آخر 10 مشاركات
Wed for the Spaniard's Redemption by Chantelle Shaw (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الخلاص من الأحزان (13) للكاتبة المميزة: ولقد أنقدني روميو **كامـلهــ** (الكاتـب : ولقد انقدني روميو - )           »          عادوا عاشقّين-حصرياً -قلوب شرقية-للمبدعة(مروى شيحه)*مميزة*كاملة & الروابط* (الكاتـب : مروى شيحه - )           »          زبيدتي (54) -ج1 من متاهات القلوب-للرائعة: حكايا شهرزاد [مميزة][معدلة] *كاملة* (الكاتـب : Layla Ahmed - )           »          حسناء بين نيران حب وانتقام (57) -شرقية- للكاتبة الرائعة: رغد الوزان1 *مميزة & كاملة* (الكاتـب : رغد الوزان - )           »          وشاح من دخان-قلوب شرقية(79)-حصرياً- للكاتبة:داليا الكومي{مميزة}-(مكتملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          المساعدة (الكاتـب : سلطان ملاك - )           »          في بلاط الماركيز(71)-غربية-للكاتبة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[حصرياً]كاملة بالرابط -مميز (الكاتـب : منى لطفي - )           »          حب في الباهاماس (5) للكاتبة: Michele Dunaway *كاملة+روابط* (الكاتـب : أميرة الحب - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree11394Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-11-22, 08:33 PM   #2251

زينة الدنيا

? العضوٌ??? » 426714
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 546
?  مُ?إني » مصر
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زينة الدنيا is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
لا اله الا الله محمد رسول الله
افتراضي


في الانتظار من الآن شكرا شموسه

زينة الدنيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-22, 09:05 PM   #2252

ام نود وريم

? العضوٌ??? » 487590
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » ام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond reputeام نود وريم has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم بانتظار الفصل الجديد بفارغ الصبر يا شموسه استعجلي علينا 😁😁

ام نود وريم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-22, 09:26 PM   #2253

ام جواد
 
الصورة الرمزية ام جواد

? العضوٌ??? » 443659
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 778
?  نُقآطِيْ » ام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond reputeام جواد has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل حضور في انتظارك يا قلبي ❤️

ام جواد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-22, 09:52 PM   #2254

زينة الدنيا

? العضوٌ??? » 426714
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 546
?  مُ?إني » مصر
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زينة الدنيا is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
لا اله الا الله محمد رسول الله
افتراضي

الفصل هينزل الساعه كام النهارده

زينة الدنيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-22, 10:35 PM   #2255

رهام الشاعر

? العضوٌ??? » 494905
?  التسِجيلٌ » Nov 2021
? مشَارَ?اتْي » 25
?  نُقآطِيْ » رهام الشاعر is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور بأنتظار الفصل ❤️❤️❤️

رهام الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-22, 10:48 PM   #2256

ساءر في ربى الزمن
 
الصورة الرمزية ساءر في ربى الزمن

? العضوٌ??? » 354980
?  التسِجيلٌ » Oct 2015
? مشَارَ?اتْي » 546
?  نُقآطِيْ » ساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond reputeساءر في ربى الزمن has a reputation beyond repute
افتراضي

في الانتظار😀😀🙂😀🙂🙂😀😀🙂😀🙂😀😀😀

ساءر في ربى الزمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-22, 10:58 PM   #2257

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس والثلاثون



بعد قليل

تابعت لُچَيْن صقر وهو يدخل مع مروان للبيت بعدما نبه لدخولهما فوقفت على باب المطبخ تتابع بفضول ذلك العائد من الموت والذي يحمل تلك المكانة في قلب زوجها، ولم يفتها انبساط ملامح صقر وهو يصحبه كي يغسل يديه فوقفت في حيرة تفكر إن كان عليها أن تبادر بتحيته أم تنتظر أن تأتي فرصة.

كم تشعر بالوحدة!

شعور هاجمها بقوة حينما ازدحم البيت وكل من الحاضرين معه رفيقه فوقفت تفكر فيه حتى فاجأها صقر حينما ناداها "أم نوح"

نظرت إليه ليشير لها بالاقتراب وهو يقول لمروان "هذه لُچَيْن زوجتي"

ابتسم لها الأخير متمتمًا بتحية، فقالت لُچَيْن بلباقة "أنرت البيت يا باشمهندس فراس.. إن لك مكانة كبيرة في قلب أبي فخر"

نظر إليها صقر متفاجئًا بينما أجابها مروان "النور نوركم (ونظر لصقر مضيفًا) إذن الصبيان اللذان مرا قبل قليل وصعدا للطابق العلوي ولداك"

تابعت لُچَيْن ملامح صقر الذي بلع ريقه وابتسم يجيب "نعم في مقام أولادي (وربت على عضده مضيفًا) هيا لنعد إليهم بالخارج (ثم سأل لُچَيْن) لماذا صعد الوالدان لأعلى دون أن يحييا الضيوف؟"

تمتمت "كانا يلعبان الكرة وملابسهما متسخة فطلبت منهما الاغتسال أولًا"

هز رأسه ولم يعقب، بل خرج ومعه مروان بينما تساءلت لُچَيْن في سرها: أمن الممكن أن يحكي له قصته معها؟ وإن فعل أية التفاصيل سيقصها عليه له بالتحديد، وماذا عنها هي؟ هل تثق في بانة وتحكي لها ربما ساعدتها برأي يشعرها ببعض الراحة بدلا من العذاب الذي تعيشه أم أن بانة ستنحاز لعمها؟



في الخارج كانت ساحة بيت الخازن قد مُدت فيها طاولة طويلة كي تضم العائلة كلها، ووضعت عليها أصناف الطعام من البلدين، فجلسوا حولها بعد قليل في أول اجتماع عائلي بعد الشتات. وتطلع عبد الله الجالس على رأس المائدة في وجوههم وقد مر وقت طويل لم ينعموا بهذه الجلسة. وقت طويل وأحداث جسام، وفراق للأهل والأحبة وندوب حية في القلوب.

وها هي أرض أخرى، تحت نفس السماء استُنسخ فيها المشهد وأضيف عليه من الوجوه والأرواح ما يضيف من البهجة لعائلة الخازن.

غلبه التأثر، أتكون النجاة من المحنة وحدها كافية لأن يشعر بالسعادة أم أنه قد ألِفَ مصاحبة الحزن حتى بات رفيقه، وباتت السعادة عابرة سبيل على حياته.

أرض أخرى، وولادة متعسرة من رحم المعاناة، لكنهم أخيرًا على طاولة واحدة بصحبة عائلاتهم وهذا يكفي يا عبد الله.

لكن ماذا عن هوية الولد التي ضاعت؟

هكذا جادل نفسه فكل شيء صعب قد تحمله، لكن موضوع هوية ابنه الذي من صلبه سيكون استردادها شغله الشاغل ولن يهنأ له بال إلا بعد أن يستردها.



"ما بك يا أبي؟" سأله رامز الجالس على يمينه متخليًا عن مشاكسة رحمة التي تجلس بجواره فانتبه عبد الله وأجاب "كنت أفكر في موضوع الدعوى التي رفعناها في الوطن"

صمت الجالسون في انتباه فسأل أحمد الجالس على يساره "ماذا حدث فيها؟"

نظر عبد الله لصقر على الطرف الأخر من المائدة وأجاب "كلفنا أحدهم بالبحث عن هوية (مروان زيادة) ووجدها بالسجلات بالفعل"

عبس أحمد يسأل عاقدًا حاجبيه "كيف هذا؟"

أجابه أبو فراس "لا نعرف.. وصورة فراس فيها.. وتسجيل خروج من الوطن في تاريخ مقارب للزمن الذي حكي عنه فراس"

"وما قبل ذلك؟" سأله أحمد مفكرًا فأجاب الثاني "هذه هي النقطة التي توحي بأن الأمر كبير (وأضاف شاردًا وكأنه يراجع المعلومات مع نفسه) لا يوجد سجلات قديمة باسم فراس الخازن بحجة احتراق سجلات بعض المواطنين في السنوات الماضية من جراء الحرب"

استمر الآخر في سؤاله "مَن مِن مصلحته فعل ذلك؟ هذا أمر غريب بالفعل"

لاح التصميم في عيني العجوز قائلًا "لهذا أنا مصر على رفع الدعوى كي أعرف ماذا حدث لإبني ولماذا تم تغيير هويته ولمصلحة من؟"

تدخل رامز وقد انقلب مزاجه وسيرة الحرب تطل برأسها المفزع فوق المائدة "من فعل ذلك له سلطة في قطاعات حساسة في الدولة"

"لا يهم " قالها أبو فراس بعناد فلاح القلق في عيني مروان الذي يتوسط الجلسة بين أخته وزوجته بينما تدخلت سيلا تقول بقلق واضح "ماذا لو كان ذلك يضر بمروان؟"

سألها عبد الله بدوره "ماذا يمكن أن يفعلوا له وهو خارج الوطن؟"

جادلته بالقول "إن كانوا يستطيعون اختراق جهاز حساس في الدولة كما ذكرت ويغيروا هوية مواطن.. ما الذي سيمنعهم من أذيته في أي مكان في العالم"

علق رامز يقول بلهجة تقطر مرارة "ليس بالضرورة أن يكون اختراقًا.. من الجائز أن من فعل ذلك شخص له منصب يخول له القيام به، ولكني أتفق معك فيما قلتيه يا سيلا بأنه من الجائز أن يتعدى الأمر الحدود الجغرافية"

نظر صقر نظرة حائرة لأخيه عبر المائدة فقال الأخير بانفعال "هل تريدونني أن أصمت على فقد ابني لهويته! ألا يكفي... "

قطع حديثه يبلع باقي العبارة فتمتمت بانة بقلق "أبي اهدأ أرجوك"

لتقول سيلا بقلق " لا أعرف ماذا أقول، ولكني أشعر بالتوتر كلما فكرت في الموضوع"

أشار لها مروان بعينيه أن تهدأ بينما تدخل صقر يقول "لنجمع معلومات أكثر يا أبا فراس.. ونسأل أكثر من محامٍ ونقرر بعدها.. (ووجه حديثه للجميع قائلًا) هيا لنبدأ في الأكل يا جماعة ونؤجل أي حديث لما بعد ذلك"

تمتمت بانة الجالسة على يمين مروان وهي تشير له على صنف ما "هل تذكر هذا؟"

تحركت عيناه في اتجاه ما تشير إليه ثم أجاب "لا"

سألته "ألم تأكله منذ أن ... أن جئت إلى هنا؟"

هز رأسه نافيًا وهو يقول "لا.. هل هو من بلدنا؟"

"نعم (قالتها وهي تغرف له في طبقه وترفع عينيها إليه قائلة بحنو) كنتَ تعشقه.. وحين تأتي لزيارتنا نهاية كل اسبوع تشرط عليّ أن أطبخه لك"

تحمس مروان وتبادل نظرة مع سيلا وأمام أنظار الجميع المراقبة مد يده بالملعقة في الطبق ثم رفعها على فمه واستمرت الانظار معلقة به حتى بلع ما في فمه ونظر للطبق يقول بإعجاب "رائع.. بل أكثر من رائع"

ثم غرف جزء منه فوق طرف طبق سيلا يدعوها للتذوق فاستجابت الأخيرة، في الوقت الذي تمتم رامز "بانة طباخة ماهرة جدًا.. والجميع يشيد بطعامها منذ الصغر"



غمغمت سيلا قبل أن ترفع الملعقة إلى فمها "سأتخيل بأنك حسن النية ولا تقصد شيئًا حينما نظرت لي"

ضحك رامز ثم قال بمسكنة "أنا!"

همست رحمة له بتوبيخ " كف عن مشاكستها أنت تحرجها بفظاظة أمام الجميع"

رد مدافعًا عن نفسه " تبدو عاقلة وواثقة في نفسها.. وبالتأكيد تعلم بأني أشاكسها"



هزت سيلا رأسها لمروان باستحسان صادق المشاعر وأخفت عنه شعور بغيظ دفين من بانة هي نفسها تستنكره ويشعرها بالخزي، بينما أدار مروان وجهه لأخته يقول بسعادة "كل مرة اطبخي لي منه.. طعمه رائع"

تبللت عيناها بالدموع واندفعت تلمس خده بكفها ثم تمد جذعها كي تطبع على خده الآخر قبلة فمال مروان معها وعلى وجهه ابتسامة تزين شفتيه كي تقبَّله وهو يختبر شعوره الجديد عليه تجاهها ثم اعتدل وربت على ظهرها متمتمًا "سلمت يداك السفرة مبهرة "

لوى أحمد شفتيه وهو يركز في طبقه، بينما ردت بانة وهي تتطلع عبر المائدة "وسلمت يدا لُچَيْن ورحمة.. فلم أقم بذلك وحدي"



تمتمت لُچَيْن الجالسة على يمين صقر "لا تقولي هذا الكلام.. فلولاك أنت ورحمة ما استطعت عمل شيء"

تدخل رامز يسأل رحمة "أي صنف طبختيه"

ابتسمت تشير على بعض الأصناف، فاستقام واقفًا يتمتم وهو يغرف لنفسه جزء كبير من أحد الأصناف التي أشارت عليها "سلمت يداك يا حبيبتي (وغرف منه في طبق مروان الجالس على الناحية المقابلة) كل يا فراس من يد زوجة أخيك"



انتهت لُچَيْن من وضع الطعام أمام ابنيها مستمرة في اختلاس النظرات نحو صقر الذي يأكل في صمت وقربت منه صنفًا مما طبخت دون أن تقول شيئًا فوضعته بينهما ثم سألته "هل تريد المزيد من الحساء"

هز رأسه رافضًا ومد يده يلتقط طبق السلطة الكبير كي يغرف لنفسه منه فأسرعت بالقول "هذا يحتوي على بصل.. سأحضر لك الآخر"

وطلبت من رحمة أن تناولها طبقًا ثان من منتصف المائدة حين أعطته لصقر أخذ منه وأعاده إليها فوضعته في مكانه وبداخلها شعور بالراحة لأنه يأكل مما طبخت، صحيح هو لا يعلم بهذه المعلومة لكن يكفي أن يفعل.



بعد أن انتهوا من تناول الغداء وقفت الفتيات حول المائدة يرفعن الأطباق وهن يحاولن منع سيلا من المشاركة باعتبارها ضيفة، لكن الأخيرة أصرت كنوع من المجاملة، متحرجة من أن تكون هي الوحيدة بينهم التي لا تشارك.



في الوقت الذي نظرت فيه شمس لرامز تسأل "لماذا رسمت أمي على التيشيرت يا خالو؟"

أجابها الأخير "ليس أنا يا شموس.. ولكنه خالك الكبير فراس"

قالها وهو يشير على مروان الواقف على بعد خطوات منهما فنظرت له شمس وتفحصت التيشيرت الذي يرتديه والمشابه لخالها رامز، فقال عبد الله من جلسته عند مدخل باب البيت "ألن تحيي خالك فراس؟"

سألت شمس الأخير "هل وجدت شهادة ميلادك؟"

ناظرها مروان بتساؤل فخرج أحمد من البيت يجفف يديه بمنديل وهو يقول موضحًا "أخبرت شمس عن سبب المشكلة التي حدثت في الفندق أن أمها قد تعرفت عليه لكنه لا يذكر شيئًا ولهذا كان يبحث عن شهادة ميلاده"

هز مروان رأسه وقال للصغيرة "نعم وجدتها.. تعالي سلمي على خالك"

توردت، فنظرت لها بانة بابتسامة من عند الطاولة بينما اقتربت شمس منه ومدت يدها للسلام. فابتسم مروان يتأملها لثوان، فلم يتسن له – على حد علمه- التعامل مع طفل صغير، ثم قربها منه ومال يحضن رأسها بين كفيه ويطبع قبلة فوقه لتسأله الصغيرة "أنت لا تذكر اسمك الحقيقي؟"

نزل إليها تلقائيًا ليكون في مستوى أنظارها وهو يهز رأسه بالإيجاب مستمرًا في تأملها والإبحار معها في مشاعر جديدة عليه بينما قالت شمس "ماذا حدث لك؟"

حرك عينيه في حيرة ثم أجاب " ربما ارتطمت رأسي بشيء"

لاح تعاطف على وجهها فاض له المزيد من الدفء في قلبه تجاهها لتقول الصغيرة "لا بأس.. سأعرفك أنا على الموجودين واحفظ معي (وأشارت بسبابتها) هذا جدي عبد الله.. والدك.. وهذا خالو يكون شقيقك.. وهذه ماما تكون أختك"

وتحركت عيناها على الموجودين وأكملت "هذا بابا يكون... يكون زوج.. أختك (واحتارت وهي تنظر إلى رحمة ثم أضافت) هذه خطيبة خالو رامز وستلبس الفستان الأبيض قريبًا ونحضر كلنا الاحتفال فهل ستحضر معنا هذا الحفل؟"

هز مروان رأسه مؤكدًا فراقبت سيلا التعبير على وجهه مبتسمة بينما أشارت شمس على صقر تضيف "وهذا جدي صقر.. إنه شقيق جدي عبد الله ويكون بالنسبة لك.."

صمتت تفكر فتحكم مروان في ابتسامة وكذلك فعل المتابعون ليقول أحمد لابنته وهو يقترب منهما "شقيق والدك من سيكون؟"

رفعت أنظارها لأبيها تجيب "عمي"

فأضاف أحمد "وهو شقيق والده.. إذن من يكون بالنسبة له؟"

رمشت بعينيها ثم قالت لوالدها "عمه"

هز أحمد رأسه وهو يمسح على شعرها فعادت لمروان تقول "هو عمك"

واقتربت منه برأسها تهمس له بشيء جعله يبتسم ويستدير تلقائيًا نحو صقر الذي يتابع بحاجب مرفوع ثم يتمتم مشاكسًا وهو يكتم الضحك "مرحبا يا جدها!"

قلب صقر مقلتيه في الوقت الذي مرت فيه لُچَيْن من أمامه وهو الواقف بجوار المقعد الجالس عليه أخيه، فلمحها وهي تكتم الضحك هي الأخرى بينما عاد مروان ينظر لشمس قائلًا "نسيت أن تعرفيني بنفسك"

رمشت بعينيها ثم قالت "أنا شمس سماحة أكون بالنسبة لك.. أكون ابنة.. أختك"

تمتم مروان بابتسامة واسعة "تشرفنا يا ابنة أختي"

مال صقر على أخيه الجالس على المقعد يسأله "ماذا تعتقد بأنها قد قالت عني لخالها؟"

ابتسم عبد الله وعاد لمتابعة المشهد بينما اعتدل مروان واقفًا يسأل أحمد "أين ابنك الصغير؟"

رد الأخير "مع جدته.. فقد تركناه كي تلتفت أمه للترحيب بأخيها"

قالها بابتسامة ممتعضة فابتسم مروان لتلك الغيرة في عينيه بينما نادى عبد الله على حفيدته "تعالى يا شمس"

أسرعت الأخيرة إلى جدها فسألها "بم همست لخالك عن صقر أخبريني"

رفعت أنظارها لصقر بوجل، فأمسك أبو فراس بذراع أخيه يشده لأسفل قائلًا "أجلس قليلًا وارحمنا من طولك"

تحرك الأخير يجلس بجوار أخيه ويتطلع في شمس التي انكمشت بجوار جدها ثم رفعت يدها بالقرب من فمها وهمست له بشيء في أذنه جعله يبتسم بينما زاد صقر من عقد حاجبيه وسأل "ماذا تفعلان"

توردت الأخيرة فسألها عبد الله "هل نخبره؟"

هزت رأسها بالرفض فقال له "آسف.. لن نستطيع أخبارك (ثم عاد إليها يقول) أنت لم تسلمي على صقر أبدًا.. وهو حزين من أجل ذلك"

نظرت شمس لصقر، فلكزه عبد الله مما جعل الثاني ينتبه ويقوس شفتيه للأسفل في تمثيل الحزن في الوقت الذي كانت لُچَيْن تراقب مبتسمة من الصالة الداخلية نظراته المتمسكنة للصغيرة التي قالت وهي تربت على عضده برقة "لا تحزن"

ابتسمت عينا صقر لها ومد كفه المفتوح إليها فنظرت إليه وتمتمت "كفك كبير"

فقال وهو ينظر ليدها "وأنتِ كفِك صغير"

نظرت لكفها متأملة ثم وضعته بجوار كفه فبديا عكس بعضهما ليس فقط في الاتجاه وإنما في اللون والحجم لتضحك شمس ويبتسم الأخوان فتجرأت هي ووضعت كفها فوق كف صقر هاتفة "أبي.. انظر كفه أكبر من كفك"

هز لها أحمد رأسه من بعيد، بينما أطبق صقر على كفها وسحبها إليه يطبع قبلة على جبينها فتوردت بخجل بينما فكرت لُچَيْن في أنه لم يحظ بابنة أبدًا، خاطرة راودتها قبل فترة وتمنت أن تنجب له هذه الأبنة، قبل أن تتحطم أحلامها كلها بين يديها وتذهب مع الرياح.

تحركت شمس تترك عبد الله وصقر حينما نادى عليها نوح الجالس على السلم مع آدم فسأل صقر أخاه "بم همست لك"

رد الثاني " قالت: إنه يبدو مخيف لكنه لا يؤذي"

أما أحمد فقال لمروان وهو يتطلع في صورة بانة التي تزين التيشيرت الذي يرتديه الأخير "بالمناسبة.. أنف بانة مستقيم أكثر من ذلك.. وعيناها أكثر اتساعًا لكنها محاولة جيدة لرسمها"

علق مروان وهو يتطلع في عينيه "أتفق معك بأنها محاولة جيدة للاستحضار من الذاكرة.. لا تنسى أني لم أرها إلا في أحلامي.. هل سبق لك أن رأيت وجهًا بتفاصيله وأنت نائم؟"

صمت أحمد يفكر فأضاف مروان "سمعت بأنك ترسم (وأضاف بلهجة مشاكسة) ألا ترى أن الصدفة غريبة.. أنا وأنت في نفس العمر.. ونفس الطول تقريبًا.. وكلانا مهندسان وإن اختلف التخصص.. ونرسم.. أتوقع بأن بانة وجدت فيك صفاتي دون وعي"

كان يرمقه بنظرة لئيمة لم تخف عن أحمد الذي وضع يديه في جيبي بنطاله ورد بكبرياء "محاولة جيدة منك لإغاظتي.. لكنك لم تنجح في مسعاك لأني أدرك جيدًا مدى حبها لي (وتمتم بسخرية تحمل الكثير من الصدق) يكفي بأنها تتحملني في حياتها"

ضحك مروان فابتسم أحمد في الوقت الذي رن جرس البوابة فأسرع آدم بفتح الباب وظهرت الهام وهي تمسك بيد عز الدين.

استدار أحمد حينما سمع صوت أمه تلقي بالتحية بينما أسرعت بانة إلى حماتها ليس فقط كي تأخذ منها ابنها، ولكن كي تحمل عنها الكيس الذي تمسك به لتقول إلهام وهي تتطلع في الوجوه الكثيرة أمامها "جئت للترحيب بالغائب"

اقترب أحمد مع مروان وهو يقول "هذه أمي الحاجة إلهام"

تطلعت الأخيرة في مروان وهو يقترب منها بابتسامة محرجة وهتفت "بسم الله ما شاء الله.. عدت لتنير قلوب محبيك يا ولدي"



قالت بانة وهي تستجيب لطلب ابنها الذي أراد أن تحمله "هذه أمي الثانية يا فراس"

سلم مروان على إلهام مرحبًا فتدخل رامز يقول "الحاجة إلهام الخير والبركة وفضلها على الجميع"

ابتسمت الأخيرة بسعادة وهي تتطلع في رامز ثم عادت لتتأمل مروان وتصلي على النبي وتقول "تشبهان بعضكما"

نظر رامز نحو أحمد بنظرة متشفية فتكلم الأخير قائلًا بامتعاض "لا تتحدثي عن الملامح يا حاجة فلا يوجد وجه شبه"

قالت الأخيرة وهي تتأمل الأخوين "ليس بالضرورة الملامح يا أحمد.. بل هو شعور بأن الدماء واحدة.. هل آية وأروى تشبهان بعضهما؟ لكن من يراهما يشعر بأنهما أختين (ثم سألت مروان) أين زوجتك؟"

كانت الأخيرة تخرج من الباب الداخلي بعد أن غسلت يديها فأشار لها مروان لأن تقترب بينما قالت إلهام وهي تتأملها "ما شاء الله اللهم بارك لكما ورزقكما بالذرية الصالحة"

سلمت عليها سيلا مبتسمة ومروان يعرفها بها، ففاجأتها إلهام بعناق حان ودافئ وهي تقول "أخبروني بأنك البطلة التي قُدر لها أن تكون حلقة الوصل بين الأخ وأخته، بارك الله لك يا ابنتي"

شعور بالدفء غمر سيلا لم تشعر به من قبل، فارتسمت ابتسامة تلقائية على وجهها وهي تبتعد وتتطلع في وجه إلهام المريح ليقول عبد الله من جلسته البعيدة "تفضلي يا حاجة لماذا تقفين عند البوابة"

ردت الأخيرة " لقد جئت فقط للسلام وغدًا الغداء عندي، كلكم مدعوون عندي"

نظر مروان لسيلا التي ردت بلباقة "سلمت يا حاجة، ولكن نحن مسافران غدًا لارتباطنا ببعض الالتزامات.. ولم نستقر بعد في أي وقت سنغادر لهذا نؤجلها لوقت آخر"

ليضيف مروان على حديث زوجته "سامحينا"

ردت إلهام "تمام.. ولكن أول زيارة لكما هنا سيكون الغداء عندي"

ابتسم مروان وكذلك سيلا لتقول بانة بإصرار "تعالي يا أمي لا يصح أن تقفي هكذا"

قالت الأخيرة برفض "لابد أن أعود فجارتي وعدتني بأن تمر عليّ بعد قليل"

استمرت سيلا تتأملها وابتسامة غريبة على شفتيها بينما اقتربت لُچَيْن تقول لإلهام "ابقي لوقت قصير يا حاجة إلهام"

تمتمت الأخيرة بحنانها المعهود "نزورك في الفرح دائمًا يا حبيبتي.. لقد جئت فقط كي أسلم وأوصل لكم هذا الشقي"

نظرت بانة لابنها الذي تحمله على ذراعها وسألته "ماذا فعلت؟"

أجابت إلهام "لم يترك شيئًا في الشقة مكانه.. بدأ بالمطبخ فأخرج الأواني من الخزائن الأرضية ثم خرج للصالة يكمل على كل شيء في طريقه"

قالت بانة لحماتها بلهجة ذات مغزى "وحين ننهره لا يعجبك"

تمتمت الأخرى وهي تنظر لحفيدها "ما لكم أنتم.. لم أشتكِ لأحد.. كنت أفضفض فقط.. لكنه يفعل ما يريد في بيت جده (ونظرت للجين تقول) العقبى لك عن قريب أحمل صغيرك"

توردت الأخيرة بينما نظرت إلهام لسيلا متفحصة وهي تقول "وأنت عليك بالاهتمام بالأكل فأنت نحيفة جدًا"

اتسعت عينا الأخيرة ونظرت لمروان الذي كتم الضحك ثم عادت لإلهام وابتسمت بحرج لتقول الأخيرة "أنا لا أقصد شيئًا سيئًا.. فعندي في مثل رشاقتك ابنتي أروى التي عذبتنا في حملها والله.. فأجلي أمور الرشاقة لما بعد الانجاب"

هزت سيلا رأسها توافقها ببلاهة وقد تدفقت الدماء إلى وجنتيها لتقول إلهام وهي تغادر "أراكم على خير"

قال أحمد لأمه "انتظري سأرافقك حتى البيت"

ردت وهي تخرج من البوابة "ليس هناك داع فالمسافة على بعد عدة بنايات.. ابق أنت يا حبيبي"

قالتها وتحركت مغادرة فظلت سيلا تتطلع في أثرها وتستشعر تلك الراحة التي تركتها خلفها بينما أنزلت بانة ابنها ليقف على الأرض والذي توجه فورًا نحو جده عبد الله الذي ناداه. وفتحت الكيس الذي أحضرته حماتها لتجد صينية لصنف من الحلوى فقالت وهي تتطلع في فراس " ألازلت مولعًا بأصناف الحلوى؟"

وضع يده على صدره ورد بابتسامة عريضة "أعشقها"

لتتسع ابتسامة بانة قائلة " سأغرف لك حالًا من هذا الصنف ومن آخر صنعته لك بيديّ"

تحركت فرافقتها لُچَيْن للداخل بينما نظرت سيلا لزوجها بحاجب مرفوع وقد بددت بانة وأخوها تلك الراحة التي أحست بها في وجود إلهام فقالت من بين أسنانها " ألم تقل قبل دقائق أن بطنك ستنفجر من الأكل"

نكس مروان رأسه بتعبير طفولي ولم يرد، بينما تحرك أحمد مبتعدًا وهو يتطلع في أثر زوجته متمتمًا بغيظ" لم تسألني حتى إن كنت أريد منه طبقًا"

×××××

بعد ساعتين

دخلت لُچَيْن مع سيلا إلى إحدى غرف الطابق الأرضي والتي تم تجهيزها بأثاث جديد وقالت "هذه الغرفة تم تجهيزها لتكون غرفتكما في كل مرة تزوران فيها العاصمة"

ابتسمت سيلا فأضافت لُچَيْن "إن احتجت لشيء لا تترددي"

تمتمت الأخرى "أشكرك"

لتقول لُچَيْن "حين تستيقظين أخبريني سأكون في الطابق العلوي"

قالت سيلا بإنهاك موضحة "أنا فقط لم أنم الليلة الماضية وأشعر بأن عيناي ستسقطان من وجهي"

"لا بأس.. تستطيعين نيل بضع ساعات من النوم"

قالتها وغادرت الغرفة تغلق الباب خلفها فتطلعت سيلا حولها ثم مالت لتلتقط الحقيبة الصغيرة التي حضرا بها من البيت فوضعتها على السرير ثم جلست بجوارها تتنفس بعمق وتراجع كل ما مرت به خلال الساعات الماضية، وكيف تركها مروان قبل قليل كي يرافق أخوه وزوج أخته لمقابلة أصحابهما، وشكرت ربها أنه أنقذها من الحرج حينما علم بأنها تعاني من صداع شديد وأخبرها أمام الجميع بضرورة النوم بسبب عدم نومها الليلة الماضية.

استلقت على السرير وتطلعت في سقف الغرفة تراجع الوجوه، والأسماء، وصلة القرابة والحقائق وتفكر في انطباعاتها عمن قابلتهم حتى ذهبت في نوم عميق دون أن تبدل ملابسها.

××××

عند الغروب

وقف رامز بجوار عمه على باب الخن يقول "احتفالنا الليلة ليس فقط بعودة أخي، بل بموافقة أبي فخر على زيارة الخن"

ناظره الأخير بمقلتين مقلوبتين بينما قال وائل مرحبًا "مفاجأة من العيار الثقيل يا رامز"

سلم على صقر ثم تقدم ليسلم على مروان بحرارة قائلًا "مرحبا بك يا فراس أنرت الحي"

رد الأخير "الحي منير بكم"

اقترب عمرو ليقول وائل "هذا عمرو القاضي"

"تشرفنا" قالها مروان فسأل رامز "أين سيد"

أجاب عمرو بعدما سلم على صقر "اقترب من الوصول كان لديه مشوار مهم"

جلس مروان وصقر على أحد الأرائك محرجين خاصة الثاني الذي أصر عليه رامز وأحمد ومروان أن يأتي معهم، ولأنه أراد مرافقة الأخير وافق.

قال أحمد الذي جلس على مقعده المفضل "وهذا هو الخن الذي نجتمع فيه"

"أخبرني رامز عنه حينما زارني في بيتي (قالها مروان وهو يتطلع حوله ونظر نحو الجيتار يقول) هذا يخص سيد أليس كذلك؟"

"نعم" جاءته الإجابة من وائل بينما سأله عمرو الذي يتطلع في الشاشة أمامه وفي يده متحكم الكتروني "هل تحبان لعب البلايستيشن؟"

هز مروان رأسه بحيرة وأجاب "لم أجرب"

ونظر لرامز ثم لصقر ليرد الأخير "لم تكن تلعبه.. أنا أيضًا لا أعرف اللعب، لكني أحتاج لأن أتعلمه لأن الولدين طلبا مني مشاركتهما أكثر من مرة ولابد أن أكون مطلعًا على الجديد"

رد رامز بلهجة ساخرة وهو يتخذ مكانه بجوار عمرو ويلتقط المتحكم الالكتروني الثاني استعدادًا لمشاركته في اللعب "سأعلمك أنا إن أردت يا أبا فخر"

ليقول أحمد بلهجة مستنكرة لعمرو ورامز "ماذا تفعلان!"

رد عمرو ببرود "كما ترى"

فهتف أحمد "هذا دوري أنا في اللعب ولا أريد مشاركة أحد.. اتركا هذا المكان لأني سألعب بعد قليل"

تمتم عمرو عابسًا "كان ذلك يوم أمس.. ولكنك لم تلعب ما ذنبنا نحن!"

ليقول أحمد من بين أسنانه "عمرو.. لا تجعلني أنفعل عليك أمام الضيوف"

رد الثاني بابتسامة باردة "حبيبي يا كونت.. أعتقد بأن اخلاقك أرقى من هذا بكثير"

"تحرجني يا ... أبا عبد الرحمن"

قالها يبلع السُبة بينما زينت شفتي عمرو ابتسامة لئيمة وهو يتطلع في الشاشة فسأل مروان "كم عمر صداقتكم؟"

نظر شباب الخن لبعضهم ورد عمرو "من المدرسة الابتدائية تقريبًا"

تمتم وائل بلهجة متفاخرة "بالطبع كنت أنا أوسمهم وأغناهم فأبي تاجر ذهب"

فرد أحمد بامتعاض " وكنت تغيظنا بهذا الموضوع"

قهقه وائل بينما ابتسم مروان متمتمًا "جميل أن يكون للإنسان رفقة"

تألم صقر من أجله فقال لهم "أنا وفراس رفقة منذ أن كنا صغارًا في بيت واحد فقد تربيت في بيتهم"

نظر إليه مروان قائًلا "أشعر بالضيق لأني لا أذكر ذلك فما بالك أنت لابد وأنك متأثر أليس كذلك"

انتبه رامز الجالس على الأريكة المقابلة للسؤال الجدي ليرد صقر مراوغًا الإفصاح عن مشاعره "أنت قلت ستكتشف علاقتنا سويا أليس كذلك؟"

دخل سيد صبرة بعد قليل يحيي الجميع ثم سلم على صقر يقول "ما هذه المفاجأة! أخيرًا شرفتنا في الخن.. لقد تعبت ألسنتنا من الإلحاح عليك"

تمتم صقر بحرج "لم يكن متعمدًا يا أبا باسل، ولكني كنت مشغولًا بأكثر من موضوع كما أنني لا أحب أن أكون ثقيلًا"

"ما هذا الكلام يا أبا فخر!" قالها سيد معاتبًا وسلم على مروان يقول بلهجة دافئة "لا أستطيع التعبير عن مدى سعادتي من أجلك ومن أجل عائلتك"

تدخل وائل يقول ساخرًا " وهذا هو المليونير سيد صبرة يا جماعة"

ناظره سيد بنظرة متعالية ليقول وائل لأحمد ورامز "هل رأيتما سيارته الجديدة؟"

اتسعت عينا الأخير وقال متفاجئًا "سيارة جديدة.. متى؟"

رد وائل "استلمها قبل ساعات.. ستجدها أمام المقهى.. فهو بالتأكيد سيركنها هناك"

استدار إليه سيد يسأله من فوق كتفه مندهشًا "وكيف علمت بأني سأفعل ذلك؟"

رد وائل "لأن كل محدثي النعمة يفعلون ذلك يا حبيبي"

انفجر الخن بالضحك، ليقول سيد من بين ضحكاته متوعدًا "تمام يا اكسلانس.. لن أرد عليك احترامًا للضيفين فلم يعتادا علينا بعد"



نظر رامز من النافذة على سيارة الدفع الرباعي الضخمة وتمتم "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"

بينما سأل أحمد سيد "هل استلمت نصيبك من الميراث؟"

هز رأسه نافيًا بينما رد عمرو "لم ينتظر يا أخي أن يستلم ميراثه وأسرع بشرائها من أحد معارفه بعدما دفع عربونًا وطلب تقسيط الباقي.. أنت كنت مشغولا الأيام الماضية في العمل فلم نخبرك"

لوى أحمد شفتيه وهو يتطلع في سيد الذي توجه نحو مقعده المفضل في الركن بجوار الجيتار فجلس نافشًا ريشه يطالع أصدقائه بخيلاء بينما مال مروان على صقر يسأله "هل كان لنا مكانًا مخصصًا"

رد صقر "كنا نحب الهدوء والجلسة عند البحر"

تحرك رامز عبر الغرفة واقترب من سيد يقول "صهري العزيز.. مبارك عليك السيارة رزقك الله خيرها وحفظك من شرها يا رب"

أمن سيد خلفه، ليضيف رامز "وبهذه المناسبة السعيدة.. أريد أن أنتهز وجود أخي وعمي، وفي حضور مزاجك الرائق وأقول لك: دعنا نسرع في الزفاف بالله عليك"

عبس سيد بينما تبادل صقر ومروان النظرات ليقول الأول "وما سبب الاستعجال؟"

رد رامز وهو يبحث عن إجابة لبقة "لأن عمي حبيبي صقر سيسافر وأنا لا أتخيل حفل زفافي بدونه"

قالها بلهجة درامية فقلب صقر مقلتيه وهو ينظر إليه بينما قال سيد " أبو فخر وعدني بأنه لن يسافر قبل أن يحضر حفل الزفاف"

أسرع رامز بالقول "ولماذا لا نعجل في الأمر"

"بسفري!"

قالها صقر باستنكار فانفجر الباقين بالضحك ليتمتم رامز موضحًا "أقصد الزواج والله"

قال سيد باستنكار "وهل سنتحدث في هذا الموضوع هنا"

ليقول رامز "حدد الموعد الذي نزوركم فيه"

"هناك أشياء كثيرة لم نشترها بعد"

"لا يهم" قالها رامز بإصرار فرد سيد بلهجة قاطعة "بل يهم.. ولن تزف أختي إلا بعد اكتمال كل شيء يخصها"

تمتم رامز حانقًا "يا سيد بالله عليك دعنا نكمل فرحتنا بالزفاف"

سأله الأخير عاقدًا حاجبيه "هل قررت أين ستسكنان.. ألم تقل بأنك ستبني الطابق الثالث"

تنحنح رامز يقول "هذا هو ما أردت أن أتحدث معك فيه"

"تفضل"

نظر رامز لعمه الذي سبق وأن أخبره هو وأباه بما يريد أن يفعل ثم قال لسيد "أرجو أن توافق على أن نؤجر شقة مؤقتة ونتزوج فيها حتى أنتهي من بناء الطابق الثالث"

رفع سيد حاجبه مندهشًا ثم قال "هل تريد الابتعاد عن الحي؟"

أسرع رامز بالتوضيح "لا والله.. إن أردت أن أؤجر شقة في الحي.. وفي البناية التي تعيش فيها سأفعل"

"ستؤجر عند برقوق!"

قالها أحمد متهكمًا فنظر إليه رامز يجيب "المضطر يتحمل برقوق (ونظر لسيد يسأله) ما رأيك؟"

أمسك سيد بالجيتار وقال "هذا ليس وقت التحدث في هذا الأمر.. دعونا نحتفل بعودة أخيك ونغني"

تمتم وائل مهللا "هذا هو الكلام"

مط رامز شفتيه وعاد ليجلس محبطًا بجوار عمرو المنشغل باللعب بينما أخذ سيد يضبط أوتار الجيتار ويقول مفكرًا "ماذا أغني؟"

أجابه وائل "ما يرد على ذهنك.. سنترك الاختيار لك"

تمتم مروان لصقر هامسًا " علاقتهم فريدة.. لم أشعر بهذا الشعور بالرفقة منذ أن وجدت نفسي وحدي"

سأله صقر "ألم تتعرف على أصدقاء في المدينة التي تعيش فيها؟"

هز الثاني رأسه بالنفي ورد "قبل زواجي من سيلا كنت منطويًا على نفسي بشكل كامل.. لم أنجح في التعرف على أحد سوى معارف في العمل ربما لشعوري بالقلق من أن أجر نفسي لمشاكل أو يكتشف أحد أمر ذاكرتي المفقودة"

سأله صقر "وكيف تزوجت إذن وأقدمت على هذه الفعلة بدون إخبار أبيها بالحقيقة.. لقد أخبرني أبوك"

قال مروان موضحًا "الأمور حتمت عليّ ذلك.. وكنت مستعدًا لأن أفعل أي شيء كي أحصل على سيلا.. حتى لو كان في ذلك ضررًا لي"

ابتسم صقر معلقًا "تبدو غارقًا في حبها"

ليسأله الثاني سؤالًا مباغتًا "هل سبق لي أن أحببت من قبل؟"

أجابه صقر سعيدًا بالحديث بينهما "لم يكن لك أي موقف جدي يخص أي فتاة"

هز مروان رأسه وقال مبتسما "هذه المعلومة ستنقذني من حبل المشنقة، وستفرح سيلا بها"

ابتسم صقر في الوقت الذي بدأت فيه أنغام الجيتار في التحليق في سقف الغرفة فقال رامز وهو يخرج سيجارة ويمنحها لعمه الجالس على الأريكة المقابلة "ستسمعان أجمل أغاني الطرب الآن"

تلقى صقر السيجارة مرحبًا، فأخرج رامز قداحته وأشعل سيجارة عمه ثم عاد لمقعده وهو يشعل سيجارة لنفسه، انتزعها وائل منه بعد ثوان، وعاد لمقعده أمام أنظار رامز المتفاجئة ليميل مروان ويسأل صقر فجأة بعبوس" هل كنت تسقط رماد السيجارة فوق السجادة كي تستفزني؟"

رفع صقر حاجبيه يسأله "كيف تذكرت ذلك"

تمتم مروان "استعدته في الحلم.. لكني لم أكن أعلم من ذلك الذي كان يستفزني بهذا الفعل متعمدًا"

لاحت ابتسامة شريرة على وجه صقر والسعادة تتراقص في صدره بينما سحب وائل نفسًا من السيجارة وتمتم حينما تعرف على اللحن "الله عليك يا هولاكو.."

أهواك

وأتمنى لو أنساك

وأنسى روحي وياك

وإن ضاعت يبقى فداك

لو تنساني

وأنساك

وأتاريني بنسى جفاك

واشتاق لعذابي معاك

والقى دموعي فكراك

أرجع تاني

اختلج قلب صقر مع شجن اللحن فدارى دواخله بالمزيد من العبوس والأغنية تكوي قلبه بلوعة المشاعر، واندهش مما يعيشه من أحاسيس لم تزره من قبل، ولوهله فكر في أن يناجي صاحبه ويسر إليه بما يشعر به، لكن هذا الصاحب لم يعد له وجود في رأسه، اختفى بظهور مروان.. فتطلع في الأخير وتمنى أن يشاركه الشعور بإخباره، لكن أمامهما وقت ليس بالقليل حتى تأتي اللحظة التي يميل فيها عليه ويخبره بما يشعر كما كان يفعل من قبل، فتمتم في سره محدثًا نفسه "أشعر وكأن قلب مراهق قد نُقل إلى صدري ، ماذا يحدث معك يا أبا فخر.. منذ متى وأنت تتأثر بالأغاني.. لقد شخت يا صقر ولانت صخرتك"

في لقاك الدنيا تجيني معاك

ورضاها يبقى رضاك

وساعتها يهون في هواك طول حرماني

عاد للإنصات وكلمات الأغنية تتسلل بخبث إلى قلبه مهما حاول المقاومة واستمر على هذا الحال طوال السهرة التي تنوعت بين الغناء والضحكات العالية ولعب البلايستيشن والجدال والمشاكسة بين أصحاب الخن.

××××

الثامنة مساء

استيقظت سيلا تتطلع حولها في مجال الغرفة المظلمة ثم تحسست السرير تبحث عن هاتفها فأخرجته من تحت الوسادة ونظرت للساعة لتجدها الثامنة، وتجد رسالة من مروان يطلب منها أن تخبره حينما تستيقظ، ورسالة أخرى من رقم غير مسجل تقول (سيلا أنا بانة، نحن في الطابق العلوي وسأخبرك إن غادرت أنا ورحمة).

"نحن! من نحن؟"

قالتها سيلا عابسة ثم اعتدلت وقامت لتشعل ضوء الغرفة، ثم جلست بعدها على السرير تحرك عضلاتها المتيبسة وفتحت الحقيبة لتخرج شيئًا لتبديل ملابسها.

بعد قليل خرجت من الحمام وتحركت في البيت الهادئ تماما فخرجت إلى الساحة التي كانت قبل ساعات تعج بأصوات الضحكات فقابلتها نسمة باردة جعلتها تحضن ذراعيها. وقفت عند السلم المؤدي للطابق العلوي ورفعت أنظارها مترددة، وراودتها نفسها عن العودة للغرفة وانتظار مروان لكن الباب المفتوح بالأعلى أغراها للصعود، وكذلك الأصوات الآتية من فوق خاصة وهي تجاهد نفسها كي تنخرط اجتماعيًا مع أهل مروان ليس فقط من أجله، وإنما لأنها بحاجة لأن تخرج من قوقعتها.

صعدت الدرجات ببطء، فكانت الأصوات تقترب حتى ظهرت من الباب لتقول بانة بتهليل "ها قد استيقظت زوجة أخي"

تأملتها لُچَيْن وهي مقبلة عليهما ترتدي بنطال قماشي أبيض وتيشيرت بأكمام باللون الأسود وشعرها الطويل قد عقصته للخلف وكتمت استيائها لأنها لم تخلع حذائها عند الباب مثل بانة ورحمة فبلعت لسانها ولم تعقب كي لا تحرجها، بينما تركت بانة مكانها وقابلت سيلا في منتصف المسافة تمسك بذراعها وتقودها نحو الأريكة وهي تقول "تعالي وانضمي إلينا"

أجلستها على الأريكة بجوار رحمة التي قالت "لم أرك بهذا الابتهاج من قبل يا بانة"

ردت الأخيرة وهي تتخذ مكانها على المقعد "أنا سعيدة سعادة لا توصف منذ أن وجدنا فراس (ورفعت طبقًا فيه صنف من الحلوى وأعطته لسيلا تقول) تفضلي"

أخذت الأخيرة الطبق بينما قالت رحمة "أنا كنت على وشك المغادرة لكني سأبقى قليلا من أجلك"

ابتسمت لها سيلا فتمتمت بانة معلقة "هذا الصنف أنا من صنعته أخبريني عن رأيك فيه"

تذوقت سيلا بالشوكة ثم هزت رأسها تقول "رائع بصراحة"

ابتسمت بانة براحة لتضيف سيلا مفكرة بصوت عال "وهذا سبب آخر كي أغار منك فأنت تحبين المطبخ"

اتسعت عينا بانة ثم انفجرت بالضحك فضحكت سيلا هي الأخرى بينما تمتمت لُچَيْن شاردة "الغيرة شيء مؤذ لصاحبها"

نظرت إليها سيلا وقالت "أتفق معك.. لأنك لا تشعرين بالراحة طوال الوقت.. وقد تُنعتي الجنون"

هزت لُچَيْن رأسها وتمتمت "إنها بالفعل الجنون ذاته.. فقد تغارين من أناس لا يحق لك الغيرة منهم"

شاركتها سيلا التفكير وهي تأكل من الحلوى "أعرف ذلك الشعور.. فأنا مثلا أغار على عمي من زوجته"

شهقت رحمة مندهشة فنظرت إليها سيلا معترفة "جنون صدقيني"

لتقول لُچَيْن وهي ترفع أكواب العصير من فوق الطاولة أمامهن وتضعها على الصينية "سأحضر لنا مشروبًا أخر"

تمتمت رحمة "لا تتعبي نفسك يا لُچَيْن"

قالت الأخيرة "دعونا نحضر المزيد من العصير والحلوى ونكمل جلستنا.. فأنتن تؤانسونني اليوم"

تمتمت بانة وهي ترفع ساقيها لتضعهما فوق الأريكة "هذه فرصة جيدة لنتعرف على بعضنا البعض.. (وقالت لسيلا بلهجة مغيظة) كي تغاري مني أكثر"

غمغمت سيلا "تشبهين أخيك بالضبط بهذه الطريقة اللئيمة"

هتفت بانة بمرح "ظهر الحق ونطقتها بلسانك (أخوك)"

فهتفت سيلا "ألم نقل قبل ثوان أن بعض الغيرة ضرب من الجنون! .. أنا معترفة بجنوني فاعترفي أنت بأنك لئيمة"

بعد مرور ساعتين من جلستهن هتفت سيلا بصدمة "يا إلهي لا أصدق أنكِ عشتِ لعامين توهمين الناس بأنك شاب وليست فتاة!!"

لتقول لُچَيْن "أنا أيضًا حينما سمعت لم أصدق"

فتمتمت رحمة "وأنا كذلك"

ابتسمت بانة تقول بشجن وقد سلمت نفسها للذكريات فذبحتها من جديد "كانت فترة لن أنساها في حياتي.. وحين تمر بي أيام صعبة أذكر نفسي بتلك الفترة حتى أثبت لها بأني في حال أفضل"

نظرت إليها سيلا بانبهار ثم تطلعت في لُچَيْن ورحمة اللتين سبقتا بانة في سرد سريع لأبرز المصاعب اللاتي واجهتاها في حياتهما، هكذا تحرك الحوار بينهن ليصل إلى هذه النقطة دون إعداد مسبق، فشردت لثوان عما يتحدثن فيه وفكرت فيما مرت به في حياتها وكيف كانت تعتقد بأنها من عاشت الحياة الأسوأ في الدنيا، اعتقاد أدركت بأنه يمر على أغلب الناس والفطن والناضج هو من يراجع نفسه كلما سقط في ذلك الفخ المظلم.

سألت لُچَيْن سيلا "أين شردت؟"

تمتمت بابتسامة "لا شيء (ثم عادت لبانة تقول) أكملي بانة حكايتك كيف عشت، وما الذي مر عليك، وزوجك كيف تعرف عليك أنا في شوق لمعرفة الحكاية رغم أن هذا سيجعلني أعجب بك أكثر وهذا أمر لا يعجبني"

اتسعت عينا بانة ثم ضحكت مع البنات وقد بدأت تعتاد على شخصية سيلا وردود أفعالها غير المتوقعة التي تجعلها ذات نمط فريد بينما قالت لُچَيْن وهي مستمتعة بالرفقة "نعم أخبرينا بالتفاصيل فلم يتسن لنا أنا وأنت الجلوس والحديث بهذا الشكل"

تمتمت بانة وهي تحمل ابنها النائم على ذراعها "دعوني أضع هذا العفريت أولًا في أي مكان للنوم ثم أحكي لَكُن"

××××





بعد ساعة

أغلقت سيلا الهاتف وأنزلت ساقيها من فوق الأريكة تقول "وصل مروان"

فاستقامت بانة واقفة واتسعت ابتسامتها وهي تسحب الوشاح من فوق المقعد وتقول "حبيبي"

وقبل أن تستوعب سيلا كانت تسبقها نحو الباب فهتفت خلفها "كنتِ عاقلة قبل قليل ماذا حدث لك!"

تمتمت الأخرى وهي تلف الوشاح وتلبس حذائها عند الباب "آسفة سيلا هذا أمر لن أستطيع التحكم فيه"

زفرت الأخيرة، بينما ابتسمت لُچَيْن ورحمة لتقول سيلا وهي تتجه نحو الباب "مروان يقول إن رامز قد وصل لمرافقتك للبيت"

تحركت رحمة تلملم أشياءها بينما أسرعت سيلا تنزل درجات السلم وهي تشاهد بانة التي لم تشبع بعد من أخيها وتعلقت بعنقه.



تمتم مروان وهي تغمره بحنانها "أشعر بأن هذا المشهد مألوف"

ابتعدت بانة عنه تناظره بتساؤل فقال موضحًا "إقبالك عليّ بهذه اللهفة والتعلق بعنقي"

تمتمت "هذا ما كان يحدث في نهاية كل أسبوع حينما كنت تزورنا"

قال وهو يتأمل ملامح وجهها "لم أستطع اليوم الجلوس معك.. تتملكني رغبة قوية لأن نتحدث لوقت طويل.. هل لديك شيء في الغد؟"

ردت مؤكدة بابتسامة متسعة "لا شيء يشغلني عنك.. في الصباح سأكون عندك"

همهم برضا "تمام.. سأنتظرك في الصباح"

ورفع أنظاره نحو سيلا التي تقترب منهما وابتسم بينما قال رامز الواقف عند البوابة "هيا يا آنسة رحمة"

أكملت الأخيرة نزولها البطيء المتبختر وهي تمسك بدرابزين السلم فراقبتها عيناه حتى اقتربت منه، وذابت من الخجل من النظرة التي لمحتها في عينيه رغم جدية ملامحه فاستدارت تقول للبنات "كانت جلسة جميلة أتمنى أن تتكرر"

تمتمت لُچَيْن وهي تنزل درجات السلم وتقترب منهم " أنا أيضًا أتمنى ذلك"

فشاركتهن سيلا الأمنية دون أن تفصح بها.



حين خرجت رحمة مع رامز من البوابة قال أحمد الواقف خارجها "هلا أخبرت بانة بأني موجود"

استدار رامز يخبر بانة فقالت "حالا سأصعد لأحضر عزالدين لأنه نائم ثم (نظرت لمروان تتمتم) أراك في صباح الغد"

سار رامز مع رحمة متمهلين يتقافز قلباهما أمامهما كجروين يلهوان في الطريق هذا يناغش صاحبه والثاني يعدو خلفه فسألها رامز "كيف كانت الجلسة"

تمتمت "سيلا شخصية لطيفة ولها تعبيرات تلقائية مضحكة.. قضينا وقتًا جميلًا لم أتوقعه"

غمغم براحة "هذا أمر مريح أن أرى أخي مستقر في حياته مع امرأة تحبه ويحبها.. فماذا يريد الإنسان أكثر من بيت آمن ودفء أحبابه من حوله"

هزت رأسها "صدقت"

أدار وجهه إليها يقول مناغشًا "ونحن.. متى سنكون في بيتنا الآمن يا رحومة"

تمتمت بوجه متورد وهي تتطلع أمامها "بإذن الله"

عاد ينظر أمامه وتنهد قائلًا "تحدثت مع أخوك ويراوغني في الرد.. لكني لن أستسلم.. سأحضر أهلي ونجلس معه كي يوافق على تسريع الزفاف"

ردت مدافعة "هو مشغول الذهن هذه الأيام بأمر إعلام الورثة.. وعندما أستلم نصيبي سأشتري ما ينقصني هكذا اشترطت عليه"

استدار إليها يقول بلهجة جادة "كما أخبرتك من قبل لا يهمني سوى أن نكون معًا في أسرع وقت"

رفعت أنظارها اللامعة إليه ثم عادت للتطلع في الطريق فتمتم شاردًا "أنا سعيد لأن أخي سيكون حاضرًا لحفل الزفاف (ونظر إليها يضيف) اتفقت معه أن يرافقني في موقع التصوير.. أريد أن أريه كل شيء أعرفه هنا في العاصمة.. وأن أحكي له عن خبرتي فيها إنه يزورها للمرة الأولى"

سألته بفضول "هل سيبقى في تلك المدينة التي يعيش فيها؟"

هز رأسه ورد "أتوقع هذا.. فعمله وبيته وعيادة زوجته هناك.. كما أنه طوال عمره يفضل السكن بجوار البحر.. لا يحب صخب المدينة (وصمت قليلًا يفكر ثم أضاف) ما لم أعرفه بعد: ما الذي قرره أبي؟"



بعد قليل أغلق صقر الذي وصل قبل دقائق البوابة بعد أن رحل الجميع واستدار لمروان الذي سأله "هل ستنام أم تريد أن نسهر"

رد صقر وهو يرى الارهاق باديًا عليه "أنت تحتاج للنوم.. أَجِّل أي شيء للغد.. تصبحان على خير"

قالها وتحرك نحو الطابق العلوي تسبقه لُچَيْن بينما نظرت سيلا لمروان وقادته نحو غرفتهما في الطابق الأرضي، فدخلا البيت بحذر حتى لا يوقظان عبد الله الذي سبقهما للنوم بعد أن عاد من عند ابراهيم سماحة قبل ساعتين.

في الطابق العلوي دخل صقر البيت فوجد لُچَيْن تلملم الأطباق وأكواب العصير فسألها "هل نام الولدان؟"

أجابته "نعم.. لقد وصلا مع الدكتور عبد الله واغتسلا ثم ذهبا للنوم"

هز رأسه وتحرك نحو الداخل فأسرعت بسؤاله "هل تريد أن تأكل؟"

أجاب باقتضاب وهو يجبر قدميه إجبارًا مؤذيًا بمواصلة التحرك للأمام "لا أريد"

وقفت تتطلع فيه حتى دخل غرفته ثم تمتمت لنفسها " ما بك لُچَيْن إنه ينفذ ما طلبتيه.. (وعادت لتتمتم وجرح نافذ في القلب ينزف) ينفذه وكأنك هم انزاح من فوق صدره"

في الطابق الأرضي وقف مروان في الغرفة يتأملها ثم نظر لسيلا التي جلست على السرير وقال "هل تصدقين أننا في بيت أهلي... هل كنت تظنين أن يومًا كهذا سيأتي"

ابتسمت وسألته بدورها "هل قضيت وقتًا جيدًا بالخارج"

أطلت السعادة من عينيه وهو يجيب "نعم تعرفت على أصحاب رامز وأحمد.. ثلاثة شبان لهم شخصيات مميزة.. كان صادقًا حينما قال بأن لهم فضلًا في مساعدته في الخروج من أزمته"

تحركت عيناها السوداوان تراقبانه وهو يقترب حتى جلس على السرير بجوارها ثم استلقى على ظهره يحدق في السقف فمالت لتتمدد بجواره مستندة على مرفقها وأخذت تتأمله.

تركت عيناه التحديق في السقف ونظر إليها يقول وهو يعدل لها خصلة فرت من عقدة شعرها "هل شعرت بالملل في غيابي؟"

أجابت بصدق "الحقيقة لا.. فقد جلست مع البنات وتحدثنا في كثير من الأمور"

"وبانة؟"

قالها وهو يراقب تعبيرات وجهها وحاجبيها اللذين انعقدا وهي تسأله "ما بها؟"

أجاب وهو يكتم الضحك "ألازلت تغارين عليّ منها؟"

هتفت عابسة "أيها الوغد.. أنت مستمتع بما يحدث"

استمر في كتم الضحك فأخذت تضربه على ذراعه ليستسلم مروان للضحك وهو يقول "إياكِ أن تكوني قد تلفظت بكلمة (الوغد) أمام أحد"

تمتمت بنفس العبوس مستمرة في ضربه على ذراعه "لا تغير الموضوع.. هل تعجبك حالتي ولهذا تعانقها أمامي"

تأوه ضاحكًا ثم قال باستنكار "هل تضربيني في بيت أهلي؟!"

حين استمرت فيما تفعل أمسك بها، واعتدل فأجبرها لأن تستلقي على ظهرها وخيم فوقها يقول وهو يناظرها بنظرة انتقامية "هذا الأمر لا يمكن السكوت عليه"

مال على رقبتها يدغدغها بأسنانه فصاحت ضاحكة "لا مروان.. كف عن الفظاظة أيها الوغد"

تجمدا في اللحظة التالية حينما أدركا بأن صوتها كان عاليًا فهمس لها "ستفضحيننا"

همست تقول ببرود "أنت من سيفضحنا.. ابتعد"

تجاهل ما قالته ودفن رأسه في حضنها يتمتم "أريد أن أسترخي ها هنا.. واضمك بقوة"

مسدت على شعره تتمتم "بدل ملابسك أولًا"

غمغم "سأفعل، ولكن دعيني قليلًا"

ضمها في عناق قوي أثار دهشتها، يلملم به أشلاءه المبعثرة ويرتب فيه أفكاره المشتتة ويستوعب ما مر عليه اليوم من معلومات وحقائق، يفكر في بانة وصقر وفيمن تعرف عليهم، يحلل وضع عائلته، ومخاوفه الدفينة من إثارة موضوع هويته، ثم يُحلِّق به طائر الأفكار إلى عابد الصواف فيشعر بالقلق من معرفته للحقيقة. وانتهى ذلك العناق وتلك السباحة في مسار كوكبها بأن استرخى وغاص في بحر النوم، فظلا لفترة مستلقيين بعرض السرير حتى نجحت سيلا في إيقاظه وتحريكه لينام معتدلًا.

تطلعت في ملابسه التي نام دون أن يبدلها، ثم تنهدت وقررت أن تخلع عنه جوربه وتستلقي بجواره تتأمل وجهه وتحدد ملامحه بأطراف أصابعها حتى غلبها سلطان النوم فلم تدرِ متى نامت وهي متشبثة بذراعه.

××××

وقفت بانة أمام المرآة تتطلع في المنامة الناعمة التي ترتديها ثم عدلت من شعرها العسلي ورفعت عينيها نحو ساعة الحائط تتساءل عما يفعله زوجها حتى هذا الوقت خارج الغرفة.

لقد عادا صامتين من عند بيت الخازن وحين اقتربا من البيت استيقظ عز الدين لهاذا أسرعت بمجرد أن وصلا بالدخول بالصغير إلى غرفته والبقاء بجوار سريره حتى عاد للنوم.

توقعت أن يبادر أحمد بالتحدث معها بعدما ظهرت النتيجة، لكنه لم يفعل، بل ظل على حالته التي عاد بها من المنتجع، صامت، منزو، يتحدث معها في أضيق الحدود، ورغم شعورها بالضيق لكنها كلما فكرت في أخيها الذي منعها من الاقتراب منه وأجل فرحتها به، تشعر بالذنب تجاه فراس فتقرر الانتظار حتى يظهر التأكيد لأحمد، وتوقعت بعدها أن يعود الأخير لمناغشتها خاصة وأنها تعلم بمدى شوقه إليها. ولن تنكر شوقها هي الأخرى إليه، حتى لو لم تعترف بذلك بشكل مباشر.

أما أحمد فكان في غرفة مكتبه يدور حول نفسه، يريد أن يبادر بالحديث وإنهاء الخصام، لكن كبرياءه المجروح منذ أن خاصمته يلح عليه ويمنعه. تساءل إن كانت قد نجحت في إعادة عز الدين للنوم، وهل لا تزال مستيقظة أم أنها قد نامت. إن فعلتها سيغضبه ذلك كثيرًا.

فتح هاتفه وبحث عن أغنية بعينها في تحايل مضحك على كبريائه، فشغل الصوت ووقف يتطلع من النافذة على الشارع بينما صوت عبد الحليم يملأ أجواء الغرفة ويتسلل عبر الفراغات إلى خارجها.

سيبه يا قلبي يخاصمك سيبه

بكرة الشوق يناديه ويجيبه

تسلل الصوت خافتًا لمسامع بانة فاتسعت ابتسامتها وتمتمت من بين أسنانها "سيستيقظ عز الآن وسيلوي هو فمه"

أسرعت بوضع ملمع شفاه وكلمات الأغنية تتسلل إليها متمتمة "تمام يا باشمهندس تريدني أن أبادر أنا بالكلام"

تترجى مين!

وهو مش سامع كلامك

وتقول لمين!

وهو مش داري بغرامك

مسيره يرجع لذكرياته

وبكرة يندم على الي فاته

قربت أقول مليته.. مليته

من كتر ما اترجيته.

رفعت حاجبها تتمتم وهي ترش القليل من العطر "مللتني يا أحمد!"



انتشرت ذرات العطر في الهواء، وطارت إلى الخارج وبالتحديد إلى الغرفة المجاورة فالتقطتها أنف ذئبية واتسعت ابتسامة صاحبها فوقف يدلك عنقه من الخلف وهو يتساءل إن كان عليه أن يذهب إليها.

حاول كبريائه منعه، لكن الشوق المستعر كان أقوى من أي إرادة فتحرك نحو الباب في الوقت الذي سمع فيه باب الغرفة الأخرى يفتح. فارتبك وابتعد عن الباب ثم أسرع بإغلاق الأغنية ورائحة العطر تزداد قوة مع اقتراب صاحبته.

فتحت بانة باب المكتب فوجدته يقف عند مكتبه يولي لها ظهره وفي يده تمثال صغير من الخشب لم يكتمل كان يعمل عليه قبل أيام، فقالت وهي تتحكم في ابتسامة ملحة "هل أنت من شغلت الأغنية؟"

أجابها دون أن يلتفت إليها متفحصًا التمثال لسبب لا يعلمه هو نفسه "أية أغنية؟"

عقدت ذراعيها تحت صدرها تجيب "أغنية عبد الحليم"

تمتم مستمرًا على وضعه "الهاتف شغلها وحده يبدو أنني قد لمست مشغل الموسيقى بالخطأ.. هل تريدين شيئًا؟"

ردت بلهجة لئيمة "لا شيء.. جئت فقط لأخبرك بألا تشغل أي صوت فعز سيستيقظ وسيبقى ساهرًا حتى الصباح"

كلاهما كان مكشوفًا للآخر، مقروءًا لرفيقه، يعرف فيم يفكر وماذا يتمنى حتى في أحلامه، ورغم هذا كانت اللعبة بينهما تزيد إمتاعًا بالمراوغة فتمتم أحمد "شمس نامت مع جدتها؟"

"نعم"

لم يجد ما يضيفه وهو مشغول بالتحكم في نفسه كي لا يندفع نحوها، منتظرا كي يرى ماذا ستفعل، لكن ذلك العطر يصعب الأمر عليه. لقد أضحت بنت الخازن خطيرة وهي مطلعة على كل نقاط ضعفه وهذا بالطبع من ضمن مخططاتها للسيطرة عليه كما يحب أن يصف الأمر.

"هل ستنام؟"

قالتها بدلال وابتسامة شقية تزين شفتيها وهي تراقبه فتمتم دون أن يستدير "اذهبي أنت وسألحق بك"

تحركت، فتسارعت أنفاسه وهو يستشعر دنوها منه حتى وضعت بانة كفها على ظهره تقول هامسة بلهجة مشتاقة "ولكني لن أستطيع النوم بدونك يا كونت"

كلماتها أشعلت فتيل أعصابه، لكنه تمتم بكبرياء يلفظ أنفاسه الأخيرة "يكفيك أحضان أخويك يا دكتورة بانة.. ماذا ستريدين من شخصي البائس الذي تعاقبينه بدون سبب"

"بدون سبب!"

قالتها باستنكار وهي تديره ليواجهها فبلع أحمد ريقه وهو يتطلع في المنامة الحريرية التي ترتديها من بنطال وبلوزة لها حمالات رفيعة عليها روب قصير مفتوح يكشف ما تحته بكرم بالغ، ثم انتبه لملامحها العابسة فتمتم مجادلًا بكبرياء يجاهد كي يتمسك بالنفس الأخير المتبقي منه "نعم بدون سبب.. فمن المنطقي أن أتأكد من أنه أخوك بيولوجيًا "

عقدت ذراعيها تحت صدرها تقول "والآن هل تأكدت"

هز رأسه وتكلم بصدق ودون مراوغة "نعم.. وسعيد من أجلك صدقيني.. رغم أن هذا الوضع يزيد من استفزازي.. لكني في غاية السعادة أن الله قد جبر بخاطرك.. لا تعلمين كم كنت متألمًا من أجلك.. خاصة بعدما قيل لنا بأنهم قد وجدوا القبر..."

وضعت يدها على فمه تمنعه من الاسترسال، وتمتمت بلهجة متألمة "لا تكمل بالله عليك بشأن هذه السيرة.. وعليك أن تعلم أنه لأمر صعب عليّ أنا الأخرى خصامك، لكني كنت أشعر بالذنب تجاه أخي وبالقهر في قلــ..."

قطعت حديثها حينما أبعد يدها ومال يلتهم شفتيها وقد نفذ منه الصبر وانتهت قدرته على التحمل، فسقط في شباكها راضيًا واستسلم لها كي تحيك مؤامرتها حوله، فما كان من بانة إلا أن تعلقت بعنقه وسمحت له بأن يخبرها بلغته الخاصة عن مدى شوقه إليها.

حين نزع عنها الروب بعد برهة وألقاه أرضًا بغير صبر همست وهي تستشعر قبلاته الحارة على عنقها "ماذا تفعل بالضبط.. نحن في المكتب وابنك قد يستيقظ في أية لحظة"

تمتم بخفوت لاهث ويداه الخبيرتان بتفاصيلها تعرف نقاط ضعفها "سريره له سور عالٍ وشمس تبيت لحسن الحظ مع جدتها، ولهذا الشقة بالكامل ستكون لنا الليلة"

تمتمت ساخرة "أحمد.. ابنك يتسلق حتى الحوائط"

ضحكة مكتومة في عنقها صدرت منه أتبعها بالقول "لا تقلقي ابن أبيه سيكون طفلًا لطيفًا الليلة ويترك لوالده الفرصة لمعاقبة أمه"

"معاقبة!"

قالتها باستنكار فرفع وجهه يتأمل عينيها هامسًا بأنفاس حارة مختلطة بعطره القوي "ألم تعاقبيني على ما فعلت بخصامك لي.. حان الآن وقت عقابك على خصامك لي"

قالها وهو يلصقها بالحائط خلفها، وينزع عنه قميصه دون صبر فيلقي به أرضًا بدون اهتمام، ثم يميل عليها ليكمل عقابه المشتاق لبانة الخازن صاحبة المؤامرة الدولية للسيطرة عليه.

××××

في اليوم التالي

العاصمة الأجنبية

الثامنة صباحًا

قال سراج "إذن والدها الراحل كان مليونيرًا كما قالت البنت"

تمتمت جلفدان مجادلة "ولكنه رجل شعبي يا سراج.. صحيح يمتلك عدة مقاه في العاصمة وبعض المحال التجارية وكان شريكًا لبعض رجال الأعمال المعروفين لكن لا يليق بنا"

زفر سراج علم الدين وقد مل الحديث في هذا الموضوع وقال "لم يعد الأمر كما تعتقدين يا جلفدان.. أقرب مثال عائلة خليفة ناسبت صاحب مصانع الحديد الذي كان من أصل متواضع وبنى نفسه بنفسه.. وأنت تعلمين أني لا أحب تقييم الناس بهذه الطريقة وتجربة منة الله كانت درسًا قاسيًا"

هتفت بعصبية "هل ستذلونني كلكم بهذا الموضوع!"

أغمض عينيه لثوان يستحضر برود أعصابه الذي يتميز به ثم عاد ينظر إليها قائلًا "لم أقصد شيئًا.. ولكن الشيء بالشيء يذكر"

استرسلت في إخباره بالمعلومات التي أخبرتها بها صديقتها عبر الهاتف قبل قليل فتمتمت "علمت بأن أخاها الملحن يعيش في حي للطبقة المتوسطة وزوجته مذيعة في الراديو.. وخطيب أختها ممثل جديد ظهر في أحد المسلسلات إنه وافد بالمناسبة.. ويعيش معهم في نفس الحي"

رد بذكاء ليقلب ما ذكرته لصفات إيجابية "ضيفي على هذا أن ابنك يحبها ومتمسك بها.. وأنه ينتظر موافقتك، حتى لو تأخرت رغم أنه لا يحتاجها"

عبست تقول باعتراض "ماذا تعني بأنه لا يحتاجها!"

قال يواجهها بالقول المباشر "جلفدان.. لماذا لا تواجهي الحقيقة بشجاعة.. ابنك ليس بحاجة لموافقتنا كي يتصرف في حياته.. وأنت تضيعين من سنوات عمره بعدم موافقتك التي ينتظرها احترامًا لنا"

طحنت ضروسها تقول بضيق "تعني أن ليزا أصبحت أمرًا واقعًا في حياتنا وليس علينا الاعتراض"

هتف باندهاش "ولماذا نعترض يا حبيبتي.. البنت رائعة.. وعاشت معنا عدة أيام.. ورأيناها بأعيننا.. وابنك يريدها وهي تريده.. أما الباقي فشكليات"

قالت بضيق شديد لاح على ملامحها "أنت لا تعلم ما الذي يقوله الناس"

رد عليها غاضبًا "أنت من تمنحين أُذنيك للناس يا جلفدان.. أما أنا فلست متفرغًا لذلك"

وقفت أمامه تفرك كفيها والأمر برمته يوتر أعصابها ثم تمتمت بصوت مختنق "يصعب عليّ أن يناسب اخوتي عائلات على مستوى عالٍ وأنا ابني الوحيد..."

زفر سراج يتمتم مقاطعًا "اخوتك هم أصل المشكلة لديك"

قالت باستنكار "ماذا تقصد!!"

غمغم متنهدًا "لا شيء"

دخل ريان الغرفة يقول باندهاش "أمي.. أبي.. هل هناك شيء؟"

استدار إليه سراج يرسم ابتسامة قائلًا "ليس هناك شيء يا دكتور"

حرك عينيه بينهما وسألهما "هل قررتما العدول عن السفر؟"

رد سراج وهو يلتقط السترة الخفيفة من فوق أحد مقاعد الغرفة الأرضية "ليتنا نستطيع.. لكنك تعرف أن الوضع في المستشفى لن يحتمل تأخيري أكثر من ذلك"

تمتم ريان مطمئنا "سأنهي أموري العالقة هنا وأقدم على استقالتي من المستشفى وألحق بكم قريبًا"

ربت سراج على عضده يقول "أنا في انتظارك إن شاء الله"

بعد ثلاث ساعات كان ريان يقف في المطار يودع أهله العائدين للوطن فتطلع في أمه التي بدت مقلوبة الوجه طوال الطريق لسبب لا يعلمه واقترب منها يقبل جبينها ويضمها إليه قائلًا "أراك على خير يا أماه"

رفعت أنظارها إليه شاردة وتمتمت بغصة في حلقها "أتمنى أن أعيش حتى أراك مستقرًا في الوطن يا ريان"

قال بلهجة دافئة "ما هذا الكلام المتشائم يا جوفي"

تمتمت بلهجة كئيبة "لا أدري.. ولكني أشعر بأني أصبحت عبئًا على الجميع"

أشفق عليها، فضمها إليه ونظر بحيرة لوالده الواقف على بعد خطوات يراقبها، ليأتيهم النداء الداخلي للرحلة التالية، فتركته جلفدان وتمتمت "انتبه إلى نفسك وعد بسرعة للوطن"

"إن شاء الله"

عانق الباقين، وحينما اقترب من والده قال له الأخير بلهجة ذات مغزى "انتظر مني خبرًا سيسعدك قريبًا إن شاء الله"

لمعت عيناه ومال يقبل كتف أبيه قائلًا بامتنان "لا حرمني الله منك يا أبي"

فربت الثاني على عضده وتحرك مبتعدًا، فوقف ريان يلوح لهم حتى اختفوا عن أنظاره ثم استعاد كلمات والده في رأسه وابتسم متفائلًا.

فتح هاتفه كي يخبر ليزا بأنه قادم إليها، لكنه عدل عن ذلك وقال وهو يهرول مغادرًا المكان "لنجعلها مفاجأة لمس لز"

××××

العاصمة

قبيل الغروب

لم يكن الأمر سهلًا عليه، لكن عليه أن يروض ذلك الخوف بداخله من فقده ثانية، وأن يمنحه الفرصة هو وزوجته لأن يكونا على راحتهما بعدما قضي عدة أيام معهما في شقتهما الصغيرة، لهذا كان يتماسك وهو يرى ابنه عند بوابة البيت يسلم على بانة قبل سفره.

تمتمت الأخيرة تقول لأخيها دامعة العينين "لم أشبع منك.. تحدثنا لبضع ساعات فقط"

رد مروان بحشرجة "أنا أيضًا (ومال عليها يهمس وهو يخطف نظرة سريعة نحو سيلا) لهذا أقترح أن نحدد موعدًا سريًا بيننا.. أنا أهرب من زوجتي وأنت تهربين من زوجك ونلتقي"

ابتسمت بانة، فعاد يتطلع في وجهها وهو يتذكر كيف وجدها في الصباح الباكر حينما خرج من غرفته في انتظاره، فتناولت معه الفطور الذي كانت قد أعدته مسبقًا وجلسا بعدها يتحدثان.. حتى سيلا لم تقترب منهما وتركتهما للثرثرة لعدة ساعات متواصلة.



أخبرته بانة برحلتها إلى هذا البلد، وخلعت قلبه بالأهوال التي لاقتها حتى وصلت لأرض المطار سالمة، ثم قصت عليه كيف عاشت وكيف التقت بزوجها. تفاصيل كثيرة أوجعت قلبه، وأصابته بالحزن. وكلما تحدثت أحس بالألفة معها أكثر وومضت في رأسه الكثير من الصور المقصوصة أو المشاهد السريعة، لكنها كانت تطير بسرعة قبل أن يدقق فيها. ومع كل دقيقة تمر يتعلق قلبه بأخته.

سألها حينما كانا يثرثران صباح اليوم "كيف كانت علاقتنا؟"

فأجابت "كنت مدللتك الصغيرة.. وكنت أحب هذا الشعور لأنه بعد وفاة أمي وحملي لمسؤولية البيت كان ذلك بعقلي الصغير يضايقني، فيأتي دلالك لي ليعيدني صغيرة كما أنا"

عاد مروان من شروده للانتباه لوقفته بجوار بوابة البيت ونظر نحو لُچَيْن يقول "أشكرك على استضافتنا وعلى الغداء "

ابتسمت ترد بلباقة "لا تقول ذلك فهذا بيتك"

نظر لصقر الواقف يديه في جيبي بنطاله، فاقترب منه يتمتم "لم يتسن لنا الجلوس أو الكلام"

رد صقر بلهجة متفهمة "كان لابد أن تجلس مع أختك أولًا"

"لماذا لا تزورني في المدينة؟" سأله مروان مقترحًا، فهز صقر رأسه ورد "إن شاء الله"

لم تشعره الإجابة بالرضا فعاد يسأله "متى؟"

ابتهجت دواخل صقر لإصراره فتمتم "سأرتب الأمر مع عبد الله وأخبرك إن شاء الله.. هل هذا معناه بأنك لن تأتي إلى هنا بشكل منتظم؟"

رد مروان بسرعة "من قال هذا الكلام.. لقد اتفقنا أنا وسيلا أن يكون لنا زيارة أسبوعية إن شاء الله"

ربت صقر على عضده يقول "هذا جيد لأني أريد أن أجلس معك أكثر وقت ممكن قبل أن أسافر"

"تسافر!"

قالها مروان بانزعاج شعر به في قلبه ليقول صقر "بيتي في الوطن.. وسأعود مع أسرتي بعد حفل زفاف رامز إن شاء الله"

صمت مروان ولم يرد لبرهة ثم قال "لنتحدث في هذا الأمر فيما بعد"

هز صقر رأسه فتركه مروان وتحرك أمام أنظار سيلا نحو أبيه الجالس على الأريكة في مدخل البيت وقال له "ألن تغير رأيك وتأتي معي"

رد عبد الله بابتسامة "أخبرتك بأن عليّ البقاء من أجل التوكيلات التي يريدها المحامي في الوطن.. سألحق بك خلال يومين ويكون حينها قد وصل الرَيِّس ضاحي من السفر"

وقف مروان مترددًا، لا يريد المغادرة، وكأنه طفل صغير سيبتعد عن والده، فنظر إليه عبد الله يكبت ما يعانيه هو الأخر ليبتسم مروان ويميل ليقبل كتف أبيه وهو يقول "أخبرني حينما تقرر، حتى آتي لأوصلك بالسيارة"

هز عبد الله رأسه، وربت على ذراعه قائلًا "بارك الله فيك يا فراس"

تحرك الأخير يودع آدم ونوح اللذين يلعبان بالهواتف على السلم منشغلين عن عالم الكبار بينما سلمت سيلا على لُچَيْن ثم اقتربت منها بانة تحضنها قائلة "انتبهي لأخي فأنا حماة صعبة"

رفعت سيلا حاجبًا مستنكرًا ونظرت لبانة التي قالت "لا يغرنك هذا الوجه الجميل.. فأنا لا أتهاون فيما يخص أخوتي"

نظرت سيلا لمروان وهو يقترب منهما ثم عادت لبانة تبتسم ابتسامتها الشريرة قائلة "ألم يخبرك أحد بأن لقبي هو الساحرة الشريرة!"

شهقت بانة ونظرت لمروان تقول "تزوجت من الساحرة الشريرة يا مسكين!"

نكس رأسه يقول بمسكنة "أوقعتني في هواها يا أختاه وليس لي علاج"

تعلقت سيلا بذراعه وتحركت معه نحو بوابة البيت تقول لبانة بإغاظة "نلقاك إن شاء الله حينما تزوريننا يا حماتي العزيزة"

ضحك الواقفون ومنهم بانة وهي تخرج خلفهم مع عمها الذي سأل مروان "هل تعرف طريق العودة أم أصفه لك؟"

رد الأخير يطمئنه، ثم لوح لهما وهو يركب السيارة فسألته سيلا التي استقرت بجواره "أين رامز؟"

رد وهو يشغل السيارة ويتحرك بها "لديه عمل مهم هو وأحمد بمصنع الموبيليا"



حين تحركت السيارة قالت سيلا بابتسامة شريرة "ها قد عدت لي وحدي وسأنفرد بك لعدة أيام أمارس فيها عاداتي الشريرة عليك"

ضحك ومد يده يتحسس خدها بظاهر أصابعه بحنو ثم نظر في المرآه الأمامية يتطلع في عمه وبانة اللذين لا يزالا واقفين وشعور جديد غريب عليه يعتريه مصحوبًا بغصة في الحلق بالرغبة في العودة لدفء الأهل.



عند البوابة سأل صقر بانة "ألن تدخلي؟"

أجابت نافية "لا أستطيع.. علي العودة.. فأنا منذ الصباح الباكر هنا"

هز رأسه فنظرت للداخل تقول "هل تريد مني شيئًا يا أبي؟"

تمتم عبد الله وهو يستند على عكازه كي يستقيم واقفًا "سلمت يا حبيبتي"



بعد قليل أغلق صقر البوابة ودخل للطابق الأرضي يسأل عبد الله الذي غير مكان جلوسه للداخل "هل أنت بخير؟"

غمغم الثاني " بخير ليس بي شيء.. أريد أن أتصل بالمحامي لأعرف آخر الأخبار"

هز صقر رأسه وقال "تمام.. سأصعد لأغتسل وأبدل ملابسي ثم أنزل لنجلس سويًا ونفعل ما تريد"

لم يرد عبد الله كان ساهمًا يجاهد شعوره بفراغ في قلبه بعد عودة فراس للمدينة بينما تحرك صقر يصعد من بين الولدين المرابطين على السلم للطابق العلوي الذي سبقته إليه لُچَيْن، في الوقت الذي كانت فيه الأخيرة تراقب غزل الواقفة في المطبخ تتطلع من نافذته المطلة على ساحة البيت.

إن هذه البنت تستفزها وتثير أعصابها، وحين تحدثت مع أمها بشأنها لم تجد أمها أي سبب يجعلها تشعر بهذا الشعور، فهي تطيع ما يلقى عليها من أوامر، رغم شرودها وأخطائها المتكررة التي لم تكن في نظر أمها تستحق التعليق عليها باعتبارها صغيرة السن.



وما يزيد من شعور لُچَيْن بالغيظ أنها غير قادرة على الإمساك بخطأ كبير تدينها به فكل تصرفاتها من النوع التافه في نظر الكثيرين لكنها تفاصيل تستفزها شخصيًا وتوتر أعصابها خاصة حينما يكون صقر في البيت.

دخل صقر الشقة وتحرك نحو غرفته في صمت فعادت لُچَيْن لمراقبة الفتاة. تطلعت في شعرها المكشوف حيث تتخلى عن غطاء رأسها في البيت، وجزت على أسنانها وهي ترى ذلك البنطال الجينز الضيق الذي ترتديه فاقتربت من باب المطبخ تسألها بضيق "أين البلوزة الطويلة التي كنتِ ترتدينها حينما وصلت صباح اليوم؟"

ردت غزل "خلعتها كي لا تتسخ"

قالت لُچَيْن "لديك مريلة المطبخ تستطيعين ارتدائها.. ومن الممكن أن تحضري ملابس أخرى أكثر راحة (قالتها وهي تدقق على الحروف) للعمل بها وتبدليها عند المغادرة.. عودي لارتداء البلوزة من فضلك"

قالت غزل بحنق" أشعر بالحر سيدة لُچَيْن"

تمتمت الأخيرة بإصرار "تحملي الحر قليلًا "

نفخت الثانية وتحركت نحو باب المطبخ فالتقطت من خلفه بلوزتها وبدأت في ارتدائها فوق البلوزة القصيرة.



في غرفته وقف صقر أمام الخزانة يدقق في الترتيب الدقيق المستفز للملابس فيها، وتطلع في الغرفة حوله وحدسه يخبره بأنها من قامت بذلك وهذه ليست المرة الأولى، رغم أنه قد طلب منها ألا تقترب من أي شيء يخصه واستشاطت غضبًا حينما طلب منها أن تترك أمر ملابسه وطعامه لغزل فردت عليه بأن أمها من ستقوم بالطهي يوميًا إن كان هذا يريحه. وقد قبل ذلك على مضض فلن يستطيع أن يعتمد على أكل المطاعم طوال الوقت، خاصة وهو موجود معهم، أي أن الوضع سيكون مستهجنًا. ورغم شكه في أنها هي من تطبخ وتدعي غير ذلك، لكن يكفي بأن تعلم أنه لا يريد شيئًا منها.

سحب ملابس من الخزانة بشكل عشوائي متعمد إثارة الفوضى في نظامها المغيظ، وأسقط بعض منها في الأرض فنظر له ببرود وتجاهله وهو يخرج من الغرفة نحو الحمام.

أسرعت إليه غزل تقول بابتسامة متسعة "هل أحضر لك القهوة يا سيدي؟"

أجابها دون أن يعيرها اهتماما "حينما أريد سأطلبها منك"

فتمتمت بنفس الابتسامة "تمام.. نادي علي فقط ستجدني فورًا أمامك"

لم يرد، وإنما دخل الحمام، في الوقت الذي كانت فيه لُچَيْن في غرفة والدتها تقول "هل يعجبك أن تخلع ملابسها وحجابها وتقف ببنطال جينز ضيق"

ردت منال "اهدئ لُچَيْن إنها لازالت مراهقة كما أنها ليست بالشارع"

" مراهقة! .. تسعة عشرة عامًا مراهقة! .. وتقولين بأنها ليست بالشارع يا أمي.. إن البيت فيه رجال ومن الواضح أنها لا تستحي"

قالت الأخرى مدافعة "تبدو هبلاء سليمة النية يا حبيبتي.. وبالنسبة لزوجك هي في عمر ابنته"

تمتمت بارتباك "لم أقصد صقر فقط.. قصدت الدكتور عبد الله أيضًا.. ألا تنزل لترتيب المكان بالأسفل"

ناظرتها أمها بنظرة خاصة متفحصة، فازداد شعورها بالغيظ وتركت لها الغرفة حانقة لتتمتم منال وهي ترفع أنظارها للسماء "هداك الله يا لُچَيْن ومنحك الصبر يا أبا فخر"



حين خرج صقر من الحمام تطلعت لُچَيْن بذهول من جلستها في الصالة في تلك السمجة التي خرجت من المطبخ فورًا وكأن أذنيها معلقتان بالصالة تنتظران خروجه، ورأتها تمنحه ابتسامة لم يلتفت لها وهو يتوجه إلى غرفته ويجفف شعره بالمنشفة، فراقبتها لُچين وهي تسرع نحو الحمام مما جعلها تنتفض واقفة وتسرع خلفها ثم وقفت عند باب الحمام تقول "ماذا تفعلين؟"

انتفضت غزل واستدارت تضع يدها على صدرها وهي تقول "أفزعتني يا سيدة لُچَيْن"

استفزتها ميوعتها فتمتمت بلهجة ساخرة "لا تؤاخذيني يا آنسة غزل (وهتفت بضيق من بين أسنانها وهي تحافظ على صوتها منخفضًا) سألتك ماذا تفعلين؟"

تمتمت الأخرى وهي تميل لتلتقط ملابس صقر الملقاة على الأرض "أعيد ترتيب الحمام.. ألم تخبريني بأن الحمام خط أحمر عندك ولا تتهاوني بنقطة ماء واحدة فيه"

انفجر الغضب بداخلها وكاد أن يخرج من أذنيها وهي تهتف من بين أسنانها بخفوت آمر "اتركي كل شيء مكانه"

تركت غزل الملابس واعتدلت تتطلع فيها باندهاش لتقول لُچَيْن بلهجة قاطعة وهي تكظم غيظًا مكبوتًا إن أفرغته في تلك المخلوقة الباردة المستفزة ذات الغرة الواقفة أمامها سيتهمونها بالجنون "سبق وأن أخبرتك بأنك ليس لك أية علاقة بأي شيء يخص أبي فخر"

تمتمت غزل بارتباك "أنا لم أفعل سوى.."

قاطعتها لُچَيْن ترفع سبابتها في وجهها وتوضح بدقة وتأكيد "ليس لك علاقة بالحمام بعد خروجه، ولا بغرفته، ولا بملابسه، ولا بأي شيء يخصه إلا إذا طلبه هو بنفسه منك، وحينها تخبريني كي أقول لك ماذا تفعلين.. هل سمعت؟"

امتقع وجه الثانية وتمتمت "أمرك"

سألتها بضيق "هل انتهيت من تنظيف الثلاجة كما طلبت"

هزت الأخرى رأسها تقول "لا.. كنت سأ.."

هتفت لُچَيْن بمزيد من الغيظ "هيا تفضلي"

خرجت الأخرى مكفهرة الوجه، فمرت من أمام لُچَيْن التي تابعتها بنظراتها حتى عادت للمطبخ ثم تمتمت في سرها "متى أنزلت هذه الغرة على جبينها!"

عادت لتنظر للحمام، وكادت ككل مرة أن تصاب بنوبة قلبية، فدخلته وهي تتمتم بغيظ "إنه يتفوق على نفسه في كل مرة يعيث فيها الفوضى في المكان"

مالت ترفع الملابس التي تبللت بالماء الذي يغرق الحمام وجزت على أسنانها بغيظ وهي تتطلع في الأشياء التي تحركت من مكانها وأصبحت في أماكن غريبة وغير منطقية والمنشفة التي وضعت فوق الحوض ثم رفعت عينيها للسماء تقول في سرها" يا رب الشكوى لغيرك مذلة"

××××

المدينة الأجنبية

قالت ليزا مخاطبة عددًا من الفتيات الواقفات أمامها على المسرح "أنا أعلم بأننا تعبنا وبذلنا مجهودًا كبيرًا، لهذا أنا متفائلة بشأن العرض الرسمي لحفلنا.. هل تشاركونني التفاؤل؟"

أومأت الواقفات برؤوسهن وهن يلهثن من المجهود لتقول ليزا "بقيت أيام قليلة ونرى نتيجة هذا التعب.. علينا فقط أن نواظب على التمارين ولا ننسى الملاحظات.. أراكم في المرة لقادمة"

تفرق الموجودون فذهبت ليزا إلى حقيبتها الموضوعة على الكرسي وأخرجت منها الهاتف تبحث فيه إن كان ريان قد أرسل لها شيئًا، فهو مختفِ منذ الصباح، لكنها لم تجد أي شيء فارتدت سترتها ثم لبست الحقيبة خلف ظهرها تحيي من تلقي عليها التحية من الفتيات ثم قررت المغادرة.

حين خرجت من بوابة المدرسة تنامى إلى مسامعها الموسيقى واللهجة العربية فأدارت وجهها نحو الصوت لتتفاجأ بريان يقف بجوار سيارته يحمل في يده باقة من الورد ويقلد بفمه وحركة ذراعيه ما يخرج من مشغل الموسيقى.

يا واحشني رد علي

ازيك سلامات

دنا أحبك قد عنيا

والعمر في حبك فات

سلامات.. سلامات يا وحشني

هتفت ليزا ضاحكة وهي تتطلع في الطلبة الواقفين لمشاهدة العرض "ريان"

تطلع فيها وهي تقترب منه وذبحت قلبه برشاقتها في الثوب الرياضي الذي رغم أنه لا يصف تفاصيلها إلا أن رشاقتها كانت واضحة حتى أمام ضعيف النظر.

وقفت أمامه تتطلع فيه بشوق فأهداها الباقة على أنغام الأغنية العربية وأمام أعين الفضوليين حتى أن إحدى الطالبات اللاتي يتدربن معها سألتها "هذا حبيبك مس ليزا؟"



نظرت للأخير بعينين لامعتين وقبل أن ترد كان ريان يجيب الفتاة بمسكنة "أحاول إقناعها بحبي لكنها لا تعيرني اهتمامًا"

سألت أخرى "هل أنت عربي لهذا تسمع أغانٍ عربية؟"

هز رأسه بتأكيد فقالت ثالثة "لماذا مس ليزا.. إنه وسيم"

ضحكات مكتومة تنامت إلى مسامعهما وهما يتطلعان في بعضهما فسألته ليزا "متى عدت؟"

"الآن"

تحركت عيناها فوق وجهه تحضن باقة الورد بدلا منه "هل سافر أهلك؟"

"نعم آنستي"

نظرت للورد بين ذراعيها وسألته "ما المناسبة؟"

رد بحشرجة خافتة "لأني اشتقت لك.. وبصراحة أحضرته كي تحضنيه بدلًا مني"

قالها وهو يمسح دموعًا وهمية عن عينيه فسألته ضاحكة "لماذا تبكي الآن.. ألم يتحقق ما تريد.. ها أنا أحضنه"

تمتم بلهجة باكية "لأني أغار من باقة الورد الآن"

لم تضحك، بل تغرغرت عيناها بالدموع ووضعت يدها على قلبها تتمتم "يا إلهي.. كم اشتقت إليك، وكم يبتهج قلبي عند رؤية وجهك ريان"

ارتجف قلبه كعصفور تبلل بانهمار المطر فوقه، فوقف أمامها واضعًا يديه في جيبي بنطاله وسحب نفسًا عميقًا يهدئ من إلحاح الاندفاع إليها كي يعانقها وقال "أعتقد بأن خطتي في امتصاص طاقة الشوق عندنا حين حضرت إليك هنا في مكان عام كانت جيدة.. فلا أعلم ماذا كنت سأفعل لو قلتِ لي هذا الكلام وحدنا"

سألت إحداهن "ماذا تقولان لبعضكما بالعربية؟"

قال لها ريان "كنت أحاول أقناعها أن تمنحني فرصة حتى أقنعها بحبي"

فنظرت الواقفات لليزا وأخرى تسأل "وما هو ردك مس ليزا؟ انظري إليه إنه وسيم.. أعطه فرصة"

ضحكت الأخيرة وقالت تجاريه في كذبته أمامهن "حسنا سأمنحه فرصة"

صفقت الواقفات بحماس فرفع ريان ذراعيه بانتصار ثم فتح لها باب السيارة كي تركب ولوح للفتيات بانتصار وهو يستدير حول مقدمة السيارة ويتخذ مكانه خلف المقود ثم أسرع بالتحرك بعيدًا عن العيون الفضولية، وكلاهما يستنشق عبير حضرة الآخر، ويعيد لقلبه دقاته التي تنبض بالحياة، بينما الشوق يلاعبهما ويتلذذ في عذابهما لكن الرفقة تهون أشد عذاب.

سألته ليزا تقطع الصمت "كيف حال شيطانك؟"

تمتم قائلًا "بات ألعن من ذي قبل خاصة حينما رآك (ونظر إليها يقول شاكيًا) كاد قلبي أن يتوقف حينما رأيتك قبل قليل.. من المفترض أن تذبلي في غيابي ليزا.. لا أن تزيدي حلاوة وجمال"

دغدغ قلبها بكلماته ورطب غزله عطشها فابتسمت تقول ساخرة "أووه حالة شيطانك صعبة ريان"

تمتم بلهجة باكية "صعبة جدًا أدركت ذلك الآن.. لهذا سأطلب كل المناوبات الليلية في المستشفى في الفترة القادمة.. ودعينا نلتقي فقط في ساعات النهار هنا أمام المدرسة"

ابتسمت دون تعقيب وأنزلت أنظارها للورد تتطلع فيه بإعجاب وتحضنه برقة فتمتم بغيظ "كفي عن ذلك"

ضحكت تدير وجهها نحو النافذة، فسألها "متى العرض النهائي؟"

عادت تنظر إليها مجيبة "اقتربنا"

"وبعدها؟"

تنهدت تقول "لابد أن أحجز تذكرة الطيران من الآن.. فعلي أن أكون مع رحمة في تجهيزها لأمور بيتها الجديد"

عاد لجديته وتمتم وهو ينظر أمامه "يبدو أنك ستعودين أولًا ثم سألحق بك فأمامي بعض الوقت لأنهي أموري هنا"

هزت رأسها بحزن، فأضاف "أتمنى أن نحصل على موافقة أمي قبل عودتك للوطن فعلاقتنا هناك ستكون مختلفة كليًا عن هنا"

صمتت ليزا وانقبض قلبها، بينما تمتم ريان وقد حط الهم فوق صدره "الله المستعان"

××××





بعد عدة أيام

أسرعت سيلا تقول بسعادة جمة وهي تتعلق بعنق عمها " ضاحي"

فتلقاها الأخير يعانقها بشوق كبير بينما وقف عبد الله في ساحة بيت الصواف يتطلع فيما يحدث خارج البوابة المفتوحة في انتظار أن يدخل ضاحي، فابتسم له مروان الذي يخرج الحقائب من سيارة سيلا التي ذهب بها لإحضار الرَيِّس ضاحي وزوجته من المطار.



قالت سندس بتململ "عدنا للميوعة"

ناظرتها سيلا بملامح طفلة بائسة وهي تتمرغ في صدر عمها بدلال بينما نظر ضاحي أمامه إلى عبد الله الواقف يستند على عكازه وابتسم كل منهما للآخر من بعيد، وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن طويل.



أبعد ابنة أخيه عنه برفق وتقدم بمشيته المميزة كتفاه مستقيمان، وقبضتاه مضمومتان إلى جنبيه فأخذ مروان يتطلع في المشهد الذي يعني له الكثير حابسًا أنفاسه.

وقف الرجلان أمام بعضهما فمد ضاحي يده للسلام ثم عانقه ليتمتم عبد الله بمحبة صادقة فاضت من قلبه "مرحبا بابن الأجاويد"

ليتمتم ضاحي " زارتنا البركة بزيارتك يا دكتور عبد الله"

في نفس الوقت كان رامز في العاصمة ينتفض واقفًا من مقعد استراحته في موقع التصوير وهو يتطلع في الهاتف ويتمتم بصدمة " هذا جنون.. ما يحدث هذا... جنون"

نهاية الفصل السادس والثلاثين

مع حبي

شموسة



soha, mo'aa, سبنا 33 and 67 others like this.


التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 05-11-22 الساعة 01:02 AM
Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-11-22, 12:11 AM   #2258

نَـــايّ
 
الصورة الرمزية نَـــايّ

? العضوٌ??? » 441063
?  التسِجيلٌ » Feb 2019
? مشَارَ?اتْي » 570
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » نَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond reputeنَـــايّ has a reputation beyond repute
افتراضي

رابط الفصل الاخير ياخذني الي رواية أخرى لابد انه خطأ من المشرفات

نَـــايّ غير متواجد حالياً  
التوقيع
رِياحُكم صلفة.. وأنا خاطري هش

عسى مُقبِلات الايام للخاطر مَسرّه🧡🌿
رد مع اقتباس
قديم 05-11-22, 12:25 AM   #2259

ولاء حنون

? العضوٌ??? » 400875
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 302
?  نُقآطِيْ » ولاء حنون is on a distinguished road
افتراضي

القفلة 😮😯
الفصل روعة تسلم ايدك شموسة 🌹


ولاء حنون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-11-22, 12:36 AM   #2260

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

إيه القفلة المريبة دى سنظل نضرب أخماس فى أسداس لتوقع ما يقصده رامز بهذا جنون ... لنا الله يا شموسة

لننتظر للاسبوع القادم

تسلمى يا جميلة فصل مليان بالمشاعر الدافئة المرحة


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:26 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.