آخر 10 مشاركات
سيدة الشتاء (1) *مميزة* , *مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          مصابيح في حنايا الروح (2) سلسلة طعم البيوت *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : rontii - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          خدمة مميزة !!! .... (الكاتـب : حكواتي - )           »          تسألينني عن المذاق ! (4) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          106 ـ صيف في غيتسبرغ ـ بربارا بريتون ع. مدبولي (كتابة / كاملة** ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          437 - لحظة وداع - لوسي مونرو ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12256Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-05-22, 03:49 PM   #321

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قلوب نابضة بالإيمان مشاهدة المشاركة
فصل اكثر من رائع
هل خان بحر امواج فعلا؟
سفيان بدأ يغار
وآدم لو بس يسترجل
شكرا حبيبتي عالمتابعة

هنشوف التفاصيل القصاصة القادمة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 07:10 PM   #322

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة amani*taha مشاهدة المشاركة
فصل بجنننن 💟💟💟
نبدأ اول شيء حادثة الطفل اللي خلصت ع خير و خصوصا احلي مشهد دفاع سفيان عن شادن لمي اتهجم عليها بالكلام ابو الولد حبيت حمية سفيان ناحيتها و دفاعه عنها و احلي أنه رغم الصراع اللي عم يعيشوا بنفسه اعترف انه صار عنده مشاعر ناحية شادن و انه فعلا حب صاحبة الجدائل 😍😍😍 وبعدين ما سيد وليد ما بدوا يترك شادن بحالها حبيت خوفه عليها و كيف عرض يساعدها بس لازم يقطع أمله انه مستحيل ترجع اله شادن
بحر حس بالكسرة والوجع لمي شاف نفسه زائد بين أهله و ما اله مكان بينهم خصوصا لمي عرف انه اخته كانت واقعة مشكلة بنفس الوقت عجبني تفكير أمواج ناحية بحر حتي يصحي ع حاله لازم يتوجع لازم يحس انه عم يخسرهم اذا ما صحي ع حاله و لحق نفسه و عجبني أنها رفضت ترجعله مجرد انه يرجعوا بسبب لحظة غيرة و هيك رجعة خطأ اذت ما كانت اساس صح كرمالهم هم قبل أولادهم و عجبني فيها انه رفضت تلعب لعبة طرف ثالث بعلاقتهم 💟💟💟 بس متأكدة بحر ما قصد أنه خانها خان مع وحدة ثانية يمكن قصدوا خيانة أنه تركها بنص الطريق مع أولادهم
فهد الطفل يكسر القلب مع ام أنانية و مهملة و كل همها نفسها و تصيد رجل غني حتي طليقها تستغله بحجة النفقة ابنه اللي اساسا ما تهتم اله بس ليش حسيت فيها خطأ لمي رفضت يدخلوا بس عجبوني كيف اعطوها حقها بالكلام 😉😉😉
ذكري و ادم قلوب مكسورة و مجروحة رغم الحب اللي بينهم بس للاسف هو ضعيف أدام أمه و المفروض يحط حد قرارتها اللي تدخلت بحياته و دمرتها بعرف انه أمهx وواجبه يحترمها و يراعيها بس كمان مرته الها حق عنده اذا رفضت ذكري ترجعله أو تعطي اي فرصة ثانية يكون حقها يسلمووو ع فصل حلو 😘😘😘😘
حبيبتي اماني تسلمي يا رب على المتابعة والمراجعة...

طبعا علشان وليد يقطع الامل نهائيا.. لازم يكون واثق ان شادن لقت بديل افضل من "انها تكون زوجة تانية لزوجها اللي اتجوز عليها من وراها علشان يجيب طفل"...

بالظبط كده.. رجوع امواج لبحر دلوقتي هيبقى "تجميلي".. ازاي ترجعله وكل الاسباب اللي انفصلوها علشانها لسه قائمة..
بالنسبة لمشكلة الخيانة.. هنعرف تفاصيلها في القصاصة القادمة..
امواج مش حابة تضايق بحر بأنها تدخل حياتها رجل تاني "مؤقتا".. هي لو هترتبط بحد تاني.. هيكون ارتباط حقيقي,, مش خداع للرجلين..

فهد نموذج للاطفال اللي أمهاتهم مش بيقدروا نعمة الامومة وللاسف بيحسوا ان اطفالهم دول عبء على اسلوب حياتهم..

ذكرى وادم حكايتهم فيها تفاصيل كتير وهتبان واحدة واحدة.. ونشوف بعد كده ايه الحل لعلاقتهم؟


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 07:39 PM   #323

فاطمة محمد عبدالقادر

? العضوٌ??? » 478303
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 752
?  نُقآطِيْ » فاطمة محمد عبدالقادر is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم♥️
خليني أبدأ كلامي برأيي في الفصل بشكل عام قبل ما أفصل المشاهد .. فصل مهم جدا مليئ بالأحداث والمواجهات القوية بين الثنائيات وكمان بين الأهل والأصحاب..
مواجهة جريئة بين سفيان وشادن :
ممكن نقول حاليا إن بشكلٍ ما "اللعب بقى على المكشوف" والكلام بينهم كان فيه شيء من الاندفاع المتبادل، سفيان ماكانش بيحكم عقله قبل ما يتكلم، حتى وهو في كل مرة بيرمي الدبش كان في خياله إنه صح، المرة دي هو عارف انه غلط، ومكمل في الغلط لسبب ماكانش يعرفه، أو كان بينكره بمعنى أدق ..
"كان سفيان يعلم أنه يتعمد إهانتها بما ليس بها، لكنه في هذه المرحلة لم يكن يرى سوى طفلة صغيرة تتمرد عليه دون أن يكون قادرا على ردعها وترويضها"
"تعجبني سيدة الجدائل.. تعجبني كثيرا.. بل أكثر مما ينبغي.. هي لم تعد تلك الطفلة الوديعة.. وكل ما فيها يستفزني"
تناقض+اعتراف بالإعجاب وأكثر من ذلك+حيرة وارتباك=بيغير🤷🏻‍♀️
القائد سفيان المرتجي بيغير
حاتي-عا بيغير
ابن العمدة جابته الضفاير🙆🏻‍♀️
جرأة شادن المفاجأة عجبتني جدا الحقيقة، كان لازم ياخد الكلمة في وشه كده عشان على الأقل يفهم نفسه أو يستدرك اللي قاله .. ما هي البنت جابت آخرها برضه كفاية كل اللي حصل لها في كام ساعة🤦🏻‍♀️😂 .. بحترم ثباتها في المواقف الصعبة❤️
مستنية جدا جدا المنحنى الجاي في علاقتهم❤️
(بالمناسبة سفيان كان بيرمي كلام ذكوري عقيم هو عارف إنه غلط أساسا بس سنسامحه لأنه سفيان عادي🤷🏻‍♀️❤️)

مواجهة مشبعة بالعقبات بين ذكرى وآدم :
تخيل يبقى بينهم مشاكل مجتمع طبقي وأم عنصرية وفروق أدت لانفصالهم بعد معاناة، وينضاف على كل العقبات دي حاجز "الكرامة" وحاجز "قلة الحيلة" وخد عندك بقى عقبات عاطفية، زي الشوق ووجع القلب، وعليهم كسرة النفس من ناحية ذكرى، والعجز من ناحية آدم.
"ولأنه.. آدم، فقد عوقب بالتيه والتشتت عن نصف روحه لسنوات، فاضطر للسير بين الجبال والبحار حتى يعثر على شقيقة القلب ونبتة الأضلع التي ضيَعها من بين يديه في لحظة كلال."
عظيم👏❤️
مستنية أعرف الإثم اللي عوقب عليه بقى عشان أنا مش مرتاحاله🌚😂
بغض النظر عن الهزار اللي بنقوله عن آدم (وإنه ابنها، وغبي، وابنها، وكلاون، وابنها، وماعندوش شخصية، وابنها ... ) إلا اني مازلت حاسة إن اللي حصل برضه ماكانش سهل عليه .. أتمنى يكون حاول بالقدر الكافي وفشل أهون ما يكون استسلم لحد ما حبيبته ضاعت من ايده..
(صدقني أنا عايزة أساعدك يابني بس انت اللي مش مساعدني🤦🏻‍♀️😂)
بس بجد "عودي" اللي قالها دي وجعت قلبي عليه، منك لله يا رقية..
"وهل الأميرات يؤمرن يا غبي؟" يابني هو أنت الكلام الحلو مابيطلعش منك غير وأنت بتكلم نفسك؟ ده أنت ابنها بصحيح🙂😂😂😂

مواجهة منتظرَة لبحر وأمواج :
دي بقى مستنياها بفارغ الصبر ومستنية أشوفها بتبكِّس له وبتديله مقصات.
فوق لنفسك يا بحر يا مذبذب يا مثير للشفقة يا كم مهمل🙂
بتزعلك يا كم مهمل؟ طب يا كم مهمل يا كم مهمل.. يا كم مهمــــل (بصوت حسن حسني)
يا رب تخيب ظني وتبقى خنت ثقتها ولا خنت مبادئها ولا أي حاجة معنوية يخربيتك🤦🏻‍♀️😂😂😂
ربنا يردك لنفسك يابني هقول ايه🤷🏻‍♀️
بس مش هنكر إنه صعب عليا سيكا .. سيكتين تلاتة يعني🥺

مواجهات دافئة بين الأهل :
فضفضة ذكرى مع أمها حتى وهي عارفة ان مافيش حل عندها لكل اللي هي فيه لكن حاسة ان الراحة في وجود أمها والكلام معاها، وكلام شادن مع أبوها والأمان اللي استشعرته من كلامه وحسسها بغبطة وفخر .. مشاعر عائلية دافية حبيتها جدا جدا❤️
وللأسف كل المشاعر دي كانت مفقودة في لقاء آدم مع أمه .. يمكن المقارنة تكون غير منصفة بعض الشيء، لكن رغم كل الاعتبارات والفروق الاجتماعية بين آدم وذكرى، حياة ذكرى تكسب وبامتياز، على الأقل فيها شعور مش عايشة لشغلها وبتستتقل رجوعها للبيت اللي المفروض مصدر راحة ليها.. وواضح ان ده أصلا ماكانتش متوفر ليها وقت جوازها بسبب وجود رقية والعناصر الطبقية في مجتمع آدم.

مواجهات لذيذة بين الصحاب :
كلام أمواج وزهو مع بعض بمنتهى الأريحية دايما ومشاركتهم الوقت سوا كان فيه شعور جميل بالصُحبة❤️
وكلام سفيان مع بحر كان لطيف جدا، وسفيان عنده حق بصراحة (كالعادة)، أنا بتحمس لخناقات بحر وأمواج ده أنا هقوم أعمل فشار قبل الفصل الجاي😂❤️

نهايةً تسلم ايدك على الفصل العظمة ده يا مارو، أتمنى أقدر أواظب على قراءة الفصول كل أسبوع وأقدم لك رأيي أول بأول لأني مش هقدر استحمل الحقيقة اني ماقابلش أبطالك كل أسبوع، خصوصا سفيان يعني😢😂❤️


فاطمة محمد عبدالقادر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 08:23 PM   #324

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 القصاصة الحادية عشرة من رواية (وانطوت صفحة الهوى) - المشاركة الأولى

القصاصة الحادية عشرة
(فوضى رهيبة)



هل أخطأ كيوبيد التصويب؟ أم تراه تعمد التسديد بطيش ترحيبا بالعشوائية، ولتأتي رميته حيث تحملها الرياح ولا عزاء للحالمين بالحب!
إذا كانت كل أمور الحياة تسير بخطى مدروسة وبترتيب مسبق، فإن الحب هو الاستثناء الوحيد.. لأنه لا يخضع لآية قواعد علمية، ولا يلتزم بإعدادات مسبقة..
فهو ابن اللحظة وما تفرضه على طرفيها من تصرفات وقرارات..
البعض يسقط غريقا في بحار الحب.. تبتلعه اللحظة تماما.. وحين تغادره، لا تترك له سوى إرثا من الخزي، فيرزح تحت وطأته عاجزا عن الصمود.. والبعض يخطو بحذر على شواطئه، وهو يظن أنه يمتلك البصيرة والحصافة ويجيد المراوغة..
والحال أن الخطوة الأولى مهما كانت محتاطة، تظل هي بداية طريق طويل من الفوضى غير مأمونة العواقب.. فالحب صديق وفي للتمرد.. والبساطة لم تكن أبدا حليفته في هذا الطريق الوعر..!
وحين يتعانق الحب مع الجنون، تكون النتيجة.. فوضى رهيبة..!




حين غادر بحر بيت سفيان بسيارته القديمة، كان يشعر أنه في حالة انحسار.. يضيق صدره بكل شيء ولا يجد سكنا لزلازل روحه الممزقة بين الناس..
لقد كان بحاجة ماسة لأن يملأ رئتيه بنسيم البحر النقي عوضا عن هواء المدينة المهجن برائحة الصخب والزحام وعوادم الصناعة..
كان يريد هدنة قصيرة يرمي من خلالها كل همومه في قلب البحر، لتخرج روحه شفافة قادرة على إرشاده في مفترق جديد يتفرع لطريقين أحدهما زلق سيكسر عظامه ويحطم وجدانه لأشلاء، والآخر مسنن سيوخز كبريائه وسلامه النفسي، وقد لا يساعده فعليا على ترميم بقاياه لتزهر مهجته من جديد..
ظل يقود السيارة بأقصى سرعة مقبولة على الطريق، ووجهته بقعته المفضلة، حتى أن اسمها يكاد يكون مطبوعا جليا على جبهته..
(كهف الذئب)..
ذلك الكهف القريب من البحر.. هو لا يعرف له اسما فعليا، ولذلك قد نسبه لنفسه، لأنه شعر منذ خطت قدماه بداخله لأول مرة.. أن هذا المكان يخصه.. فبداخله تصل روحه لأقصى درجات التحرر من كل منغصات الحياة وهمومها.. وحتى من جنون نفسه..
كان بحر بحاجة لأن تعانق قدماه أرضية الكهف الصخرية غير الممهدة، كي يتخلى عن كل سمات المدنية ويركز في ترميم روحه بالطريقة الوحيدة التي يجيدها.. طريقة الإنسان الأول..
أن يخلع كل ما بداخله من مظاهر للترويض والاستكانة والإذعان أو ما يُسمى مجتمعيا بـ "التحضر"، ويترك متنفسا لمظاهر البداوة والجموح والبربرية.. أو ما يُسميه المجتمع بـ "الوحشية"..
نعم، منذ أن شاهد صورة أمواج مع ذلك الرجل، وهو يشعر أن هناك حيوانا وحشيا بداخله يتوق للخروج.. لا يكاد ينفض الصورة عن ذهنه، حتى تعود أكثر وضوحا فتحتل أفكاره وتزيده اختناقا.. من نفسه.. ومن الجميع..
وعلى عودة تلك الصورة لتصدّر أفكاره من جديد، تخلى بحر عن البقية الباقية من صبره، وقرر ألا ينتظر حتى يصل لمدينته، فتغيرت خططه بفعل الإلحاح الذي تصرخ به فكرة معينة لتجبره على الانتباه (أمواج ستتزوج رجلا آخر)..
حينها، أخرج بحر لفافة بنية من صندوق السيارة.. فهو كعادته يحرص على صنع لفافات تبغه بنفسه من تبغ مستوردٍ، لكنه يضع بين كل مجموعة لفافات، واحدة تحتوي على خلطة مخصوصة للانتشاء.. لكنه كان يترك واحدة فقط بصندوق السيارة.. كي يدخرها لوقتٍ يشعر فيه أنه غير قادر على السيطرة على نفسه..
وليس هناك أسوأ من اللحظات التي يعيشها حاليا، لذا أسرع بإشعال اللفافة الوحيدة المتبقية من تبغه المخصوص المخلوط بالأعشاب المخدرة..
أخذ يمج من لفافة، كانت هي آخر ما تبقى لديه من ذلك الخليط الذي يجعله يعانق النجوم ويطوف على القمر بخفة راقص "ترويكا"، لذا قرر أن يرجئ لقائه بضفافه وكهفه إلى ما بعد محطة أخيرة فور أن يصل لمدينته، لأنه لم يشعر أن تلك اللفافة قد أصابته بالخدر بشكل كافٍ، فاحتاج لبديلٍ فعال..
حين دلف بحر من بوابات السويس، سارع بسحق بقايا لفافته في مرمدة صغيرة يحتفظ بها بسيارته، ثم أمسك هاتفه، وعبث به حتى وجد رقما معينا، فسارع بطلبه ليتصدر اسم Organizer شاشته، وحين تلقى ردا، هتف متعجلا: "أريد أن ألعب اليوم.. مباراتين على الأقل"..
جاءه الرد من الجهة الأخرى: "مرحبا يا ديب.. لا توجد مباريات اليوم ولا غدا بسبب حالة الطقس. انتظر حتى بعد غد"..
أغلق بحر الهاتف دون رد، ثم سارع بطلب رقم آخر كان يسجله باسم (زهرة الجبل)، ثم هتف بمن يتلقى المكالمة على الجهة الأخرى: "طيار.. أحتاج (قرشا) من (زهرة الجبل).. أنا في السويس"، ثم تبادلا الحديث واتفقا على مكان التسليم..
وصل بحر إلى البقعة المتفق عليها قرب الجبل، وحصل على بغيته بعد أن دفع بضعة آلاف من الجنيهات ثمنا لها، لكنه قبل أن يغادر، قدّم له موزعه اقتراحه بكلمات ملونة خبيثة: "ما رأيك أن آخذك لسهرة رائعة؟ يمكنك أن تجرب أصنافا جديدة.. أو تستمتع بقطعة طرية من القشدة"، ثم منحه غمزة وقحة، جعلته يدرك مقصده جيدا..
وبحر المنتشي قليلا من سيجارته السابقة، سارع بالقبول..
لم يتوقف ليفكر.. ولم يحلل هل كانت موافقته ردا على رفض أمواج العودة إليه أو ردا على قبولها لذلك العريس الذي يبدو كطاووس منتفش أم لرغبة ملحة بداخله تصرخ فيه أن (جرّب... ماذا ستخسر؟)..
مر بعض الوقت لم يهتم بحر بحسابه خاصة بعد أن انشغل بتدخين اللفافة التي منحها له المدعو طيار.. لكنه حين انتبه فجأة، وجد نفسه في غرفة مغلقة.. معها..
أو هكذا ظن
كانت تصبغ شعرها بلون بنفسجي زاهٍ، فهتف بحر بنبرة متلكئة بكلمات خرجت منه بتسلسل أبطأ من المعتاد: "Mu-Ji.. هل صبغتِ شعركِ مجددا؟ كان الأزرق يعجبني أكثر.. يذكرني.. بنا"..
اقترب من المرأة التي كانت ممددة على الفراش تواجه الجهة الأخرى وأخذ يداعب خصلات شعرها ويتشممها وهو يهمس: "أمواااااجي.. اشتقتك كثيرا"..
هتفت هي بغنج وإغواء: "أمواج وزعابيب.. و (نوة الفيضة) إذا أحببت.. يمكنني أن أقلب لك الأجواء كليا"، ثم أطلقت ضحكة مغوية..
أغمض بحر عينيه يستجلب بعض الانتباه ويحاول الاستفاقة من الغيمة الرمادية من الخدر التي أحاطت به وجعلت تركيزه مشتتا وردود أفعاله بطيئة..
أدار وجهها نحوه، فشاهدت هي هيئته بلحية مشعثة غير مدرمة وشعر طويل ناعم لكنه جف بسبب قلة العناية به، ووجهه الذي زارته التجاعيد الدقيقة مبكرا عند الجبهة وحول الشفتين، فهمست دون تفكير: "تبدو كمن كان حبيسا في معسكر.. ما لك تبدو متشجنا هكذا وكأن العدو على الأبواب وسيقتحم خلوتنا في أي لحظة؟"..
دفعها بحر بضيق، ثم قال: لا تتحدثي يا أمواج.. لا أريد الكلام عما حدث.. اصمتي"..
ردت هي بغباء وتيه: "ماذا حدث؟ هل عذبوك"..
أسكتها بحر بقبلة مندفعة، ثم ابتعد عنها متقززا يمسح فمه، وهو يغمغم بنبرة ذاهلة خفيضة لم تصل لمسامعها: "أنتِ لستِ أمواج"، ثم أخذ ينظر حوله كطفل تائه يبحث عن وجه مألوف وسط جموع الأغراب، وهو يسأل بضياع: "أين Mu-Ji؟"
عاودت هي السؤال بنبرة تتأرجح بين التهكم والقلق فلا تستقر على أيهما: "موچي؟؟ هل هذا اسم دواء؟ هل تحتاج للمنشطات؟"، ثم أطلقت ضحكة خليعة، أفاقته قليلا من اضطرابه..
أغمض بحر عينيه وفتحهما عدة مرات، مستعيدا بعضا من تركيزه، ولما دقّق في ملامح المرأة، دفعها بعنف، ونهض مبتعدا كالملسوع، فسألته هي بغنج: "لماذا ابتعدت يا قمر؟ هل قلتُ شيئا خاطئا؟ لماذا تبدلت ملامحك واختفت الدماء من وجهك؟ أم أنك مازلت خاما قليل التجربة؟"، ثم سحبته ليسقط جالسا إلى جوارها على السرير، فاقتربت منه وأرسلت بعضا من أنفاسها الحارة لتتلاعب بتركيزه من جديد، وهي تهمس بصوت يغلفه الاشتهاء بنبرة مدروسة: "لكنني لا أظنك تحتاج للمنشطات أبدا.. تبدو لي مثل الوحش"، ثم تلاعبت بأناملها بأزرار قميصه العلوية، وهي تكملها فحيحها: "أسد.. هيا يا ملك"..
دفعها بحر بكلتيّ يديه، ونهض عن الفراش فورا، ثم فتح باب الغرفة، وغادر مهرولا، لتشيّعه هي بنبرة ساخرة: "يا لك من أحمق متخشب.. أضعت عليّ الليلة.. من أين يأتون بهؤلاء الحمقى.. أفسدت مزاجي يا ملعون"..
أما بحر فلم يتوقف عن الركض حتى وصل لسيارته، فسارع بقيادتها إلى أن وصل للشاطئ، فرمى نفسه بملابسه كاملة في أحضان البحر يتنشق هواءه ويحاول أن يخلص نفسه من ملوثاتها وهمومها، ثم خرج من الماء متجاهلا برودة الجو، فأخذ يرتجف بملابسه المبللة إلى أن استقر من جديد داخل سيارته يحتمي بجدرانها المعدنية من تيار الهواء، ثم أشعل لفافة أخرى – من لفائفه العادية هذه المرة – كي يحظى ببعض الدفء من دخان تبغه، فيعيد لدواخله التي ترتعش بعضا من الحرارة والاتزان..
بعدها، أمسك الهاتف بيده المرتجفة، وسارع بطلب رقم أمواج، التي فور أن استقبلت المكالمة، وجدته يقول بنبرة آسفة نادمة: "أمواج.. أنا خنتك.. أنا آسف.. أنا.. غبي"..
وجاءه الرد في هيئة صرخات مجنونة كالأسواط التي توشك أن تدمي أذنه: "ماذا فعلت يا أحمق؟ سأقتلك"
رد بحر بنبرة ضعيفة خرجت من مكان معتم بروحه بين الندم والحسرة: "آسف.. آسف جدا"..
سألت أمواج بعصبية وإن كان صوتها قد هدأ قليلا بفعل سيطرة القلق عليها: "هل أنت منتشي؟ هل تدخن لفائف الحشيش؟"
كمن يقف في كمين للشرطة على الطريق، سارع بحر بارتباك بالتخلص من قطعة الحشيش التي كان قد اشتراها قبل وقتٍ قليل، منفقا لأجلها مبلغا ضخما من عائد عمله في الأسابيع الأخيرة بالميناء ولدى سفيان أيضا، حيث قذفها بأقصى قوته فسقطت بداخل الماء..
انتبه بحر على صوت أنفاس أمواج الهادرة من سماعة الهاتف، فهز رأسه، ثم سألها ببلادة: "كيفِ عرفتِ أنني أدخن الحشيش؟"
ارتبكت أمواج، ولم تمنحه ردا..
كيف ستخبره أنها سرقت صندوق لفافاته الفضي ودخنت بالصدفة واحدة مخدرة كان يخبئها بينهم مع صديقاتها؟
شعرت أمواج بقلق شديد عليه بعد أن تأكدت مخاوفها، فهتفت: "بحر.. أين أنت؟"
رد بحر بتلكؤ، وقد بدأ يرتجف قليلا من التصاق ملابسه المبللة بجسده: "في السويس"..
عاودت سؤاله بانفعال: "هل تقود دراجتك البخارية الآن؟ أخبرني فورا"..
قال بحر: "أشعر ببرد شديد"..
ازداد توترها، فأدخل رجفة في قلبها، لتعاود سؤاله: "هل أنت عند ذلك الكهف القريب من البحر؟"
أومأ بحر برأسه، لكنها لم تكن تراه، فصرخت فيه أن يمنحها إجابة..
ولمّا أجاب بتأكيد، أغلقت المكالمة، وسارعت بطلب أخيه فرات، تأمره بالتحرك فورا لإنقاذ أخيه بعد أن شرحت له وضعه ومكان تواجده لتخبره ألا يتركه أو يعود به للمنزل حتى تصل هي إليهما في الصباح..


يتبــــــــــــــــــــــ ـع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 08:25 PM   #325

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 القصاصة الحادية عشرة من رواية (وانطوت صفحة الهوى) - المشاركة الثانية

استيقظ بحر فجأة من نومه متملما على صوت طرق مكتوم، شاعرا بوخز شديد في عضلاته وتيبس في عظام ساقيه تحديدا، فرفع ذراعيه يتمطى، لكنهما اصطدمتا بسقفٍ معدنيٍ يرتفع عنه مسافة تقل عن نصف متر..
فتح عينيه بتوتر، فوجد نفسه حبيس سيارة – تخص سفيان، نبّه نفسه هكذا - واستدار ليجد على المقعد المجاور شقيقه فرات الذي كان يغط في نومه أيضا..
اعتدل بحر في جلسته، فوجد سترة أخيه الجلدية تستقر على صدره هو، بينما ينام الآخر إلى جواره بقميص قطني خفيف برغم لسعة الهواء البارد التي تتسلل إلى السيارة مغلقة النوافذ..
ولمّا اعتدل في مقعده، عاد الطرق من جديد بمحاذاة جانبه الأيسر، فاستدار ليجد من تحملق فيه بنظرات نارية ولا يفصل بينهما سوى زجاج نافذة السيارة، فتراجع منكمشا في مقعده فاغرا فمه وجاحظا عينيه بذعر..
كانت أمواج تناظره من الخارج بشعرها المجعد وعينيها اللتين تشعان بنيران حارقة، حيث انعكست عليهما أشعة الشمس لتجعل لونهما يبدو نحاسيا كألسنة لهب..
هي بكليتها بدت أمامه في تلك اللحظة كنمرة شرسة قد أطلقت تعويذتها على فريستها بمجرد نظرة مسددة بإتقان، وهي تعلم أن الأخيرة ستتجمد في مكانها مستسلمة للهزيمة والافتراس..
عاود بحر النظر أمامه بعيدا عن مرمى أنظار أمواج، وقد أعادت ذاكرته كل الحماقات التي اقترفها الليلة الماضية بداية من شرائه الأعشاب المخدرة وحتى ذهابه مع موزع الحشيش إلى شقة سيئة السمعة وانتهاء بمكالمته الغبية مع أمواج..
رفع بحر كفيه يفرك وجهه متقززا من تصرفه الغبي ليلة أمس، لكن أصابعه تجمدت فجأة بعد أن استعاد فكرة معينة:
(مهلا.. هل تخلصتُ من قطعة الحشيش التي دفعت بضعة آلاف من الجنيهات ثمنا لها؟)
زفر بحر بسبة وقحة، مغتاظا من نفسه وتسارعت أنفاسه بحنق وكأنه يقام أعراض ذبحة وشيكة.. ما أيقظ أخاه منزعجا..
مانحا شقيقه الأصغر نظرة اعتذار بعد أن تذكر ومضات من مجيئه مسرعا إليه بالأمس، ثم إصرار الأخير على خلعه ملابسه المبتلة وتبديلها بملابس الرياضة التي كان يحتفظ بها فرات في سيارته تحسبا للظروف، ثم منحه سترته كي يستدفئ بها ويخلد للنوم، قبل أن يستقرا من جديد في سيارة سفيان ويخلدا معا للنوم..
كانت ليلة خصبة للغاية..
(ما الذي لم تفعله بعد بالأمس يا غبي؟)..
ظل بحر يوّبخ نفسه باستياء، ولكن ازدياد الطرق على النافذة قطع نوبة تقريعه لنفسه، فسارع بفتح الباب، وخرج إلى حيث تقف أمواج..
لم يكد يقف بساقيه على الأرض أمامها، حتى فوجئ بها ترفع قفل عجلة القيادة المعدني الضخم، تنوي أن تنهال عليه ضربا به..
هذا الذراع المعدني الذي يشبه الهراوة سيكون مؤلما بحق إذا ارتطم بجسده خصوصا مع نظرات الشرر المتطايرة من عينيها، لذا أطلق بحر ساقيه للرياح، وأخذ يركض في الفضاء الفسيح هربا منها..
وهي.. لم تتوان عن مطاردته وفي يدها سلاحها المخيف، وهي تصرخ بجنونٍ: "هل تخونني يا بحر؟؟ أتخونني يا أحمق بعد أن تجرأت وأهنتني حين تقدم لي عريسا؟؟"
استدار بحر نحوها ليركض بشكل عكسي وببطء، وهو يحاول أن يهدئها شارحا: "أبدا.. لم أخنكِ أبدا.. أنا أحمق.. كنت أظنها أنتِ.. دعيني أشرح"..
لم يكد يكمل كلامه حتى تعثر في حجرٍ ناتئ، فسقط أرضا على ظهره، لتضاعف أمواج سرعتها ركضا إليه، حتى جلست على ركبتيها أمامه، ورفعت هراوتها المعدنية المرعبة تستعد لضربه، فرفع هو ذراعيه أمامه بدفاعية، وهو يصرخ: "تعقلي يا مجنونة.. ستحطين رأسي"..
هتفت أمواج باستياء وهي لا تزال تمسك سلاحها وتحركه بتهديد شرس: "بل أنت المجنون.. أنت من فقدت عقلك بالكامل"..
لاحظ بحر تصميم أمواج على إيذائه بهراواتها، فناظرها بذعر، ولما لمح اقتراب فرات من خلفها، هتف باستياء مشوب بالقلق: "هل ستضربين زوجك؟ وأمام أخيه بعد؟"..
ضيّقت أمواج حاجبيها، ونظرت خلفها، لتجد فرات قد تجمد مكانه، وكأنه قد شعر أن وقوفه بينهما في تلك الأثناء لن يكون مفيدا لهما، فتراجع صوب السيارة يمنحهما بعض الخصوصية، لكنه خلال استدارته منح شقيقه الأكبر ابتسامة سخيفة يسخر فيها من الوضع الذي انتهى إليه حاله بعد أن اكتشفت أمواج ما فعله من حماقات..
بعد أن خلا المكان إلا منهما، هتفت بعنادٍ: "لا تقل زوجي.. أنت لست زوجي.. في هذه اللحظات يا بحر لا أراك سوى ابن خالتي الطائش الذي يصغرني بعامين ويحتاج لتأديب عاجل"، ثم رمت سلاحها وضمت قبضتيها، وبدأت تلكمه بعشوائية على بطنه وصدره..
محركا ذراعيه في كل الاتجاهات ليقاوم سيل ضرباتها، أخذ بحر يهتف مبررا: "ظننتها أنت.. والله العظيم لم أرَ وجهها.. كان شعرها بنفسجيا.. وظننتكِ قد غيرتِ لونه.. وحين ناديتها أمواج.. لم تصحح لي"..
عاودت أمواج اللكم على كتفيه، حتى أن أحد كفيها قد اصطدم عشوائيا بأسفل فكه خلال مقاومته لها، فأخذت تتنفس بلهاث، ثم هتفت بتوبيخ: "كل هذه الحماقات من الحشيش"..
التفتت معتدلة تسترخي على ساقيها، ثم ناظرته بتحدٍ، وسألته بنبرة شبه مهددة: "ماذا بظنك سيفعل عبد المنصف الحلواني إذا عرف بما تفعله بابنته.. ليس اليوم فقط؟ ولا ما فعلته بالأمس أو قبله.. بل منذ عامين يا بحر.. كيف سيتصرف معك برأيك؟"
أنزل بحر كفيه يفردهما بدفاعية وجلة بين فخذيه مبتلعا ريقه بتوتر، فعاودت هي سؤاله بنفس النبرة التي تمزج بين التهديد والتوق للتشفي: "وكيف تراه يتصرف عمي عدنان الديب إذا علم بتصرفاتك الغبية تلك؟ وآخرها الخيانة وتدخين المخدرات؟"
تحركت يدا بحر باندفاع عفوي لأعلى، ليربت بأنامله بتوتر على مؤخرة رأسه عند ذكر أمواج اسم أبيه..
إذا علم عبد المنصف الحلواني وعدنان الديب بتصرفاته، فإنه لن يصمد أمام ما يدخرانه له من عقابٍ..
أرخت أمواج يديها إلى جانبيها بتعب، وارتسمت الحسرة على عينيها وارتعشت شفتيها، ثم أخذت تبكي بحرقة..
كانت تجهش بالبكاء بصوت معذب صاخب يرتفع للسماء باستغاثة، كامرأة مكلومة تلقت خبرا قاصما، فاعتدل بحر ليستقر على ركبتيه أمامها، ثم أمسك بيديها وهو يهتف مستعطفا: "لا.. لا.. لا تبكي يا أمواج.. أنا آسف"..
استمرت هي في البكاء، وكأنها لم تسمعه، فتابع هو بصدق: "أنا حقا أكثر الرجال حماقة على الأرض.. لكنني لم أخنكِ.. هممتُ بها حين ظننتها أنتِ، لكنني تراجعت فورا عندما نظرت لوجهها.. تعرفينني لا أحب الحرام أساسا.. لن أقرب امرأة أبدا لا تحل لي.. ولن أستبدل ساقطة بكِ مهما كان الوضع بيننا"..
دفعته أمواج بعنف، فسقط منسدحا على ظهره مجددا، قبل أن تصرخ من بين دموعها: "لا أبكي لهذا السبب يا أحمق"..
اعتدل بحر جالسا من جديد، يناظرها بعدم فهم، فتابعت هي بنبرة بائسة: "خفت ألا يلحقك فرات.. أن تتحرك بدراجتك النارية وتقودها إلى حتفك وأنت لست بكامل وعيك.. لم أعلم أنك تتحرك بسيارة.. ولكن قلقي لم يكن ليخفت حينها.. هل تدري كم صورة مرت على مخيلتي وتضمنتك غارقا بالدماء؟"
فتح بحر شفتيه ليتكلم، لكن الأحرف الجامدة بحلقه لم تسعفه، فتابعت هي بنبرة متحسرة: "لقد صممتَ بتعنت أن تمنح طفليك والدا نصف حاضر. فلا تجعلهما يتيمين بحماقاتك"، ثم دفعته مجددا، لكنه كان يستند بكفيه على الرمال أسفله، فلم تفلح دفعتها في زعزعته وإسقاطه..
أدارت أمواج وجهها للجهة الأخرى، وكأنها ترفض أن تنظر إليه بينما ظلت تشهق بقايا دموعها، فرفع كفيه أمامه معتذرا يريد تهدئتها، لتستطرد هي بنحيب: "خفت أن تضيع منا يا بحر.. كان الله لطيفا بنا المرة الماضية.. أنا لن أحتمل خبرا سيئا عنك من جديد.. أتسمعني؟"
سحبها بحر بين ذراعيه يمنحها عناقه الذي يعلم أنها ستسكين به.. يريد أن يطمئنها بلا كلمات.. أن يواسيها بلا أحرف.. ما بينهما لن تفلح الكلمات أبدا في التعبير عنه..
ما بينهما لا يحتاج لوسيط من الأساس..
لكن كيف عساه يطمئنها وهو والحماقة يترافقان في علاقة تكاملية بائسة..
منذ عاد من أسره، وهو لا يفعل سوى كل ما يبعدها عنه، وكأنه هكذا سيضمن أنها بعيدة عن مرمى الخطر.. لا يدري بحماقته أنها تفقد أعصابها شيئا فشيئا كلما تصورت مكروها يصيبه..
حين هدأت أمواج وذرفت آخر دموعها، عاودت دفعه بعنف، ثم سألته بتوتر وبنبرة خافتة مترددة.. بل خائفة: "هل شعرت معها بشيء؟"
تنحنح بحر وأطرق رأسه.. لن يفيده أن يخفي عنها شيئا بعد الآن..
تنهد بحر، ثم تنحنح مجليا حنجرته المتحشرجة، ثم تفوه بكلمات صادقة بصوته المبحوح، قائلا: "فقط حين ظننها أنتِ.. لكنني توقفت فورا عندما اكتشفت أنها لم تكن أنتِ"..
ظلت أمواجه تناظره بنظرات تائهة، فتابع هو مسترسلا.. لا يعرف هل يوضح لنفسه أم لها: "كان تصرفا غبيا لا مبرر له.. لكن مبرري الوحيد أنني أردتُ فقط أن أختبر بعيدا عنك إن كنت ما زلت حيا أم لا"..
رفعت هي حاجبها تسأله صمتا عن الجواب، فأجاب مستسلما: "اتضح لي أنني لن أكون حيا أبدا بعيدا عنكِ"..
تنهدت أمواج بخفوت، لا تريده أن يكتشف تأثير كلماته عليها، لكنه لم يمنحها الفرصة للحديث.. ليس بعد، حيث أكمل سلسلة اعترافاته وتوسلاته، قائلا: "لا تجعلي حماقتي تلك أو ما سبقها من حماقات تدفعكِ لتقبلي هذا العريس"..
اشتعلت نظراتها من جديد، فعلم هو أنها لن تجيبه بما يريد، فأكمل متوسلا بنبرة آسفة: "أعرف أن رصيدي لديكِ قد بدأ ينفد بالفعل.. أرجوكِ يا أمواج.. سأتوقف عن كل هذا الغباء.. أعدكِ"..
ظلت أمواج صامتة لعدة دقائق تناظره بوجه جامد يخلو من أي تعبير، حتى عينيها اللتين انحسرت عنهما أشعة الشمس ولم يبقى بهما سوى آثر من زرقة ماء البحر، فقد بدتا في تلك اللحظة وكأنهما بحيرتين تجمدتا على ما بداخلهما من أحياء بحرية، لتخفيا عنه كنوزهما، وتحكم عليه بالحيرة إلى أن تمنحه الصفح أو تأمره بالنفي الأبدي..
حين نهضت واقفة، وأخذت تتحرك صوب السيارة، تبعها بحر بوجل، يخشى من إجابتها التي تعمدت هي التأخر كثيرا في التفوه بها لتزيد من عذابه الذي ارتسم بوضوح على صفحة عينيه كلوحة ثلاثي الأبعاد بعنوان (الضياع)..
حين وصلا للسيارة التي بات بداخلها بحر وأخوه ليلتهما، وجدا فرات يجلس متملما فوق سطحها، فقالت أمواج تحدثه بنبرة هادئة: "عذرا إن كنتُ قد أرعبتك يا فرات.. بإمكانك العودة للمنزل للاستعداد للذهاب لعملك"..
رفع فرات كفه صوب جبينه موجها لها تحية أشبه بالتحية العسكرية وكأنه جندي قد أتم المهام التي أوكلها له قائده، ثم تحرك نحو سيارته، وقادها مغادرا..
أما أمواج، فقد تحركت صوب سيارتها، تاركة بحر مرتعبا من صمتها الخانق، فهتف بغباء: "أمواج.. أخبركِ أنني لم أقربها.. كانت مجرد قبلة غبية وابتعدتُ فورا.. لِمَ لا تردين؟"..
استدارت أمواج نحوه بعينين تستشيطان، ودفعته بكل قوتها، فتراجع بضع خطوات للخلف حتى أنه كاد يسقط، وأخذت تصرخ ألسنة غضبها: "لا تحكي لي يا متخلف عن القرف الذي قمت به معها.. لا أريد أن أتخيل ما فعلته بعيدا عني"..
همس بحر باعتذاره، ووقف أمامها صامتا بتهذيب جندي اعتاد على تلك الوقفة حتى أصبحت جزء من سلوكه المعتاد.. أما أمواج، فقد رفعت أناملها تدلك جبينها برفق، وهي تفكر..
ما توصلت إليه الآن أن تركها لبحر طويلا بلا آية مسئوليات لكي يركز في مقاومة آثار ما تعرض له في الأسر، وهي تظن أنه سيعود إليها طوعا، كان خطة فاشلة لم تُجدِ أي نفع عليهما، بل إنها بتساهلها معه قد منحته الوقت الكافي لكي يسير حرا في طريق تدميره لنفسه، لذا قررت هذه المرة أن تغير أسلوبها..
ستعامله كجندي في مجال القتال.. يلتزم بالتعليمات ويستجيب للمهام الموكلة إليه، وبهذا ستحتويه خطوة خطوة، حتى تنجح فيما فشلت فيه على مدى عامين كاملين..
استدارت إليه وسألته مستنكرة: "هل أنت راضٍ عن شكلك أمامي الآن؟ هل يرضيك شكلك أمام شقيقك الأصغر الذي يفترض أن تكون أنت قدوته في الحياة؟"
أرخى بحر جفنيه محرجا من مواجهتها بعينيه بعد كلماتها، فتابعت هي بنبرة صارمة: "هل تظن أن الأمر انتهى ببضع كلمات توبيخ ولكمتين لجلدك السميك هذا؟ لا يا بحر.. هذا الأمر لم يمر.. ولن يمر.. سأعاقبك عليه.. تذكر هذا جيدا.. لكن ليس الآن.. ستعرف حين يبدأ انتقامي.. الآن سأغادر حتى أفكر بتركيز وأتخذ قراري.. فقط تأكد أنك ستدفع ثمن تلك اللحظة"..
رفع بحر عينيه إليه بتوتر، لكنه آثر الصمت كيلا يزيد حنقها عليه..
أما هي، فتحركت صوب سيارتها تنوي قيادتها مجددا صوب العاصمة، فسارع هو يمسك بابها يوقفها قائلا: "لن تقودي ثلاث ساعات أخرى للقاهرة وأنتِ لم تناميِ جيدا الليلة الماضية وقدتِ لتوك ثلاث ساعات"..
ردت أمواج بحنق: "بل ساعتين وربع فقط.. أتعرف كم مرة التقطني الرادار على الطريق بسبب السرعة الزائدة؟ بالمناسبة.. أنت من سيدفع ثمن تلك المخالفات كاملة.. لن أدفع قرشا واحدا"..
أومأ بحر رأسه بطاعة، ثم طلب مستعطفا: "قودي لبيتنا.. وسأقود خلفك.. ستفرح أمي برؤيتك كثيرا"..


يتبــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 08:27 PM   #326

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 القصاصة الحادية عشرة من رواية (وانطوت صفحة الهوى) - المشاركة الثالثة

في مدرستها الدولية، كانت دانة ترافق صديقتها لين داخل مسرح المدرسة، حيث كانت لين منشغلة بالتدريب على البيانو لتحسين مهاراتها في العزف، نظرا لرفض والدتها الدكتورة مارية أن تشتري حاليا واحدا من أجلها، وتصر على إرجاء الأمر حتى تنتهي من دراستها الثانوية..
تعلم لين أن والدتها تماطل قليلا حتى تعثر على واحدٍ بسعرٍ مناسب لأن الأوضاع المادية لأسرتها لم تعد كما السابق عندما كان المرحوم والدها لا يزال على قيد الحياة..
وبينما انشغلت لين بالعزف، كانت دانة قد استسلمت لشغفها الخاص، حيث أمسكت أقلامها تخط بعض الخطوط بعشوائيها لكي تحوّلها كعادتها إلى رسوم حية تحكي قصة قصيرة مصورة ذات تسلسل منطقي، فهي تستمع بالتركيز في الرسم تزامنا مع استماعها لعزف صديقتها..
بعد بعض الوقت، توقفت لين عن العزف، وجمعت دانة أغراضها لمغادرة القاعة عائدتين إلى الصف.. وأثناء خروجهما من باب غرفة المسرح الضخم، وجدتا مجموعة من الطلاب يتمازحون بصخب..
سارعت دانة بسحب يد صديقتها والتحرك سريعا في الاتجاه الآخر، لأنها تعرف جيدا أن تلك المجموعة من الطلاب من أكثر الطلاب غير المسئولين الذين ينشغلون فقط بافتعال المشكلات وإهانة زملائهم بتعليقاتهم المتنمرة، حتى لا يكاد يسلم من آذاهم أحد..
أسرعت لين الخطى خلف دانة وهي تسألها بخفوت: "ماذا؟ ماذا يحدث؟ لِمَ تسحبينني هكذا؟"
قبل أن ترد دانة، كان ثلاثة من تلك المجموعة قد طوقوهما داخل ما يشبه دائرة صغيرة، حيث قال أحدهم ساخرة: "أهلا بـ (سايكو) مدرستنا.. هل كنتِ تتدربين بمفردك في المسرح كغريبة أطوار كالمعتاد؟ لماذا تبذلين هذا الجهد؟.. صدقيني لا أحد يهتم.. مهما فعلتِ لن تلفتي نظر أحد يا عديمة الموهبة"، ثم حرك أنظاره، مطالعا دانة بنظرة خبيثة، ليهتف بعدها بسخرية: "اثنتان من الأيتام فر منهما والداهما سريعا لأنهما لم يتحملا غباءهما"..
كادت لين أن ترد، لكن دانة استمرت في سحبها لتتحركا صوب حمام الفتيات، غير أن إحدى الفتيات ارتطمت عمدا بـ لين، لتصدمها بكتفها، فتتراجع الأخيرة بضع خطوات للخلف، قبل أن تسندها فتاة أخرى قبل أن تسقط، لتهمس في أذنها: "هل نجحت أمك في علاجك من انطوائيتك أيتها الأرنوبة المذعورة؟"
قالت الفتاة كلمتها الأخيرة بنبرة ساخرة صاخبة محركة كفيها بتعبير ساخر يحاكي الهلع، لتتعالى الضحكات من حولها، فاحتقن وجه لين غضبا واحتجزت دموع الحرج بين جفونها كي تهم بالزود عن نفسها أمام هذه المجموعة من الفاشلين، لكنها فوجئت بزميلتها صفا التي وقفت أمامها، وهي تهتف بالشباب: "دعوهما وشأنهما.. لا تفسدوا حياتهما كما فعلتم مع آخرين.. لن أسمح لكم"..
طالع أحد الشباب صفا بغيظ، وقال بنبرة محذرة: "لا تتدخلي.. انشغلي بنفسك"..
ظلت صفا تقف أمامهما بحمائية، وهي تصر على حمايتهما، موجهة بنظراتها الحادة تحذيراتها لمجموعة المتنمرين الذين جذبوا بتصرفاتهم الوقحة أنظار العديد من الطلاب من الفصول الأخرى، مما دفعهم في النهاية للانسحاب قبل أن تصل إحدى المشرفات، ولم ينسى أحدهم أن يسدد نظرة متوعدة تجاه صفا..
حين غادر المتنمرون، بدأت لين في البكاء رغما عنها، فربتت صفا على كتفها، بينما احتضنتها دانة، وأخذت تهتف بلطفها المعهود: "لا عليك يا لين.. مجموعة من الحمقى يسعون دائما لمضايقة الجميع.. لا تدعي كلامهم يؤثر فيكِ.. تعلمين أنهم صغار العقول بالأساس.. ما رأيكِ أن نذهب بجولة بالدراجات بعد المدرسة؟"..
أومأت لين موافقة ثم رفعت أناملها تكفكف دموعها، فمددت دانة اقتراحها لصفا التي اعتذرت بتردد، وسارعت بالمغادرة وهي تهمس أنها مشغولة للغاية بعد نهاية اليوم الدراسي..
بعد رحيل صفا، قالت دانة: "تناولي الغداء معي اليوم في منزلنا.. هاتفي والدتك وأطلبي منها الإذن"..
أومأت لين بتردد قبل أن تخرج هاتفها من جيب زيها المدرسي..


يتبــــــــــــــــــــــ ــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 08:30 PM   #327

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 القصاصة الحادية عشرة من رواية (وانطوت صفحة الهوى) - المشاركة الرابعة

في روضة Kids Heaven، كانت شادن منشغلة بتفحص محتوى المقطع المصور الذي أعده حمزة وأرسله إليها ليحصل على موافقتها قبل نشره على المجموعة الخاصة بالروضة على منصة "فايسبوك"، وكذا على الحساب الرسمي على "انستجرام"..
كان المقطع يتضمن فيديو إرشاديا بسيطا يعرض حالة طفلين في نيوزلندا أصيبا بتلف دماغي أدى إلى إصابة كلٍ منهما بالشلل الكلي نتيجة اختناقهما بالطعام..
الأول اختنق بقطعة من التفاح، والطفلة الثانية ابتلعت حبة عنب، مما أدى إلى انسداد مجرى التنفس لديهما، وتوقف تدفق الأكسجين إلى المخ، وحين تم إسعافهما كان الوقت قد تأخر مما أدى إلى حدوث تلف كان نتيجته الشلل الكلي لكليهما..
وعرض الفيديو الأطعمة الآمنة للأطفال دون سن الثالثة، وهي الأطعمة شبه السائلة أو المهروسة بشدة.. أما الأطعمة المقطعة لقطع صغيرة جدا تماثل حجم زرار صغير أو قرص دواء، هي الأفضل للأطفال من سن الثالثة حتى الخامسة..
هاتفته شادن لكي تمنحه موافقتها وتبدي إعجابها بطريقة إخراج المحتوى التثقيفي في المقطع، ثم طالبته بإرسال نسخة لها لكي ترسلها لأولياء الأمور في مجموعة بريدية جماعية عبر البريد الإلكتروني..
انشغلت شادن في الساعة التالية تكتب نص رسالتها باللغتين العربية والإنجليزية، وتشدد على أولياء الأمور أنها لن تسمح للأطفال بتناول أطعمة صلبة قادمة من المنزل مثل البيض المسلوق والعنب والتفاح المقطع لأرباع.. مؤكدة أنها ستتخذ وقتها اجراء بديلا، بمنح الطفل أكلة خفيفة من مطبخ الروضة، على أن تعاود إرسال طعامه معه مجددا للبيت..
كما أرسلت رسالة أخرى تحث فيها أولياء الأمور على عدم إرسال أبنائهم للروضة وبحوزتهم أطعمة غير صحية مثل الماصات والمشروبات الغازية والحلوى المشبعة بالسكر والدهون ورقائق البطاطا المقلية بالزيوت المهدرجة والمليئة بالألوان والمواد الحافظة ومكسبات الطعم..
بعد أن انتهت من مراسلاتها الإلكترونية، أخذت تتفحص حسابات الروضة على منصات التواصل، لكي تقرأ بعض ردود الأفعال من أولياء الأمور حول أداء الروضة في عامها الأول، منتشية بالنجاح الذي حصدته، والسمعة الطيبة التي حققتها على مدى عشرة أشهر فقط..
كانت شادن قد افتتحت الحضانة في شهر مايو الماضي، أي بعد نهاية عام دراسي تقنيا، فكان التركيز الأكبر وقتها على الأنشطة الترفيهية كالرسم والسباحة والأنشطة الإبداعية اليدوية، لكنها الآن قد استغلت دراستها لأصول تعليم الأطفال قبل سن المدرسة، بالإضافة للدورات التي حرصت على تزويد نفسها بها لكي تمتلك أدواتها قبل أن تخوض مغامرتها وتنفذ مشروعها بما تمتلكه من قيمة مؤخر صداقها بالإضافة للدعم المادي الذي تلقته من والدها، فقامت باستئجار هذه الفيلا بإيجار شهري مرتفع قليلا، لكن المصروفات التي يدفعها أولياء الأمور حتى الآن تغطي نفقاتها بالكامل، مما زادها ثقة أن مشروعها لم يفشل عند بدايته أو يُمنى بخسائر فادحة..
وها هي قد قررت التوسع بإضافة فصلين للفئة العمرية من ثلاث لخمس سنوات، بالإضافة لفصل تعليمي بطريقة مونتيسوري للدارسين باللغة الإنجليزية وآخر للدارسين باللغة الفرنسية..
كانت حملة الدعاية التي بدأها حمزة منذ سبتمبر الماضي، قد أتت ثمارها ونالت طلبات كثيرة للانضمام للروضة على قوائم الانتظار، وستبدأ قريبا في فرز تلك الطلبات واستقبال الأطفال.. فضلا عن إقبال عدد من أولياء الأمور على تحويل أطفالهم من نظام التعليم التقليدي إلى نظام مونتيسوري الذي يقوم على تطوير مهارات الطفل عن طريق الملاحظة والأنشطة الحركية وتنمية التفكير الإبداعي بعيدا عن التلقين والحفظ والورقة والقلم..
أمسكت شادن هاتفها، وسارعت بتحرير ملاحظة جديدة لسلمى، تطلب منها فرز السير الذاتية بالمعلمات الراغبات بالانضمام لفريق التدريس، وتحديد مواعيد للمقابلات مع من تمتلكن شهادات تدريب في تدريس "طريقة مونتيسوري" أو لديهن خبرة بالعمل بها في حضانات أخرى..
مع حلول العام الدراسي الجديد، ستتأكد من إطلاق الفصلين بكامل طاقتهما، مما سيعزز من مكانة الروضة..
قاطع انشغالها رنين هاتفها بمكالمة هاتفية، فسارعت لتلقيها، ليأتي صوت صديقتها زهو، تهتف بحنق: "أتعلمين أن أمواج حاليا في السويس؟ لقد سافرت المجنونة بعد الفجر وتركت لي الطفلين دون حتى أن تمنحني الفرصة لأسألها ما الأمر"..
باندهاش جعل نبرتها لا تخلو من اللوم، سألتها شادن: "ماذا فعل بحر من جديد؟"
بضيق ونفاد صبر، ردت زهو: "لا أدري.. هذا الرجل مثير للمتاعب ولا تنتهي حماقاته أبدا.. لا أفهم كيف تصبر عليه أمواج هكذا".
تنهدت شادن، ونهضت واقفة، وأخذت تقطع غرفة مكتبها بخطوات متمهلة، ثم هتفت بخبرة من تعاني من ظروف مشابهة: "إنه الحب و.. ثقة تنبع من داخلها أنه فور أن يواجه مشكلاته سيتوقف عن كل تلك الحماقات ويعود مبهرا كما عهدته.. بحر لم يكن أبدا مستهترا أو فاشلا.. ولكنه تأثير طبيعي لما مر به ويصر على كتمانه بداخله.. ربما هذه هي الطريقة الوحيدة لكي يتعايش مع ما يخفيه عن الجميع"..
بالمثل، تنهدت زهو وتمتمت بكلمات مؤيدة، ثم رفعت صوتها الرقيق لتهتف بحماس: "لن تصدقي ما فعله حمزة"..
وضعت شادن هاتفها على خاصية رفع الصوت والتحدث من السماعة الخارجية، ثم أسندته إلى طاولة صغيرة تعلوها مرآة، وحثت صديقتها على الإفصاح، وأخذت تفكك خصلات جديلتها الفرنسية وتمشطها بحيوية قبل أن تعود لتجديلها مرتفعة في شكل جديلتين تصطفان رأسيا وتمتزجان معا في النهاية كجديلة واحدة خلف كتفيها، ثم أخرجت من جيبها دبوس شعر عريض على شكل غصن زيتون ذهبي، وزرعته بين طيات جديلتها لتزداد نعومة وأنوثة..
كانت زهو على الجهة الأخرى تتحدث بحماس جديد عليها، وكأنها قد بدأت تخرج أخيرا من فتورها المعتاد تجاه كل شيء حولها، فتعود للحياة شيئا فشيئا، حيث قالت: "يقترح حمزة أن أقوم بعمل الأداء الصوتي للعبة إلكترونية يشارك في الدعاية لها حاليا مع فريق المصممين والمطورين لها.. إذا وافقتُ على الفكرة، سأقوم بعمل تسجيلات صوتية للتعليقات الخاصة بفكرة اللعبة وتطور مستوياتها بالنسبة للاعبين بنسختيها العربية والإنجليزية"..
هتفت شادن بحماس: "هذا رائع.. هذه فرصة جيدة لكِ لتجربي شيئا جديدا"..
ردت زهو: "في الحقيقة أنا مترددة قليلا، لكن حمزة طمأنني وأخبرني أن الأمر يحتاج لبعض المهارات الخاصة في تطويع الصوت ليخرج بشكل درامي وتمثيلي معين في بعض المقاطع لنقل الحماس للاعبين.. أخبرني أنه سيساعدني أيضا لأحصل على دورة تدريبية للأداء الصوتي في مركز متخصص.. ما رأيك؟"
كانت شادن، قد أخذت تعدّل زينة وجهها أيضا بعد أن لاحظت بعض الذبول على هيئتها جراء العمل المجهد لساعات طويلة، فأوقفت ما تفعله، وردت بجدية: "أرى أنها فكرة رائعة يا زهو.. أعتقد أن عملك في الروضة قد أذاب بعض الخجل الذي يميز شخصيتك.. وإذا أكملتِ في هذا العمل الجديد ستزداد خبرتك في التعامل المباشر مع العملاء، وهذا بالطبع سيفيدك لاحقا عندما تحققين حلمك الخاص وتفتحين مطعمك أو مقهاك"..
ردت زهو بتفكر تشارك صديقتها بعضا مما يدور برأسها: "هو لن يكون مطعما بالشكل التقليدي.. بل سيكون أشبه بمساحة للعمل بحرية.. تشبه المكتبة العامة في بعض الجوانب.. والمقهى في جوانب أخرى"..
بحماس، قالت شادن: "أثق أنها ستحقق نجاحا مبهرا عند افتتاحها"..
بصوت يغلفه الأمل، قالت زهو: "ولكنها تظل خطوة مؤجلة إلى أن أستعد لها جيدا.. اسمعي.. حمزة يريدني أيضا أن ألتقي بمدير شركة توزيع أفلام رسوم متحركة لفضائيات الأطفال"..
سألتها شادن باهتمام: "لماذا؟"، بينما تابعت وضع طبقة من أحمر الخدود على وجنتيها تمنحهما بعض التورد..
ردت صديقتها: "إنها تتخصص في إعادة تسجيل المحتوى الأجنبي باللهجة المصرية على غرار أفلام ديزني.. يقول إنني سأكون إضافة هامة للشركة.. لقد سجّل لي خلسة مقطعا صغيرا وأنا أحكي إحدى القصص للأطفال.. وعرضها عليه.. والرجل أثنى كثيرا على أدائي للأصوات بطريقة جاذبة للأطفال"
رددت شادن بثقة: "والله يا زوووز.. أنتي تجيدين تبديل صوتك لطبقات مختلفة فتحولينه لطفل أو رجل أو عجوز.. كما تجيدين تقليد أصوات الحيوانات والطيور.. أثق أنه ببعض التدريب ستنجحين كثيرا إذا كان هذا المجال سيصبح شغفك.. لديك موهبة بالفعل وعليك استغلالها إن كنت تريدين رأيي"..
قالت زهو بعد تفكير: "سأمنح الأمر فرصة.. أريد أن يكون ساري فخورا بي أمام زملائه في المدرسة"
ابتسمت شادن، وأخذت تثني عليها وتدعم تفكيرها الإيجابي، لتزداد ثقة زهو بالمُضيّ قدما في ذلك الاتجاه..
حين أنهت شادن مكالمتها مع زهو، تحركت لتتجول بين الفصول تتفحص أداء المعلمات، كما توجهت لحجرة الموسيقى تتابع تدريبات إيلاف مع الأطفال على الفقرات المقرر أن يؤدوها في حفل يوم الطفولة العالمي..
كان إيلاف يدرب بضعة أطفال من جنسية آسيوية على أغنية شعبية من وطنهم، إذ تطوعت واحدة من أولياء الأمور ، وكتبت له طريقة نطقها وكذلك دلالات المعاني الخاصة بها، وقد تمكن بالفعل من مساعدتهم على الأداء الجماعي لها بدرجة مُرضية من التناغم، بعدها قام بمتابعة أداء بعض الأطفال المصريين لأوبريت (الورد وفصوله)، ثم تجهز للمغادرة..
سألته شادن بعفوية وهمية، مخفية فضولها واندهاشها: "لِم غاب مالك وملك اليوم؟"
ابتسم إيلاف، وهو يضع آلة (الكاليمبا) خاصته بحقيبة ظهره، ثم شرع في ارتدائها وهو يقول: "اليوم تأجلت أعمال سفيان، لذا قرر أن يقضي اليوم معهما.. لا تقلقي.. سأدربهما مساء على أغنيتهما"..
ابتسمت شادن، وغمغمت تودعه، فتبعها هو متحركا لخارج الغرفة، ليقوم بإغلاقها بإحكام، ثم أخذ يدلك رقبته بتعب، وهو يهتف ممازحا: "حمدا لله أنني لستُ مضطرا لإحضار التشيلو لهنا.. صدقيني حين يكون لدى فرقتي عرضٌ أحمل هم نقلها.. وكأنني أحمل ثلاجة منزلية على ظهري"..
ضحكت شادن بعفوية، ثم قالت وهي تتحرك معه صوب البوابة: "حين تقيمون حفلا جديدا في (ساقية الصاوي) يا إيلي.. أخبرني لكي أحضر لتشجيعكم أنا وفريق المشجعات خاصتي"..
ضحك إيلاف، ثم قال ردا على مزاحها: "في تلك الحالة، سينتهي الحفل سريعا بعد أن يتم سحبي إلى قسم الشرطة بتهمة الاعتداء بالضرب.. كيف سأحمي أربع جميلات مرة واحدة"..
ردت شادن تزيد صدمته: "ازددنا اثنتين.. واحدة منهما كانت ملكة جمال مصر قبل عدة سنوات"..
صفع إيلاف جبهته بأنامله وهو يهتف بحنق: "ست ستات.. بينهما ملكة جمال وخمس أميرات.. لا شكرا.. لا أريد تشجيعكن.. على هذا المنوال سينتهي بي الأمر وقد ارتكبت جريمة دفاع عن الشرف.. هل تريدين تدمير مستقبلي؟"..
ابتسمت شادن، ثم قالت تودعه: "يا لك من مغازل.. هل تعاكس أربع مطلقات وأرملة وواحدة تعزف عن الزواج أساسا؟ هيا.. هيا غادر"..
تحرك إيلاف صوب سيارته، بينما عادت هي لمكتبها تستقبل أولياء الأمور أصحاب الشكاوى والاستفسارات كعادتها مع نهاية كل يوم دراسي..
حين شارفت الساعة على الرابعة، كان فهد ينتظر في غرفة الانتظار مع اثنين من الأطفال الذين تأخر أولياء أمورهم في الحضور لتسلمهم، وكانت سلمى تجالسهم بعد انصراف جميع المدرسات والعاملات..
دخلت شادن إليها، تتفقد الوضع، فأخبرتها سلمى أن والد الطفلتين رنيم وريم لم يحضر لتسلمهما بعد، لأنه تعرض لحادث سير أثناء حضوره من عمله خارج التجمع، لكنه بخير وقد استأجر سيارة أجرة وسيصل بعد قليل.. أما نرمين والدة فهد لا ترد على الهاتف من الأساس..
زفرت شادن، وقالت بعصبية: "لقد منحتها عشرات الفرص.. هذه المرأة لا تعي حقا قيمة الأمومة ولا تعتني بطفلها كما يجب.. والأمر بدأ يؤثر على نفسيته.. لقد تحول فهد لشخصية انطوائية منغلقة على ذاتها، وكلما حاول أحد الاقتراب منه يرده بعنف.. يجب أن أتخذ معها قرارا صارما.. أنا سأذهب إلى مكتبي لأجمع أغراضي.. وإذا لم تحضر هي بحلول ذلك الوقت، سآخذ ابنها معي للمرة الأخيرة.. وإذا تكرر تصرفها من جديد، لن أصطحبه معي، وسأتركه هنا مع عامل الأمن حتى تعود لاستلامه ولو في السابعة مساء أو حتى أبعد من ذلك.. يجب أن تتحمل مسئولية طفلها"..
في طريقها للمكتب، اتخذت شادن قرارا عفويا وسارعت بتنفيذه، حيث حررت رسالة شديدة اللهجة لولي أمر الطفل فهد سامح حسن، وأرسلته عبر البريد الإلكتروني لوالدته نرمين، ثم أتبعته برسالة مختصرة على حسابها على "واتساب"، تخبرها أنها في المرة المقبلة، ستضع والده أيضا في نفس الرسالة حتى ينتبه لإهمالها المتكرر في رعاية طفلهما..
سارعت نرمين بالرد، تخبرها أنها في طريقها لاستلامه متعللة بأمر طارئ اضطرت للالتزام به، مما تسبب في تأخيرها..
بعد أن جمعت كل أغراضها، وهمّت بإغلاق مكتبها والمغادرة صوب السيارة، صدح هاتفها بالرنين من جديد بمكالمة من سميحة صديقة والدتها..
حين استقبلت المكالمة، قالت الأخرى بنبرة متألقة: "بدون مقدمات.. اسمعي.. أعددت فتة كوارع وممبار، وأعرف أن لطيفة لا تطهو تلك الأصناف.. لذا دعوتك اليوم لتتناولي الغداء معنا"..
قالت شادن بتردد: "لا أظن أن بمقدوري المجيء يا طنط سِمحة.. أنا مشغولة بسبب الحفل"..
ردت سميحة تدحض معارضتها: "لقد هاتفت إيلاف للتو، وأخبرني أنكما أنهيتما العمل.. تعالي يا شايدز.. ستكون جلسة ممتعة.. دانة ستكون موجودة أيضا وصديقتها لين"..
لم تجد شادن بُدا من الاعتراف بالحقيقة، فربما حررتها سميحة من تلبية تلك الدعوة الثقيلة على قلبها، فقالت : "تعلمين أن سفيان لا يرحب بوجودي في محيطكم العائلي يا سِمحة"..
قاطعتها سميحة، تبشرها بسرور: "قال إنه سيغادر لأمرٍ ما.. لا أظنه سيتناول معنا الطعام"..
بتململ، منحتها شادن الرد الذي كانت تطمح إليه: "قادمة.. لا يمكن أن أفوّت فتة الكوارع والممبار"..


يتبــــــــــــــــــــــ ــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 08:32 PM   #328

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 القصاصة الحادية عشرة من رواية (وانطوت صفحة الهوى) - المشاركة الخامسة

في غرفتها في الطابق العلوي، كانت تمسك دفترا للرسم بيد، وقلما ملونا من الخشب باليد الأخرى، وأخذت تحدد خطوطها التي رسمتها من قبل بالقلم الرصاص بخفة..
أخذت دانة تمنح رسوماتها أبعادا جديدة تعطيها حياة، فتحولها لشخوص وأماكن، ثم تُخرج مربعا للاقتباس بالقرب من فم كل شخص، لكي تلقنه بعض الكلمات التي تضيف عمقا للرسم، وتسرد حوارا يعكس تطورات الحكاية..
وعلى الجهة الأخرى، كانت صديقتها قد فتحت تطبيقا للعزف على البيانو على جهازها اللوحي، وأخذت تعزف لحنا عالميا شهيرا لأغنية لاتينية حققت رواجا كبيرا مؤخرا..
قاطع تركيزهما، صوت طرقات على الباب، فاعتدلت الفتاتان في جلستهما، قبل أن تمنح دانة الإذن بالدخول للطارق، فخطى إيلاف خطوتين للداخل، ثم قال: "أمي تطلب منكِ النزول لمساعدتها يا آنسة دانة.. لقد دعت (شايدز) أيضا لتناول الطعام"، ثم أدار وجهه تجاه صديقتها التي كانت تطرق رأسها بحرج، وتابع: "نورتِ منزلنا آنسة لين"..
سارعت دانة نحو شقيقها وفي يدها دفترها، لكي يطالع رسومها، فطالعها منبهرا، ثم قال يطريها بنبرة صادقة: "مذهل.. لقد تطورت خطوطك كثيرا بعد متابعتك لدورة الرسم الإلكترونية مع تلك الأكاديمية"..
ردت دانة بفخر: "نعم.. أشعر بذلك.. كما أتابع أيضا مقاطع للعديد من رسامي القصص المصورة والمانجا.."، ثم ناظرت صاحبتها بنظرة متحمسة، وهتفت متابعة: "ولين أيضا تتدرب على عزف البيانو"..
رفع إيلاف حاجبيه مندهشا، ثم قال: "هل تلك الموسيقى التي كانت تنبعث من الغرفة قبل قليل من عزفكِ؟"
أومأت لين بتأكيد، غير قادرة على صياغة الكلمات في تلك اللحظات، فتابع هو غير مدركٍ لحالتها: "كان هذا جيدا.. لكنني لا أرى بيانو ولا حتى أورج كهربائي"..
ظلت لين صامتة تشبك أصابع يديها بارتباك، فأنقذتها صديقتها قائلة: "كانت تتدرب على تطبيق إلكتروني لأنها لا تمتلك بيانو من الأساس.. لديها أورج في بيتها.. لكن والدتها لا تسمح لها حاليا بحضور دورات موسيقية نظرا لقرب امتحانات الفصل الدراسي الأول"..
مط إيلاف شفتيه بتعاطف، وقال بعد لحظات من التفكير: "لقد اشتريت آلة كاليمبا جديدة عندما سافرت لآسيا.. ما رأيك أن أعيرك آلتي القديمة لتحمليها معك في أي مكان.. إنها صغيرة جدا والتقنية الخاصة بالعزف عليها لا تختلف كثيرا عن البيانو، لكنها بحاجة لأصابع قوية.. ويُفضل أيضا أن تكون أظافرك طويلة لتجيدي العزف بسلاسة فتخرج الأصوات منغمة"..
كانت لين تطالعه فاغرة فمها بدهشة، لكنه ظنها متفاجئة من كلماته الأخيرة، فتابع موضحا بابتسامة أضاءت المكان من حولها: "أي أنكِ لن تضطري لتقصير أظافركِ.. أعلم كم تهتم الإناث بتدريم الأظافر وطلائها.. لذا لن نحرمك من تلك الهواية، وستكون مفيدة لتطوير عزفك أيضا"..
سألته لين ببلاهة: "هل ستمنحني آلتك حقا؟"
"سأعيرها لكِ فقط.. لا تتلفيها وإلا جعلتكِ تشترين لي غيرها.. هي ليست باهظة.. ولكنها تخصني.. وأنا أحب المحافظة على أشيائي المفضلة"، ثم استدار مغادرا وهو يهتف: "هيا.. انزلا الآن.. أمي تنتظركما"..
سارعت دانة بإغلاق الباب خلفه، وهي تعي جيدا حالة صديقتها الآن.. والأخيرة كانت قد تحركت بقدر ما سمحت لها أعصابها المفككة، إلى أن تهاوت على السرير تطالع الفراغ..
طالعتها دانة بشفقة، ثم قالت: "يا بنت.. امسكي أعصابك قليلا.. ستثيرين انتباهه بتلك الطريقة"..
اعتدلت لين في جلستها ليستقيم كتفيها، ثم قالت: "أنا لم أفعل شيئا"..
ردت دانة بإشفاق: "وهذا ما يقلقني.. حاولي أن تتصرفي على طبيعتكِ.. لماذا وقفتِ أمامه صامتة كتمثال؟ أنتِ بالعادة منطلقة في الحديث ولمّاحة.. لا تقفي متخشبة هكذا"..
ردت لين بإحباط: "على الأرجح أنا ما زلت متأثرة بما حدث اليوم بالمدرسة"..
ردت دانة بتعاطف: "لا بأس.. على الغداء كوني على طبيعتك"..
ربتت لين على خديها المحتقنين بالحمرة تبرّد اشتعالهما قدر استطاعتها، ثم هتفت مستعيدة شخصيتها المرحة: "لا تقلقي.. الكوارع والممبار سيضيّعان أي خجل.. سيرى (المعلم حلاوة العنتبلي) أمامه على السفرة"..
انطلقت الفتاتان في موجة من الضحك، قبل أن يقاطعهما نغمتا تنبيه صدرتا من هاتفيهما، فتفصحت كلا منهما الرسالة التي تصدرت شاشتها..
كانت الرسالة واحدة، قد وصلتهما سويا عبر مجموعة المراسلات التابعة لمدرستهما، والتي تضم عددا ضخما من المراهقين من الجنسين..
شهقت دانة واضعة يدها على فمها، بينما نهضت لين واقفة وأخذت تمرر أصابع يدها اليمنى بشعرها، وهي تهتف: "غير معقول.. لا يمكن"..
تخلصت دانة من صدمتها، وقالت بنبرة لم تتخلص بعد من كل الدهشة: "مستحيل.. صفا لا تفعل ذلك"..
غلّف وجهيهما طبقة من الاستياء، وكسا الاشمئزاز نظراتهما وهما تطالعان لقطات تظهر فيها زميلتهما صفا..
كانت ملامحها واضحة للغاية، لكنها لم تكن هي.. هكذا فكرت الفتاتان..
بل كانت هي قطعا، لكن ليست كما اعتادتا..
تلك التي تطالعهما من خلف الشاشة بمقطع فيديو مصور من بث مباشر، تطل بنظرات مغناج أقرب إلى حد الوقاحة، وكأنها فتاة ليل بارعة ذات باع في فن الإغواء الماجن..
كانت تطل بقميصٍ شفاف يكشف أكثر مما يستر، وتقف بوضعية مغوية خاصة مع زينة وجهها المبالغ فيها..
امتلأت مجموعة المحادثة الجماعية بعشرات التعليقات الوقحة من جانب زملائهن الذكور، وفي النهاية تطوّع أحدهم بشرح القصة التي لم يكن فيها لبس..
صفا عضوة في تطبيق جديد للتعارف، لكنه لا يقوم على المناقشات وتبادل الحديث كمعظم منصات التواصل، بل هو موقع للدعارة المقننة، يقوم بتجنيد الفتيات المراهقات لتقديم خدمات جنسية مدفوعة من جانب الرجال المشتركين، وكلما زاد حجم التنازلات من جانب أولئك الفتيات، كلما ازدادت نسبة متابعتهن وبالتالي تضاعفت أرباحهن المادية..
هتفت دانة بانفعال: "هذا التطبيق الذي تأتينا دائما إعلانات للانضمام إليه عبر التطبيقات الأخرى"..
رددت لين: "بالفعل.. رغم أنه مازال حديث العهد وغير منتشر، لكن بعض الفتيات شاركن به بالفعل ظنا منهن أنه أحدث وسيلة للتواصل بعد (انستجرام) و (تيك توك) و (سناب شات).. يا إلهي لم أتصور أن هذا هو محتواه"..
قالت دانة بإدراك: "لهذا تم القبض على مدونة شهيرة كانت تروّج لهذا التطبيق تحديدا"..
ارتجفت الفتاتان مع تعالي رنين هاتف دانة بمكالمة من والدتها، والتي أمرتها فور أن استقبلت المحادثة أن تنزل لمساعدتها، لأن ضيفتهما الأخرى قد حضرت لتوها..


يتبـــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 08:37 PM   #329

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: القصاصة الحادية عشرة من رواية (وانطوت صفحة الهوى) - المشاركة السادسة

كانت سميحة تجالس شادن في غرفة الاستقبال، عندما وصلت دانة ولين اللتان حاولتا التخلص من آثار الصور الصادمة التي وصلت لهاتفيهما قبل قليل..
سارعت دانة ترحب بشادن بقبلتين على وجنتيها، بينما اقتربت لين وصافحتها بتهذيب، ثم جلستا إلى جوارها، فنهضت سميحة تتفحص الطعام على النار، ثم عادت بعد دقائق تحمل صينية عليها بعض العصير الطازج..
أمضت شادن بعض الوقت في الحديث إلى الفتاتين عن دراستهما، قبل أن تستمع لارتفاع صوت الموسيقى من غرفة جانبية، فأخذت ترهف سمعها، ثم ضحكت وقالت بعفوية: "أبريق الشاي؟ هل يدرب إيلاف الطفلين؟"..
بخبث متلاعب لم تلحظه شادن، ردت سميحة تدعوها للمرور عليهما: "ادخلي لتشاهديهما.. سيفرحان كثيرا لقدومك"..
نهضت شادن تتبعها الفتاتين صوب غرفة اللعب التي كان بابها مفتوحا، فدخلت تقول بعفوية: "يا إلهي.. هل تدربهما طوال الوقت يا إيلي.. ستصيبهما بالملل"..
شهقت شادن عندما لم تجد إيلاف داخل الغرفة من الأساس، وإنما تواجد عوضا عنه سفيان الذي كان قد تجمد في تلك اللحظات على وضعية (أبريق يسكب الشاي) التي كان يريد تعليمها للطفلين، حيث كان قد ثنى ذراعه المعدنى كيفما اتفق، ثم أسند كفه أعلى خصره ليشبه يد الأبريق، بينما مال بجذعه وقد رفع ذراعه السليم في الهواء بما يشبه خرطوم الفيل وكأنه فوهة الأبريق المائل لينسكب منها الشاي..
كان الطفلان يقلدان والدهما بنفس الوضعية، ولكنهما تركا وضعيتهما ليركضا نحو شادن التي لم تتمالك نفسها وانفجرت ضاحكة من هيئته الطفولية البعيدة تماما عن شخصيته المنضبطة الجادة نتيجة خلفيته العسكرية..
اعتدل سفيان في وقفته وأنزل يديه، وهو يتنحنح بغلظة ويشد أسفل قميصه محاولا استعادة هندامه وهيبته أمامها..
كانت شادن قد منحت مالك قبلة وربتت على رأسه، بينما احتضنتها ملك وأخذت تقبلها بحنان، وهي تهتف بصوتها الرقيق: "سيز.. سيز"..
قال مالك مصححا لأخته التي لا تستطيع نطق اسم التدليل "شايدز": "اسمها شادي"..
فغرت شادن فمها، ثم منحت سفيان نظرة نارية، مما جعل مالك يرتبك شاعرا بتوتر الأجواء، فسارع يوضح بنبرة دفاعية بعد أن ظن أنه قد أخطأ: "بابا يناديها شادي"..
أنزلت شادن ملك أرضا، وعقدت ذراعيها أمامها بضيق، فقطع سفيان المسافة بينهما، ثم تنحنح مجددا وقال: "شادن.. بابا يناديها شا دِن"..
رد مالك بثقة: "وهذا ما أقوله.. شا دِي"..
ابتسمت شادن حينما أدركت مقصد الصبي، لكن سفيان أصر على التوضيح، فقال بحرج: "هو لا يستطيع نطق أحرف اسمك جيدا.. عذرا"..
اندهشت شادن من أسلوبه المهذب معها بعد آخر لقاء جمعهما، لكنها عزت الأمر لوجود الطفلين وكذلك دانة وصديقتها، لذا همست برقة: "لا بأس.."..
قال مالك بفخر: "تعالي غني معنا.. حفظنا الأغنية"..
قالت شادن: "حسنا"، فوقفت إلى جوار ملك، فيما وقف سفيان في الجهة الأخرى إلى جوار مالك، الذي شرع في الغناء أولا..

كان في واحد اتنين تلاتة.. ويّا أربعة خمسة تاتا تاتا
راحوا لعم علي الحلواني.. عايزين بسكوت بالشوكولاتة


ثم انطلق سفيان يغني بعفوية:
الحلواني يا أطفال.. فكّر حبّة وبعدين قال:
بسكوت بالشوكولاتة مفيش.. يمكن في عند البقال
البقال قال: اشتروا سكر.. خدوا بفلوسكو كلها سكر"


بعدها توقف سفيان عن الغناء لثانيتين يناظر شادن بنظرات لم تشأ هي تفسيرها خاصة مع التماع عينيه ببريق جديد، ثم تابع يغني بعفوية:
"أحسن شيء في الدنيا السكر.. حتى أسألوا أبريق الشاي"

أنهى كلمته الأخيرة بابتسامة طريفة مشيرا لنفسه، وبعدها تسللت من مقلتيه نظرة خائنة انطلقتا صوب عينيها اللتين لم تكونا في وضعية حذرة، فتسللت تلك النظرة الدافئة بمكر إلى قلبها وأخذ تلفه بطبقة رقيقة من المخمل، تفاعلت مع نبضاته مطلقة شرارات كهربية انطلقت بعشوائية عبر أوردتها لتجعل أقدامها تطفو قليلا عن السطح فتحلّق في محيط موازٍ ملون كبساتين الزهر في هولندا صباح يومٍ ربيعي منعش..
كان سفيان يطالعها كأنه لا يرى أمامه غيرها.. كأنه لم يرها يوما قبل تلك اللحظة، ثم تحولت نظرته في غفلة منهما معا إلى أخرى مغلفة بشرارات عابثة داعبت أوتار قلبها فعزف نبضها معزوفة خاصة عمرها سنوات، يحفظها جيدا لكنها كانت قد أجبرته على تناسيها بعد أن بعثرتها قهرا فيما مضى بفرمان ديكتاتوري، لكن معزوفة قلبها الأغلى قد عادت لتجمع نغماتها من جديد لتُطلق لحنا نمت حوله الفراشات الملونة، وأزهرت له زهرات الداليا بين ممرات قلبها الخضراء التي لم يسكنها رجل غيره، حيث كان يعلن العصيان كلما حاولت أن تقدّم له ساكنا جديدا..
انطلقت ملك تتابع غناء الجزء الذي يخصها بصوت عالٍ لتقطع تواصل النبضات عبر نوافذ العيون..
كان ياما كان قفطان لونه.. لبساه أمورة اسمها مرمر..
كانت الصغيرة تتمايل بدلال، لكنها انطلقت تضحك بحرج بعد أن فشلت في استرجاع باقي كلمات الأغنية الصعبة، فقالت شادن مشفقة: "لا بأس.. لنلتزم فقط بالمقطع الأول من الأغنية.. لا أتوقع أن تحفظا أربعة مقاطع كاملة"..
هتفت ملك ترفع صوتها فوق الموسيقى حتى تسمعها شادن: "أريد (ديفيييرة) مثلك"..
انحنت شادن لتحملها مجددا، فتوقفت نظرات سفيان عليها لثوانٍ قبل أن يحركهما قسرا صوب ابنه، فيما قالت الأولى وهي تملس بأصابعها على رأسها: "تريدين ضفيرة.. مثل هذه؟"..
أومأت ملك برأسها تأكيدا، فخرجت شادن وهي تحملها إلى غرفة المعيشة، ليتحرك خلفها الجميع بعد أن أغلق سفيان مشغل الموسيقى..
جلست شادن على الأريكة، ووضعت ملك على ساقيها، ثم مررت أصابعها بين خصلات شعرها الناعمة، وشرعت في تقسيمه لنصفين.. علوي وسفلي، وبدأت بعمل الجديلة العلوية، ثم أدخلتها مع خصلات النصف السفلي من الشعر، وأكملت التجديل، وبعدها سحبت دبوس شعرها الذهبي على شكل غصن الزيتون وزرعته بين طيات شعر ملك لتمنحها إطلالة مبهرة..
حين انتهت شادن، قفزت ملك نحو المرآة التي تحتل جدارا بالكامل من جدران غرفة الاستقبال كلمسة ديكور عصرية، وأخذت تتفحص شكلها وهي تبتسم..
همست شادن لسفيان: "أعتذر إن كنت قد جدّلت شعرها على غير رغبتك"..
بصوت أجش، رد سفيان: "لا مشكلة" ومنحها نظرة امتنان طالت لثانيتين إضافيتين، ولكن قطعها مجيء إيلاف الذي هتف بنبرة ترحيب: "مرحبا (شايدز) أين فريق نون النسوة خاصتك"..
ابتسمت شادن وقالت بود: "في الحقيقة سنلتقي جميعا هذا المساء.. اشتقت للفضفضة مع الفتيات"..
عض إيلاف شفته السفلية، وقال بنبرة مغازلة مفتعلة: "ليتني كنت معكن"، فجاء الرد سريعا من سفيان بتربيتات خشنة على كتفه بحزم، وهو يستفسر ساخرا: "أعد ما قلته"..
حك إيلاف رأسه بحرج وقال: "كنت أريد أن أدلل الفتيات قليلا.. أدعوهن إلى تناول المثلجات أو ما شابه"..
قال سفيان بصرامة: "ما رأيك أن تبدأ من فتيات منزلك.. وأن تذهب لتساعد سميحة ودانة ولين في المطبخ؟"
بمسكنة، رد إيلاف هامسا: "أتطردني يا سفيان؟ يا لقسوة قلبك"..
زجره سفيان، فاستشعر إيلاف نفاد صبره فانصرف متحركا للخارج ليترك له الفرصة كي ينفرد بشادن والطفلين في غرفة الاستقبال..
كانت ملك تجلس على أرضية الغرفة ممسكة بدمية تحاول أن تجدل شعرها بأناملها الصغيرة.. أما مالك، فكان يحرك رسغيه بطريقة غريبة بعد ثني كفه بالاتجاه المعاكس، جعلت شادن تتابعه بتدقيق وقلق، فقال سفيان مفسرا: "إنه يقلد حركة Spiderman الشهيرة عندما يُطلق خيوط العنكبوت من رسغيه"..
أومأت شادن بإدراك، ليسارع هو بالقول: "أعتذر عن تصرفي الفظ بالأمس.. كان يومي مشحونا.. وكنتُ قلقا"، مبتلعا تتمة جملته (عليكِ)، فهو بالفعل كان يخشى أن يكون والد الطفل المصاب متعنتا فيقرر أن يشكوها ببلاغات رسمية تدمر سمعة روضتها وقد تتسبب في سجنها إذا استعان بمحامٍ خبيث..
صمتت شادن عاجزة عن الرد بعد مبادرته بالاعتذار لها، خاصة وأن عينيه كانتا تنضحان بندم صادق..
(لماذا تعتذر.. لماذا تقترب من العودة لسفيان الأول.. النسخة الأصلية التي عشقتها.. فظاظتك كانت تعينني على مقاومة مشاعري)
كان داخلها يهمس بلا كلمات، ناعيا حبا مؤلما يذبل بداخل قلبها لسنواتٍ، لكن سفيان قطع رثاءها لذاتها، حين أردف: "صدقيني لم أقصد أغلب ما تفوهت به"..
ابتسمت شادن كونه استعاد بعضا من شخصيته المألوفة..
جيد.. هكذا يمكنها أن تتعامل معه..
قالت بمرح: "إذًا فقد قصدت بعضه!"
رفع سفيان كفه السليم، مضيّقا ما بين سبابته وإبهامه وهو يهتف ممازحا: "فقط القليل"..
سألته شادن: "أي جزء؟"
رد سفيان: "لا أحب أن تضطري لمواجهة أولياء الأمور بشكاويهم وتجاوزات بعضهم تجاهك لفظا"..
قالت هي مغلقة باب النقاش: "لا بأس.. لقد تعودت كما قلتُ لك من قبل"، ثم تنحنحت وقالت: "وأنا أيضا أعتذر عما قلته لك"..
التمعت عينا سفيان بدفء، وكاد أن يرد لولا أن تعالى رنين هاتفه بمكالمة مرئية عبر تطبيق "Duo"، فزفر متوترا، ثم نادى لطفليه الذين تحركا نحوه بطاعة، فأجلسهما على جانبيه، ثم ضغط زر استقبال المكالمة..
"حبيبا خالوو.. اشتقت لكما يا قمريّ العائلة"، جاء صوت شاب من سماعة الهاتف، فصفقت ملك فرحا، بينما رفع مالك كفه ولوّح به وهو يقول: "خالوووو أكرم"..
"كيف حالك والأولاد يا سفيان؟ مر الكثير"، قال الخال أكرم بنبرة عاتبة..
تنحنح سفيان، ورد بنبرة معتذرة وهو يركز عينيه على الشاشة: "أهلا أكرم.. لقد مر الكثير بالفعل.. أعتذر لك بشدة.. لقد انشغلت مؤخرا بمشروعي الخاص، وبدأت إرسالهما للروضة.. فكنت أحاول أن أعوّدهما على تغير نمط حياتهما المعتاد.. أعلم أنك لم ترهما منذ عودتنا من آسيا.. لكنني سأحضرهما لكما عما قريب.. كيف حال عمي عماد؟"
قال أكرم بنبرة حزينة: "أبي حالته مستقرة لكنه ليس في أفضل حال.. تعرف تأثير الأمراض المزمنة عليه وقد تخطى السبعين من عمره بالفعل"..
غمغم سفيان بدعواته الصادقة لحميه السابق، ثم ترك أكرم يمازح الصغيرين بتعليقاته المضحكة، ويدللهما بكلمات المديح، بينما كانت عينا سفيان تركزان النظر إلى شادن التي احتقن وجهها فجأة، وبدت لو أنها تريد المغادرة..
حين جاء صوت سميحة تعلن بتحمس أن الغداء قد صار جاهزا، اضطر أكرم لإنهاء المكالمة، بينما نهض سفيان يحمل ملك على ذراعه السليم، فيما هرع مالك يسبقهما للمائدة.. أما شادن فتحركت خلفهما بخطوات مترددة..
لو قال لها أحد قبل ساعات أن تلك الجلسة ستكون أغرب دعوة غداء قد لبتها في حياتها، لم تكن لتصدقه، فالتوتر لم يكن يحيطها فقط، بل امتد أيضا إلى دانة ولين اللتين بدتا في حالة غير طبيعية من الاضطراب، بينما كان الصغيران يتشاجران حول من سيحظى بتدليل والده على المائدة، لتسرع سميحة بالتأكد من جلوسهما في مقعديهما المرتفعين، حيث وضعت أمامهما طبقين من أرز الفتة مع صلصة الطماطم المتبلة، والقليل من قطع اللحم التي نضجت بشدة ثم تم تقطيعها لشرائح رفيعة للغاية كي يتمكنا من مضغها وابتلاعها بسهولة..
كانت شادن تتلاعب بالأصناف التي كدستها سميحة على طبقها، تتظاهر بالأكل بوضع لقيمة صغيرة في فمها بين فينة وأخرى، فتلوكها ببطء، وذهنها شارد في البحث عن طريقة مناسبة تمكنها من المغادرة بأسرع وقت دون أن يبدو تصرفها فظا..
أما سفيان الذي كان يتابع طفليه بجانب وجهه، فقد كان يختلس النظر من وقت لآخر نحو تلك الجالسة أمامه تعبث بطعامها بلا شهية حقيقية، ولم يفوته أيضا النظرات المتبادلة بين دانة ولين الجالسة إلى جوارها..
وحده إيلاف الذي كان يتناول طعامه بشهية كبيرة غير مدركٍ على الإطلاق لما يدور حوله، فيما كانت سميحة تطالع شادن ودانة بنظراتها من وقتٍ لآخر وقد شعرت بتغير حالتهما المزاجية، لكنها حاولت أن تحافظ على أجواء المرح على المائدة بالحديث عن مواقف طريفة جمعتها بالطفلين مؤخرا..
بعد تناول الطعام، سارعت دانة ولين بالصعود إلى غرفة الأولى، مما رفع درجة القلق والتشكك لدى سفيان، أما شادن، فقد أرسلت رسالة خفية إلى زهو تطلب منها مهاتفها والتذرع بأي حجة كي تغادر المكان، فهي كانت قد وصلت إلى أعلى درجات الاختناق..
حملت سميحة صينية أكواب عصير النعناع بالليمون المنعش مع بعض المياه الغازية، وكذا إبريق الشاي الأخضر وبعض الفناجين الفارغة، إلى غرفة الاستقبال، فأبعد سفيان الطفلين بعيدا عن محيط الإبريق الساخن، فتحركت ملك لتجلس إلى جوار شادن التي أخذت تملس على شعرها بشوق أمومي، بينما انشغلت سميحة بتقديم المشروبات للجالسين، وتبادلوا الحديث قليلا إلى أن انسحب إيلاف متعللا بحاجته لإخراج شيئا من غرفته.. وبتعمد، سميحة تبعته حاملة الصينية من جديد للمطبخ..
ناظر سفيان شادن مستفهما، فهزت كتفيا بتعبير لم يفهمه، فسألها مباشرة: "ماذا حدث؟ لقد تغير مزاجك فجأة"..
قالت شادن بنبرة جامدة: "فقط شعرت بالتعب فجأة.. وأحتاج لقيلولة قصيرة لأستريح.. يبدو أنني أثقلت في تناول الطعام"، ليقطع استرسالها ارتفاع رنين هاتفها بمكالمة من زهو..
ردت شادن بنبرة تمثيلية لم تفت سفيان: "أهلا زهو؟ ماذا؟ ما بها أمواج؟ فهمت.. سآتي فورا"..
رفع سفيان حاجبيه مطالبا بالإجابة عن سؤال لم يكلف نفسه التفوه بكلماته، فقالت شادن: "لقد سافرت أمواج للسويس منذ الفجر، ولم تعد حتى الآن، ونحن قلقتان عليها"..
أسند سفيان ذقنه إلى قبضته وهو يناظرها باستفهام، ثم قال: "وبحر أيضا سافر منذ الأمس، وقال إن هناك أمرا عليه العناية به.. لا تقلقي.. سأهاتفه وأطمئنك"..
قالت شادن بتردد: "لا.. لا تتصل به.. طالما لم تتصل أمواج بنفسها، فإنها على الأرجح لم تجد الوقت المناسب للحديث بعد.. لا أريد إفزاع بحر أو جعله يظن أننا نتصل بدافع الفضول.. على كلِ حال، أنا سأغادر الآن، وسأتفق مع زهو على التصرف الصحيح"..
نهض سفيان يقودها لبوابة المنزل، وهو يهمس بالقرب من أذنيها بنبرة غير مفسرة: "هذا ليس ما يقلقك كليا يا شادن.. لكنني لن أضغط عليكِ لتتحدثي.. قودي على مهل.. إلى اللقاء"..
أسرعت شادن الخطى صوب سيارتها وكأنها قد هربت من عرين الأسد بعد خطة مضنية..
بعد قليل، نزلت لين مع دانة من غرفة الأخيرة بغرض المغادرة أيضا والعودة لمنزلها، فتبعهما إيلاف الذي كان قد خرج لتوه من غرفته..
اقترب منهما ومنح لين صندوقا جلديا صغيرة، وهو يقول: "هذه آلة الكاليمبا خاصتي يا لين.. حافظي عليها واستمري في التدريب حتى تصبح لمسات أصابعك حساسة ومرنة"..
غمغمت لين بكلمات الشكر وغادرت.. وحين التفتت دانة لتعود لغرفتها، صاح سفيان بصوته الجهوري: "دانة.. أريد الحديث معك"..
ناظرت دانة إيلاف مستفهمة، لكنه حرك حاجبيه بمعنى (لا أعرف)، لذا توجهت خلف سفيان بخطوات بطيئة ورأسها يتحرك بين عشرات الأفكار، ليتبعها إيلاف الذي يعلم كم يصبح سفيان صارما بطريقة غير محتملة في بعض الأوقات، متعهدا أن يكون حيزا فاصلا بينهما إذا احتدم النقاش بحيث يحمي الصغيرة من خشونة أخيهما الأكبر..
وقف سفيان على باب غرفة مكتبه، وسمح لدانة بالمرور أولا، ولما حاول إيلاف أن يدلف خلفها، أوقفه سفيان بحركة من يده، ثم قال: "رجاء خذ التوأم لغرفة اللعب وتابعهما يا إيلاف.. أريدها على انفراد"..
حاول إيلاف إبداء المعارضة، لكن سفيان أغمض جفنيه بحركة قديمة كان قد عودّه عليها منذ طفولته كي يطمئنه، فأطاعه إيلاف وغادر ليغلق سفيان الباب خلفه..
تحرك سفيان صوب دانة التي كانت تقف في منتصف الغرفة تائهة، ثم طوّق كتفيها بذراعه وقادها نحو الأريكة، ليسترخيا عليها، وبعدها سألها بنبرته الجادة التي تحثها دوما على الإفصاح، وكأنه محقق محنك: "لماذا أشعر أنكِ مرتبكة منذ أن نزلتِ للغداء؟ حتى صديقتك أيضا"
حاولت دانة الإنكار، كونها لا تريد خوض مثل هذا النقاش مع أخيها.. ولمّا أصر الأخير على أن تفصح له عما بداخلها، قررت أن تخرج بعضا مما يعتمل بصدرها..
"لقد تداول زملاؤنا صورا عارية لواحدة من زميلاتنا، وقالوا إنها قد اشتركت بتطبيق قذر.. يقولون خدمات جنسية"، ردت دانة بتوتر ولكن بنبرة شبه تقريرية وكأنها تريد الانتهاء من الأمر حتى تنفرد بنفسها من جديد..
هزّه اعترافها خاصة كلماتها الأخيرة، فاعتدل في جلسة محاولا السيطرة على صدمته الأولية، وتحدث بنبرة حرص على أن تخرج هادئة كيلا تتوجس دانة وترفض الإفصاح، حيث قال: "أخبريني أكثر عن هذا التطبيق"..
أخرجت دانة هاتفها، وأظهرت له شكل التطبيق وشعاره داخل متجر التطبيقات، ثم أظهرت له جانبا من تعليقات زملائها في مجموعة المحادثات الجماعية، لكنه رفض أن يشاهد المقطع الذي يخص زميلتها..
ساد الصمت لبضع دقائق، عاشتها دانة في حالة من التوتر فأخذت تهز ساقيها في جلستها وتخمش بأظافرها غطاء هاتفها..
أما سفيان فكان يتأمل الوضع من أكثر من جهة ويحاول استيعاب كل ما اكتشفه للتو..
هل يسألها السؤال الذي يحرق أطراف لسانه؟ أم يصرفها بهدوء ويُجري هو بحثه لاحقا..
لكنه في النهاية، استسلم لصوت بداخله يدعوه لبناء جسر من الصراحة بينه وبين أخته المراهقة ليكون رافدة تربط بينهما فيما بعد، خاصة وأنه لمس كم تخشاه دانة..
أمسك سفيان يد أخته برفق بإحدى يديه وبالأخرى حاوط كتفيها لتقترب منه حتى تميل على كتفه فيربت على ذراعها برفق، وهو يقول بنبرة هادئة تخلو من أي من الاتهام، أخفى بداخلها كل القلق كيلا يصل إلى مسامعها فتتوتر من جديد: "صارحيني يا دندوونة.. هل انضممتِ لهذا التطبيق ولو من باب الفضول أو حتى الخطأ؟"..
اعتدلت دانة جالسة باستقامة، ثم نهضت واقفة، وقالت بحزم: "لا".. ثم تهاوت مجددا إلى جوار أخيها الأكبر تهتف شارحة: "كانت إعلاناته أساسا تثير شكوكي.. وهناك الكثير من النشطاء والمشاهير حذروا منه"..
عاود سفيان التربيت على كتفها، وهو يقول مدعما: "أحسنتِ.. سألتك فقط لأنني أحاول أن أساعدك"..
أومأت دانة، ثم قالت: "كنت أظنه.. امممم.. تطبيقا للارتباط العاطفي والمواعدة مثل التطبيقات الغربية.. لم أظن أنهم"..
توقفت دانة عن الكلام بحرج، وأخذت تعيد خصلة هاربة من شعرها خلف أذنيها، وهي تهمس: "لم أظنهم يدفعون أموالا.. هذا شيء غريب.. لا أفهم لِمَ وافقت صفا على هذا"..
رد سفيان بعد بضع دقائق من التأمل: "ربما كانت صديقتك تبحث عن ربحِ سريع كي تستخدم ما تجنيه في زيادة شهرتها مثلا أو تحقيق أحلام أخرى كاقتناء أشياء ثمينة أو ما شابه"..
ردت دانة تعارضه: "لكن شخصيتها كانت مختلفة تماما داخل المدرسة"..
قال سفيان: "للأسف.. هناك كثيرون يخدعون المحيطين بهم بتصرفات بريئة أو حتى ساذجة.. لكنها تكون مدروسة وغير عفوية.. مجرد غطاء كاذب لشخصياتهم الحقيقية"..
استدار سفيان في جلسته لكي يرفع ساقه اليمنى ويثنيها أعلى الأريكة كي يجلس بأريحية أكبر ويكون مواجها لشقيقته، ثم تابع يقول: "عليك أن تنتقي أصدقاءك جيدا داخل المدرسة يا دانة.. ولا تفرطي في الثقة بأحد.. وإذا حدث وحاول أحدهم توريطك في أمر ما أو حتى ابتزازك.. لا تخافي ولا تصمتي.. تعالي إليّ فورا.. وأنا سأقف بظهركِ وأحميكِ داخل عيوني.. هل تعدينني ألا تخفي عني شيئا؟"..
أومأت دانة برأسها، ثم تعهدت بنبرة قوية: "أعدك يا (أبيه)"..
مد سفيان يده يعبث بشعرها مشتتا خصلاته المنسدلة بنعومة، ثم هتف: "بإذن الله هدية نجاحك هذا العام جاهزة.. رحلة بالطائرة إلى المكان الذي تريدينه.. لكن حاولي أن تختاري مكانا قريبا كيلا نتعب سميحة برحلة طيران طويلة للغاية"..
قفزت دانة إلى أحضان أخيها لتمنحه عناقا أخويا دافئا، جعله يوبخ نفسه نادما على ابتعاده المتعمد عنها لسنوات..
حين غادرت دانة الغرفة، قام هو بتدوين بعض الملاحظات حول هذا التطبيق كي يبحث بشكل أكبر حول الأمر بعد أن استشعر خطورته بالنسبة للفتيات في سن المراهقة.. بعدها أرسل رسالة لصديقه بحر يسأله أن يطمئنه على أحواله بعد السفر، لكنه لم يتلقى إجابة فورية، فعبث بمشغل الموسيقىى خاصته إلى أن فتح مجلد أغنيات مطربه المفضل (محـمد منير) ليندلع صوته بكلمات أغنية (عايش):

عايش بداوي سنين في همومي.. وبفرح يوم
عايش يزورني الحلم في نومي.. أقوم من النوم
عايش مابين الحزن وبيني.. ميعاد مكتوب
لكن لا جرح قدر يقتلني.. ولا يشيّلني ذنوب

تشهد الايام على القلب المسامح
اللي عارف ان جرح الدنيا رايح
تشهد الايام على كل اللي صانها
الليالي عارفه مين فينا اللى خانها


ظل سفيان يردد كلمات الأغنية بصوت خفيض بعد أن استرخى نائما على الأريكة، مستندا بكفه على جبينه، وقد شردت أفكاره في تلك التي غادرت بحال غير الحال الذي حضرت به.. وأخذ يسأل نفسه حائرا:
(فيما أخطأتُ هذه المرة؟)


يتبـــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 08:40 PM   #330

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:jded: القصاصة الحادية عشرة من رواية (وانطوت صفحة الهوى) - المشاركة السابعة والأخيرة

عند ذلك الكهف، البقعة التي شهدت يوما ما اعترافا هز كيانهما وغيّر حياتيهما للأبد، كانت هي تنتظره بفستان فضفاض مموج بدرجات الأزرق المتباينة، كمجموعة من الأمواج تطارد بعضها في لعبة ممتعة.. والهدية قلبه..
قلبه الذي نبض بقوة نبضات متسارعة تردد صداها في جنبات روحه، لتؤجج بداخله رغبة خطِرة، لم يتمكن من تجاهلها كليا، لذا وجد قدميه تركضان نحوها تنفيذا لعهد سابق.. ألا يفقد أبدا طريقه إليها..
وما أن وصل إليها، وقف على بُعد خطوة واحدة يكبل جموحه الذي توحش بداخله لشدة شوقه إليها، فتعالت أنفاسه المتهدجة مخرجا لفحات ساخنة تناقض هيئته شبه المتحضرة بشعره الناعم الذي قابل مقص الحلاق أخيرا، ولحيته المدرمة بعيانة لتكشف عن زوايا فكيه التي تزيده وسامة وجاذبية..
لكن بحر الديب والتحضر لا يجتمعان في جملة واحدة، لذا قطع المسافة الفاصلة بينهما بعنفوان وترك لشفتيه مهمة البوح بحرية عما يعتمل بداخله على صفحة وجهها، حتى وصل لجنته.. ثغرها المسكر، فأخذ يلثمه بحنو تارة وبقوة تارة، وهو غير قادر كليا على التحكم في جموحه العفوي الذي لا يخضع لآية قوة رادعة في تلك اللحظات..
كانت هي قد ذابت بين قبلاته، فلم تشعر بنفسها، إلا وقد وضع يديه أسفل ذراعيها ليرفعها عن الأرض بقوة ويدور بها في المكان، وعيناه تعدان عروس البحر وسيدة قلبه، ألف وعدٍ.. شرع بتنفيذ أولها، حين أنزلها وسحبها خلفه إلى داخل الكهف، ثم أسندها إلى الجدار، وتابع معزوفته الخاصة المتزامنة مع أهازيج العشق بين بحر وأمواجه على ضفافه الزرقاء وداخل كهفه الذهبي، وحين تحركت كفه بخفة نسيم وثقة خبير إلى بقعة استراتيجية.....
نهضت أمواج من نومها تشهق بذهول، وقد جحظت عيناها بعجب، ثم أغمضت أجفانها بحرج، وعاودت التمدد بتوتر، فاصطدمت مؤخرة رأسها بظهر السرير، فأخذت تدلكها بغيظ، ثم رفعت كفيها تدلك وجنتيها اللتين ازدادت سخونتهما وصار لونهما داكن الحمرة، وأخذت توبخ نفسها هاتفة: "ما هذا؟ ما هذه الوقحة؟ أحلم به.. في بيت خالتي؟ يا فضيحتي"..
سارعت أمواج تربت على وجنتيها الملتهبتين بفعل ذلك الحلم المشتعل، ثم بدأت تحرك كفيها وكأنها تدفع الهواء صوبهما كي يهدآ قليلا..
في النهاية، جلست بغيظ أعلى الفراش لبضع دقائق حتى تتمالك نفسها، خاصة أنها بحاجة لمواجهة بحر بصرامة اليوم، فوأدت بداخلها كل تفاصيل ذلك الحلم أو محاولة تفسيره لوقتٍ لاحقٍ.. حين تكون في مأمن بعيدا عن محيط تواجده..
على الجهة الأخرى، كان بحر بغرفته القريبة من غرفة الضيوف التي تمكث بها أمواج، مستغرقا في نومه كمن يغوص في أعماق محيطٍ، حيث الهدوء والبراح، فأخذ يتقلّب في نومه بتكاسل قبل أن يفيقه صوت رنين هاتفه بنغمة يخصصها لإشعارات الرسائل..
تثاءب متململا، ثم فرد ذراعيه يتمطى شاعرا باسترخاء لذيذ في عضلاته..
لأول مرة ينام بهذا العمق منذ عاد من تلك البقعة من الجحيم في قلب أفريقيا..
جلس بحر مستندا على ظهر السرير، ثم شبّك أصابعه أمام بطنه محاولا التخلص من بقايا نعاس ودهشة..
دهشة جعلته يتساءل: ( كيف أنام بتلك الأريحية بعد ما كدتُ أن أفعله بأمواجي؟)
أطلق بحر سبة بذيئة وجهها لنفسه وهو يشعث خصلات شعره الطويلة بكفيه، ثم هتف حانقا بصوته المتحشرج جراء إصابة أحباله الصوتية: "هل كدتُ فعلا أؤذيها بهذ الشكل؟ بعد كل ما تحملّته هي لأجلي؟ وفي النهاية أعود للنوم كجوال من القطن"..
التفسير الوحيد الذي وجده بحر لنفسه، هو أن عقله قد شعر أخيرا بنوع من السلام بعد أن تخطى صاحبه كل الخطوط الحمراء أمام توأم روحه، وأضرم النار في آخر ما تبقى من سفنه..
رفع بحر يديه يعبث من جديد بشعره الناعم الذي قد جف مؤخرا وتموجت أطرافه بفعل إهماله لتدريمه والعناية به، ثم همس بصدق: "ما أرجوه الآن أن ينزل الله الرحمة في قلب أمواج لمرة أخيرة، فتغفر لي وتمد يدها لتدعمني.. فالسقوط هذه المرة مدمر"..
نهض بحر من فراشه وتوجه نحو غرفة تخزين الأغراض القديمة، وأخرج صندوقا يحتوي على الكثير من الملاعق الفضية التالفة، وجلس أرضا يستعيد واحدة من هواياته القديمة والتي فقدها مع الكثير من الأشياء الأخرى عندما فقد اهتمامه بالحياة نفسها..
حين انتهى من تحفته الفنية الجديدة، حملها وعاد لغرفته، فحصل على حمام سريع، ثم بدّل ملابسه، وأخذ يصفف خصلات شعره الطويل محاولا ترويضها لتجعل مظهره مقبولا بدلا من إطلالة المشرّد التي صارت تميزه منذ انفصل عن أمواج وعاد للسويس..
في تلك اللحظات، اقتحمت والدته الغرفة بعد أن طرقت على الباب طرقتين، وهتفت: "هيا للغداء.. ابنة خالتك تنتظر على المائدة مع والدك وفرات"..
أومأ بحر، ثم تحرك خلفها بطاعة حتى جلس إلى المقعد المجاور لها، فاستقر عليه وحيّا الجميع ثم انشغل بتناول طعامه بشهية حقيقية، والجميع يطالعه بدهشة من وقتٍ لآخر..
أما أمواج التي كانت تجلس إلى جانبه، ولا يفصل بينهما سوى عدة بوصات، فكانت تجبر نفسها على الاسترخاء قسرا، وذهنها يعيدها إلى تفاصيل ذلك الحلم من وقتٍ لآخر، لتعود وتتشنج عضلاتها، وكأن بمقدور المحيطين بها قراءة أفكارها، بينما ظن الذي يجلس إلى جوارها أن تشنجها مبعثه القرار الذي اتخذته بخصوصه، ما أشعره أن الأمور ليست في صالحه..
بعد نهاية الغداء، قالت أمواج لبحر بنبرة مهيمنة: "علينا الحديث.. سأسبقك للخليج"..
نهض بحر مسرعا، وقال وهو يتحرك صوب غرفته: "بل انتظريني.. دقائق وأعود"..
في تلك الأثناء، وجهت أمواج لزوج خالتها اعتذارا عن حضورها المتعجل، ولمّا حاول هو الاستفسار منها عن السبب، لم تشأ أن تكشف له عن حماقات ابنه، لكنه كان يستشعر الأمر، خاصة حين أرسلت هي نظرة ظنتها خفية لفرات، وكأنها تحثه على كتمان تفاصيل ما حدث..
زفر عدنان، ثم هتف بحنق: "إن كان هذا الغبي قد فعل شيئا يغضبك.. أخبريني فقط.. أعلم أنكِ صبرتِ عليه أكثر من اللازم يا ابنتي.. وأُقدّر لكِ هذا كثيرا.. لا تتخيلي كم كبرتِ في نظري العامين الماضيين. كنتِ نعم الابنة والأم والله.. وأثق أن الله سيعوضكِ خيرا"..
ابتسمت أمواج بحزن، بينما ربتت خالتها فاطمة على كتفها وظهرها، وهي تهتف: "أمواج حبيبة خالتها.. أدعو لها كل يوم خلال صلاة الفجر أن يكافئها خيرا، وأشعر أن الفرج قريب"..
نهض عدنان مغمغا بارتباطه بموعد هام، وحاجته للاستعداد له وتبديل ملابسه، فنهض فرات مغمغا بأنه سينزل ليلتقي بعض أصدقائه..
حين خلت الغرفة إلا منهما، استغلت فاطمة الموقف وقالت لأمواج: "أعرف أنه لا يحق لي أن أطلب منكِ أن توقفي مستقبلكِ أكثر من هذا من أجل بحر.. ولكن يا ابنتي.. اليوم على الغداء، شعرتُ لأول مرة أنه يحاول أن يتقرب منكِ.. على عكس كل المرات السابقة.. كان فعلا يحاول أن ينال رضاءك.. لا أدري ما سبب خلافكما هذه المرة.. أو الشيء الذي دفعك للركض إلى هنا.. لكن يبدو أن ما تفعلينه قد بدأ يخرجه من ذلك الجمود.. أسألك فقط أن تطيلي صبرك قليلا.. هذه المرة فقط، ولن أطلبها منكِ مجددا"..
أومأت أمواج برأسها غير قادرة على الكلام، فظنت خالتها أنها ترفض محاولاتها لإقناعها، فهتفت بلوعة أم: "إن قبلتِ هذا العريس يا ابنتي.. سيموت بحر.. صدقيني.. لن يتحمل.. لا تصدقي كل الغباء الذي كان يقوله أمامك.."
قبل أن ترد عليها أمواج، جاء صوت بحر عصبيا من خلفها: "هيا يا أمواج.. كيلا نتأخر.. أحضري معطفكِ.. لقد بدأت الحرارة بالانخفاض وهناك رياح بالأجواء.. فالنوة لا تهدأ"..
غادرت أمواج لغرفة الضيوف بعد أن منحته نظرة باردة، ثم سارعت بإرسال رسالة جماعية لصديقاتها تطمئنهن أنها بخير، وتخبرهن أنها ستعود في المساء، فجاءها الرد سريعا من زهو ، تخبرها بالمبيت والعودة في الصباح حتى لا تقود سيارتها في الظلام خصوصا مع التقلبات الجوية في المدينة، وتطمئنها أنها ستعتني بطفليها لأجلها..
ارتدت أمواج سترتها، وحملت حقيبتها وهاتفها، وخرجت لتجد بحر يقف واضعا يديه في جيبيه الخلفيين بحركة تبدو تلقائية، لكنها تعرفه جيدا..
إنه الآن في أكثر لحظاته توترا، لكنه يحاول التصرف بثبات.. بحر يعلم أن تلك المواجهة مع أمواج عنوانها.. الحسم!
ركبا سيارة سفيان التي اقترضها منه بحر، فقال بحر باقتراح عفوي: "إلى الكهف؟"
ردت أمواج باندفاع: "لا.. الكهف لا.. بل إلى بور توفيق"..
رفع بحر حاجبيه مندهشا من رد فعلها الغريب، لكنه لم يعلّق، فتابعت هي: "خذني إلى (سيمنز كلوب).. أريد الجلوس أمام الخليج مباشرة واستنشاق هواء البحر الأحمر"..
قاد بحر السيارة بصمت، بينما استسلمت أمواج لأفكارها تحاول ترتيبها حتى تحافظ على صرامتها معه.. لكن بحر الذي شعر بعد بعض الوقت بالتوتر يتسلل إليه، قرر أن يقطع الصمت، فسألها: "كيف عرفتِ أنني أتعاطى الحشيش؟ لم أخبركِ من قبل أبدا عن هذا الأمر"، ثم همس لنفسه: (كان سري المخجل الذي لا يعرف أحد عنه شيئا)..
رفعت أمواج كفها، تلاعب خصلاتها بأصابعها، ثم قالت: "لقد نسيت صندوق لفافاتك أسفل سرير كيان.. فاحتفظتُ به، ثم أخرجت واحدة لأدخنها في وقتٍ كنت أشعر فيه بالحنق.. فاكتشفت أنها تصيبني بالخدر شيئا فشيئا كما كانت رائحتها غريبة.. فأطفأتها ورميت حاوية التبغ كلها"..
هتف بحر بغضب: "هل تدخنين الآن يا أمواج؟ هل جننتِ؟"
ردت هي بنبرة تشبه خاصته الغاضبة: "لا تتحدث عن الجنون يا من تركت سجائرك الملقمة بالحشيش في غرفة صغيرتك.. ماذا كان سيحدث برأيك لو كانت كيان قد عثرت عليها، وقررت أن تقلد الكبار وتقوم بتدخينها.. هاه؟"
ضرب بحر قبضته في مقود السيارة وهو يشتم بانفعال حاد، فعاد ينظر أمامه ويقود في صمت.. بينما التفّت هي لتطالع معالم الطريق من نافذة السيارة..
كانا يتظاهران بالهدوء، وكلاهما تأخذه توقعاته في مليون اتجاه..
كان كلٌ منهما يحاول استقراء ما في عقل الآخر من أفكار، كاثنين من الوحوش البرية من فصائل مختلفة، يتصارعان على قمة السلسلة الغذائية.. كل واحد منهما يعلم أنه يجيد الافتراس كفطرة جُبل عليها، غير أنه لا يريد في تلك اللحظة، سوى أن يقتنص الآخر ويجعله فريسته ليثبت هيمنته عليه.. ولكل منهما أسبابه..
كان بحر يحاول استكشاف رد فعل أمواج تجاه ما فعله وأفصح عنه لها كالأحمق.. أما هي فكانت تحفز أسلحتها المفضلة للافتراس.. إن كان هو يعتمد على قوته البدنية، فهي ترتكن إلى ذكائها الذي تراهن أنه لن يخذلها اليوم..
إن كان بحر يريدها أن تتراجع عن نيتها في هجره للأبد والموافقة على الزواج من رجل آخر لتختتم قصتهما بأسوأ خاتمة، فإن أمواج تريد أن تزلزل الأرض من تحت قدميه وتدفعه دفعا نحو طريق العلاج واستعادة حياته من جديد، لأنه بالفعل قد شارف على خسارة كل شيء..
في نهاية الأمر، تبادلا نظرة واحدة تخلو من الغموض.. نظرة حزينة كانت هي انعكاسا لقناعة واحدة وصل إليها كلاهما.. أنه لا مجال للفوز اليوم.. كلاهما خاسر وإن نجح أحدهما في إخضاع الآخر لسلطانه، ولكن حسابات أمواج تخبرها أنها إن نجحت في فرض إرادتها عليه، فإن شعوره بالخسارة الآن سيتحول لاحقا لنصر مظفر لا يساويه شيء أبدا، لذا جددت العزم على ما تنفيذ ما قررته..
بعد أن جلسا حول منضدة عصرية أنيقة داخل النادي تطل على الخليج مباشرة، أخرج بحر من معطفه تحفته الفنية يدوية الصنع، ومنحها لأمواج التي أخذت تتفحصها بدهشة وإعجاب غير خفيين..
لامست أنامل أمواج باقة من ثلاث زهور معدنية مصنوعة بالكامل من ملاعق قديمة قام بحر بطيها وتطويعها حتى تنتهي على شكل مجسم فضي رائع..
رفعت إليه عينيها اللتين غلفتهما ابتسامة نادرة حرمته منها لشهور طويلة، فهمس هو بنبرة محرجة: اعتبريها مبادرة سلام.. أحضرت باقة زهور لا تذبل.. أعلم أنك تكرهين الزهور المقتطفة من بساتينها لأنها تموت سريعا.. هذه الباقة لن تتلف.. فهي خالدة كـ حُبي لكِ"..
كتم بحر صرخة كادت تهرب من بين أسنانه التي ضغطها بغيظ، بعد أن ركلته أمواج بقدمها في ساقه أسفل المنضدة بشكل مستتر لم يلاحظه أحد من مرتادي النادي الاجتماعي، ثم هتفت بغيظ: "ولهذا حاولت أن تخونني يا أحمق"..
رد بحر بعناد: "أنتِ كنتِ ستتزوجين بالفعل رجلا غيري يا غبية"..
ناظرته أمواج بجنون وشراسة، فتراجع مغمغا بكلمات اعتذار، لكن عينيه المتوهجتين باندفاع الدماء الحارة في شرايينه، كمستذئب لحظة اكتمال القمر، كانتا تطلقان شرارات تحذير صريحة..
بعد أن جاء الندل، وطلب بحر قهوة مرة، بينما طلبت أمواج مشروب القرفة بالتفاح الساخن، ليصرفاه ويعودا لتبادل الحديث الصامت بالعيون..
استسلم بحر أولا وقال: "أنا آسف حقا يا أمواج.. آسف لتصرفي الغبي أولا.. ولأنني أخفتكِ وأجبرتك على السفر كل تلك المسافة.. لكنك تعرفينني جيدا.. أنا لا أخون"..
لا تدري لِمَ أرادت استفزازه في تلك اللحظات.. ربما كان لحلمها سبب، وربما لغيرتها لكونه قد نظر لامرأة أخرى لدقائق، حتى وإن ظنها هي كما يقسم لها، لذا حرصت على أن تغلف نبرتها بالكثير من البرود، وهي تهتف: "لا بأس.. ربما ما عادت الأمواج لك سكنا.. ربما صرتَ بحاجة لبعض الأمطار العذبة أو معانقة رافدة من نهرٍ جار ٍ تعيد لشواطئك حيويتها وتضيء مناراتك من جديد، فتتحرك سفنك بلا قيود وتتراقص بحيوية في الأفق"..
استقبل بحر كلماتها بألم ظهر على مقلتيه ، لكنه رفض الجلوس صامتا والقبول بما تلمّح به هي..
لا لن يقبل الفراق..
يعلم أنه أحمق وأنه من فرضه بالأساس، لكنه كان متأكدا بداخله أنها لن تتخلى عنه أبدا..
مهما فاضت حماقاته وأغرقت عالمهما، ستجيد هي احتواءه ولن تسمح لتعنته بتدمير أسرتهما، وستنتشله معها من الغرق..
مدّ بحر يده يربت بأطراف أصابعه على أناملها الناعمة التي كانت باردة قليلا بفعل انخفاض الحرارة مع اقتراب الغروب.. غير أن لمسته الحانية منحتها دفئا سريعا لم يصل لأناملها فقط، وإنما لقلبها أيضا، خاصة بعد أن هتف بنبرة صادقة ملتاعة: "ماذا يكون البحر بغياب أمواجه سوى حيز شاسع من المياه الراكدة؟.. ما الذي يبعث في شرايينه الطاقة النابضة سوى هدير أمواجه على شطآنه لتعيد لها بهجتها وألوانها.. هل رأيتِ بحرا يحاول الاستعاضة عن أمواجه بمياه الأمطار؟ تلك التي ستجرده من نسائم أمواجه المنعشة، ولن ترويه مهما اغترف منها.. البحر حين يبدّل خصائصه يتحول لمساحة باهتة ساكنة بلا روح.. وهذا ما لم أتحمله.. لقد هربتُ طويلا يا أمواج ولم أعرف الراحة.. لا أريد سوى فرصة.. فرصة واحدة تقدمينها لي، فتربطني من جديد بعالمنا.. صدقيني سأتغير"
ظلت أمواج صامتة تطالعه بنظرات جامدة، تتمتم بكلمات الحمد أن قاطع النادل استرسال بحر، وإلا لكانت قد استسلمت سريعا..
أخذت تحتسي مشروبها ببطء، وهي تبادله النظر بما يشبه الملل.. لا تريده أن يعرف تأثير كلماته عليها، لكنها لن تبني مستقبلها معه بعد الآن على مجرد كلمات..
أما هو، فقد أصابه صمتها بالوجل والتردد، لكنه قال بحزن صادق: "أتعرفين ما هو أسوأ من الشعور بالحزن؟ أن تكون الوحدة ملازمة لذلك الحزن.. أما الأكثر إيلاما على الإطلاق، فهو أن تترافق الهزيمة مع الوحدة والحزن فيكون الناتج شعورا كاسحا باليأس"..
كلماته كانت نداء خفيا طالبا للمساعدة، لكنها أبت الاستسلام.. ليس بعد.. لذا هتفت فيه بكلماتها التالية بنبرة ساخرة: "مذهل.. حكمة متأخرة برائحة الحشيش"..
أغمض بحر عينيه مخفيا انفعاله من كلماتها الساخرة..
لو كان في وضع آخر، لكان منحها الرد اللائق، لكنه الآن لا يملك حق توبيخها.. ليس بعد أن تعرت أمامها كل تصدعات روحه منذ نزل على ساقيه أمامها وتوسلها العودة داخل منزلهما..
باغتته هي متسائلة: "هل ستذهب للعلاج النفسي؟"..
لم يرد بحر لثوانٍ، فهزت هي رأسها بآسف، ليسألها هو بنبرة تتأرجح بين الغيظ والندم: "ماذا أفعل لكي تعطيني فرصة ثانية؟"..
اعتدلت أمواج في جلستها، وفردت كتفيها لتزداد هالتها قوة كمحاربة برية منذ عصور ما قبل الحضارات، خاصة مع انعكاس أضواء المكان على عينيها وخصلات شعرها البنية بأطرافها الزرقاء..
كانت تبدو حقا كامرأة من عالم خيالي.. كاستجابة سخية من الله لكل دعواته.. وكم دعا قديما أن تكون أمواج من نصيبه..
قطعت أمواج شروده، بقولها بنبرة حاسمة: "لا أمتلك فرصة كاملة لأمنحها لك وأنت ترفض العلاج النفسي.. لكنني سأحاول للمرة الأخيرة أن أمنحك عرضا لا تفاوض فيه.. الآن ما أقدر أن أقدمه لك هو نصف فرصة فقط.. ومع أول تخاذل من جانبك، لن أنظر ورائي مجددا.. هل ستقبل بشرطي يا بحر؟"..



نهاية القصاصة

قراءة سعيدة وأرجو أن تنال إعجابكم وألا تنسوني من ردود الأفعال والتعليقات


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:57 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.