آخر 10 مشاركات
جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          152 - الحلم الممنوع - مارغريت بارغيتر (الكاتـب : حبة رمان - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          حنين الدم ... للدم *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : رؤى صباح مهدي - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          القرصان الذي أحببته (31) للكاتبة الأخاذة::وفاء محمد ليفة(أميرة أحمد) (كاملة) (الكاتـب : monny - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree3784Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-05-22, 01:03 AM   #221

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثامن
***
ـ معاوية.
نطقت بها ملاذ بحشرجة الموت وغيابه، هرعن إليها مبهوتات من تبدل حالها في لحظة واحدة، سارعت سهام القريبة منها بدعم ظهرها مذعورة:
ـ من!..ماذا بك يا ملاذ، لم أفهم شيئًا.
ربتت على وجه ملاذ البارد بخفة، والأم اقتربت فزعة تجذبها وتضمها لصدرها هاتفة:
ـ احضروا لها ماءً.
وعن رباب الوحيدة التي سمعت الهمسة واضحة كليًا ساورتها الشكوك بجانب القلق ودنت من أمها تطوق ظهرها في محاولة حثيثة للتهدئة من روعها قدر استطاعتها:
ـ اهدئي يا أمي بالـتأكيد صُدمت مما سمعته مني، هذه أول مرة يحدث شيء مشين كهذا قرابة بيتنا.
أجلسوا ملاذ على وسادة كبيرة وتحلقوا حولها، أحضرت سهام كوب من الماء وطفقت تنثر بضع قطرات منه حملتها فوق أصابعها المضمومة بحرص، لم تقتنع الأم بتبرير رباب الواهي وتمتمت في دهشة:
ـ هذه ليست المرة الأولي التي تصيبها وغكة مماثلة، حدث لها ذلك منذ عدة أيام، لابد أن يفحصها طبيب أنا قلقة عليها.
انتبهت ملاذ لنفسها وحبست دموعها قدر استطاعتها ففضحها أثر الغصة في صوتها حين اعتدلت جالسة وتمسكت بكفي أمها الدافئين:
ـ لا تخافي يا أمي أنا بخير، هي صدمة بسيطة فقط هذه أول مرة أسمع فيها بشيء بغيض كهذا و ويكون قريبًا منا إلى هذا الحد.
راقبتها رباب عن كثب، تعرفها كخطوط يدها ولم تشترِ كذبتها الواضحة مثل خيوط النور، جثت على ركبتيها أمامها وزحفت ببطء صوبها، مدت كفها إلى وجنتي ملاذ الشاحبة وحثتها لتنظر إليها مباشرة:
ـ الأشياء البغيضة حولنا في كل مكان، علينا الحفاظ على أنفسنا والنأي بها بعيدًا عنها قدر استطاعتنا.
لا تفهم ملابسات الأمر لكن هاجس بعينه قد تملك منها جعلها تردف بأسف حقيقي:
ـ للأسف نعرف من أخطأت وهي جارة قديمة لنا ليتها تتوب وتعود لرشدها من أجل رضى الله عليها قبل رضى الناس.
صمتت لحظة واستأنفت فيما تمعن النظر في وجه أختها تراقب خلجاتها عن كثب:
ـ والرجل المذنب أيضًا أعرفه، هو من بلدتنا كذلك لكن في الجهة الأخرى، رجل متزوج ولديه طفل صغير.
تبدلت ملامح ملاذ كليًا وتهدجت أنفاسها كأن دبيب الحياة قد خطى إليها دون سابق إنذار، شهقت بعنف مما أكد لرباب هاجسها، وزادت الطين بلة حين تساءلت في لهفة واضحة:
ـ ما اسمه.
نهرتها أمها التي لم يعجبها مسار الحديث:
ـ بكفي إلى هنا فلا يصح أن نشارك في فضح الناس، عسى أن يسترهما الله ويسترنا.
أطرقت ملاذ صامتة وتشاغلت بالعبث في أطراف ثوبها الصيفي لتمسك سهام بيدها بغية الاطمئنان عليها:
ـ لا تشغلي نفسك بهذه الأشياء، من الأفضل أن تنسي ما حدث تمامًا.
أومأت برأسها لتعلق بصوت واهن:
ـ بالتأكيد، هذا أفضل فعلًا.
نهضت بعد ذلك قاصدة غرفتها، لا تعرف إن كانت سعيدة لأن السهم أخطأ هذه المرة وتورط شاب غيره في الفضيحة أم حزينة لأن ما حدث هو مجرد محاكاة لما بإمكانه الحدوث فعليًا، شهقت تمسد موضع نحرها برفق علّ لهيبها يهدأ وروحها تنام في أحضان السلام مجددًا، أطفأت الضوء وتهالكت على الفراش تواصل كبح أمواج مقلتيها، شعرت بالباب يفتح فرقعت رأسها من فوق وسادتها، وجدت رباب تدلف وتعلق الباب خلفها مفسرة:
ـ سأنام جوارك الليلة إن لم يكن لديكِ مانع.
تصلب جسدها وهلة قبل أن تتنهد وتفسح لها المجال لتدنو من الفراش وتستكين جوارها، مسدت رباب شعر أختها وراحت تمتم بآيات قرآنية حتى غفت ملاذ كليًا دون أن تخوض الأخرى فيما حدث بالخارج وتزعجها بالأسئلة..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-05-22, 01:06 AM   #222

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

***
الضفدعة تتكيف مع الماء الساخن إن تم رميها في إناء تحته موقد مشتعل، تتكيف إلى حد معين ومن ثم تقفز هاربة قبل حيز الغليان، باتت مأوى لياليها على صفيح ساخن، لا تجلس في محل أكثر من دقيقة، ودت القفز خارج اللعبة القذرة وترك الجيمع خلفها سوى زكريا، الرجل الذي هيأ لها الجنة وأسكنها فيها، فقد ودت الهرب برفقته إلى نهاية العالم..
استيقظت بعد ساعتين اختطفتهما من الليل بأعجوبة لتنام فيهما نومًا قلقًا لم يمنحها الراحة كما اعتادت ذي قبل..
غادرت غرفتها وتوجهت صوب الحمام تستحم بماء بارد تغسل عن كاهلها قدر من سخونة الأفكار التي أرهقتها ليلًا..
غادرت الحمام ترتدي جلبابًا صيفيًا طويلًا وتفرك خصلاتها بمنشفة قطنية، قابلت أمها التي اجتازت باب المطبخ تحمل صينية الفطور وتشير إليها:
ـ حضرت الفطور يا مأوى.
ألقت بالمنشفة على كتفها وغمغمت بصوت مكتوم:
ـ سأذهب إلى نادرة قبل تناول لقمة واحدة.
انحنت أمها تضع الطعام فوق الطاولة الأرضية واعتدلت تستدير ووتوجه صوبها معلقة في سخط:
ـ وماذا ستفعل لكِ نادرة يا ابنتي؟.
لم تكن تمتلك إجابة شافية إلا من خيط أمل واهٍ يجعلها تتشبث بتلك الزيارة، فرقت شفتيها وتزامنت حروفها مع زفرة حارة:
ـ ربما تبعده عني وتخاف أن أخرب له حياته مع زوجته.
انقبض قلبها وقضمت شفتيها مع آخر كلمة نطقتها، لا تعرف كيف سيستقبل زكريا ذلك الخبر لكنها تتمنى أن يهدم المعبد فوق رؤسهم ويشفي غليلها..
شعرت بكفي أمها يلامسان ذراعيها بعد اقترابها المفاجئ منها، فباغتتها قشعريرة جعلتها تتراجع للخلف عابسة، كانت أمها رافضة كل ما يدور في عقل ابنتها وتريدها أن تحسب خطواتها كيلا تقع في الأخطاء وتورط نفسها، تقدمت أمها منها ثانية تهادنها بهدوء:
ـ زوجك سيحطم رأسك إلى عرف بتصرفاتك الهوجاء يا مأوى، اسمعيني يا ابنتي أنا أريد مصلحتك.
نفضت نفسها وهرولت صوب غرفتها تصم أذنيها كليًا:
ـ لن أظل مكتوفة الأيدي قليلة الحيلة منتظرة نتائج أفاعيلهم الحقيرة يا أمي.
تربعت الأم على الأرض وأسندت ظهرها للحائط ومالت برأسها للأمام تسكب همومها وحزنها على حال ابنتها بين راحتي كفيها الذين حاوطا صدغيها في أسف..
غادرت مأوى البيت تلتحف بعباءة سوداء وتعتمر وشاحها الداكن لتسير بين أروقة القرية وأزقتها تختبيء قدر استطاعتها من أي متلصص قد ينقل أخبارها إلى زكريا، ازدردت لعابها حين وصلت الطرف الآخر من قرية الهلالي حيث بيوت عائلة سلامة المتراصة مبتاعدة على بساط أخضر مثل رؤوس صاخبة متصل بها ذيول لا منتهاهية من الأفدنة التي تمتلكها العائلة، تدفق الدم بوتيرة مرتفعة إلى رأسها فكادت تختنق من فرط انفعالها، تكره المكان رُغم صورته البديعة، وتكره أهله ولا تتذكر لهم سوى الحنظل الذي ذاقت مرارته برفقتهم، حين وصلت البيت المنشود توقفت أمامه ترفع رأسها إلى الطابق الثاني الذي شهد خيبتها الأولى والخيبات الكثيرة المتتالية، تذكرت ما حكوه لها بالتفصيل، لم يكن سلامة وحده هو المذنب في حقها فنادرة نفسها كانت جانية هي الأخرى، أخبروها أنها ألتقت بكل أشيائها من الشرفة العلوية إلى الشارع كرد مباشر على تصرفها في الجلسة العرفية، أتلفت لها ملابسها التي وصلتها ممرغة في التراب لا تصلح لشيء وحطمت متعلقاتها الزجاجية ودمرت ما تبقي لها كليًا، في الحقيقة قد حصلت على مقابل مادي أكثر من مناسب من سلامة جراء ما فعلته أمه لكنها لم تنسَ سوء معاملتها لها وتجاهلها المستمر لوجودها في بيتها مهما حاولت التقرب منها أو من أولادها الذين ساروا على نهج أمهم سوى مرح التي بالغت في الاهتمام بسلامة وتوصيتها عليه حد اختناقها منها، أخفضت رأسها وهدلت أكتافها اللذين أتعابها من كثرة ما يحملان من أوجاع تجرعتها كلها بين جدران هذا المنزل وبين أهله..
كان الوقت باكرًا ونسائم الصباح لا تزال تنسدل فتلطف الأجواء قبل سطوع شمس الصيف وحرورها، التقطت من أنفاس الصباح شهيقًا عميقًا وعدلت من وضع حجابها قبل أن ترفع يدها وتدق جرس المنزل الخارجي، وقفت أمام بوابته الحديدية الضخمة تشد ظهرها وترفع هامتها كيلا يدعسوها تحت أقدامهم إن لامسوا من جانبها ضعفًا، بعد عدة دقائق فتحت لها خادمة نادرة العجوز وشقهت متراجعة للخلف ومستنكرة:
ـ مأوى!
رمقتها مأوى بغل فقد تغيرت صفتها من سيدة مأوى كما اعتادت تناديها إلى مأوى فقط كما نعتتها الآن، طلت الوقاحة من عينيها وتساءلت دون إخفاء حقدها:
ـ أين نادرة؟.
تجهم وجه المرأة لوهلة قبل أن تشير للخلف وتجيبها:
ـ سيدتي نادرة بالداخل، جالسة في الباحة كعادتها.
تسلل صوتها الذي تكرهه مأوى وأزعجها حين اخترق مسامعها:
ـ من بالخارج يا أم جمال..
مدت مأوى يدها بعزم ودفعت البوابة لتصدر صريرًا مزعجًا على غير عادتها، ظهرت لها وأنتشت بوقع الصدمة على وجه نادرة التي تحفز جسدها الثقيل فوق مقعدها الوثير:
ـ أنا يا ست نادرة.
أطلقت حروفها بسخرية مبطنة جعلت نادرة تتمالك نفسها وتتجاوز صدمتها سريعًا وتشحذ ما تبدد من هيبتها لتظهر لها بمظهرها العتيد الذي تعرفه جيدًا:
ـ قدم النحس يا ابنة مكاوي.
ضربت مأوى الباب بكفها بحدة مقصودة واغتصبت ابتسامة كريهة قبل أن تمد قدميها للداخل:
ـ نحن متفقتين إذًا.
أغلقت الباب متجاهلة العجوز الواقفة جوارها وأقبلت على نادرة التي عاودتها الصدمة من جرأة مأوى، مأوى التي أردفت برأس مرفوع كارتفاع النخيل المتراقص سعفه حول المنزل:
ـ قدمي نحس وجلستكم كجلسة إبليس يا أم سلامة.
تصنعت نادرة اللامبالاة وطفقت تحضر كوب الشاي الصباحي دون اهتمام بتقديم واجب الضيافة لمأوى غير المدعوة على الإطلاق، وضعت حبيبات الشاي السوداء مع وريقات الورد الجافة ذات الرائحة المميزة فوق الماء الذي يغلي ببطء في دلة الشاي الصغيرة وسألتها دون أن تظهر لها أي اكتراث يُذكر:
ـ ما سبب طلتك السوداء علينا هل أتيتِ لتعكير صباحي!
جذبت مأوى مقعدًا ووضعته على بعد عدة أمتار منها، رأت معاوية الذي لم يكن يرفع عينه ناحيتها يومًا يقف أمام البيت الداخلي يرمقها بوقاحة مستحدثة قبضت قلبها، وأخته السخيفة فرح تقف جواره تحمل كوبًا من اللبن في يد وفي الأخرى كمشة من المخبوزات، ابتسم لها معاوية بخبث واضح وقال مستغربًا:
ـ مأوى!... اشتقنا إليكِ.
صمت لحظة وسألها بنبرة ذات مغزى:
ـ كيف حالك مع زوجك الجديد؟
صمت مرة جديدة وأردف مضفيًا مزيدًا من الخبث على حروفه:
ـ أرجو أن يكون جيدًا وأموركما بخير.
احتقن وجهها وارتعدت أوصالها غيظًا ثم أشاحت بوجهها عنه وأطلقت من عينيها شررًا فيما تحذر نادرة بصلف:
ـ انصحي أبو زيد الهلالي سلامة والزناتي خليفة بالابتعاد عن طريقي.
فاحت السخرية من حروفها لكن معاوية وفرح انفجرا ضاحكين وسأل معاوية أخته فيما ينظر إلى مأوى مباشرة:
ـ من تبقى لإعلان الحرب؟
قضمت فرح قطعة كبيرة من المخبوزات أتبعتها بشربة لبن وأجابته ضاحكة:
ـ عدا عن نادرة الشريفة وسيفين وجوادين نريد ربابة كي أعزف عليها فيما أنشد أحداث الحرب أمام الجماهير الغفيرة.
قالتها وأشارت أمامها بمسرحية، كبح معاوية ضحكاته وأخبر مأوى إمعانًا في غيظها:
ـ أريد التوضيح فقط أن أبطال السيرة الهلالية اللذين ذكرتهما كانا عدوين أما هنا أنا وسلامة إخوة من حظك السيء..
استند للحائط دون انتظار لردها لأنه بات يفهما ويعرف أنها ستحاول قلب الطاولة، توجهت بالحديث إلى نادرة التي تشاغلت بقصد بكوب الشاي الذي صبته لتوها:
ـ أريد منك أن تبعدي سلامة عن طريقي.
وضعت نادرة الكوب على الطاولة أمامها واتكأت بمرفقها إلى حافة مقعدها:
ـ أنتِ من أغضبتِ سلامة يا مأوى وسلامة حِرُّه شين.
انتفضت مأوى من جلستها وأوشكت على الانقضاض عليها كمختلة:
ـ حِرُّه شين هنا في بيتكم وعندكم أنتم لكن أنا امرأة متزوجة وليس له عندي شيء يجعله يترصدني ويحاول هدم حياتي مع زوجي.
كان معاوية قد قفز ووقف جوارها مراقبًا كل حركة منها حتى إذا ما تطاولت على والدته يدفنها محلها، سمعت مأوى هدير أنفاسه الغاضبة جوارها وزعقت حين التفتت بوجهها إليه:
ـ ألن تنتهي صلتي بهذه العائلة القذرة.
أشعلت غضبه فأزاحها بلكمة عنيفة استهدفت ذراعها جعلتها تقطع عدة خطوات إليه عدوًا ويجن جنونها:
ـ أقسم لك يا معاوية إن لم تبتعد عن طريقي لأفتعل لك فضيحة لن تنساها القرية.
توحشت نظرتها أكثر فيما تردف بغل صريح:
ـ بالتأكيد لم ينسوا فضيحة أخيك حتى هذه اللحظة.
انتهت حروفها وحل محلها صرخة ألم غادرت حنجرتها إثر القبضة الشرسة خاصة نادرة التي طالت خصلاتها المعقوصة أسفل حجابها، تدخلت فرح التي تركت كوب الحليب وهرولت صوب أمها مع الخادمة العجوز، وتدخلها لم يكن لتخليص مأوى ولكن لتسأل أمها:
ـ تريدين حذاءً قديمًا أم نربطها بحبل الغسيل ونكوي جلدها بهذه الجمرات المشتعلة كي تتذكرنا مدى الحياة يا أمي.
تجهم الجميع مصدومًا واحتشدت كل النظرات على وجهها البريء تحديدًا فيما انطلق صوت مأوى صارخة:
ـ تحرقون من يا فتاة، اذهبي من أمامي قبل أن أمزق وجهك القبيح هذا.
شددت نادرة في قبضها على خصلاتها فتجمعت عبرات الألم في عينيها لتسمع ناردة تقترب منها وتهمس قرب أذنها بفحيح:
ـ إياكِ والتطاول على أولادي ثانية، سأتركك ترحلين اليوم لأنني لا أريد تعكير الصباح أكثر من ذلك.
حررتها ودفعتها بعيدًا عنها لتبتعد مأوى عن مرماها وترميهم بنظرات حارة تبغى حرقهم بها وتنثر رمادهم في المدى، سارت صوب الباب وقبل أن تجتازه أدارت وجهها إليهم ثانية وانطلق الشرر من عينيها الحمراوين:
ـ سأجعلكم تندمون على كل حرف تفوهتم به في حقي.
عادت بيت عائلتها مدحورة تجتر القهر وتتوعدهم ألا تترك فرصة للقصاص لنفسها والتنكيل بهم جميعًا.


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-05-22, 01:09 AM   #223

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

***
تصدمه الأقدار حين تأني سريعة كاسحة تأكل الأخضر واليابس وتتركه على قارعة الطريق لا يدري كيف حدثت، بعد رحيل المشئوومة مأوى التي لا يراها سوى غراب أسود يحوم حول رأسهم رغم جمالها الذي يتحاكى به الجميع قاد سيارته صوب صيدليته وطوال الطريق لم يكن يشغل باله سوى كيفية النيل من مأوى الغبية..
صف سيارته أمام الصيدلية وترجل منها ويمارس عمله، زاره زبون ثرثار وحكى له بالكارثة التي سمرته محله، امرأة لعوب كُشف ستر ليلها وافتضح أمرها مع شاب من أهل القرية، الجميع يعرفونه كما يعرفونها، ظل جالسًا طيلة النهار شاردًا تحوم حوله المتدربة سميرة، فتاة من أهل القرية تدرس الصيدلة وتأتي في فراغها تتعلم منه تارة وتعاونه أخرى، ومن حظها الجيد صرامة ملامحها وقدها اليابس إضافة إلى تلك النظارة الطبية اللعينة التي تجعلها تشبه مُعلمة في مدرسة راهبات لا يصح التجاوز معاها، غير أنها عذراء صغيرة وليست نوعه المفضل، اقتربت منه تسأله في اهتمام حين لاحظت جلسته الثابتة على مقعده رغم أن من طباعه الحركة والنشاط المستمرين:
ـ ماذا بك ليس من عادتك أن تجلس هادئًا هكذا.
رفع رأسه لها بغتة فضايقتها نظرة الاستنكار في عينيه مما جعلها تتراجع للخلف خطوة وتندم على سؤالها، نهض يناظرها من علو يضيق عينيه ويسأله بفظاظة:
ـ هل تضايقك جلستي الصامتة.
قلبت كفها في الهواء مبررة:
ـ سألتك بدافع إنساني لا أكثر لكن أنا مخطئة لأني أظهرت لك اهتمامي.
قالتها وأدارت ظهرها تنشغل بعملها فبُهت من استهانتها به وتذكر ملاذ التي حدثته بطريقة مماثلة طايقته قبلًا..
غادر الصدلية تاركًا إياها خلفه مندهشة من وجومه ورحيله المفاجئ دون تبرير مناسب إضافة إلى طريقته الفظة التي يستخدمها لأول مرة معها..
شد عوده المديد على باب الصيدلية وتوجه صوب السيارة القابعة أمامه، أسند كفيه لحاجزها المعدني ورفع بصره يمشط المدى وصولًا إلى الشمس الحارقة فوق رأسه، أتعبت عينيه أشعتها المباشرة فأخفض رأسه ثانيةً يطبق أجفانها على خيالات وهمية متراقصة، وابتلع مذاقًا صدئًا يكافئ مرارة عامين، تلك المرارة التي تسكن حلقه فور تبدد طعم اللذة، اللذة الفائقة التي يحوذ عليها بين ذراعي نجوى ومثيلاتها، مر على تسعة نسوة خلال عامين حتى توصل للخلطة السرية التي تناسبه، امرأة في منتصف الثلاثين أو على مشارف الأربعين لديها من الخبرة ما لا يترك مجالًا للخجل بينهما ومن الحنان نبع فيّاض يغمره غمرًا تدلله كسلطان فاتح له حدود مشارق الأرض وحدود مغاربها وتمنحه صك البطولة والسلطة الذكورية إذ تشعره بأنه السيد الوحيد والحاكم بأمر الذي حلمت به طوال عمرها ووجدته أخيرًا، فتح باب السيارة وجلس على مقعد القيادة فجأة وبقى سؤال واحد طرأ على رأسه فجأة
لماذا حدث ذلك بعد قراره الحاسم بألا يذهب إلى نجوى ثانية فهو ليس بغر كي يذهب مرة أخرى بعدما رأته الفتاة هناك وافتضح أمره أمامها!
***
شعرت بالألم يكاد يفتك بجلد يديها القابضتين على الحواجز الحديدية التي تم إقامتها على شباك حجرتها الأرضية قديمًا، تتذكر ذلك اليوم جيدًا كأنه الأمس، شيدوا أمامها الحواجز كي يمنعوا قفزها منه وهروبها المتكرر من المنزل فقد ثبتوا على النافذة قوائم طولية متقاربة المسافات لا تكفي لتمرير شيء سوى كفيها، ورغم أنها كبرت واستطاعت الهرب عبر باب المنزل الرئيسي والذهاب إلى مصرف الماء ولزمته ساعات طوال في انتظار جنها العاشق إلا إنها لا تزال تشعر أنها حبيسة الغرفة وأن تلك النافذة عصية عليها توشك على الانقباض فوق صدرها، مر أمامها طيف جمد حواسها وحبس الأنفاس في رئتيها، رأت الجن العاشق متجسدًا، رائعًا كما لم تره من قبل، فريدًا كأنه خلق لأجلها وحدها، وجهه تجاهها يقابلها ببسمة رصدتها من بعيد قريبة حد التأثير في أواصر روحها الهشة..
تعددت الأصوات في رأسها، أصوات ما انفكت تتلاعب بعقلها على مدى سنوات، كانت معظمها لأهل القرية الذين كرروها مرارًا وسمعتهم علنية وخفية، قالوا إنها ممسوسة وأن الجن عاشرها صغيرة بين طيات الماء بالمصرف وإنها تحمل بين أحشائها قبيلته التي ستلدها حين يتجسد لها ويتزوجها ثم تنحل عقدتها..
وصوتيّ أمها وأبيها كان سكوتًا طويلًا، خذلاها بالصمت المخزي فهما لم يرفعا صوتًا حتى لإنقاذها من ألسنة الناس التي نهشتها كثيرًا، وصوت نحاج كان هباءً وسط كل تلك الفوضى العارمة، والآن آتاها مبتسمًا تقرأ في حضوره الوعود الحقيقية، تركت النافذة وهربت من المنزل، هرولت إليه حافية القدمين محلول خصلاتها تترنح على كتفيها بتموجها الطبيعي الناعم، تخطت باحة المنزل وانحرفت خطواتها لتركض فوق حاجز رفيع على حافة قناة الماء، شعرت بالأرض تسايرها وترفعها لأعلى تلامس بكفيها السحب البعيدة، تحررت روحها من قيد سنونها العجاف واتسعت ابتسامة مشرقة أضاءت وجهها، وصلته بعد تخطي أرض أبيها سعيدة تتقافز الفرحة على ملامحها، وكان متسمرًا محله، واقفًا على طريقً مستوٍ بمحاذاة الحقل، مصدومًا من إقبالها عليه ومن هيئتها الفوضوية المغوية، تلفت حوله يتأكد من خلو المكان إلا منهما واطمأن ليعود متفحصها مبتهجًا، تعجب أن أحدًا من قريتها لم يحوذ عليها حتى الآن فهي الفردوس بذاته..
أشار لصدره بصوت خافت ونظرة تفيض بالطمأنينة والحنان:
ـ أنا حافظ يا زمزم، هل تتذكريني.
اغرورقت عيناها بدمع شوش رؤيتها، أومأت برأسها وأجابته بهمهمة مرتعشة:
ـ أجل أتذكرك.
يعرف بأنها ليست خرساء لكن أهل القرية لا يقيمون لحديثها وزنًا، تبسم محياه لصوتها الشجي الغارق في نغمة دافئة تزيدها فتنة.
قطع تواصل عينيهما صراخ أختها الغاضب من خلفها:
ـ زمزم!
رأتها زمزم تترك البيت خلفها وتهرع للخارج كالمختلة لا تدري بما يجري حولها، تزعزع ثبات حافظ لوهلة ثم تمالك نفسه ولم يهرب كم يفترض بشخض مثله في وضع مشابه، يعرف أن وقفته معها في هذا المكان المنعزل سيجلب له القيل والقال والبحث خلف نيته بالتأكيد، وقف محله ينتظرها بجلد دون ظهور أي آمارت توتر على وجهه، وصلته نجاح تلهث تفوح العدائية من صوتها الحاد:
ـ من أنتَ وماذا تريد منها؟
لاحظت وجود دراجة نارية مستقرة جواره فعرفته سريعًا هو الشاب الذي رأت زمزم تتحدث معه عند المصرف وفرّ سريعًا قبل تلحق به، اليوم انتهزت فرصة اللحاق به قبيل فراره ووقفت أمامه مثل جيش جرار على وشك الفتك به ومحو سيرته كليًا، اندفعت إليه تلكمه في صدره فتدفعه للخلف:
ـ من أنتَ وماذا تريد من أختي؟.
أغضبه عنفها غير المبرر واصطكت أسنانه كظمًا لغيظه فيما يعتدل ويحاول لملمة بعض من احترامه المبعثر:
ـ اسمي حافظ وأعمل مندوب مبيعات، جئت إلى القرية لتسويق الأدوية وكنت في زيارة لصيدلية معاوية الهلالي..
تخصرت فيما تشير إلى أختها التي تسمرت محلها لا تحرك ساكنًا:
ـ وماذا تريد منها، لما تتعمد لقائها، ما شأنك بها أصلًا ومن أين أتيت بالوقاحة التي تجيء بك إلى محل بيتنا تحديدًا.
حاصرته في خانة ضيقة جدًا ومنعته من التحرك قيد أنملة، توسعت حدقتاه قليلًا وازدرد لعابه ببطء ملحوظ وحانت منه التفاتة صوب زمزم الشاردة ثم عاد إلى أختها الشرسة يجيبها ببطء مترقب:
ـ وددت التعرف إليها.
ضاعف استنفارها وومضت كل مصابيح الخطر أمام عينيها فيما ترتدي البأس وتسأله:
ـ تتعرف عليها لماذا؟.. وهل سمعت عنها من قبل وعرفت ظروفها؟
بدا عليه التوتر وقضم شفتيه بشكل ملحوظ قبل أن يبرر:
ـ هي فتاة لطيفة وبدت لي طيبة مسالمة لذا حاولت معرفة بعض الأشياء عنها.
توحشت عيناها وزعقت بغية إرهابه:
ـ هذه الفتاة ممسوسة وكل القرية تعرف ذلك.
أشارت حولهما في كل الاتجاهات باستهانة:
ـ اسأل أي طفل في القرية عنها سيخبرك كم هي مخيفة ومجنونة، سيحكون لك عن خوفهم منها وركضها خلفهم كل يوم.
طاف على محياه ابتسامة طفيفة:
ـ لكنني لم أشعر بذلك.
طحنت نجاح أسنانها وأكدت له فيما تشير إلى أختها:
ـ زمزم هذه خفيفة العقل لا تقترب منها كيلا تؤذيك.
كان يصدق عنها بعض الأشياء منها خفة عقلها بالفعل لكنها مسالمة بشدة لا تبرز له شيئًا يثبت ما تدعيه أختها.
أحست نجاح بالاختناق من استمرار الحديث معه فأمسكت بكف أختها تسحبها إلى البيت عنوة وتحذره من خلف ظهرها:
ـ إياكَ واعتراض طريقها ثانية، إن فعلت سأجعل زوجي وأبي ورجال القرية يلقننونك درسًا لن تنساه.
لم تبدي زمزم أي مقاومة لأختها لقراءتها الوعد في عينيه طيلة وقوفه أمامها، اطمأنت أنه سيعود لأجلها من جديد وزحفت البسمة تغمر وجهها كله، استاءت نجاح من البلاهة التي تظلل ملامح أختها فضربها ضربة خفيفة على عضدها:
ـ سأحبسك في غرفتك ثانية يا زمزم، لا تختبري صبري معكِ.
ملصت زمزم يدها من قبضة أختها ومسدتها برفق، شردت بعيدًا بذهنها، إلى رحابة ماء المصرف وبرودته:
ـ أخيرًا جاء إلى هنا.
قطبت نجاح ومالت إليها تسألها بتركيز:
ـ هل طلبتِ منه أن يأتي إلى المنزل؟
هزت رأسها نفيًا وتنهدت باسمة:
ـ لا، كنت أعرف أنه سيأتي.
مسدت نجاح جبينها تزفر بقلق:
ـ يا حبيبة أختك كل هذا وهم، قلت لكِ ألف مرة أن كل تلك خرافات تم نسجها حولك بلا دلائل.
أشارت زمزم لصدرها متسائلة:
ـ ألست أنا اكبر دليل أمامك؟
اغتصبت نحاج ابتسامة هادئة:
ـ أنتِ دليل على الأكاذيب.
ملأت صدرها بهواء الشهيق وزفرته ببطء:
ـ ليس معنى سقوط طفلة عمرها سبع سنوات في الماء أن نوصمها بالمس والجنون بقية عمرها.
ضمت زمزم شفتيها لحظة وفرقتهما تسأل:
ـ أليس طرد الماء لي هو الغريب.
وهنا عادت للحظة فارقة غيرت مجرى حياتها، من طفلة صغيرة تلعب على حافة المصرف مع أقرانها فتسقط سهوًا في ماء المصرف ليأتي من بعيد موج يشتد على غير العادة فيرفعها للشاطئ ثانية وتتلقفها سواعد الخرافة، إلى تلك الفتاة المنبوذة التي كبرت هكذا حولها علامات استفهام، كيف نجت وكيف رفعتها الماء ولماذا حدث ذلك بعد ربع ساعةمن سقوطها، ماذا حدث لها بالأسفل، ومن هنا بدأت ملحمة الرثاء الطويلة، عزوا كل ماحدث إلى قوة الجن، فبالتأكيد عاشرها ماردٌ وزرع في رحمها الصغير بذور بلا حصر وأنقذها لتعم لعنته على الجميع، عانت بعدها طيلة عمرها من النفور والنبذ والصمت والخذلان..
ظهر التأثر على وجه نحاج التي تقدمت وضمتها إلى صدرها تحميها من هواجسها قبل أي شيء آخر:
ـ قدرة الله يا زمزم، أراد أن ينقذك لأجلنا فقط..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-05-22, 01:12 AM   #224

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


***
غيابها يحرق عمق قلبه ورغم شوقه العارم إليها يمنحها تلك المسافة الخاصة التي توهمها بحرية القرار، لليوم الثالث على التوالي يقف أمام بيت عائلتها ثم يطرق الباب وينتظر الرد نافد الصبر، أغمض عينيه وتمنى أمنية في خياله لتتحقق فور فتح الباب، فرق أجفانه مع صوت الأزيز الخافت ووجدها أمامه بملابس كاملة، عباءة سوداء ناعمة وحجاب أبيض أنيق يحاوط وجهها المتأرجح لونه بين السُمرة الدافئة والخمرية الناطقة، تبسم محياه لوهلة قبل أن يعبس ويسـألها في شيء من الضيق:
ـ إلى أين يا هاجر؟
تجاوزت صدمتها من وجوده سريعًا وأطلقت تنهيدة أثارت فضوله قبل قولها الهادئ فيما تشير خلفه:
ـ بيت عمي هنا في نهاية الباحة، اتفقت مع بنات العائلة أن ألتقي بهن هناك.
ضم شفتيه وضيق عينيه متصنعًا الغضب:
ـ ولماذا لم تخبريني!.
تخصرت تلقائيًا ومالت قليلًا ثم اهتز جسدها مع انسياب حروفها من بين شفتيها:
ـ لأن بيت عمي يقابل بيت أبي كما أنني كبيرة بما يكفي وأستطيع التفريق بين الخروج من المنزل الذي يحتاج إذن زوجي وبين التنقل بين بيوت العائلة التي تقبع في الحيز نفسه تقريبًا.
أقنعته بحجتها فتراجع عن عقد جبينه وابتسم مرة ثانية رافعًا علبة بيضاء متوسطة الحجم:
ـ تفضلي هذه البسبوسة وتعالي معي نأكلها في بيتنا ثم أخبرك عن مقدار شوقي لكِ.
احتفت وجنتاها بحمرة الخجل حين التقطت المعنى المبطن لجملته وتراجعت للخلف مسافة كبيرة تعدل من حجابها وتحمحم:
ـ يبدو أنك نسيت أنني غاضبة منك وأتيت إلى هنا بسبب غضبي من تصرفك الغريب وورطتي الكبيرة معك.
نهبت قدماه الخطوات صوبها وأغلق باب المنزل فبهتت وازدردت لعابها حين سمعته يدمدم:
ـ إذًا سأبيت الليلة هنا وأمري إلى الله.
زجرته بنظرة مستحية وأشارت للخلف هامسة:
ـ أمي أنهت صلاة المغرب للتو وبالتأكيد سمعتك.
قاطعتها أمها التي أتت من خلفها تتوكأ على عكازها بيد وباليد الأخرى تتمسك بكف آدم الصغيرة:
ـ هل أتى عريس الهنا؟
في صوتها سخرية مبطنة فليس برجل جيد من يسمح لزوجته بترك منزل الزوجية بعد أقل من أسبوعين فقط من تاريخ الزفاف، ضحك بخفوت وكبحها سريعًا فيما يخفض رأسه ويميل إلى أذن زوجته التي أولته ظهرها فور وصول أمها:
ـ يبدو أن سمعتي ستظل سيئة حتى أموت.
أدارت هاجر رأسها إليه مقطبة الجبين تزفر بقوة وغضب واضح وتخفض صوتها قدر استطاعتها:
ـ لا تقل ذلك، أطال الله عمرك وبارك لك فيه.
كاد يبتسم منتشيًا لولا وقوف أمها المتذمر في نهاية الرواق، أمها التي رمقته بنظرة مستخفة قبل أن تستدير مغمغمة:
ـ أطعمي زوجك يا هاجر حتى يجلس معنا بعد عودة أخيك من المسجد ويحكي لنا ما تستحين من روايته بنفسك حتى الآن.
تقدم آدم الذي راقب المشهد في فضول وعانقه سلامة ثم منحه مغلف حلوى باسمًا بمحبة:
ـ هذه لكَ يا بطل لكن اغسل أسنانك بالفرشاة جيدًا بعد تناولها.
التقطها آدم منه سعيدًا وركض بها خلف جدته، زفرت هاجر ثانية ووبخته بلطف:
ـ اشكر العم سلامة يا آدم.
علق الطفل في شقاوة فيما يختفي عن أنظارها:
ـ اشكريه بدلًا عني يا أمي.
حين خلا المكان إلا منهما عانق خصرها بكفه الصلبة وأدارها كي تواجهه تمامًا فأجفلت لتدفع صدره بأناملها الواهنة وتتوسع عيناها دون حيلة، طاف على محياها المصدوم ببطء قناص ولفحها بدفء أنفاسه وحرارة مشاعره:
ـ أنا مستعد لتلقي الشكر في أي وقت.
غمرها في عناقه فازداد خجلها واستيائها من الوضع برمته، جاهدت لتحرر نفسها من أحضانه المتملكة ونجحت بالفعل في الابتعاد والوقوف بصلابة أمامه دون أن تمرر له شعورها بالاشتياق مثلما يفعل:
ـ من فضلك يا سلامة لا تتعمد تشويشي، أنتَ هنا لتخبر أخي وأمي بالكارثة التي اقترفتها دون علم أحد.
أسند كفه للحائط ومال بجسده قليلًا فيما يترصدها بنظراته الوقحة:
ـ زواجنا ليس كارثة يا ست هاجر.
كتفت ذراعيها أمام صدرها والتزمت بصرامة الملامح وحياد الصوت رغم نعومته:
ـ زواجنا في حد ذاته ليس كارثة لكن إخفاء الحقائق وإدخال أطراف جديدة بينك وبين طليقتك وزوجها هما الكارثة الكبيرة.
لا تتخلى عن اللوم حتى وإن ناشدتها غريزتها كي تتفهمه، دار فوق رأسيهما صمت قطعته وقطعت تواصل العينين المشتاق بحل وثاق ذراعيها والإشارة للداخل في تهذيب:
ـ تفضل يا سلامة، لابد أنك جائع.
اعتدل ومرر أطراف أنامله على جانب رأسها بحنو وابتسامة دافئة:
ـ جائع بالتأكيد.
بادلته الابتسامة وأمسكت بكفه تقوده صوب غرفة الاستقبال الفسيحة لتتخطى الباب برفقته وتشير إلى باب داخلي:
ـ استخدم الحمام الجانبي وتعال إلى هنا ثانية أدي صلاة المغرب ريثما أعد لك طعام العشاء.
ربت على رأسها برفق وأمأ لها لتنصرف وتعود بعد ربع الساعة تحمل صينية طعام وتضعها على الطاولة التي جلس على أريكة قريبة منها.
جلست بجانبه تسأله فيما تشابك أطراف أناملها العشرة ببعض وتفركها في توتر ملحوظ فيما ترفع إلى عينين لامعتين غارقتين في الحيرة:
ـ كيف ستخبرهم يا سلامة؟.
كزت على أسنانها مغتاظة وحدجته بعتاب غاضب:
ـ لا أصدق حتى الآن، أشعر أنني في كابوس وحياتي الجديدة على وشك الانهيار.
لكم فكها بقبضته فشهقت مصدومة ومسدت موضع لكمته لحظة قبل أن تكور يدها وتردها في عضده هامسة من بين أسنانها مغتاظة:
ـ قلت لك لا تتعامل معي بهذه الطريقة.
قلّب وجهه في كل اتجاه وتساءل تحت وقع صدمته:
ـ هل تمدين يدك على زوجك يا هاجر أم أنا أحلم!.
مسدت ذقنها بظهر كفها ثانية وتحاشت النظر إليه:
ـ زوجي مخطئ وفوق ذلك لا يستحي من لكم وجهي.
مال برأسه إليها ضاغطًا على حروفه الغليظة:
ـ أقسم لكِ لو واحدة غيرك فعلتها لكنت....
قاطعته تزم شفتيها وترمقه بشيء من دلال لم تقصده كليًا وإنما قصدت إضفاء بعض الأنوثة على نبرتها:
ـ لكنني لستُ أي واحدة كما أنني لا أقصد إهانتك بضربتي أنا أذكرك فقط كم ضربتك مؤلمة.
تجمد جسده ورفع يده يمررها على رقبته فيما يمشطها بوقاحة ونظرة توّاقة:
ـ حياتي الزوجية قبلك كانت خراب ومعك لم أرتوي بما يكفي.
أخفض صوته قليلًا متعمدًا استدعاء الكثير من الحميمية في في نبرته:
ـ عودي معي إلى البيت اليوم قبل أن ينحرف سلوكي وأفعل أشياء بغيضة يا هاجر.
استشاطت غضبًا ولكزته في خاصرته فقاطعتهما دقة عكاز أمها على الباب بحدة وحمحمة عاليًا غادرت حنجرتها قبل سؤالها الساخر:
ـ هل تناول زوجك العشاء يا ابنتي أم لا يزال مشغولًا.
نهض سلامة يكبت ضحكته الخافتة وتوجه صوب والدتها ليمسك بكفها يقبله في إجلال ويعتدل ينظر إليها من علو باسمًا:
ـ أقسمت لها ألا أتناول العشاء إلا برفقتك يا أمي.
كادت هاجر تلوي شفتيها وتطلق شهقة استغراب لكنها ظلت تحدق به علها تفهمه، رأته يمسك بيد أمها ويعود برفقتها يجلسها على أريكة مقابلة لها ويجلس جوارها مهادنًا بكل ما يستطيع، بعد الكثير من المراقبة فهمت استراتيجيته، يتعمد كسب أراضٍ واسعة قبل خوض حربه، كما يفعل معهما بالضبط، أمطرها بالحب والاحتياج بل واعترف بعشقه كي يحاصرها فلا تقوى على الهجوم، أوهنها وستعترف أن طريقته تلك قد أتت بثمارها معها وأوشكت على التغاضي، اجتاز آدم باب الغرفة وتقدم صوبها يلتهم حلواه التي لطخت شفتيه وأجزاء مما حولهما، أعادها طفلها للمربع صفر، نقطة البداية التي تسببت في تركها للبيت، خداع سلامة للجميع سيؤدي إلى أزمة كبيرة مع زكريا وعند طفلها لا تفاوض كل محاولات سلامة لاسترضائها لاتشفع له وتمرر التحايل أبدًا..
استفاقت من شرودها ولجة أفكارها على صوت سلامة الهادئ مشيرًا صوبها في فخر:
ـ أعطيتموني هدية سأظل أشكركم عليها بقية عمري.
أخجلها الإطراء الصريح المرفق بكل المعاني الوقحة الممكنة، ابتهلت كي تظل مبطنة ولا تلتقطها أمها من بين حروفه التي تحمل معانٍ عدة.
بدا على أمها نفاد صبرها وقلقها رغم نظرتها التي تشمل ابنتها وزوجها في إطار سعيد:
ـ متى سأعرف سبب مجيئ هاجر إلى هنا بهذه السرعة؟.
ركزت بصرها على سلامة متسائلة:
ـ ماذا فعلت بابنتي.
ربت على ركبتها متصنعًا الوداعة وأخفض لها رأسه كطفل وحيد تُرك بلا رعاية:
ـ الست هاجر فوق رأسي، معزتها كبيرة عندي وأنا طامع في كرمها ومحبتها وأريد استعادتها إلى بيتها الذي أظلم بدونها.
رفعت هاجر كلا حاجبيها ترمقه باتساع ملحوظ لحدقتيها، كانت مندهشة من إمعانه في المسكنة رغم يقينها أنه سيفتعل مذبحة إن عارضه أحد في عودتها له، طرقت الأم الأرض بعكازها وخبأت الفخر خلف حروف محايدة:
ـ ما المشكلة إذًا؟
احتجزته في نظرة فاحصة وسألته مرتابة:
ـ ما الذي أتى بزوجتك إن هنا طالما تقدرها إلى هذا الحد؟
أطرق مجيبًا في هدوء:
ـ أفضل انتظار الشيخ جبر حتى نتحدث مرة واحدة..
زفرت الأم فيما تنهض وتتركهما مستاءة، تناول بعد رحيلها نذر يسير من الطعام تحت إلحاح هاجر وانتظر برفقتها الشيخ جبر، الشيخ الذي أتى بعد صلاة العشاء بوقت مناسب ولم يندهش حين وجده في انتظاره، دلف إلى المجلس وحياه بهدوء وجاءت أمه بدورها، أتى آدم خلف جدته كالعادة لكن هاجر استقامت وحملته إلى الداخل ومنحته هاتفها يعبث فيه بداخل غرفتها كيلا ينتبه إلى الحوار الذي سيدور بعد قليل، عادت ثانية ووجدت أمها وأخاها قد اتخذها الأريكة المقابلة لزوجها وجلسا عليها متجاوين، تقدمت مطرقة على استحياء وجلست جوار سلامة الذي نحى حرجه جانبًا وأجلى صوته:
ـ أريد إخباركم بشيء مهم.
زفرت الأم التي وضعت يدها فوق الأخرى في حجرها وعلقت:
ـ ألن ننتهي من كل تلك المقدمات السخيفة!
اتكأ جبر بمرفقه إلى فخذه ورمقه باهتمام يحثه بلطف:
ـ تكلم في المهم يا سلامة نحن نسمعك جيدًا.
رفع سلامة كفه اليمنى مفرودة كأنه يقسم ضمنينًا:
ـ في البداية أود توضيح أنني لن أتخلى عن زوجتي تحت أي ظرف.
عبث جبر في لحيته نافد الصبر:
ـ ومن طلب منك التخلي عنها؟
هز سلامة رأسه ببطء وقبض على ركبتيه بكلا كفيه:
ـ أنا كنت متزوجًا قبل هاجر والجميع يعرف ذلك؟
بدا عليهم تفهمه فأردف تزامنًا مع زفرة غضب مكتومة:
ـ وسبب الطلاق الذي يعرفه الشيخ جبر هو أنها ادعت أنني ناقص الرجولة وأشياء بغيضة لا أود ذكرها.
التفتت هاجر وأمها إلى جبر صاحب الملامح الهادئة كأنه يعرف بالفعل واندهشتا، تساءلت الأم مصدومة:
ـ ماذا قالت عنكَ!.. هل أنتَ؟
ضرب سلامة ساقه بيده مستاء وارتفع صوته دون سيطرة على انفعاله:
ـ قلت ادعت ادعت أي أنه كذب بالتأكيد.
سألت هاجر أخاها مباشرة:
ـ كنت تعرف ذلك ولم تخبرني يا جبر!
نهض جبر وجلس جوار أخته في الجهة الأخرى وأمسك بكفها، وقبل أن يبرر لها تدخل سلامة موضحًا بدلًا عنه:
ـ أنا أخبرته يا هاجر وطلبت منه ألا يخبر أحد آخر.
تدخلت الأم بحروف لاذعة:
ـ وطليقتك ستدّعي ذلك من تلقاء نفسها بدون أسباب فعلية.
تبادل جبر النظرات مع سلامة وأشار له ليفسر بنفسه فكرر الإجابة ذاتها حين سأله جبر السؤال ذاته قبلًا حين تقدم لخطبة هاجر:
ـ لو أنها صادقة كيف ستأتيني الجرأة لأتزوج امرأة أخرى.
صمت برهة وكز على أسنانه:
ـ هل أحب الفضائح مثلا؟
كادت هاجر تخبرهم بكذب مأوى لولا حيائها، هاجر التي حثته برفق أن ينتهى كل ذلك الترقب:
ـ من فضلك أخبرهم بالبقية يا سلامة.
تنهد كمتعب من أثر سفر طويل:
ـ وطليقتي تلك التي أساءت لي كي تحصل على الطلاق وكل الحقوق دون نقصان هي......
صمت لحظة فارقة وعاد يردف بأسف:
ـ هي ذاتها المرأة التي تزوجها زكريا.
شهقت الأم شهقة فزع ونهضت كما فعل ابنها بالضبط، تبادل جبر نظرات مبهوتة مع أمه وعلقيهما يربطان القطع جوار بعض لتبدو الصورة قميئة مسيئة تشير إلى سواد النوايا وحقد النفوس، تقدمت الأم تلكزه برأس عكازها في صدره فتحركت يد هاجر تلقائيًا لتدفعها بعيدًا عنه وترتعش أناملها التي أعادتها إليها سريعًا، صاحت الأم بغضب عارم وثورة تأججت فجأة:
ـ ماذا فعلت بابنتي... هل تعرف ابنة من التي أدخلتها تلك الحرب القذرة.
أطرق سلامة كمذنب حقيقي وأجابها:
ـ ابنة أشرف الناس لكنني أردتها زوجة قبل أي شيء.
وقف جبر جوار أمه يسأله بسخط وقد فاضت الحمم من جوفه:
ـ تزوجت هاجر لإغاظة امرأة أخرى يا سلامة!
أشار حوله دون استيعاب:
ـ هل أتيت إلى هذا البيت لطلب أختي مني التي آمنتك عليها لتفعل بها ذلك؟
لم يرفع رأسه واستسلم لاستجوابهم لشعوره بالواجب تجاههم:
ـ ليس كذلك بالضبط، الأمور معقدة.
لكزته الأم ثانية وبأكثر حدة:
ـ أخبرنا كل شيء نحن متفرغين لك الليلة.
أمسك برسغ زوجته الواقفة جواره وأخبرهم واثقًا رافعًا رأسه بشموخ رجل لا يخاف من أحد:
ـ تزوجتها لأجلها، لأنها هاجر أولًا وثانيًا تزوجتها كرد اعتبار لنفسي.
زعق جبر فارتجت جدران المجلس:
ـ اترك يدها يا سلامة وارحل، سننتظر ورقة طلاقها.
تدخلت هاجر وصدمت الجميع تربت على صدر أخيها بأعصاب منفلتة كليًا:
ـ طلاق لا يا جبر.. أنا لا أريد الطلاق منه.
جذبتها أمها من ثيابها زاعقة:
ـ هاجر!
توجهت صوب أمها تبرر لها بصوت متقطع:
ـ لا تفهميني خطأ يا أمي، لست خانعة ولا عديمة الكرامة..
ازدردت لعابها ضائعة الأنفاس:
ـ أنا فقط أعيش معه حياة جيدة ولم يسبب لي الضيق أبدًا بالعكس يحاول معاملتي معاملة تليق بي.
أدارت رأسها له تطلب دعمه:
ـ أليس كذلك يا سلامة.
أكد صادقًا:
ـ كذلك وأكثر.
أمسك جبر بكف أخته متجاهلًا سلامة كليًا:
ـ يا هاجر لم تجربي الحياة معه سوى أيام قليلة حتى تحكمي عليه هكذا.
صمت برهة يضفي بعض الحكمة على حديثه:
ـ والقرار الذي ستتخذينه الآن سيؤثر على بقية حياتك، لا تقدمي تضحيات له فهو لا يستحق.
قاطعته برفق:
ـ بل يستحق، هو مخطئ لكنه ليس حقيرًا لقد عرفته أكثر من أي شخص آخر.
لم يظهر لها اقتناعه بشيء ورفع بصره إلى سلامة الواقف خلفه يواجهه بجسارة أثارت حفيظته:
ـ لقد وثقت بك يا سلامة وخذلتني.
انحنى قليلًا يقبل رأس أخته ثم عاد ينظر إليه متحديًا يحدث هاجر:
ـ أنا بجانبك ولن أتخلى عنك أبدًا جربي العودة إليه يا هاجر وأنا سأنتظر قرارك الحاسم بعد التجربة الفعلية.
انصرف بعدما أظهر خيبة أمله لزوج أخته، أخته التي التفتت إلى أمها باكية:
ـ أرجوكِ تفهمي موقفي يا أمي.
كظمت أمها غيظها وربتت على كتفيها بحنو:
ـ ارفعي رأسك يا حبيبتي نحن في ظهرك ما دام في صدورنا أنفاس، جربي كما أخبرك أخوكِ، أنتِ لستِ صغيرة ونحن نثق في عقلك.
رمقت زوج ابنتها بطرف عينيها قبل أن تنصرف دون أن توجه له حرفًا.
شعرت هاجر بالدم يكاد يندفع إلى رأسها فأمسكت بها ليتقدم منها سلامة يمسك بكفيها قابضًا عليهما:
ـ أقسم لكِ يا هاجر أني لن أخذلك مهما حدث وستبقين في قلبي ما دام النبض يتردد في صدري.
رفع يديه يحاوط رأسها يقدسها كما لو كانت جوهرته الثمينة:
ـ الذي فعلته الآن من أجلي زاد من قدرك أضعافًا وأعدك أن أكون على قدر أمانة أخيكِ.
ابتعدت خطوة تتمالك نفسها وتشحذ صوتًا خافتًا لتخبره:
ـ لدي أمر هام أريد مناقشته معك.
نهب الخطوة بقدميه والتصق بها:
ـ ماذا.
ولت بصرها صوب الباب الداخلي لحظة واحدة وعادت له منتهدة:
ـ ليس هنا مكانه، نتحدث في بيتك.
صحح لها ضاربًا جانب جبينها بسبابته:
ـ بيتنا.


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-05-22, 01:17 AM   #225

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


***
أشفقت عليها حين عانقت صغيرها وضمته لقلبها تكبح دموعها بأعجوبة، وخزها ضميرها للوضع الذي وصلت إليه ابنتها بسببها وعادت ذكرياتها تنخر ثباتها من جديد، تقدمت منها يسبقها صوت عكازها ومسدت خصلاتها هبوطًا إلى جسدها المتشنج:
ـ اطمئني يا حبيبتي سأهتم به جيدًا لا تقلقي عليه.
رفعت هاجر رأسها الثقيل لتزداد أمها حزنًا حين تلاحظ احمرار عينيها، ناشدتها بنظرات مترجية أن تتفهمها فانحنت تجلس على طرف الفراش وتستجدي ابتسامة عطوف:
ـ قلت لك اطمئني.
شددت هاجر على عناق طفلها مجددًا ثم همست له باسمة:
ـ اذهب إلى خالك الآن.
ركض آدم إلى الخارج فتبعته إلى الباب تغلقه برفق ومن ثم تعود إليها، كانت مترددة الخطوات كما الخواطر فبدى ذلك على وجهه الذي قلبته في كل الاتجاهات، أشارت أمها إلى مساحة فارغة جوارها مبتسمة بهدوء:
ـ تعالي إلى هنا.
اقتربت منها وجلست مطرقة برأسها واستهلت حديثها بحمحمة خجل:
ـ حياتي معه مستقرة يا أمي.
مسدت الأم ركبتيها عدة مرات فيما تنظر أمامها:
ـ واضح!
سارعت هاجر بالتأكيد:
ـ حياة جديدة تناسبني بشدة.
ضيقت أمها عينيها وترصدتها بعين خبيرة:
ـ وحياتك السابقة لم تكن تناسبك إلى هذا الحد؟
تطرقت للأشياء التي تحظر هاجر التحدث فيها، هاجر التي فاجأتها بإيماءة واهنة وإجابة بسيطة تحمل معانٍ كبيرة:
ـ أجل!
أخفضت رأسها لحظات تردف:
ـ زكريا كان رجلًا رائعًا لا غبار عليه والمشكلة كانت عندي أنا.
قطبت أمها التي انتابها قلق عارم فتساءلت فيما تراقبها عن كثب:
ـ وسلامة عنده حل مشكلتك؟.
أجابت بهمس مستحٍ:
ـ أجل.
نهضت بهدوء تبتسم لها بسمة واسعة:
ـ لا أدري كيف يحل هذا الأبله مشكلات لكن كما أخبرتك أمامه نحن نثق بعقلك وجربي يا هاجر لن تخسري الكثير، جربي وتعلمي من أخطائك لستِ صغيرة كي نقرر محلك.
منحتها نظرة بليغة قبل أن تتركها بمفردها تتساءل عن مدى عقلانية خطوة عودتها إلى سلامة بتلك السلاسة والبساطة التي لم تكلفه شيئًا ولا عاقبته على فعلته حتى، أرجأت التفكير وتفنيد الوضع برمته كما يجب إلى الوقت المناسب..
حضرت نفسها وذهبت إلى غرفة جبر الجالس على مقعد وثير قرابة فراشه يمازح آدم، تقدم منه تقدم قدم وتؤخر أخرى لتميل تقبل كتفه وترحل دون حروف، شيعها آسفًا وزفر بقوة وعاد يلعب مع الطفل الذي هرول خلف أمه، وعلى باب المنزل كانت هاجر تعانق طفلها مجددًا وتكبح عبراتها، طفلها الذي سألها متأثرًا:
ـ لماذا لا تبقي معي هنا.
مسدت خصلاته برفق ومال ثغرها ببسمة حنين:
ـ سأعود سريعًا لن أتأخر.
تمرغ في حضنها مختنق صوته:
ـ خذيني معك.
زاغت عيناها بحيرة ويأس وكانت على وشك طرح كل شيء خلف ظهرها لتشتري ابنها فقط لكن سلامة الذي وقف قبيل دقيقة يراقبها مختلج الصدر تقدم سريعًا واحتوى شتاتها يضمها هي وابنها الذي ظل بينهما بضآلة جسده، مسد سلامة على خصلات الطفل وغزت ثغره ابتسامة مرتعشة جاهد لتغليفها بالثقة قدر استطاعتها:
ـ ستأتي معنا قريبًا إلى بيتك الجديد لكن سنحضر لك غرفة تخصك أولًا.
كسا مقلتيها طيف من عبرات مالحة وغصة ألم سكنت صدرها خفف من وطأتها بلمسته العطوف لكتفها، تبادلا نظرات من جانبها لائم ومن جانبه معترف بالخطأ في حقها وناسجًا الوعود الكثيرة، أطبقت أجفانها فسمعته يردف بهدوء:
ـ وحتى يحدث ذلك ماما ستأتي إليكِ كل يوم تزورك.
فتحت عينيها تسأله دون حروف فهز رأسه بخفة مؤكدًا:
ـ كل يوم.
أتت والدتها من الخلف تخفف من ثقل اللحظة هاتفة:
ـ هل تريد تركي وحدي يا آدم.
كورت شفتيها وتصنعت بؤس الملامح فيما تسأله:
ـ من سيحكي لي حكاية قبل نومي ويأكل الحلوى التي أعدها له في الصباح.
تحمس الطفل ورمى بنفسه في حضنه ضاحكًا:
ـ أنا.
تلقفته برضى رغم وهن جسدها وابتسمت تشاكسه:
ـ جيد سأنام سعيدة اليوم.
غادرت هاجر برفقة زوجها الذي أمسك بكفها إلى السيارة وتركها تختلي بعقلها ومشاعرها على المعقد المجاور له فيما يقود السيارة إلى بيتهما..
***
بعد غلق الباب دفعت حفيدها للعب بألعابه وتوجهت صوب غرفة ابنها الذي انشغل بترتيب كتبه على أرفف مكتبة المعانقة لحائط غرفته، سمع صوت زفرتها الحارة فسألها من خلف ظهره:
ـ رحلت.
قالها بتقريرية فأومات تجيبه:
ـ نعم رحلت.
دار فوق رأسيهما صمت خانق مزقته بسؤالها المباشر:
ـ لماذا لم تمنعها من الرحيل معه بعدما فعله؟
حانت من التفاتة بسيطة صوبها يجيبها بهدوء ووقار:
ـ للسبب الذي جعلتك تتركينها ذاته.
ارتجفت يدها في حجرها وزحف حزن عميق يظلل ملامحها:
ـ أنا مدينة لها بذلك يا جبر لكن كان عليكَ المزيد من الحزم معه.
تذكرت دينها وخطأها الفادح في حق ابنتها الذي اقترفته وقت زواجها الأول من زكريا، نصحها جبر أن تخبر خالة زكريا بالحروق في جسد هاجر ليتجنبوا شبهة الغش لكنها فكرت كما تفكر كل أم في وضعها وفي محيطها، أوهمته أنها فعلت ذلك وفي الحقيقة حجبت تلك المعلومة وتركت الأمر للصدفة لاسيما وأن عمليات الليزر التي خضعت لها هاجر وخففت من بشاعة هيئة الحرق الذي صاب نصف جسدها، أطلقت زفرة تعبت فيما تعود وتنظر إلى ابنها:
ـ وضعها مع سلامة مختلف تمامًا.
شردت وتعلق بصرها بالسجادة البديعة التي تغطي الأرض تحت قدميها:
ـ أظنها وجدت معه سكينة لم تحصل عليها قبلًا.
ابتسم لها جبر الذي قرأ ذلك في لقاءات القصيرة مع أخته والذي أكده له إصرارها على نصرة سلامة أمامهم واتخاذ جانبه، ورغم ذلك لم يغادره القلق فيما يخص سلامة نفسه فما أخفاه عنهم ليس هينًا ولا يجب التغاضي عنه بتلك السهولة..
***
حمل الحقيبة الصغيرة كما يحمل الأعباء على عاتقه ولا يشتكي، حضّرت له أمه والمرأة التي تأتي كل يوم لتساعدها في أعمال المنزل بعض اللحم المفروم المتبل والسلطة الخضراء مع العصائر الباردة وأغلقوا عليهم تلك الحقيبة التي أتى بعد صلاة العشاء كي يأخذها بعد تبديل ملابسه بأخرى رياضية عصرية، سار بها بين أروقة البلدة ساهمًا، قدماه تعرفان طريقهما فلا داعي للانتباه كليًا، حيّاه بعض من رجال القرية ورد تحيتهم باسمًا، الجميع هنا يقدرونه كرجل دين مخلص ولا يعرفون ما توسوس به نفسه، تنهد بذلك الثقل الخانق الذي أتعب روحه وأنهكها، فضل أن ينعزل بأفكاره تلك وتنحرف خطواته إلى الطريق الهادئ الذي يوصله إلى وجهته صوب الناحية الأخرى من البلدة حيث أرضه الشاسعة التي ورثها مع أخته عن أبيهما وأجدادهما، ورغم ظلام الليل من حوله في تلك البقعة تحديد لم يحتج إلى إضاءة تهديه سبيله، تكفيه البصيرة ومواجهة نفسه، فالقمر نصف هلال فوق رأسه وتلك الفتاة الفريدة من نوعها تسكن قلبه، سمح لذلك القلب العليل بتمنيها قربه وحلم بعالم موازٍ تسكن فيه صدره، استغفر بصوت مسموع وتعمد طردها من خياله كيلا يقع في محظور لا يليق به..
كان يحفظ تعرجات الطريق كما يحفظ خطوط يده، تلك الطرق اهترأت بفعل خطواته طفلًا ويافعًا ورجلًا مكتمل الرجولة والعقل كما ينعته أهل قريته، وخزته قدسية الواجب في قلبه الذي نال أكثر من احتماله فارتكن لقراره رغم وجعه واطمأن قليلًا، تضحيته لن تذهب سدى وسيؤجر عليها حتمًا، عند حافة قناة جارية قفز إلى الجسر الآخر وقطع أفكاره صوت إنسياب الماء القريب، وصل إلى أرضه المستوية واقترب من الشجرة العتيقة التي ترعرع تحتها وقضى أجمل أيام طفولته حين كان يصطحبه والده ويتركه برفقة أصدقائه الصغار ويمضي فيباشر شئون أرضه، تقدم جبر ووضع الحقيبة أرضًا ثم أضاء المصباح الموصل ببطارية طاقة والمعلق بالشجرة الكبيرة، توجه صوب غرفة صغيرة مبنية على طرف الأرض يخزنون فيها معدات الزراعة، أخرج منها طاولة ومقعدين ووعاء مليء بالفحم يستخدمه دومًا في الأمسيات المشابهة، أعد الجلسة أسفل الشجرة وتطايرت رائحة الشواء لتختلط بنسيم الصيف وعبق زهوره، سمع صوت فاروق من بعيد يسأله:
ـ هل تأخرت عليكَ؟
اغتصب جبر ابتسامة منافية للحزن القاتم الذي يسكنه:
ـ أتيت في موعدك تمامًا.
أقبل عليه فاروق وجذب المقعد المقابل له ليجلس عليه ويفرد ساقيه أمامه:
ـ معاوية اعتذر عن المجيء قال إن لديه عمل مهم.
أومأ له جبر متفهمًا:
ـ أعرف، أخبرني بذلك قبل أن آتي إلى هنا.
اعتدل فاروق واتكأ بساعديه إلى الطاولة أمامه متصنعًا الخبث:
ـ جيد.. حتى أنفرد بك.
تصنع جبر الخوف وتلفت حوله مرتابًا:
ـ هل ستستغل الفرصة وتقتلني هنا لتستولي على الكفتة المشوية وحدك؟
ضحك فاروق حد اهتزاز جسده ونفى سريعًا:
ـ لا، سأجعلك تعترف بما يغيرك هكذا، أراقبك منذ فترة وألاحظ تبدل حالك، تخفي عني شيئًا؟
صمت جبر أكد له حدسه، جبر الذي تصلبت ملامحه برهة وارتخت فجأة ليشير صوب الشواء بإبهامه:
ـ سأرى اللحم قبل أن يحترق وتنام هذه الليلة جائعًا.
نهض سريعًا فقطب فاروق لتزداد شكوكه، استقام بدوره وتبعه معلقًا بفراسة:
ـ الأمر ليس هينًا كما يبدو.
وقف جواره وراقبته فيما يحرك أسياخ الكفتة فوق الفحم بهدوء مشحون، تساءل فاروق بصوت خافت:
ـ في الأمر امرأة!
أدار جبر له رأسه والتزم الصمت، تنهد فاروق وابتعد عدة خطوات يمشط المدى الساكن من حولهما إلا من صوت خرير الماء الخافت والضفادع المزعجة، جلس على المقعد وسأله بهدوء لا يخلو من ود:
ـ لماذا لا تتزوج يا جبر، الضفادع في موسم التزاوج تسعى للاقتران وأنتَ لم تقدم على تلك الخطوة حتى الآن.
سكت لحظة وأضفى إلى حجته القليل من الحكمة:
ـ تحتاج امرأة تحبها وتحبك ووالدتك بالتأكيد تريد تعمير بيت أبيك بالأطفال.
ترك جبر الشواء وعاد إليه باسمًا:
ـ تتحدث مثل الخالة بنّور.
زفر فاروق وأشاح بوجهه ليخرج من جيبه علبة التبغ ويشعل لفافته متهربًا من الشعور الكريه الذي بنتابه كلما تذكر أمنية أمه التي تبدو له مستحيلة وغير قابلة للتحقيق، جذبها جبر من بين شفتيه وألقى بها أرضًا ليدعسها بحذائه تحت نظرات فاروق المستنكرة:
ـ أنا المخطئ لأنني أتيت إليك في هذا المكان المريب، تعاملني كالأم تريز.
ضحك جبر وجذب زجاجه العصير البارد وسكب لصديقه كوبه وقدمه له:
ـ هذا مفيد لصحتك أكثر.
استجاب فاروق وأخذ الكوب يحتسى منه القليل قبل أن يطلب في كياسة مصطنعة:
ـ في المرة القادمة أحضر لي الحليب الدافئ.
أشار جبر بسبابته إلى عينيه الاثنتين تباعًا وهز رأسه مطيعًا:
ـ طلباتك أوامر يا طبيب.
قلّب فاروق كأس العصير بين كفيه ونظر إلى صديقه الواقف أمامه ممعنًا النظر في ملامحه الغارقة في التعب:
ـ ألن تخبرني ماذا بك؟.
أولاه ظهره وتوجه صوب الشواء الذي نضج كليًا مغمغمًا:
ـ سأخبرك بعد تناول الطعام.
أعد المائدة وتناولا العشاء صامتين وعند احتساء الشاي استسلم فاروق لفضوله ثانية:
ـ هيا أخبرني عنها.
ضحك جبر في رصانة وسأله:
ـ ما الذي أكد لك أن حالتي هذه متعلقة بامرأة، أليس هناك احتمال أنني أمر بضائقة مالية مثلا!
تلفت فاروق حوله وابتسم ابتسامة واسعة دالّة على عدم تصديقه وعاد لصديقه ضاحكًا بصوت مرتفع:
ـ بإمكانك التخلي عن قطعة أرض صغيرة من هذه الأفدنة التي لا يصل إلى نهايتها بصري أو استئجار شخص يُحصِّل لك الأموال التي يقترضها نصف أهل القرية منك.
قهقه جبر وضرب الطاولة بيده ضربة تزامنت مع انقطاع الكهرباء عن المصباح المعلق في الشجرة وعموم الظلام كليًا فصاح ضاحكًا:
ـ قُل ما شاء الله يا رجل.
شاركه فاروق الضحك ونهض مستخدمًا كشاف هاتفه وتوجه صوب الغرفة ليبدل البطارية بأخرى فعالة ويعود الضوء للمصباح مجددًا.
عادا إلى جلستهما ثانية وارتكن جبر بظهره لمقعده مُسلِّمًا لقدره:
ـ هناك فتاة بالفعل لكن هناك مشكلة أكبر.
قطب فاروق ما بين حاجبيه وسأله:
ـ مشكلة ماذا!
شبك جبر كفيه ببعض فوق الطاولة:
ـ ستحدث فتنة إن تزوجتها.
عبر فاروق عن دهشته بملامح متغضنة:
ـ فتنة!.. ألهذه الدرجة.
أومأ له جبر متنهدًا:
ـ أجل فتنة كبيرة.
أشار صوب الأنوار البعيدة التي تأتي من جهة بيوت القرية:
ـ أهل قريتنا لديهم ثقة كبيرة في الشيخ لذا يأخذون منه العلم والمشورة في كل أمورهم تقريبًا.
وافقه فاروق رغم جهله بما يقصد تحديدًا:
ـ يثقون بك أكثر مما يثقون بأي شخص غيرك لأنك تمثل لهم رمزًا للدين والأخلاق والرجولة ورجاحة العقل.
أسند جبر جبهته لكفه وفركه ببطء مستشعرًا ثقل مسئوليته:
ـ والفتاة التي أقصدها يعتبرونها فاقدة للأهلية واقتران الشيخ بها سيظهره بمظهر الشهواني الذي يركض خلف غرائزه دون اعتبارات أي آخرى.
صدمه دفعه واحدة فتوقف كل شيء حولهما سوى عقل فاروق الذي اشتعل فجأة وأضاءت فيه كل البقع العمياء حد نهوضه وصياحه المدوي:
ـ تحب زمزم يا جبر!
لم يكفه وقفة جبر الغاضبة وصوته الذي جلجل ب:
ـ حسبي الله ونعم الوكيل.
وعاد يهذر بصوت مسموع:
ـ تحب طرح البحر يا شيخ.
لم يكن يتساءل لكنه كان يؤكد لنفسه ويستنكر كيف غابت عنه الحقيقة وكيف لم يقرأ ذلك في اهتمام جبر بها وإرسالها له مع أختها ليكتشف سبب البقع الحمراء في جسدها، وأيضًا كيف لم يفسر طريقة الفتاة التي يعتبرها أهل القرية مخبولة حين أخبرته بصوت خافت أن الشيخ جبر طلب منها أن تعتني بنفسها لذا أتت لتعرف سبب تلك البقع، يا له من أحمق كبير، هدل أكتافه وتبدلت نبرة صوته:
ـ ليست مختلة كليًا يا جبر كما أنها...
صمت وهلة وركز بصره على صاحبه متهدج الأنفاس:
ـ كان عليكَ سماع الغصة في صوتها حين نطقت لي اسمك.
اشتعل صدر جبر فوق اشتعاله، سيُكذب نفسه فيما يخصها ويكفيه ما يعانيه من دفن مشاعره، أولاه ظهره وسار عدة خطوات مختليًا بعقله وإحساسه الحارق بها، سمع فاروق ينصحه من خلفه:
ـ تزوجها يا جبر، أنتَ تضحي بشيء لن يتكرر.
اختلجت الغصة في حلقه الذي سكنته المرارة والمزيد من الحرقة:
ـ الناس هنا يختزلون الدين في أشخاص للأسف.
داعب أطراف أوارق الشجرة بأنامله وأردف:
ـ سأفتنهم في دينهم إن فعلت ما تطمع فيه نفسي.
تقدم منه فاروق يمسك بعضده ويؤازره:
ـ لن ينفعوك وأنتَ محترق هكذا.
ربت ربتتين هادئتين على كتفه:
ـ سأساعدها في التواصل مع استشاري متخصص يتأكد من سلامتها كليًا ويكتب تقريرًا يُحسن من صورتها أم الناس.
كان يتحدث بحماس محاولًا بث الطمأنينة في قلب صديقه، صديقه الذي أدار رأسه له ساخرًا:
ـ وهل يثقون بك كطبيب حتى يثقوا في استشاري متخصص لا يعرفونه!
ارتد فاروق للخلف خطوة ولكم جذع الشجرة بقبضته غاضبًا:
ـ هذه القرية مرتع للخرافات، ماذا إن سقطت في المصرف في طفولتها، هي أمامهم لماذا لم يسمعوها قبل وصمها بكل تلك التراهات؟
رفع جبر رأسه للمدى الداكن مغالبًا ضيق صدره، ربما رحابة الأفق تكون ملاذًا له وتشفيه من سقمه:
ـ هو قدرٌ يا فاروق وأنا راضٍ به عسى أن يكون خيرًا.
***
انتقل الضيق من صدر صديقه إلى صدره ولم يكن ينقصه ثقل المزيد من الأحمال فتكفيه حياته البائسة الباردة وما تحويه من حطام، عاد إلى منزل عمه الذي يسكنه معها ومع أمها وصعد الدرج إلى شقته بعد تحية والدتها بالأسفل، فتح باب الشقة فوجدها تحتل أريكة الصالة في حجرها صحن الفراولة المحلاة بالسكر تأكل منه وتشاهد مسلسلًا أجنبيًا ولا تبالي بالعالم.
اكتفى بإلقاء التحية البسيطة وتوجه صوب غرفته كالسائر دون رغبة في الوصول، اعتدلت في جلستها ببطء وترصدت خلجاته فلاحظت شيء غريب مرتسم على ملامحه، شيء من وهن واستسلام أشعرها بالضيق لأجله، ليس لأنه زوجها فهي تكره هذه الصفة، تحب كل ما يخصه كونه ابن عمها الذي لم ترى منه في طفولتها وشبابه سوى البشاشة وسماحة الطباع كما أنها تحب والده ووالدته وترى بأنه محظوظ لأنهما يعززان موقفه لديها ويمنعانها أحيانًا من إثارة غضبه أمامهما، تحب كل صفاته سوى أنه زوجها الذي فُرض عليها فرضًا، ليته يفهم ذلك ويتسامح ويعاملها كابنة عم فقط ولا ينتظر منه فعل ما لا تطيق.
وضعت الصحن جانبًا واطفأت التلفاز باستخدام جهاز التحكم لتتبعه مدفوعة بقلق مصدره رابطة الدم بينهما، وقفت أمام باب الغرفة فتوقف عمّا يفعله أمام الخزانة التي أمسك ببابها وأولاه بصره واهتمامه دون أن تتبدد الغصة من قلبه بل اتسعت وصارت هوة من ظلام يكاد يبتلعه، تقدمت منه في حذر والحيرة تسكن مقلتيها وقفت أمامه مباشرة تسأله في اهتمام:
ـ ماذا حدث لك.
أغلق باب الخزانة واعتدل يواجهها، فرق شفتيه عدة مرات وأطبقهما على حروف مبعثرة لا تعرف طريقها ولا مغزاها، تنهد أخيرًا فهبط صدره مع تهدل طفيف لكتفيه:
ـ لا شيء يا طاهرة، أنا بخير.
سكوتها الحائر جعلها تكور شفتيها الحمراوين بفعل الفراولة، الفراولة التي تسبب له الحساسية، تساءل إن قبّلها الآن والتهم شفتيها هل سيصاب بأذى!
عجز عن إجابة سؤاله وهو الطبيب الذي يعرف الطب أكثر من أي شيء، بل يعرف حبها أكثر من الطب ذاته، رفع بصره قليلًا وتاه في بحور عينيها وأمواجها الزرقاء التي تقترب من الشفافية الآن، تراجع للخلف مع تراجع طموحاته، ولم تساعده حين اقتربت في قلق تلامس كفه بيد وبالأخرى تتجرأ وتتفقد لحيته وجبينه وتسأله بنبرة خافتة مكترثة به لأبعد حد:
ـ ماذا بك يا فاروق، هل أنتَ مريض؟
عض شفتيه يمنع نفسه من توسلها حبه، واكتفى بزفرة لا تخفف ما يملأ صدره:
ـ أنا بخير، أنا فقط أيقنت أن المرء لا يحصل على كل شيء، وبعض الرضى بقدره لا يضر..
ازدادت حيرتها وعلقت:
- لا أفهمك..
سكتت مترددة بعض اللحظات قبل أن تقرن حروفها بزفرة ثقيلة:
- لكنني أشعر بك.
اضطربت نظراته إليها ودارت في كل الاتجاهات وبدا أن عدوى حيرتها قد صابته فبررت كمن تُلقي بتهمة بعيدة عنها:
- أنتَ ابن عمي في النهاية حتى لو لم أعتبرك زوجي.
أطبق أجفانه لتصدمه حين تقدم على فعل لم يحدث قبلًا، رفعت جسدها بأطراف أنامل قدميها وأحاطت رقبته بكلا ذراعيها لتقربه منها وتغمره في عناق حنون لأول مرة يشعر به، فكل اقتراب بينهما في الأسبوع الأول من الزفاف كانت تمعن في نفورها منه حد اختناقه التام، وهذه المرة هي طاهرة أخرى، حنون هادئة تمنحه الاهتمام بكل صورة ويعجز عن تفسير منطقها، لم يرفع كفيه ليبادلها العناق خوفا من أن تخذله إرادته ويخضعها له فيندم على إهدار كرامته، تسلل عبقها المسكر إلى أنفه وكاد يتأوه عشقًا لولا كبحه لمشاعره، كانت مبادرتها غريبة جعلته يسألها بصوت عميق مشحون بالعاطفة:
- لماذا لم تخبريني يا طاهرة..
ابتعدت مرمى أنفاس تلفحه بعبير شفتيها وتسأله مقطبة جبينها:
- أخبرك بماذا؟
دار حولهما صمت قطعته متساءلة:
- تقصد أنني لا أحبك؟
مالها تنطقها بتلك السلاسة، ربما لأنها لا تشعر بالمارد الذي يسكن صدره ويعربد الآن مطالبًا إياه بالقصاص لقلبه ونبضه المهدور في محرابها، منحها إيماءة بسيطة تعمد ألا تفضح استعار نيرانه وجنون عشقه لها الذي زاد رغم أنفه بعد إعطاءه الضوء الأخضر من أخيها فور طلبه زواجها، أطلق لقلبه ليصنع من حبه لها قصورا كي يسكنها برفقتها ثم يتضح له أنها ذات أساس واهٍ فانهدمت مع أمنياته..
لوح لها بفظاظة مع انهزام أحلامه أمام كابوس الواقع:
ـ لا أقصد شيئًا، اذهبي الآن أريد النوم من فضلك..
تراجعت للخلف متجهمة وأطفأت الضوء لتتركه وحده يجتر مرارة عشقه البائس وحده..
انتهى الفصل


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-05-22, 07:30 AM   #226

سناء يافي

? العضوٌ??? » 497803
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 447
?  نُقآطِيْ » سناء يافي is on a distinguished road
افتراضي

فصل رائع ما في واحد مرتاح بحياته ناطرين باقي الأحداث لتحكم صح تسلم ايدك

سناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-05-22, 05:13 PM   #227

أسيوش

? العضوٌ??? » 484131
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 82
?  نُقآطِيْ » أسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond reputeأسيوش has a reputation beyond repute
افتراضي

ما أروع الفصل
كتير بيجنن يسلمو ابديكي


أسيوش غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-22, 08:42 PM   #228

سماح ام عبد الله
 
الصورة الرمزية سماح ام عبد الله

? العضوٌ??? » 487476
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » سماح ام عبد الله is on a distinguished road
افتراضي

يا رب دائما موفقة سمر 💕💕

سماح ام عبد الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-22, 10:23 PM   #229

سماح ام عبد الله
 
الصورة الرمزية سماح ام عبد الله

? العضوٌ??? » 487476
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » سماح ام عبد الله is on a distinguished road
افتراضي

البداية مشوقة جدا لكن حالة الأبطال الكيوت دي مش جاية معايا سكة سمر وابطالها لطشفين جدا لا تجتمع 😂😂😂

سماح ام عبد الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-22, 11:26 PM   #230

سماح ام عبد الله
 
الصورة الرمزية سماح ام عبد الله

? العضوٌ??? » 487476
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » سماح ام عبد الله is on a distinguished road
افتراضي

مازلنا بالهدوء الذي يسبق العاصفة
ومش عارفة ليه حاسة ان هتعاطف مع الاثنين مأوى وسلامة
لما أعرف قصتهم
وزمزم؟؟؟
وهاجر ذنبها ايه تصرفات سلامة واستغفاله لها وشكله عاوز ينتقم
أجمل حاجة جو الريف لما بتوصفي الزرع والأرض كأني أشتم عطرها 🥰


سماح ام عبد الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:01 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.