آخر 10 مشاركات
[تحميل] الــخــوف مــن الــحــب للكاتبة : bent ommha (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عذراء في ليلة زفافها (22) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          إشاعة حب (122) للكاتبة: Michelle Reid (كاملة) (الكاتـب : بحر الندى - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          عذراء اليونانى(142) للكاتبة:Lynne Graham(الجزء2سلسلة عذراوات عيد الميلاد)كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الخلاص - سارة كريفن - ع.ق ( دار الكنوز ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          اخطأت واحببتك *مميزة*& مكتمله* (الكاتـب : Laila Mustafa - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

Like Tree30Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-07-22, 02:45 PM   #61

نتالي جواد
 
الصورة الرمزية نتالي جواد

? العضوٌ??? » 492522
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » نتالي جواد is on a distinguished road
افتراضي الصدع العظيم (105)- قلوب خيالية [حصريًّا] للكاتبة نتالي جواد *الفصل التاسع*


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 💙✨
كيف حالكم أيها القنداليون والقنداليات،🙈😍 الصامتون والصامتات 😒😑
أنا رح صير أنزل الفصول لأن مشرفتي مشغولة الله يعطيها الصحة والعافية يا رب 🙈😍 طبعاً هالشي رح يخلي في شوية أخطاء املائية، شوية مو كثير 🙈😌
شوية أخطاء صغيرة ما رح تخرب علاقتنا صح؟🤭👀
أترككم مع الفصل، ما تنسوا تجاوبوا على الأسئلة إلي بنهاية الفصل، وقررو معي الفصل ينزل كل أسبوع ولا أسبوعين 💙

الفصل التاسع
من الجنوب البعيد، وعلى بعد فراسخ كثيرة، بزغ السور العظيم شاهق جدا، مثل مخلوق غامض ضخم يلتف دائريا على حدود قنداليا.
وهمست اسيلا مبهورة بما ترى:
«قنداليا الأم!».
فغرت فاهها مشدوهة ومغرمة جدا بكل ما تراه خصوصا السور الحجري الذي يشعرها بأنه كان هنا منذ الأزل، وقد عبرت من فوقه السنون العاتية دون أن تهز منه ولو حجر صغير، مما جعلها تتوق للمس واجهته، والوقوف أسفله، وربما إذا امكنها ستصعد فوقه يوماً ما.


حولها تراقصت الحشائش الخضراء، وحلقت الطيور الجارحة قريبا من رؤوسهم وهي تنعق بصوت حاد كأنها ترحب بهم بطريقتها الخاصة.
أمامها بمسافة فرسخ كامل كانت القافلة تزحف ببطء، لقد تأخرت عنهم كثيراً بسبب إصابة سولانا، عكس كارلوس الذي لم يحتج لأكثر من نصف يوم حتى يعوض مسافة ثلاثة أيام، ومنذ ذلك الحين وهي تترك الفرسخ بينهم، وإصابة سولانا ليست السبب الوحيد.
تركت سولانا ترعى ثم صعدت صخرة مرتفعة، بسطت ذراعيها واغمضت ذهبيتيها فانهال النسيم البارد ناثرا قبلاته على بشرتها الناعمة، مداعبا شعرها، ليغذي روحها بشعور جميل جداً.
«ايه السور العظيم! أنها أنا» ورفعت صوتها في صيحة صاخبة جدا:
«اسيلا ستيوورت».
رد عليها قطيع الخيول البرية بصهيل مرتفع و متتالي وهو يجري بحمية الجياد واندفاعها المتقد، خيول لبنية اللون وبُنية وأخرى مرقطة تحمل اللونين معاً، تحرك ذيولها وترقص بأعناقها، و تتواثب وثبات عالية وحماسية، كل ذلك جعل اسيلا ترغب بالصراخ بصخب والجري معها.
غردت الطيور فوقها، وحمحمت الجياد أمامها، يبدو أن قنداليا ترحب بها بطريقتها الخاصة.

«أنتِ كفاكِ حماقة!».
باغتتها الصيحة الرجولية فجأة، فتعثرت متأرجحة للأمام والخلف قبل أن تستعيد توازنها بنفس مقطوع.
ربتت على قلبها الذي دق بعنف خشية السقوط لا المفاجأة، وعندما ثبتت قدمها التفتت لذي الشعر الأحمر وصاحت به:
«أولا: لا أحمق هنا سواك أيتها السحلية الحمراء!».
اتسعت عينا الرجل الأسمر وهو يسمعها تصفة بالسحلية، وقبل أن يستوعب كلامها ليرد عليها عاجلته قائلة:
«وثانيا، من أنت؟ وثالثا ما شأنك بي ها؟».
«شأني أنني كنت جالسا أرسم بهدوء قبل أن تأتي حمقاء سليطة اللسان وتصرخ كأن الكون ملكها».
هبطت عن الصخرة، أمسكت بعنان سولانا، وعندما أصبحت قريبة رأى أنها فتاة جميلة بشكل ما، لولا لسانها الذي يدحر أي صفة أخرى.
«هل أنت رسام؟».
اكتسى صوته بالغرور وسرد لها مفتخرا:
«أجل، أرسم الأشياء نادرة الجمال والخرائط».
ابتهجت ملامحها و زال غضبها ليحل محله الإعجاب:
«رائع! أحب الفن وأقدر الأشياء الجميلة وأحب النظر إليها، هل تعلم أن الشيء الجميل المفضل عندي هو طاووس أبيض؟»
أضافت وهي تمتطي فرسها:
«من الحجر الأبيض، لكت لم يسبق وإن رأيت طاووس أبيض حقيقي».
«طاووس أييض؟ شيء سخيف».
اتقد غضبها وعقد حاجبيها لاستخفافه بما تحب:
«شيء سخيف؟».
«بالطبع!»
«السخيف هو شعرك الأحمر ايتها السحلية الحمراء».
لم تترك له مجال ليرد عليها فقد انطلقت بفرسها مبتعدة بعد أن اغاضته بمد لسانها له.
«حمقاء سليطة اللسان».
وفارسة ماهرة جدا للحق.
*****
شُرعت البوابة الخشبية العملاقة، و رأى ارتان دفتيها تتباعدان ببطء وصريرهما الثقيل يطغى على الأصوات الأخرى.
هذه البوابة هي بمثابة ذراعان مفرودتنان تهمان بضمه إليهما، أنهما ذراعا محبوبته قنداليا، عُشه الدافئ مهما كان بارداً.
وكز ارتان كارلوس، فأخذ الفحل الأسود يعدو عابراً البوابة وفي سرجه مثبتة رواية التنين، خلفه فارسان متحاذيان وبينهما كانت عربة الملكة تجرها ستة من الخيول القوية الرشيقة، متناسقة في مظهرها، ولون سروجها ذات المقابض المتصلة بالعربة، بيما الحوذي يمسك بزمامها.
أزاحت ستارة عربتها بتردد وقلق من القادم. لمحت طيف البوابة والعربة تمر بها، ثم جذب انتباهها قرع حوافر الخيل للأرضية الحجرية، وفي مقدمتهم رأته يعطيها ظهره، فقبضت يدها على ثوبها بتوتر وقد هتفت بخادمتها:
«لتتوقف العربة».
لم تستوعب الخادمة مطلبها، فكررت جوليا بانفعال واضح:
«قلت: أجعليهم يوقفون العربة حالا!».
«حاضر، سأخبرهم فوراً».
عندما توقفت العربة، وجدت جوليا أحد الحرس على نافذتها:
«ما الأمر جلالتكِ؟»
بنبرة آمرة تتقنها جيداً قالت:
«اسيلا، أريد اسيلا مرافقتي».
دخول هذا المكان دون اسيلا مهمة صعبة، بل ومستحيلة.
أومأ الجندي مطيعا ثم وكز جواده ليعلم ارتان بالأمر.

«احضروا الفتاة». ألقى أوامر فوراً، ما دام صوت زوجته قد خرج فلا بأس، وهو يعلم أن قنداليا كالقبر لمن لا يعرفها و لا يرغب دخولها، وهي قد تحتاج من يخفف عنها الأمر، ولو أنه لن يفرق كثيراً.
«اسيلا؟». أخبرته بأسمها مراراً، تلك الفتاة البغيضة تجد مكانا دائما.
يتذكرها، ويتذكر لمستها على خده، لا يذكر أنه عرف نظرات غير تلك الحاقدة والخائفة.. أما ما حملته نظراتها هي فهو القلق، القلق عليه لا منه، والأهم لم تتغير نظرتها أو تجزع عندما لم تجد به جُرحا.. لم تخف وهي تعلم أنه مبلل بدماء ليست بدمائه.
هرع الحراس للبحث عنها، أما هو فانطلق في طريقه. لقد كبح نفسه كثيراً، يحتاج لدم و لأن يفتك بأحدهم ويقطع أوصاله. لقد كانت رقصته الأخيرة مع ڤالور بمثابة وجبة غير مشبعة… والآن يحتاج لأن يبتعد عن الجميع، أن ينأى بنفسه قبل أن يقتل أحدهم فعلاً…
لعابه يسيل لمجرد تخيل نصل ڤالور غارق في قلب شخص ما، و مؤكد لن يسمح لنفسه بهذا.
مرهق من السفر، ومن نفسه المتعطشة للدم، وكأن كارلوس فهم أن سيده بحاجة لأن يختلي بنفسه المتوحشة، بحاجة لأن يهرب من الناس حتى لا يقتلهم، فراح يلتهم الطُرق بلمح البصر. أنه في وطنه أخيراً، وخريطته مرسومة في ذهنه.
أخذ الجواد ينتقي الدروب الخالية من الناس من تلقاء نفسه، تدريجياً بدأ يبتعد عن المدينة ويأخذ مسلك البراري حيث الجبال تحرس السهول والوديان، حيث الأشجار بدل الناس.. هناك لن يؤذي إلا نفسه. لن يهدم حلما يصبو إليه مهما كلف الأمر.
******
يأوي نفسه في انحناءة الجرف الصخري، متمدد فوق التراب وعيناه تحدقان في الفراغ دون أن يرتد إليه طرفه.

لقد فشل هجومه على ارتان ونكس على عقبيه خائبا. ليس ذلك وحسب بل أن ذلك الارتان تراجع عن قتله في آخر لحظة، والشفقة منه هي ما يفضل الموت حرقا على أن يحصل عليها.
تمنا لو أن ارتان قد أحرقه، أو غرس سيفه في قلبه ومات كمقاتل نبيل، بدل أن يحيا في حياة وهبها له عدوه.

الأسوأ أنه فقد عدداً لا بأس به من رجاله وبات يتميز غيظا «تبا له، سأريه من أكون...».
«حقا؟»
انتشله الصوت الساخر من شروده فاعتدل في جلسته متألما؛ فما زال يشعر بأنه يحترق من الداخل، كل ما مر الوقت خف الألم، إلا أنه ما يزال مبرحا.
ضحك ريجار ملء شدقيه قبل أن يقول:
«شواك التنين! إذا الأمر حقيقي؟».
اصطكت أسنانه وهو يحاول كتم غضبه، فهو ما زال بحاجة لهذا الرجل.

«ما بالك إيه الزعيم؟ ما هذه الحالة؟» صدح ضاحكاً من جديد وهو يحاول استفزاز الزعيم بقدر ما يستطيع.
استطرد وهو يهبط عن جواده الرمادي، دون أن يزيل لثامه:
«عذرا إيه الزعيم لكنك كالسيف الثلم؛ لم تستطع القضاء عليه وهو في أضعف حالاته! اعزلا بلا حلفاء وليس معه إلا خمسمئة جندي؟!
سمعت أنه استعمل لأجلك خمسون منهم فقط!». لم يكن ذلك حقيقيا وأن كان كذلك فلا علم له، أنه يسخر وحسب.
سحب الزعيم سيفه مزمجرا بشتيمة لارتان ورجاله، ثم قال متحفزا:
«لن أكل ولن أمل سأقتله يا هذا، وأنت عليك تزويدي بتحركاته مثل العادة فهمت؟»
«ألهذا أرسلت إلي؟ اووه لا أظنني سأفعل، لأنني فقدت ثقتي بك، إنني أأمل بالعجوز الساحرة أكثر منك».
لم يدقق الزعيم بأمر العجوز كأنه لم يسمع وقال:
«سأذهب إلى الشرق وسأعلن عليه الحرب قريباً».
ابتسم مغمغا مع نفسه: رائع هذا ما انتظره منك إيه الزعيم، ثم سأل بصوت مسموع:

«أأنت واثق؟ حسنا، قلبي الطيب سيمنحك فرصة أخرى». بل فرصاً بقدر ما تريد، حتى ينتهي التنين.
«سنتواصل بطريقة ما؛ لأخبرك بكل جديد».
لطالما تساءل الزعيم عن دوافع هذا الغريب فهو لا يتوانى عن دعمه وتزوده بكل ما يحتاج من خطط ومعلومات تضر بارتان، لكنه لم يصرح بسؤاله قط فذلك لا يهمه مقدار ذرة ما دام يعينه على هدفه الأوحد.
«سأرد لك كل ذلك حين أستعيد عرشي».
امتطى فحله الرمادي:
«يكفي أن تكسر لي أجنحته وسأكون شاكرا».
شد لجام "رماد" وغادر تاركاً الزعيم.
«ما رأيك يا رماد؟ أنا لا أثق بهذا الرجل، ولأكون صريحاً لا أتوقع منه أن ينتصر في حربه المزعومة حتى، لكنني لن أوفر جهداً لأرى الملك ذليلا متألما ووحيدا».
صهل رماد ردا على ثرثرة ريجار المعتادة فيما وكزه ريجار ليسرع عائداً إلى قنداليا سيرى مارلين وينظر إن كانت خطته الأخرى قد نجحت أم لا.
مارلين و الزعم ليس شيئاً أمام القادم، ضحك حتى دمعت عيناه مسروراً، وهتف في الأرض الجرداء كأن أحدا يسمعه:
«اااه اندريك لو تعرف ما يجهزه لك ستار الليل، إنني افوق العنكبوت مهارة في نصب الشباك».
*****
«خائفة.. خائفة جدا اسيلا».
اعتصرت اسيلا يدي صديقتها المتعرقتين، لقد انتظرتها لساعات طويلة بل انقضى النهار وهي تنتظر فقط من أجل قول هذه الكلمات، ولكن اسيلا تعلم، تعلم أن صديقتها تحتاج لمن يشجعها دائما، ويخبرها أن كل شيء سيكون على خير ما يرام.
«ممَ أنتِ خائفة؟ من الملك؟ ألم يعطل مسير القافلة من أجلك وهي على أبواب مملكته؟أنظري سمح لكِ بانتظاري، ومن أنا؟ أميرة؟ لا، والشكر لله، ليدي نبيلة؟ كلا، مجرد إمرأة من العامة قروية بلا نسب يجبره على أحترامي يا جوليا».
تفوهت بكلمات تكرهها، لكن لا محالة من ذلك، أضافت بابتسامة دافئة:
«أنتِ أكثر قيمة وتأثيرا مما تظنين، جعلتِ قافلة ملكية تنتظر وصولي». ضحكت بعفوية على الموقف، لم تتخيل يوماً أن ذلك قد يحصل من أجلها هي!
نهضت وسحبت الستائر المخملية بلطف سامحة لضياء الغروب الأخير بالدخول والسقوط على أرضية العربة.
حلقت الطيور نحو الشمس الآفلة، بدت كظلال تتحرك دون تبين تفاصيلها، شيء غامض وجميل، أشعرها بأنها مقبلة على حياة لا بأس بها.
بحركة تلقائية قبضت على قلادتها تطلبها العون، ابتسمت وهي تُقر:
«كنت بحاجة لكلماتك اسيلا، بحاجة لوجودك. شكرا لكِ على كل شيء».
حكت مؤخرة عنقها وأدت حركة استعراضية :
«على الرحب».
عاودت الجلوس بجانبهاو ووعدتها بصدق:
«لن يتغير شيء جوليا، سأكون دائماً في الجوار من أجلك، سأجد طريقي نحوك متى ما احتجت إلي، هذا وعد.»
سألتها برجاء: «لن تأتي معي؟».

«ستسكنين في القصر يا جلالة الملكة، القصر لا يليق بي. سأجد مكاني هنا لا تقلقي».
عانقتها اسيلا بقوة، لتشعرها أنها ليست وحدها، همست لها:
«انتِ ملكة، تصرفي كذلك دائما.»
ابتعدت عنها، ثم مسحت الدموع التي أغرقت وجنتيها سريعا:
«كفاكِ بكاء، الدموع ترياق لحياة سيئة، لا تذرفيها أبدا».
أومأت جوليا ضاحكة من حكمات اسيلا الغرببة.
«رافقيني حتى القصر على الأقل».
كما تشائين، لكن لتأمر الملكة رجالها بالاعتناء بصغيرتي سولانا».
«بالطبع، أنني ملكة، أوامري لا ترفض».
*****
كما الراية الرمادية خفقت عباءة الشيخ المسن وهو يقف قرب نافذة حجرة الجرس الكبير في قمة أعلى أبراج قصر اندريك.
قبل أسبوعين حل ضيفاً عليهم، وبفضل مارلين وجد لنفسه مكاناً في قصر الملكي، وكأن الحياة بنفسها ضد ذلك الملك إذ جمعت له أعداؤه تحت سقف بيته.

بعينيه البيضاوان لمح أول أطياف قافلة الملك قادمة من أسفل الجبل، ورأى بكل وضوح رايات التنين ذوات الخلفية السوداء والتنين المجنح نافث النار ترفرف بعنفوان فوق رؤوس الجنود.
يكره التنانين التي سلبته الكثير، حتى ابنته التي تجري دماؤه في عروقها. لكنه انتقم منها ومن تنينها الجميل وبقي آخر التنانين والدليل الأخير على عاره.

مسد السلطان لحيته البيضاء بيده المجعدة ورحب بنبرة فاض منها الغيظ والكره:
«اهلا بك في حضرة الشيطان ايه التنين الأخير» دك الأرض بعكازته ثلاث مرات ثم غمغم:
«أقسمت على أن لا اذر تنينا حيا وجئت كي أبر بقسمي يا حفيدي عاثر الحظ.. سأثبت لكم أن الشيطان سلطان السلاطين لا يغفر ابدا وينتقم ولو بعد ألف عام ويعود حتى وإن نسيه الجميع».

رسم على فمه ابتسامة ودودة عندما شعر بخطوات مارلين خلفه، التفت إليها وعلى الفور فهم أنها تحمل بين يديها شرا أسودا يقطر خبثا، فراحت عينيه فاقدتي النور تتأمل الزجاجة التي بين يديها بفتور رغم أنه قد دهش نوع ما، فالهالة الخاصة بـ "دموع القلب الأسود" شديدة ومؤذية لمن يقترب منها فكيف بمن صنعت لأجله؟
«تزدادين سواداً عزيزتي مارلين، ما زلت أذكر بطولاتك السابقة وها أنتِ تنسجين شباكا سوداء جديدة. عظيم!».
فهمت أنه يقصد سحرها الأسود وما تحيكه للملك فابتسمت بمكر وقالت مفتونة بصنيعها المتقن:
«دموع القلب الأسود، أنه شيء في غاية الجمال والرقة،
شيء سوف يعيث بقلب ملكنا دماراً، اوووه أليس رائعا؟» رفعت الزجاجة ذات المحلول الأسود أمامه وقالت متذكرة:
«بالاضافة لزهور الصيف، ألا تشم رائحته كم هي لذيذة؟ أظنني سأنال منه هذه المرة».
ضحك العجوز معجبا بثقتها إلا أنه لم يسمح لنفسه أن يتغاضى عن أحد أهم الأسئلة:
«لماذا ما زلتِ حية مارلين؟ من تمتلك جنونك لا بد أن تترك ثغرة ما وما أعرفه عن ذلك النجس أنه حذر ولا تشرد منه الشاردة، فكيف يغفل عن أفعى بسبعة رؤوس مثلك؟»
ابتسمت بهدوء ودست السم المسحور في حزام فستانها ثم شبكت يديها معا وقالت بنظرات محكمة لا تشف عم خلفها:
«لنقل أنه الحظ».
قاطعها بمكر:
«أو الغباء»
«كلا، إنني واثقة أنه الحظ والعدالة».
العدالة؟ تذكر حكاية مارلين وطريقة إيمانها بالأمور فلم يعلق. وإلا أين العدالة في أن تنتقم من زوجين في ابنهما وهما ميتان منذ زمن؟ وما فعلته مارلين بارتان منذ وفاتهما حتى اللحظة ما هو إلا عدالة مزيفة وفوق زيفها هي في غير مكانها، هو نفسه لا يطلق مصطلح العدالة على انتقامه، هو انتقام ويعترف بهذ بكل فخر وصدق، لكن لا فائدة في مناقشة مارلين في عقائدها بعد كل هذا.
من أججت نار الحروب قبل سبع وثلاثين عاما لا بد أنها قادرة على فعلها مجدداً، وذلك تماما ما يحتاجه.

رددت مارلين حالمة:
«اتوق لأن أراه تائها بلا عقل أو قوة، يعيش في وهم ويقتات على سراب».
«لن تؤذيه على الأقل حتى نتأكد من نقاء دمه، قد يلزمني حيا، لكن لا تقلقي موته شيء محتم».
اقتربت منه بنظرات ماكرة وخبيثة، ربتت على كتفه وقالت:
«اشعر بك، أنك تذبل.
دعك من هذا وأخبرني لماذا الآن؟»
توقيته الذي جاء به مثالي جدا حيث بدأت تشن هجمات قوية وهي في أمس الحاجة لمن يساندها والسلطان مناسب تماماً، لكن إذا انقلب هذا الشيطان فجأة؟!
تجاهل العجوز سؤالها وهبط بنظره للأسفل وقال باسما:
«هاقد أتى مليكك.»
مدت ناظريها لحيث أشار فرأت أنه محق، اخذت بيده ومعا نزلا الدرجات الطويل، فريقاً من جديد.
****
عندما وصل ارتان إلى القصر رأى آلاف المشاعل تنير ما حول بوابة قصره الخارجية.
أنهم أهل المدينة جاءوا يرحبون به، أو بملكته الجديدة، لا بأس أي كان الهدف حضورهم بعث فيه شعور جيد، وكانت المرة الأولى التي يكافئ فيها على عمل قام به.
فرغ طاقته، هدأ نفسه ثم عاد، وكان موعده مثالياً إذ بالكاد وصلت عربة الملكة.
لوح الناس بمشاعلهم وهم يرددون كلمات أدعية لم يفقه الكثير منها، أنهم سعداء وهذا ما يهم.
عندما توقفت العربة، علمت جوليا أن عليها النزول، أنها جاهزة تماماً، ارتدت أجمل فساتينها، سرحت شعرها.. لا بدّ أن تعجبهم ملكتهم، ويثقون بها، وهل ستعجبهم ملكة غير جميلة؟
نزلت أول خطوة خارج العربة، فداهمتها موجة عاتية من الهتافات الحماسية والصفير، تحوقل حولها الجنود كدرع متين، قبل أن يخترق ارتان ذلك الدرع ويمد لها يده، وفي تلك اللحظة أحست جوليا بكلمات اسيلا كوشاح دافئ يلتف حولها، فشعرت بالثقة، وفكرت: سيمضي.
تفرق الجنود كأن لا حاجة لهم عندما يكون موجوداً.
ابتسمت له بكياسة الأميرات و أمسكت بيده بعد انحناءة خفيفة. وعندما بدأت تمشي معه لوح الناس لها بمشاعلهم، لم تكن تراهم فقط مشاعل متوهجة تتراقص من بعيد، لم تتوقع ترحيباً حارا كهذا الذي رأت.
خطواتها واثقة، وراسها مرفوع، ولا بدّ أنهم رأوا أجمل النساء على الإطلاق، ملكة رقيقة تمشي جنبا لجنب مع تنينهم، الحياة ستضحك لهم أخيراً.
رفعت يدها فستانها، وتابعت الطريق، على ما يبدو هم يعبرون من فوق جسر الآن، استغرب في بادئ الأمر أن لا حراسة حولهم، ولكن عندما أدركت مع من هي لم يعد ذلك مهما.
لم ينظر إليها ولا لمرة واحدة، وهي حاولت جاهدة أن لا تلتقي نظراتهم. فتح الحراس البوابة ودلفت وإياه منها، حتى بعد أن أُغغلقت البوابة خلفهم ما تزال تسمع الصيحات المبتهجة، هل هذا هو ما دفعت سعادتها ثمنا له؟ سعادة هؤلاء الغرباء؟! حاولت أن لا تفكر في الأمر حتى لا تبكي، ليس الآن ليس وصديقتها تراقبها من مكان ما خلف الظلال، تركتها اسيلا لكنها وعدتها أن لا تذهب سريعاً.
عندما أصبحا في منأى عن الناس ولم يعد هناك إلا كارلوس خلفهم ومن خلفه العربات وبقية القافلة ترك زوجها يدها، فاعتقدت أن المسرحية قد انتهت، لكن لا، فاجأها حين أمسك بخصرها، ورفعها بسرعة فصدرت منها صيحة هلعة قبل أن تستقر على سرج كارلوس، ركب خلفها، وأحاطها بذراعيه، ثم وكز جواده ليخبو نحو القصر.
أغمضت جوليا عينيها، لم تحب وجودها بقربه، أنه يبيقيها متوترة، و لم تحب رائحته التي تجعلك ترغب باستنشاقها أكثر رغم عدم معرفتك لماهية تلك الرائحة، ولا شأن لذلك بكونه الملك أو التنين، … الأمر أن كل ذلك من حق رجل آخر.. أنها تكرهه ليس لأنه وحش الحكايات بل لأنه حرمها سعادتها حبها وأمانها..
"ماكس.."
لينتهي هذا، لتستيقظ لترى دفلارا تجهز فطورها، لينتهي هذا الكابوس بأي ثمن.
تساقطت دموعها على ظهر يده الممسكة بالعنان، دمعة فأخرى، أنها تبكي بصمت. تجاهل ذلك فليس بمقدوره فعل الكثير.
وتذكر كلمات تلك الفتاة ذلك الفجر ، لقد رجته أن يعتني بها، جعلته يشعر أنه بحاحة لتوسلات فقط ليعتني بزوجته.. والأسوأ أن هذه هي الحقيقة.. عدا عن أن التوسلات لن تفيد، هو غير قادر على منح السعادة لأحد.

أندس السلطان آرام مع حاشية الملك كأي شخص عادي في استقبال جلالته أمام القصر، سمع دكة الجسر حين ارتطم بالأرض بقوة ثم رأى البوابة المقوسة تنفتح ثم دستة من الفرسان حاملي الرايات يدخلون وينقسمون إلى صفين وأخيراً حفيده المتشح بالسواد من رأسه حتى أخمص قدميه، يدلف على ظهر حصانه وفي حضنه عروسه بثوبها سُكري اللون الذي تدلى على جانب الحصان الأسود.

بنظرات حذرة رفع رأسه ليراه، وأول تعليق ردده في نفسه: لقد كبر الفتى كثيراً!.
.
وثب ارتان عن ظهر كارلوس، أنزل عروسه برفق، أمسك بيدها وعبر بها إلى الداخل، واكتشف آرام أن حفيده يتحدث بصمت، يحكي بأفعاله لا كلماته؛ إذ أنه يعلمهم بمكانتها حين قربها منه هكذا، وفعله هذا ما هو إلا تهديد لمن يؤذيها.
العروس الميراسيلية تحت حمايه زوجها القندالي، من سبجرؤ على مسها بسوء؟
عندما مر ارتان بمحاذاة آرام، خطف الأخير نظرة سريعة إلى وجه حفيده، وأزداد غيظه حين رأى نسخة أخرى من ذلك التنين، الشعر الفاحم، والفك العريض والذقن الخفيفة.. كان هناك اختلاف ما، حفيده يختلف عن والده في الكثير، الآن أدرك أنه نسخة سوداء متحجرة وقاسية، كلا لا يشبه التنين الذي اختطف الأميرة… أنه أسوأ.
لمحه ارتان بنظرة خاطفة وبلا تفسير، فتجمد العجوز للحظة مذهولا، العينان..! أنهما لهيب أزرق، شيء مؤذي وسوداوي..
لحظة عابرة مرت لما آفاق الشيخ منها كان الملك داخل قصره، فازدرت ريقه وعلم أنه الأمر لن يكون بتلك السهولة التي يعتقد.
*****
وقفت اسيلا فوق التل، رأت المشاعل تهبط إلى أسفل الجبل. لم يخبرها أحد أن عرين التنانين قد بُني فوق الجبل، لم تحكي لها أمها أن المكان هنا عجيب و مذهل جداً.
عندما وصلت رأت الجبل يتلألأ و سمعت الهتافات مثل الجميع وتساءلت عما سيشعر به ارتان حين يسمعهم.
رأت جوليا بهية الطلعة تتجه لبوابة القصر برفقة ارتان، أغمضت عينيها متمنية لها الحظ الجيد والقوة. ليست نادمة لأنها رفضت البقاء في القصر، لكنها حزينة لأنها تركت جوليا تذهب وحيدة.
"تجملي بالصبر جوليا"
لم تستطع فعلها، أنها قوية لكن لقوتها حدود، وتخاف… تخاف أن يبتلعها القصر كما فعل بأمها وهي تريد أن تكون حرة.
أنها الآن وحيدة تماماً في أرض غريبة عنها، قد تكون قنداليا وطنها الأم لكنها عاشت وكبرت في ميراسال. وحين لفها الليل الديجور بوشاحه الثقيل تلفتت وإذ لا شيء حولها إلا سولانا كقطعة من الثلج في رحم العتمة.
الوحدة، القوة، الصبر، كلها وجهات لعملة واحدة، وهي وحيدة، ومن وحدتها جاءت قوتها ومن قوتها تولد صبرها، لذا هي ليست خائفة، ستجد حلا لكل معضلة تواجهها، ومشكلاتها الآن هي المأوى.
«هيا سولانا، تنظرنا ليلة حافلة».
هبطت وسولانا في أثر حاملين المشاعل؛ حتى يدلونها على طريق المدينة.
ليست المرة الأولى التي تبقا فيا دون منزل فعندما تذهب في رحلات البحث عن الأعشاب كانت تقطع مسافات هائلة، حتى تجد نفسها في مكان جديد وأناس غرباء، الأمر مألوف جداً.
وكما قال لها معلمها يوماً: جرب بقدر ما تستطيع.
لا تدري لماذا خطر على بالها ذلك الرجل، صحيح أن علاقتهما كتلميذة ومعلمها لم تدم إلا بضع سنوات، إلا أنها تشربت من معرفته الكثير،. يكبرها بسبعة أعوام فقط، لكن مقدار الأشياء التي يعرفها هائل جداً، في النهاية افترقا، هي اختارت التوبة، وهو أختار الغرق..
«أنتِ».
شدت لجام فرسها فيما تسللت يدها إلى الكنانة المعلقة في السرج، دارت براس سولانا ببطء نحو مصدر الصوت، ثم وبرمشة عين كان قوسها ملقما وعلى أهبة الاستعداد، وذكرت نفسها: بهدوء المياه الراكدة، بثبات الجبال.
«من أنت؟»
ضحك الرجل ذي الصوت الخشن قائلاً:
«سريعة جدا، لحسن حظي لست هنا لأذيتك».
رأت أنه يحمل مشعل في يده، ينعكس نوره على وجهه ذي الندب، ويمتطي حصان أبيض كسولانا.
«أنا جون صغيرتي». أضاف صغيرهي بعد أن رآها على وهج شعلته، فقالت بنبرتها الحادة:

«كلمة صغيرتي لن تدعني أنحي سهمي، لذا أمضي في طريقك قبل أن أخترق قلبك».
صدحت ضحكته مجدداً، وكز حصانه وعبر بها، لم يبدو قلقا من السهم الموجه نحوه، أما هي إن كانت خائفة فهي ماهرة جدا في إثبات العكس.
«انا أيضا قواس.
وأنت تحومين حول القصر، اتضنين أن أحدا لن يلاحظ؟ فقط القليل وسيأتي الجنود إليكِ».
«ماذا سيحدث؟ سيقتلني الملك؟»
أجاب وهو يهبط التل:
«سأوصلكِ حتى سوق المدينة. أبقي قوسك ملقما إن شئتِ، لكن أسرعي، يجب أن نبتعد من هنا».
لم تعرف من هو، وماذا يفعل هنا أساسا؟ لم ولن تثق في غريب، لذا احتفظت بمسافة كافية للهرب إذا ما دعت الحاجة لذلك. قد لا يكون وحيداً، قد تكون عصابة..
«أنت! أنا سأذهب بمفردي».
انطلقت بفرسها من طريق جانبي، واختفت سريعاً.
«حمقاء!».
ناداه رجل آخر من الأسفل:
«جون!».
لوح بالمشعل ورد:
«قادم».
وكز حصانه فأسرع نحو الأسفل، كان شقيقه الصغير وبقية رفاقه على صهوات جيادهم ينتظرونه في الأسفل.
«تأخرت يا جون».
رد آخر:
«دعه نيمار، فما زال يفكر في كلام ذلك الرجل».
تجاهل جون كلامه بما أنه أكبرهم سنا وريو الأصغر، التفت إلى رجل يقاربه في السن:
«فكرت جيداً، قررت القبول، يكفينا عاراً حتى الآن».
صاح ريو بحماس فقد كان منزعجا من تردد جون:
«رائع، چورا أنظر أخيرا السيد جون قال شيئا جيدا».
اقترب چورا ذي الشعر الأحمر من ريو المتحمس، وسدد لكمة قوية إلى معدته ثم قال مازحاً:
«أخي الأكبر يقول الحكم دائما يا هذا».
ضحك البقية بينما انثنى ريو على ظهر فرسه متألما:
«ايه اللعين سأريك».
وكز جورا حصانه هارباً فتبعه ريو وهو يشتمه.
تنهد اوسطهم بقلة حيلة قائلاً وهو يزيح شعره الفضي عن عينيه:
«جن كلاهما، سوف اتبعهما.»
أضاف باسما:
«أنا موافق على ما تقول أيا كان رأيك».
أبتسم جون لسيليل الذي ذهب خلف جورا و ريو. أنه حكيم، متزن العقل عكس أخيه وصديقه الآخر.
بقي جون مع صديقه الأقرب"نيمار":
«طائشون!».
علق كادو مازحاً:
«في ما خلا سيليل، أنه المُهدئ للفريق».
صمت جون متذكرا للماضي البعيدة، عندما خلفتهم الحرب ضعفاء أيتاماً، كان هو ونيمار في السابعة من عمرهما، أما أخيه جورا فلم يكن قد ولد بعد، أما سيليل فقد قضى جميع عائلته نحبهم وهو في الثانية ولم يتبقى سواه. و ريو ولد بعد جورا بأشهر قليلة، لذا هما قريبان جداً من بعضهما.
جميعهم مضغت الحرب أباهم ثم لفظتهم عظاما لا روح فيها.
لا رابط من الدم يجمعهم، بخلافه هو وچورا، الحياة وظروفها القاسية هي من وحدتهم.
لكن ورغم ذلك هم خائنون بطريقة ما، فعندما ذهب أباهم إلى الحرب ذهبوا كجنود مقاتلين في جيش آل اندريك.. الحليف آل اندريك والعدو آل اندريك… آل اندريك دمروا كل شيء.
في النهاية و بعد كل هذه السنين لم يعد الماضي يسير التذكر، خصوصا وهو يراهم رجالا بالغين الآن بعدما كانوا مجرد أفواه جائعة.
******
«لا أعرف مقدار ما سمعتي عني وعن قصري، لكنكِ هنا في أمان». حدثها للمرة الأولى وهو ينظر إليها، لم تحتمل نظراته، فحنت رأسها لتنظر إلى الأرض.
«أنتِ زوجتي، ملكة النجم الجنوبي منذ اللحظة تذكري ذلك عند تعاملك مع سكان القصر».
ازدرت جوليا ريقها بصعوبة، ووجدت التركيز في كلامه محالا وهي تتخيل الحياة البائسة هنا.
«لا بأس سأكون على خير ما يرام، جلالتك».
أومأ لها، ثم قال:
«إذا ما احتجتِ شيئا لديكِ ليدي جوزيدا، استعيني بها».

أدخلها إلى حجرة واسعة جداً، راقية وذات أثاث مرتب وجميل. منذ دلفت وقلبها يعزف بعنف شديد، لا تريده.. ولا تتخيل أن يلمسها حتى.
في النهاية ألقى هذه الكلمات المقتضبة وغادر.. غادر!!
ابتسمت وانشراح صدرها وهي تسمع وقع خطواته يبتعد شيئا ً فشيئاً.
ثم سمعت غمغمة خادماتها وهن قادمات، تنفست الصعداء وهي تنهار على الأرض، انتهت اللحظات الصعبة، لقد حبست أنفاسها في صدرها منذ نزلت من العربة وحررتها الآن فقط..
«سمو الأمير.. جلالة الملكة أأنتِ بخير؟»
هرعت الخادمة نحوها، وقد ارعبتها رؤيتها على هذا الحال، إلا أن جوليا رفعت رأسها مبتسمة وقالت مازحة:
«أنا بخير، وددت لو أن اسيلا هنا لترَ كيف أديت».
نهضت بمساعدة خادمتها "يولين" الأقرب لقلبها من بعد اسيلا.
«سيدتي ليست هذه الغرفة المخصصة لإقامتك، زوجة الوزير أخبرتنا أن لكِ الحق في إختيار أي مكان يناسبك».
تنهدت جوليا متعبة:
«أي سرير أنام عليه الليلة وغدا نرى».
مالت يولين نحوها وهمست في أذنها:
«علينا أن نلتزم الحذر، قد يسمع أحد كلمات لا نود قولها».
هتفت جوليا متضايقة من طبع يولين المحب للاثارة:
«كفاكِ يولين، أتعلمين؟ كان يجدر بي تركك في القصر»
اغلقت يولين فمها بيدها، وأشارت برأسها أن لن أتكلم حتى تأذنين.
قرع الباب بعد لحظات، لتظهر من خلقه سيدة جميلة جداً، بعينين لوزيتين خضراوتين، وشعر أحمر بلون الأوراق المتساقطة في فصل الخريف.
«انا جوزيدا، تتذكرينني صحيح؟».
كيف لجوليا أن لا تتذكر من البستها كفنها وهي تبتسم؟
«بالطبع أتذكركِ».
أضافت ابتسامة صغيرة على ثغرها، وفي داخلها تتخيل رد فعل اسيلا على تمثيلها؟ في الحقيقة حتى اسيلا لا تعلم بوجود موهبة كتلك لدى صديقتها.
«سعيدة بذلك. تفضلي معي سأدلك على جناحك»
أضافت وهي تبتسم بلطف:
«يمكنكِ تغييره لاحقاً. لقد طلب جلالته أن أعتني بك جيداً».

أخيراً وليس أخرا أوت إلى فراشها، وأول شيء حدث أن دموع متلألئة ذُرفت على وسادتها الحريرة، لتستأنف رحلة الأنين الصامت، والشهقات المكتومة داخل صدرها.
ردت يدها إلى عنقها بحثا عن آخر ما تبقى لها منه، قلادتها الغالية.
«أأنت بخير يا ماكس؟».
فتح باب حجرتها ببطء، فجزعت وانتفضت جالسة في فراشها، وهمست وكل شيء فيها يرتجف:
«مَن؟».
«انها أنا يولين، جئت اسأل أن كنتِ تحتاجين شيئا قبل أن نخلد لنوم أنا والفتيات.»
«كلا، ليلة هنئة».
مرعب، هل ستبقى هكذا طوال الليل؟ هل ستقضي لياليها خائفة من مجيئة؟ خائفة من أن يقضي الوحش على قلب جوليا العاشقة؟
ترددت في وصفه بالوحش، فلم يصدر منه أي فعل ينم عن شخصيته الشهيرة، فيما خلا الحضور الطاغي، والتحكم المطلق فيمن حوله، وهذه صفات أي ملك على ما تعتقد..
لا تدري ماذا تفعل آلان، لكن تفكيرها نابع من قلبها، ومشاعرها القديمة هي من تحركها بعيدا عنه لا تصرفاته.
«نامي يا جوليا، نامي وتركي قلبك للأيام».
غمغمت قبل أن يسلبها النوم آخر ذرات وعيها:
«اجمعيني به أرجوكِ».
*****

في هدوء الليل يكون للهواء دندنة الموسيقى، ولنفحاته الباردة لمسات ناعمة.
همسات انثوية خافتة جداً تقول شيء لا يركز فيه بينما تلك اليد تتشبث بسترته، لحظتها كان ينتظر أن يعرف حدود جنونها، وأن يتأكد من أنها مجرد فتاة تمتلك من الشجاعة أكثر من غيرها بقليل، لكنها وحين رفعت نفسها إليه، و خللت أصابعها انحيله بين خصلات شعره أحس بأنفاسها الدافئة تُلامس شفتيه بنعومة، ولم يتوقع القادم..
استيقظ من نومه فجأة، وما زال شعوره بدفء شفتيها مستمراً.
أنه حلم… حلم عاشه واقعاً ليلة زفافه.
رقى بنظره نحو السماء، ليجد أن القمر العنيد يبعث نوره الساطع رغم كثافة الغيوم، أنه يتوهج الليلة أكثر من العادة.
كعادة ارتان أختار مكان نائ عن البشر واستلقى فيه بمحاولة لنوم، فشل بالطبع بعد أن راوده ذلك الحلم، وتساءل إن كان لا يطيق رؤيتها فلماذا يحلم بها؟.
بحركة تلقائية التقطت يده مقبض سيفه، وتلفت حوله بحثا عن شبحه الاسود، بما أن لليل وكارلوس ذات اللون فإنهما يمتزجان بكشل سلس جداً، كالاشباح.
كسرت أشعة القمر النرجسية حدة الظلمة في المكان، فظهر كارلوس من أسفل التل قابعا في الظلام.

شعر بأنه منهك، كل شيء حدث سريعاً مؤخراً، الرحلة، ثم الزواج، والعودة مجدداً يشعر بأن كل ماحدث حدث على نفس واحد لم ينقطع، فأذن لنفسه ببعض الراحة بعيداً عن الجميع.
لن يسترخي كثيراً، فزينكا و ميراسال بحاجة لتركيزه، بالإضافة لمملكة الغرب" سياندر"
في السابق سماها آل اندريك "الحصن الغربي"، فهي كانت إحدى ركائز النجم قبل أن تنفرد بنفسها كمملكة منفصلة بفضل الخائن "روبرس ستون" روبرس و كامال معجونان بذات المياه، فيما عدا أن كامال أصبح صهره الآن، أما روبرس فلا.
تحرى عن "روبرس" منذ عدة أشهر، وأهم ما توصل إليه أنه كان ولي الحصن سابقاً وأهل الحصن مخلصون له ويدينون لعائلته بالولاء.
إذا الآن هو يواجه رجل ذي أتباع مخلصون وجنود يسومون الستمئة ألفا، الأمر لن يكون بسهولة زينكا أو حتى ميراسال وهو متأكد أن كل ما تقدم خطوة كان الأمر أصعب؛ لكن لا بأس ما دام يقترب من هدفه فهو مستعد لدفع الثمن.
روبرس العجوز علاوة على خيانته للعرش وصف فعلته الدنيئة باستعادة الشرف رغم أنه وكل أسلافه يدينون لآل اندريك بالولاء، ونكث العهد لوحده كافياً لإدانته… لكن ليس الآن بعد أن صدق دعواه وجعل الجميع يؤمنون بحقه في سياندر، ولولا أن وقف كل من الوزير ايان و القائد سايمو في وجهه بقوة الجيش الباقية بعد الحرب لكان اغتصب قنداليا أيضاً.
«حساب ذلك الجشع كبير».
قال له بايكال ذات مساء عندما كانا يتناقشان في استراتيجياتهم، نقلاً عن والده:
"أتعلم يا جلالة الملك أن سياندر كانت المفضلة لدى حضرة الراحل سيدارو؟".
في الماضي أعطى الإمبراطور الأب كل واحد من أبنائه الثلاثة مملكة يحكمها، وكانت سياندر من نصيب والد ارتان "سيدارو"، مكث فيها لعشر سنوات كاملة وعلى ما يبدو وقع في حبها، لكن فيما بعد اختاره أبوه ليحكم النجم بأكمله عوضا عن الحصن الغربي فقط.
ولسبب ما، بعد أن عرف ارتان أن والده يحب تلك المملكة أصبحت رغبته باستعادتها أشد.
عندما أعاد تذكر قائمة أهدافه، تذكر الفتاة التي شكلت له سلمة ليصعد عليها نحو القمة التي يرجوها "زوجته الصغيرة" وكيف انسابت دموعها على ظهر يده بصمت، خائفة ضعيفة.. مثل ادلين؛ فهمس لنفسه معاتبا:
«دمرت طفلة ايه التنين… طفلة».
لم يحس بكارلوس إلا وهو يدفعه في ظهره بخفة، فالتفت إليه وأخذ يمسد خطمة متنهدا.
«إن ثقل آثامي يزداد يوماً بعد يوم يا كارلوس…»
بقي واقفاً هناك ينتظر أن تقتحم الشمس السماء، وحيدا، مثقلا، و مشتتا.

نهاية الفصل

احمممم

المشاهدات على القصة وصلت 3000، بس ما حدى منهم مبين هالشي بيزعل بصراحة لا أنت عارف هم عم يدعموك ولا لأ 🤷 جاي ع بالي اغنيلكم اظهر وبان عليك الامان 🤣🤣
المهم تابعوا معي واثبتوا وجودكم يا اخوتي سواء فيس أو واتباد 😌💙


أولا شو رأيكم بالفصل؟
رأيكم بالاحداث حتى الآن؟
أي نصايح مدايح أي شي ملفت؟
أكثر شي حبيتوه في الصدع العظيم؟
الشخصيات؟
اممممم توقعاتكم القادم
حدى منكم خمن مين ريجار؟ ما بتوقع حد يصيب الهدف مهما بصراحة 😌💅
وشكراً وعفو







التعديل الأخير تم بواسطة Fatima Zahrae Azouz ; 21-07-22 الساعة 01:39 AM
نتالي جواد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-22, 12:17 PM   #62

نتالي جواد
 
الصورة الرمزية نتالي جواد

? العضوٌ??? » 492522
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » نتالي جواد is on a distinguished road
افتراضي

أفكر جديًا في إيقاف الرواية عند الفصل القادم (10) وحسب
، لا ليس الأمر كسل، أو إهمال، إنما لا أرى أي متابع، وأشعر أنني أحدث نفسي، ولا أحبذ إهدار جهدي وجهد المشرفة ووقتها من أجل لا شيء
دمتم بخير ❤️
شكراً مشرفتي فاطمة على جهودك من أجلي وروايتي...


نتالي جواد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:34 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.