آخر 10 مشاركات
256 - دائرة الخطر - هيلين بيانشين ... ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          1107-معركة التملك-شارلوت لامب د.ن (ج2 من السداسيه كاملة)** (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          عاطفة مجنونة (27) للكاتبة: Helen Bianchin *كاملة+روابط* (الكاتـب : ميقات - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          دموع بلا خطايا (91) للكاتبة: لين جراهام ....كاملة.. (الكاتـب : *ايمي* - )           »          نوح القلوب *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          178 - قيد الوفاء - سارة كريفن - روايات عبير القديمة(كامله)** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-12-22, 08:10 PM   #11

سمكة البهلوان

? العضوٌ??? » 490725
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سمكة البهلوان is on a distinguished road
Rewity Smile 5 الفصل الثامن


(وحبيب أخفَوه منّى نهاراً
فتخَفّى وزارني في اكتِئامِ
زارني في الظلام يطلب ستراً
فافتَضحنا بنورهِ في الظلامِ)

(المتنبي)

**************

أخرجت سمية صندوقاً خشبياً عتيق من دُرج سري في خزانتها الخاصة ووضعته أمامها تطالع ألبوم صور قديم وملف يحتوي على أوراق كثيرة بينهم شهادة وفاة موثقة رسمياً بأعين غائمة وكأنهم طعنات غادرة سلبتها روح أعز ماتملك.. مسحت دموعها بجانب راحتيها ثم أمرت الخادمة باستدعاء يوسف وسالم فالوقت قد حان لكشف الحقائق الغائبة واستدعاء الماضي المدفون منذ أكثر من عشرون عاماً .. وبالفعل أسرع الإثنان في الحضور خشية أن يكون أصابها مكروه وجداها تجلس بملامح ساهمة ودموعها لا تتوقف .. تقدم يوسف نحوها وبادر بالسؤال متلهفاً (خير يا خالتي انتِ تعبانة ولا إيه؟)

حاولت التماسك وردت عليه بصوت مبحوح ونبرة جاهدت أن تخرج طبيعية (تعالى يا يوسف.. اقعد يابني واسمعني كويس)

قاطعهما سالم يتسائل بقلق (مالك يا ام بسمة خضتينا عليكِ؟)

إنفجرت سمية في البكاء أثراً لسماع كنيتها المقترنة بإسم إبنتها المتوفاة ونظرت لزوجها بأعين تغشاها الدموع قائلة (ياحبيبتي يابنتي.. الله يرحمك ويجعل شبابك في ميزان حسناتك)

ابتلع يوسف غصته المسننة وردد ورائها بقلب مفطور آمين بينما إرتجفت أوصال سالم من الحزن ودنا منها ليجلس والحسرة تحاوطه من كل جانب قائلاً (اللهم لا اعتراض على قضائك)

كفكفت سمية عبراتها لتستجمع رباطة جأشها ثم أخرجت شهادة الوفاة من بين الأوراق التي مازالت موضوعة أمامها قائلة بثبات زائف وهي تعطيها ليوسف (الكلام اللي هاقوله دلوقتي هايخليكم تقاطعوني بقية عمري بس لازم تعرفوه يمكن ربنا يغفر لي وبنتي ترتاح في تربتها)

تناول منها يوسف الورقة يتفحصها قائلاً بتعجب (أنا مش فاهم حاجة)

إزدردت سمية ريقها بصعوبة قائلة (دي شهادة وفاة ريم).. صمتت لثواني تهدأ من روعها ثم تابعت (المزورة)

إنتبه كلاهما إليها يحدقان بها والشك يتلاعب بعقليهما فأكملت هي بندم (أنا عملت ذنب كبير أوي زمان .. وللأسف ربنا رده ليا فأعز ما أملك)

خرج سالم عن صمته متحدثاً بارتباك (إنتِ طول عمرك ست طيبة وماشوفتش منك غير كل خير.. كفاية انك ربيتِ ابن اخويا كأنه ابنك بالظبط)

قاطعته سمية منخرطة في بكاء مرير مجدداً (انا ربيت يوسف لأنه ابن أختي مش عشان ابن أخوك لكن بنت أخوك رميتها بإيدي وحرمتها منكم)

نظر سالم إليها فاغراً فاهه بينما قال يوسف وهو يدعو الله أن يكون حديثها مجرد هذيان من أثر صدمة فقدان إبنتها (ريم ماتت بعد موت بابا وماما ليلى .. فوقي ياخالتي الكلام اللي بتقوليه ده مستحيل يكون صحيح)

أمسكت سمية ذراعه تقول برجاء والألم يمزق أحشائها (ريم أختك عايشة .. صدقني يا يوسف هي دي الحقيقة)

انتفض سالم وهب واقفاً بعصبية (واضح ان صدمة موت بنتك أثرت على دماغك)

حثته سمية على الجلوس مرة أخرى (والله العظيم ريم عايشة وانا السبب إنها تبعد عنكم طول السنين اللي فاتت )

سألها سالم بتوتر (والكلام اللي جابر البواب قاله هو ومراته ده كان ايه؟)

أجابته سمية بتأكيد (كذب وماحصلش .. انا هاقولكم الحقيقة كلها)

**flash back**

في منتصف نهار قارس البرودة من أيام ديسمبر الملبدة بالغيوم .. كان يسير ذاك الكهل ذو الملامح الجنوبية المنحوتة بفعل أصابع الزمن والفقر ..حاملاً رضيعة أسياده المفقودين .. يخبأها تحت معطفه الصوفي الرث ليحميها من رذاذ الأمطار التي بدأت وصلة من التساقط وكأن السماء تبكي حزناً لموت والديها .. إقترب جابر من المنزل الكبير المقام به سرادق العزاء حتى يسلم الطفلة لذويها ويعاود أدراجه بحثاً عن عمل آخر بعدما إنقطع رزقه بوفاة عبدالرحمن وزوجته في حادث سير أثناء سفرهما من مدينة السويس إلى القاهرة ولحسن حظ الصغيرة أو ربما لسوءه أنهما تركاها برفقة الخادمة على أمل العودة سريعاً لذلك بقيت على قيد الحياة وأثناء دخول جابر من بوابة البيت لمحته سمية.. استغلت انشغال الجميع في تلقي التعازي والمواساة واصطحبته بعيداً كي لاينتبه أحد لوجود ريم معه أو يستمع لما سيدور بينهما
رمقت سمية الصغيرة بكره شديد تسأل لجابر والشرر يتطاير من مقلتيها ( إيه اللي جاب البت دي هنا؟)

تعجب جابر من سؤالها وأجابها بجبين متغضن (دي بنتكم ياست هانم )

صكت سمية أسنانها بغضب (ارجع بيها مكان ماجيت وماشوفش وشك ولا وشها هنا تاني)

إرتعدت أوصال جابر من لهجتها الحادة وسألها بقلة حيلة (يعني إيه الكلام ده؟)

لوحت سمية بيدها في الهواء تهتف بغل (إعمل اللي بقولك عليه ولو اتجرأت وقربت بيها من البيت هاكسر رجلك)

تداعت نظرات جابر وأومأ لها بخضوع ثم إنصرف بريم مطأطأ الرأس..لا يملك بيده شيء ليفعله سوى أن ينتظر حتى إشعار آخر من تلك السيدة التي تضمر حقد غريب تجاه صغيرة لاتعي شئ ولاتدرك أنها أصبحت يتيمة ويبدو أن الحياة بدأت تلاطمها مبكراً بينما أقنعت سمية الجميع أن أجواء العزاء غير مناسبة للطفلة ومن الأفضل تركها في رعاية الخادمة كي لا تفزع.. بعد ثلاثة أيام على تلك الواقعة خرجت متعللة بحجة واهية متجهة نحو بيت حموها لتنفذ ماتحالفت مع الشيطان لتدبيره..وحينما فتحت لها إبنة جابر وهي تحمل ريم دفعتها باشمئزاز ودلفت للداخل قائلة (غوري بالبت دي مش طايقة أشوفها )

إمتثلت الفتاة لأمرها برعب وقامت باستدعاء والديها ليتفحصا تلك المتعجرفة ثم أخذت ريم لغرفتها .. دنا جابر وزوجته منها متوجسين من مظهرها الذي لايبشر بأي خير فأشارت لهما باذدراء أن يجلسا على أريكة متموضعة في وسط صالة استقبال المنزل قائلة (تعالى انت وهي اقعدوا )

أطاعها الثنائي البائس ولم ينبثا بحرف من شدة خوفهما فأكملت هي بجفاء (البت اللي جوه دي تختفي تماماً مايبانش ليها أثر)

صعق جابر مما قالته سيدته وسألها بذهول (قصدك أقتلها؟)

أخرجت سمية بعض الاوراق من حقيبة يدها وألقتها في وجهه باحتقار قائلة (الورق ده هيطلعك من الموضوع زي الشعرة من العجين)

لملم جابر الأوراق المتناثرة قائلاً بعدم فهم (ايه ده؟)

وضعت سمية ساق فوق الأخرى ثم أجابته بقرف (تقارير تثبت إن ريم ماتت)

_ (بس ريم عايشة والتقارير دي مزورة)

قالها جابر وهو يضع الأوراق أمام سمية على الطاولة فتشنجت الأخيرة هادرة بلهجة يملؤها التهديد (كلامي يتنفذ بالحرف الواحد لو عايز تطلع من هنا سليم).. سكتت لبرهة تتأمل نظرة الخوف التي تجلت داخل مقلتيه وتابعت بهدوء خطر (انت وعيالك)

إبتلع جابر ريقه يقول بصوت مرتعش (ياست هانم أنا على باب الله وماقدرش أشيل الليلة دي لوحدي)

مدت سمية يدها نحوه بشيك مدون به مبلغ من المال (متهيألي 10 آلاف جنيه تمن غالي أوي لعيلة ماكملتش سنة)

لمعت عيون الخادمة عندما سمعت الرقم فمبلغ كهذا قياساً بالفترة الزمنية آنذاك كفيلاً بانتشالهم من الفقر المدقع الذي يغرقون فيه ولكزت زوجها في كتفه (إسمع كلام الست هانم وماتنشفش دماغك ياجابر)

إبتسمت سمية لأن خطتها ستؤتي ثمارها (أنا مخلصة التقارير وتصاريح الدفن حتى شهادة الوفاة جاهزة.. كل المطلوب انك هتستنى هنا يومين وبعدين هتيجي البيت الكبير ومعاك الورق ده وتقول ان ريم تعبت فجأة وعلى ماروحتوا بيها المستشفى كانت ماتت)

سألها جابر بقلق (والبت اللي جوه دي اوديها فين؟.. ولما أهلها يسألوني على جثتها هاقولهم ايه؟)

ردت عليه سمية بتعابير متجهمة (موضوع الجثة سهل..حبايبي كتير وأقدر أجيب واحدة متكفنة من أي مشرحة .. أما بالنسبة لريم فدي خلاص ماتت.. عايز تكسب ثوابها وتربيها براحتك.. مش عايز اقتلها أو ارميها ان شا الله ترميها فالشارع)

تنهد جابر بحزن لحال تلك اليتيمة مكسورة الجناح والخاطر (خلاص ياست هانم هاربيها وسط عيالي مش هابقى أنا والزمن عليها)

نهضت سمية ترمقه من أعلى لأسفل باحتقار وكأنه جرثومة عالقة بملابسها وقالت قبل أن تنصرف ( انت حر إعمل اللي تعمله فيها.. المهم كلامي يتنفذ بالحرف وإلا مش هيحصل كويس)
وبعد يومين نفذ جابر أوامرها وذهب إلى المنزل الكبير ليخبر أهل ريم من جهة والدها أن الطفلة وافتها المنية متأثرة بحمى ناتجة عن إلتهاب رئوي حاد وما أقنعهم أكثر بتلك الخطة الحقيرة أن الطقس حينها كان شديد البرودة .. سكت الجميع ورضوا بقضاء الله ثم أخبروا أهل والدتها بوفاة حفيدتهم.. بينما رسمت سمية التمثيلية بعويلها وصراخها الذي هز الأرجاء بل أنها هي التي دفنت الجثة المزيفة بجوار حموها وزوجته وقلبها يتراقص فرحاً ونشوة الانتصار تعبأ صدرها فالقدر لعب لعبته وأخذ ليلى التي طالما مقتتها وحقدت عليها لأنها حلّت محل شقيقتها المتوفاة والآن نجحتx في التخلص من إبنتها أو كما تظن متناسية أن الباغي تدور عليه دوائر خطاياه وأن الله يمهل ولا يهمل وأقداره بارعة في تصفية الحساباتx .. أما عن جابر فقد إختفى بعائلته ومعه الصغيرة وكأنه تبخر كفص ملح ذاب وذهب هباءً

** عودة إلى الوقت الحالي **

نزل إعتراف سمية بفعلتها النكراء كالصاعقة فوق رأس يوسف وسالم .. تسمرا مكانهما مشدوهين مما ألقته عليهما .. فكيف لها أن تفعل كل هذا بطفلة صغيرة ليس لها ذنب في كرهها الدفين لوالدتها وبادر سالم بالحديث مستنكراً (مش ممكن ياسمية تعملي كده .. ورحمة بنتك قولي انك ماأذيتيش بنت عبدالرحمن)

جاوبته سمية ببكاء مرير (ورحمة بنتي ده اللي حصل)

تهاوى يوسف على المقعد يحتوي وجهه بين راحتيه يسألها بضعف (يعني إنتِ ياخالتي حرمتيني من أختي السنين دي كلها وعايزاني انهاردة أدور عليها؟).. سكت لبرهة يمسح عبرة غادرة إخترقت جدار جفنيه وأكمل بنبرة مرتعشة (طيب إزاي؟)

صرخ سالم بشدة في وجهها (قوليله ازاي؟ ..... ازاي هيلاقيها وهيجيب جابر ده منين؟)

إرتعدت سمية من صوت زوجها الجهوري قائلة بتلعثم (أنا ما اعرفش عنهم حاجة من يوم ما مشيوا من السويس )

هدر بها يوسف محاولاً الإمساك بزمام عقله (مشيوا راحوا فين؟....ولو لقيتهم ياترى أختي هتكون عايشة ولا ميتة؟)

شرعت سمية في احتضانه لتخفف عنه قائلة بندم (سامحني يا بني.. الكره عمى قلبي وماشوفتش غير إن ليلى خدت مكان أمك وكرهتها أكتر بعد ما خلفت من أبوك وكان نفسي اخلص منها ولما ماتت حلفت ان بنتها مش هاتقاسمك فالورث وكنت مفكرة اني كده بحافظ عليك)

انتحب يوسف بشدة بين ذراعيها قائلاً بحزن عميق (ليه ياخالتي حرام عليكِ أنا إتيتمت أربع مرات.. مرة بعد موت أمي ومرة لما أبويا وماما ليلى ماتوا ومرة لما بسمة راحت بسبب ذنبك اللي عملتيه فريم ودلوقتي يتمتيني لما اعترفتي بيه) .. تأوه يوسف باكياً بمرارة ثم دفعها بعيداً عنه بعنف صارخاً ( إنتِ من انهاردة بالنسبالي ميتة وعمري ماهسامحك أبداً)

ولم يكن سالم أقل صدمة من ابن أخيه .. إعتراف زوجته بما اقترفته كان بمثابة طعنة مسمومة اخترقت قلبه ..شعر بقدميه كالهلام فجلس رغماً عنه قائلاً بصوت أشبه بالهذيان (منك لله ياسمية ضيعتِ البنتx .. هاقول ايه لعبدالرحمن لما اقابله ..x اتاريه مابيزورنيش في المنام و زعلان مني..ياحبيبي ياخويا ...) لم يكمل سالم حديثه وفجأة انحشرت الكلمات داخل حلقه لكنه حاول الحديث بصوت متحشرج ( انتِ .. انتِ طال.. انتِ طا ..) وللأسف أظلمت الدنيا حول وسقط مغشياً عليه قبل أن ينطقها كاملة.. ركض يوسف نحوه هلعاً من منظره الذي يوحي بأن الأمر شديد الخطورة ..حاول إفاقته لكن دون جدوى ولم يجد مفر من الاتصال لطلب سيارة إسعاف عاجلة .. وركب معه ليطمئن عليه بنفسه فهو يعلم أن عمه بالكاد يقف على قدميه بعد وفاة إبنته وقلبه لن يتحمل واليوم صُدِمَ في حقيقة زوجته المخزية.. وبعد وقت ليس بقليل وصلت السيارة أمام المستشفى التي يعمل بها وأسرع التمريض بوضع سالم على جهاز التنفس حتى يتداركوا الأمر ثم قاموا بإدخاله غرفة العناية المركزة .. وقف يوسف مستنداً على الجدار البارد بكتفه والخوف يتملك منه .. يدعو الله في قلبه أن يمر الأمر دون خسارة آخر فرد من عائلته فالحالة لا تبشر بشفاء لكنه كان متمسكاً بالأمل ولو كان ضعيفاً و على الطرف الآخر كانت تجلس سمية التي لحقت بهما تبكي بحرقة شديدة وشعورها بالذنب يمزق روحها فبعد موت ابنتها هي الآن على مشارف فقد زوجها ويوسف لن ينظر في وجهها مجدداً بعدما علم أنها حرمته من أخته الوحيدة بسبب الحقد الذي جعلها تلقي برضيعة في الهاوية لتسقط وتأخذ معها حياة شابة في مقتبل العمر لتواري الثرى مُكَفْنةَ بآخر أقنعة الطيبة التي كانت تلبسها طيلة عشرون عام وأكثر ولولا وفاة بسمة المفاجئة لما إعترفت بما إقترفته بالماضي .. انتبه يوسف لوجودها فسألها بنظرات قاتمة والشرر يتطاير من مقلتيه (انتِ ايه اللي جابك ورانا؟)

أجابته سمية بصوت مبحوح (جيت أطمن على سالم)

رمقها يوسف بأعين تستعر غضباً ثم قال (عمي قلبه تعبان جداً ولو شافك ممكن يروح فيها)

اقتربت سمية منه تقول بحزن (سامحني يا يوسف)

ارتفع جانب وجه يوسف بشبه ابتسامة متهكمة قائلاً باستهزاء (أسامحك انك ضيعتِ أختي ورمتيها فالشارع؟ .. ريم لو لسه عايشة زمانها بقيت عروسة دلوقتي.. ده انا حتى ماعرفش شكلها هادور عليها ازاي وهاعرفها منين؟) .. وبينما هما على تلك الحالة المشحونة خرجت الممرضة من غرفة العناية مهرولة لتنادي على يوسف فالمريض بدأ يسترد وعيه ويتمتم بإسمه .. ركض نحو الداخل بلهفة وجد عمه يشير إليه أن يقترب منه بتعب شديد .. أطاعه بحذر قائلاً (ألف سلامة عليك ياعمي)

هتف سالم عليه بخفوت (ماتسيبش أختك يايوسف)

أمسك يوسف كفه يقبل ظاهره قائلاًx (شد حيلك عشان تدور عليها معايا)

ربت سالم على وجنة ابن شقيقه يقول والتعب استبد به (خد بالك من نفسك ياحبيبي .. دور على ريم و عوضها عن السنين اللي فاتت) وفجأة سعل سالم بشدة وكأن الهواء لا يمر لرئتيه وفي غضون ثواني أطلقت أجهزة ضربات القلب صافرات تعلن عن مفارقته للحياة .. فزع يوسف وحاول قدر المستطاع أن ينقذه لكن أمر الرحمن نفذ وصعدت روحه ليلحق بابنته علّه يؤنس وحشة مرقدها.. خرج من الغرفة بعدما تأكد من وفاته لا يرى أمامه من الدموع التي تغشي مقلتيه..ركضت سمية نحوه متسائلة بهلع من مظهره (سالم جراله إيه يا يوسف؟)

رفع يوسف أنظاره الدامعة وأجابها بصوت يقطُر ألماً ( عمي مات)

لطمت سمية على وجهها صارخة (أنا اللي قتلته.. لا يا سالم ماتمشيش وانت زعلان مني)

صاح يوسف بوجهها وعروقه تنتفض من الحزن والغضب (ماتعذبيهوش بصريخك..كفاية اللي عملتيه فيه قبل مايموت)

انخرطت سمية في البكاء قائلة بعويل (سيبتنا لمين ياسالم؟..هنعمل ايه من بعدك؟)

خبط يوسف رأسه في الجدار بعنف وصوته يصدح بأرجاء المكان (إسكتي مش طايق أسمع صوتك.. ياريتني كنت أنا اللي مت وارتاحت)

أمسكت سمية بذراعه تقول من وسط بكائها (بعد الشر عليك ياابني)

جذب يوسف ذراعه من بين يديها هادراً بها (أنا مش ابنك.. ابعدي عني .. انتِ موتي زي اللي ماتوا.. فاهمة؟)

أنهى حديثه ضاغطاً على كل حرف يتفوه به .. يعتصر مرارة الكلمات داخل جوفه حتى لا تخونه أحزانه ويرتمي بين أحضانها ليهرب منها مثلما كان يفعل منذ وفاة ذويه.. ولطالما احتمى بحنانها من وحشة اليُتم وظلمة الوحدة وكيف لايفعل وهي شقيقة والدته المتوفاة والخالة والدة؟ .. ولم يشعر يوماً بكلمة يتيم إلا الآن ..تلك الكلمة المُجَردة من أدوات التعريف لها شأن عظيم فمابال الإنسان لو أضافها لمُضاف زاد من جلالتها فإما الإحسان أو الإساءة .. كلاهما على حدٍ سواء لهما الجزاء عند الله ولا يصح أن نحسن لأحدهم ونسئ للآخر فتأكل السيئة الحسنة كما تتغذى النار على الحطب

*************************

على صعيد آخر /

طوت الأيام صفحاتها كما تنطوي وريقات الدفاتر .. يوماً تلو الآخر وإسبوعاً سحب أخاه ليتبعه حتى إكتمل الشهر واعتادت مريم على وجود ذلك المكتب اللطيف الذي يحتل ركناً قريباً من البيانو خاصتها وأصبح حضور صاحبه الذي لايزوره سوى نصف ساعة فقط خلال اليوم ليستريح قليلاً ثم يعاود لمباشرة العمال إكتفاء روحها.. كالموسيقى وآلاف الأغنيات.. كرائعة من روائع فيروز مثلاً .. أما هو فكان ضيق الوقت يقتل صبره على قلة رؤيتها .. ذلك الذي صام قلبه عن الهوى دهراً عندما وقع فيها بات يقتات حبها إفطاراً وإمتلأ بها كاملاً .. لا مساحة لغيرها داخله ولا فراغاً منها إلا إياها ولا فراراً من عشقها إلا إليها وحينما يضطر لمغادرة المكان يأخذ إسمها معه ليناجي ربه أثناء خلوته للصلاة فتصطف أضلعه ويكون الفؤاد إماماً داعياً اللهم هي وكفى .. وتم تسليم أول مبنى للسيدة وسيلة والتي انبهرت بمستوى التعديلات الفائق لكل حدود توقعاتها.. فلم تكن تتخيل أن يتحول مسكن الأطفال لفندق عالي الطراز بهذا الشكل الراقي ..واقترحت عليه أخذ بضعة أيام ليرتاح هو وعماله.. شعر ريان بحاجته لتلك الأجازة القصيرة فالعمل أرهقه كثيراً و قلة النوم تجعله في مزاج لايسمح له بمتابعة أي شيء.. استحسن الفكرة وأعطى الرجال الدؤوبين عطلة ثلاث أيام ليستعيدوا نشاطهم قبل مواصلة العمل في المباني المتبقية .. وبعد انهاء الأمر إتجه نحو غرفة الموسيقى ليجمع متعلقاته الشخصية ويودع مليحته ويشبع مقلتيه الوالهتين من نور وجهها .. ألقى التحية بصوت عذب أجش فردتها مريم برقتها المعتادة بينما إبتسمت ريهام تدعوه للدخول قائلة (اتفضل يابشمهندس)

بادلها ريان ابتسامتها بأخرى جاهد على إخراجها طبيعية (شكراً أنا بس جاي آخد حاجتي عشان ماشي)

أحست مريم بيد قوية إعتصرت شقها الأيسر وسألته بتوتر (ماشي؟)

انقبض صدر ريان عندما لمح ارتباكها وكأنها تقول له لا تفعلها يجيبها بثبات ظاهري (أخدت أنا والعمال أجازة تلات أيام).. تغضن جبين مريم بعبوس أصابه بندم وتأنيب للذات على انسياقه وراء تلك الفكرة الحمقاء ولم ترد بينما تابع هو بنبرة ترتجف تأثراً بردة فعلها التي فطرت قلبه (هايعدوا بسرعة ان شاء الله)

كادت مريم ان تبكي والتزمت الصمت مما جعله يستطرد مبرراً (والله أنا تعبان فعلاً ومحتاج الأجازة أوي ولو قدرت أقطعها مش هاتأخر ثانية)

ضغطت مريم على شفتيها لتخفي مايعتريها من حزن مسبق لغيابه (أجازة سعيدة)

ظل ساكناً لثواني يتشرب ملامحها الجميلة بناظريه ثم قال (هتوحشوني اوي)

أجابته ريهام وهي تحاول إلتزام الأدب ولسان حالها يردد (وحش اما يلهفك) لكنها بلعتها داخلها واستبدلتها بكلمات أكثر تهذيباً لتوديعه على أمل أن يقابل هذا الوحش ذو الأذن الواحدة والعين الواحدة والرجل الواحدة والأذرع الكثيرة ليضربه بهم جميعاً ضربة واحدة ويبعده دفعة واحدة عن صديقة العمر .. انصرف ريان سريعاً كي لا يتراجع عن قراره ويمكث بجوار مريمته ليبوح بما يكنه لها من مشاعر فاضت واستحالت على البقاء مستترة أكثر من ذلك.. كل شعور يسير هويناً هوينا ليحاذي الآخر ووقفت درجات الحب الإثنى عشر بجوار بعضها جنباً إلى جنب وأقامت في سريرته وياليته باح ليكن العناق لحظة الوداع مباح.. أما هي فبمجرد تلاشي وقع خطواته عن مسامعها هوت فوق مقعدها فاقدة لآخر خيط ربطت به عبراتها كي لا تنزلق وترجوه ألا يغيب.. بكت مريم بنشيج مرير وفي تلك اللحظة ولأول مرة تنتابها رجفة اليُتم .. فزعت ريهام مما حدث واحتضنتها لتهدأها ولم تثقل كاهلها بالحديث فهي تعلم أن هذا الإنفجار له علاقة وطيدة بريان .. شددت عناقها وتركتها تخرج ما يجيش بصدرها وعندما استشعرت استكانتها بعض الشئ اسندتها بصمت لتعود بها إلى غرفتهما وعلى حسب عشرتها برفيقة دربها أن أكثر ماترنو إليه الآن هو الاستلقاء والنوم .. لم يكن ريان أفضل حال منها ولم يدري كيف وصل لغرفته بالڤيلا .. وبعد مقاومة واهنة في السيطرة على الألم الذي إجتاح كيانه قرر أخذ حماماً بارداً ليطفئ نار الإشتياق التي انتشرت بين جنبات روحه .. وقف تحت المياه شارداً لوقت طويل غير عابئ بصقيع منتصف الشتاء الذي بدأ ينخر عظامه وترك برودتها تلامس رأسه علّها تخفف عنه لكنها لم تنفعه .. وبعد قرابة النصف ساعة إرتدى ملابسه ليستسلم لرغبة سحيقة في الغرق بالنوم على أمل أن يلتقيها داخل أحلامها وقلبه ينبض (أيا ليت أحلام المنام تتحول صباحاً إلى يقين)
x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x x
*********************

لم تدري مريم كم مر عليها من ساعات وهي غارقة تحت الأغطية الثقيلة داخل غرفتها.. ورفضت الخروج نهائياً ولا حتى للطعام واضطرت ريهام أن تتركها كما تريد لتتخلص من تلك الغصة المريرة المستقرة بجوفها منذ غادر ريان .. لكنها كانت تطمئن عليها بين الحين والآخر فتجدها على حالتها المتألمة.. وعندما ألحت صباح على إيقاظها لتأكل إضطرت لقطع خلوتها بنفسها .. جلست بجوارها تمسد شعرها قائلة بهدوء (مريم! ..حبيبتي أنا عارفة إنك صاحية)

فتحت مريم جفنيها فإنزلقت دمعة كانت عالقة بين أهدابها الكثيفة فانتفضت ريهام تسألها (انتِ لسة بتعيطِ؟)

اعتدلت مريم لتجلس بنصف استقامة قائلة بصوت متحشرج من أثر البكاء (قلبي بيوجعني ياريهام)

أحاطت ريهام كتفها بذراعها تقول بحنان (الموضوع له علاقة بريان مش كده؟)

تنهدت مريم بعمق وكأنها تتخلص من ذلك الشعور المؤلم الذي سكنها رغماً عنها ثم أجابتها (مش عارفة إيه بيحصلي من يوم ماقابلته.. أنا صحيح مش شايفاه بس ريحته حواليا في كل مكان وقلبي بيدق بسرعة لما بحس بنفسه قريب مني وروحي بتروح لما بيبعد شوية) صمتت مريم تقاوم البكاء مجدداً وأردفت بنبرة مختنقة (واللي واجع قلبي أكتر إنه لما يخلص شغله فالدار هيمشي ومش هالاقيه جنبي تاني)

قرصت ريهام وجنتها برفق مازحة (الجميل غرقان لشوشته فالحب ولا حدش داري بيه)

سألتها مريم بتعابير ساهمة (حب؟)

ردت ريهام عليها ضاحكة (ده حب ونص وتلات ارباع كمان وبالمناسبة بقى هو كمان بيموت فيكِ)

انبثق شعاع الأمل في صدر مريم وقالت بتأمل (تفتكري؟)

جاوبتها ريهام بتأكيد (يابنتي نظراته ليكِ وطريقته فالكلام معاكِ فاضحينه ..وبعدين انتِ نسيتِ يوم الحفلة لما جه يسأل عليكِ؟)

إبتسمت مريم داعية (يارب يكون كلامك صح)

ربتت ريهام على وجنتها قائلة بحنان (إن شاء الله ياحبيبتي يكتبلك الخير كله.. المهم يلا قومي ناكل وتعالي نروح أوضة الموسيقى نفكر في حل عشان لما ييجي من الأجازة نمسمره هنا)

اتسعت ابتسامة مريم على دعابتها اللطيفة وأطاعتها لتخفف الحمل عن روحها وقلبها يتضرع إلى الله أن يخلق وصلهما كما خلق هذا الحب داخلهما وفي نفس الوقت كان ريان مازال نائماً في فراشه وعظامه تأن بآلام مبرحة وكأنها تُسحق بآلة من آلات البناء خاصته وحرارته مرتفعة كمراجل اللهب وكلما حاول الاستفاقة أو النهوض يضرب الدوار رأسه ويسقط فوق وسادته كالهُلام غير قادر حتى على إخراج نداء واهن ليطلب من نجاة قرص مسكن .. صدح رنين هاتفه فأجاب دون رؤية هوية المتصل.. وصله صوت كريم الذي أجفل عندما سمع إجابته الخافتة بنبرة يعبأها طنين نزلة البرد اللعينة فسأله بقلق (ريان.. إنت كويس؟)

جاهد ريان على الرد بوضوح مما أوجع عظام صدره (أنا تعبان أوي ياكريم.. الحقني بأي مسكن بسرعة البرد هيموتني)

فزع كريم كثيراً قائلاً بقلق (مسافة السكة وأكون عندك)

أغلق ريان الخط وأغمض عيناه كي يخفف من حدة الوجع الذي يغتال خلايا دماغه ..وفي غضون دقائق دخل كريم عليه ومعه نجاة التي هرولت بسرعة لتراه بعدما أخبرها بمرضه .. شهقت بهلع عندما جسّت جبهته بكفها (ياحبيبي يابني..ده لازم يتعمله كمادات حالاً) وبالفعل خرجت من غرفته ركضاً لتجلب وعاء عميق يحتوي على ماء بارد وقطعة قماش نظيفة تُستخدم لخفض حرارة الجسد المصاب بڤيروس الإنفلونزا السخيف بينما جلس كريم على كرسي بجوار الفراش يطالعه بقلق شديد.. وصله صوته الضعيف يتمتم بكلمات غير مفهومة .. إقترب منه ليسمع مايقول وسرعان ما ابتسم فصديقه ذو القلب المتيم بمريمته يهلوس بإسمها حتى وهو محموم والمرض ينهش لحمه وعظامه .. عاد لجلسته مجدداً في انتظار نجاة ولم تمر إلا لحظات حتى دخلت عليهما حاملة أغراض خاصة بالإسعافات الأولية لحالات الطوارئ والحمى المفاجئة .. تحركت نجاة بآلية تامة وجلست بجانب ريان تراقب إيماءته كلما وضعت الكمادات فوق رأسه بقلب مفطور.. تتمنى لو ينزاح عنه هذا التعب ويحل عليها بدلاً منه.. أخرجها صوت كريم من شرودها يسألها بتعجب (هي والدته فين؟)

عصرت نجاة القماشة المبتلة داخل الوعاء ووضعتها على جبهته تجيبه بحزن (خرجت من بدري)

أشفق كريم على حال رفيقه الذي يبدو وكأنه بدون أم ترعاه في أصعب لحظات حياته وكالعادة تقوم نجاة بمهمتها قائلاً بتأثر (لو حرارته ما نزلتش بالكمادات انا هاتصل بالدكتور)

مالت نجاة على وجنته تقبله بحنو بالغ قائلة (ربنا يلطف بيه ويقومه بالسلامة).. ظل الوضع كما هو عليه حتى بدء ريان يسترد وعيه.. حاول الحديث لكنه سعل رغماً عنه فانتبه كلاهما إليه وبادرت نجاة بسؤاله متلهفة (ريان.. انت سامعني ياضنايا؟)

صدرت منه آهة خافته مصحوبة بإيماءة صامتة غير قادر على الكلام .. تنفس كريم الصعداء يحمد الله على استجابته لها وطلب منها إعداد بعض الطعام ليتناوله كي يساعده في التعافي سريعاً .. أطاعته نجاة واتجهت نحو المطبخ لتحضر وجبة مكونة من الخضار الممزوج بقطع الدجاج المسلوق ولم تستغرق الكثير حتى انتهت منها وصعدت مرة أخرى .. أسندته بمساعدة كريم ليستقيم قليلاً واضعة وسادة خلفه ثم جلست قبالته وبدأت في إطعامه بيدها كما كانت تفعل سابقاً أثناء طفولته.. تذمر ريان كثيراً حتى لا ينهي الطعام لكنها أرغمته على إنهاءه كاملاً ثم أعطته أقراص خاصة بنزلات البرد وهي تتمتم (بسم الله الشافي المعافي).. وتركته يستلقي لينام مجدداً وجلست بجوار كريم تراقبه بأعين متمنية أن يتعافى في أسرع وقت

********************

انقضى قرابة الساعتين وريان نائماً يأن بصوت مكتوم ورأسه ثقيلة من أثر الحمى و الأدوية وجبينه يتفصد عرقاً وهذا مؤشر جيد ودليل لبدء التعافي.. جاهد على فتح جفنيه المجهدين فآلمه الضوء الذي تسرب لبؤبؤ عينيه..x تأوه بخفوت لكن صوته الضعيف وصل لمسامع كريم فاقترب منه بلهفة يتحسس حرارته قائلاً (السخونية نزلت)

سأله ريان مبتسماً (انت لسه هنا؟)

تنهد كريم براحة عندما لاحظ التحسن البادي على نبرة صوته (حاسس انك أحسن شوية من الأول؟)

مسح ريان وجهه براحته قائلاً (آه بس عرقان أوي)

ساعده كريم على النهوض قائلاً ( قوم خد دوش وغير هدومك)

نظر ريان لنجاة التي غفت فوق مقعدها رغماً عنها يسأله (نوجا كمان هنا؟)

رد عليه كريم مازحاً (اللهم صلي عالنبي دور البرد أثر على ذاكرتك وبقيت اهبل رسمي)

ضحك ريان بتعب (بتتريق عليا وانا تعبان ياحيوان؟)

تبادل كريم معه الضحكات قائلاً (صحتك راحت يازينب وحل عليكِ تعب السنين)

قهقه ريان بشدة على دعابته مما أوجع عظام صدره قائلاً (كفاية ياكريم مش قادر أضحك)

أوصله كريم نحو باب الحمام ودفعه برفق ليدخل قائلاً (إدخل خد حمام سخن وانا هاصحي القتيلة دي تهوي الأوضة شوية)

أطاعه ريان بقلة حيلة مستمراً في الضحك بينما هو أيقظ نجاة التي انتفضت بفزع ظناً أن يكون أصابه مكروه لكنه طمأنها فتنهدت بأريحية (الحمدلله انه فاق ووقف على رجليه)

إبتسم كريم لحنانها الذي يغلف نبرتها وهي تتحدث عن ربيبها الغالي قائلاً (أنا هاخده وننزل نقعد شوية ف الجنينة وانتِ افتحي البلكونة عشان الأوضة تتهوى)

نهضت نجاة من مكانها قائلة (أحسن برضه خليه يشم هوا نضيف)

وبالفعل انهت نجاة مهمتها في طرد المرض بتهوية الغرفة وتغيير شراشف الفراش بأخرى نظيفة ثم اتجهت لتصنع له كوباً دافئاً من الليمون المُحلى بالعسل ليقوي مناعته ويساعده على الشفاء التام.. وبعد دقائق خرج ريان من الحمام يبدو عليه التحسن بعد إنعاش جسده المرهق بالماء وتبديل ملابسه.. ارتمى على الأريكة بإرهاق يقول لكريم (دور برد شديد هد حيلي)

عقد كريم ذراعيه حول صدره قائلاً بابتسامته اللطيفة (تعالى ننزل الجنينة)

أرجع ريان رأسه للخلف قائلاً (جنينة مين يابني أنا خلاص بقيت ي-ي-ي)

سأله كريم بعدم فهم (يعني إيه؟)

أجابه ريان وهو مازال على وضعه (يعني يادوب يقدر ينام)

جذبه كريم من ذراعه لينهض قائلاً بتذمر (وحياة حفيدة أوغلو أغا هاتقوم معايا تغير جو بدل الڤيروسات اللي مبهدلاك دي يامعفن)

أطاعه ريان بتثاقل قائلاً (بتعايرني عشان تعبان بدل ماتقولي ان شالله انا بدالك ياعرة الصحاب؟)

دفعه كريم ليخرج من الغرفة قائلاً (إمشي قدامي يابتاع مريم)

التفت اليه ريان يسأله بتوجس (مالها مريم؟)

أجابه كريم ضاحكاً (مابطلتش هلوسة بإسمها وانت نايم )

حك ريان شعره يحاول تذكر الأمر (لا ياراجل؟.. إوعى يكون حد سمعني؟)

حثه كريم على السير قائلاً بنفاذ صبر (ماحدش سمعك غيري)

وأثناء هبوطهما الدرج قابلتهما نجاة التي تهللت أساريرها كثيراً عندما رأت ريان قائلة (ألف سلامة عليك ياحبيبي..إن شاالله انا مكانك)

جاوبها ريان مبتسماً بمرح ( بعد الشر عليكِ يانوجا إن شاالله كريم) ..

لكزه كريم في كتفه رداً على ماقال فتأوه متصنعاً البراءة (شايفة بيضربني ازاي؟)

نظرت نجاة لكريم مدافعة عنه (بالراحة عليه ياواد انت مش شايفه تعبان قدامك؟)

رفع كريم حاجبه متزامناً مع زاوية شفته العلوية (والله انتِ اللي مبوظاه بدلعك فيه)

احتضنت نجاة ريان قاصدة إغاظته (وماله يدلع براحته هو أنا عندي كام ريان يعني؟)

وضع كريم كفيه في جيوب سترته قائلاً باستنكار (حاولي تقتنعي إنه بقى ما شاء الله شحط كبير قد الدنيا والدلع ده مابقاش لايق عليه)

فردت نجاة كفها أمام وجهه شاهقة (الله أكبر انت هاتحسده ولا إيه؟) .. بينما أخرج له ريان لسانه يحرك حاجبيه لأعلى وأسفل يشاكسه بشقاوة.. لوح كريم بذراعه في الهواء هاتفاً (خلصونا من الهم ده.. ماتسودوش عيشتنا بقى) .. أنهى حديثه بطريقة كوميدية ثم تركهما يضحكان بشدة على ردة فعله الطريفة .. لحق به ريان يخبط كفيه ببعضهما وجده جالساً في البرجولة الموجودة بمنتصف الحديقة ويهز ساقيه بذبات سريعة.. اقترب منه ليجلس قبالته قائلاً بمزاح (انت يامصيبة مش تستنى تاخذني فإيدك؟)

ضيق كريم نظراته متسائلاً بتوجس (ممكن أعرف إيه حكايتك مع مريم؟)

عقد ريان ذراعيه أمام صدره قائلاً (ما انت عارف كل حاجة)

أكمل كريم سيل استفساراته بفضول (يعني بتحبها ولا....)

قاطعه ريان بتأكيد ضاغطاً على كل كلمة ينطقها (بحبها أوي يا كريم)

إبتسم كريم بفرحة وسأله (متأكد؟)

بادله ريان ابتسامته بأخرى واثقة (عمري ماحسيت بيقين بعد ربنا إلا بيقيني إني مش هاقدر أكمل حياتي من غيرها .. اللي جوايا ناحيتها مش حب ده إيمان وأنا مؤمن بيها وقلبي مآمن لها)

وبينما هو يشرح مشاعره تجاه مريم كانت هناك من تسترق السمع لحديثه بخبث شديد وعينيها تلتمع بوميض شيطاني قائلة بصوت يشبه فحيح الأفاعي (بقى الحكاية فيها واحدة تانية.. ماشي ياروميو أما نشوف يا أنا يا هي)

**********************

يتبع ..........إلى اللقاء مع الفصل التاسع


سمكة البهلوان غير متواجد حالياً  
قديم 14-12-22, 10:47 PM   #12

سمكة البهلوان

? العضوٌ??? » 490725
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » سمكة البهلوان is on a distinguished road
Rewity Smile 5 لفصل التاسع

ماضرك لو أطفأ هذا العالم أضواءه كلها في وجهك مادام النور في قلبك متوهجاً ..

______{جلال الدين الرومي}______

*****************

وبينما هو يشرح مشاعره تجاه مريم كانت هناك من تسترق السمع لحديثه وعينيها تلتمع بوميض شيطاني قائلة بصوت يشبه فحيح الأفاعي (بقى الحكاية فيها واحدة تانية.. ماشي ياروميو أما نشوف يا أنا يا هي) .. أنهت حديثها بابتسامة خبيثة ثم التقطت هاتفها وسارعت بالخروج مرة أخرى.. تجري إتصالاً بابنة شقيقتها لتوافيها بآخر ماعلمته كي تتيح لها الفرصة في تلقين ولدها درساً قاسياً لِمَ بدر منه وبالفعل اتفقت معها على موعد باللقاء في أحد الكافيهات البعيدة عن الأنظار.. ولم تمر سوى دقائق قليلة حتى وصلت چيسي للمكان المحدد.. تتمايل بخيلاءها ولباسها الفاضح يلفت الإنتباه حولها.. ألقت التحية باستعلاء ثم خلعت نظارتها السوداء التي تخفي قتامة عينيها وجلست بملامح واجمة بينما سألتها رويدا بتوجس (عاملة إيه دلوقتي ياحبيبتي؟)

وضعت چيسي ساقاً فوق الأخرى تجيب سؤالها بسؤال (تفتكري هاكون عاملة ازاي بعد ما ابنك كسرني؟)

تغيرت تعابير رويدا عندما استشعرت طريقتها المستفزة قائلة بهدوء زائف (وانا عندي ليكِ معلومة هتساعدك تاخدي حقك منه) .. صمتت لثواني تتابع ردود أفعالها ثم أردفت (ريان في حياته واحدة تانية)

إشتعلت مقلتي چيسي بنيران غضب لم تنطفئ منذ إعلان ريان رفضه الصريح لها متسائلة (وتطلع مين بسلامتها اللي البيه رفضني بسببها؟)

أجابتها رويدا وهي ترتشف من فنجان القهوة خاصتها (ماعرفش)

ألقت چيسي مفاتيح سيارتها على الطاولة تهتف بعصبية (يعني يوم ماتعرفي حاجة عنه تعرفيها ناقصة؟)

رفعت رويدا حاجبها الرفيع قائلة بتهديد (لهجتك مش عاجباني بس هاعديهالك المرة دي) .. تداعت نظرات چيسي قليلاً ولم ترد فأكملت هي بنبرة جامدة (ياريت تستخدمي ذكائك شوية وأول ماتوصلي لحاجة بلغيني)

صكت چيسي أسنانها بغل (وحياة بابي لاحرق قلبه)

نهضت رويدا تلملم متعلقاتها الشخصية لتغادر قائلة بثبات رغم القلق الذي ساورها تجاه حديث تلك البغيضة (هاسيبك تربيه عشان يحرّم يكسر كلمتي تاني)

سألتها چيسي ساخرة (مش هايصعب عليكِ؟)

صمتت رويدا هنيهة تحاول السيطرة على مشاعرها وردت بعدم اكتراث (يمكن.. كل شئ جايز)x ... ألقت كلماتها المُحيرة ثم انصرفت وآلاف الأفكار تدور في رأسها ولا تعلم سر الندم الذي يعتريها في تلك اللحظة بينما ظلت چيسي جالسة تتابع اختفائها بنظرات يملؤها الحقد.. تتوعد في نفسها برد الصاع صاعين وإن لم يكن لها لن يصبح لغيرها...

************

عودة إلى ريان وكريم /

_ (وآخرة الحب ده إيه؟)
قالها كريم مستفسراً وهو يضع فنجان قهوته على الطاولة المقابلة لمقعده بينما تحدث ريان بتأكيد على كل حرف يتفوه به (الطبيعي اللي بيحصل بين أي اتنين بيحبوا بعض)

عقد كريم ذراعيه قائلاً بقلق (إنت هاتفتح على نفسك طاقة جهنم)

ارتشف ريان من كوب الليمون الدافئ الذي صنعته نجاة من أجله ليخفف آلام الإنفلونزا ثم قال بثقة (أنا حر في اختياري)

رفع كريم حاجبه قائلاً بمزاح (إنت حر بالنسبة ليا أو لرانيا السكرتيرة مثلاً لكن بالنسبة لحفيدة أوغلو أغا ما اعتقدش) صمت لثواني واستكمل حديثه بتوجس (صعب أوي ياريان.. أمك مستحيل تسيبك تعمل اللي فدماغك بعد ما رفضت چيسي بكل هيلمانها)

رد عليه ريان بنظرة يملؤها الثبات (الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخليني ما اتجوزش مريم لو مريم نفسها رفضتني أو مابتحبنيش غير كده انا هاتمسك بيها لآخر يوم في عمري.. وبعدين سيبها لله طالمت نيتي خير ربك ها ييسر الأمور من عنده)

ران عليهما صمتاً متداعياً قطعه كريم يسأله بترقب (هتقدر تتأقلم في حياتك ازاي مع واحدة فظروف مريم؟)

أجابه ريان بابتسامة مشرقة والحب يطل من نافذة كلماته (تعرف إن ظروفها دي أكتر حاجة مخلياني متمسك بيها .. عارف يعني إيه تتجوز واحدة بتشوف الدنيا بعنيك؟.. انت اللي بتوصف لها كل حاجة..بتختارلها لبسها وبتسرح لها شعرها وبتأكلها بايدك ..إحساس غريب بين الحب والأبوة)

حاول كريم الوصول لأبعد نقطة في هذا النقاش ليطمئن على صديقه ويتأكد من قناعته التامة وصدق مشاعره نحو مريم قائلاً (احنا كائنات فوضوية وعشوائية جداً والراجل عامة بيحتاج ست ترتب تفاصيل حياته..وانت كده هاتقوم بدورها ولما تخلفوا هاتبقى أب وأم ليها ولولادكم.. هاتقدر تتحمل نمط حياة بالشكل المعكوس ده؟)

جاوبه ريان بتعابير حالمة (مولانا ابن الرومي قال "إن الحب يُحَوِل المر حلواً والتراب تبراً والألم شفاءً و السجن روضة وهو الذي يلين الحديد ويذيب الحجر ويبعث الميت وينفخ فيه الحياة".. فهمتني؟)

هز كريم رأسه موافقاً وقال (كل اللي قولته ده كويس أوي لو فعلاً مقتنع بيه بس اسمحلي اتدخل في حاجة خاصة أكتر ..لما تمارسوا حياتكم الطبيعية زي أي اتنين متجوزين هاتعمل ايه وهي مش شايفاك؟)

نظر ريان إليه قائلاً بعد إمعان (غمض عينيك وحاول تشغل قلبك شوية)

سأله كريم بعد فهم (يعني إيه؟)

تذكر ريان كلام مريم قائلاً بنبرة هادئة (الخيال ياكريم .. انك ماتكونش متوقع اللي بيحصل وتتخيله في حد ذاته متعة كبيرة جداً)

حك كريم جانب رأسه يقول بتعجب (فلسفة غريبة ومختلفة)

ابتسم ريان قائلاً (جمالها في اختلافها)

بادله كريم ابتسامته بأخرى مرحة قائلاً (انا معاك فأي قرار تاخده طالما هاتبقى مرتاح ومبسوط)

ربت ريان على كتفه داعياً بامتنان (ربنا مايحرمني منك ياكيمو)

أمَّن كريم على دعائه مازحاً (يارب مايحرمك مني ابداً وأفضل قاعد على قلبك)

ضحك ريان قائلاًx (ان شاء الله أشوفك واقع في واحدة تطلع البلا الأزرق على جتتك)

رفع كريم حاجبه متزامناً مع شفته العلوية قائلاً (انت فاكرني اهبل زيك)

تعالت ضحكات ريان أكثر وقال وهو ينهض من مقعده (أنا خلاص مش قادر الليمون والعلاج بوظوا أعصابي .. تعالى وصلني الأوضة عشان أنام)

أسنده كريم برفق يقول بمزاحه اللطيف (أعصابك باظت من شوية ليمون وحبايتين مضاد حيوي وعايز تتجوز؟..وحياة أمي شكلك هاتعرنا وسط الخلق واحنا ماشيين بكيسة العلاج قد كده) ..

لكزه ريان في كتفه قائلاً بغيظ مصطنع (جوزوني انتم بس وهاتلاقوا حمار بيرمح فالبيت)

انفجر كريم ضاحكاً ثم قال (إطلع يا آخر صبري) .. وبالفعل أوصله لغرفته وغادر بعد تأكده من تحسن حالته بعض الشئ وتركه ليأخذ قسطاً من الراحة حتى يتعافى كلياً بينما جلس هو على فراشه ينظر إلى الفراغ بملامح ساهمة.. لا يعلم السبب الحقيقي لمرضه بهذا الشكل المفاجئ .. هل الماء البارد الذي تركه ينساب على جسده ليطفئ شعلة الشوق المتقدة بين أضلعه أم أن للشوق نفسه يد في ذلك؟.. تنهد بقلة حيلة ورئتيه تأن بوجع داخل صدره .. يريد رؤيتها ليشكو لها ضعفه وهوانه منذ تركها.. يود أن يتنفسها ويخاطب روحها التي يحملها بين طيات روحه وفي تلك اللحظة احتلت مليحته أولى درجات الحب لديه ألا وهي الهوى فالقلب مال وانطوى ودعا بصدق اللهم وصلها والجنة .. أفاق من شروده على صوت الباب يُفتح فإذا بها والدته جاءت لتطمئن عليه بعدما أخبرتها نجاة بمرضه ..اقتربت منه تتحسس جبهته متسائلة بقلق (مالك ياحبيبي ألف سلامة عليك؟)

شعر ريان ببعض السعادة لاهتمامها به فلطالما توسل من أمومتها الرفق واللين يجيبها بابتسامة بريئة (مفيش حاجة ده دور برد بسيط)

جلست رويدا بجواره تمسك كفه لتتأكد من انخفاض حرارته قائلة (لو تعبان أوي أطلب لك الدكتور)

إتسعت ابتسامته قائلاً (كريم جه وجاب معاه علاج أخدته واتحسنت شوية عن الأول)

نظرت أمه إليه ولم تنكر خوفها من ملامحه المٍُتعبة قائلة (عالأقل كُل حاجة خفيفة تساعد العلاج)

أجابها ريان بنبرة خجولة بعض الشئ فهو غير معتاد على معاملتها اللطيفة ومجرد إظهار هذا الخوف غريب على علاقتهما (أنا أكلت الحمدلله بس محتاج أنام شوية لأن المضاد الحيوي شديد ومدوخني جداً)

نهضت رويدا وبحركة فاجئته كثيراً ساعدته ليستلقي على الفراش ثم دثرته جيداً بالأغطية الثقيلة قائلة (مفيش مشكلة حاول ترتاح وانا هادخل كل شوية أطمن عليك).. أنهت حديثها بنظرة عميقة لوجهه وحانت منها ربتة حنونة فوق خصلاته الناعمة وكأنها تعتذر بشكل غير مباشر لكنها مازالت لاتعلم سر الحواجز التي وضعتها بنفسها بينهما والأغرب لماذا تتلاشى الآن واحداً تلو الآخر؟.. هل تصرفاتها صحوة ضمير أمومي وسيغط في سُبات عميق عندما يعارضها مجدداً؟.. أم استشعارها لخطورة ابنة شقيقتها ووالدها قامت بإعادة تدوير لغريزتها الفطرية نحوه؟.. ظلت واقفة بمكانها لبضع دقائق تتأمله بحنان مُخالف لطبيعتها القاسية حتى تأكدت من خلوده للنوم أثراً لمفعول الدواء المُقاوم لڤيروس الإنفلونزا ثم خرجت من الغرفة وطاحونة الأفكار لا تكف عن الدوران برأسها...

********************

إنبثقت الخيوط الأولى للصباح ونثرت الشمس عباءتها الذهبية لتفرش الأرض ببساط نورها الحاني وتوسطت كبد السماء كثغر بسّام يزين وجه بشوش الملامح.. تسلل أحد أشعتها المشاكسة ليداعب عيون ريان فتململ بهدوء وحاول تفرقة جفنيه ببطأ حتى يستوعب شقاوتها المعتادة..وأخيراً أحس ببعض التحسن عن الأمس.. قرر التخلص من غبار الكسل ونهض ليأخذ حماماً دافئاً يزيح به آثار النوم والمرض.. أنهى روتينه الصباحي ثم جلس خلف مكتبه يفكر في مريم.. تذكر الصورة التي رسمها لها فابتسم وأخرجها يتأملها بحب وكأنها شاخصة أمامه تخاطبه وتأخذ بخاطره ويود الإعتراف بأن مشاعره تجاوزت الحب.. هو الآن في مرحلة الغرق وبمحراب هُدبيها المنطفئين يتوقف قلبه عشقاً.. وبعد دقائق مرت عليه كالمطر الهتون أحس برغبة في الصلاة.. قام وتوضأ ووقف بين يدي الرحمن بمنتهى اليقين أن من يقرع باب المُلك يُفتَح له وفي لحظات ذابت جوارحه وانشرح صدره ولم ينسى أخذ إسم غاليته بين طيات رسائله السماوية التي يناجي بها الله.. وأثناء تأديته لنافلته المحببة لنفسه انتبه لدخول والده والقلق يتجلى على وجهه وما أن فرغ من صلاته واستقام واقفاً حتى احتضنه يسأله بخوف (مالك ياحبيبي ألف سلامة عليك؟) .. صمت لثواني ثم سحبه من ذراعه يتجه به نحو الفراش قائلاً بقلق (انت ايه اللي قومك من السرير؟.. ارتاح ونجاة هاتطلع لك بالأكل والعلاج)

ضحك ريان على ردة فعل والده الجميلة قائلاً (ماتخافش كده يابابا ده دور برد بسيط مش مستاهل نوم فالسرير)

نظر سعد إليه يقول بحنان (هو انا عندي أغلى منك عشان اخاف عليه؟)

أمسك ريان كف والده يقبل ظاهره قائلاً بحب (ربنا مايحرمني منك أبداً)

وأثناء حالتهما تلك قاطعهما دخول رويدا تحمل صينية صغيرة موضوع عليها بعض الأطعمة وكوب ليمون وأدوية خاصة بالإنفلونزا فنظرا لبعضهما البعض باستغراب بينما تحدثت هي محاولة السيطرة على مشاعر الأمومة لديها (يلا ياريان عشان تفطر وتاخد العلاج)

صمت ريان لبرهة ثم سألها بتعجب (تعبتي نفسك ليه ياماما؟)

وضعت رويدا ماتحمله فوق الطاولة المجاورة للسرير قائلة بتوتر (بلاش كلام كتير وكُل عشان المضاد الحيوي شديد)

قَلَّب ريان عينيه بينها وبين والده الذي لم يكن أقل اندهاشاً منه ثم شرع في الأكل بتوجس مما يحدث يتسائل بنفسه منذ متى وعلاقتهما طبيعية كأي أم وولدها الوحيد؟.. لا يعلم ولا يستطيع إدراك شئ فدوماً ستظل هي الجزء الغامض.. المثير للتساؤلات في حياته.. ساد صمتاً هادئاً على الجميع قبل أن يقطعه سعد يوجه الحديث لريان مبتسماً (بالشفا ان شاء الله ياحبيبي)

نفض ريان يده من الطعام يبادله ابتسامته قائلاً (كله بأمر الله)

جلست رويدا بجواره تمسك الأدوية لتعطيها له قائلة (انا عايزاك ترتاح ومفيش شغل اليومين دول غير لما تخف خالص).. ثم نظرت لسعد متسائلة (ولا ايه ياسعد؟)

أومأ سعد إيجاباً يقول (أكيد طبعاً)

تدخل ريان مازحاً (ياجماعة الموضوع بسيط ماتحسسونيش اني لسه والد) .. ضحك كلاهما على دعابته فتابع هو (أنا بتخنق بسرعة من قعدة البيت وبتعب أكتر لو عايزيني أخف سيبوني أخرج أشم هوا)

توقفت رويدا عن الضحك قائلة بصرامة (اسمع الكلام) .. قاطعها سعد بهدوء (خليه على راحته يارويدا)

رمقت رويدا زوجها هاتفة بحنق (يخرج ازاي وهو تعبان كده؟)

أحاطها ريان بذراعه يقبل وجنتها قائلاً (ماتخافيش والله انا زي القرد وهاقوم اتنطط دلوقتي عشان تتأكدي بنفسك)

شعرت رويدا ببعض السعادة لردة فعله الحميمية تجاهها وقالت (خد بالك من نفسك).. سكتت لثواني ثم رفعت سبابتها تحذره (وبلاش رمرمة وأكل من بره)

قبلها ريان مرة أخرى قائلاًx (حاضر ياست الكل)

ابتسمت رويدا عندما ناداها (بست الكل) تشعر أنها بالفعل سيدة الجميع لمجرد خروجها من بين شفتيه بلطافة وبراءة طفل كبير يحتاج دوماً لاهتمامها هي فقط لا أحد غيرها.. وبتلقائية طبعت قبلة رقيقة فوق وجنته قائلة باندفاع ليس من خصالها (ماتتأخرش وكلمني كتير وانت بره ولا أقولك انا هاكلمك أطمن عليك ولما ترجع ماتطلعش تتسحب على أوضتك) .. توقفت عن الحديث فجأة عندما أمسك سعد بكفها يحثها على النهوض (خلاص كفاية كده هو هايسمع الكلام وهايبقى شاطر) .. وَزَّع ريان نظراته بينهما رافعاً حاجبيه متزامناً مع شفته العلوية باستنكار من هذين الأبوين اللذان يتعاملان معه وكأنه طفل في السادسة من عمره قائلاً بسخرية (ماتنسيش تغيريلي البامبرز لما ارجع ياماما).. التفت كلاهما إليه فتابع يخبط كفيه ببعضهما (احترموا الستة وعشرين سنة اللي عدوا من عمري شوية.. مش كده ياجماعة ده دور برد انا مش بسنن) .. همت والدته بالرد عليه لكن سعد استوقفها (اهدي يارورو الولد بيهزر)

لوح له ريان بيده قائلاً بنفاذ صبر (خد رورو وسيبوني أغير هدومي ياسعودي مش هايبقى سخونية وحصوة فالمرارة)

انفجر سعد ضاحكاً على حديثه قائلاً وهو ينصرف من الغرفة مع زوجته (ده انت مصيبة اقسم بالله) بينما نهض ريان ليغلق الباب ورائهما متعجباً من الحالة التي يعيشها وسطهما ثم جلس بعض الوقت يفكر جدياً في قطع تلك الأجازة اللعينة والذهاب للدار حيث توجد راحته ومليحته لعلّ وعسى أن يزول المرض عن جسده حينما يراها.. وبالفعل بدَّل ملابسه ليخرج متجهاً نحوها وقلبه يسبقه إلى هناك ..

**************

في دار وسيلة /

كانت مريم تجلس في مكانها المعتاد خلف البيانو بوجه يكسوه الحزن .. تبدو وكأنها تحمل العالم بأكمله فوق كتفيها.. تريد الحديث والبوح عما يعتريها لكنها خائفة وكلما انشغل عقلها بالتفكير فيه تغلبها دموعها فتبكي وتبتلع غصتها بجوف يشقه خنجر الوجع.. تفتقده بشدة وأتعبها هذا الافتقاد كثيراً وتتمنى لو يدخل عليها ويسألها بصوته الرجولي العذب عن حالها.. لا تعلم أن بين وجدانهما رسول يلقي السلام ويبلغ بالشوق وقت الغياب ويحمله إليها بكُليته .. وأثناء حالتها تلك كان هو يقف مستنداً بكتفه على حافة الباب.. يتأملها ويقرأ عينيها بإمعان وسهواً توقف العالم حوله وتيقن تمام اليقين من إنها جنته التي غُمِسَت روحه فيها فأقسم بالله أنه لم يرى شقاءً قط ولم يُبتلى طيلة حياته.. أخذ نفساً عميقاً ثم زفره على مهل فأرسلت رئتيه تنهيدة مشتاقة جعلت القشعريرة تدب في أوصالها وهبت نسمة خفيفة تحمل رائحته لتداعب خصلاتها فانتفضت واقفة تهمس بخفوت رقيق مثلها (ريان)

إفترّت شفتيه بابتسامة عذبة واقترب منها قائلاً بصوت يملؤه الحب (نعم)

وضعت مريم كفها فوق قلبها تسأله بنبرة مرتعشة (انت هنا بجد؟)

أجابها ريان ضاحكاً بهدوء (لا إنتِ نايمة وبتحلمي)

مدت يدها نحوه تتلمسه بحركة لا إرادية لتتأكد من وجوده متسائلة بفرحة كمن عادت روحه إليه (جيت إمتى؟)

رد عليها ريان مبتسماً وسعادة الدنيا تتجمع داخل صدره (لسه جاي من شوية)

سحبت مريم يدها سريعاً قائلة على استحياء (بس انت كنت أجازة)

حاول ريان السيطرة على مشاعره قائلاً (الدار وحشتني أوي وماقدرتش أغيب عنها أكتر من كده)

فركت مريم أصابعها بتوتر ووجهها اجتاحته حمرة قانية من شدة خجلها ولم تستطع الرد على تلك الكلمات الموجهة إليها بشكل مباشر فتدارك هو الموقف وقطع الصمت الذي طال يسألها (ازيك؟)

جاوبته بحروف جاهدت على أن تخرج طبيعية من بين شفتيها (الحمدلله بخير)x سكتت لثواني تستجمع شتات نفسها وبادلته السؤال بآخر (انت عامل ايه؟)

تنحنح بخفة ثم قال ببراءة مصطنعة قاصداً اضحاكها حتى يذوب هذا الخجل الذي يوتره قبل أن يوترها (أخدت دور برد خلاني انا والسرير حتة واحدة)

شهقت مريم بفزع (ياخبر).. ثم أشارت بعشوائية قائلة (اقعد ارتاح شكلك لسه تعبان)

اتسعت ابتسامته لخوفها الواضح على انفعالاتها وسحب كرسي مكتبه ليجلس خلف البيانو بجوارها قائلاً (اقعدي جنبي) ..أطاعته بحياء دون حديث فاستكمل ونظراته تهيم بها شوقاً (انا خلاص خفيت من ساعة ماشوفتك)

رفعت مريم أناملها الرقيقة لترجع خصلتها التي تهرب دوماً فوق وجنتها لكنه سبقها وأزاحها قائلاً بابتسامة والهة (خوفتي عليا؟)

أومأت برأسها إيجاباً ولم تسعفها حنجرتها للرد فتابع وسيطرته على مشاعره أصبحت كالهُلام (عايز أعرفك أكتر يامريم.. احكيلي عنك)

سألته بشفتين مرتعشتين (تقصد ايه؟)

رد عليها بنبرة مشجعة (أقصد حياتك.. أحلامك.. الحاجات اللي بتحبيها ونفسك تجربيها)

ابتسمت مريم قائلة (حياتي كلها هنا في الدار وأحلامي بسيطة جداً بالنسبة لظروفي)

أحس ريان بقبضة تعصر قلبه تأثراً بذكرها لظروفها القاسية قائلاً (بتعملي ايه فالضلمة لوحدك؟)

عبست مريم تجيبه مقوسة شفتيها لأسفل بطفولة (الضلمة دي حرمتني من أهم حاجة ممكن يحس بيها الإنسان) .. صمتت للحظات ثم أردفت بتنهيدة أصبغتها بالجدية (عارف إحساسك لما النور يقطع ويطول وانت تبقى قاعد مستنيه ولما ييجي تلاقي نفسك تلقائي بتقول هيييييه؟ .. أصعب مرحلة مريت بيها لما كنت صغيرة.. كانوا زمايلي يتنططوا ويقولوا هيييه وانا كنت بقول معاهم من باب المجاملة بس مش حاساها .. مفيش option الهيييييه ف حياتي يابشمهندس .. متخيل حياتك من غير هيييييييه؟)

إنفجر ريان ضاحكاً يقول (انا غلطان اني إتأثرت ده إنتِ مشكلة)

بادلته مريم ضحكاته قائلة (الضلمة مش مؤذية بالعكس ده عالم موازي لعالم المبصرين)

توقف ريان عن الضحك قائلاً ( أنا متفاجئ بيكِ جداً وعايز أعرف بجد نفسك فإيه)

شعرت مريم بتلاشي خجلها تدريجياً وأنه قريباً منها للدرجة التي تجعلها تخبره بأحلامها فتحدثت بحماس كالأطفال (أول حاجة نفسي أعملها أطير طيارة ورق)

عقد ريان ذراعيه يسألها باستغراب (بتهزري؟)

أجابته مريم بتأكيد (لا والله بتكلم جد)

لاح شبح ابتسامة مرحة على وجهه لكنه أخفاها حتى لا تظنه يسخر منها وسألها باهتمام (وإيه تاني؟)

اضافت مريم بنفس حماسها ( عايزة اروح البحر وانزل المية أصل ماما وسيلة ودادا صباح بيخافوا علياxومش بيخلوني اروح خالص)

تنهد ريان قائلاً بصوت أجش (انتِ أحلامك بسيطة جداً)

سألته مريم بهدوء (تفتكر واحدة فظروفي ممكن تحلم بإيه؟)

رد عليها ريان وعينيه تغوص بمقلتيها المنطفئتين ( انك تشوفي مثلاً )

ضحكت مريم بخفوت ثم قالت (دي الحاجة الوحيدة اللي ماحلمتش بيها وعندي يقين إن العين مجرد معون للنور والنظر لو مش موجود فقلبك مستحيل تشوف حتى لو عندك أربع عيون) .. سكتت هنيهة وتابعت بنبرة عذبة (مولانا ابن الرومي قال " رؤية العين رؤيوية ورؤية القلب لقاء)

فغر ريان شفتيه بانبهار من كلامها ومعرفتها بابن الرومي متسائلاً (انتِ تعرفي مولانا؟)

جاوبته مريم بابتسامة مليحة (أنا من عشاقه وحافظة كل أقواله.. وأكتر مقولة بستمد منها قوتي هي "ليسوا أحياء حقاً إن لم يجعلوا قلوبهم دليلهم الأول في الحياة")

بادلها ريان ابتسامتها بأخرى حالمة يردد إحدى أقوال مولانا (فقط من القلب يمكنك أن تلمس السماوات)

ران صمتاً هادئاً بينهما وكأن كلاً منهما يطيب جرح الآخر ليلتئما في جو روحاني زينته مقولات حفظاها عن ظهر قلب .. كلمات لمست دواخلهما وأنقذتهما من الغرق في منتصف باهت من ظروف حياة تفتقر لاحتواء ودفء الحب .. تعاليم نورانية جعلتهما يطيرا ويتسعا لتلتصق أقدارهما وتجمعهما صدفة اللقاء ليكتملا في حضرتها وبعد دقائق مرت عليهما كرفرفة فراشات مبهجة سألته مريم برقة أهلكت ماتبقى من عزيمته على الثبات (انت كمان بتحلم بإيه؟)

_ (بيكِ).. قالها ريان مندفعاً ثم تابع محاولاً استدراك الموقف حتى يهيأ نفسه للإعتراف بحبه لها دون تسرع (حلمت إنك بتعلميني العزف عالبيانو)

ارتبكت مريم كثيراً من تلميحاته لكنها أخفت هذا الارتباك بصعوبة وابتسمت قائلة (ايه رأيك أعلمك دلوقتي؟)

انفرجت أساريره أكثر وقال بحماس (موافق جداً)

مدت مريم يدها ترفع الغطاء عن اللوحة الخاصة بالبيانو تسأله مبتهجة (بتحب موسيقى الأندلس؟)

رد عليها ريان وهو يتأمل ملامحها الجميلة (بموت فيها)

ابتلعت مريم ريقها واختارت مقطوعة شهيرة للموسيقار اللبناني (مارسيل خليفة) من كلمات الشاعر الكبير (محمود درويش) بينما تفاجأ ريان كثيراً أنه يعلمها وسمعها عدة مرات بصوت جده الحبيب وبدأ يردد الكلمات معها بانتشاء شديد /

(أمُرُ باسمِكِ إذ أخْلو إلى نَفَسي
كَمَا يمُرُ دِمَشقيٌ بِأَندَلِسِ
هُنا أَضاءَ لكِ اللَّيمونُ مِلحَ دَمي
وَهَا هُنَا وَقَعتْ ريحٌ عَنِ الفَرَسِ

..............

أمرُ باسمك لا جَيشٌ يُحاصِرُني
ولا بلادٌ كأني آخرُ الحَرَسِ
أمر باسمِك لا جَيْشٌ يُحَاصِرُني
أَوْ شَاعِرٌ يَتَمشَّى في هَوَاجسِهِ)

لم يكن يغني معها وحسب بل انصهرت روحه فيها وامتلأ بها كاملاً حد الثمالة وتعلقت حواسه بين أناملها التي تتناثر فوق أصابع البيانو كاللآلئ واعتلى معها الدرجة الثانية من درجات الحب ألا وهي الصبوة وبادلها وِدُّها بفؤاد يصبو إليها ويغازلها بطرف لحظيه لتخترق جدرانه وتسكن شغافه وتتحول صبوته للشغف وتقفز للدرجة الثالثة أسرع مما يتخيل.. وبينما هما على تلك الحالة كانت صباح تقف بالقرب من الباب تراقب مايحدث بأعين راجية ولسان حالها يدعو أن يكون ريان عوضاً لغاليتها عن سنوات اليُتم والعجز فكل المؤشرات تدل على بداية قصة حب بريئة تتمنى تكليلها بطوق الزواج..وأثناء وقفتها انتبهت لكف ريهام يمسك بكفها تهمس وهي تنظر لريان ومريم (تفتكري هايحصل؟)

أجابت صباح سؤالها بسؤال مبتسمة بتأمل (انتِ شايفة إيه؟)

بادلتها ريهام ابتسامتها بأخرى مشاكسة (شايفة إن البشمهندس هياخد مريومة مننا)

ضحكت صباح قائلة بخفوت (يارب يسعدها ويعوضها خير) صمتت لثواني ثم أضافت داعية بحب (ويرزقك بابن الحلال اللي يستاهلك ياحبيبتي)

******************

على صعيد آخر /

إنتهى يوسف من إجراءات الدفن وتم تشييع جثمان عمه إلى مثواه الأخير ليودع آخر شخص متبقي من عائلته.. انصرف الناس بعد الجنازة وبقي هو يجلس وحيداً أمام القبر ودموعه لاتتوقف.. لقد تساقطت الأجساد من حوله واختارهم الله ليكونوا بجواره وتركوه يعاني مرارة الفقد فصدق من قال (إن الموت لا يوجع الموتى بل يوجع الأحياء) وكل مايتمناه لمن ماتوا وماتت من بعدهم حياته أن يتغمدهم الرحمن برحمته الواسعة ويتقبلهم قبولاً حسناً ويسكنهم فسيح جناته وأثناء جلسته المفطورة كانت هي تقف على مقربة منه متشحة بسواد يليق بالموقف.. تتأمل هيئته المتألمة ووجهه الشاحب بإشفاق شديد.. قررت المجئ لتخفف عنه وتواسيه رغم احتياجها للمواساة وبعد تفكير في سبيل لإخراجه من دائرة الأحزان التي ستأكل عمره جلست بجانبه تنظر للقبر قائلة (البقاء لله يايوسف)

انتبه يوسف لوجودها ثم سألها بتعجب (أميرة؟!.. جيتي ليه أنا عارف ظروفك؟!)

أفلتت منها تنهيدة مرتعشة تقاوم بها البكاء على غاليها الذي ودعته منذ أسابيع قليلة قائلة بثبات زائف (عمي سالم الله يرحمه كان غالي عليا .. كفاية اني ماقدرتش أحضر عزا بسمة وبعدين انت ماسبتنيش وقت وفاة بابا)

رد عليها يوسف بقلب موجوع (ربنا يرحمهم جميعاً)

حاولت أميرة التخفيف عنه قائلة بهدوء (شد حيلك دي سنة الحياة)

أجابها يوسف والألم يتقافز من كلماته (اللهم لا اعتراض على قضائك بس الفراق صعب أوي يا أميرة)

جاهدت أميرة أن تتمالك نفسها أمامه قائلة بحزن لا يقل عن حزنه (إن الله مع الصابرين إذا صبروا).. صمتت لثواني تستجمع شتات فؤادها المكلوم على والدها وعليه وتابعت (انا هاروح البيت الكبير عشان أعزي طنط سمية)

اكفهر وجه يوسف بعد ذكرها لإسم خالته قائلاً بحدة (العزا هايكون فدار المناسبات مالوش لازمة تعزيها)

سألته أميرة باستغراب (إزاي ده واجب؟)

قاطعها يوسف هاتفاً بعصبية (إعملي اللي بقولك عليه)

ارتدت أميرة للخلف مصدومة من ردة فعله وصوته الجهوري قائلة بنبرة خائفة (حاضر بس إهدى)

لاحظ يوسف ارتعاد أوصالها فأدرك انه تصرف معها بشكل غير لائق.. ابتلع ريقه بصعوبة وارتخت ملامحه قائلاً بندم (آسف والله مش قصدي أزعقلك)

سكتت أميرة تقاوم غلالة الدموع التي وخزت جفنيها ثم قالت بصوت مختنق (مفيش داعي للأسف انا مقدرة حالتك النفسية).. همت بالذهاب لكنه أمسك معصمها قائلاً (استني هاوصلك)

جذبت أميرة ذراعها من بين أصابعه برفق قائلة (شكرا.. معايا عربيتي)..x رفعت نظارتها الشمسية السوداء تخفي مقلتيها الدامعتين وانصرفت تاركة إياه يقتفي أثرها بندم شديد لما بدر منه في حقها.. هو لم يقصد إحراجها أو إهانتها أبداً بهذا الشكل لكن مجرد ذكر إسم خالته أمامه يوتره ويفقده المتبقي من أعصابه والأيام القادمة تحتاج منه الثبات ليبدء رحلة البحث عن شقيقته التي ألقتها الآثمة داخل بئر عميق لا نهاية له لتتبدل الأدوار في قصته ويصبح يوسف بقلب يحمل آلام يعقوب وعليه أن يقود قافلة العزيز لينتشل الغالية من غياهب جُب اليتم والظلماتx .. وبعد ثلاثة أيام قضاها في تلقي العزاء إنفض السرادق وذهب كل من كان إلى طريقه.. أما هو قرر جمع أغراضه والرحيل عن البيت الذي تعيش به خالته .. ليترك لها تلك الجدران والأموال التي أغرتها لارتكاب جريمة لن يسامحها عليها مدى حياته .. وللأسف كان مضطراً لمقابلتها قبل مغادرته كلياً حتى يأخذ منها بعض الأشياء التي تخصه .. خرجت سمية من غرفتها مسرعة بعدما أخبرتها الخادمة أنه ينتظرها في بهو الاستقبال بالأسفل لكنها أجفلت من وجود حقيبة سفره الكبيرة موضوعة بجواره ووجهه لايبشر بخير فاندفعت نحوه متسائلة بقلق (إيه الشنطة اللي جنبك دي يا يوسف؟)

رمقها يوسف باحتقار قائلاً (مالكيش دعوة)

حدثته سمية برجاء (ورحمة عمك وبسمة ماتمشي من بيتك)

صدح صوت يوسف عالياً يهز الأركان (أنا مش طايق أشوفك ولا أقعد معاكِ في مكان واحد.. الهوا اللي بتتنفسيه حواليا بيخنقني.. فاهمة يعني إيه بيخنقني؟)

بكت سمية بحرقة وسألته (هاتسيبني لمين؟)

أجاب يوسف سؤالها بسؤال والشرر يتطاير من مقلتيه (ماسألتيش نفسك ليه وانتِ بترمي ريم هاتسيبيها لمين؟)

أخفضت سمية بصرها وقالت له بخزي من فعلتها (لو فيه حد لازم يمشي من البيت يبقى انا مش انت)

ضحك يوسف قائلاً بسخرية مريرة (لا ياسمية هانم اقعدي فالبيت اللي رميتي اختي فالشارع عشان ماتورثش فيه ومستعد اتنازلك عن ميراثي كله لو ده هايخليكي تبعدي عني)

رفعت سمية أنظارها الدامعة تقول (أنا عملت كده عشانك)

صرخ يوسف فيها بغضب (كفاية بقا حرام عليكِ ماتعلقيش غلطتك الحقيرة على شماعتي وتحمليني ذنبك)..صمت لبرهة محاولاً تمالك زمام عقله قبل أن ينهار ثم قال بلهجة آمرة (أنا عايز مفتاح بيت أبويا القديم والتقارير المزورة وألبوم الصور اللي فيه صور ريم.. متهيألي ان ده الوقت المناسب عشان تتحاسبي على عملتك السودة)

****************

يتبع......... إلى اللقاء مع الفصل العاشر


سمكة البهلوان غير متواجد حالياً  
قديم 17-01-23, 10:58 PM   #13

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

تغلق الرواية لحين عودة الكاتبة لانزال الفصول حسب قوانين قسم وحي الاعضاء للغلق

عند رغبة الكاتبة باعادة فتح الرواية يرجى مراسلة احدى مشرفات قسم وحي الاعضاء




(
rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065, ebti ،
رغيدا)
تحياتنا

اشراف وحي الاعضاء



قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

موضوع مغلق

الكلمات الدلالية (Tags)
رومانسية، دراما،حب،ربان،مريم،دار،وس يلة،عيون،حزن

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:07 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.