها فسألته مباشرة "هل تعرف الاستاذة رجوة كاظم.. لا أذكر أسمها كله لكني أعرف بأن اسمها رجوة كاظم"
مرت عدة ثوان حبالى بكثير من الوقت الثقيل قبل أن يجيب صقر بثبات "نعم.. إنها زوجتي الأولى أم أولادي رحمهم الله جميعًا"
وكأن الإجابة رصاصة انطلقت من فمه لتخترق رأسها محدثة دوي عنيف في كيانها ثم تركت مكان مرورها فراغًا كبير أصدر أزيزا مؤلمًا في أوصالها فما كان من لُچَيْن إلا أن لطمت على وجهها تتمتم "من؟!"
تطلع صقر في ذهولها بينما سألته بغير استيعاب "قلت من؟ الأستاذة رجوة تكون زوجتك الأولى!"
"نعم"
ران صمت آخر ثقيل، كانت تحدق فيه لُچَيْن باتساع عينيها ثم قالت باستنكار وتلعثم "وهي.. من حدثتك عني.. وأخبرتك بتلك التفاصيل الخاصة التي تعرفها عني!"
أسرع بالقول نافيًا "لا.. لم يحدث"
ازدادت صدمتها واعتصر الألم قلبها حتى أنها وضعت يدها عليه لتخفف من أنينه وهي تقول بذهول " كنت أحسبها على خير!"
قال مدافًعا "هي كذلك"
دفاعه عن شخص تعرفه ويكون (زوجته الأولى) عقد المشاعر بداخلها فقالت باستنكار "كيف هذا وقد أخبرتك بأسراري.. (وتمتمت والذهول لا يزال يحاصرها) هل تعلم من تكون رجوة كاظم بالنسبة لي؟ (وأسرعت بالإضافة بسخرية مرة) بالطبع تعلم، فما دمت تعرف كل هذه التفاصيل فبالتأكيد تعلم" قال بلهجة واضحة وهو يدقق على كل حرف "المرحومة لم تتحدث معي بشأنك أو بشأن أي أحد أبدًا"
دفاعه عنها بهذا الشكل أثار غضب غريب بداخلها فهتفت باستنكار "ستكذب كما كذبت عليّ وأخفيت عني الأمر!!"
قال بضيق " أنا لم أكذب"
صاحت "لم تكذب! ماذا تسمى ما حدث إذن؟ .. لماذا لم تخبرني بأنك تعرفني من قبل؟"
رد محافظًا على هدوئه "لم يكن هناك فرصة لذلك.. حينما قابلتك حاولت كسب ودك، واقناعك بالزواج، لأن ظروف عائلتك كانت تحتاج لزواج سريع فلم أكن أرغب في أن أعقد الأمر الذي كان كله غريبًا من الأساس"
غمغمت بهجوم "أي أمر هو الغريب!! .. لقد نقلت إليك أسراري"
قال نافيًا بإصرار "لم يحدث.. المرحومة لم تتحدث معي بشأنك أو بشأن أي شخص آخر، ولم أكن أعلم أي شيء عن معارفها ومن تتعامل معهن كان ذلك عالمها الخاص ومساحتها الشخصية"
تعاظم ذلك الشعور بالضيق بداخلها واختلط بالغضب منه وهي تصيح "تدافع عنها؟ من أين عرفت بكل هذه التفاصيل إذن إن لم تكن قد أخبرتك"
"أنت.. أنت من أخبرتني لُچَيْن"
اتسعت عيناها بذهول ليقول صقر بشفقة وهو يغلق الباب خلفه وقد سقطت كل محاولاته للإنكار "سأحكي لك.. هلا جلست"
قالها برجاء فردت بعصبية " أنا لا أريد الجلوس أريد أن أعرف الآن.. أريد أن أعرف مادامت لم تفش لك أسراري كيف عرفت عني كل هذه الأمور.. تكلم.. تكلم قبل أن ينفجر رأسي"
قالتها تمسك برأسها في عذاب فتحرك بخطوات ثقيلة أمام أنظارها ليجلس على طرف السرير ويميل بجذعه للأمام مستندًا بمرفقيه على فخذيه ويتمتم شاردًا في سجادة الغرفة "في الأيام الأولى من الحرب، أي قبل عشر سنوات من الآن، حدث قصف على بلدتنا. كان قصفًا عشوائيا دنيئًا استهدف مبانٍ مدنية، منها مبنى كانت فيه زوجتي وأطفالي الثلاثة يزورون أحد قاربنا، سقط المنزل فوق الجميع وانهار"
صمت لبرهة يجد صعوبة في مواصلة الحديث عن أمر لم يتحدث عنه قط لكنه مضطر من أجل لجين فتحامل على ثقل الوجع في قلبه واستطرد "أخرجتهم من تحت الأنقاض ودفنتهم بيدي هاتين"
قالها وهو ينظر في كفيه المفتوحين وصمت لبعض الوقت وهي تناظره بنفس النظرات المصدومة صدرها ينزف بالألم ليضيف صقر "بعدها بعدة شهور زاد الوضع سوءًا واضطررنا لترك البلدة والنزوح إلى حدود الدولة المجاورة وهناك بقينا في مخيمات لفترة كبيرة.. بعد ثلاث سنوات كانت الأوضاع قد هدأت كما سمعتِ بالتأكيد، خاصة في بلدتنا ولهذا قررنا العودة، كان أغلب مبان البلدة مهدم ووجدت البيت الذي بنيته وعشت فيه ورأيت فيه أولادي يكبرون عبارة عن بناية آيلة للسقوط؛ جزء منه قد تهدم بالفعل، وجزء آخر لا يزال قائمًا لكنه كان آيلا للسقوط، شغلت لفترة بإعادة إعمار بيت العائلة لكن بيتي الخاص تركته على حاله لمدة طويلة، لم أستطع الاقتراب منه، واستمر هذا الوضع حتى ثلاث سنوات مضت"
صمت من جديد ورغم شعورها بوجع الذكريات لكنها لم تكن قادرة على الصبر كانت تريده أن يخبرها بسرعة.
تكلم صقر من جديد يقول " قبل ثلاث سنوات تكالبت عليّ الأحزان ونال مني الاكتئاب خاصة حينما يئست من العثور على أي خبر يخص فراس ابن أخي، فواجهت نفسي وأحزاني التي أكبتها وقررت دخول البيت الآيل للسقوط، وهناك انهار كل شيء بداخلي، الصمود، المقاومة، حتى ايماني اهتز وكفرت بكل المبادئ وأنا أشق طريقي وسط الفوضى من حولي.. أذكر تلك اللحظة جيدًا وأستعيدها في كوابيسي كثيرًا، لحظة أن دخلت البيت وأصوات ضحكات أولادي وشجارهم وصراخ زوجتي وشكواها من شقاوتهم في أذنيّ مختلطة بأصوات تكسر بقايًا الحطام تحت قدمي، وأنا أمشي فوق ما اشتريته بنفسي قطعة قطعة في ذاك البيت، هذه لعبة لأُبيّ ابني الأصغر، وهذا غلاف كتاب يخص عزيز ابني الأوسط كان يناقشني فيما ورد فيه، فقد كان مثل أمه يحب القراءة، وهذا القفاز الخاص بالملاكمة هديتي لفخر ذي العاشرة من عمره والذي أبدى رغبة في تعلم القتال"
تعثر الهواء في صدره بتلال الحزن السوداء فتحشرج صوته وصمت يبلع ريقه وهو يستعيد كل المشاعر الصعبة قبل أن يواصل "لحظتها قررت عدم الاستمرار في الحياة، لم يكن هناك شيء أعيش من أجله، كانت الحياة بالنسبة لي لا تحمل أية معنى، ولهذا قررت البقاء في ذلك البيت وانتظرته أن ينهار فوق رأسي فأموت تحت الأنقاض مثلما ماتوا، لقد ذهبوا وتركوني فقررت أن ألحق بهم لعلي أجد خلاصًا أو تخفيفًا لأوجاعي، قررت البقاء وباءت كل محاولات اخوتي وعائلتي بإخراجي من هناك بالفشل، حتى مرض عبد الله وحزنه عليّ لم يدفعني للخروج رغم تألمي من أجله، لكنه ألم في مجمل الآلام التي أشعر بها، وإضافة لأحزاني فكما يقولون؛ لن يضير الشاة سلخها بعد ذبحها. فكانوا يرسلون لي الطعام يوميًا، ويستودعونني عند الله، وكنت رغم عدم قدرتي على مغادرة البيت آكل ما يسد رمقي كمن يستلذ بتعذيب نفسه، كنت في حالة غريبة معلقًا بين الحياة والموت، أرغب في التخلص من حياتي لكن اشفاقي على عبد الله وبعض من إيمان ترسخ في نفسي لم تقدر الأحزان على محوه منعوني من أن أفعلها.. لكن حالتي النفسية كانت تزداد سوءًا مع الوقت ولم أكن أفعل سوى النوم لساعات طويلة على أمل أن تكون آخر مرة أنام فيها ولا استيقظ بعدها، أو يجافيني النوم لأيام.. كل شيء كان أمام عيني مظلمًا، مهدمًا.. عشت بين الحطام والركام والفوضى حتى ألفتهم وألفوني، حفظت أجزاء الزجاج المكسر في الأرضية، والثقوب على الحائط وحول النافذة، قطع القماش، والأجزاء المتبقية من الدمى.. وحين كانت تتعثر قدمي في شيء فتحركه كنت أعيده لمكانه الذي وجدته عليه حينما دخلت أول مرة وكأنني أحتفظ باللحظة، بالزمن، بالشعور المعذب.. لا أريد أن أغادر اللحظة أريد أن أتوقف هنا عند حدود الكارثة، تنزف جراحي فوق الركام وأسكب ألمي على الفوضى.. واستمر الوضع لشهور، غير قادر على مواجهة الحياة فعمري قد انتهى بالنسبة لي.. ولم يكن هناك ما يجعلني أستيقظ في الصباح، حتى محاولات من حولي أن أتزوج وأبني أسرة جديدة رفضتها، فلم يكن لي رغبة في فعل أي شيء"
تطلعت لُچَيْن فيه بتعاطف ألهاها لبرهة عن صدمتها في الوقت الذي رفع فيه صقر وجهه إليها قائلًا "حتى حدث ما غير حياتي وأخرجني من تلك النقطة المظلمة"
تسارعت ضربات قلب لُچَيْن وهي تتطلع في النظرة التي يناظرها بها وراقبته عابسة وهو يترك مكانه ويتحرك بخطوات بطيئة نحو الخزانة إلى الجانب المخصص له فيها ليخرج من حقيبة صغيرة يحتفظ فيها ببعض الأوراق ومتعلقاته الشخصية هاتفًا ذكيًا قديم الطراز.
تطلعت للهاتف في يده عابسة بينما قال صقر "حتى عثرت على هذا"
ناظرته بحيرة وتساؤل فاستطرد صقر " في يوم تعطل هاتفي، الوسيلة الوحيدة التي أطمئن بها على عبد الله الذي أقسم عليّ أن أبقيه مفتوحًا، حين تعطل تذكرت بأن هناك جهاز هاتف آخر قديم كنت قد رأيته بين الأدراج، كان يخص رجوة قبل أن أشتري لها آخر أحدث منه قبل الوفاة بفترة قصيرة ومن هنا بدأت قصتي معك"
تطلع في الهاتف يقلبه في يديه وبلع ريقه يقول " في يوم كنت أبحث في الهاتف بلا هدى لعلي أجد صورة قديمة تعيد لي الذكريات، فوجدت ملفات صوتية مسجلة على ذاكرته، خمنت بأنها تتبع أحد تطبيقات الدردشة، لكني لم أكن أعرف أي منها، فالحسابات الخاصة برجوة على الهاتف كانت مغلقة كلها لانتقالها لهاتف آخر، هذا ما خمنته.. استمعت أولًا لبعض الرسائل القصيرة الخاصة بالأولاد، ومن أخريات خمنت بأنهن من معارفها، ثم لاحظت أن هناك ملفات صوتية طويلة، فساقني الفضول لأعرف كنهها، وسمعت صوتك لأول مرة"
توقف يبلع ريقه بينما لُچَيْن تحدق في الهاتف بين يديه باتساع عينيها ليضيف صقر "وأذكر جيدًا أول جملة سمعتها منك (أعتقد أن الحياة تحتاج لأن نكافح من أجلها) العبارة استفزتني لحظتها للدرجة التي حثتني على أن أستمع للمزيد لأفهم عن أي حياة تتحدثين، ثم بدأت اللعنة، لعنة الاستماع لك؛ لم أكن أعلم من أنت، وكم عمرك، ولكني قدرت بأنه ما بين الثامنة عشرة والعشرين، كنتِ منطلقة، شغوفة بالحياة، مشاغبة، وخفيفة الظل، لا تحملين للدنيا همًا، ومن خلال حكاياتك اكتشفت أن لديك فكر رزين، ووجع دفين، خاصة مع رحلتك مع العلاج، ربما هذه النقطة بالذات كانت بداية انصاتي لما تقولين، لا أعرف ماذا حدث يا لُچَيْن لكن حكاياتك عن نفسك، واقبالك على الدنيا أعاد لي بعضًا من إيماني بما حولي، معاناتك وقصتك في رحلة العلاج، أسرتك التي تكبدت الكثير من أجل عمليات قدمك الجراحية وسفرهم عبر المدن من أجل ذلك، مشاعرك وأنت حبيسة لذلك الجهاز لسنوات، تنمر الأولاد عليك وكيف كنت تصمدين أمامهم دون أن تسمحي لهم بهزيمتك، كل ما قصصته أثر في، نظرتك البريئة للحياة، نظرة بريئة بنفسية محاربة لا تريد أن تُهزم رغم كل شيء، تريد أن تنهل نصيبها من السعادة، أنا مؤمن بأن البلاء بقدر التحمل وبقدر العمر ورأيت معاناتك مع قدمك وأنت صغيرة شيء بالنسبة لعمرك ابتلاء شديد، وقست ذلك على ابتلائي الذي ناسب عمري وعدت للآية الكريمة (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها)، لا أعرف كيف أفسر ما حدث، ولكن الأمر كله كان غريبًا، فصوتك أضحى بالنسبة لي إدمان، كنت تؤنسينني في ليال شتاء طويلة وكئيبة فتنثرين بعض الضوء والدفء من حولي، تأخذيني للعالم بالخارج فأراه بنظرتك المفعمة بالحياة، رأيت الزهور ووصفك لها بين الحطام والفوضى من حولي، أخذتني لعوالم أخرى فتعلقت روحي بالحياة مرة أخرى.. ورغم أنك كنتِ في بعض الأمور ساذجة أو عاطفية النظرة أو قليلة الخبرة، لكنني كنت أشعر بشعور دافئ كلما استمعت لثرثرتك. كان صوتك داعمًا لي في فترة صعبة وشديدة التعقيد من حياتي، أدمنت صوتك، وحكاياتك رغم بساطتها، حفظتها.. لدرجة أني أستطيع أن أتلو عليك الساعات الطويلة التي حكيتها، وأخبرك ماذا قلت في كل ملف صوتي، فهمت من حكاياتك أن أغلب التسجيلات كان في مكان ناء ذهبت إليه فقررت أن تسجلي لها كي تتغلبي على شعورك بالملل والضجر من هدوء المكان، ولم أكن أعلم بم كانت ترد عليك رجوة، فالملفات التي احتفظ بها الهاتف كانت مستقبلة فقط، لكني أكاد أخمن ردودها عليك إن لم تعقبي عليها في ردودك الصوتية، راقبت تسجيلات بينكما على مدى سنوات ومنها علمت بأمر اختبار التمثيل وأمور أخرى. تعلقت بك وأصبحت رفيقتي في ليال الوحدة والعزلة، مؤنستي ذات القلب النقي التي لا تزال تؤمن بالأشياء من حولها.. وعلى ما يبدو أنك أصبتني بعدوى المقاومة، فنقلت قليلًا من طاقتك لي، وشيئًا فشيئًا قررتُ مقاومة السقوط، وبعدما أنهيت كل تسجيلاتك قررت أن أخرج من ذلك البيت، وأواصل"
تحرك صقر أمام عينيها المصدومتين ليعود للجلوس على طرف السرير وقد أتعبه البوح وثقل الذكريات ثم أضاف "لم أعرف عنك من خلال التسجيلات سوى أن اسمك لُچَيْن، وعرفت اسم عائلتك لكني لم أكن أعرف عنهم إلا بعض المعلومات القليلة عن عمك أبو قصيّ الذي كانت تربطني به علاقات تجارية، وبحسبة عمرك والسنوات التي مرت على التسجيل لم يكن لعمك هذا بنات في نفس العمر، وكنت أعلم أن له أخين مات واحد دون انجاب وهاجر الثاني بعائلته، فخمنت بأنك هاجرت مع أهلك، والحقيقة لم أحاول أبدًا البحث عنك، (وطالعها بنظرة متألمة مضيفًا) خفت من أن تكوني متزوجة، وهذا كان منطقيًا بالنسبة للسنوات التي مضت على التسجيل وحينها كنت سأضطر للتخلي عن سماعك كلما اشتقت لصوتك، وبصراحة لم أكن قادر على هذا، كنت متعلقًا بك وأنت تمنحينني قدرًا من التفاؤل، كنت بالنسبة لي في تلك الفترة هالة من النور في سماء مظلمة، كنت صديقتي وكنت بحاجة لرفيق. وخفت أيضًا أن تكون الحرب قد أنهت حياتك، ولم أكن على استعداد لسماع المزيد عن الموت، فخبر موتك كان سيقضي على المتبقي من عقلي ومن قوتي، لهذا الحد كنت متعلقًا بك، خاصة مع تضاؤل فرص أن نجد فراس على قيد الحياة، تشبثت بك تشبث الظمآن بالسراب في الصحراء، كنت أعيد سماع كل تسجيلاتك حتى أنني قمت بنقلها إلى كل هاتف اشتريته خلال الثلاث سنوات الماضية (وأخرج هاتفه يقول) اسمعي"
خرج صوتها مبتهجًا من الهاتف تقول " تست، تست، واحد، اثنان، ثلاثة، هذه إذاعة لُچَيْن التي تشعر بالضجر في هذا المكان الممل، والذي لا يوجد به أي شيء سوى التطلع في حدائق الورود، لهذا سأواصل التسجيل لك يا أستاذتي المسكينة التي تتحمل وحدتي وبؤسي وثرثرتي الطويلة، وسأخبرك اليوم عما أعلمه عن بعض أنواع الزهور التي أمامي (وأضافت متنهدة) فأنا الآن في حديقة مجاورة بديعة المنظر بألوان الورود المتناسقة"
استمعت لُچَيْن لصوتها قبل ما يقرب من إحدى عشرة سنة بذهول وغير تصديق لما يحدث فأوقف صقر التسجيل واستطرد قائلًا " ولذلك السببين الذين ذكرتهما قررت ألا أبحث عنك مهما زاد فضولي.. خرجت من البيت وأمرت بأن يهدموه كي لا يسقط فوق رأس أحد، ووقفت أمامه أشاهده وهو ينهار حتى تساوى بالأرض، بعدها تركته ولم أعد إليه.. إنه نفس ذلك البيت الذي أبنيه لك الآن.. واستمرت حياتي بعدها مثقلة بالهموم والاحزان واستمريت أنت رفيقتي الوهمية التي اقتبس منها النور كلما ازداد الظلام حلكة من حولي، عدت لتجارتي ولحياتي، لكني كنت رافضًا لفكرة تكوين أسرة جديد، قررت أن أعيش لأعين إخوتي على حياتهم، كل هذا كان بفضلك أنت أنا يا لُچَيْن حفظتُ كل تسجيلاتك حفظًا، تسجيلات تزيد عن العشرين ساعة أحفظها عن ظهر قلب، وأستطيع أن أخبرك حتى عن لزماتك واخطائك اللفظية ومواضع سكوتك، ربما ما أخبرك به غريبًا لكن هذا ما حدث، شعرت بأنه رسالة من الله يحثني على أن أبقى على قيد الحياة"
وتنهد مضيفًا وقد أتعبه الكلام "حتى جاء اليوم الذي جاءني ابن عمك حينما علم بأني آت إلى هنا، طلب مني البحث عن عمه الذي انقطعت أخباره وتعذر الوصول إليه، وطلب مني في حالة أن وجدته أن أوصل له أمانة.. صدمت، لماذا أنا؟ تحيرت، ولم أعرف بم أرد، وخفت من القبول للسببين اللذين أخبرتك بهما، خفت من أن أفقد رفيقتي الصغيرة، نجمتي المضيئة في ليل العتمة، وكدت أن أعتذر عن المهمة لولا أن ابن عمك أخبرني بأنكم ربما في حاجة لذلك المال خاصة وأن ابنة عمه الوحيدة أرملة ولديها طفل تعيله، ورغم أنني لم أكن متأكدًا إن كنتِ قد تزوجتِ مجددًا أم لا، فمعلومات ابن عمك عنكم لم تكن حديثة إلا أنني شعرت بأنك بحاجة لي كي أوصل لك ذلك المال، أردت أن أرد لك دينك في رقبتي، ولن أنكر أن الفضول قد غلبني لرؤيتك فدومًا ما فكرت كيف هو شكلك، طويلة أم قصيرة، بيضاء، أم حنطية، رفيعة أم سمينة، وكيف تكونين حينما تضحكين تلك الضحكة المجلجلة التي كانت تنشر الفراشات في حطامي الداخلي، فقبلت، وجئت.. وحينما وقعت عيناي عليك لأول مرة لا أعرف ما الذي حدث معي، وكيف رأيتك بعيني وقلب رجل، فلم تكوني قبلها إلا شخص تعلقت به، شخص أرسله الله لي كي لا أنهي حياتي، نجمة، ترافقني في ليل عتمتي، رفيق، يشد من أزري.. حين رأيتك أول مرة، شعرت بأني رأيتك بقلبي قبل عيني، عيني اللتين أصبحت أرى بهما الألوان من خلالك بعد أن أصبت بعمى الألوان، يومها ومن أول لحظة تيقنت بأنك قدري القادم، فلم يكن ليحدث كل هذا صدفة أبدًا.. لذا لم أتردد لحظة في التقدم للارتباط بك حتى أصبحت زوجتي"
ساد الصمت طويلًا إلا من صوت عقرب الساعة في الخلفية حتى تكلمت لُچَيْن التي لم تستطع أن تستوعب كل هذا الكم من المعلومات الصادمة فقالت بلهجة متألمة " حتى أصبحت دون أن أدري زوجة زوج المرأة التي كنت أعتبرها مثلي الأعلى!.. رددتُ لها أفضالها عليّ بأن تزوجت زوجها"
كان دوره ليشعر بالصدمة وهو يقول "ماذا تقولين؟ وهل كنت تعرفين؟"
قالت بثورة " أنت كنت تعرف وكذبت عليّ.. لماذا لم تخبرني بالحقيقة؟.. لماذا؟"
قال موضحًا "الأمر كان معقدًا وغريبًا، وكنت أحاول أن أقنعك بالزواج السريع من أجل حالة والدتك لهذا لم أرغب في تعقيد الأمر"
هتفت بلهجة متألمة "حالة إنسانية تقصد!"
اتسعت عيناه مذهولاً مما تقول بعد كل الذي شرحه وهتف قائلًا "ماذا تقولين بعد كل الذي قصصته عليك!"
قالت بلهجة ساخرة متألمة "فتاة سمعتَ قصة حياتها صدفة فأصبحت مدينًا لها وجئت لتصنع فيها معروفًا بالزواج.. (ولطمت على وجهها مضيفة بغير تصديق) يا إلهي! أنا لا أصدق بأني تزوجت من زوج الأستاذة رجوة!"
ترك جلسته ووقف يتطلع فيها بذهول فقالت لُچَيْن بثورة "هذا الوضع لابد أن يعدل فورًا"
"ماذا تعنين؟!"
"أريد الطلاق"
هتف بصدمة "نعم.. هل طار عقلك من المفاجأة!"
قالت صارخة "أنا أتراجع عن القبول بهذه الزيجة.. أريد الطلاق يا صقر"
قبض كفيه بجانبه بقوة وطحن ضروسه قائلًا "أنت في حالة جنون.. ولن أرد عليك"
قالها وتحرك نحو باب الغرفة فصاحت "إلى أين؟ صقر.. صقر"
لم يرد، بل خرج وصفع الباب خلفه تاركًا إياها وسط الغرفة تحدق في أثره في حالة من الصدمة والذهول.
××××
المدينة الساحلية
دخل مروان البيت يبحث بعينيه عنها في ترقب، لقد مضى ساعات على خروجه غاضبًا بعد تلك الكلمات الموجعة التي تفوه بها دون أن يدري. ترك الصالة وتوجه ناحية غرفة النوم ففتحها ببطء وتطلع فيها وهي تجلس على السرير تفترش بعض الكتب حولها وتكتب شيئًا على اللابتوب ولم يعرف بأنها كانت قلقة من غيابه رغم شعورها بالألم لما تفوه به.
تجاهلت دخوله ولم تستدر له مستمرة في الطباعة على لوحة المفاتيح فنظر إليها مروان لبرهة قبل أن يقترب بهدوء ويجلس بجوارها، فتدفقت الدموع في عينيها وأولته ظهرها مستمرة فيما تعمل، فما كان منه إلا أن طوق ذراعيه حولها وحضنها من الخلف يهمس بجوار أذنها "آسف سيلا، لم أقصد شيئًا مما قلته"
تمتمت بضيق "لم تقل سوى الحقيقة"
قال بلهجة متألمة "سيلا لم أقصد أن أجرحك، ولكن.. ولكن.. أنت تطلبين مني شيئًا يصعب عليّ تحمله (وضمها أكثر يدفن وجهه بين رأسها وكتفها مضيفًا) لم أكن أفكر في هذه النقطة لكنك بمجرد أن ذكرتها لم أدر ماذا حدث لي، لكن يا سيلا.. لكن..."
لم يجد ما يعبر به عما يجيش في صدره من انفعالات بعضها يدركها والبعض الآخر لا يعرف مصدرها فأشفق قلبها عليه ومسدت على ساعده بتفهم وهي تقول "أنا مدركة لخوفك عليّ مروان.. لكني أنا الأخرى أحمل من المشاعر المعقدة بداخلي ما أحاول هزيمته، وأعترف بأن القرار لم يكن سهلا لكنني في الوقت ذاته أشعر بألم من أجلها لم أكن أشعر به من قبل، ولن أسامح نفسي لو حدث لها مكروه"
قال بلهجة مستعطفة "وأنا سيلا.. ألن تشعري بالذنب تجاهي حينما أموت عند خضوعك لتلك العملية"
أسرعت بالقول وهي تدلك ساعده الذي يلفها "لا تقل هذا الكلام مروان أرجوك"
قال بنفس اللهجة المؤثرة والصوت الخافت "أنت لا تدركين ما أشعر به.. بصراحة.. أنا أشعر بالخوف الشديد"
قالت بلهجة متفهمة "أنت على الأغلب متأثر بماضيك، آثار التعذيب على جسدك توحي ببشاعة ما حدث معك، وربما كان هذا سبب الرهاب الذي ينتابك من الحقن"
أبعد رأسه عنها ليتطلع في وجهها الذي أدارته فتواجهت نظراتهما وهو يقول "لهذا أنا لن أتحمل دخولك لأي مستشفى.. لن أتحمل سيلا"
تحركت مقلتاها السوداوان بقلق على صفحة وجهه المرعوب، فأدار مروان كتفيها لتواجهه ثم ألقى بنفسه عليها يحضنها ويشدد من ضمها إليه، فأسندت سيلا ذقنها على كتفه وأخذت تدلك ظهره براحتها وكأنها تبث فيه طمأنة يستجديها وهي تتمتم "يا إلهي! أنت تشعرني دومًا بأنك طفلي"
شدد مروان من احتضانها ولم يعقب، بل طبع قبلة على جانب رأسها فشردت أنظار سيلا من فوق كتفه في حيرة من أمرها.. ولم تدر ماذا تفعل في هذا الوضع المربك.
××××
العاصمة
حاصرتها الذكريات وألحت عليها الأفكار، الصدمة كبيرة وغير متوقعة تكاد أن تفقدها اتزانها، تشعر وكأنها قد اصطدمت بشاحنة مزقتها لإشلاء، والكثير من الحقائق قد وقعت فوق رأسها كانهيار صخري مفاجئ.
حاصرتها الذكريات واستعادت كل شيء عن الأستاذة رجوة، كانت مدرستها في المرحلة الإعدادية ثم الثانوية، وكانت مشهورة بعلاقتها الجيدة بالطالبات، أولتها اهتمامًا خاصًا ربما بسبب ظروف قدمها، فكانت تشجعها دومًا على الصمود، ولن تنسى فرحتها بها حينما حضرت في بداية أحد الأعوام الدراسية وقد نزعت عنها جهاز المشيء واضحت تتحرك بمشية مستقيمة ومعتدلة، ورغم هذا، انحصرت علاقتهما في إطار المعلمة والطالبة.
حتى انتهت لجين من المرحلة الثانوية والتحقت بالجامعة، ومن ضمن دراستها التي تعدها لأن تكون معلمة هي الأخرى، أن تتدرب في مدرسة، وكم كانت لجين محظوظة أن تم تكليفها في العام الأول بالتدريب في مدرستها القديمة في نفس مدينتها، وهناك قابلت الأستاذة رجوة من جديد. وتذكر كلماتها المرحبة وهي تتأملها.
"كبرت يا لُچَيْن، وستصبحين معلمة"
قالتها رجوة بابتسامة فردت لُچَيْن وهي تقف معها في غرفة المعلمات "لن أكون بارعة مثلك أبدًا يا أستاذة"
تمتمت الأخرى بتواضع "لا تقولي هذا الكلام.. أنا أكيدة من نجاحك يا لُچَيْن أنت مثابرة ولا تسمحين لشيء أن يعوقك عن الوصول لما تريدين"
قالت لُچَيْن بفرحة كبيرة "هذه شهادة أعتز بها من أعظم معلمة في الوجود"
ضحكت رجوة وتمتمت "بارك الله فيك (وعادت لتتأملها قائلة) بصراحة لازلت لا أصدق كيف دارت الأيام.. كم عمرك لُچَيْن؟"
غمغمت بوجنتين مخضبتين بحمرة الخجل "الثامنة عشرة"
قالت رجوة ضاحكة "أنا أكبر منك باثنتي عشرة سنة، وخلال عامين أو ثلاثة ستشاركينني في المهنة ما شاء الله.. أشعر بأني أصبحت عجوزًا"
كان دور لُچَيْن لتضحك فتقول رجوة "عمومًا إن احتجت لشيء لا تترددي"
"أستاذة"
"نعم"
قالت لُچَيْن بتردد وهي تقضم ظفر إبهامها "هل أستطيع أن أحصل على رقم هاتفك؟"
قالت رجوة مرحبة "بالطبع لُچَيْن تحدثي معي في أي وقت"
وخلال فترة التدريب في المدرسة في ذلك العام تقربت لجين من رجوة وأضحت تعتمد على رأيها في كثير من الأمور في حياتها.
في العام التالي لم تكن موفقة في مكان التدريب، حيث تم إرسالها إلى مدرسة على الحدود، يومها صدمت، فشجعتها رجوة بألا تشعر بالرهبة ووعدتها أن تكون على تواصل دائم معها، وهكذا سافرت لجين لأول مرة وحدها، وكانت تسكن في بيت المغتربات التابع للمدرسة ثلاثة أيام من كل أسبوع، لكن المكان كان ناءٍ وهادئ إلى حد كاد أن يصيبها بالجنون والضجر، في الوقت الذي ازدادت فترات التواصل مع الأستاذة رجوة حتى أتت اللحظة التي قررت فيها لجين تسجيل يومياتها في رسائل صوتية لمعلمتها. تثرثر في أي شيء وعن أي شيء حولها. وأخذت تناقشها في الكثير من الأمور، فكانت لجين تنهل من خبرة رجوة في الحياة، وتطرقت الأحاديث لإخبارها عن أصعب المواقف التي واجهتها بسبب قدمها، استعادت معها ذكريات قديمة لحياتها خارج المدرسة، وسنوات التردد على الأطباء، وتذكر جيدًا أن رجوة كانت تسمي ثرثرتها (وقت جلي الصحون) لأنها كانت تستمع لأحاديثها الطويلة في ذلك الوقت لكي تتسلى، لأنها لم تكن تحب جلي الصحون فكانت تتسلى بالسماع والرد عليها، خاصة مع اختلاف أوقات الفراغ بينهما فكانت التسجيلات الصوتية أفضل من الاتصال المباشر لانشغال رجوة بالكثير من المسؤوليات، وهكذا مرت فترة التدريب في تلك البلدة، وعادت لجين لمدينتها، لكن تواصلها مع رجوة لم ينقطع أبدًا، وازدادت متانة العلاقة بينهما، فقد تعلقت روح لجين بأستاذتها ونصبتها مثلًا أعلى لها، معجبة، بشخصيتها ووقارها، وخبرتها في الحياة، ربما كانت رجوة صديقة للكثير من الفتيات اللاتي درست لهن، لكن لجين كانت تشعر بأنها مميزة عند أستاذتها، حتى تلك المرة التي قررت الذهاب للعاصمة لحضور ذلك الاختبار الخاص بالممثلين لم تستطع أن تخفيه عن رجوة، ربما لمعرفتها بأنها تفعل شيئًا خاطئًا دون علم أهلها، أو لأنها رغم ذلك التتيم بفكرة أن تصبح ممثلة كانت تخشى من الخطوة، لكن رجوة وبختها ونصحتها بألا تسافر إلى خارج المدينة دون علم أهلها، وألا تذهب لذلك المكان وحدها، وقتها مزقت الحيرة لجين ما بين الشغف الكبير للتجربة والخوف من عواقب سفرها وحدها، وقد ظلت الحيرة تستبد بها حتى يوم التنفيذ، تتذكر جيدًا حالتها المضطربة وهي تخرج من البيت صباحًا إلى مشوار وهمي أخبرت به والديها، وشعورها بالخزي الذي منعها من أن تواجه عيني والديها قبل مغادرتها، وطوال الطريق إلى محطة القطار وحتى أثناء وقوفها في طابور التذاكر الطويل وهي في صراع بين عقلها وذلك الشغف الذي يسيطر عليها.
كانت الثامنة صباحًا حينما تلقت اتصالًا من رجوة واصلت فيه اقناعها بألا تفعل وأن تعود لبيتها، ناقشتها بتلك الطريقة التي تحبها حينما تناقش فيها عقلها وتركتها تحسم قرارها، فوقفت لُچَيْن بجوار القطار الذي فتح أبوابه لاستقبال المسافرين تفكر بسرعة. وضعت قدمها على عتبته لثوان ثم تراجعت للخلف وظلت متسمرة مكانها حتى تحرك القطار بعد برهة مغادرًا ومعه ودعت شغفها ثم عادت للبيت دون أن تخبر أحدًا بما كانت تنوي فعله.
وفي اليوم التالي انتشر خبر في الصحف بأن الشركة التي كانت تغرق وسائل الإعلام بإعلاناتها عن اكتشاف المواهب الجديدة قد تم مداهمة مقرها بعد بلاغات من فتيات تعرضن في اختبارات الأداء فيها للتحرش أو للتصوير في غرفة تبديل الملابس وابتزازهم فيما بعد من أجل أعمال منافية للآداب. الفضيحة كانت مدوية خاصة وأن فنانة مشهورة هي من كانت تقود تلك الشركة لاختيار فتيات للعمل في شبكة دعارة.
وكم كان الأمر صادمًا للجين، وتذكر أنها اتصلت بمعلمتها حينها لكنها لم ترد فأرسلت لها رسالة صوتية تبكي فيها بكت بحرقة وتشكرها لأنها كانت السبب بعد الله بإقناعها بعدم الذهاب، وتذكر أيضًا أنها منذ ذلك التاريخ لم تعد تفكر في أمر التمثيل مجددًا بل باتت تفكر بشكل أكثر عملية في حياتها.
وهكذا استمرت علاقتها بأستاذتها، فكانت تزورها في المدرسة، وبضع مرات تقابلتا في تجمعات كانت رجوة تقيمها لتلميذاتها السابقات في أحد النوادي، وتذكر لُچَيْن بأنها قد دعتها إلى حفل زفافها، لكن رجوة اعتذرت على آخر لحظة لظرف طارئ ولم تحضر.
اعتدلت لُچَيْن في جلستها فوق السرير تحضن ركبتيها المثنيتين أمامها وفكرت في الأمر؛ ماذا لو كانت رجوة قد حضرت مع صقر حفل زفافها على رشاد! هل كانت ستذكر هذه اللحظة حينما تدور بها الأيام فتتزوج من زوج الأستاذة!
أي قدر هذا الذي أوقعها في ذلك الوضع غير المريح!
أخذها طائر الذكريات إلى آخر مرة تحدثت فيها مع الأستاذة التي هاتفتها تلفونيًا حينما علمت باستشهاد رشاد.
"البقاء لله يا لُچَيْن"
كان صوت رجوة في الهاتف حزينًا ومتأثرًا فتمتمت لُچَيْن "أنا مصدومة ولا أعرف ماذا يحدث من حولي (وأضافت وهي تتطلع حولها) فجأة قامت الحرب وفجأة، أخبروني أن رشاد مات، وفجأة نحن على الحدود الآن في طريقنا للمجهول"
سألتها رجوة بصوت بدا حزينًا ومهمومًا "هل قررتم السفر؟"
"قررنا الهرب"
قالتها لُچَيْن بمرارة مصححة لتتمتم رجوة "لا أعرف ماذا أقول.. الوضع صعب وخطير، ونفكر أنا وزوجي في الفرار مثلكم، لكننا لا نعرف أين وجهتنا بعد، ابن وابنة الدكتور عبد الله أخو زوجي سيذهبان لنفس وجهتك وربما لحقنا بهم وتقابلنا جميعًا هناك، الأمر مخيف وقلبي يتمزق على الأولاد"
"أستاذتي.. أنا حامل"
قالتها لجين فجأة وهي لا تزال مصدومة بما يحدث حولها فجاءها صوت رجوة تقول "ألف مبروك.. كبرت يا لُچَيْن وستصبحين أمًا"
تمتمت الأخيرة وهي تتطلع حولها في عدد كبير من الناس يبيتون في الميناء منذ ليلتين في انتظار الباخرة التي ستقلهم لدولة أخرى "لا أعرف كيف عليّ أن أشعر أنا .. أنا.."
وانهارت في البكاء لتقول رجوة بلهجة متعاطفة "تماسكي من أجل طفلك لُچَيْن.. أعرف بأن ما مررت به صعبًا وأشعر بما تشعرين به ولكني لا أعرف كيف أساعدك.. قلبي منفطر عليك"
تمتمت وهي تمسح دموعها بيد مرتعشة "أنا لا أعرف ماذا أفعل بهذا الطفل وحدي، أنا خائفة.. خائفة جدًا.. وأبي مريض.. ونحن وحدنا"
"أنت قوية لُچَيْن، لطالما كنت معجبة بشخصيتك وبقوتك الداخلية، ودومًا أقول لك أنك شخص مميز أليس كذلك؟ لهذا أنا أكيدة أنك لن تسمحي لشيء أن يقهرك"
غمغمت لُچَيْن بضعف وارتباك "لماذا يحدث هذا لي؟ لقد مات رشاد ودفن دون حتى أن أراه، والآن أنا أحمل في بطني جنينًا وأفر بأهلي من ويلات حرب سقطت فوق رؤوسنا ليس لنا ذنبًا فيها.. لقد ظننت بأن نصيبي من الألم قد أخذته كله في الصغر"
"إن شاء الله سيكون العوض كبيرًا يا حبيبتي أنا متأكدة، أسأل رب العرش العظيم أن يفك كربك وييسر همك ويرزقك من حيث لا تحتسبي، تماسكي أنا أثق بك"
"الوداع يا أستاذتي لا أعرف إن كان سيكتب لنا لقاء جديد"
وكانت هذه آخر كلمات بينهما، فبمجرد أن استقرت لُچَيْن في هذا البلد وبعد أن حصلت على رقم هاتف جديد لم تستطع التواصل معها أبدًا، وحين اتصلت بإحدى رفيقات الدراسة بالوطن للسؤال عنها أخبرتها بأن الأستاذة رجوة قد ماتت وهي تحضن أولادها في انهيار مبنى سكني سقط بسبب القصف.
أعادها طائر الذكريات إلى حاضرها وانهارت لُچَيْن بالبكاء، فما يحدث كان يصعب عليها استيعابه، صدمة وارتباك وعالم كانت تبنيه بسعادة انهار فوق رأسها.
ماذا ستفعل الآن؟
كيف ستتصرف؟
×××××
في المساء:
توقفت سيارة سيد في مكانها المعتاد بالساحة المجاورة للمقهى وترجل منها وهو يلمح رامز أمام المقهى يتحدث مع وائل وقد لاحظا وصوله، وبدا له بأنهما ينتظراه. أغلق السيارة واقترب منهما ليقول وائل بلهجة مرحبة "يا أهلا بهولاكو كان رامز يشكر فيك منذ دقائق"
قلب سيد مقلتيه يرمقهما بشك وقد أحس بأن هناك ما يريدانه بهذا الاستقبال المتملق، فوقف أمامهما منفوخ الصدر يديه في جيبي بنطاله وهو يقول لرامز "علمت بأنك خرجت مع رحمة اليوم"
تطلع رامز في وائل ثم تنحنح يقول لسيد بمسكنة "رحمة كانت جائعة فدعوتها على الغداء.. هل كنت تريدني أن أكون بخيلًا معها"
أصدر سيد صوتًا ساخرًا بينما تحكم وائل في ابتسامة ملحة وسيد يقول متهكمًا "يا حبيبي، يا أبا الكرم ( ثم قال بلهجة خطرة) هات ما عندك فهناك شيء تريده وتتفق مع وائل عليه"
احمر وجه رامز بينما ضحك وائل يقول وهو يربت على صدر صاحبه "ما شاء الله حماك لمّاح.. يفهم الأمر وهو طائر في الهواء قبل أن يصله "
قلب سيد مقلتيه وتمتم "ماذا تريد يا رامز؟"
تنحنح الأخير يقول عيد ميلادي بعد أيام"
تمتم سيد بابتسامة صفراء "عيد ميلاد سعيد، والمطلوب"
نظر لوائل ثم قال لسيد "لا شيء سوى أن تسمح لي بأن أحتفل به أنا ورحمة"
"كيف بالضبط؟"
قال رامز سآخذها لمكان ونسهر أنا وهي"
قال سيد "ألم تكن معها في مطعم اليوم، أم ضيفتها عند عربة الكبدة في آخر الشارع"
ضحك رامز رغما عنه ثم عاد لتمثيل دوره المتمسكن يقول "لم نهنأ بشيء، فالمعجبات حاصرنني"
قال سيد ساخرًا "وهل المكان الآخر ليس به معجبات"
نظر رامز لوائل الذي تدخل يقول "أنا نصحته بأن يبحث عن مكان أكثر هدوءًا"
عبس سيد وقال "كيف بالضبط!!"
تدخل رامز مصححًا بسرعة ووائل يكتم الضحك "يقصد مكان أكثر فخامة كي أحتفل بعيد ميلادي"
تغيرت ملامح سيد فجأة من الامتعاض للتسلي وقال "اسمع.. أنا وعدت آية أن أدعوها على العشاء أيضًا، ما رأيك أن نسهر أربعتنا"
جاء دور رامز ليقلب مقلتيه وتمتم "نعم!!"
حافظ سيد على نفسه كي لا يضحك وقال "أنا أعرف مطعمًا رائعًا نسهر فيه أنا وآية دومًا، لنحتفل أربعتنا بعيد ميلادك فيه"
لوى رامز شفتيه، ونظر لوائل يستنجد به للتدخل فقال الأخير بلهجة دبلوماسية "يا عم هولاكو أنت بالتأكيد تريد خصوصية مع زوجتك"
قاطعه سيد يقول ببرود "أبدًا أهلًا بهما معنا"
طحن رامز ضروسه بينما قال وائل الذي يعلم بأن صاحبه مستمتع بما يمارسه من سلطة "ومع هذا أنت تحب أن يفرحًا بخروجهما سويا وحدهما"
صمت سيد يتطلع في رامز الذي قال "إنه عيد ميلادي وستكون هدية رائعة منك أن تسمح لنا بالسهر خارج البيت.. وحدنا"
هرش سيد في لحيته وقال "حتى الثانية عشرة.. لا تتأخرا عن الثانية عشرة مساء"
لوى رامز شفتيه ثم قال "حاضر سأعود بسندريلا.. أقصد رحمة في الثانية عشرة.. (ورسم ابتسامة صفراء على شفتيه وأضاف) شكرًا سيد.. لن أنسى هذا حينما أتزوجها وآخذها منك.. سأسمح لها بزيارتك كل ثلاثة شهور مرة"
قالها بلهجة مغيظة وهو يسرع بالابتعاد أمام أنظار سيد المستنكرة فراقبه الأخير وهو يدخل بوابة بيت سماحة بينما قهقه وائل ضاحكًا.
بعد دقيقتين دخل رامز إلى شقته يقول لرحمة في الهاتف "استعدي لسهرة لنا وحدنا بمناسبة عيد ميلادي"
تمتمت بصوتها الناعم "كل عام وأنت بخير"
"كل عام وأنت في حياتي"
قالها رامز مغازلًا فتسارعت دقات قلبها بجنون وتمتمت "متى سنخرج؟ أعتقد أن عيد مولدك بعد أسبوعين"
أجاب معترفًا "نعم، ولكني أريد أن أحتفل به هذه الأيام هل عندك اعتراض؟"
"لا بالطبع"
قال بسعادة "سأتفقد جدول التصوير خلال الأيام القادمة وأخبرك، (وأخرج الخطاب من جيبه يقول) الآن سأقرأ خطابك، فبعد أن أوصلتك للبيت ذهبت لمشوار يخص العمل ولم أعد إلا الآن"
"تمام"
"سأغتسل ثم أقرأه وبعدها سأتصل بك"
بعد قليل كان رامز يتطلع في الرسالة وهو جالس على الأريكة في الصالة ودخان سيجارته يتصاعد من بين أصابعه، ملامحه تتباين بين الثانية والأخرى بين الألم والفرح بينما عيناه يحتلهما العشق احتلالًا.
(( رامز..
بعد أول لقاء حقيقي بيننا دعني أقول:
ليت الذاكرة قادرة على الاحتفاظ بأدق التفاصيل؛ الصورة، الصوت، شذا العطر، لكنة الكلام، اختلاجات الملامح الجاد منها والمنبسط، خشخشة الأوراق، وهدير أنفاسي العالية وهي تلاحق كل هذا وتكتمه.
ليتك تبقى في الذاكرة للأبد، وأنسى كل شيء سواك يا رامز.
اليوم..
قبل قليل..
شعرت بآلامك تتوغل في قلبي كالمسامير، ورأيت استجداء في عينيك متوارٍ خلف قناع المزاح والمشاكسة والتماعًا في مقلتيك لم أفهمه، لكني سعدت بوجوده فقد أشعرني بأن هناك جزءًا لا يزال حيًا فيك.
سأنتظر لقائنا القادم على أحر من الجمر وأقوى من اللهفة.
هذا ما أستطيع البوح به حاليًا تعبيرًا عن اللحظات الاستثنائية التي عشتها في حضورك))
وضع رامز الرسالة وقد أصابته بالرجفة ككل رسالة جديدة منها، وكأن كلماتها تهزه هزًا كي يشعر بأنه حي.
××××
"زوج أستاذتك؟!"
قالتها منال باندهاش فسألتها لُچَيْن وهي تقف في غرفة أمها "هل كنت تعرفين؟"
ردت أمها "وهل كنت أعرفها يا لُچَيْن كي أعرفه، لم أسمع عنها إلا من حكاياتك"
صاحت لُچَيْن تسألها "ألم تقولي بأنك سبق وأن حضرت بعض حفلات زفاف عائلتهم!"
ردت أمها موضحة "أخبرتك بأني أتذكر إخوته الكبار أما هو فلا أذكره ولم أعرف من تكون زوجته"
وقفت لُچَيْن تتطلع فيها لثوان تشعر بالحيرة ثم وضعت كفها على فمها وانهارت بالبكاء وهي تشعر بالعجز التام يلم بها لتقول منال "لماذا تبكين يا لُچَيْن ولماذا تشاجرتما؟"
بمَ تخبرها؟
هل ما يحدث يمكن أن يصدقه عقل؟
تسجيلاتها الصوتية قبل عشر سنوات تصل إلى يده بعد سبع سنوات ويسوقه القدر إليها بهذا الشكل لتجد نفسها زوجة زوج أستاذتها وصديقتها!
"لُچَيْن ما بك؟"
قالتها أمها باندهاش تحاول فهم حالة ابنتها فردت الأخيرة وهي تمسح دموعها "تشاجرنا لأنه لم يخبرني بهوية زوجته الأولى رغم أنه كان يعرف بأنه كان بيني وبينها صلة"
عبست منال تسأل "وكيف كان يعرف؟"
راوغتها لُچَيْن في الإجابة تقول "المهم أنه كان يعرف ولم يخبرني"
"أين المشكلة؟"
قالتها منال باندهاش أصاب لُچَيْن بالثورة والغضب فهتفت "المشكلة أني لا أقبل بذلك، ولا أتصور نفسي زوجة لزوج صديقتي وأستاذتي"
هتفت منال "لقد ماتت المرأة لُچَيْن.. ماتت منذ عشر سنوات.. هل كنت تطلبين منه أن يعيش بلا أسرة أو زوجة أكثر من عشر سنوات!.. ما فعله لا يفعله أغلب الرجال"
قالت بلهجة يخنقها البكاء "يتزوج من غيري، لماذا أنا؟ لماذا أتزوج من زوج امرأة أعرفها، هذا أمر يصعب عليّ تحمله"
أخذت أمها تتطلع فيها بذهول وتمتمت "أمرك غريب والله"
ثارت لُچَيْن "أمري غريب! أنا أمري غريب! وما يحدث معي ليس بغريب (وأكملت باكية) إن ما يحدث معي مرعب وصادم"
زفرت أمها بحيرة ثم قالت بهدوء "استهدي بالله يا حبيبتي.. ربما هي المفاجأة ولأنك كنت تحبينها"
غمغمت الأخرى باكية وهي تترك غرفة والدتها "لن يفهمني أحد"
×××××
أخذ عبد الله يتطلع في صقر الجالس أمامه على المقعد، يضم ساقيه ويستند بمرفقيه على فخذيه يحرك ميدالية المفاتيح بهدوء يدعو للقلق، فنفض عنه الدهشة وتمتم "حكاية غريبة يا صقر"
لم يرد الأخير، بل ظل يحرك المفاتيح بين أصابعه يداري شعور بالارتباك بداخله، فردة فعل لُچَيْن أسوأ مما تصور أن تكون ليقول عبد الله "سبحان الله، لم تكن صدفة أبدًا، هذا تدبير قدري محكم"
رفع إليه صقر أنظاره وتمتم بحشرجة "هذا ما أخبرت به نفسي.. لهذا لم أتردد لحظة في أن أعرض عليها الزواج.. وسبحان من يؤلف القلوب ويزرع فيها المحبة يا أبا فراس"
تمتم عبد الله مفكرًا "لكن يبدو أن الصدمة كانت كبيرة عليها"
"لم أكن أتوقع أن تعلقها بالمرحومة إلى هذا الحد الذي يجعلها بهذه الصدمة"
قال عبد الله مطمئنًا "امنحها بعض الوقت يا صقر"
غمغم بارتباك "أشعر بالقلق عليها.. حتى أنني غير قادر على الذهاب لأشغالي وأجلت كل شيء"
دخل آدم مقتحمًا المكان يقول لصقر وهو ينهت "الجدة منال تناديك"
استقام صقر واقفًا وهو يتبادل النظرات القلقة مع عبد الله قبل أن يندفع للخروج إلى ساحة البيت ثم يصعد مهرولًا للطابق العلوي.
دخل البيت يتطلع في منال التي تقف على باب غرفة نومهما والتي تحركت نحوه لتقابله في الممر وهي تقول "حلفتك بالله أن تكون صبورًا معها إنها ليست في وعيها"
لم يفهم صقر شيئًا، لكنه اندفع ليدخل غرفة نومه ليجد لُچَيْن تخرج ملابسها من الخزانة بشكل عشوائي وتلقي بها في حقيبة سفر فوق السرير فسألها بذهول "ماذا تفعلين؟"
تحركت منال تسحب نوح الذي يتطلع فيما يحدث بصدمة وعدم استيعاب وكذلك آدم الذي يرتجف من التوتر وتمتمت "تعاليا معي (ثم همهمت بالدعاء) استرها يا رب.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"
"لُچَيْن أنا أتحدث معك"
العبارة انتفضت لها منال بالخارج والصبيان بينما المعنية كان ذهولها وصدمتها أكبر من استيعابها للأمور بشكل متزن فتوقفت عما تفعل ثم قالت بإصرار "لابد أن نترك هذا البيت أنا ونوح وأمي.. لن نبقى هنا ساعة واحدة"
قال بلهجة حازمة "لُچَيْن أفيقي لماذا كل هذا؟"
هتفت باستنكار "لا تعرف لماذا؟ لا تعرف؟؟ لأنك كاذب.. كاذب ومخادع.. أنت كاذب ومخادع يا ياسين"
أغمض عينيه يستعيد هدوءه ثم فتحهما وتحرك نحوها يقول "اهدئي"
صرخت وهي تبتعد عنه "اتركني.. لا تلمسني.. ما حدث كان خطأ.. خطأ ولابد من إصلاحه فورًا"
قال بذهول وهو يراها تكور الملابس وتحشرها في الحقيبة "ماذا تفعلين يا مجنونة!"
تمتمت بعزم "سأترك هذا البيت؟"
هدر بلهجة خطرة "ومن سيسمح لك؟"
استدارت إليه تقول صارخة "طلقني، طلقني يا صقر"
شحب وجهه لحالتها السيئة، فبكت لُچَيْن مضيفة وهي تتطلع فيه والألم يطل عليه من عينيها "طلقتي أيها الغشاش الكاذب.. أنا أكرهك"
تمازج الألم مع الشعور بالإهانة في صدره فقال بوجه مظلم "أنا مقدر لما تشعرين به لهذا سأتركك حتى تهدئي"
قالها وتحرك يخرج من الغرفة ويصفع بابها خلفه ثم يغلقه من الخارج فتحركت لُچَيْن إلى السرير وألقت بنفسها عليه باكية.
××××
شهق مروان بقوة ثم فتح عينيه على اتساعها وتحركت مقلتاه لثوان في سقف الغرفة باضطراب قبل أن يتلفت إلى يساره ويتطلع في وجه سيلا النائم ويتنفس بعمق، ثم نظم أنفاسه وهو يحاول التأكيد لنفسه بأنه قد استيقظ بالفعل وخرج من ذلك الكابوس.
اعتدل وأنزل قدميه من السرير يجلس على طرفه مستندًا بمرفقيه على فخذيه ثم فرك رأسه بأصابعه ليشعر بنفسه أنه على قيد الحياة.
لا تزال الكوابيس تزوره كل ليلة، ولا تزال رفيقة الأحلام تنتحب وتؤلمه وتلومه في كل زيارة لها، هذا بخلاف الوجوه التي يراها في أحلامه وأحداث لا يعرف إن كانت قد حدثت أم أنه يدمج هؤلاء الأشخاص الذي لا يعرف من يكونون في مواقف لم تحدث.
فتحت سيلا عينيها وتطلعت في ظهره العاري المشوه الذي يوليه لها بعد أن أيقظتها حركته بجانبها، إنها على هذا الحال كل ليلة فباتت حساسة جدًا لتحركاته ليلًا، فرغم أن أرقه الذي كان يعاني منه قد خف منذ أن انتقل للنوم بجوارها إلا أن كوابيسه في حالة عرض مستمر، وأحيانًا تستيقظ على همهماته المعذبة وتقوم بإيقاظه، وأحيانا أخرى يستيقظ وحده ويترك السرير كي ينتحي بنفسه في الغرفة الأخرى ويرسم الأخرى، ذلك الفعل الذي يذبح سيلا كل ليلة ويشعرها بأنه يخونها مع امرأة ثانية، لكنها مكبلة ولا تعرف كيف تتصرف خاصة وأنها تغار من طيف غير معلوم الهوية، لهذا لا تعرف كيف تتصرف مع هذا الوضع الغريب؟ وكيف تجد من القوة لتحمل حقيقة أن هناك من يفكر فيها غيرها.
مدت كفها وحركت أصابعها على ندوب ظهره فانتبه مروان وتمتم بخفوت دون أن يستدير إليها "هل أيقظتك؟"
همست "لا"
هم بترك السرير فقالت برجاء هامس "مروان لا تبتعد ولا تتركني الليلة"
تردد قليلًا يقاوم ذلك الالحاح في رأسه للاختلاء بنفسه كي يمارس إدمانه في رسم صورة الأخرى، ثم استدار لينظر لسيلا من فوق كتفه قائلًا "حاضر"
عاد لينظر أمامه شاردًا فتحركت سيلا من تحت الغطاء واعتدلت جالسة وهي لا تزال تمسد بكفها على ظهره وسألته " مروان.. ماذا لو ظهرت زائرة أحلامك فجأة من ستختار بيننا؟"
كان صوتها يتحشرج بالألم فاستدار مروان ليتطلع إليها وهاله ذلك العذاب في عينيها، لم يصدق أن سيلا الصواف هي من تتطلع إليه بذلك الضعف فهمس "سيلا"
قالت بإلحاح معذب "أنا أريد أن أعرف الإجابة منك.. تخيل أنها ظهرت في حياتك الآن"
تمتم باستنكار "وهل ستنتظرني بعد كل هذه السنوات!"
قالت مجادلة "ماذا لو كانت تنتظرك؟"
شرد بعينيه لثوان ثم عاد ليجيبها "سأخبرها بأني رجل متزوج وأعتذر لها على سنوات الانتظار بلا فائدة"
لم يشعرها الرد بالأمان فقالت "لكنها قطعت من عمرها سنين في انتظارك"
"أعلم وسأشعر بالاستياء من أجلها لكن كان هذا خارجًا عن إرادتي"
سألته مفصحة عن بعض من الأسئلة التي تحرق أعصابها "ماذا لو كانت زوجتك بالفعل ولا تزال في انتظارك ماذا ستفعل؟"
تحركت عيناه في حيرة وتمتم "في هذه الحالة سأخبرها بوضعي وبأني بالفعل متزوج ولا أذكر شيئًا عنها"
"ثم؟"
"أمم لا يوجد حل إلا أن أخيرها إما أن أطلقها أو تستمر معي"
هتفت باستنكار شديد "وتكون زوجنا نحن الاثنتين! ستأتيني بضرة يا مروان!!"
قال بارتباك "الوضع مربك سيلا ومعقد، وأنت تصعبين عليّ الموضوع بأسئلتك، فلو الأمر كما وصفتيه؛ امرأة لم تتزوج بعدي ولا تزال على ذمتي ماذا سأفعل؟ أطلقها بمجرد أن أقابلها لأني متزوج من أخرى وأحبها؟ أمر غير إنساني"
"فتجمع بيننا.. بين زوجتين!!"
"إن قبلت هي بالأمر"
اتسعت عيناها وهتفت باعتراض "أنا لا أوافق على هذا"
قال بامتعاض "هل لديك حل آخر؟ إنسانة انتظرت كل هذا.. ماذا أفعل معها في رأيك؟"
تطلعت فيه وتطاير الشرر من مقلتيها وهي تقول بلهجة متوعدة "افعلها يا مروان.. فكر للحظة في أن تأتيني بضرة.. سأقتلك.. وأقتل نفسي"
ارتسمت الابتسامة على شفتيه وتبخرت الكآبة بدفء المشاعر فتحركت عيناه عليها من رأسها حتى خصرها وهي بتلك الغلالة الحريرية بلون عسلي؛ بلوزة ذات حمالات رفيعة تكشف عن مقدمة جذعها بكرم بالغ وشديد الإغراء، وشورت قصير يختبئ تحت الغطاء لتستدرك سيلًا قائلة بلهجة خطرة "ولماذا نموت نحن وهي تعيش؟! سأقتلها كي نتخلص منها إلى الأبد"
ضحك يقول بمناغشة "سيشنقونك يا مجنونة"
تمتمت وهي ترفع ذقنها بكبرياء "لا، فهذا دفاع شرعي عن القلب"
قهقه ضاحكًا فضربته في صدره العاري قائلة "لا تضحك"
توجع مروان ومال كي يطبع قبلة على رقبتها المغرية فأبعدته قائلة باستنكار "تريد أن تتزوج عليّ وتقولها بكل صراحة!!"
تمتم ضاحكًا وعيناه تومضان بالمشاغبة "أنت قلت في حالة لو كنت متزوجًا وتلك الزوجة لا تزال تنتظرني.. (وهمس يغيظها) أي أنك من تزوجتك عليها"
هتفت تقول "لا أنا فقط زوجتك"
قال متنهدًا "حيرتني معك"
أكدت سيلا بلهجة خطرة "أنا فقط زوجتك وأي امرأة تظهر من ماضيك سأقتلك قبل أن تقترب منها"
تمتم بلهجة متسلية ويده تتصرف بشقاوة على قدها "أعتقد بأن بيننا اتفاق قديم بأنكِ لا تمانعين التعدد أليس كذلك"
امتقع وجهها، فتوقف عما يفعل يتطلع في عينيها ويكتم الضحك وهو يراقب ملامحها العابسة وهي تفكر فيما قالته من قبل ليضيف مروان وهو يغمز "كان اتفاقًا بيننا وأنت بالتأكيد تحافظين على وعودك"
ضربته في صدره فتوجع ضاحكًا، فضربته مرة أخرى وثالثة حتى أمسك بمعصميها يقول "توقفي يا مخبولة"
التمعت الدموع في عينيها وهي تتطلع فيه بنظرات مجروحة، فترك معصميها وهو يقول بهدوء "أنا لا أعرف كيف سأتصرف في وضع معقد كالذي وصفته.. كل ما أنا أكيد منه أنك حبيبتي وزوجتي وكوكبي يا سيلا ولا يمكنني الاستغناء عنك"
لفت ذراعيها حول رقبته وتعلقت به تحضنه وهي تقول بلهجة باكية "وأنا لن أسمح لأخرى بأن تقترب منك.. هل فهمت يا مروان؟ أنت لي، ملكي أنا، زوجي وحبيبي وابني.. أي أنني أغار عليك ثلاثة أضعاف"
التمعت عيناه بالدموع متأثرًا بمشاعرها الفياضة، فمن كان يظن أن سيلا من الممكن أن تعبر عن مشاعرها بهذا التدفق وبتلك الصراحة والحميمية، ومن كان يصدق أن تختصه هو بكل هذه المشاعر المميزة كتميز صاحبتها.
شدد من احتضانها وهو يقول بمشاغبة كي يقلل من وخز الألم في صدره "هؤلاء ثلاثة إذن هناك فرصة لواحدة رابعة"
تمتمت باستفهام "ماذا تقصد؟!"
ابتعد عنها يتطلع في وجهها قائلًا بشقاوة "قلتِ أني زوجك وحبيبك وابنك وأنك تغارين ثلاثة أضعاف يبقى إذن مكان لرابعة كي تغارين أربعة أضعاف"
لم تكن في مزاج يسمح بالمزاح، كانت هشة، حساسة المشاعر، تقف حائرة بين ما تشعر به وما يكبلها، بين القلب والعقل، بين جنون المشاعر ورزانة التفكير، بين غيرتها من امرأة مجهولة، وشعورها بالذنب تجاه اختها، وحيرتها في التصرف مع مروان.
سقطت دموعها وتعلقت برقبته وهي تقترب وتقبل شفتيه فتجاوب مروان معها بكل ترحيب لما تمنحه له من مشاعر ثم مال بها يرقد بجوارها واستمر في تقبيلها واستمرت أيضًا دموعها في الانهمار، قبل أن يطلق سراح شفتيها فتمتمت وهو يقبل خيط الدموع فوق وجنتيها "أنت ملكي، ملكي أنا ولن أسمح لأي امرأة بالاقتراب منك"
××××
العاصمة
قبيل الفجر
وقفت رحمة في الشرفة تتطلع في رامز الذي خرج من بيت سماحة وتحرك نحو السبت الذي طلب منها إنزاله، ثم أخرج من جيبه الظرف ووضعه لها فيه قبل أن ترفعه إليها ثم تتصل به قائلة " هيا لتنام بالتأكيد أنت مرهق"
قطع الشارع الساكن يقول بهمس في الهاتف "لماذا لا تتسللين من البيت وتأتين لزياتي في الشقة؟ أعدك أن أكون مؤدبًا"
غمغمت في حياء "رامز!"
قال وهو يصعد على السلم " صدقيني سأكون مؤدبًا معك.. سأحضنك فقط، أحلم بأن أحضنك يا رحمة"
غطت عينيها بكفها وقد اشتعل وجهها لكلماته فانعقد لسانها ليقول رامز وهو يغلق باب الشقة خلفه "سأظل أحلم بتلك اللحظة حتى تتحقق"
قالت بخفوت " عليك أن تنام حتى تركز في التصوير لقد سهرت بما فيه الكفاية"
استلقى على الأريكة يتمتم "أنت السبب وخطابك المؤثر الذي دفعني لكي أرد عليه كتابة"
ابتسمت ثم قالت "اذهب فأنا على موعد مع خطابك"
قال بإنهاك وقد أتعبه السهر "تمام.. تصبحين على صباحات كثير بيننا يا رحمة"
أغلقت الخط وأسرعت بفتح الظرف الذي صنعته بنفسها، فهو يعيد لها الظرف برسالته دومًا، وهرولت نحو غرفتها لتغلقها وتجلس على سريرها وتقرأ:
زوجتي الحبيبة رحمة:
في كل مرة أقرأ عن مشاعرك أستعيد الشعور بآدميتي، فكلماتك التي تقطر براءة وعشقًا غير مشروط تعيد لي بعضًا من ملامح شخص ضاع مني.. هو أنا.
لذا دعيني يا آنستي أحكي لك عن ذلك اليوم بالتحديد يوم أن درست لك أول حصة.
أتعلمين؟ لقد خفق قلبي وتعرقت حينما أخبرني أخوك أنك من تحتاجين للدرس، خفق قلبي خفقة خوف وأنا مقدم على تلك الخطوة، لكن فضولي كان أقوى مني، وتلك الأسئلة بداخلي عن شعوري نحوك كانت تدفعني للقبول. فدخلت البيت وكل حواسي تشعر بك، حتى أنني خفت من أن يظهر عليّ اضطرابي، ومن الدقائق الأولى بيننا، علمت بحجم الورطة التي أوقعت نفسي فيها، فقد كنت لا أزال في مزاجي الكئيب، وكنت خائفًا من الاقتراب منك أو من أي شخص. أشعر بأني كالمسخ الذي يخشى من أن يؤذي كائنًا رقيقًا ليس بمخالبه فقط وإنما بملامحه المخيفة أيضًا. لكنك كنت هناك في انتظاري عند طرف الطاولة تتعثرين في خجلك، وتمدين إليّ يدك الرقيقة كي اقترب، اشفقتُ عليك لارتباكك، وأردت لحظتها أن أضمك إلى صدري كي لا تتوترين.
جمالك، خطك المدهش، جفناك الرقيقان المسبلان على الدوام، طرف المفرش الذي كاد أن يتمزق بين أصابعك، عيناك وهما تشرقان علي في لحظة جرأة منك، ابتسامتك الشقية التي يخفيها حيائك. خصرك النحيف، وحاجباك بلونهما الذي أثار التساؤلات في رأسي عن لون شعرك، عطرك الرقيق، ونظرة الارتباك في عينك حينما تخطئين في حل المسائل، يداك الجميلتان، هل أخبرتك من قبل أن يديك جميلتان؟ حتى أنني احتفظ بصورة لهما على هاتفي؟
كل هذه الأشياء يا رحمة وأكثر أخزنها في ذاكرتي، كانت زادي في ليال موحشة كثيرة كنت أنوي أن أعيشها بدونك، وحمدًا لله أنني لم أفعل.
أول لقاء لن ينمحي من ذاكرتينا يا رحمة، فذاكرة القلب أقوى من ذاكرة الرأس.
هذا خطاب سريع لم أستطع أن أنام قبل أن أخطه لك لمعرفتي بافتتانك بخط يدي لهذا لم أحرمك منه قبل أن تنامي.
تصبحين على أيام كثيرة فيها من التفاصيل الحلوة مما سنحمله في ذاكرة قلبينا.
زوجك المحب: رامز
××××
المدينة الأجنبية
العاشرة مساء بالتوقيت المحلي
توجهت ليزا ناحية الطاولة متجاهلة تحديق تامر المستمر فيها منذ أن دخل المطعم تتعلق فتاة في ذراعه، فتلقت طلب الزبون ولمست الجهاز اللوحي في يدها تعطي أوامرها للمطبخ، ثم تحركت تمر بجوار طاولة تامر الذي تمتم بالعربية وهو يلف ذراعه حول رقبة رفيقته وكأنه يغيط ليزا "كيف حالك ليزا؟ سمعت بأن الطبيب قد هجرك"
تمتمت الأخيرة بثبات "أنا بخير تامر، وما يحدث معي ليس من شأنك لهذا لا تتدخل في أموري الشخصية من فضلك"
تطلع فيها من رأسها حتى أخمص قدميها مرورًا بالمريلة الخاصة بالنادلات التي ترتديها وتمتم ساخرًا "بعض الناس يتصرفون بغباء ويفرطون في فرص كانت ستغير حياتهم للأبد"
ناظرته ليزا بضيق ثم تحركت مبتعدة، بينما قالت ظاظا من جلستها خلف مكتبها أول المطعم "هل هناك شيء تامر نستطيع أن نساعدك فيه؟"
تمتم الأخير بضجر وهو يستقيم واقفًا ويمسك بمعصم رفيقته "لا شيء ظاظا أنا ذاهب فجلستكم أصبحت تفسد المزاج"
راقبته ظاظا وهو يسحب الفتاة التي تظهر اندهاشًا على ملامحها بسبب سماعها للحوار باللغة العربية دون أن تفهمه حتى وصل لباب المطعم الزجاجي يسحبه فتمتمت الأولى بلهجة ساخرة "آسفون على تعكير مزاجك"
بعد دقائق رن هاتف ليزا فأخرجته من جيب المريلة لتجده ريان فأسرعت بالرد بابتسامة واسعة "كيف حالك؟"
"مشتاقٌ وعندي لوعةٌ"
قالها بالعربية الفصحى فتمتمت "لم أفهم"
تكلم بالإنجليزية "اشتقت إليك لز"
همت بالاندفاع لسؤاله إن كان سيحضر في الغد فهو نهاية الأسبوع لكنها تراجعت كي لا تضغط عليه فجاءها صوته يقول باستنكار "وأنت ألم تشتاقي ليّ!"
ردت بابتسامة متألمة "أنا أشتاق إليك في كل وقت ريان"
قال بلهجة مرحة "افتحي الباب إذن وانتظريني فأنا قادم"
اعتدلت في وقفتها وسألته باندهاش "ماذا تعني؟"
"أعني أني اقتربت من الوصول إليك"
صاحت بفرح فتطلع المتواجدون فيها وهي تقول "هل أنت هنا في المدينة؟"
رد ريان مؤكدًا "أقل من ربع ساعة أصل إليك لز"
"أنا في انتظارك.. في انتظارك"
قالتها وأغلقت الخط ثم خلعت المريلة وأعطتها لمارثا وأسرعت تقطع صالة المطعم بحماس، فناظرتها ظاظا باندهاش لتقول ليزا "ريان قادم الليلة.. قادم"
قالتها وسحبت باب المطعم لتخرج مهرولة نحو منزلها كي تستعد لاستقباله.
بعد أقل من ربع ساعة كانت تقف خارج سور الحديقة وكأنها تقرب المسافات بينهما فراقبها ريان وهو يقترب بالسيارة ولم ينزل أنظاره من عليها لعله يطفئ نار الشوق في قلبه، لقد قرر السفر الليلة والمبيت في شقته بدلا من أن يسافر في الصباح، فلم يتحمل قضاء المزيد من الساعات بعيدًا عنها، أتاها وقلبه وشوقه يسبقانه.
ركن السيارة وتأمل ابتسامتها وهي تقف في استقباله كطفلة تنتظر عودة والدها، كانت ترتدي ملابس رياضية مريحة، وتعقص شعرها للخلف فاتسعت ابتسامته مع ازدياد البهجة في قلبه وترجل من السيارة.
تأملها وتأملته، ومن الشوق صار رسول بينهما، فتعثرت الكلمات على الشفاه لثوان، وارتبكت النظرات وازدادت حرارة الخلايا، فمن كان يصدق أن بضعة أيام قليلة تشعرهما بذلك، تمتم ريان بمرح متجاهلًا ما تلح عليه به نفسه "كيف حالك مس لز.. لقد فضلت أن أحضر من الليلة بدلًا من أن آتيك في الصباح وأعود في المساء.. قلت، فلنجعلها ليلة ويوم (ووقف أمامها يهمس بحرارة وعيناه الواسعتان تشتعلان بالعاطفة) اشتقت إليك"
صوته الرجولي، وحضوره الخاص يجعلان للمكان شعورًا خاصًا فلم تستطع ليزا التماسك وألقت بنفسها عليه تلف ذراعيها حول عنقه تحضنه بقوة فتفاجأ ريان وتمتم وهو يضع كفيه على ظهرها "أوبااااا"
ذاب قلبه مع مقاومته وهي في حضنه فأخذ يمسد على ظهرها بتحفظ هو منجاته مما يجيش في صدره من مشاعر لو أطلق لها العنان ستتسبب في كارثة، لكن ذراعاه خانتاه بعد برهة وضمها إليه مغمضًا عينيه بقوة وهو يسحب عطرها الجميل إلى صدره قبل أن يعود للتشبث بتحفظه فيرخي ذراعيها عنها.
ابتعدت ليزا عنه، وقد وعت لما فعلته فتحركت خطوة للخلف ترفع بعض الخصلات التي أفلتت من ربطة شعرها إلى خلف أذنها وهي تتمتم بحرج بالغٍ"لا تؤاخذني فلم أستطع تحمل المفاجأة"
تمتم بحشرجة يحاول تلجيم مشاعره التي انفرطت "أنا أيضًا اشتقت إليك لز شوقًا يفوق الوصف"
تغضنت ملامحها بالعاطفة، وتبللت عيناها بالدموع ليقول ريان بلهجة حاول أن تكون مرحة كي يغطي على ارتباكهما ولهفتهما لحضن آخر، حضن طويل حار جدًا بالمشاعر "ما رأيك أن نخرج في نزهة بالسيارة.. فبقائنا وحدنا مع هذه المشاعر المشتعلة سيقودنا للجنون"
ابتسمت تقول "أوكيه سأذهب لأبدل ملابسي"
قال ريان وهو يتحرك نحو المطعم "وأنا سأسلم على ظاظا ثم أعود إليك"
أسرعت تركض إلى الداخل وهي تطير فوق أطراف أصابعها، سعيدة برؤيته، وسعيدة بذلك الحضن السريع، ليتها تستطع أن تفعلها ثانية فلم تشبع منه ولم تطفئ شيئًا من لظى الشوق بداخلها.
في المطعم وقف ريان بعد دقائق يناكف في ظاظا التي سألته "وكيف حال بچاد؟"
تمتم بامتعاض "فوق رأسي كل يوم.. لا أستطيع التخلص منه"
ابتسمت ظاظا فقالت مارثا بلهجة ذات مغزى "لهذا السبب جرت ليزا عائدة للبيت.. الفتاة كادت أن تطير حينما تلقت اتصالك"
ابتسم ريان وفهم لما تلمح له مارثا، لتضيف الأخيرة قائلة لظاظا "هل رأيتها كيف خلعت المريلة وألقتها إليّ.. كادت أن ترميها في وجهي أقسم لك.. لكني أعذرها"
تمتم ريان متسائلًا "ولماذا كانت ترتدي المريلة؟"
أجابت ظاظا "لأنها تعمل هذه الأيام هنا في المطعم، قالت لي لا تحب البقاء وحدها دون عمل فذلك سيزيد من كآبتها"
"دون عمل!!"
قالها ريان وقد عبست ملامحه المنبسطة وتحركت عيناه الواسعتين بينها وبين مارثا باستفهام فردت ظاظا "نعم.. إنها في عطلة.. ألم تكن تعرف"
تجمد ريان لعدة ثوان قبل أن توضح ظاظا "هذه الأيام عطلة رسمية في المدينة يا ريان هل نسيت!"
بلع الأخير ريقه وهز رأسها بلا معنى وهو يتحرك خطوتين للخلف ويخرج الهاتف من جيبه ثم اتصل بليزا التي أجابته وهي تنهت من الانفعال "نعم ريان"
"هل أنت في عطلة من العمل"
"نعم"
سألها عابسًا "منذ متى؟"
"منذ يومين"
اتسعت عيناه يقول بصدمة "لماذا لم تخبريني ليزا؟"
احمرت وجنتاها وارتبكت تقول "توقعت بأنك قد نسيت أمر العطلة الرسمية ولم أرغب في أن تحمل همي أردت أن تستمتع مع عائلتك"
"كنت أخبرتني ليزا.. أنا ما يمنعني عنك هو عملك"
تمتمت "الحقيقة أني لن أعود بعد انتهاء العطلة مباشرة.. هناك عدة أيام أخرى لن أداوم فيها فالفتيات لديهن امتحان بعد العطلة وبعده سنستأنف التدريبات"
أشار لظاظا بأنه ذاهب وخرج من باب المطعم يفكر قبل أن يقول "أنا قادم ليزا"
أغلق الخط وأسرع الخطى وفكرة معينة تسيطر على رأسه وسرعان ما كان يفتح بوابة الحديقة ويدخل ليجدها في استقباله بذلك الفستان الصيفي الذي يحبه وقد أسدلت شعرها متوسط الطول حول كتفيها.
وقفت ليزا تشبك أصابعها أمام حجرها ليدنو منها ريان يقول وعلامات الجدية على وجهه "ما دمت في عطلة من العمل.. ما رأيك أن تحضري حقيبة سفرك وتأتي معي؟"
هتفت بمفاجأة "آتي معك أين؟"
"إلى العاصمة، تعالي معي إلى العاصمة لز.. ما رأيك؟"
×××××
العاصمة
قبيل الفجر
كان يجلس بين النوم واليقظة وقد تكالبت عليه الهموم والذكريات، يشعر بأنه قد عاد لعتمه من جديد وانطفأت الشمعة التي كانت تمنحه قليلا من النور.
لماذا صدمت إلى هذا الحد؟ صحيح كان متوقعًا أن تتفاجأ ولهذا فضل ألا يعقد حياتهما بالماضي، لكنه لم يتوقع أن يكون رد فعلها بهذا التطرف.
توقف قرآن الفجر الذي يملأ الغرفة التي يستلقي فيها في الطابق الأرضي، وعلا صوت الابتهالات من المسجد الملاصق فغطي على صوت مشاعره وانفعالاته وهم صقر بأن ينهض كي يتوضأ ويصلي الفجر وهو يهدئ نفسه بأنها ستكون قد هدأت وفكرت بتروٍ حينما يأتي الصباح.
من وسط أصوات الابتهالات العالي ميز صوت نداء عالً يأتي من الخارج في الوقت الذي رن هاتفه ليجدها حماته فقفز مسرعًا يخرج من الغرفة ويقطع الممر الطويل حتى وصل للصالة وهو يجيب "نعم يا حاجة منال"
أتاه صوت الأخيرة متحشرجًا ولم يفهم شيئًا من صوت الميكروفون فأسرع مهرولًا يخرج إلى ساحة البيت ثم رفع رأسه ليجد منال تنزل السلم ببطء وتكاد أن تتعثر وهي تقول بانفعال أصابها بضيق في التنفس "لُچَيْن.. لُچَيْن يا أبا فخر"
شحب وجهه لتضيف منال " ليست بالبيت بحثت عنها في كل مكان"
نهاية الفصل التاسع والعشرين
شموسة


Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 03-09-22, 12:35 AM   #1759

اهات منسية

? العضوٌ??? » 377814
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 432
?  نُقآطِيْ » اهات منسية is on a distinguished road
افتراضي

فصل روعة واخيرا وبعد طول تفكير عرفنا سر ياسين ولجين فعلا احساس مربك عليها رحمة ورامز قمرات فعلا وليزا وريان حاسة فى مكلة قادمة فى الوضوع مشكورين على المجهود

اهات منسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-22, 12:37 AM   #1760

Lolym

? العضوٌ??? » 455537
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » Lolym is on a distinguished road
افتراضي

الف شكر على تعبك وتسلم ايدك على الفصل الرائع❤️❤️

Lolym غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.