آخر 10 مشاركات
أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          عِـشـقٌ في حَضرَةِ الـكِـبريآء *مميزة مكتملة* (الكاتـب : ღ.’.Hiba ♥ Suliman.’.ღ - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          117 - توأم التنين _ فيوليت وينسبير ج2 شهر عسل مر ((حصرياً)) -(كتابة /كاملة بالرابط) (الكاتـب : SHELL - )           »          وهج الزبرجد (3) .. سلسلة قلوب شائكة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree496Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-10-22, 07:51 PM   #1

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي في الحب راء


في بلادي.. بلاد الفُل، والقهوة، بلادي الضحكة الحلوة!

لطالما خرجت آمناً من منزلي ، تداعب أنفي رائحة الفُل الغنّاءة من منزل جارنا ، وتختلط مع رائحة الخبز الطازج ، تحت أصداء صوت تحايا الخبّاز الندية التي تصدحُ وترحّب.
أبتسمُ لصوت عجلات البائع المتجول فتمتزجُ ضحكاتي مع ضحكات الأطفال الفرِحة وهم يتهافتون عليه.
حياة هادئة برتم الحب ، حياة عادية لكن تبدو من منظورنا أكثرُ بكثيرٍ من حياة معهودة.
أرى وطني في جدار الحياةِ كلوحةٍ سعيدة.. وفجأة! يسقط المسمار الذي كان يحمل اللوحة ، فتتحول ضحكة الطفل في اللوحة لصرخاتٍ مفزوعة "أُحتلت أرضنا، نُهبت قسطنا"!
تختلط رائحة الفُل بالدم ، ويُشتت غيم سماءنا طائراتهم الحربية.
في روايةٍ أخرى كان أطفالنا يظنون أن هذه الطائرات ستُلقي من السماء حلوى..
لتصعقهم الحقيقة المُرة تلك الطائرات لم تلقِ عليهم سوى الموت!
فتتبدل ضحكاتهم الصاخبة لسكونٍ تام و عويل رعب لا ينقطع!
تُشرد العائلة السعيدة وتغزو الوحشة أركان الوطن ؛ فتتلوث أرضه الطاهرة بأقدام جنود المحتل ، ويختلط هواءه النقي بركام جرائمهم بحقّ الوطن.
فينطفأ نور " قسط الجوى "..
ويختلُّ ميزانها ، ويشتد جُواها ووجعها
ويتشقق الجدار الذي كان يحمل تلك اللوحة
من شدة القصف ، لكن عندما ظنوا أن الجدار سينهار من شدة تشقّقه أينعت من بين شقوقه زهرة ، زهرةُ الفُلِّ الحبيبة.. لتصرخ في وجوههم
بكل عزة..
بكل إباء..
بكل قوة..

أن قسط الجوى ستعود حُرّة أبيّة، وسيتلاشى راء حـربها ليبقـى الـحب فقط!



روابط الفصول

الفصول 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8 .. بالاسفل
الفصل 9, 10, 11 نفس الصفحة
الفصل 12, 13 نفس الصفحة
الفصول 15, 16, 17 نفس الصفحة
الفصول 18, 19, 20 نفس الصفحة
الفصل 21, 22, نفس الصفحة
الفصل 23
الفصل 24
الفصل 8

































التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 08-03-23 الساعة 12:14 AM
فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-11-22, 08:25 PM   #2

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي





*
*


- قسّط الجوى -

بلادٌ خانتهُ حكومته ،وأستنزفه بعضٌ من شعبّه الغدّار ، ليتسلل العدو كسم أفعى يخنقُه بلا رحمة

-قسّط الجوى-

بلدٌ محتل ولكن له شعبٌ قد أقسّم على إسترداد وطنه وتكاتف الجد مع حفيده وبذّلوا أرواحهم في سبيله .
وطنٌ باعوا لأجله النفس والولد
وطنٌ وإن حوّلوه ليصير منفى!
ولنا في

- قسّط الجوى -

حكاية ! فتابعوها معنا ~ 🤍


فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-11-22, 08:54 PM   #3

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي





الفصل الأول

*
*

الدول بأسماءها ومناطقها
القوانيـن والدستور
الأفكـار
المعتـقدات والمبادئ
التقالـيد والعـادات
الأسمـاء والألقاب
تركيـب الشخصيـات
الأحـداث عن بكرة أبيها عائدة لـي
ومن وحـي خيالي فقط
إن حـصل وتواجد تشابه بـأحداثها في الواقع فـ هو مجرد تصادف

*
اللهم صلِ وسلم على سيدنا محمد عدد ماذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون.
بسم الله ..
*
*
*
في أحد البلاد العربية
قسط الجوى.. تحديداً العاصمة أسدام .

"ورد ورد ورد
من يشتري ورد.. لله يا عاشقِين"

كان صوته يتعالى بنبرة عميقة وهو يُلوح بوردة حمراء يقف على الرصيف و يمينه سلة كبيرة كان قد ملأها ورداً.
يرسم بسمة مضمرة على ثغره، وينقل نظراته المتفحصة للشارع، في حين توقفت سيارة سوداء بجانبه فألقى على لوحتها نظرة سريعة قبل أن يُزاح الزجاج للأسفل فظهر وجه شاب في مُقتبل العمر يضحك بإمتعاض قائلاً: "وردة يا بائع الورد، الدكتورة بتزعل علينا بسبب جفاف استقبالي لها".

صغُرت عيناه دلالة بسمته، فقد كان يُخفي وجهه بشاله الأبيض والأسود ولم تظهر سوى عيناه و سحب وردة بيضاء لوّح بها للأعلى بحركة إستعراضية قبل أن يمدها لذاك الرجل بحبور قائلاً ببشاشة أضمر خلفها وجعه: "كله ولا زعل الدكتورة، تفضل وردة بيضاء دلالة للصلح والسلام علّها ترضى عنك!"

ضحك الرجل ملتقطاً الوردة ليرميها بعشوائية بحضن تلك المنزوية بطرف المقعد لتزيح رأسها وتلتقط عيناها الوردة التي بحضنها، فالتفتت لهم مُستنكرة عاقدةً حاجبيها تدريجياً لتهمّ قائلة باقتضاب: "دامك نويت السلام.. ياليتك نويته بحنية!"

اشتدت ضحكة الرجل وألقى نظرة بانورامية للشارع ليتكفل بائع الورد بالإجابة بصوت باهت :"تبحثين عن السلام في وطن كله ركام وخراب وتحت ظل احتلال طاغي وظالم!"

تقلصت ملامحها وجعاً مع ذلك رمقت بائع الورد الذي يتفحصهم بنظرات دقيقة وتبسمت بأسى على حال رجال هذا الوطن الذين كانوا بأوجّ شبابهم لكن مع ذلك امتهنوا مهن لا تليق بأعمارهم، وجهه غير واضح بسبب الشال الذي يغطي تفاصيله ولكن كان له عينان سوادها قاتم فكانت بارزة وبشدة حتى عندما التقت بعينيها الشهلاء انتفض جسده بعدم وعي مزيحاً نظراته بحرصٍ شديد قبل أن يبتعد خطوة عن السيارة ويلوّح لهم مودعاً..

تنفس بائع الورد بعمق ليُثبت يده على السماعة الصغيرة المحشورة خلف إذنه ليهمس بغيظ:"المعلومة كانت بأنها بتكون بالسيارة لوحدها.. هالرجال يصدعني يا -شواظ-"

أتاه صوت -شواظ- هادىء ساخر: "هذا الرجال عبارة عن طفيليّ، شواظ وش ذنبه؟ بكاميرا المنفذ كانت لوحدها وأنا تطمنت لأجل كذا أكّدت المعلومة و ما راقبت وصوله"
وبعدين علامك زعلان علينا يا -طوفان-؟ لا يكون كنت تبي تستفرد فيها لوحدك وهالطفيليّ نشب لك؟"


أصوات ضحكات مختلطة وصلته عبر السماعات اللاسلكية فتأفف بإمتعاض: "أنتم .. أنتم خراب ذا البلاد صدقوني"

ليداهمه صوت -برزخ- قائلاً وبقوة: "احنا أمان و حِماء هالوطن يا-طوفان-"

تبسم من جملته ومن التشييد الذي كاد يُفجر طبلة إذنه ورفع رأسه لفوق للحظات قبل أن ينزل نظراته لـ -برزخ- الذي كان يتسم بعضلات تتفجر مِنها الرجولة وجسد ضخم وملامح حادة متجهمة، يرتدي ملابس متسولين
برجل عرجاء و عصا مهترئة، "تناقض يتركك تتسائل عن وصول حاله لتلك الدرجة من الغباء - آه يا برزخ -!"

بالناحية الأُخرى كانت -زمهرير- ترتدي السواد وتلف اللثام على طرف وجهها ممسكة بطرف اسفنجة صغيرة وقارورة سكبت بها صابوناً وماء، تنتظر وقوف الإشارة حتى تنهال على السيارات تمسح زجاجها وتأخذ أجرتها.. صحيح أنها استقبلت مايقارب مئة شتيمة في الساعة الواحدة ولكن تبقى المهمة.. مهمة ! فابتلعت الإهانات بغضبٍ شديد وهي تراقب ذاك الموقف بحرص رغم الشتائم التي تنهالُ على سمعها.


بعدما ألقى نظرات سريعة لهم أخذ نفس بصعوبة وتلك العيون الشهلاء عادت للتربُص بعقله موقناً أنها لم ولن تغادر نطاق تفكيره كيف لا؟ وهي تُشبه تماماً عينيّ أقرب شخصين له!
عاصي .. وعواصف.

جلس بائع الورد على طرف الرصيف ووضع تلك السلة المحملة بالكثير من الورد بجانبه وهو يتنهد قبل أن يرجع بذاكرته لما يقارب اثنى عشر سنة!

لتلك الليلة؛ التي تغير فيها مجرى حياته كلها
لا ليس هو فحسب بل كان لـ عاصي و عواصف
نصيب من تلك المعاناة التي كان هو سببها..
*
*
قبل عشر سنوات
العاصمة أسدام
-دار الرحمة للأيتام-

يقف أمام نافذة الغرفة التي تحتوي على 10 أسِرة ولكنها فارغة تماماً هذه اللحظة بعدما تكفل-عاصِي-بطرد كل الذين يسكنوها بسبب الزوبعة المجنونة هذا !

يرمقه بنظرات غاضبة وهو يشدّ على يده بكل غيظ مدمدماً بقهر: "ماهو بمعقول انك بتصدق اللي ينقال يا يوسف!! ورقة من شخص مجهول الله أعلم من هو و وين هي أراضيه وجملة بس جملة وحدة قلبت كيانك فوق تحت! ماعرفتك متسرع كذا، أنت تعرف ظروفنا وظروف الوطن وهالمكان بالذات، يمكن شخص يلعب عليك يمكن!"
قاطعته التفاتة عنيفة من يوسف هاتفاً بوجع: "مكتوب : لو تبي تعرف أهلك تعال يا يوسف الغرابي، الرجل كنّاني يا عاصي ما تفهم؟
يقول لك أهل وأنا طوال حياتي أعامل بهالميتم البائس معاملة اللقيط انت ما تفهم هالشعور ولا راح تفهمه"

صدّ عاصي بضيق وغضب بينما يوسف كان يتنفس بصعوبة يرمق الورقة التي بيده من جديد وبلا كلل أو ملل يبحث عن وِجهة معينة.


اليوم في العاشرة مساءً الموعد المحدد للّقاء المزعوم.. وقلبه يشتعل نار؛ لأن القصف على المدينة كان على أشده والعبث من المحتل والمرتزقة كبير جداً!

مسألة خروجهم بذاك الوقت قد تكلفه روحه مع ذلك لم يكن مهتماً، راضي بالموت ولكن قبل ذلك لا بدّ أن يكون له اسم يفخر به بعد لقب - اللقيط-الذي التصق به منذ طفولته.

فجأة! غطى يوسف اذنه بكل قوة منحنياً على الأرض مع عاصي الذي احتواه بذراعه بكل قوة، وهو يتحسب ويدعي بكل رعب بسبب الغارة القريبة من الدار، وبعد لحظات طويلة ارتفعوا عن الأرض يتنفسون الخوف والضيق..

قال عاصي على إثر تلك المشاعر: "مُصر يعني تلقي بنفسك للتهلكة؟ تعرف مصير الهرب من هالميتم؟التغرب عنه والطرد يا يوسف"

ضحك يوسف بسخرية موجعة وهمس بكدر: "احنا لقينا وطن لأجل نعرف معنى الغربة عنه يا عاصي؟ وبعدين بكلا الحالتين بنكون مطرودين.."

قاطعه عاصي بضجر:"بعد سنة بننطرد بعدما نبلغ الـ18 يا يوسف وهاللحين هذا بيتنا ومكاننا
أرجوك يا رجل أتعبتني من أيام طويلة وأنا أحاول أنهيك عن الخوض بهالدروب، ماودي أفقدك
تعرف.. مالي غيرك على وجه هالأرض!"

رمقه يوسف بضيق واكتفى بالصمت وهو يلقي نظرة أخيرة على الورقة قبل أن يطويها ويخبئها بجيب بنطاله وهو يبتعد عن النافذة ويدسّ جسده النحيل في لحافه المهترئ قبل أن يتسلل تأفف غاضب لسمعه، تركه يغمض عينيه بكل ضيق وهو يحاول تجاهله !
*
الساعة التاسعة مساءً
كان يقف على أصابع أقدامه بعدما تناول معطفه الأسود القديم وهو يتركه بعشوائية على كتفه يحاول التسلل من الغرفة قبل أن يستيقظ من بها فينتبهوا لخروجه
وباللحظة التي كاد يهتف فيها بسعادة لخروجه من أول مطب بسلام انطفأت شعلة السعادة تلك بسبب عاصي الذي سحب الباب بكل قوة ملقياً عليه نظرات غاضبة وبرغم شحّ الضوء إلا أنها كانت واضحة تماماً ليوسف
تأفف بضيق ونكس رأسه كطفل مذنب بينما ذاك اقترب وهو يهمس له بـغضب:"مادمت مصر توجع نفسك وتسلك هالدرب برغم عني وعن رفضي، وجب علي أسلكه معك!"

عقد حاجبيه للحظات قبل أن يرفع رأسه وينظر له بذهول وقبل أن يتسائل عن جده وهزله كان قد سحبه عاصي بكل قوة متجهاً معه للممر السِري الذي صنعوه للخروج في الحالات الطارئة فقط، من بينها طبعاً التنفس والتسكع بالشارع.

تخطوا الحارس والمراقب بكل بساطة كونها لم تكن المرة الأولى لخروجهم
وقبل تخطيهم للشارع التفت عاصِي للدار القريب جداً من دارهم ملقياً نظرة سريعة له قبل أن يضغط على كفه بضيق .
هتف يوسف: "لاتخاف بنرجع، مستحيل نتركها لوحدها هنا بس نعرف صدق هالرجل، بس أعرف من أنا
وليه رُميت كقطعة بالية بذاك الميتم بدون هوية أو حتى اسم يا عاصي"

هز رأسه بكل قوة وتخطوا ذاك الشارع بترقب وخوف لأن الخروج بعد هذه الساعة في شوارع هذا الوطن يعتبر خطير جداً جداً لكثرة المجرمين والعابثين فيه!

قال عاصي وهو يشدّ على كف يوسف المثبتة بكفه:"ذكرني وين المكان اللي حددوه ؟"
التفت يوسف الذي كان يحفظ الإسم عن ظهر قلب: "في -طوفان -"
عقد حاجبيه ينظر له بعدم فهم "هذا وين؟"
رفع كتفيه بعدم معرفة "أول مرة أسمع فيه ولكن يمكن بالطرف الثاني من أسدام"
شهق بصدمة لينظر له بذهول:"مجنون أنت؟؟
تعرف وش بيكلفنا عبور الطرف الثاني وبالوقت هذا بالذات !!"

ناظره بضيق مشيحاً نظره بتعب من تلك المشاعر المتذبذبة وكاد يفلت كفه من كف عاصي لولا إنه شد عليها الآخر بقهر هاتفاً بحنق: "يا ويلك لو نموت ونتركها ورانا بدون أحد يا يوسف!"
تبسم بكل حبور وهو يضرب كتفه بـ كتف عاصي بضحكة :"ما تقوى على زعلي صح ؟"

ناظره ذاك بطرف عينه ثم ضحك وهو يومئ بإيجاب فاشتدت ابتسامة الآخر قبل أن تتلاشى بلحظة خاطفة وهو يهمس بصدمة: "هذا صوت -عواصف-صح ولا لا؟"

عقد حاجبيه بقلق منصتاً لصوت نحيب طفولي وهتاف مرعوب واستنجاد مُضني فارتجفت روحه يحاول التأكد من هوية ذاك الصوت ليقول برعب: "مستحيل!! عواصف بالدار ومالها قدرة على الخروج هالوقت.."

سكت عندما أفلت يوسف يده بكل قوة وركض للخلف هاتفاً برعب حقيقي وخوف ليس بقليلٍ أبداً :"عاصي اركض، هذا صوت عواصف أنا متأكد"

ركض خلفه بذات اللحظة وهم يبحثون عن مصدر الصوت ، وقبل أن يتخطوا الشارع توقفوا بذات الوقت ملتفتين برجفة للمكان بنظرات مهتزة والصوت يتعالى من نواحي عديدة غير قادرين على تمييز الجهة الصادرة منه
تنفس عاصي بإضطراب ماسحاً على وجهه بينما يوسف أشار على جهة الرصيف المظلمة قائلاً: "الصوت من ذاك المكان"

وقف عاصي بتردد: "ذاك الحي الملعون يا يوسف، عواصف وش بتسوي فيه هالوقت؟ مستحيل تخرج من الدار وخصوصاً بهالساعة
تعال نهرب قبل تصير مصيبة ونبتلي فيها، تعال.."

سكت بسبب نظرة يوسف القاتلة هادراً بغضب:"ما تسمع صوت الطفلة اللي تنتحب يا عاصي ؟ ولو ماكانت عواصف نتركها تتلوى بيدين حقير عشان ما نبتلي بمصيبة ؟ ما خبرتك نذل "
قال هذا و ركض لمصدر الصوت بلا تردد بينما عاصي تأفف بصوت عالي غاضب وضرب الأرض بكل سطوة قبل أن يركض خلفه حتى دخلوا الحي
واقترب مصدر الصوت أكثر حتى توقفوا على أعتاب الزُقاق الضيق الذي يتعالى منه مصدر الصوت
دخل يوسف يصرخ بغضب :"يا حقييررر !!"



كان لا يرى شيء بسبب الظلام الدامس ولكن صوت الهمهمات النجسة والصوت الطفولي الباكي كان كافي و وافي لأجل أن يفهم بأنه هذا المكان المنشود

دخل عاصي وبلحظة دخوله ذابت كل عظامه بجلده واكتوت روحه بوجع عنيف ، وكان هالوجع لا يُضاهي وجع يوسف بتلك اللحظة وهم يستمعون لذاك الصوت المعروف الباكي بعنف وصوت ضربات خفيفة تتسلل لسمعهم:"يوسف ، يوسف ساعدنيي عاااصي عاصي وينكم"

عواصف الصغيرة .. كانت تستنجد بهم
وهي بين يدين عابث حقير يحاول أن يستغل طفولتها بـلا رحمة !!

سمع رفضه وهو يحاول تثبيتها وصراخه النزق: "وش تسوون هنا ؟ اخرجوا بسرعة هالمكان خاص فيني أنا"

سكت عندما سحب يوسف الكشاف الصغيرة من شنطته وهو يُضيئه بيدين مرتجفة وكاد قلبه يهوي من علُو بسبب المنظر المُوجع لكل خلايا روحهم

كاد أن يهجم على ذاك الحقير الذي نفض عواصف من يده و وقف يهتف بغل يأمرهم بالخروج لولا أن عاصي كان سبّاق، انقضّ عليه بجسده الضخم الذي يناقض تماماً عمره الصغير ضارباً إياه بكل شراسة وغضب بينما ذاك يحاول أن يقاوم وبسبب فرق العمر وبرغم بنية عاصي القوية إلا أن الرجل كان أكبر منه لذلك تفوق عليه وهو يلكمه بغلّ حتى يوسف الذي دخل معه بذات اللحظة بنزاع شرس وغاضب كان للوجع منه نصيب..
كاد يهشم ضلوع عاصي وهو يضربه بلا رحمة لأنه قطع عليه خلوته بفريسته الجديدة ورغم تحامل عاصي على الوجع إلا انه انهار بآخر المطاف
بينما يوسف كان مازال يقاوم برغم أن الرجل منحني فوقه ويلكمه على وجهه بكل غل وبعدم شفقة، يلكم ويشتم ويهز جسده وهو يسبه بكل قوة غير مراعي أبداً لفرق الجسد والعمر
كادت تنتهي حياته تحت يدي ذاك المتجبر
كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لولا أن ذاك الرجل توقف فجأة عن ضربه قبل أن يترنح جسده بالهواء للحظات حتى سقط بكل ثقله بجانب جسد يوسف المُسجى على الأرض.

صمت فضيع انتشر بالمكان، صمت مخيف إلا من صوت بكاءها الحاد وهي ترمقهم بنظرات مصعوقة من الرعب وتحكم زمام فُستانها الذي إنقطع لنصفين بسبب يديه اللعينة قبل أن تنحني لـ عاصي تدفعه من ظهره برعب بعدما إستشعرت إنه مازال يتنفس التفتت لـ يوسف الذي فتح عيونه بصعوبة يحاول أن يفهم سبب ذاك الصمت المخيف قبل أن يغمضها بذهول بعدما همست تلك الصغيّرة وهي تتأمل الدم الذي انتشر بكل كرم بجانب رأس ذاك الرجل: "قتلته يا يوسف!"
صوت نحيبها الملتاع يشتد ويشتد حتى إتكأ يوسف بصعوبة على طرف الجدار يتنفس بعدم إتزان ويهتف بصوت مهتز:"لا تبكين
يستاهل الموت هالكلب ، لا تبكين انتِ دافعتي عن نفسكِ يا عواصف"



التفتت بهلع لـ عاصي الذي وقف مترنحاً من شدة الوجع وغضب العالمين يتفجر من ملامح وجهه الفتِية إتسعت عينيه بصدمة أكبر عندما إنحنى وهو يلتقط -السكين الصغيرة-والذي دافع به عن نفسه قبل لحظات قبل أن يرميه ذاك الرجل
إنتزعه بكل قوة عن الأرض لينحني بالقُرب من ذاك الرجل غير عابىء بدمه الذي ملأ المكان
ليقطع يده اليمين وسط شهقة عنيفة باكية من ثغر عواصف اتبعها صرخة من يوسف:"يا مجنننون!!"

إلتفت لهم لينظر لهم بكل قوة ليقف بصعوبة ويتجه للجهة الأخرى ثم انحنى يقطع يده اليسرى ليهتف بكل غضب: "أي يد تنمد عليكم
مصيرها .. للقطع !"
"-بس هو مااات ، مات يا مجنون !"

صرخ بها يوسف بعنف بينما عاصي وقف يتنفس بشدة ويضغط على السكين بغضب:"عسى ما يبقى يوم واحد يتنفس فيه ويلوث هالأرض بنجاسته"

رمقوه بصدمة من جديته وعدم إكتراثه بـ قتل -عواصف له-والتي تكاد تلتصق على الأرض من شدة البكاء والرعب
بعد لحظات قصيرة حاولوا فيها تدارك الموقف نزع يوسف قميصه وأرتدته عواصف المفجوعة على عجل ، بررت سبب وصولها لهذا المكان بأنها (لمحتهم من شباك غرفتها يتسللون من المكان السري للهرب فتبعتهم خِلسة خوفاً عليهم و رغبة بمعرفة ما يحصل معهم، فحصل مالم يكن في الحسبان!!)

هتف يوسف المتكىء على كتف عاصي بصعوبة: "هالحي كله قطاع طرق ومرتزقة للعدو ، لازم نخرج قبل يعرفون عن هاللي حصل
عاصي ، حتى عواصف للآن ما أستوعبت اللي حصل لازم نخرج عشان نطمنها "

رمقه عاصي بضيق قبل أن يشيح نظره لتلك التي مازالت في عاصفة عنيفة من البكاء الحاد
قبل أن ينقطع البكاء ، ليتسلل لسمعهم صوت شهقة عنيفة فتتوقف خطوات صاحب الشهقة ويظهر ضوء فلاش ومض للحظة خاطفة فحسب ليصل لسمعهم صوت غليظ لصاحب الرسالة التي أُرسلت ليوسف:"ماكنت أنتظر منكم مصيبة .. إنتظروا..."

إنقطعت جملته بسبب أصوات الخطوات الكثيفة المتجهة لهم فزفر بغضب قبل أن يتلاشى ذاك الجسد الذي ظهر واختفى من العدم غير مستوعبين حضُور مجهول الهوية أصلاً !
شخصت أبصارهم بهلع وظنوا أن قلوبهم توقفت لوِهلة عندما تسلل لهم صوت غاضب ومتسائل: " سمعت صوته من هنا ، من مكانه يجي
هو قال تعال لي بعد عشر دقائق وخذها لك من بعدي .. بس صوت صراخه ما كان .."

قاطعه الثاني وهو ينظر له بقرف: " تفقدو المكان ، لا يكون صابه شيء !"

إتجهت الخطوات الكثيفة لهم حتى إن الثلاثي عجزوا عن الحركة خطوة واحدة من شدة الهلع
إضافة لجراحهم العنيّفة بعدما دك ذاك الرجل عظامهم دك فإنكشف وقوفهم بلمح البصر
وإنفضح الموقف بثواني معدودة فقط ، و انتهى الحدث بأبشع النهايات والتي لم تكن ضمن أحلامهم أبداً !

أن يكونو -خدماً-لـ -مرتزقة العدو والعدو بذاته -ويذوقوا أسوء وأبشع الأيام بحياتهم !

ماحدث بتلك السنتين قد كتبها بما رواه قلب يوسف:
كانت أبشع سنوات عمري التي قضيتها ،سوء الحياة في الميتم لا يقارن أبداً بما عشناه.



كلفني حلم نزع رداء -اللقيط-عن جسدي
نزع روحي عن ذاك الجسد، ولم أكن أنا فحسب
بل ذاقوا أصحابي معي أبشع العذاب ، كُوينا بالنار ، عُذبنا بالسوط ، أكلنا الحشرات ، مسحنا الأحذية ، وزعنا الأسلحة ، بكينا صرخنا عانينا وأرتجفنا بكل ليلة بكاءً وبرداً وخوفاً لكن
أمجيب لكل هذا ؟ تشاجرنا وضُربنا وشُقت وجوهنا جراحاً وإمتلأت أكبادنا غيظاً ولكن أيوجد رقيب ؟
كنتُ أنا وعاصي في حزب المتمردين العاصين بسبب عدم رضوخنا لهم بادىء الأمر ولكن لوّو أذرعتنا بسبب تلك الصغيرة
رضخنا قهراً لأجلها ، حتى أننا أُجبرنا على الإبتسام في وجوه المحتلين .. تخيلوا ؟
إن لم نبتسم ضُربت على وجهها ..! أي ظلم جائر هذا ؟
إنقضت السنتين بصعوبة شديدة
ظننا أننا لن نخرج منها إلا محمولين على الأكتاف ملفوفين بالبياض بعدما نُقتل على أيدي هؤلاء الظالمين
ولكن مقاومتنا كانت تعجبهم .. كانوا يستذلون بدحر تلك المقاومة، تتشبع أفئدتهم فرحاً ما إن يرو دمع القهر يسكن محاجر أعيننا لذلك كنا محط تسلية لهم !
مازلت أتذكر عندما نلتقي بتلك الصغيرة بصعوبة شديدة فتهمس لنا قائلة ببسمة تخفي خلفها ذبولها: " لا تخافو علي .. أنا عواصف
أكبر من إني أخاف أو أُذل لخونة الوطن!"
تلك الصغيرة تغيرت كثيراً بعد تلك السنتين وكأنها فقدت طفولتها، وكأنها قد كبرت فجأة
ولكن ، أيوجد طفولة أصلاً بهذا الوطن ؟
أيكون للطفل حق بأن يكون طفل أصلاً !
خصوصاً بعد موقف أُنتهكت به طفولتها ، وبعد إزهاقها لروح مُنتهكها ونهايةً بـ سنتين تكتوي بالعذاب كوي ! الحمدلله أنها تحملت كل هذا ولم تمت قهراً !
عاصي إشتد غضبه فكان كقنبلة مؤقوتة طوال الوقت بتُ أحاول كبحها بصعوبة حتى لا ينفجر فتنفجر تلك الصغيرة ، كنت أحاول أن أخفف عنه شدة وطأة تلك الأيام بنكاتي ومرحي بين ذاك الوجع كله ولعلي كنت بعض الأوقات أُفلح !
وبعضها تُكسر عظامي على يديه وأنا أضحك بصوت عالي حتى تنتهي ضحكاته ببكاء عنيف من شدة الكمّد .
حاولنا الهرب مراراً ، حاولنا بكل يوم مئة مرة
ولكن بكل مرة كنا نفشل فنعاقب بأبشع الطرق !

ولكن في يوم واحد فحسب ! تغير كل شيء
لا أعرف كيف وماذا حصل بالضبط
ولكن في أحد الأمسيات لجنود العدو في مخيمهم عندما كنا مجبورين للتبسم في وجوههم بعدما أُجبرنا حتى على ذلك وبعد رفضنا الشديد لخدمتهم ولو على قطع رقابنا.

وسط إنتشار ضحكاتهم القبيحة في المكان
إنتشر صوت إنفجار صوت صداه أجبر تلك الضحكات على التلاشي حتى قال أحد الجنود بلغته التي تعلمناها من شدة إختلاطنا بهم :"هذا القصف ليس منا ، نحن لا نقصف مكاناً نعلم بأن جنودنا به " وفعلاً لم ينتهي كلامه إلا وقُصف المكان القريب مِنا فأنتشر الرعب في القلوب وتهاتفوا يخرجون من المخيم مفجوعين مرعوبين وهم يحاولون النجاة بأرواحهم، وكنا منهم

أنا وعاصي..
نبحث عنها بكل ما أوتينا من قوة ، تارة نظن أننا قد ننهار من شدة الرعب بأنها كانت قريبة من مكان القصف فماتت
وتارة نشد رباط بعضنا بأنها إن بقت سالمة بعد سنتين من التعذيب فلن تموت بغارة من أبطالنا !
وفعلاً رأيناها تخرج من المخيم المجهز لـ نساء الخائنين تدور أعينها بتلك النظرات الهادئة والتي لبستها عيناها خلال تلك السنتين
حتى بأحلك المواقف، لا يظهر بعيناها الخوف !
لا يكون الرعب جلياً بها وهذا ماكان يدفعني للخوف عليها!

رأتنا فـ تبسمت براحة وأخذت توسع خُطاها وهي تركض لنا وشعرها المحرر يتطاير خلفها بفعل الهواء العنيف توقفت وهي تلهث بصعوبة وقالت بقوة:"هذا وقتنا ! الوقت المناسب للهرب !"

في ظل بحثنا ورعبنا لم تلتف عقولنا لمسألة النجاة من هذا المستنقع القذر ! وتلك الصغيرة!!
التفتت أنا وعاصي ورمقنا بعضنا بنظرات قوية قبل أن نحزم أمرنا ونبتعد بخطى ثابتة عن المخيم الذي يدور الرعب بجيب كل فرد قريب منه!

ولكن قبل أن نتخطاه كان قد وقف ذاك الكلب -ماكس- يقول بغضب بلهجته المقيتة تلك: " أتخالان أنكما تستطيعان الهرب لأن الظروف سمحت لكما بذلك ؟ خسئتم يا كلابنا
عودا بسرعة إلى المخيم وهاتوا تلك الفتاة قبل أن أفرغ مابقي من مسدسي برأسكما ! ألم يكفي أنني انتظرت سنتين كاملة لأجل أن تكبر وتنضج أنوثتها وبعدها ستهربان بها بكل بساطة!"

ذاك الوغد، ذاك الحقير يريد أن نصبح في خانة القتلة بهذه الليلة المرعبة أيضاً !

قبل أن ينقضّ عاصي عليه كان قد ترنح ذاك الكلب فجأة وسقط مغشياً عليه أمام أنظارنا الشاخصة به برعب
ليظهر ذاك الكيان الذي شغل حيزاً محترماً بالمكان يقول بصوته الذي بدا مألوف جداً لسمعنا "بسرعة ، اخرجوا من هالمكان الغارة الثالثة راح تكون بوسط هالمخيم"


التفتنا لبعضنا في نظرة متسائلة حتى رمى ذاك الشخص مفتاح سيارةٍ لـي فالتقطته بإستنكار قبل أن تميل ملامحي للدهشة بل للجنون وهو يهتف:"هيا يا إبن الغرابي ، سيارتي في بداية الشارع انتظروني فيها !"

قال هذا الكلام واختفى فجأة من أمامنا ، تاركنا مدهوشين خلفه .. مصعوقين
صدمة وذهول .. لا خوف ورعب !

بعدما ركبنا السيارة - لم يركبوا حقاً بل دفعتهم دفعاً لها-رمقني عاصي بغضب هاتفاً بعنف: "مجنون انت ؟ نفس الموضوع من جديد ؟ كيف وثقت فيه وجبرتنا نركب معه واحنا عشنا سنتين بسببه .. عفواً متنا سنتين بسببه"
رمقته بإنهاك قبل أن أشيح نظري لعواصف التي ارتخت بجسدها على المقعد الخلفي وقالت ببرود: "شكل هالرجال صادق ، ولا علموني ليه يجي بهالتوقيت الحرج بالذات وقتل ذاك الحقير
ونادى يوسف بإسم عائلته إلي ذكره قبل سنتين ؟"

رمقتها بإمتنان فابتسمت لي بهُدوء وهي تثبت رأسها على الزجاج قبل أن يسحب عاصي رأسها بغلاظة ويدفعها للأسفل قائلاً بغيظ:"اجلسي كذا لا تجي الغارة الثالثة وينفجر الزجاج برأسكِ"

ناظرته بطرف عينيها بسبب غلاظته فأشاح نظره بغيظ لأنه كان غاضب وجداً من مسألة ثقتنا مرة أخرى بذاك الرجل.. الذي ويا للغرابة
أشعر بأني قد رأيته.. أو قد سمعت صوته من قبل!

بعد ثوانٍ معدودة فقط رأيناه يركض ناحيتنا
يلبس السواد حتى وجهه يُغطيه بقناع أسود
عينيه فقط الظاهرة لنا ! ومن خلفه طفلان كنا قد تصادفنا معهم مرات معدودة خلال السنتين الفائتة في هذا المخيم، حتى لم يتركوا لنا فرصة لنستوعب مايحدث
ركبوا بخفة الطير وأدار موقد السيارة وهو ينطلق بسرعة هائلة مخيفة تركتنا نتشبث برعب بالمقاعد
وبعد ابتعادنا بدقيقتين فقط .. كان كل من كان بالمخيم قد تلاشت أشلاءه بالمكان..
قُتل المرتزقة به .. والمعتدين والمجرمين الذين اجتمعوا لـسنتين كاملة يتغذون على أرواحنا
ولـسنوات طويلة يتغذون على وطننا


بعد ذاك اليوم .. لم نرى عواصف
كانت قد اختفت وكأنها لم تكن ، بعدما اختلى بنا الرجل المجهول دونها وصرّح لنا بهويته وعرض علينا مالم نرضى به
كشر عن أنيابه وأظهر ورقته الرابحة بوجهة نظره
وهو يلوح بتلك الصورة أمامنا قائلاً ببرود عاصف:"ما ودي أضغط على وريدكم وأجبركم ، هذا حق وواجب عليكم وودي لو تنفذونه بحب ماهو بإجبار "
تلك الورقة الرابحة بنظره،كانت ناحِرة لأرواحنا
فقد انتزعت عواصف من بيننا كمن انتزع الجلد عن الجسد
اختفت ،لـعشر سنوات كاملة
وكأنها لم تكن معنا لـستة عشر عاماً..

بعد ذاك اليوم.. تغيرنا ، كبرنا ، تغيرت أحلامنا
بل أُبيدت عن بكرة أبيها وبنوا لنا حلماً آخر لنا
رسموا لنا طريقنا وطُلب منا المشي فقط على ما رُسم ! وكأننا ممثلين في فيلم قد كُتب السيناريو من قبل الكاتب له .

أنا .. يوسف الغرابي
بل -طُوفان -أحد أعضاء
الإستخبارات الوطنية
وبعد عشر سنوات من الآن
خضنا بها مالم نتوقع خوضه"
*
*
أعضاء فريق - الجوى -
[ القائد ] : جهــاد 38 سنة
[ طوفان ] : يوسف الغرابي 29 سنة
[ برزخ ] : عاصي الياقوتي 30 سنة
[ شواظ ] : عمّار الغمدان 31 سنة
[ سرمد ] : هشام عماد 30 سنة
[ زمهرير ] : مرجان درويش 26 سنة
• الوزير عمران
- إبنته سكون عمران 24 عاماً عاشت طوال حياتها في الديجور .
-زوجها وإبن أخت الوزير : أيوب الركيزي 32 عاماً
عقد عليها القِران قبل 8 سنوات .

*
*
العاصمة أسدام
الوقت الحالي - بعد عشر سنوات من قصف مخيم العدو -
قصر الوزير..

مراسِم إحتفال في خضم الوجع ، بسمة ساخرة تلوح على ثغرها وهي تقف بجانب الطاولة تتكئ بذقنها على يدها وتنقل نظرات باردة لـ ضيوف الوزير
تارة تتنهد بضجر ،وتارة تبتسم سخرية لـ هذا التجمع
لطالما كانت تكره هذه الإحتفالات ، ولو لم يكن الشخص المعني به الحفل-سكون -لم تكن لتحضر !

من بين نظراتها المتنقلة بالمكان ، سقطت إحداها على رجل يدور كثعبان لا يتعب !
والمقرف من ناحيتها بأنه لا يلتوي إلا على معشر الإناث فقط !لكم تبغض هؤلاء الرجال
يمازح هذي ويضحك مع الأخرى ويتكلم بنقاش طويل مع غيرهم وكأن لا هَمَ لهم !

تقف بزيّها الرسمي ، بنطال رصاصي غامق تعلوه سترة طويلة سوداء وتلف وشاح رصاصي بلون علم دولة المحتل على عُنقها ، بينما شعرها إكتفت بوضع القبعة الرسمية التي تخفي جميع تفاصيله
جعدت ملامحها بإمتعاض لذلك الرجل الذي وقف فجأة أمامها يبتسم ببسمته السمِجة التي خطفت قلوب الفتيات بهذا المكان - ولكن قطعاً ليس قلبها - قائلاً بلغة بلده: "يا إلـٰهي! كنت أعتقد أني رأيت أجمل الفتيات بحياتي حتى صادفتكِ هذه اللحظة فـ بَطل إعتقادي !"



رمقتهُ بإزدراء للحظة قبل أن تشيح نظرها وتطلب الصبر والعتق ، بينما هو شحبت ملامحه لنظرتها المشمئزة منه بل لعدم إهتمامها بغزله الذي كان بوجهة نظره رائع !

إشاحتها للنظر عنه كان دليل كافي لأجل أن يفهم بأنه-غير مرحب بك فأنصرف-ولكنه كان لزج لدرجة أنه لم يفهم الإشارة فوقف بالقرب منها قائلاً: "هل أنتِ عربية ؟"

لم ترد على سؤاله و اكتفت بإشاحة نظرها للمكان بعدم إهتمام وكأنه أحد أعمدة الطاولة خلفها
بينما هو لم يستسلم وحقيقةً لم يُعرف بأنه إستسلم من قبل وخصوصاً بموضوع -الإناث-:"أنا سلام !"

حدّق بها للحظات عله يلقى تلك النظرة أو النكتة السمجة التي يسمعها بكل مرة ينطق بها إسمه لأحد كونه ينطقه بطريقة خاطئة ،ولكن فُتات اللامبالاة مازالت تطفو على وجهها !
تغضن جبينه بقهر من عدم إهتمامها و استفزته بكل قوة فـ وقف بجانبها يرمق ملابسها بنظرة طويلة قبل أن يتمتم باللغة العربية بل بلهجة البلد المحلية ولكن بشكل ركيك قليلاً: "انتِ جندي بالجيش ؟ كنت أعتقد بأن العرب لا يجندون نسائهم !"


أخذت نفس بغضب لتلقي عليه نظرة حادّة و التي تنبأ بإنفجار عظيم فتبسم بإنتصار عندما استجابت لإستفزازه وأخذ يكمل بلغته: "عربية وتخدم وطننا نحن ؟ يالها من مدعاة للفخر !
ولكن لماذا زيّك يختلف عنا؟ أُنظري لبقية الملازمات من رتبتنا يرتديّن الزي بدون هذا الوشاح والسترة الطويلة لما انتِ مختلفة ؟"

"-ممكن تختفي من قدام عيوني ؟"

إلتفتت له فجأة ونطقتها بكل بساطة فاتسعت ابتسامته ايراقص حاجبيه ويقول بذات البساطة: "لا"!

عقدت حاجبيها بغضب هذه المرة وأخذت تشد على كفها تستدعي طاقة الصبر المتناثرة بروحها ولكن الغبي لم يفهم هذه النقطة فأخذ يشير لـ قبعتها ويتمتم: "انتِ الوحيدة التي تخفي شعرها عن أنظارنا
بقية الملازمات ينثرنه على جيدهن لـ يتفاخرن به !! هل يمكنني رؤيته؟"

قبل أن تبدي رفضها بعنف كان قد مدّ يده يحاول نزع القبعة لولا أنها انتبهت له فجأة فسحبت يده بكل قوة لتقوم بلفها للخلف ثم ترفع قدمها وتضرب باطن ركبته بكل قوة فانحنى ساقطاً على الأرض مشدوهاً فاغر الفاه من تصرفها ، بل غارِق بالحرج بسبب نظرات الحاضرين للإحتفال
سواءً من قادة الجيش الكبار أو من زملاءه الملازمين بكلا الجنسين!

تمتمت بغضب عنيف غير مهتمة بنظراتهم: "قلت لك إختفي من قدام عيوني ، ليه تمثل إنك تجهل لغتي !!"

عندما لمحت الرائد يتجه لهم دفعت الملازم الأول سلام بكل قوة فثبّت نفسه قبل أن يسقط على الأرض والتفت يرمقها بغضب كاسّح وهو يقف بكل سرعة وقبل أن يلفظ نار ذاك الغضب سمِع الرائد المسؤول عنه يتكلم ببسمة ضاحكة "الرائد عواصِف .. يبدو بأن تعارفك مع الملازم الأول سلام لم يكن سعيداً أبداً ! "


ناظرته بعدم إهتمام بينما سلام شخصُ بصره وطفى الشحوب على وجهه بينما بانت آثار الرجفة على جسده -الرائد عواصف -
الرائد الجديدة المسؤولة عن سريته العسكرية
ويا للجنون سيكون جندي تحت إمرتها.. أتاك الموت يا سلام وأنت احتضنته بكل غباء يا مجنون !!!

لم تعطه أي إهتمام فابتسم من جديد: "لابأس عليك ملازم أول سلام ، عواصف مشهورة بالبرود وعدم الإهتمام والغضب المخيف لذلك وجب عليك أن تحافظ على مسافة آمنة بينك وبين ذلك الغضب"


وقبل أن يبتعد ألتفت له يرمقه من على كتفه ويقول بضحكة: "وبالمناسبة .. إحذر الإقتراب من قبعتها مرة أخرى بأي حجة ممكنة لأنك ستشاهد الموت حينها"

رمق عواصف بضحكة:"
لم أنسى عندما حاولتي كسر يدي لأنني كنت سأفعلها"
سحبت جاكيت بذلتها الرسمية والذي تعلوه رتبتها العسكرية وارتدته على مضض فـظهر إسمها مكتوب فوق قلبها ويعلوه علم دولة الإحتلال باللون الرصاصي الكامل وعلى يمينه فوق نجمة خماسية وحيدة !
سمعت الملازم سلام يتحدث بعدما استيقظ من رعب الموقف يتمتم بـلغته ولغتها من شِدة التلعثم:"أعتذر، سامحيني أرجوكِ سيادتكِ لم أكن أعرف هويتكِ"

تركته خلفها بعدم اهتمام وخرجت من ذلك الاجتماع الخانق تبحث عن تلك الصديقة المفقودة بعدما عادت وأخيرًا من سفرها المزعوم،بل عادت من سجن والدها !

[الرائد العسكري للجيش الديجوري]: عواصف الودادي 26 عاماً ، قسطية .
• [ الملازم الأول ] سلام أرسلان 28 عاماً .

*
*
قصر الوزير

يقف خلف الباب ويتأمل وقوفها الشامخ أمام المرآة بالمعطف الطويل والوشاح الوردي الملتف على حدود وجهها فطغى لون وجنتيها على لون ذاك الوشاح
تبسّم بزهو مقترباً منها ليمرر يديه على الوشاح متمتماً بفخر: "وأخيراً رجعتِ يا دكتورة سكُون! "

التفتت ترمقه بضيق واضح لتقول بإقتضاب : "ماني دكتورة يُبه ، خبرك كبير بإني تركت الطب"

رفع كتفيه بعدم مبالاة: "دكتورة إلا سنة ، يعني يكفيني لأجل ألقبكِ بهاللقلب اللي ياما حلمت يتبع اسمكِ، ولكن رأسكِ حجر وعنيدة وإلا تسوين إلي ببالكِ ، ولا البلد إلي كنتِ فيها وش كانت تشكي منه لأجل تتركينها بغضب وتقطعين على نفسكِ حلمكِ لشيء تافه ؟"

ضحكت تشيح وجهها عنه تخفيه داخل كفيها تتنفس بعمق تحاول ضبط إنفعالاتها قبل أن تهتف بعنف:"ذاك البلد المحتل وطني يبه ، سارِق شعبي ومغتصب أرضي ، سكَنتِني فيه غصب عني وطمرت وجهي بالتراب وانت تجبرني أدرس على أرضه"

تحولت ملامحه البشوشة والمرتاحة للنقيض تماماً بشكل مرعب وهو يرمقها بحدة :"أجل كنتِ تظنيني بترككِ بهالبلد إلي الله وحده يعلم بأي أرض بيطيح الصاروخ فيه ؟ بأي شارع بيهجم عليك قاطع طريق ، بأي مكان بتموتين مقطوعة رأس أو يدين ؟ انتِ لو تواجدتِ هنا ماكان بيكبح جموحكِ بالحرية شيء ، حتى تذكرة بأنكِ-بنت الوزير-راح تبيعكِ برخص التراب
لأجل كذا كنت مجبور أخليكِ تبتعدين عنها
وماكنت بترككِ ببلد غير هذاك البلد ، لأن لي عندهم..."

"-لأن لك عندهم وطن خنته لهم ، بالتالي وجب عليهم يحفظون بنتك.."
سكتت بدهشة عندما ارتدّ وجهها للخلف بكل قوة بسبب الصفعة التي هوت على وجنتها ليهتف بغضب:"أنا ما خنت وطني ، يا ويلكِ أسمع هالموال من جديد لأجل ما أكسر عظامكِ
ارتباطي بقادة بلادهم وعلاقاتي معهم ما تعني بأني خنت وطني ، العكس تماماً
يعني بإني أحاول أوطد علاقاتي معهم لعلي ألقى بوادر لإنهاء هالإحتلال"

ضحكت بسخرية تمسح على وجهها بقهر: "يا يبه صاروا يعدّون بلدي بلدهم ، ويخططون بعد لتغيير إسمه..أي إنهاء الله يهديك ؟"

التزمت الصمت للحظات قبل أن تكمل بذات السخرية: "وإحتفال ؟؟ إحتفال برجوعي للوطن إلي غربّتني منه من ولادتي وغصب عني ومن الحضور ؟ القادة العسكرية لـبلد المحتل صح ؟ ونعم الحضور والمُستقبِلين لـبنت الوزير !"

أخذ نفس غاضب قائلاً بذات السخرية:"أحد القادة إلي تسخرين منهم ،صاحبتكِ المقربة والخائنة بكل وضوح لوطنها إن كنت وزير لوطني ومازال على قلبي شعاره وعلمه فهي تضع على قلبها علم دولة المحتل يا سكُون،لذلك اكبحي عن سمعي جنون كلامكِ ولا ترددين هالحكي من جديد، ولكِ خمس دقائق فقط تخفين علامات غضبي وغبائكِ عن وجهكِ وتنزلين لمراسم حفلة استقبالكِ لأن القادة والسادة الموجودين بالأسفل ينتظرونكِ فلا تسودين وجهي عندهم!"

رمقها بنظرة غاضبة قبل أن يصد عنها آخذاً نفساً طويلاً يُهدّئ به نفسه ليخرج من تلك الغرفة بعدما ضاقت عليه الوسيعة بسبب تلك السكُون.

لمح ذاك الكيان القوي يقف في بداية الممر
يكتف يدينه بذات الطريقة المعتادة ويرتدي الحلة السوداء الرسمية بنظارات شمسية سوداء تلازمه ليلاً نهاراً غابت الشمس أو حضرت.
توجه له بخطوات غاضبة هاتفاً بعنف يفرغ فيه طاقة غضبه:"وين كنت طوال اليوم يا رأس الكلب ؟؟ بكل مرة أحتاجك فيها ألاقيك مختفي وطواريك ما تنسمع ؟؟ وأيوب وينه ؟ من لحظة وصوله مع سكُون اختفى وكأنه ما انوجد،تكلم انطق يا رأس الكلب !!"

بعد سيمفونية غضب عنيفة اشتدت بسببها أوداج عنقه ووجهه واضطرب تنفسه وارتجف جسده كان الجواب.. الصمت .

أخذ نفس عميق ماسحاً وجهه بيدين مرتجفة قبل أن يرمق ذات الكيان بنظرات هادئة بعد فوران مريع متمتماً بـخفوت مستذكر:"دائماً أنسى إنه أصم وأبكم وبكل مرة أفرغ غضبي فيه وما يفهم، دابّة مو إنسان"

رمقه الوزير بصمت قبل أن يرفع يده ويشير له بطرف اصبعه بأن- اتبعني- و بكل صمت العالمين تبعه بخطوات محسوبة ونظرات ثاقبة كصقر يقتنص فريسته وصمت مخيف ، صمت يلفه وكأنه جماد يتحرك ويتنفس فحسب !

قبل أن يكمل الأبكم الخطوات خلف الوزير توقف للحظة عاقداً حاجبه بإستنكار وهو يلمح طيفاً غاضب يمر من أمامه بخفة الطير
ولكن ذاك الطيف يحمل ملامح كانت قد مرت بسرعة الضوء لعقله فتذكرها .. أيعقل بأنه يتخيل ؟ أو هذا الطيف يعرفه حق المعرفة ؟

التفت بسبب يد الوزير التي اعتقلت ذراعه بعنف وهو يشده خلفه ويتمتم بشتائم فجّة، من يسمعه لا يصدق بأن هذا الرجل هو الوزير لقسط الجوى ، يتوقف فجأة للحظات ثم يشير بضيق (ابقى هنا لحين خروجها ، واحرص على عدم تأخرها)
أومأ بطاعة ثم وقف بمكانه ينظر لذهاب الوزير بصمت شديد .

أما ذلك الطيف فقد تخطتهم واتجهت لغرفة سكُون وبلحظة دخولها للغرفة وظهورها بالمرآة لـعيون سكُون التفتت الأخرى
بثغر عابس تلاه نظرة دهشة ، تلاها بسمة خافتة
ثم ضحكة مُلحة.. حتى ذابت تلك الضحكة بنفس اللحظة
كل هذه الإنفعالات كانت نتيجة تأملها لـ دخول عواصف عليها حتى انتبهت للعلم الذي يعلو زيّها فتلاشت الضحكة
التفتت لها تنطق اسمها بدموع تسكن محاجرها وتدبرت بسمة خافتة واقتربت تحضنها بكل قوة .. حُضن أخويّ مشتااااق جداً
تنفست عواصف بسببه بصعوبة لتهتف:"خنقتيني يا سكُون، هالشوق اللي بيقتلني والله"

ضحكت تلك المعتادة على غلاظة أسلوب عواصف وقالت تشد عليها أكثر:"لعل شِدة احتضاني لكِ تترك هالعلم يذوب ويتلاشى
عسى ماله على هالأرض طاري"
ابتعدت عنها بصعوبة بعدما ارتدى ثغرها تلك البسمة الساخرة قائلةً بسخط: "يبدو بأن هالموضوع ما بينتهي نقاشه بيننا برغم كل هالسنين يا سكُون .. أول لقاء بعد كل هالإنقطاع بنفتح نفس السيرة ؟ إذا على كذا بترك بيني وبينكِ سبعين قارة ولا تصدعين راسي بكلامكِ يكفي إلي حولي .. مليت !! حتى الواحد مايقدر يختار حياته إلا غصب تحشرون أنفكم!"

رمقتها بضيق و ودّت لو تنبّهها بأن اختيارات حياتها تخصها لو كان قرارها سيكلفها حياتها فقط ولكن أن تكون رائد بالكادر العسكري لـ دولة الديجور والمصيبة العظمى تقف في طرفه ضد أبناء بلدها وأعرافها وتقاليدها
هذا بحد ذاته يكلف حيوات لا تعد ولاتحصى،
مع ذلك آثرت الصمت بهذه اللحظة فهذه الفتاة لن تفهم أبداً ، ستة سنوات ولم تفهم ، أستفهم بلحظة واحدة ؟ ابتسمت لها وأومأت بإيجاب تقول :"ومن حُسن حظي عواصف بجلالة قدرها جات تستقبلني بالحفل إلي بيجيب أجلي ! "

تأففت تلك بضجر لتغمض عيناها للحظات قبل أن تهتف بحنق :"القائد المسؤول أجبرنا على الحضور لأن سيادة الوزير أبوكِ حرّص على دعوة كل الكادر العسكري ، ولا تعرفيني هالتجمعات تتركني أعصب"

ضحكت وبعد لحظة خاطفة تلاشت الضحكة وحل محلها ضيق لتقول بإستياء: "وأنا يكفي السنين إلي عشت فيها غصباً بدولتهم
والله يا عواصف أحس لو نزلت هالدرج والتقيت بباقي جنودهم بموت بأرضي من القهر ، تعبت واختنقت وأحس بوجع يخترق ضلوعي، لما أرجع وألاقي جنودهم يستقبلوني ببيتي وعلى أرضي
وهم يهتفون إنها دولتهم و هم.."

سكتت وهي تلمح العلم الذي يعلو زيّ عواصف وابتسمت بقهر لتشيح بنظرها ، بينما تلك لم تهتم لنظرتها بقدر اهتمامها لكلامها فقالت بخفوت: "ودّكِ أهربكِ من المكان ؟ ترى انتِ مو مضطرة تنزلين وتتماشين مع رغبة أبوكِ
يكفيكِ سنينكِ إلي مرت بإختيار ماكان بيدينكِ!"

رفعت رأسها وناظرتها بلهفة لتبتسم بفرحة وتهتف بطفولية:"صدق ؟ لكِ قوة على تهريبي؟
لا تنسين هالمكان تحت حماية الوزير بنفسه"

ابتسمت تلك بتهكم قبل أن تثبت يداها للخلف وتقول بثقة:"لا تنسين انتِ.. بإني عواصف !"

نظرت لها بضحكة بسبب هذه الثقة التي بمحلها فاتجهت للباب تتأكد من حجابها وتقول :"خليني أتأكد أجل من خلو هالدرب من حرس الوزير وأيوب وبعدها الباقي عليكِ!"

أومأت لها بإيجاب بينما سكُون فتحت ورمقت المكان بنظرة متفحصة وقبل أن تبتسم بإنتصار شهقت بعنف لذاك الذي كان يقف بمحاذاة الباب تماماً ولم تنتبه له أصلاً ، فكادت تغص بسبب شهقتها ولكنها ابتلعتها بصعوبة لتخرج من الغرفة وترمقه بنظرات مُدققة كان ككيان ثابت يتشح بالسواد حتى نظاراته المثبتة على عينيه وتخفي عن الناظرين عيناه .

تكلمت بهدوء شديد وحذر :"أنت وش تسوي هنا ؟ أنا طلبت من الوزير يترك لي الحرية المطلقة بالجناح هذا خصيصاً لذلك وجودك عند باب غرفتي غير مرحب فيه أبداً ! "
انتظرت منه رد أو حرج أو حتى بوادر احترام ولكنه كان جامد وصامت على نحو مثير للريبة، قوّت نفسها وتخلت عن خجلها قليلاً وهي تعقد حاجبها و تكتف يداها قائلة بغضب:"عفواً ؟ ما تسمع أنت تقدر تنصرف لـلقاعة الداخلية مع بقية الحرس "

لا رد مرة أخرى ، فأثار ذلك حفيظتها وأرتدى قلبها رداء القلق وهي غير مستوعبة لوقوفه الصامت ولملامح وجهه الهادئة والتي تنم على أنه لا يسمعها أصلاً !
قبل أن تصرح عن رعبها كان قد رفع يديه فارتدت للخلف مجفلة من تصرفه ولكنها عقدت حاجبيها بذهول عندما بدأ يُشير بيديه بحركات مدروسة وواضحة تفصل قوله وتشرحه بالمعنى الدقيق (لا أفهم ماذا تريدين !)

ارتخت عقدة حاجبها تتذكر صراخ والدها بعدما حضرت "وين الأبكم ؟ "
ولحظة صراخه عليه عندما خرج من عندها لذلك فهمت بكل بساطة بأن هذا الرجل هو الحارس الخاص لوالدها والذي كان أبكم وأصم لذلك تكلم بهذه اللحظة بـ -لغة الإشارة - وللمصادفة كانت تتقنها بل وبشدة !.

رفعت يديها تشير له بكل بساطة بكل الكلام الذي نطقته تواً وبعدما انتهت لاحظت تغضن جبينه بإستنكار وعدم راحة ويديه يضغط بها على طرف جاكيته للحظات طويلة قبل أن يشير لها بمعنى-حسناً - تنهدت براحة وهي ترمقه يبتعد من أمامها بخطوات قوية يتجه للقاعة الداخلية الخاصة للإحتفال كما طلبت ، عادت للغرفة فـ نظرت لعواصف التي كانت تثبت القبعة تخفي بها حدود وجهها وتتأكد من تغطية الوشاح لعنقها فقالت بعجل :"تعالي الأبكم اختفى بسرعة قبل يرجع !"

التفتت بكل قوة تُلقي نظرة سريعة للمكان وعندما لمحت الوشاح الأسود استلته بعجل ورمته على وجه سكُون وهي تهتف :"تلثمي .. أو غطي وجهك"

رمقتها سكُون بطرف عينيها بسبب رميتها التي كادت أن تُخرج عينيها ولم تنتبه إلا وتلك تخرج من الغرفة وتلقي نظرات سريعة للمكان قبل أن تتخطى الجناح وتلك المرتجفة خلفها تعرف أن عقاب هذا الهرب وخيم جداً، خصوصاً بحضور ذلك الجمع المهم جداً بالنسبة لوالدها
ولكن أليست مهزلة ؟ أن تهرب قهراً من دولة العدو ثم تعود لبلدها فـيكون المرحبين بها جنود دولة العدو ؟.

غطت طرف وجهها بالوشاح الأسود وهي تتخطى القاعة الملغمة بالجنود بقلب يرتجف وجلاً بينما عواصف التي أمامها تتهادى خطواتها بكل قوة وثبات، خطوات عسكرية رتيبة لطالما اعتادتها بآخر سنوات حياتها غير عابئة بأي رجل بهذا المكان.

تخطوا القصر بسلام، ولكن أمام البوابة كان أيوب يقف بلزاجته التي تبغضها فوكزت خاصرة عواصف تهمس بغيظ :"بينشب مثل الشوكة بالبلعوم يا عواصف ، وقسماً بالله تخلصت منه بصعوبة قبل ساعات الحين لو لمحنا.."

سكتت بصدمة عندما سحبت عواصف الوشاح وغطت وجهها وهي تشير لها أن-اصمتي- لتلتفت لأيوب هاتفة بصرامة :"أنت ! "

التفت لها بإستنكار وعندما لمح العلم المثبت على صدرها تزعزع ثباته وأصبح كقط مرتجف، نظر لها باحترام وقال:"تفضلي .. سيـادتكِ ! "

نظرت له بسخرية لإنفعالاته المرتجفة أمامها وقالت بهدوء:"هذي سيارتك ؟"

التفت للسيارة المـنشودة وهز رأسه بإيجاب:"نعم سيادتكِ ، سيارتي وتحت أمركِ"

أشارت له أن يناولها المفتاح فتقدم وهو يرميه ناحية كفها فألتقطته بإحترافية وشملته بنظرة مستخفة لتقول: "ساعتين بس.. وبعدها بجيك وأردّها لك هنا لا تخاف
ماني من محبين السرقة، وخصوصاً من شخص مثلك"

قالت آخر كلمة بإستخفاف فكتم غيظه بصعوبة بينما سكُون ترمقهم بصدمة وانبهار من الخلف لـقوتها وفرضها لكلامها بكل ثبات وكأن الشخص الذي أمامها مجرد حشرة وجب عليه تنفيذ الأوامر فحسب .

لطالما كانت شخصيتها الصارمة والتي اكتسبتها بسبب حياتها في الكلية العسكرية بدولة المحتلة
مخيفة! خصوصاً بنظراتها الباردة التي لا تنمّ عن أي حياة..!

سكنت تلمح أيوب يدقق النظر فيها بشكل فجّ فانكمشت على نفسها بغضب،حتى وإن كان عاقِد قرانه عليها إلا إنها ترفض مثل هذه النظرات
وخصوصاً انه لم يميّز هويتها أصلاً !!! لمحته عواصف فـتطايرت شرارات الغضب من على رأسها وقالت بحدة:"تقدر تتفضل للحفل ، واترك عنك النظر في مكان ممنوع عليك النظر فيه!!"
عقد حاجبيبه بعدم إعجاب وهو متأكد بأنها هي،سكُون إبنة خاله وزوجته -قيد إنتظار منذ 8 سنوات -ولكن صرامة عواصف تركته يغض النظر لأنه لم يكن يحتاج أن يعيش صراع مع رائد عسكري لدولة العدو !
لأن للأسف، باتت القوة الكاسحة لهم.

دخل بخطوات غاضبة وصدر ينتفض غيظ بينما سكُون ضحكت لتزيح الوشاح عن وجهها المتورد من شدة كتمها لـضحكاتها على شكله واقتربت تصعد السيارة بجانب عواصف تقول:"يا الله ، طريقة خضوعه لكِ ورجفته الواضحة ضحكتني.. وين القوة اللي كان يتبجح بها قبل لحظات؟"

قالت عواصف وهي تشغل محرك السيارة وتنطلق مبتعدة عن قصر الوزير بكل بساطة: "خضوعه كان للعلم اللي على صدري يا سكُون.. ماكان لي"

وعمّ الصمت الكئيب بعد جملتها.

*
بعد ساعـة ونصف من الآن

كان يرتجف قهر ، و وجهه الذي أجبر ملامحه أن تكون خاضعة وهادئة طوال الوقت كان هذه اللحظة يشتعل غيظ وقهر
يلقي سموم كلماته على كل حراسه ورجاله يسب ويشتم بكل فجاجة وهم يستمعون بصمت ، ينظر لـ الكادر العسكري الذي بدأ بالإنسحاب بغضب من تصرف إبنة الوزير المُشين والمقلل بحقهم وبشأنهم
وهو يكتوي قهر وغضب ! إهانة عظيمة بحق الوزير والمتهمة.. بل الجانية هي إبنته.

إنطفأ غضبه فجأة بسبب صوت التلفاز الذي صدح بالمكان فجأة وعلى قناة الأخبار الرئيسية للبلد لـ خبر عاجل ورد عن مذيع من وسط الحدث :"وهنا أعزائي المشاهدين نبث لكم مشاهد لإنفجار السيارة في الطريق الترابي لـ العاصمة ووصول قوات الشرطة لدولتيّ الديجور والقسط والبحث الجنائي للتقصي عن سبب الإنفجار وعن هويات المتواجدين بالسيارة ، يقال بأنها بفعل فاعل وقد كانت سيارة مفخخة بالقنابل الموقوتة ، أما مسألة قصّف طيران الديجور لها فـ هو لم يضع بالحسّبان إستخرجوا لوحة السيارة بصعوبة وقد كانت -ح ي س 701-ولكن لم تُعرف الهويات بعد بسبب تفحم الجثث وتناثر رمادها ، إنا لله وإنا إليه راجعون"

كانت ملامحه غير مهتمة ، بل غاضب من الشخص الذي رفع صوت التلفزيون وهو يحاكم حرسه ولكن عند نقطة إلقاء المذيع رقم اللوحة على مسامعه إلتفت للمكان بصدمة يمشط القاعة بنظراته بقلب مضطرب ليهتف :"هذي لوحة سيارة أيوب صح ؟ وينه جيبوه لي حالاً"

إنتشروا بالمكان على وجه السرعة إلا ذاك الثابت الجامد والذي يقف بملامح هادئة وثبات يُحسد عليه ترك الوزير يضرب كف بـ كف متمتماً: "ما أدري جبتك لي نعمة أو نقمة يا أبكم !"

لم تتحرك في الأبكم شعره واحدة بينما الوزير كاد أن يتكلم من جديد ولكنه إلتفت بإستنكار لـ دخول أيوب المصعوق يتمتم برجفة :"إلحق يا خااال ، سيارتي سيارتي إحترقت كانوا متقصديني يا خالي"

نظر له الوزير بنظراتٍ قلقة يمشطه بوجل وعندما أيقن أنه بخير حتى أصدر تنهيّدة راحة وهو يتمتم:"الحمدلله عدّت بخير ، هالبلد نجس وله شعب خائن وغدّار.."

قاطعه أيوب وهو يرتجف ويشد على شعره برعب :"سكُون يا خال ؛ سكُون والرائد العسكري كانوا فيها أخذت المفتاح مني و..."

سكت بصدمة عندما أنقض عليه الوزير يهزه بعنف ويكذبه بغضب غير مستوعب أبداً لكلام أيوب ، وكأنه قد رمى قلبه بين حفنة جمر ملتهب وهو يتلو على سمعه خبر بأن ابنته كانت بالسيارة التي صدر خبر إنفجارها وتفحم الجثث فيها قبل لحظات :"تكذب ، تكذب يا أيوب سكُون يستحيل تكون بوسط هالسيارة "

بينما أيوب كان يكتوي برعبين ؛ الأول بأنه كان المستهدف بعملية التفجير هذه
والثاني بأن سكُون الزوجة التي أنتظرها لـ ثمان سنوات قد توفت محترقة ..
*
*

نهاية الفصل ..
قراءة ممتعة ..~



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 12-12-22 الساعة 09:06 PM
فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-22, 12:29 PM   #4

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي



الفصل الثاني



*
*
أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
*
مقر الإستخبارات السري..

هُتاف حاد يتعالى صداه بأرجاء الغرفة لثغر رجل تحمل تعابير وجهه كم هائل من الغضب العنيف: "سنين ننتظر إبنة معالي الوزير تـشرف أراضي الوطن، وبيوم تشريفها تُقتل محروقة وبسيارة زوجها وتحت أنظارنا؟ انتوا وييين يا اللي كانت مهمتكم مراقبتها؟ من لحظة وصولها لأرض الوطن لهذه اللحظة؟ طُوفان وبرزخ وزمهرير وحتى شواظ وسرمد وين كنتوا يا فريق الجوى وين؟ كلنا كنا ندري إنها مستهدفة من لحظة وصولها، ولولا جهلهم بأنها راح تحضر بسيارة خاصة غير سيارة أيوب لكانت متلاشية عن الوجود لحظة دخولها القسط"

طأطأ عمّار-شواظ- رأسه بضيق يمسح على وجهه بعدم فهم، طُوفان الموكل بأمر تعقبها أيعقل تسللت من أمامه؟ ولكن الطير الخاطف لا يمر إلا وقد علِم كم مرة رفرف جناحه كيف استطاعت تخطيه كيف؟

تنفس القائد بغضب مفجع ليمسح على وجهه:"والضحية كان أيوب الركيزي، لأن القنبلة الموقوتة كانت بسيارته ظناً منهم إنها بتجي فيها ماهو معقول بإنهم كانوا المجاهدين السبب"

أجاب هشام-سرمد-بنبرة هادئة رافعاً رأسه بإحترام:"يستحيل ذلك سيادتك، القنبلة اللي كانت مزروعة بالسيارة كانت قنبلة موقوتة يعني بأن فترة بقاءها بدون إنفجار ساعتين فقط كحد أدنى، وأيوب من لحظة وصوله مع إبنة الوزير كان في حدود القصر، وسيارته طوال اليوم كانت متواجدة بموقف السيارات بالقصر مما يعني بأن المتسبب بذاك الإنفجار هو أحد المتواجدين بالقصر سواءً من الكادر العسكري لدولة العدو المتواجد بأطرافه أو من أتباع الوزير "

تنفس القائد-جهاد-بعمق مشيحاً بنظره يقلب الأفكار برأسه يبحث عن وجهة يرسي عليها بذلك المنفى بينما بقية أعضاء الفريق يترقبون بصمت شديد قبل أن يهتف عمّار بكل قوة:"سيادة القائد"

التفت القائد بتوتر بسبب صرخته واتجه بكل عجلة للشاشة الكبيرة بعدما عرض عمّار أحد الفيديوهات المسجلة من آخر كاميرا مراقبة قبل أن تختفي الرؤية بسبب الشارع الرملي.

وقفوا جميعهم بذات اللحظة، فاغرين الفاهة مصعوقين عندما فُتحت أبواب السيارة بذات اللحظة وتساقط جسدين منها على الرصيف في حركة مرعبة ومنظر تدحرج أجسادهم وانطلاق السيارة فارغة بدونهم كان مخيف جداً، إلى أن مرّت دقائق قليلة قبل أن تنفجر السيارة مخلفة خلفها الكثير من الذهول والدهشة!!.

كانوا يرمقون الأجساد الملقاة على الأرض بصدمة حتى أن عاصي-برزخ-هتف بذهول: "هذا الزيّ الرسمي لدولة المحتل، وش قاعد يصير؟ "

تأكدوا بالفعل بأن هذه الشخصية قائد بالجيش العسكري للعدو ولكن وجهها كان غير واضح أبداً؛ بسبب القبعة ولأن الشخصية كانت تغطي وجهها بيدينها بحرص شديد، بينما بالجهة المقابلة كان الوشاح الوردي الذي تثبته بحرص على رأسها دليل كافي بأنها فتاة.. بل بأنها سكُون إبنة الوزير ! .

التفتوا جميعهم ناحية القائد الذي أخفى بسمة ملحة ببراعة شديدة مثبتاً يديه خلف ظهره ومتنهداً براحة: "كل المهم إن إبنة الوزير بأمان هاللحظة، أكيد إنهم راح يستخدمونها كورقة ضغط لأبوها بشكل أكبر بالتالي ذاك راح يخون ويغدر أكثر وأكثر ويتلاشى حتى فُتات الوطن!
لذلك لا يمسّها خدش إلا ويكون عندي علم قبل يمسّها، مفهوم!!"

"- مفهوم.."

قيلت بصوت واحد وثابت بينما القائد أكمل بهدوء: "طوفان.. انتقل للمكان اللي تتواجد فيه سكُون بهذه اللحظة، راح يرسل لك شواظ احداثيات الموقع وأمّن سلامتها"

"-عُلم وينفذ "

قالها بكل عزم وهو يغادر المكان بخطوات ثابتة غير عابئ بالتوتر الذي يملأ المكان بل حريص أشدّ الحرص أن يصل لمكان تلك الفتاة على وجه السرعة!
*
تقف بوسط العيادة شاخصة البصر بوجه شاحب مليء بالكدمات وقلب ينتفض مذعوراً ، مازالت آثار الرعب على ملامح وجهها تتضِح، عاجزة حتى عن إزدراد ريقها وهي تحاول جاهدة مقاومة كبح دموعها بصعوبة.

أما تلك الأخرى فقد سحبت علبة لاصقات الجروح وفتحته بفمها وهي تلفظ طرف الكرتون منه بكل عشوائية، سحبتها وألصقت اللاصقة على الجرح بباطن كفها نتيجة احتكاكه بالأرض أثناء سقوطها، رفعت رأسها تتأمل تلك المصعوقة أمامها ببرود شديد قبل أن تتمتم بإقتضاب: "سكُون.. تخطينا الموضوع هدي أعصابكِ!"

وكأنها كانت تحتاج نقرة زر فقط لتنفجر بالبكاء العنيف ،تهوي جالسة على الأرض تُغطي رأسها بيديها ، ترثي نفسها وخوفها لساعات طويلة مع تلك المجنونة
تنهدت عواصف بضيق غائر وأخذت تنحني ، تحتضنها بلطف شديد.. تربّت على كتفها وتهمس:"أنا آسفة، كنت مضطرة والله"
اعتصرت عيناها بكل قوة فانهمرت كل الدموع المالحة متذكرة اللحظات الأولى لركوبهم السيارة ضحكاتهم المختلطة وأحاديثهم السمحة قبل أن تعقد حاجبيها تتسائل عن الوجهة بسبب الطريق الرملي أمامهم؛ فبادرت بالسؤال عنه ولكن عواصف قالت باللحظةِ ذاتها كأمرٍ قطعي: "بعد العد لثلاثة، افتحي الباب وإرمِ نفسِكِ منه"

التفتت للخلف بكل قوة وعندما لمحت البذلة الرسمية الخاصة بأيوب معلقة في طرف السيارة حمدت الله، سحبتها بحركة سريعه وألقتها على سكُون هاتفة بكل قوة: "لفيها على راسكِ بسرعة سكُون مافيه وقت ! "

كانت مصعوقة ولم تتبيّن جديتها من هزلها خصوصاً بغرابة طلبها ولكن تلك لم تمهلها لحظة للتفكير، كانت قد عدّت للثلاثة وهي تفتح باب السائق وتدفع نفسها بكل قوة بينما سكُون أيقنت بأن الموضوع-جِدي فعلاً-فألقت بنفسها خلفها بلا تفكير حتى تغطى جسدها بالكدمات والجروح والتي لم تكن معتادة عليها أبداً!

أما تلك فقد تخطّت الصدمة ورفعت رأسها بكل قوة، تسمع دوي الإنفجار ،والرياح العنيفة التي هبّت على المكان بسبب قوة الإنفجار!
كاد عقل تلك السكُون أن يزيغ من شدة الذهول ولم تتوقع بأن يزورها بلحظة وصولها هذا الموقف المخيف لذلك فقدت وعيها من شدة الرعب.

أما عواصف كانت تتأمله بنظرات هادئة محللة لكل التفاصيل غير عابئة بأي جرح بجسدها لاعتيادها على ذلك.

عادت للحظة وربتت على ظهر سكون، تهمس بضيق من جديد: "يكفي بكاء يا بكاية، تخطينا الموقف بسلام مايحتاج منكِ كل هالإنهيار"

رفعت رأسها ورمقتها بغيظ لتهتف ببراءة: "مايحتاج مني انهيار؟ عواصف إذا كانت حياتكِ كلها بالجيش و بوطننا اللي من لحظة بناء أول حجرة فيه وهو بحالة حرب فأنا مابعمري سمعت صوت طيارة حربية حتى ، كيف تبغيني أستوعب فكرة بإني كنت بسيارة ملغمة ولولا لطف ربي لكنت محترقة هاللحظة ؟ لـ.."

ذابت الكلمات بحلقها بسبب ذاك الكيان الذي بات يخيفها ويؤرقها وهو يقف أمامها بصمته المخيف وهدوءه الذي يجلب للروح الرعب غير مستوعبة فكرة بأنه-علم مكانها بكل بساطة- بعد أصناف الرعب الهائلة التي أكلها قلبها.

عقدت عواصف حاجبيها بعدم فهم لسبب صمت سكُون فرفعت رأسها بعفوية تبحث عن السبب وعندما لمحت طرف بذلة سوداء رسمية حتى أيقنت أنه أحد حرس الوزير همت بالإقتراب من سكُون وهمست برجاء :"لا أحد يدري إني كنت معكِ يا سكُون، غطي على وجودي ودبري أيوب بمعرفتكِ "
همست بهذا الكلام وانتفضت واقفة تشيح بوجهها عنهم وتبتعد بخطوات سريعة وواثقة عن مكان وقوفهم غير مهتمة بفكرة بأنه قد يتبعها أو لا، تود فقط الإبتعاد عن أي شخص ينتمي للوزير إلا إبنته بالطبع !.

والآخر أصلاً لم يفكر حتى بالركض خلفها، كان مازال قابع بصمته المبهم أمامها بحُلته السوداء ونظاراته التي تخفي حكايا عينيه وإنفعالاته عنها
لفت يديها على جسدها بحركة دفاعية ، تتأمل هدوءه وهمّت بالقول برجفة: "كيف عرفت بمكاننا؟ هالعيادة بعيدة جداً عن القصر ! "

صمت مخيف يلف المكان عقب كلامها فأخذت تخفي وجهها من جديد داخل يديها تبكي مرة أخرى تفرغ طاقة الرعب من داخلها تحت نظراته الصامتة وملامحه الهادئة برغم صوتها المرتجف وهي تتلو على نفسها مخاوفها: "أنا خايفة، خايفة وحيل من الحياة اللي تنتظرني هنا
برغم قتالي الشرس وغضبي لأجل أرجع لفُتات الوطن هذا .
هل يخاف الإنسان من وطنه؟ من حياة يعيشها فيه؟ أنا أضعف من إني أعيش هالموقف من جديد لو عشته بموت بذات اللحظة، أنا خايفة من وطني.. يارب هالشعور كيف بعيش معه؟"

بكت لدقائق طويلة ترثي بها خوفها وشعورها بينما هو يقف بذات النقطة وعلى ذات الهيئة يبدو غير مهتم أبداً بحالتها العاطفية هذه، وبعد تلك الدقائق وقفت بصعوبة تترنح من شدة التعب، تكتم آهات متوجعة بسبب الكدمات والجروح التي تطفو على جسدها.

ولأول مرة منذ لحظة وقوفه يتحرك فعقدت حاجبيها ، تراقبه بترقب شديد لينزع عنه جاكيت البذلة ويتجه لها وهو يقف على بعد خطوات منها ويمّد لها الجاكيت بصمته فاشتدت عقدة حاجبها بتساؤل ورفضت أخذه، أشار بإصابع يديه بكل برود (هذا لستركِ وليس للتقرب منكِ)

غضبت بعنف من إشارته ولكنها أنزلت نظراتها تتأكد من محتوى كلامه وعندما لمحت طرف القميص قد انقطع وظهرت ملابسها السفلية الشفافة حتى شهقت تسحب الجاكيت بكل قوة وتندسّ بداخله بعجلة برغم اهتزاز جسدها من الوجع واختلال توازنها للحظات قليلة
رفعت رأسها وهتفت بعنف :"لمحت شيء ؟"

والجواب كالمعتاد صمت طويل فتأففت بضجر تمسح على وجهها بيدينها المرتجفة، مشت بخطوات مهتزة أمامه تتعثر باللاشيء ولكنها لم تتلقى منه مساعدة أبداً برغم إنها كادت مرتين تسقط على وجهها من شدة مقاومتها للإنهيار، لم يمد يده أبداً احتراماً لدينه وذاته ولها فكان يمشي بصمته الصدوق أمامها وعينيه بالأرض تارة وتارةً يرمق الطريق بهدوء..
قبل أن يختل اتزانها أمامه ولكن هذه المرة تقدّم خطوة واسعة، يلتقطها بذراعه عندما أيقن بأن هذه المرة لم تفقد اتزانها فحسب بل فقدت وعيها.. من جديد.
*
صمت عنيف يجتاح المكان، كعادة أي مكان تطأه قدماه، يقِف أمام الغرفة بذات الوقفة الثابتة بساعدين معقوفين لصدره ونظرات هادئة.

بعدما فقدت وعيها اضطر لحملها لأن العيادة كانت خالية من تواجد الممرضات لبعدها عن العاصمة، ولعدم مقدرته على الصراخ أو معرفة تواجد أحد سواءً من صوته أو خطواته
ارتفع جسدها عن الأرض واحتوتها ذراعيه وهو يتجه بكل عجلٍ لأول غرفة رآها فارغة، تركها على أحد الأسرة ، يسحب ورقة ويكتب عليها عن حاجته لطبيبه
واتجه بها للمكتب الثاني وفي اللحظة التي وصلت بها الورقة ليد الطبيبة لبّت النداء وأسعفتها.

انخفاض في الضغط، بسبب الصدمة التي تعرضت لها والرعب الذي عاشته.

بعد لحظات بسيطة تلاشى الصمت بلحظة خاطفة ، خطوات عنيفة تدكّ الأرض، و برغم الضوضاء العارمة التي غزت سكون المكان الملائِكي إلا أنه لم يُحرك ساكناً يقف كتمثال حجري عتيق، لم يرتدّ له جفن حتى عندما أمسك الوزير بتلابيبه، يسحبه بعنف ويضربه على الجدار بكل قوة وبرغم فرق الكتلة الجسدية الهائلة إلا إنه ترك له حرية تحريكه بكل بساطة، كان يهتف بعنف صارم:"وين بنتي؟ وينها وكيف عرفت مكانها وكل رجالي كانت يدينهم مربطة
وينها يا رأس الكلب؟؟ ، زوجها ينتحب بالبيت مثل البنية وانت اللي لقيتها يا الأبكم، كيف فهمني كيف؟"

كانت ملامحه تميل للتوجس وهو يرمقه بصمت فاهتز ذاك أكثر يدفعه عنه بكل قوة ويمسح على وجهه بغيظ.

دخل بعجل للغرفة وعندما رآها تجلس على الكرسي وتميل برأسها على الزجاج حتى أصدر تنهيدة عميقة من وسط جوفه كابحاً جماح دمعه المالح بكل قوة، كاد يفقدها! يا الله في اللحظة التي كان بها سعيد بأن شوقه لها سينحسر وستُصبح قريبة منه لحد الإحتضان كادت تحترق !
في اللحظة اللي انتشلها من بلاد العدوان وقرر وأخيراً أن تعيش هنا.. في بلدها المحتل
كادت تذوب وتتلاشى! أي وجع هذا الذي يتطلب مئة رئة لأجل أن تتحمل كل هذه التنهيدات الحارقة !

التفتت بعد مدة من استيعابها لحضور الوزير وابتسمت تقول بهدوء" أيوب.. وش حصل لأجل يفكرون يتخلصون منه؟ وكنت بأموت بدلاً منه لولا عواصف؟"

عواصف.. تلك الرائد اللعيـ... لا يا حضرة الوزير تلك المنقذة التي سحبت ابنتك من على رأس القنبلة!!
أخذ نفس من جديد مقترباً منها يحاول احتضانها لتبتعد عنه برجفة تلتصق بالنافذة
عقد حاجبه من تصرفها الغير مفهوم بينما هي همست بذات الإرتجاف :"يبه، أنا .. أنا متعبة جداً
وكل هذا الاستقبال اللي أنتظرني أهلك
كل قدرتي على التحمل لأجل كذا أعذرني"

نظر لها بضيق قبل أن يتلاشى فجأة هامساً بـغضب متجاهل خوفه الذي كاد أن يُحرق روحه قبل لحظات بسيطة "الأبكم ، كيف عرف مكانكِ بينما أنا الوزير جهلته، وكنت بحرق هالأرض فوق هلاكها لأجل ألمح طرف خيط من فتلة إنكِ بخير وما احترقتِ"

نظرت له بصمت للحظات قبل أن تتذكر حوارها - بالإشارة-معه قبل حضور والدها
عندما سألته بكل وضوح (كيف عرفت مكاني؟)

كان جوابه بذات البساطة ومن غير تعقيد، أخرج أحد الأجهزة من جيبه وهو يتقدم منها ويتركه أمامها على طرف السرير بعيون تغض النظر عنها
استلّته بعجلة ترمق الممرضة بنظرات هادئة قبل أن تعاود الرجوع للخلف وهو بيدها، عقدت حاجبها بصدمة عندما لمحت الإشارة التي تومض بذات المكان ورفعت رأسها وكادت تسأله شفهياً لولا إنها تداركت نفسها بآخر لحظة وأشارت له بذهول (هذه النقطة الحمراء أنا ؟)

اكتفى بإيماءة رأس خافتة فشهقت بصدمة ، تلمح نقاط كثير غيرها وكل نقطة مكتوب عليها رمز معين تدل على هوية الشخصية كأيوب-ay-
وكل حرس الوزير وحتى كل أقرباءه من أول درجة يكتفون بأول حرفين لهم كرمز بينما هي كان الرمز الدال عنها -رمز جوهرة صغير يومض باللون الأحمر وكأنها زمردة -التفتت له وكادت تسأل عن كل هذا العبث الحاصل بهذه الدولة
متى أصبحت لديهم القدرة على مراقبتها ومعرفة تحركاتها ولم تمر سوى يومان فقط لحضورها ؟؟؟

ولكنه انحنى والتقط الجهاز من يدها بكل بساطة يدسّه في جيبه بهدوء بعدما لمح عدد لا بأس به من جنود الوزير ينتقلون بذات اللحظة والأكيد بأنهم متجهين لهذه العيادة بعدما أرسل لهم رسالة عن مكان تواجد إبنة الوزير!
خرج بذات الصمت فتوجست الممرضة ، تقول بهدوء حذر:"تحتاجين أبلغ عنه؟"

ابتسمت بسخرية من ستبلغ عنه
دولة المحتل والتي أصبحت قوانينها تسري على الأغلب هنا؟ اكتفت بالنفي وهي تتنهد بوجع .

أما الوزير عندما سمع طريقة معرفة الأبكم - حارسه الشخصي الأمين منذ خمس سنوات كاملة- ابتسم بفخر بعدما نسى أساساً هذا الجهاز والذي كان يُركن بغرفة المراقبة، من شدة الرعب لم يخطر بباله أبداً ولأن هذا الجهاز لم يكن يعرف بوجوده سوى الوزير والأبكم .. فقط !


مع ذلك.. الوزير كان غاضب وبشدة، ويحتاج لكي يفرغ طاقته من فكرة أنه وعائلته مستهدفين والمتهم؟ خانة فارغة!

التفت ورمق كل رجاله بنظرة غاضبة حتى سقطت على حارسه الشخصي الواقف بثبات واثق أمام الباب بملامح لا تنمّ عن أي شعور.

لطالما كان هذا يجرح كبريائه، فالكل يرتجف في حضرته. يرى الخوف والرعب جلياً على وجوههم بينما ذاك الأبكم كان دائماً يستقبله بالثبات وعدم المبالاة وهذا ماكان يبغضه منه، لذلك وفي هذه اللحظة بالذات كان هذا أهون الأسباب لأجل أن يفرغ غضبه به
والسبب الأكبر أنه بكل بساطة استلّ نفسه من بين رعب الكل واتجه لوحده لابنة الوزير بدون حتى أن يطمئنه أو أن يُذّكِرُه بوجود هذا الجهاز المعتوه! أشار بكل بساطة أن يتبعه بعدما إطمئن أن ابنته توجهت للقصر مع عدد لا بأس به من الرجال وعينيه لا تبارح السيارة التي تحتضنها، بينما هو كان بالسيارة الخلفية لها، الوِجهة القصر ! ولكن ليس لقصر الزهُو والعظمة!
بل لسرداب القصر المظلم والكئيب !

تبعه الأبكم بذات اللامبالاة بعدما أيقن أن الوزير بهذه اللحظة.. نوى معاقبته - كالمعتاد- إذا ما نفذ الأوامر من تلقاء نفسه بدون الرجوع للوزير لتأكيدها ! .
*
*
توقفت أمام باب القصر الأبيض تحتضن نفسها بكل هدوء بعدما لمحت والدها يتجه مع ذاك الرجل البغيض وحفنة من رجاله ذوي البنية القوية إلى خلف القصر! مازالت تذكر كلمات والدها بأن للقصر سرداب وله ممر من خلف القصر ولكن لما يذهبون له الآن؟ وهو من قال أن ذلك السِرداب بيت الفئران ؟

أخذت نفس بصعوبة تؤنب نفسها على مرور فكرة بأنها - تود إكتشاف سبب ذهابهم للسرداب بهذه اللحظة-
واتجهت لـ داخل القصر تخفي رجفتها بصعوبة بعد مشوار صعب جداً تأملت به خراب بلدٍ لم تتوقع انهياره لهذه الدرجة، كانت تعتقد بأن المحطات الإعلامية تكذب! وأنها فقط تضخم الدمار برغم تزييف المحتل وتزيين البلد في قنواتهم.. إلا إنه على أرض الواقع مرعب !

توقفت خطواتها ، تغمض عينيها بكل قوة قبل أن تدفعه عنها بغيظ هاتفة بحنق :"أيوب، بكل مرة أقولك لا تتعدى الحدود بيننا"

تنفس براحة لسلامتها وأخذ يقول برجفة :"انتِ سليمة صح؟ الحمدلله كنت المقصود يا سكُون، كنت بأموت لولا تلك الرائد اللي أصرت على أخذ سيارتي، وكنتِ بتموتين بدلاً مني!
الحمدلله ربي ستر، والله يقدرني وأعرف من المتسبب بكل هالبشاعة لأجل أنتقم منه".

تنهدت باضطراب لترمقه بصمت :"أي مصيبة سويتها هالمرة لأجل يكون عقابك كبير مثل قنبلة بوسط سيارتك يا أيوب!!"

انفجر الغضب من عيناه بشكل مخيف وكاد أن يبطش بها لولا إنه عاد خطوة للخلف يستدرك ذاته، يضغط على طرف الدرج بغضب :"أنا ما سويت شيء، وتعرفين احنا المظلومين هنا احنا ببلد الحكومة والمحتل فيه ضدنا، ومهما حاولنا سحب كل الطرفين لنا ما قدرنا"

نظرت له بضيق وهي تتخطاه بينما هو تأفف بضجر لينحني برأسه على طرف الدرج ويدكه بكل رفق هامساً بـ رعب :"معقولة، هي السبب؟ وتورطت فيها؟"

برغم إنها سمعت همسه إلا إنها لم تهتم فقواها خارت ولم تستطع أن تكمل بقايا خطواتها على السلم، كل هذا كثير جداً عليها في يوم واحد.
جلست على إحدى الدرجات تحتضن رأسها تحاول كبح لجام تلك الفكرة المتعبة، كونها بهذه اللحظة تحتاج للراحة فقط وليس لشغف الإكتشاف والمغامرة !!!
بعدما مرت دقائق معدودة كانت قد سمعت صوت والدها الوزير يرنّ بأرجاء القصر وبعد صوته لمحته يمر من أمام الدرج وخلفه رجاله، ولكن لحظة ذاك الأبكم،غير موجود !
وما هو الذي بأيدي والدها والذي يمسحه بقطعة قماش بيضاء.. دم!!!

عقدت حاجبها بعدم فهم ورعب، موقنة بأن ذاك الرجل لا يفارق والدها إلا لمهمات أُخرى يكلف بها منه، لأنه حارسه الشخصي والمُكلف بحمايته، فأين هو بهذه اللحظة ؟

تناست التعب، تقفز من مكانها قفزاً وأخذت ترمق المكان بنظرات متفحصة لكل أركانه
نزلت بكل خفة عندما لمحت خلو المكان من أي حارس
ولكن بعد لحظة وسعت خطاها بكل قوة لتختفي خلف الستار الكبير لإحدى النوافذ المفتوحة بصالة إستقبال القصر بعدما مر عدد من الرجال يرتدون بذلات رسمية وأيديهم تحتضن حقائب وأوراق أيقنت بعدها أنهم مسؤولين كِبار بالدولة جاءوا للتحقيق فيما حصل.خرجت بعد لحظات، تتقافز من شدة الذعر مع ذلك كان شعور الخوف والرجفة بقلبها لمعرفة ماحصل وذاك الدم بكفوف والدها من أين مصدره؟

استلّت جسدها بكل خفة من أمام أنظار الحرس،تلتف من الجهة الثانية للقصر وتتجه لذاك السرداب ، كان خالي من أي حرس أو مراقبة فخافت أكثر ، ماذا يحصل بحق الله !

إرتجفت خُطاها وكادت أن تغادر مسرعة بسبب الذعر ولكنها تحاملت على ذاتها واقتربت بخطوات متعثرة تسترق النظر للمكان لعلها تلمح سبب هذا الشعور، الشعور بالقلق والخوف بدون سبب !
دخلت من باب السرداب ونزلت درجات السلم بحذرٍ شديد، ومع كل خطوة يشتدّ الظلام أكثر وأكثر وقلبها يزداد الخوف به أكثر، وأثناء نزولها درجات السلم تخطّت درجة فاختلّ توازنها وسقطت متعثرة بآخر درجتين فدوى صوت ارتطام جسدها بالمكان، وصوت صرختها الملتاعة تعالت أكثر.

التفت لها كل المتواجدين في المكان في ذات اللحظة، إلا شخص واحد كان ظهره لها وهو يضغط على الجرح بيده بكل قوة لعل الدم يتوقف، رفعت رأسها بصعوبة ترمق المكان بحذر
ولكنها أطلقت شهقة عنيفة كادت تخرج بها روحها وهي تلمح أولئك الرجال بدمٍ ينكسب سكباً على أجسادهم بل بنظرات مرعبة! تركت جسدها يرتجف من الرعب
قبل أن تلتفت وترى ضالتها يقف يُهديها ظهره
يا الله.. ذاك الظهر الثابت والقوي والمتوشح بالسواد طيلة الوقت
أيحمل كل هذه المآسي على متنه؟ قبل أن تكمل تساؤلاتها كان باب السرداب قد أُغلق بكل قوة
وصوت إغلاقه دوى بالمكان تزامناً مع أحد الرجال الذي قال :"يبدو بأن نوائب الدنيا دارت هذه المرة بكل سرعة! وعجلة الدنيا اللي كانت بيد الوزير قبل لحظات وهو يضربنا بالسوط صارت بيدينا! والله لو بعرف إني بموت بعد لحظة من شفي غليلي منه ما توانيت عن الي برأسي هاللحظة! "

قال هذا الكلام على مسمع ثلاثة رجال يقفون بجانبه .. و يا للعجب كلهم اتفقوا على كلامه بعد الذل الذي مارسه عليهم الوزير قبل لحظات، لا لسببٍ عظيم ولكن ؛لأن معالي الوزير كان يحتاج أن ينفّس عن غضبه فاختارهم !

اقتربوا منها بكل خبث إلا آخرهم ، كان يقف بذات الجمود والصمت حتى بعدما تعالى صوت تلك المفجوعة برعب في أنحاء السرداب العازل للصوت، المظلم إلا من ضوء خافت كان السبب برؤية وجهها..

ثبّتها الأول من ذراعيها يبتسم إبتسامة الخبيثة وبرغم آثار الإعتداء الواضحة على جسده ويسطرها الدم النازف من بكل بقعة به إلا إنه لم يتوانى عن التصريح بكل عنجهية :"هذي الي وقفنا نستقبلها على قدم وساق ؟ وبقينا ساعة كاملة واقفين بالشمس نحترق من شدة اللهب ممنوعين من الشرب أو حتى الإنحناء لحين وقت تشريفها؟ معقولة!"

ضحك الآخر مقترباً وممرراً اصبعه على وجنتها قائلاً :"بس تستاهل صح ؟؟ والله مستعد أوقف ليالي بدون راحة في سبيل ساعة وحدة بس معها"

تبسم يقف وهي تتلوى بعنف، تبكي، تصرخ بأعلى الصوت وصفهم القذر، كلماتهم المسمومة لها وملامستهم لجسدها تكاد تقتلها.. أي مصيّبة جركِ إليها خوفكِ وفضولكِ يا إبنة الوزير !
ثبتها بكل قوة، يدفع بطرفها العلوي له متمتماً بكل قبح :"خذها هالساعة لك، وبعدها هو واخر واحد أنا لأن ليلي معها طويييل ومابي أحد يستعجلني ! "

ضحك ذاك بفجاجة وكأنه ألقى نكتة على سمعه بينما الآخر أشار على الواقف بصمت خلفهم يدعك جرحه وغير متنبه أبداً لموقفهم :"خله منك ، أبكم وأصم كيف بيستمتع؟ ما يكفي إن صوت عويلنا سُمع من البلاد المجاورة بينما هو يتلقى الضرب بصمت وبدون نفس واحد بس؟؟؟ ماله ضريبة للوجع مثلنا وبعدين هو .."
سكت بصدمة عندما استلّت نفسها فجأة من بين أيديهم وحاولت صعود السلم، تبكي برعب ولكنه تمّسك بقدمها وسحبها بكل قوة فرفعت قدمها الثانية تضرب بها رأسه ويده التي تمسك بقدمها فانتزع حذاءها وسقط، وسقطت هي بعده بسبب سحبه لها من جديد بين ذراعيه فبكت هلع،
بكت ذعر من الوحوش البشرية الذين يرمونها على بعض بدون ذرة رحمة برغم توسلاتها بصوتها المنتحب الذي يُمزق نياط القلب : "دخيلكم، دخيلكم لا تقربون علي، لا تنجسوني، ياويلكم من الله ويلكم من عقابه
يا كلب يا حقير بعّد عني، الله يشلّ يدينك.."
ضغط على جرحه بكل قوة قبل أن يلتفت بعشوائيته المعتادة وبملامح هادئة لا تنم عن أي شعور، وعندما لمح المنظر البشع أمامه حتى عقد حاجبيه بتوجس وتحولت ملامحه للغضب المفجع
وبرغم غياب عينيه عن مرأى أنظارهم بسبب تلك النظارة التي قد انحنى قبل لحظات والتقطها مُخفياً عيناه خلفها إلا أن ملامحه كانت تكفي كي يفهموا أنه-معترض تماماً -لهذا الفعل!

رمى المنشفة البيضاء يشير بيديه ( توقفوا عن هذه المهزلة ) ولكن لا أحد منهم فهم تصرفه
بل لم يُعيروه أي إهتمام وهم في خضم أحد أبشع الأحداث على وجه هذه الأرض، اشتدّ غضبه وزاد غيظه ليقترب منهم ويشير من جديد بيديه، يرى تألمها ويشاهد ملامحها المفجوعة (قلت لكم توقفوا.. فالعواقب لن تُحمد عقباها )

ولكن لا مستمع ولا مشاهد لإشاراته وهي تتلوى وتناديه لعله يترك الوقوف والإشارة لكلاب لا تفهم مثل هذه التصرفات !
لم يحرك ساكناً إلا عندما انتزعوا حجابها فشقت صرختها المكان من شدة حدّتها وبكاءها يتردد صداه في المكان،وعند هذه النقطة نزع عنه رداء التحلي بالحكمة وهبط للأسفل يسحب الأول من الخلف ويضربه بكل قوة على مؤخرة رأسه حتى فقد وعيه
بينما الآخر وقف بإضطراب والغضب أخذ مجراه فقال : "خذ ساعتي الأولى لما أكسر عظام هالأبكم"

بعد جملته كان قد اقترب خطوة واحدة قبل أن يرتد بضعفها للخلف بسبب قدم الأبكم اللي اخترقت صدره بعدما ضربه بها بكل قوة
ارتفع من جديد يودّ رد الضربة ولكن الأبكم عاجله بضربة أخرى على وجهه ثم على منطقته السفلية فانحنى يصرخ من عمق الوجع!

عندما رأى الخبيث المنظر الكارثي أمامه أخذ سكون بين ذراعيه يقول :"اسمعني زين يا الأبكم فكّر فيها صح، باخذ أنا الساعة الأولى وباقي الوقت كله لك، خذ انتقامك من أبوها على عمايله السوداء فيك، يكفي إن جسدك صار مشوّه على يدينه ويكفي إنه بكل مرة يفرغ غضبه على جسدك، هذا جسد بنته صار بين يدينك، ذلّه مثل ما ذلّك"

تنفس بعمق ، يشيح بنظره للحظات قبل أن يقترب ويرفع يديه ويشير لها بلغة الإشارة(لا تخافي أنا هنا .. أريد منكِ الإنحناء برأسكِ عند إشارتي حسناً؟)

هزت رأسها بقوة فغضب ذاك الرجل وشدد على الإمساك بها هاتفاً بغلّ :"يا خسيس طلعت تفهم إشارتك، وش قلت لها فهمني؟
بتتخلص مني وبتاخذها لك لوحدك صح؟ والله ينخاف من المريضين أمثالك"

نظر له الأبكم بصمت للحظات يحسب حساب الخطوة بشكلٍ صحيح، قبل أن يتقدم خطوة صريحة فعاد ذاك للخلف بغضب يصرخ عليه بكل قوة أن لا يتقدم باتجاهه ولكن الأبكم لم يكن يستمع لصراخه ولم يأبه لغضبه
كان يتأمل فقط دمع تلك وهيئتها التي أصبحت ترثى لها حتى اصطدم بالجدار فصرخ بعنف، يهتف :"ارجع وراء وإلا قسماً بالله.."
أشار لها لتنحني فانحنت بسرعة البرق بدون أن يكمل الإشارة حتى، فاقترب الخطوة الفاصلة ليلكمه على وجهه ليختل توازنه ويفلتها من يديه بوجع، يمسك أنفه بعدما تفجر النزيف منها، انهارت مصعوقة على الأرض وخانتها قواها فبدت تزحف على يديها وصوت نحيبها يشتد أكثر.
بينما الأبكم كان يرمق الحارس بنظرات هادئة حتى استعاد توازنه ،إنقض على الأبكم ودخلا بعراك موجع لكلا الرجلين كونهما كانوا قبل لحظات بسيطة فقط تحت وطأة التعذيب وجسديهما لم يتحملا، ولكنه قاوم وعنّف وضرب بكل قوته وكأنه يفرغ شحنة غضب هائلة، دمّره حتى خرّ المعتدي صريعاً على الأرض يكابد الوجع مكابدة!
التفت بعدها، يقف بصعوبة بالغة،يكتم تأوهات عنيفة بسبب الجِراح التي ملئت جسده، وعندما لمحها تستند بجذعها على جانب السلم ،اتجه لها بخطوات مُهتزة لينحني ويلتقط حجابها الوردي ويتقدم لها حتى وقف أمامها ومدّه لها ولكنها لم تتناوله منه! استنكر ذلك لأنه كان يغض البصر عنها فاضطر أن ينظر لها حتى يتأكد من وضعها
أغمض عينيه بكل قوة ليتنفس بعمق، مابال هذه الفتاة متى ما حلى لها الوقت فقدت وعيها؟

انحنى بجسده على طرف السلم حتى استند بظهره على آخر درجة يحاول تغطية شعرها بدون أن يلمسه أو أن ينظر له حتى، مشقة عظيمة تكبّدها وهو ينازع بسبب وجعه وبسبب ذاته وهو يرمق طرف جاكيته الذي مازال عليها، عندما كاد أن يكمل ترتيب الحجاب انفتح باب السرداب فجأة وبدون سابق إنذار ، وظهر وجه الحارس الخائف وعندما لمحهم صرخ برعب :"سيدي الوزير ، لقيتها!"

فجأة دُفِع ذاك الحارس للخلف وظهر وجه الوزير واقفاً أمام الباب ، ولكن المنظر الذي لمحه لم يكن المنتظر أبداً !!! عيناه شاخصة وعقله يدق نواقيس الخطر وقلبه يكاد يهوي من فرط الصدمة والذهول !

ابنته بملابس ممزقة ووجه شاحب باكي والدم يسيل بجانبها كمد وجزر من شدته ، وبجانبها يقف رجل منهك بجذع عاري ويد تلامس شعرها وحجابها .. لم يكن أي رجل ! كان رجل قبل لحظات يُجلد بالسوط على يديه هو ! أي عقاب عُوقب به ! أي غدر لقاه ذاك الوزير حتى أُنتهكت إبنته على يد حارسه الشخصي بعد تعذيبه!
*
*
تسمع أصوات همهمات بدت غير مفهومة لها الصوت بعيد جداً والكلمات غريبة ولكن النبرة كانت حادّة، تحاول إزاحة جفنها عن عينيها ولكن بلغ منها التعب المقدار الذي عجزت بسببه أن تفتح عيناها حتى، كانت تشعر بإرتخاء كل أطرافها عاجزة حتى عن تحريك أصغر أصابعها
ولكن الأصوات الحادة التي تقترب منها أجبرتها على المقاومة والمحاولة مرة بعد مرة حتى استطاعت فتح عينيها بصعوبة، أدارت عينيها الشهلاء بالمكان بإستنكار
هذا سقف غرفتها المنشود، كيف وصلت إلى هنا؟ وآخر محطة لها كانت.. كانت!!

ارتفع جسدها بكل قوة و كأنها لم تكن عاجزة قبل لحظات ولكن ذكريات الرعب التي طفت بعقلها كانت مخيفة. رمقت المكان بهلع ثم نظرت لملابسها النظيفة والمرتبة بل لأنبوبة المغذية التي فوق رأسها وأغمضت عيناها بكل قوة تحاول تذكر ماحصل.. ولكن ! لا شيء.

وقفت بصعوبة تستند على الباب،تحاول استراق السمع ومعرفة هوية أصحاب الأصوات الحادة والتي اختلطت ببعض بشكل مخيف.
عقدت حاجبيها بوهن جديد عليها لترهف السمع أكثر حتى وصلت لإذنها بعض الجمل اللي تهاوت ساقيها بسببها (تظن لأنك الوزير يا خالي بنتغاضى عن العُرف والتقاليد؟ لا قسماً بالله ما أغض الطرف عنها وبنتك لو بيكتمل زواجي منها ما بيكتمل غير بالإثبات اللي بشهره بعيون الكل)
(-مجنون انت فهمني؟ أقولك بنتي شريفة طاهرة وهالكلب ماقرب منها والدكتورة اللي كشفت عليها أكدّت الكلام فاترك عنك الخوض بهاللجة يا أيوب قبل تضغط على أعصابي أكثر وانفجاري بيكلفك كثير)
(-بس يا خال اللي تقوله..)
(-أيوب!!! أقولك أكرمنا بسكوتك وحسّك لا ينسمع بهالمسألة من جديد، بنتي ما تطولها الدناءة ولا عادات ولا تقاليد توقف ضدي لأجلها.. وهي بنفسها بتأكد على صحة كلامي خلها بس تصحى من نومها اللي مر يومين عليه والأبكم الدنيء اللي قرب منها للآن معلق بساحة القصر الخلفية، وماراح أفك وثاقه حتى يموت جوع وعطش وقهر معلق على العامود ثم تأكل الطيور جسده!!)

عند هذه النقطة أغمضت عيناها بكل قوة تحاول فهم ما يدور على سمعها والذي مر على عقلها مرور الأثير..امتزجت الأفكار واختلطت الكلمات وتفجرت الأوهام بكل مكان برأسها تحاول فهم الجمل التي غزت على سكون أفكارها.
وكل الذي توصلت له من كل هذه الجمل واستطاعت استيعابه هذه اللحظة (الأبكم الدنيء اللي قرب منها مصلوب بـ وسط الحديقة، مرّت يومين على فقدها لوعيها)!!شهقت بالتياع والصدمة شلّت أطرافها تضغط على رأسها بكل قوة (قرّب منها؟!)هذا مُنقذها وحاميها وهذا آخر ما تذكره!
ما الذي حصل وقلب الموازين؟ ويومان وهي غائبة عن الوعي وهو معلق بوسط الحديقة وتهمته إنقاذها؟؟؟
عادت بكل عجلة لنافذة غرفتها المطلّة على الحديقة الخلفية وسحبت الستار السُكري بكل قوة،تفتح النافذة تبحث بشهلاءها في المكان ،تمشطه لعلها ترى ضآلتها
وفعلاً.. شهقتها العالية وغلالة الدمع التي شُيعت بمحاجرها كانت دليل كافي على صحة كلام والدها الوزير !!

ذاك الرجل بوسط الحديقة الخلفية معلق على العامود بهيئة لا يُحسد عليها قد تجمدت الدماء على وجهه وجذعه الذي مازال عاري ، شحب وجهه وزاغت نظرات عينيه، يرفع رأسه بصعوبة ويعود ويهبط للأسفل من شدة التعب، يقاوم بكل قوة بعد ليالي أقل ما يقال عنها-كارثية بحق !-ليالي يجنّ العاقل منها وهو يصرخ بأعلى صوت.. فكيف به ؟ وهو متهم بأبشع الإتهامات وعاجز عن التصريح ببراءته ؟
أنّ قلبها وجعاً على ما حصل له بسببها وأخذت تبكي بقهر على الحياة التي بدأت تخوضها بكل بشاعة من اللحظة التي وطأت قدماها قسط الجوى، لو كانت تعرف أنها ستعيش هذا تحت كنف والدها وبالقرب منه ما قاتلت بشراسة لأجل أن تعود تحت ظله في الوطن، ماغضبت وعنّفت لأجل أن تعود للبلد هذا الذي لم ترى فيه إلا الويل والحسرة!

تجردت من رثاءها لحالها هذه اللحظة، تستعيد وعيها لذاك الأبكم الذي سيقتل مصلوب بلا ذنب!! فتحت الباب بكل خفة، تتملص بجسدها عن عيون الشخصين الذين مازالا يتجادلان بالصالة العلوية للقصر! نزلت كما الطير واتجهت للمطبخ والذي له باب خلفي يؤدي للحديقة من غير أن يكون على أطرافه حرس!
تجاهلت نظرات الطباخين والخدم المذهولة والمتسائلة عن حال الأميرة النائمة منذ يومين وأتجهت لذاك المظلوم.

اقتربت ترمقه بكل حزن وقلبها يكاد يتمزق من شدة وجعها عليه ولكنها توقفت خطوة بعيدة عنه بسبب الرائحة البشعة التي داهمتها من مكان وقوفه.
أغمضت عيناها بكل قوة فهوى كل دمعها بتتابع على خديّها بدون انحياد.. يا الله أي ظلم بشع تعرض له هذا الرجل بدون ذنب؟
حتى وجهه ضاعت ملامحه بسبب شدة الوجع والنزيف والأوساخ التي تجمعت عليه.
رفع رأسه بصعوبة بالغة يحاول جمع شتات نفسه يتنفس بكل وجع وعندما لمحها تنحني على ركبها تبكي بجزع على حاله حتى عقد حاجبيه بضيق وامتلأ قلبه تساؤل .. أتبكي على ما آل له حاله، أو تبكي مصابها ؟.


بعد الانهيار المخيف وصوت شهقاتها،جادلت كي ترفع يديها لتشير بكل هوان بـ (أنا آسفة)

تلك العيون الشهلاء التي تذرف الدمع بكل رعب كانت تعانق عيناه السوداء الحالكة الهادئة، برغم كل هذا العذاب كان الهدوء مازال ينضح بنظراته .. تأملت منظره وتوقفت عن البكاء لوهلة فقط ترمقه بدهشة
عندها تبسم بخفوت وأومئ برأسه بكل بساطة
مما تركها تقف حائرة أمامه، بجسدٍ يئن وجع وآثار الضرب واللكمات والجراح التي مازالت متقرحة ، معلق بوسط حديقة لمدة يومين وكأنه أكبر المجرمين ومتهم بذنب هو بريء منه.. ومازال يبتسم ؟ بل ويبتسم وكأن لا هم له !

أثار ذلك حفظيتها؛ لأنها كانت تجهل أن منظر بكاءها ذاك قد أرهقه أكثر من وقوفه هذا فتدبر بسمة كي تهدأ ..
قبل أن تقترب منه أغمضت عيناها تسمع صوت أيوب الحاد والمصعوق وهو يهتف:"تعال يا معالي الوزير .. إبنتك المصونة هنا ! "

تنفس الوزير عمـران الصعداء ولكن سرعان ما تحولت راحته لغضب ، تلك الوقحة هل استيقظت بعد سبات استمر لـ ثمان وأربعون ساعة وشدت الخطى للخائن المعتدي؟ أي حمقاء صغيرة عقل هي؟ أكان يدافع قبل لحظات عن إبنة بلا أخلاق؟
تقدم بكل غضبه يستلّ ذراعها ويضغط عليها بعنف هامساً بفحيح كالأفعى :"وش تسوين هنا يا غبية ؟ بعد كل اللي حصل معكِ جاية ترثين معتديكِ ؟ "

رفعت رأسها وأربكها كمية الغضب الذي يطفو على ملامح وجهه فانكمشت بخوف وهمست برجفة: "يبه ، هو ما اعتدى علي !"

عقد حاجبيه بعدم فهم واقترب يهمس لها بذات الغضب:"وش تقولين يا بنت ؟ الرجال الثلاثة اللي كانوا معه شهدوا عليه، واعترفوا بأنهم حاولوا يثنونه عن فعلته الشنيعة ويوقفون بوجهه ويحمونكِ ولكنه كان أقوى منهم وضربهم لأجل يحقق مناه، بس حرصي عليكِ خلاني ألقاكِ باللحظة الحاسمة وما مد عليكِ ولا طرف إصبع لا تخافين! "

أغمضت عيناها تمسك طرف رأسها بيدها الأخرى مصعوقة، ماهذا السيناريو المحبوك بقذارة!! رقصوا على تراب قبر هذا المسكين لأنه أبكم !! لا يستطيع الدفاع عن نفسه !
يا الله .. ماذا لو قُتل بسببها وبسبب إنها غابت عن وعيها من فرط الوجع ليومين دون أن تبرر وتنصف فعلته؟انتزعت ذراعها من يد والدها بكل قوة لتهتف: "ما اعتدى علي يبه ما قرب مني.. هو أصلاً منقـذيـ..."

ذابت الكلمة بوسط حلقها بسبب أيوب المتحذلق الذي قال بصوت حاد: "مادمتِ تقولين الصدق، خلينا نثبت لهم إنكِ ما زلتِ طاهرة.."

قاطعه هذه المرة الوزير بصرامة وبكل غضب :"أيوب ، قسماً بالله لأعلق رقبتك بهذا العمود وأتركك عبرة لمن لا يعتبر.. لا تحكي بعرضي وكأنه جريدة تتصفحها يا خسيس "

أغمض عيناه بغضب غائر ليشد خصلات شعره للخلف بكل قوة: "يا خال متى تفهم؟ اللي حصل معها ماهو بهيّن.. جسدها صار نجس بسبب لمسات يدين الرجال على كل جزء منه، من لما حضرت والمصائب ما انتهت علينا، هذي نقمة أو نعمة ماعاد عرفت؟ كنت أنتظرها لأجل أتوّج إنتظاري بالزواج بس يبدو إن هالنهاية ماهي النهاية المنتظرة أبد خصوصاً بعد هاللي حصل "

نظرله الوزير بنظرة غاضبة ليقول بباقي الهدوء الذي يحتفظ فيه: "الزواج سبق وقلت لك قبل لحظات إنه بعد أسبوع فقط وأنا سبق وطلبت تجهيز الدعوات وإرسالها للأهل وتجهيز كامل المتطلبات لأجل ننهي هالمهزلة، فاترك عنك هالحكي ولا تختبر صبري "
توزع نظراتها عليهم مصعوقة غير مصدقة لفحوى كلامهم ولا لجنون ما يتفوهون به، ما الذي يحصل ؟ هل يتقاتلون لأجل خياراتها هي؟ قبل أن تتفوه بحرف واحد فقط كانوا قد التفتوا لوصول أحد الحرس وهو يهتف للوزير بصوت عالي :" سيادة الوزير .. الرائد العسكري لسرية عسكرية للديجور حضرت مع ملازم من فريقها.. وتطلب لقاء سيادتكم "

نظر له بغضب وكاد أن ينهيه عن هذه الأرض بسبب حضوره بهذا الوقت الحرج وبرغم وقوفه بالقرب من الأبكم التي فاحت رائحته ولكنه لم يكن خائف لأنه يعلم بأنه أصم، كاد يرفض ولكن الرائد قد تجاهلت أوامر الحرس وأشارت لهم بعصاتها السوداء الصغيرة بأن يبتعدو عن طريقها فأبتعدوا رهبة، وتقدمت هي بقوة وثبات ومن خلفها تلك الملازم التي وقفت بوجوم ووجه مشتعل غضب، التفتت عواصف تقف أمام الوزير وتقول بكل بساطة:"الوزير عمران.. أعتذر على إزعاجك ولكن لأن الأمر مُلحّ وعجزنا نداريه ونخفيه أكثر "

عقد حاجبه بعدم فهم.. ورغم سوء موقف تلك الرائد بنظره لخيانتها الصريحة والواضحة للوطن و وقوفها بكل بساطة مع الجيش ضده إلا إنه كان يحترمها لشخصيتها القوية ويشعر نحوها بشعور غريب.. شعور بالألفة !
أشار لها لتكمل فرفعت يديها بكل بساطة تشير لأيوب: "إبن أختك الفاضل - أشارت للملازم خلفها - متزوج عرفي بالملازم مادلين ولما حملت منه وصارت بالشهر الثالث نبذها ورفض الولد وطلب منها إجهاضه، والحقيقة أنا أرفض هذا التصرف ولولا مكانة سكُون عندي الكبيرة لكنت سحبته من ناصيته ونفذت عليه أبشع العقابات اللي ما تخطر على باله لـ خيانته ولسوء تصرفه !"

كانوا جميعهم مصعوقين.. ابتداءً من أيوب الذي شحبت ملامحه والذي كاد أن قلبه يهوي وعظامه تذوب من شدة الرعب، يراقب تلك الرائد الحقيرة والتي بكل بساطة جردته من رداءه وأظهرت قبحه دون أن يرفّ لها جفن، وتلك الخبيثة تقف خلفها ببسمة متشفية بعد آخر موقف لهم سوياً عندما رفض إشهار زواجهم بل رفض نسب هذا الولد له، أي إشهار لزواجه من كافرة ومعتدية على بلده ! كان يقصد اللهو معها فقط!
ياله من تفكير حقير جداً لشخص كان يتشدق قبل لحظات عن الطهارة والشرف !

كانت عينا الوزير تحكي قصة غضب بينما سكُون تقف عاجزة عن الرد أو عن إبداء أي ردة فعل تناسب سوء الموقف ، و عواصف كانت قد رفعت عصاتها وأشارت على أيوب بتصغير: "لذلك صحّح خطأك لأن الملازم مقصرة بعملها بسبب كثرة تفكيرها بالموقف اللي حصل، وأنا شخصياً ماودي جندي واحد بالجيش يقصر بعمله لأجل كذا.."

سكتت عواصف تغمض عيناها بينما يديها احتضنت بها جسدها بكل قوة، تهبط أرضاً في حركة خاطفة عندما دوى صوت إنفجار قوي زلزل المكان عن بكرة أبيه.
تعالت الأصوات بهلع وارتجفت الأكباد وخرّت القلوب مرتعبة من هول الصوت واضطرب كل من بالمكان ولم يستعيدوا اتزانهم بسهولة أبداً.

إلا ذاك المعلق على العامود والذي رفع رأسه بكل صعوبة بعيون جاحظة وقلب يكاد يهوي صدمة لا رعب .. تأملها بعيون تكاد تخرج مصعوقة بروح تنزف وتئن لوعة: "عواصف ...!"
*

نهاية الفصل..
قراءة ممتعة~





فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-22, 10:43 PM   #5

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي



الفصل الثالث


*
*
اللهم صلِ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله ، ماشاء الله .
*
*
-

" برزخ .. العقاب بيكون كبير جداً و أنت أعرف العارفين بأوامر القائد جهاد "

نفس حاد غاضب غادر رئتيه ، يضغط على العصا التي بيده بقوة:"شواظ، يوسف ثلاثة أيام كاملة مختفي ، وحسّه منقطع ولا أعرف عنه أي خبر حتى مخبرينا بداخل القصر ما قدروا يفهمون وضعهxوتبيني أهدأ ؟ وتبي يرتاح لي قلب ؟
للجحيم المهمة والقائد وكل اللي معه إن كان بيصيبه شيء تفهم ولا لا!"

تنهد بإضطراب .. عاصي !
دائماً يغادره التعقل وتطير الحكمة من رأسه لمجرد مساس يوسف وخزّة شوكة !! ولكن أيعقل أن يتركه يهدم تعب خمس سنين كاملة !! قال بهدوء يحاول أن يلينه : "برزخ ، أنت الآن تخالف الأوامر بأسوء طريقة
وطوفان لو كان مسّه ضر كنا أول العارفين بهالشيء ! لا تخاف أنت .."

قاطعه بغلاظة قائلاً بحنق:"كله منك أنت وقائدك ، ما يكفي بقينا ساعة كاملة نسمع صوت صراخ الي انجلدوا معه وهو حتى صرخات متوجعة عجز يطلقها بسبب هالمهمة ، وما يكفي هذا كله
بالوقت الي كنا نسمع صوت صراخ بِنت الوزير وكلام حفنة الكلاب أتباعه كان هو يحترق وجع وقهر وهو يسمع أوامر القائد اللي تمنعه من تقديم أي مساعدة لها ، تخيل يقول له (لا تقدم على أي خطوة ممكن تفضحك أو تكسر طرف بمهمتنا حتى لو كلف الموضوع تجاهلك لها)أي عقل وأي قلب يتحمل كل ذاك الوجع يا شواظ فهمني ؟"

"-ولأنه خالف الأوامر أكيد أنكشف وصار له شيء وهذي نهاية اللي يتبّع قلبه ويخالف نطاق تفكيره السويّ ، لذلك إحفظ مابقى من عقلك وتحرك إرجع للمقر ، وإبتعد عن بوابة القصر الي لك ساعة واقف جنبها قبل يحسّون عليك ويتقصون عنك،بعدها الله أعلم بعظم العواقب يا برزخ"

تأفف بقهر ليهمس بغيظ :"كله منك ، مراقبنا بالخطوة الوحدة حتى كاميرا بوابة الوزير مخترقها ، تراك بديت تخوفني !"

ضحك عمّار، يرجع ظهره للخلف،يمدد ساقه يستمع لتلك التي قررت آخيراً أن تنطق بعد سماعها لكل حوارهم الحاد والهادىء :"خاف منه أكثر يا برزخ ، هالمجنون ممكن إنه مراقب حتى دورة مياة الوزير !!"
يكتم تنهيدة ،قام يعتدل بجلسته ويقول بتفكير : "ممكن والله ! بعدها نعرف وش سر الرشاقة اللي عايش فيها برغم إنه يأكل كل ما يتقدم له من أخضر ويابس ! "

تنهد عاصيx يرمق البوابة من جديد قبل أن يعود خطوة مهتزة للخلف يستند على العصا ، ينظر لـ-مرجان-بطرف عينيه : "المجنونة أنتِ وش جابكِ وراي أنتِ وسلة غسيلكِ هذي ؟ أنتِ الي بتكشفينا على البارد المستريح"

كتمت ضحكتها بصعوبة ، تنظر للقدر الصغير الأحمر و المنشفة الزرقاء والعلبة المعدنية التي تحتوي على صابون لغسيل مرايا السيارات وزجاجة وقالت بهدوء :"لأني خفت تتهور وتنتهي مهمتنا بالفشل ، ضاعت سنين عمرنا لأجلها ماكان ودي نخسر للـ لاشيء ! "

كاد أن يصرخ بملأ صوته بقهر (هذا اللاشيء هو يوسف !! يوسف الي مستعد أحرق الوطن كله لأجله ماهو مهمة وبس !!!)ولكن إبتلع كلماته بعدما إبتعد عن بوابة القصر الكبيرة ودخل بأحد الشوارع القريبة منه ، يحدق في كل شيء حتى لفت إنتباهه-لصه -تقترب كما الطير وتفتح سحاب حقيبة العجوز التي تقف بجانبها،تسحب علبة النقود بكل سلاسة وبساطة وكأنها ولدت لتسرق فقط !

ليس ذاك ما أثار حفيظته؛لأن هذه المواقف تُعتبر مواقف إعتيادية روتينية بهذا البلد بسبب أوضاعه الهابطة ، ولكن نزعها للصورة التي بـ المحفظة وتأملها لها وهي تمثل التعاطف ثم إعادتها للمحفظة بضحكة ساخرة بعدما أخذت مابها من نقود كان ذلك ما جعله يستنكر ، لصه متعاطفة ياللعجب !

قبل أن تختفي وتتلاشى كانت قد حاولت أن تضيع وقت وهي تقلب الخضار الموجودة على طاولة البيع بينما تلك العجوز أخرجت محفظتها لـ تحاسب لولا أن صوت شهقتها الملتاعة تركت البائع وتلك الفتاة ينظران لها بخوف ، إقتربوا متسائلين عن السبب فوضحت بكل بساطة :"حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ، سرقوني
أخذوا فلوسي من محفظتي ، قال لي ولدي والله
يا يمة دخلي المحفظة بجيب فستانكِ؛ لأن عيال الحرام كثير ولكني كنت مستأمنة لأني ببلدي "
هزت تلك الفتاة رأسها بدراماتيكية تهون على العجوز مصابها وتتحسب معها تقول بحمائية: " الله لا يوفقهم هالسراقين أساؤا لسمعتنا و وسرقوا تعبنا ، الله يعوضكِ يا حاجة الله يعوضكِ"

شكرتها على مساعدتها بينما البائع كان متضايق فعلاً لأن مثل هذه الأمور بدأت تتكاثر بشكل مقلق للأعصاب بينما ذاك البرزخ كان جامد يترقبهم بصدمة .. هل سرقتها وبعدها هونت عليها بل و دعت على سارقها ؟؟؟ أي مجنونة متربصة تلك ؟!

أفاق من شروده وذهوله بسبب صوت حمحمة عمّار الضاحكة يقول بخفوت :"مثل هالمواقف بتمر على عينك كثير يا برزخ ، أكبر مثال دولة العدو ، إحتلتنا والعين ترى والحين ينوون تسمية بلادنا ونسبها لهم لأجل تحافظ عليها وتداريها .. يعني لا تنصدم ويختفي حسّك كذا مرة ثانية بسبب هالمواقف لأني خفت عليك وأنجبرت أخترق كل كاميرات المراقبة الي حولك لأجل أعرف سبب سكوتك"

هز رأسه بيأس وآسى ولم يستطع الرد ب رد مناسب له وهو مازال يراقب تلك الفتاة التي إبتعدت عن محل الخضار ، تسحب النقود من جيبها وتبتسم بخبث :"والله الشارع الي بجنب حي الوجهاء سكانه مو قليلين أبد ، أجل تخرج من بيتها و بشنطتها كل هالفلوس! عجوز غبية جداً"

كانت تحسب متناسية تماماً عن ماحولها حتى إصطدمت بعاصي بقوة مخيفة تركتها ترتد للخلف بعدما تساقطت كل نقودها فـ تعالى غضبها وكادت أن تهتف بعنف لولا أنها تماسكت وحافظت على أعصابها تلمح النظارة السوداء التي تغطي عيناه والعصا السوداء التي توضح بأنه-أعمى -بل وملابسه الرثة خير دليل على وجعه وفقره .. ولكن ملابس رثّة وأعمى لرجل جسده قد يزن طن كامل من شدة العضلات ! عجيب

إنحنت تلتقط النقود بكل عجلة قبل أن تستقيم وتهتف بحنق :"لو كنت أعمى إبقى ببيتكم لو سمحت لأن البلد مو أمان لنا إحنا المبصرين فكيف فيك أنت ؟ "
إلتقطت ورقة نقدية تحركها على يده كي ينتبه لها وعندما إلتقطها بيده حتى قالت بهدوء :"هذي صدقة عني وعن والدي الله يتقبلها بس "

جحظت عيناه بصدمة وهو يلمحها تتخطاه بكل بساطة وصوت صدى ضحكات عمّار تزلزل سمعه من السماعة المرفقة بإذنه هاتفاً بصدمة :"لا وتتصدق بالفلوس المسروقة ! ونعم التربية الصالحة"

ذابت الضحكات بحلقه وتلاشى الذهول؛لأن ذهول أكبر حل بسبب صوت الإنفجار الصاعق الذي ترك عاصي يقبض على عصاه بكل قوة ، يغمض عيناه بعدما تسلل له صوت صراخ الأطفال والنساء ، فتقلص قلبه بوجع وإنهارت كل قوته ، يكبح كل غضبه بصعوبة بالغة
حتى إلتفت من بين كل تلك الضوضاء بذهول بسبب المرأة العجوز التي كانت تصرخ بهلع وتضرب وجهها برعب هستيري ، كاد أن يهب للمساعدة لولا أن تلك .. السارقة !
كانت قد تخطت رهبة الإنفجار وهرعت لها تحتويها وتحتضنها ، تخفف عنها شدة وطأة تلك المواقف والتي برغم كل السنين التي عاصروها فيها .. برغم إن أصوات الإنفجارات باتت شيء مسلم به بهذا البلد ، بل سيمفونية معتادة ينامون على سماعها و كأنها تهويدة نوم ويستيقظون بها وكأنها منبه إلا إن البعض لم يعتاد عليها أبداً .. ولن يعتاد !

إنتشله من ذلك الموقف صوت القائد الذي كان قد دخل بالخط وهو يهتف :"برزخ ، زمهرير ، سرمد .. الإنفجار بالمخزن العسكري السري لـ الدولة إتجهوا مع بقية القوات لأجل تتقصون عن اللي يحصل"

وهنا كل واحدٍ منهم ترك كل الذي كان بيده وأنتقل من جديد .. لمهمة جديدة !!
بينما في حديقة الوزير كانت قد وقفت الملازم تقول في خوف بلغتها: "سيادة الرائد ، يجب أن نذهب حالاً يبدو أن خطباً ما قد حصل !

إنتشلت نفسها من الرعب الذي هز أضلاعها و وقفت بصعوبة تهتف :" و ذاك الوغد !"

هزت رأسها بنفي شديد ، ترمق أيوب الذي يحبس دمع الخوف بصعوبة بسبب الإنفجار وقالت بكره : "أرجوكِ إتركيه لxوقت آخر ، الوطن أهم الآن يجب أن نعلم ماذا حصل ليتم هذا التفجير !"

هزت رأسها بهدوء تلقي نظرة سريعة لـ سكُون التي كانت تحتضن والدها برعب ولوجه الوزير المسّود من شدة الغضب ولأيوب الذي ينازع خوفه بل لـ ذاك المعلق على العامود و يرمقها بطريقة غريبة.. وكأنه شخص قد لقي فقيده وآخيراً ! أمالت شفتيها بإستنكار قبل أن توسع الخطى بعدم إهتمام لخارج القصر متجهه للمقر العسكري الخاص بدولة المحتل لـ تفهم ما حصل !
*
*
بعد نصف ساعة تداركوا بها نفسهم كان قد جلس على المقاعد للحديقة الخلفية يدعك عينيه بإرهاق شديد،رفع رأسه يرمق إبنته الشاحبة والتي تدعي القوة بضيق : "مُصرة على أفعالكِ؟"

ضربت الأرض بقدمها بكل غضب تشير على العامود بقهر : "الآن ينزل عن العامود يا يبة لأجل أداوي جروحه .. يكفي الي حصل له والسبب إنه أنقذ بنت الوزير !"

رفع حاجبه بـ عدم إعجاب ورفع يديه يقول : "أخطينا بحقه و اتهمناه باطل آمنا،بس تداوينه بيدينكِ ؟xبتجبريني أكسر كل عظم فيه لأجل ما يبقى فيه عظم سليم بجسده عشان تداوينه أنا ما أفنيت عمري لأجل تعليمكِ الي ما كملتيه أصلاً لأجل تداوين أشكاله"

تنفست بصعوبة من شدة الضيق لتشيح وجهها عنه وتمسح عليه برجفة ، كلما تأملت منظر الأبكم وقلبها يتفتت من شدة الوجع
إقتربت وهمست بصوت متأود :" أرجوك يبه ، دخيل عينك الحين تفك وثاقه وتداويه
لولا الله ثم هو .. لكنت هاللحين يب.."

ذابت كلماتها بحلقها من شدة رجفتها، تحتضن نفسها بطريقة آلية بعدما غزت الدموع عيناها تتذكر ذلك الموقف البشع ، الهمهمات الهمسات اللمسات
أغمضت عيناها بكل قوة لتفتحها تدريجياً،تلتقي نظراتها بتلك اللحظة بنظراته التي كانت تراقب الموقف بصمته المعتاد ، نظرات مفجوعة ملتاعة بنظرات هادئة مواسية،قالت وهي ماتزال تنعى روحه : "يبة ، لو ما أنصفته هاللحظة ما .."

قاطعها، يقف متمتماً بهدوء: "هو توجع لأجلكِ يا سكون.. وأنا بعدما فهمت الموضوع منك أنتِ و طلع عكس اللي إعترفوا به البقية مستعد أفرش له الدنيا ورد وأعوضه عن كل هاللي حصل،لا تخافين وأنا أبوكِ ، المهم يتداوى بعيد عن يدينكِ عشان ما أغير كلامي"
هزت رأسها بإيجاب قبل أن تشهق بعنف لتركض وتختبى خلف والدها بعدما لمحت الثلاثة الأنذال يتقدمون لها .. ليس مشياً على الأقدام بل مسحوبين من أقدامهم !!

نظرت لهم بصدمة بينما الوزير رفع يده وأشار عليهم بإرهاق : "هذولا الكلاب الي فكروا يأذونكِ وما أكتفوا بهذا كذبوا على الوزير بنفسه ؛ مصيرهم للموت بأبشع طريقة ! "

تتأملهم بعدم إستيعاب ، آثار الحرق بالأسياخ مازالت واضحة لأنهم قبل دقائق بسيطة فقطxعُوقِبوا بل مازالت آثار صرخاتهم تدوي بالمكان بعدما نُزعت حتى أظافر أقدامهم
أشار للحارس أن يُنزل الأبكم وقال بكل بساطة،محتضناً كتف ابنته ويمشي معها : "نزلوا الأبكم ، وعلقوا هالكلاب مكانه حتى يذوون من الوجع ويموتون حسّرة."

كانت مصعوقة ، عاجزة عن إدراك ما يحصل
مفجوعة بالأحرى، ترمقهم بعدم إستيعاب ، آثار التعذيب هذه كانت أوامر والدها لأجلها !! مازالت آثار السوط على ظهورهم والآن لم يبقى مكان سليم بأجسادهم بسبب الحروق !
وكل هذا لأنهم حاولوا إيذاءها،أتفرح لأنهم نالوا العقاب الذي يستحقونه أم تبكي رعب على رحمةٍ غادرت قلب والدها !

إستدركت نفسها ترى جسد الأبكم يهوي على الأرض من شدة الوجع لولا أن الحرس ساعدوه بكل قوة، يثبتوه بأيديهم ويساندوه بالوقوف بعد أيام كانت قاتلة بالنسبة له
لمح القهر والرعب يغزو عيناها و العذر الشديد يطفو على ملامحها .. ويا للعجب
تبّسم من جديد بأوج غضبه و وجعه وصدمته التي لم يتخطاها حدّ هذه اللحظة .. بسمة مواسية،وهو من يحتاج للمواساة!
*
*
تجلس على كرسي مكتب الوزير تضغط على كفيّها بكل قوة لعلها تخفف شدة رجفتها
، لم تتخطى موقف السرداب بعد ولا حتى آثار السوط على أجساد حرس والدها ولم ولن تتخطى محاولة الإنتقام عن طريقها ، كي تتخطى موقف الأبكم وهو معلق ثم سحبهم وهم معذبين.ماذا يحصل ؟
متى فقد والدها رحمته لهذه الدرجة ؟ ما هذا البلد الذي وزيره يبطش بأبناء بلده ؟؟؟
أي جهنم رُميت بها على أنها " وطنها !!-

رفعت رأسها بسبب النقاش الذي بدأ يحتد
حقيقةً هم منذ ساعتين يتناقشون وبكل مرة يعلو صوت والدها يُخفض صوت أيوب برهبة ، ماسمعته من عواصف وأكّده أيوب عن علاقته بتلك المرأة لم تستنكره للحظة ؛ فهي تعرف حقيقة شخصية أيوب العابثة ولم تستسيغه يوماً برغم كونه إبن عمتها وعاقد لنكاحه معها منذ ما يقارب ثمان سنوات !
برغم زياراته الكثيرة للبلد التي كانت تعيش فيه وهداياه الباذخة وحالته المادية العالية برغم كون بلده على وشك الدخول لحالة المجاعة إلا أنها لم تحبه يوماً !
لذلك لم تُكسر بمسألة الخيانة هذه ولم تهتم لها أبداً،بعكس والدها الذي يغلي غيظ ويشتعل غضب والدليل ضربه للمكتب وهو يهتف بعنف : "كافرة يا خائن ؟ تتزوج عرفي بكافرة وتخون بنتي وتظن لأنك إبن أختي ممكن إني أعفو وأصفح عنك !"
كتم غيظه بصعوبة، يضغط على كفه من الخلف ويقول بصوت حاد برغم محاولته لتهذيبه:"وأنا رجلxيا سيادة الوزير ولي متطلباتي وأنت بنفسك تعرفها ، و بنتك تتعفف عن القرب مني وترفض تحديد موعد الزواج من ثمان سنين كاملة ، كيف تبيني أصبر أنا ماني ملاكxولا منزه! "

إبتسم الوزير بسخرية، يجلس بطرفه على حافة المكتب متمتماً بتهكم:"يعني بعد كل سيل الكذبات اللي نسجتها لي طوال هـ الفترة والتبريرات القذرة شبيهتك كان المبرر الكبير بأنك رجل ولك متطلباتك والي بنتي تعفّفت توفرها لك !"

هز رأسه بتأييد لكلامه بكل بساطة بينما البسمة الساخرة إشتدت عندما أكمل أيوب بقل صبر وبغل:"وبنتك الله أعلم سبّب تعففها عن زوجها يا سيادة الوزير ، يكفي إنها ببلد هذي الكافرة ولسنوات طويلة لوحدها ويكفي إنه بمجرد وصولها حاولوا أربعة رجال يعتدوا عليها لأجل كذا خل بالك على بضاعتك لأن ممكن ماعاد تلقى لها مشتري !"

لم يُعلق على كلماته، بل التزم الصمت للحظات طويلة ينقر بإصبعه على طرف المكتب ويلقي نظرات متمللة على أيوب قبل أن يلتفت ويلمح مآقي إبنته تفيض بالمآسي والوجع،ودّ لو قال لها (حذرتكِ ، مئة باب أقفلته في وجهكِ كي لا تعودي إلى هنا ، نهرتكِ مراراً ونبهتكِ بأن هنا ليس ملاذ كما ظننتِ ، هنا غربة لا محل للوطن بها !xهنا مآسيكِ وأوجاعكِ ستفيض فقط هنا جراح لن تندمل،وأنا لسنوات أحاربكِ قبل كل شيء كي لاتعودي إلى هنا ، ولكنكِ في النهاية لم تنتصري خسرتي بعودتكِ يا إبنتي)
ولكن عجز أن يفصح عن مكنونه؛ لأن الوجع الذي يطفو بمحاجرها يكفيها ، إلتفت من جديد لأيوب وقال بآخر ذرات صبره وبباقي الهدوء الذي يحتفظ فيه:"وأنا سبّق وقلت لك ، زواجك منها بعد خمسة أيام وتعففَها عنك إنتهى "

إنخرط أيوب في دوامة ضحك ساخرة يشير بإستخفاف لـ سكُون :"خالي معالي الوزير ، يبدو بأن الدكتور اللي كشف على بنتك أعطاك بشارة كاذبة والبنت فعلاً تمكنوا منها ولا ليه بينتهي هالتعفف بكل بساطة!"

كتم غيظه بكل طاقته ووقف يقول بهدوء: "لأن هذي نيتي من بداية قرارها بالرجوع ، من تطأ رجليّها تراب هالبلد رح يكون بعد أيام زواجها منك"
صمت طفيف حل بالمكان قبل أن يُفتح الباب بكل هدوء فألتفت الأعناق لمعرفة هوية الطارِق ، عقد أيوب حاجبيه بذهول غير مصدق مرأ عينيه بينما الوزير إبتسم يشير بيديه بلغة الإشارة (تعال ، هل أنت بخير؟)

رمق يديّ الوزير بصمت للحظات، يستشعر أنه لو تمدد لثانية واحدة فقط وأراح جسده لبقي طوال حياته متمدد من شدة التعب ، ولكن أتنتظر المهمة ، أينتظر الوطن ! لا والله وبكسر الهاء لا ينتظر!
لذلك إتجه يغسل جسده ، يطهر جروحه بيديه ويداويها بنفسه ، لبس بذلته الرسمية السوداء بعدها ولم ينسى إرتداء النظارة السوداء التي تخفي عينيه .. وساعتان فقط كانت كفيلة بكل هذا.
قبل أن يعود لـ مخبأ الأسد ، بعد كل هذا التعذيب والظلم والإتهام لم ينقلب ضده بل بكل بساطة إستقبل سؤاله بملامح هادئة برغم تجعدها بسبب الوجع ، ورفع يديه بصعوبة طفيفة يشير له(أنا بخير ، شكراً لقلقك)

إبتسم له الوزير بعلياء بينما أيوب كان جاحظ العينين بسبب هذا المتخلف عقلياً ، أيعود وكأن لا شيء حصل بعد كل هذا ؟ هز رأسه بعنف يهتف بقهر :"وتبتسم له هالحقير وهو كان مع الكلاب الي كانوا بيعتدون على بنتك ؟"

رفعت رأسها و حين لمحته يقف بصمته الدائم بجانب الباب بهدوء، وقفت تشهق بكل قوة فسقط الكرسي للخلف ،إلتفتوا جميعهم ناحية صوت السقوط من بينهم -يوسف!!!!-في أول مرة يختل بها إتزانه ويفقد القدرة على التحكم بنفسه فلُوحِظ !
أُيخطئ المرء مرة واحدة بالعمر.. ويعاقب بذات المرة بأبشع الطرق !!

كان قد لاحظه أيوب فـ عقد حاجبه بعدم فهم ، هذا أبكم وأصم ولكن بلحظة سقوط الكرسي رفع رأسه وأمارات خوف ظهرت على وجهه !!
إنشغل فكر الوزير بإبنته بينما أيوب وقف أمام طوفان يضغط على جرحه ويهمس بفحيح :"أنت منت بشخص بسيط أبداً ، وحسي ما يخطي أبداً،أنت كارثة وبتكون أكبر كوارث الوزير إن صدق حدسي ! "

لم يحرك يوسف ساكناً بل بقى مكانه بثبات وكأنه لم يستمع له ليبتسم أيوب بسخرية ويبتعد عنه مقترباً من سكُون حتى وقف بجانبها وأمسك يدها بكل قوة وسط ربكتها وذهولها بحضور الأبكم بعد كل هذا العذاب بكل هذه البساطة.
سحبها بكل قوة له فإلتصقت بصدره، يهتف بكل قوة:"ما للزواج إشهار ولا رح تطأ قدمي قصرك بليلة إعلانك للزواج هذا ، إلا قبل أدخل عليها وأتأكد من إنها مازالت طاهرة بنفسي
وإن ماكانت طاهرة فأعذرني يا خالي الوزير ماعندي القدرة الكافية لـ ظلم نفسي معها !"

سحبت نفسها بغضب من حضنه ورفعت يدها بكل قوة لتصفعه ليرتد وجهه للخلف،وبلا تفكير رفع يده ورد لها الصفعة وسط صدمتها وقهرها وغضبه !! وكأنها إستعادت وعيها الضائع بسبب الكوارث التي حصلت معها فـ هتفت بغل تدفعه عنها :"يا دنيء يا كلب يا حقير ، تزوجت بكافرة ولك في صلبها ولد وكنت بتسبب في قتلي ولك مصائب ما تنعد ببلاد الكفار وجاي بكل عين وقحة تتهمني بشرفي ؟؟xأنت من ..!"

كان يستند بيده على المكتب بغضب، يستمع لها لولا أن صوت صرخته العالية شقت المكان بكل قوة بسبب الخنجر الذي أخترق عظام كفه وصوت الوزير الهادىء ينافس صراخه العالي:"تُقطع كل يد تنمد على بنتي .. وبحضرتي بعد !!"

كان طوال الوقت مشغول بالإشارة لـ يوسف وتمليه عليه الأوامر ، بدوره الآخر قد إستلم القفاز من يد الوزير وأرتداه ثم سحب الخنجر من طرف بذلته بينما شخصت عينا إبنته بصدمة وعدم إستيعاب.
أمسك كفه يضغط عليها بكل قوة لعل النزيف يتوقف،عاد للخلف خطوة، يرفع رأسه بكل قوة ويحتضن كفه لصدره بعدما تذكر وآخيراً -انه بحضرة الوزير !!-

كانت أعصاب الوزير قد إنتهت بل إشتعلت غضباً والدليل أوداجه المتورمة بعنقه و وجهه،يقسم إنه كان ينوي الهدوء وإغلاق هذا الموضوع بكل بساطة لأجل أخته المرحومة وإبنته فقط ولكن هذا اللعين، هذا الحقير
أعاد الجنون والغضب له !وعدم التحكم بأعصابه يورد المصائب ، والدليلx جملته التي اتبعها الخنجر الثاني بصدر أيوب:"حذرتك مرتين من المسّاس ببنتي يا أيوب .. والتحذير الثالث ينهيك عن الوجود ! "

قبل أن يتحدث أيوب كان قد تقدم يوسف بكل قوة يغرز الخنجر بكفه الغليظة في وسط صدر إبن أخت الوزير بكل بساطة وكأنه يذبح أضحية في صباح عيد الأضحى، قتله بيديه أمام أنظار سكون التي سقط جسد أيوب بين ذراعيها.
شاحبة كالأموات وكأنها هي الجثة وليسلا أيوب الذي سقط عليها بملابس ملطخة دماً.

أنزلت عينيها ترمق الدماء التي تسربت على الأرض وطفت بالمكان ، ثم وجه أيوب الشاحب فرفعت يدها تمسك بكفه وتقيس نبضه، وعند تلك النقطة
شهقت بعنف تبعده عنه وتحبو بكل تعثر للخلف ، ترتجف كورقة يابسة في مهب الريح ،مصعوقة بل لم يعد مكان بعقلها يمتلك القدرة لتصديق ما يحصل معها.

الرجل الذي حفظ شرفها وعرضها وقاتل لأجلها، يقتل زوجها بكل بساطة ؟ هذا في كفة وأن من أمر بقتله كان -والدها !- في كفة أخرى
وجع قاتل تمكّن من روحها من شدته لم تستطع أن تذرف دمعها بينما الوزير كان قد ملأ قلبه الضيق ؛ لأن إبنته شهدت على ماحصل.
إقترب منها وحاول مساعدتها على النهوض لكنهاx دفعته عنها بكل قوة ،تنظر له بخوف قبل أن تقف صعوبة وتتخطى جثة أيوب، وقفت أمام يوسفx تتأمل القفاز الأسود الذي يكسو كفوف يديه الملطخ بدم أيوب كتأكيد أكبر على أن ما حصل ليس من وحي الخيال !

إبتعدت من أمامهxتركض لخارج المكتب فرفع يوسف يديه وأشار للوزير (ألن توقفها سيادتك ؟ ماذا لو تكلمت )

هز رأسه بالنفي مشيراً (لن تجرؤ، تحبني ولن تفرط بي دعها وستعود لرشدها، تخلص أنت من جثة أيوب ريثما أفكر بحل المصيبة الأخرى )

نظر لأيوب بقهر وحك طرف ذقنه الأبيض يغمغم بإمتعاض:"مايكفي مصائب الدولة والسفارة والمحتل ، ما يكفي وطن يحتاج مننا وقت،تجي تسلب وقتي لأجل مشاكلك التافهه ليه يا أيوب ؟ الله لا يوفقك"

قال هذا الكلام وهو ينظر له بقهر ليخرج من المكتب ، تارك ما تبقى كله بين يدي يوسف
حارسه الخاص والمتكفل بهذه الأمور !
-
*

أمام المخزن.

يدفع العسكري بغلاظة هاتفاً :"و أحنا المواطنين من حقنا ندخل ونشوف وش الحاصل بمخزن دولتنا تفهم ولا لا ؟"

شمله العسكري بنظرة مستخفة لهيئته الرثة وهو لايفهم كلامه فقال بلغته:"إبتعد قبل أن أكسر عظامك هذه !"

رفع عاصي حاجبه بعدم إعجاب وأشار بيده على عيون العسكري يغمغم بغضب :"قسماً بالله عيونك هذي لأخرجها وأتغدى عليها ، العجب والعجاب يقصفون المخزن وبعدها يقفلون حتى على ركامه لأجل ما ندخل نشوف وش الحاصل !"

ربّت هشام على كتف عاصي هامساً له :"كمّل همجيتك عليهم والله يرعاك ، لحظة بس تكفيني لأجل أدخل وأشوف الأضرار ، أنت تعرف إن هالمخزن لحفظ الأسلحة والمتفجرات الخاصة بدولتنا وكان سر لسنين طويلة والله أعلم أي خائن كشفه هالمرة ، والأكيد إنهم فجروا جزء منه فقط لأن لو تفجر كامل لكانت الإنفجارات متواصلة للآن بسبب كمية القنابل الموجودة .."

هز رأسه بإيجاب ليغمز له بعدما وقف أمام وجه العساكر ، يرفع يدينه ويشير بها بكل غلاظة وصوت هتافه الحاد يملأ المكان، يغرد بلغته التي عجزوا عن فهمها :"ياكلاب يا محتلين يا خونة ، خلونا نشوف وش صاير هنا ، الله يهد حيّلكم كأنكم جمعتوا الحي والميت من عساكركم وجيتوا ، وين القائد حقكم وينه ؟ وينه بتكلم معه لأجل نفهم وش السالفة !"

كانوا ينظرون بغضب وعدم فهم لكلامه بينما مرجان التي تقف على بعد خطوات منهمxتخفي ثغرها خلف كفها تضحك بصمت على تصرفات عاصي وعلى طريقة زحف هشام للدخول للمصنع وسط الحراسة الشديدة، ليدخل فعلاً.

سكت عاصي بإمتغاض عندما تسلل لسمعهم جميعاً صوت جهاد القائد :"-زمهرير -إكبّحِي جنون- برزخ -بدل ما يصير عون هاللحين بيسحبونه للسجن بسبب وقوفه ضدهم ويتهمونه بالإعتداء عليهم .. غلاظته لا تُحتمل "

أخفت ضحكتها بصعوبة بسبب شكل عاصي الحانق وقبل أن تخطي خطوة واحدة فقط له،تسلل لـ مسامعهم همسة هادئة بل وكأن خروجها تطلب قوة العالمين بسبب هوانها :"عاصي ..!"
وجاءه الرد من عاصي كبلسم:"آمر يا أهل عاصي كلهم ! "

صمت طفيف إنتشر بالمكان بعد النداء والرد
ثم بسمة ساخرة من ثغر -القائد جهاد -الذي برغم تحذيره لهؤلاء الإثنين بعدم ندائهم لبعض باسمائهم الحقيقة إلا أنهم لم يهتموا بتحذيره ولم يعترفوا بالألقاب بحضرة بعض
ليس هذا فحسب بل البسمة الساخرة شمّلت رد عاصي(آمِر)رغم أن القائد جهاد المسيطر وبرغم أنه لسنين طويلة كان قائدهم إلا إنه لم يسمع هذه الكلمة من عاصي ، ولم يلمح الخضوع والخنوع منه أبداً !
لم يكن هذا الإستسلام الكلي إلا من حق يوسف فقط ، لم يكن يتحمل الأوامر ويرتضيها إلا من يوسف والذي نبرة صوته هذه اللحظة توضح شيء واحد فقط الكل فهمه.

قال عاصي مستدراً للكلام بعد صمت يوسف :"وينك يا اللي ماتخاف الله فيني ! ثلاثة أيام أتقلب على العلقم من شدة هلعي عليك .. تعرف لولا-شواظ-لكنت جيت بنفسي لأجل أعرف وش مسوي بك الوزير السافل "

أبتسم بتعب قبل أن يضغط على عينيه بقوةx يهمس بذات الصوت غير مهتم أبداً بفكرة إن كل الفريق مستمعين-في أول مرة ومنذ عشر سنين مضت يُظهِر يوسف هذه اللامبالاة بقناعه القوي- :"عاصي .. أنا تعبت من كل هالوجع ، تعبت من كل شيء ومن لاشيء،أنا ودي أستريح لأن كل هالحمل موجع"

عض على شفتيه بقوة وأبتعد عن تجمع العساكر يهمس بوجع :"ضحية جديدة راحت على يدينك صح ؟"

ضحك بوجع لينقل نظراته لـ جسد أيوب الممد على السرير :"الدكتور المختص بأموري من لمحني داخل بجسد إبن أخت الوزير بيديني قال : بديت تصير مجرم سفاح يا طوفان ، لو إستمريت على هالمنوال ماعاد بتلقى نفسك بنهاية الطريقx .
كنت بضيع حياته يا عاصي
لو إنحرف الخنجر بمقدار إنش واحد لضاعت حياة جديدة على يديني .. لمتى بنبقى كذا ؟ بيادق للقتل بيدين خونة كلاب ؟ متى بينتصر هالوطن ونرتاح يا عاصي متى ؟"

"-بئساً لمهمة مثل هالمهمة يا يوسف بتكلفني وجعك .. أصلاً تستاهل كل هالمحافظة منكx؟وهالوطن هو حمّانا لأجل أرضى لك بكل هالوجع في سبيله ؟ "
"-بس أنت تتوجع مثلي في سبيل حماية هالوطن يا عاصي "
"-ماهو في سبيل الوطن وبس يا يوسف، أنا أتوجع لأجلك ، برغم إن هالوطن ماقدم لي شيء بل سلب مني كل شيء، أنا أحميه لأنك موجود فيه لأنك تخطي بخطواتك على ثراه ولأنك مواطن فيه، هالوطن يشفع له إنك من أبناءه ولا قسماً بالله ما ارتضيت هالوجع لا لي ولا لك"

سكت يوسف بإبتسامة هانئة مرتاحة يستمع لxكلمات عاصي التي طبطبت على روحه ولطالما كان لها دائماً نفس المفعول بعد كل مرة تحدث بها كارثة-كمحاولة قتل جديدة-:"و أنت منت بسفاح ولا مجرم ، أنت شخص تزيّح المجرمين بذاتهم عن حياة الأبرياء يا يوسف ، كل شخص أذيته بغض النظر إنها أوامر الوزير إلا إنهم كانوا خائنين وقتلة وبرغم كل هذا كنت بكل مرة تحاول تنقذهم ، بكل مرة تحسب الخطوة صح والدليل وقوفك على رأس الي أذيته و وجعك عليه برغم إني متأكد إنه من كبار الخائنين للوطن !"

هز رأسه بإيجاب قائلاً بسخرية :"أيوب الركيزي"
"-وزعلان عليه !!!!!"

صرخ بها هشام بصدمة فـ هُم يعلمون خبايا أيوب المفجعة وصرخته أعادت لـ يوسف إستيعابه بأن الكل يستمع لوجعه فأخذ نفس عميق ليبتسم جهاد مغمغماً بغيرة خفية :"يبدو بأنك بكل مرة تسمع صوت -برزخ- يا-طوفان-، تعوض كل الوقت الي بقيت ساكت فيه ! ما تحكي هالكثر إلا معه هو بالذات ! "

إبتسم عاصي بفخر طفولي بينما يوسف قال بهدوء وهو يقف ويضغط على المصل المثبت في المغذي الموصول بيد أيوب وقال :"-سرمد-دخلت للمصنع ؟"

هشام الذي كان قد دخل وخرج بخفة الطير قال وهو يقف بجانب عاصي :"خرجت الآن ، مثل ما توقعت قصفهم لجزء منه كان تمويه بأنهم فجروا كل الي بالمخزن لأجل نصرف النظر عنه ولكن البدروم الأرضي مقفل وإثنين حراس عليه سمعت بعض كلامهم عن نقلهم لأهم القنابل فيه قبل الإنفجار"

عض على شفتيه بقهر، يضغط على رأسه ويهتف بقهر :"لو أعرف إسم الخائن الحقير اللي كلفنا مخزن كامل وتعب سنين ! الحين كل هالقنابل الي كانت من صنعنا رح تقتلنا إحنا"

وصلهم صوت جهاد الهادىء ، ينقر على المكتب بتفكير :"لابأس ، إن ماكانت هالقنابل لنا فهي مارح تكون لهم أبداً !"

رفع رأسه ونظر عبر الشاشة لمكان وقوف عاصي ومرجان وهشام ليقول لهم:"إنتهت مهمتكم لليوم"
قال عمّار بعدم فهم مشيراً لـ المخزن من الشاشة الكبيرة:"والذخيرة اللي صارت بيدينهم واللي محد من المسؤولين الكبار بيتحرك لأجلها!"

ضحك عاصي بقهر مبتعداً عن المخزن:"الذخيرة بتكون السلاح الي بيقتلونا بها بكرة ، ما تحتاج سؤال يا-شواظ-"

عقد جهاد ساعديّه، يطلق نفسه للتفكير بينما البقية إنصرفوا مثلما طُلب منهم ، كل شخص بنيته يتجهه لوجهة معينة فقط ..!

(لا تبتئس .. مصير الفل يتفتح ، مصير الفرح يتوزع،مصير الوجع يركع،مصير الهم يتلاشى،مصير الوطن ينتـصر، اليوم أو بعد مئة عام)


قرأ رسالة مرجان على مجموعة الفريـق وابتسم بفتور يهز رأسه:"من له حيل يصبر مئة عام يا زمهرير ! محاولة فاشلة حاولي مرة أخرى"

قبل أن يكمل آخر كلمة عقد حاجبيه بإستغراب عندما صدح صوت جرس البيت بالمكان فوقف على عجل يتجه له بحذر بعدما نزع المسدس من حزامه الخلفي ووقف خلف الباب يتفحص هوية الطارق،وعندما لمحه من الفتحة الصغيرة حتى ابتسم بضحكة يعيد المسدس لمكانه ويفتح الباب ،يميل بجسده على طرفه قائلاً بشقاوة تناقض تماماً حالته البائسة قبل لحظات:"يقولون فيه شخص ما صدق على الله تنتهي مهمته ويركض لأحضاني"

نظر له بـ طرف عينيه يعقد ساعديه يديه و يقول بإمتعاض :"بما إنك رجعت لعادتك بالسماجة فـ أنت بأفضل حال وقلقي ماهو بمحله"

ضحكx يهز رأسه بخفوت ويمسح على ذِقنه الأسود بشرود :"تعرف أنت ، هالحالة تصيبني باللحظة اللي تكاد تُسلب حياة على يدي يا عاصي ، ماهو لأني شخص ما تعودت على قتل الخائنين ، ولكن لأن الأمر ما يكون بيدي، يكون بأمر شخص خائن مثلهم"

دخل عاصيx يقفل الباب خلفه وينظر بصرامة هاتفاً بحزم:"كم مرة بذكرك ؟ أنت بعمل يتطلب منك المستحيل يا يوسف
لو تطلب الموضوع تطير رقاب في سبيل نجاح المهمة ، لأنك تعرف روح وحدة فقط ولا مئة روح بفشل المهمة"

نظر بضيقx يضغط على كفه بوجع: "ماهو بيديني ، بكل مرة يراودني شعور إني أبشع رجل على هالبشرية وإني سفاح قاتل ماهو بجندي مجهول أحمي وطني ،أنت ما شفت
-نظراتها- كانت دليل قاطع بأني مجرد مجرم و بيدق للقتل"

عقد حاجبيه بعدم فهم لكلمة (نظراتها)وكاد أن يحقق عن ماهيّة هالكلمة لولا صوت الجرس الذي عاود الرنين بأرجاء البيت وهالمرة أستل كلاً منهما السلاح بعدم فهم فقال عاصي:"تنتظر أحد؟"

رفع كتفيه بإستنكارx يقترب من الباب بعدما سحب الأمان من المسدس :"أنت تعرف ، بيتنا هذا محد يعرف عنوانه غيري و غيرك"
سكت عندما ميّز الهويات و الإبتسامات البلهاء على وجوه الضيوف فضحك يعيد مسدسه بسخط:"وعمّار .. ينخاف منه ما يبقى سر مجهول بحضرته "

فُتح الباب فـ أنحنوا بطريقة مضحكة تركت عاصي ويوسف يضحكون بينما الأخير يتمتم :"علامكم اليوم ؟ وكأني أمكم كل من إنتهى من مهمته ركض لأحضاني ! و عمّار تعب كثير هالمرة كم تطلب منك الموضوع لأجل تلقى بيتي الجديد ؟"

حكّ طرف ذقنه بحرج يبتسم ويشير على هشام :"كله من هذا الرجل ، كان خايّف عليك و ودّه يبقى الليلة هنا وأنت تعرفني .. راعي طيب أحب أساعد والموضوع تطلب مني نقرتين بس "

نظر لهم هشام ببسمة خافتة وهو يتخطاهم بعدم إهتمام ،يرفع كيس العشاء لفوق متمتماً :"اللي وده يتعشى يلـ..."

إتسعت حدقات عيناه بصدمة بسبب أصوات الخطوات الضخمة واليد الغليظة التي أستلت كيس العشاء من يده وركضوا للصالة تاركينه خلفهم،مصعوقxيتأملهم يفتحون الكيس ويهجمون على العشاء فـ صرخ بهلع:"إتركوا لي على الأقل فخذ دجاجة يا متوحشين !!!"

من بين هجومهم كذئاب على دجاجة مسكينة صدح ذاك الصوت الرنان فأرتفعت رؤوسهم بذات اللحظة لأول مرة مذ بدؤوا الأكل وعلامات التوجس تطفو على ملامح وجههم قال هشام وهو يمضغ قطعة الدجاج بصعوبة :"هذي النغمة "

ألتفت الأعناق لوقوفه الهادىء أمامهم يحرك ميدالية المفاتيح بحركته الرتيبة يصدر تلك النغمة المميزة التي تخصُه وحده بينما هم فاغرين الفاهه مشدوهين يرمقونه بصدمة
إلا .. يوسف !
كان قد سحب آخر قطعة دجاج بإحترافية بعدما إنشغلوا بحضور -القائد جهاد-وأخذ يمضغها يقول بضحكة:"حيا الله جهاد.. آوه عفواً القائد جهاد ، إعترف أنت العقل المدبر
صرفتهم بدري من العمل لأجل بس تجي تغمرني بالأحضان"

نظر له جهاد بهُدوء، هو على يقين بأن هذا الرجل يستحيل أن يفاجئه بيوم من الأيام وكأنه بكل مرة يعرف تحركاته ولا تدهشه أبدًا.. أو إنه فقد حقه بالدهشة منذ سنين طويلة لذلك قال بخفوت :"جيت أطمئن عليك "
إبتسم يوسفxيومئ برأسه ويرفع نصف فخذ الدجاجة الذي قضم نصفه الآخر، يشير له بكل بساطة بمعنى(هل تريد؟)،إكتفى جهاد بإشارة نافية وسط إبتلاع هشام لريقه وهمسته المتثاقلة :"كيف عرف هالمكان ؟"

إستعاد عاصي وعيّه يسحب قارورة الماء ويفرغها بجوفه دفعة واحدة يقول بإستخفاف:"إذا شواظ قدر ببساطة يلاقيه ، جهاد القائد ما يقدر !
مرة بعد مرة أتأكد إن أسوء حظ لنا كان عملنا بالإستخبارات .. يا رجل الخصوصية صفرررر
حتى لون سروالك الداخلي يعرفونه !"

"- صح لون سروالك رصاصي وياليت تعتق هاللون وهالسروال بالذات كلما غسلته رجعت تلبسه في نفس الوقت"

قالها يوسف ببساطة وهو يمضغ اللقمة وسط إحتقان وجه عاصي بحرج وضحكات هشام وعمّار المكتومة أما جهاد فهز رأسه براحة عندما إطمئن عليهم، خاصةً-يوسف-بالذات فـ الأيام التي سبقت لم تمر عليه مرور الأثير أبداً
ويقسم لو كان شخص غير يوسف .. لمات كمداً !
خاصةً مع وجهه المتورم وبرغم صعوبة الكلام إلا أنه كان يشاكسهم أيضاً ! وهذه الجراح بكفه وعنقه كانت فقط الظاهرة فكيف بما تخفيه الملابس؟؟
ولكن لم يتركه لهذه المهمة إلا وهو موقن بأنه يستطيع تخطي كل الصعاب !
قبل أن يخرج من حيث دخل توقف بسبب صوت عاصي المستنكر بوجل :"وش صار ! "

فألتفت يلمح يوسف يقف بملامح محتقنة بغضب وخوف بعدما قرأ رسالة وصلته قبل وهلة بسيطة ، رفع رأسه وتأملهم بإضطراب: "إبنة الوزير إختفت من القصر وحتى بجهاز التعقب الإشارة توقفت عن التقدم وكأنها عرفت بأن برنامج التعقب كان مثبت بجهازها بدون علمها "

قال جهاد بهدوء :"مارح يمّسها سوء ، الوزير له سنين يرعاها مثل ما يرعى عينه وهي ببلد العدو ، ظنك بيتركها للهلاك بعدما صارت ببلده؟ المهم يتكتم على الخبّر لأجل ما يوصل الخبر لأعداءه ، مادامها هربت بنفسها بدون ماحد يتعرض لها منه يعني بتكون بخير ومحد بيقدر يلقاها وهذا المهم "

رد بتوجس والقلق ينهش روحه بعدما تذكر صدمتها ورعبها:"بس أنت ما تجهل اللي مرت فيه يوازي كل الحياة اللي ما عاشتها تحت ظل هالحرب يومين بس كانت كفيلة بجعلها مجنونة يا جهاد وأنت تشهد "

تغاضى عن تجريده من لقب-القائد-لأن وببساطة يوسف من أول لقاء وهو مُغلِق عقد الرسمية بينهم لذلك جلس على الكرسيx بهدوءxيرمق ساعته التي تزين معصمه قائلا:"ما أجهل ، بس الوزير كفيّل ببنته يا يوسف وأنت لا تشيل همها إلا بالوقت اللي يطلب منك هو هالشيء"

ضحك عاصي يقف ويمسح فمه بكل قوة بالمنديل:"صح ، حتى مشاعرنا لك ولغيرك السلطة عليها ! لا نخاف لا نعصب لا نثور لا نضحكxلا نحب ولا نبكي إلا لما تطلبوا هالشيء مِنا"
رمقه جهاد بهدوء ، ينحني بكتفه على الباب،يردد العهد بكل برود :"
أقسم أن لا أغضب لأي مهمة ولا أردها وأتقبلها بجميع متطلباتها،وأن تكون السلطة بكل تفاصيل المهمة وما يوازيها من أعمال أو مشاعر في يد القائد ،وأن لا نضيّق ولا نحزن ولا نحب وإن تطلب الأمر أن لا نضحك إن كان ذلك يؤثر في المهمة الموكلة لنا وأن لا تقف مشاعرنا ضد المهمة وأن تكون المهمة لها الأولوية دائماً وأن لا تقف بوجهها قراراتنا وإنفعالاتنا ومشاعرنا
"

شد على قبضة يده بقهر يرمق يوسف بذات النظرة المتحسرة قبل أن يومئ الآخر برأسهx يبتسم له ويقول بعشوائية رافعاً كتفيه:"يا رجل هونها وتهون ، وهم يقدمون لنا الراحة على طبّق من ذهب خذها ببساطة ، كنت خايف قبل لحظات و جهاد قال لا تخاف،الحين أنا مطمئن وهادىء شفت الحين كيف حلوة وبسيطة ؟ ليه حنا نحب التعقيد! "

نظروا لبعض بإحباط من سخريته اللاذعة بينما هو كاد يكمل لولا أنها وصلت الرسالة التالية من نفس المخبر(الوزير جن جنونه)فرفع يده للأعلى بصعوبة يشير بالجوال:"أبشركم الآن وصل حقي بالفزع وأقدر أخاف على راحتي لأن الوزير جن جنونه-ألتفت لـ عمّار وقال بخفوت- شواظ حاول ، مافيه شيء يوقف في وجهك"

هز رأسه بكل قوة قبل أن ينظر لـ جهاد الذي أشار له أن ينفذ فأخرج جهازه الصغير من طرف جيبه وبدأ يبحث ويوسع الإحداثيات لدقائق طويلة قبل أن يرفع رأسه ويهزه بالنفي :"للأسف مالها أي أثر ، تجنبت حتى كاميرات المراقبة القريبة من القصر بكل بساطة وكأنها رسمت خطة هروب ناجحة"

قال هشام بعدم فهم وبإستنكار: "كيف يطري على بالها الهرب في بلد كله حرب ومحتل وأحزاب ناهيَك إنها بتعرف بنفسها كـ بنت لوزير معروف بأنه متعاهد مع الديجور، كيف قدرت ..."

قاطعه يوسف ببساطة: "لأن الأمان تلاشى بكل بقعة بتخطيها يا هشام ، مادام مارح تحس بالأمان مع أبوها ظنّك بتلقى الأمان بأي مكان بتتوجه له بعد هاللحظة ؟!"
نظروا بإستغراب لعاطفته الغريبة عليه بأمور العمل بينما جهاد نقر على زجاج ساعته الفضية ثلاث نقرات وكأنه يعد لـ شيء معين .. حتى إنتهت النقرة الثالثة
فـ وقف جميع من في المنزل ، بل جميع من في العاصمة مصعوقين،مرتجفين،خائفين
بسبب أصوات الإنفجارات الهائلة ، لم يكن إنفجار واحد بل عدة إنفجارات متتالية بأصوات صاخبة مختلفة وكأنها تُعلن بأن الحرب هذه مستمرة وممتدة حتى تجفَ دماء كل من بهذه البلاد !!

تأهبوا جميعهم وهتف عمّار بعدم فهم:"وش الحاصل ، معقولة فجروا شيء.."
قاطعه وقوف جهاد الهادىء يشير بميداليته :"قلت .. إما تكون لنا أو ما تكون لهم أبداً"

نظروا بعدم فهم للحظات قبل أن يضحك هشام بصدمة ويقول:"تفجر البدروم الأرضي اللي نقلوا فيه القنابل !"

أبتسم بإنتصار وأكتفى بإيماءة رأس تؤكد كلام هشام قبل أن يخرج من المنزل ، تبادلوا نظرات الدهشّة ، من إستطاع دخول البدروم في ظل الحراسة المشددة بل المفجعة حتى النملة لم تكن لتستطيع المرور في ظلها!!!

إلتفتوا جميعهم بسبب تأوه موجع صدر من يوسف عند وقوفه بسبب ضغطه على جراحه وقف عاصي بهلعx وإقترب يهتف بحنق: "وتقول سواياهم فيك هينة ؟ ما بقى غير روحك يستلونها من هالجسد الي كله جراح يا يوسف"

إبتسم يربت على كتفه وكاد سيتخطاه لولا أنه تأوه بصوت أعلى عندما ضغط عاصي على معصمه فنفضها بذعر: "لهالدرجة الوجع مانيّب فاهم ، و وين بتروح وحالتك بهالشكل والإنفجارات للآن صداها يملأ المكان ، ناهيك عن إستنفار كلي للقوى العسكرية للديجور هاللحظة ولقوانا بشكل خاص يعني .."

قاطعه يهز رأسه بفتور ويرفع يده بلامبالاة :"دامنا ما متنا عند هالنقطة صدقني بكون بخير ورايح للوزير .. بالأحرى رايح أدور على بنته اللي أنا سلبتها الطمأنينة بيديني ، إذا أنت عاصي بكل قوتك ومهابـتك أكلك الذعر علي وأنا - يــوســف الغــرابــي - أحد عملاء الإستخبارات الخاصة فـ هي .. كـ إمرأة ، ظنك كيف بتكون حالتها ؟"
هتف عاصي بحنق ، يضغط على كتف يوسف لكي يقف :"وأنت وش دخلك فيها فهمني ؟ إتركها عساها تحترق بين القنابل ، بنت خائن
سلبو العالم حقوقهم وقتلوا الأبرياء لا مسّها ضر وش بيضرك أنت؟"

ضحك غير عابىء بوجع كتفه تحت كف عاصي التي تكاد أن تكون كماشات وقال بفتور :"خبرك قديم يا عاصي ، لا مسّها ضر مسني أضعافه
وجسدي قدامك يشهد .. مهب لأني أبكم عندهم يعني إن الجراح ماكانت ! رايح للوزير لأجلي ماهو لأجله ولا لها "

ترك كتفه يمسح على وجهه بقهر، بينما يوسف أكمل طريقه بصمت تحت نظرات عمّار وهشام التي تشيعه بضيق بينما عاصي تأفف هامساً بغيظ:"هالرجل صار يعتبر هالمهمة رهان على حياته ، وهالوزير من شدة ما عاش معه خايّف عليه والله العظيم !".
*
*

نهاية الفصل ~
قراءة ممتعة .





فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-11-22, 09:33 PM   #6

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي




الفصل الرابع

[COLOR="Black"]
(4)
*
*
اللهم صلِ وسلم على سيدنا محمدوآله،ماشاء الله.
*
*
المـقر العسكري لـ دولة العدو .

خطوة للأمام تتبعها سيل من الخطوات تذرع الغرفة ذهاباً وإياباً،وجهٌ بملامح غاضبة بشكل عنيف يخيل للمرء أنه أُرتكب بحق صاحبته أبشع الجرائم ولا تصدق العين بأن إمرأة بمثل هذه الرقة قد تحمل ملامحها هذه التعابير القاسية.

ضربت الأرض بقدمها فإرتجفت قلوبهم وإمتلأت ذُعر واللفتة هنا ؛ أن رجالاً بكل هذه القوة ترتجف قلوبهم من إمرأة بهذا الصغر !

قالت متحدثة بلغتهم من بين غضبها ، تشير بعصاتها بعدم إستيعاب:"لا أستطيع التصديق ، لا أستطيع إستيعاب أن ذخيرة قد تُدمر حي بأكمله قد ذهبت أدراج الرياح بسبب إهمالكم،لقد تركتكم خلفي لـ بضع ساعات فقط ، أُصدم بعدها بصوت المتفجرات تعلو أركان العاصمة
بل و أُوبخ من القائد الأعلى بسبب ذنب إرتكبتموه أنتم ، ماذا عساي فاعلة بكم تحدثوا؟"

سُدت الأفواه ذعراً من نبرتها تلك خاصةً العنصر النسائي بالفريق اللاتي حاولن ترتيب جمل تنفي عنهن تهمة الإهمال ولكن عجزّن!
أما هو فـ كان طيلة الوقت صامت ليس خوفاً
بل ذهول ودهشة!
هذه الأنثى غاضبة ؛x لأن مصنع للمتفجرات كان سيقتل أبناء بلدها تدمر ! أحقيقة هذه؟ يا إلهي أيُذهل وهي ترتدي علم غير علم بلدها؟

لم يستطع الصمت أكثر وللعجب أنه بقي ساكن طيلة فترة توبيخها لهم لأنه وكما عُرف عنه-متهور-فأخذ يقول بـ صوت هادىء :"سيادتكِ ، نحن لم نقترب من الغرفة السفلية بمقدار خطوة واحدة
وكما ألقيتي علينا أوامركِ ، كنا ثابتين وملتزمين حتى برغم الجوع والوجع لم ننحنِ ولم نرتح
إضافةً لذلك لقد كانت حياتنا على المحك ، كنا سنُردى قتلى هناك بسبّب الإنفجارات المتتالية والتي قُتل على إثرها سبعة عشر جندي من جنودنا ثلاثة منهم قد كانوا من فريقنا ! و من حسن حظنا أننا إستطعنا الهرب عندما سمعنا أول قنبلة إنفجرت .. لذلك هذا ليس إهمالاً منا بقدر ماكان .."
قاطعته ببرود وهي تردد آخر كلمة قالها:"بقدر ماكان ...!"

نظر لها للحظات قبل أن يدير عينيه لأعضاء الفريق الذين يرمقونه بتوتر واضح فأهتزت حدقات عينيه وأيقن أنه تعدى الحدود
فـ مجادلة القائد هنا تعتبر -عصيّان -حتى لو كنت على حق ! والدليل ضربتها القوية على كتفه بعصاتها ، تكرر بغضب:"بقدر ماكان .. أكمل أريد سماع ما تبقى من حديثك الفارغ ! "
طأطأ رأسه، يشد على قبضة يده بـ غيظ من إستصغارها له وضربها برغم كونها برتبة أعلى منه إلا أنها تبقى-إمرأة-وهذا يجرح رجولته.

ضربته على قبعته فـ رفع رأسه وأرتدت عيناه نظرة مؤذية غاضبة لولا أنها ضربته بعدم إهتمام من جديد ، تهتف بغضب :"أنزل عيناك قبل أن أفقأها لك يا هذا ، أتريد أن أعذبك وأسقيك من الهم كؤوساً لا تنتهتي لعصيانك !"
ضربته مرة أخرى ، تكرر أمر إنزال عينه و حقيقةً لم يعرف من أين أتتهُ القوة على كبح هذا الغضب وإنزال عينيه فـ رغم شهرته بـ عصيان الأوامر في أحيانٍ كثيرة إلا أنها استطاعت جعلهُ ينكس رأسه بخنوع غاضب.
رفعت رأسها تشير لهم بعصاتها :"إنتظروا !
أتخالوني سأبقيكم هكذا ؟ حفنة من المشردين لا يستطيعون الحفاظ على عدد وفير من القنابل ؟؟ مهملين كسولين ؟ أقسم أن أعيد تشكيلكم بيدي هاتين وأن أجعلكم تنسون الراحة التي كنتم بهاxمع الرائد الذي سبقني ،والآن إنصرفوا من هنا
أخرجوا من أمامي !"

صرخت بآخر الجمل فـ إضطربوا أكثر من تهديدها وغضبها الجامح فإنصرفوا على مضض صامتين إلا هوx يشد على قبضة يده بكل قوة شارداً بفكره من شدة قهره كانت قد جلست على كرسي مكتبها تريح جسدها بعد كل هذا العناء ، ولحظة رفعها لرأسها و رؤيته مازال واقفاً تمتمت بصـبر:"صبراً يا عواصف ، إبتليتي بمجانين كثير والأكيد إنك قادرة على كسر رأس هالخردة "

ضربت المكتب بكفها بكل قوة فـطفق يلتفت لها لتشير بيدها بكل عنجهية بمعنى-أغرب عن وجهي -ابتسم حانقاً ورفع يده يضرب لها التحية قبل أن يغادر ويغلق الباب خلفه .. أغلقه ؟ هَه كان على وشك كسره ، وتتركها له ! مسكين إن ظن ذلك.

وقفت بكل غضب تتجه للباب بخطوات تحترق غضباً ففتحته بكل قوة لتصرخ بعنف : "عُد إلى هنا يا هذا وأغلق الباب بكل إحترام قبل أن آتي إليك وأكسر عظام كفك اللعينة"

توقف عن المضي قدماً ، يلتقط نظرات الإستنكار من الجنود الواقفين بالممر فـ كتم قهراً وقرر الإكمال غير مبالي لولا أنها صرخت بذات الغضب :"خطوة واحدة وأقسم إني سأجردك من رتبتك هذه أتفهم !"

وقف بمكانه هذه المرة بل إلتفت وهو يكاد يتفتت من شدة القهر ، تأمل نظراتها الغاضبة
بعينيها الشهلاء المميزة ومع ذلك لم تغره تلك العينين بقدر ما كان يمقتها بهذه اللحظة
إقترب منها بخطوات تدك الأرض عنفاً وغضباً وكأنه أسد ينوي الإنقضاض على فريسته إلا أنه لم يُِسقِط بقلبها حتى ظلال الخوف منه بل وقفت بكل ثبات تقول بـ كل غضب:"إن لم تتعلم الإحترام قبلاً فلا بأس لأني سأعلمك أُسسه خطوة بخطوة ، أغلق الباب بكل أدب قبل أن أكسر كفك !"

دخلت المكتب تكتف يديها غير عابئة بتجمهر الجنود ومراقبة الحدث بأعين الفضول بل مركزة بملامح الملازم الأول التي تكاد تتشقق غضباً وغيظاًx يقترب بكل إحترام - إن كان يسمى إحتراماً -x يمسك عروة الباب ويضغط عليها بكل قوة وقبل أن يقفله كانت قد رفعت أحد حاجبيها وإبتسمت بسخرية تتمتم بلغتها :"أظن ترويضك بيكون سهل !"

برغم أنه لم يفهم ما تقوله بالضبط بسبب صوتها الخافت إلا أن بسمتها الساخرة تلك تركت أوداج عنقه تتورم قهراً مع ذلك أقفل الباب بكل هدوء وهو يتنفس بعمق غاضب و ألتفت يتأمل الجنود قبل أن يصرخ فيهم :"أنحن في سينما ؟ ألا يوجد لديكم عمل ؟"

تأملوه بنظرات متفاوتة مابين سخرية ودهشة وإستغراب مع ذلك تفرقوا بصمت بينما هو رفع يده يمسح وجهه بغضب وضيق قبل أن يتمتم : "يبدو بأن أول لقاء لي معها سـ يتركها تعذبني قسراً بسبب أو بدون سبب .. ولكن لا أظن أني سأستطيع بكل مرة كتم غيظي .. سأقتلها في النهاية حتماً تلك البغيضة !"

تمتم بتلك الجمل بحنق ، ليبتعد عن المكتب بينما هي كانت قد أراحت جسدها على المقعدxلتلتقط قطعة التوت التي تتدلى بغصنها بفمها بـ إستمتاع غير مهتمة أبداً بما حصل .
*
*
هل إطمئن و سكَن بعدما غادر يوسف بكل هذه الثورة لـ يبحث عن مدللة الوزير ؟ بالطبع لا !

قلبه ينتفض لأجله ، بالأخص أنه مازال متأثر بالماضي العتيق لهم مع عواصف
كان يعتقد أن يوسف بكل موقف يمر به بهذا النوع ، يتخيل عواصف مكان كل إمرأة لذلك يثور لها .
خرج قبل ساعات طويلة وحتى نداءاتهم بالسماعات اللاسكية لارد لها فخيّم الخوف على قلبه وإزداد ضيق على حاله ..
أيرقُ القلب على ابنة الخائن لشعبه ووطنه،قاتل ،مجرم بثوب العدالة،ظالم! ليس هذا فحسب أيرقُ على إمرأة عاشت حياتها كلها في البلاد التي إحتلت وطنها ؟ بالطبع لا !
هذه كانت زاوية تفكيره بالموضوع لذلك لم يكن يستطيع تبرير تصرف يوسف بل يعتبره-أهوج وأحمق-
وقف بجانب مدخل حي من أحياء النخبة يصرخ بصوته الغليظ عِبارتهم المشهورة: "حباً لله ورحمة ، لله يا محسنين "
ومن يصدق بأن رجل بهذه القوة والعضلات الضخمة قد يتحول لمتسول في الأحياء الغنية المعروفة بالحراسة الشديدة !
بعدما لاحظ الهدوء المحيط بالحي إبتعد على مضض، يكيل الشتائم لـ يوسف خوفاً عليه
وأتجه للأحياء المجاورة له كالعادة ينتظر الإشارة لـ ظهور ذاك الأحمق وهذه المرة قطعاً سيدُك عظامه على تجاهله لخوفه !

يرمق المكان بنظراته الفاترة والأحياء هذه تثير إشمئزازه برغم أنها من أهم أحياء العاصمة والتي قِل ما تصيبها صواريخ العدو بسبب إرتباط بعض السكان بهم ، مع ذلك لم تكن بتلك الحراسة المشددة ولُحسن الحظ الجميع يستطيع الدخول.

تارةً يصبح المكان فيها مكتظ بالناس فـ يضطرون في تلك المرة لطردهم وتارة تكون خالية إلا من سكانها سواءً من القسطييّن أو من الديجورييّن بسبب تواجد جنود العدو بها.

وهذه المرة كان الحي مليىء بالناس ، فـ بعد الإنفجارات المتتالية شل الرعب أطراف قلوبهم
وقرروا الإحتماء بتواجد بعض الخائنين ، فالقاعدة هنا بأن أي شخص يرتبط أو حتى يتبادل الكلام المحبب والحوار مع جندي من العدو يُدرج تحت قائمة الخائنين.

يحرك عصاته السوداء على الأرض بغير هُدى وكأنه وُجِد بهذا المكان ، يبّحث عن ضالة ولكن لا يعرف ماهيتها !
جلس على طرف الرصيّف غير عابىء بمرور السيارات حوله وأخذ يُنزل قبعته ويتركها بجانبه بعشوائِية كِإكتمال رسمي لـ -منظر المتسول-بنظره بالطبع ! فمن يراه سيظنه ممثل سينمائي هارب من فيلم يتطلب هذه الدور .
أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"
أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"
أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"
أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"
أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"
أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"

أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"

أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"أخذ يدحرج عيناه بالمكان بملل والنظارة السوداء التي تغطي عينيه تركت له الحرية الكافية لـ تفحص كل شيء بدقة دون إثارة جدل.
وآخيراً ! ظهر شيء يثير إهتمامه ويترك الفضول يخيم على عقله
تلك المرأة .. السارِقة ! وحقيقةً لا يعلم كيف تذكر وجهها فـ هو معروف بسرعة نسيان الوجوه
ولكن يبدو بإن الإثم والذنب يتساقطان من ملامحها لذلك ميّزها.

رسّم بسمة ساخرة على وجهه يراقب تحركاتها ، كانت تدخل وتخرج من تجمعات الناس ، تتحدث مع هذه تارة ، وتارةً أخرى تشاركهم ضحكاتهم .. أُناس لاتعرفهم ولكن إندمجت معهم بسهولة شديدة
يبدو بأن الإندماج مع الناس ركيزة من ركائز السرقة!.
بعد نصف ساعة كاملة دارت بها على أنحاء الواقفين بالشارع جلست على ذات الرصيّف الذي يحتوي جسد عاصي ، تتنفس بصوت عالي من شدة التعب، تهتف بحنق:"ناس بائسة ، حلقي بيستغيث من شدة العطش وأنا أحاول أونسهم !"

سكنت للحظات قبل أن تضحك كطفلة في صبح عيد، تكمل هتافها:"ولكن ما كان بعد الظمأ سراب، بل ماء ما نضب"

ولم يكن بحاجة للتساؤل عن ماهيّة هذه العين ؛ لأنها ببساطة بدأت تخرج غنيمتها بمنتصف الشارع ، ترميها بحضنها تفتح هذه المحفظة الصغيرة وتخرج منها ما ينفعها والباقي ترميه ، ويأتي دور المحفظة الأخرى حتى إنتهت ولم يبّقى غير هذا .. هاتف خلوي !
أغمضت عينيها بحسّرة، تتمتم ببؤس : "ياليت كان معها بدال الجوال بشنطته فلوس ، لأجل ما أضطر أتجه لمحل جوالات عشان أبيعه"

رفعت رأسها بعدما إستشعرت أنها مراقبة وعندما لمحت ذلك الرجل الجالس بالقُرب منها ينظر لجهتها حتى زارها التوجس فـ أعادت كل الغنيمة لحقيبتها بسُرعة الضوء و وقفت بذعر تحت نظرات عاصي الساخرة وملامحه الهادئة والتي لا تنم عن أي شعور .. توقفت بمكانها للحظة، تحك طرف وجهها قبل أن تبتسم إبتسامة بلهاء واسعة، تتمتم بضحكة : "الرجل أعمى ، وأنا ظنيته يراقبني -هزت رأسها برأفة
تقترب من جديد وترمي في قبعته قطعة نقدية وتتمتم- الله يعيدها لي ضعفها مئة مرة!"

إبتعدت بعدها، تتهادى بخطواتها فرِحة قبل أن تتلاشى الفرحة فجأة عن ثغرها ويسقط قلبها برعب بسبب يد سحبت حقيبتها بكل قوة عن ظهرها فأرتفعت لفوق على إثر تلك السحبة وهي تسمع الهتاف الغاضب:"يا...وين رايحة يا سراقة!"

عضت على شفتها بكل قوة تنفض نفسها عن يديه وتلتفت تهتف بحنق:"سراقة ؟"

رفع طرف حاجبه بغضب، ينظر لأمه الواقفة بجانبه ويقول بقهر:"هذي المسكينة يا يمة ؟ الي جات لأجل تنتبه لك فيما أنا أدور على سلمى أختي ، وتقولين الله يوفقها بعد وين التوفيق وهي سراقة ؟"

العجوز جعدت ملامحها، تزم شفتيها بضيق:"كيف عرفت إنها الي سرقت جوالك والي تركته أنت بشطنتي لأجل لا أضيع ، وهالبنت هي اللي جلست عندي تواسيني وتسليني ، أنت أعرف العارفين بحالتي "

قبض على الشنطة من جديد يهتف بحنق : "جاهلة انتِ بسياسة السراقين بهالبلد يايمة ، يلبسون رداء الطيبة وهم خبيثين ، هي تقربت منكِ لأجل تسرقكِ ، مسكينة أنتِ للآن تثقين بشعب غدّر بوطنه ، ما بيقدر يغدر بمواطن فيه
والجوال بشنطتها والدليل إشارة جوالي صادرة من هالمكان بالذات ومحد بيقدر يأخذه غيرها هي الي بقت عندكِ ، طلعيه من شنطتكِ بسرعة قبل أدفنكِ حية هنا بدلاً من أن يدفنكِ الصاروخ مقطعة"
نزعت نفسها بكل قوة هذه المرة، تستل حقيبتها من يده وتضرب يده بعنف :"أقولك أنا ماني سراقة ، غبي أنت؟ جاهل بدون عقل ما تفهم عربي ؟ جوالك مهب معي ويدك لو تمدها من جديد علي قسماً بالله لأكسرها لك "

تجعدت ملامحه بغضب وهو يلمحها تتحول للبوة شرسة وهذا دليل كافي كي يتأكد أنها من سرقته فـ كاد يقترب ويبطش منها لولا صوت طرقعة خافتة بالأرض حتى إقتربت ودكت قدم هذا الرجل فألتفت غاضباً يزمجر:"عمى بعينـ.."

إبتلع بقية كلماته بعدما علم بأنه أساساً أعمى
فـ زم شفتيه بضيق ومازالت يده تمسك شنطة الفتاة يمنعها من الهرب:"أعذرني يا رجل ماعرفت.."

سكت عندما تسربلت الكلمات المُدافعة عنها من ثغر-عاصي- :"العفو عند المقدرة ، لو عندك قدرة على العفو فأعفو وهي قالت ما سرقته يعني مارح تكذب بهالتوقيت وتحت الضغط الي سببّته لها،فـ كفّ الأذى عنهاx ولاتنسى إنها إمرأة يعني ترفق "

عقد حاجبيه بإستياء من تدخل هذا الأعمى المتشرد وكاد أن يكسر عظامه ولكنه أكتفى بالقول بكل بساطة:"لا تتدخل بشيء ما يعنيك"

وألتفت ينظر لـ تلك التي ترمقه بعنف وتعقد ساعديها بغضب حتى عندما حاول الكلام بادرت هي بالقول:" الأعمى صدقّ وأنت تتقن التكذيب ، كفّ الأذى يقول لك ما تفهم ؟
يمكن الأذى مهب عندي .. عنده هو !"

نظر لها بعدم فهم وهي إكتفت بنظرة صامتة لـ القبعة المطروحة على الأرض فنقل النظرات بينهم غير مستوعب بينما عاصي أخفى صدمته وشحوبه بصعوبة شديدة من تلك البائسة
هو دافع عنها وهي تتهمه بالسرقة !!! كاد أن يخلع عنه رداء العمي والتسول هذا وينقض عليها يقتلها غير عابىء بكونها إمرأة
ولكنه ترفق واكتفى بتحريك عينه مصعوق هل صدقها ؟ هذا الرجل ينحني ويلقي نظرة على قبعة عاصي ، لحظة هل إشتدت ملامحه بغضب ؟وهل تحولت عينيه لكرات جمر مشتعلة من الغضب
مهلاً ، هل ما أخرجه من قبعته-هاتف خلوي-!! شحبت ملامح عاصي بصدمة بينما تلك البائسة كانت قد إبتسمت بإنتصارxترفع حاجبها وتفلت شنطتها بغضب من يد الرجل مغمغمة بحنق :"لو سمحت مرة ثانية لا تتهم الخلق لمجرد إنهم قدّموا لك يد المساعدة وأنت شخص ما يستاهلها ، صدق خيراً تعمل شراً تلقى ! ناس مقصورة خير"

بعد سيمفونية تقليل من قدره محترمة كان قد- إبتسم بحرج وخجل!!!-ذاك الذي كاد يطرحها أرضاً بالضرب قبل لحظات يبتسم ، صدقّها فعلاً ذاك الأحمق والدليل كلماته:"أعذرينا يا أختي بس والله.."
أشارت له بيدها بتقليل لتبتعد عنه بعدم إهتمام تخفي ضحكتها بصعوبة بينما عاصي أُجبر على إخفاء كل إنفعالاته تحت تعابير ساكنة حفظاً لتنكره بينما الرجل كان صامت بحرج بسبب تقريع والدته له لإتهامه لها بالسرقة ، ولكن سرعان ما ألتفت لعاصي وتمسك بتلابيب قميصه المقطوع يهتف بحنق:"كيف وصل الجوال لـ قبعتك يا حيوان ، أنت منت أعمى صح أنت تمثل كل هالتصرفات ، موتك على يدي الليلة على ظلمي لذيك المرأة"

"-عاصي ، وش صاير معك من هذا الي يهدد ؟"
" -حدد لي موقعه بسرعة الضوء يا شواظ أنا بنطلق له"

كانت أصوات هشام وعمّار اللذين كانوا طوال الوقت صامتين ينجزون مهامهم بسكون ولكن تخلوا عن سكونهم بسبب الكلمات التي تسربّت لسمعهم وأقلقت سكونهم حتى جهاد ضرب على الشاشة عندما لم يتلقى إستجابة من عاصي:"حددّ الموقع وإفتح كاميرات المراقبة اللي حولهxبسرعة يا شواظ"

توتر عمّار وبدأ يحاول معرفة مكان عاصي لولا إنه تسلل لسمعهم صوته مغمغماً ببرود:"أنا بخير .. يا حبكم لتكبيّر الأمور"

كتموا تنهيدات الراحة مغتاظين من بروده بينما مرجان كانت تحرك الأوراق بـ مكتب الرِئاسة قالت ضاحكة :"لأن طوفان ما حضر مارح يحتوي خوفكم ، ما يليّن غير معه"

حل الصمت بعد كلماتها بينما عاصي كان قد نزع يده من ذاك الرجل وأشار ببساطة على عيناه وبعدها على قباعته فـ سكّن
الرجل للحظات قبل أن يستوعب أنه من الممكن أن يكون أحداً قد ترك الجوال بالقبعة دون أن يكون لديه علم عن كونه -أعمى -
ألقى نظرات حانقةx يمسح على وجهه بغضب بينما أمه قالت بضيق:"إترك عنك ظن السوء يا ولدي ودامك لقيته يكفيك وخلنا نرجع بيتنا ، الإسبوع عدّى على خير ماظنتي بعده يفجّرون من جديد"

هز رأسه بتأييد يمسك كف أمه ويبتعد عن عاصي بكل صمت تاركاً خلفه كرة نار مشتعلة غيظ يكاد يتفتت قهراً من تلك السارقة البائسة والتي كان سيحميّها عندما لمح الخوف يطفو على ملامحها ولكنها باعت ذنبها له
وتملصت منه بكل بساطة .. يبدو بأنه كان يحاول أن يكون ملاك خير لـ شيطانة عفريتة.

طيلة اليوم كانت ملامحه مشتدة من شدة الغضب حتى أنه اتجه للمنزل الذي يجمعه مع يوسف علّه يلقاه فيه ولكن قابله الصمت والفراغ كعادة آخر الأيام فإزداد غضبه ضيق .. وخوف على أخ من رحم المعاناة .
*
*
مضى شهر بأكمله من لحظة إختفائها ، بل من الدقيقة التي قُتل بها زوج قيد الإنتظار أمام أنظارها ، وتسعة وعشرون يوماً وهو متلاشي عن الوجود يبحث عنها في كل عُقر صغير ولكن .. سراب
لاشيء ليلتقطه بيداه ، تأمل بصمته المعهود رأس الوزير المائل على كتفه ويده التي تُدلك ناصيته بإرهاق ، أتعبه هروب إبنته وغيابها عن كل المصائب التي واجهها بسبب غيابها الذي كلفه الكثير، خاصةً بعد دعوة المقربين لـ زفافها مع أيوب وبعد يومين فقط يُلغى الزواج بدون سبّب يُذكر ! هنا حقاً لم يهتم بأي من كلامهم ولا بأي مشكلة واجهته في هذه الأيام حتى مشاكل الدولة العصية بقدر ما تأثر بغياب سُكون . . دفع نصف عمره كي تكون بخير ولا أن تلقى مصير إخوتها، أتغيّب الآن وتهرب منه بعد ما عاناه لأجلها !

رفع رأسه يتأمل الكيان الضخم الذي يرمقه بصمته المعهود والذي يُنصفه في بحثه فـ لم يبقى سوى رفع كل حجرة على متن هذه البلاد لكي يبحث عنها ولكن لا جدوى !
رفع يده يشير له بكل بهدوء (أكمل بحثّك
وهذه المرة لا تعُد إلا وهي معك أو لا تعد أتفهم؟ ولو بقيت لأشهر المهم أن تعود وهي معك)

أشار برأسه بصمت عميق ليخرج من الغرفة يضغط على عيناه بتعب بعدما أزاح النظارة عنها .
*
*
ألتفت للسـيارة التي توقفت خلف المبنى العسكري، يشير بيده بعشوائية ضجِراً:"قسماً بالله أي مهمة مشتركة مع القوات العسكرية ومايكون يوسف طرف من أطرافها مالها لذة
واللحين بنروح للحدود ويمكن نشتبك مع العدو وما بيكون معنا ؟ وين المتعة!!"

نظروا لعاصي بيأس هذا الرجل يستحيل أن يستلذ بأي شيء بغياب يوسف .. عفواً بغياب روحه عن جسده!

هتّف هِشام بيأس راكباً للسيارة :"يا رجل جاملنا على الأقل ، إضحك علينا وكذبّ عادي راضين بس لا ترمي قنبلة مالي قدرة على حلّ عقدها فتفجرها على رؤوسنا !"

أبتسم ضاحكاً على يأسهم منه مع ذلك تنهد بعدها بضيق، يصعد بجانب عمّار الذي يحمل بيده جهاز صغير يراقب فيه الإحداثيات وأخذ يتمتم:"الكلب ، له مني شهر كامل ولا رقّ له قلب علي
وأنا مثل الغبي من يغيب فترة طويلة وأقول بعاتب وبزعل يجي يراضيني بكلمتين وأعفيه عن الزعل ، مشكلتي بهالحياة هو قلبي الي ما يطاوعني عليه"

أبتسم هِشامxيومئ بمحبة لعلاقتهم التي كانت ومازالت محط إعجابهم وقبل أن يتحدثوا تهادى لـِ سمعهم صوت عميق خرج من ثغر مبتسم :"الله الله ، آثاريك مقطعني حب من وراي
ومن قدامي كأني ماكل لك عشاء يا الكلب"

ألتفتوا جميعهم بذهول لـ مصدر الصوت قبل أن يفز عاصي وينزل من السيارة يبّحث عنه ولكن لم يلقى له أثراً، ضغط على سماعته هاتفاً بحنق : "تعال مصيّر هالعنق ينعصر بين يديني"

ضحك فألتفتوا من جديد ليقول عمّار :"الصوت مهب من السماعة ، طوفان هنا"

تهللّت أسارير عاصي وأخذ يبحث بعيناه ولكن لا جدوى ،فألتفتوا للسِتار الفاصل بين مقعد الرُكاب والسائق وعندما لمحوه يستند بظهره على عجلة القيادة ويرسم إبّتسامة بلهاء واسعة على وجهه حتى تسربت الطمأنينة لـ أرواحهم ، لم يلبث يرفع يده ويشير لهم بحركته المسرحية كـ دلالة للسلام إلا وقد إنقض عاصي على عنقه بالفعل متجاهل الفاصل بينهم
يضغط عليه بكل رفق ويهتف بحنق عاتب : "فهمني ناوي على موتك يا يوسف ؟ ثلاثين يوم يا النذل ولا كلمة تداري بها خوفي عليك"

ضربه على يده بكل قوة، يتخبط كـ صريع ،أخذ هشام يسحب عاصي ضاحكاً ليبتعد عاصي عاقداً ساعديه، يراقب يوسف الذي يسعل بدراما مصطنعة قائلاً ببؤس :"كان بيقتلني!!
لو بقيت تحت رحمة الوزير أبرك لي على الأقل شهر كامل ما عذبني فيه"

"-بس عذبتك فيه بنته اللي للآن ما عرفت وين أراضيها صح !"

وصلته بنبرة ساخرة من عاصي فـ تنهد يوسف وطفى الضيق على وجهه، يكتفي بـ إيماءة رأس شاردة قبل أن يستعيد شخصيته ويرفع رأسه بكل قوة، يضحك فجأة ويقول:"سمعت طاري إشتباكات ، والله العظيم لها شووق
الحيّاة مع الوزير مقيتة يسلب منك نشوة الفرح
وهو يتركني أعذبّ أبطال بلدي
ولكن لذة تعذيب هالمحتلين والمرتزقة وقسماً بالله ما أترك أحد يسلبها مني"

أبتسموا له بـفخر بينما هو ألتفت يقول بكل حماس:"إربطوا الأحزمة وشدُوها، وأغلقوا الرحمة عن قلوبكم وإفرغوها ، لأنكم مارح تحتاجوها "

ركب عاصي وقبل أن ينطلقوا كان قد فُتح الباب الأمامي وركب القائد جهاد بصمت فألتفت له يوسف وقال بضحكة:"علامك وكأنك لبست ثوبي ، ترى هالصمت مهمتي أنا من خمس سنين أنت مهمتك الكلاااام ياجهاد"

إبتسم جهاد وقال بخفوت متهكم :"قلت لك
تسكت عن الوزير طوال الوقت وهنا تجي وتفرغ طاقة الكلام كلها الي أحتجزتها"

شاركه عمّار ضاحكاً يضيف:"أوقات أقول كانت معجزة بأن يوسف قدر يمثّل طوال هالفترة بأنه أبكم بل قدر يتجاوز إختبارات الوزير بكل مرة
أنت أكثر رجل يثرثر على وجه البسيطة "

زمّ شفتيه ببراءة يرفع عيناه للمرآة ليرى عاصي وهو يدافع عنه بكل قوة:"يتكلم بتعبك و كدّك أنت وياه ؟ لسانه هو الي يبربر ويتعب فإتركوه على هواه يكفي إن الوزير سالبّه هاللذة"
إبتسم له بإمتنان شقي فـ ضحك له عاصي بينما البقية إلتزموا الصمت .. ليس لشيء ولكن مذعورين
بسبب السرعة الخاطفة التي انطلق بها يوسف فجأة متجاهل كل القيود وسامحاً لنفسه بالإنطلاق بكل هذه العجلة كي يصل بسـرعة .. لـ كسّر هامة جميع من أوجع حدُود بلده !
*
*
باتت عجلات السيارة تستغيث من شدة وعورة الطريق ولكن يوسف لم يأبى بتضرعها له كي يخفف من سرعته ، هتف هاشِم صارخاً بهلع من خلفه :"يارجلx بنموت وحنا في طريقنا للمهمة ، على الأقل لا متنا خلنا نموت و نحن فيها"

ضحك يوسف غير عابئ بإستغاثاتهم أبداً ورفع يدهx يضربها بيده الثانية :"عشان ثاني مرة تتعلمون تشتاقون لي ، أجل شهر محد ذكرني فيه غير عاصي .. أوريكم"

صرخ عمّار بصدمة يهزه بفجعة:"إمسك الدريسكون يامجنون ، ماقتلنا شوقنا لك بتقتلنا إنتقام يعني"

تبسم عاصي ضاحكاً ،يستند برأسه على طرف زجاج السيارة وبرغم إن رأسه ضرب بزجاجها أكثر من عشر مرات لكنه كان صامت تاركاً ذلك المجنون يستمتع بالقيادة التي يتفنن بها في كل مرة.
أما جهاد كان مركزاً في الطريق ومشغول باللاسلكي وعند بدء استغاثاتهم تمتم بضجر : "الله بلاني بـ فريق مجنون"

إتسعت ضحكة يوسف أكثر فأكثر يضرب كتفه بميانة شديدة وغير جديدة عليه:"لاتنسى ان هـ الفريق كونته برضاك الشديد
مهب كذا وبس كنت بتموت لأجل تجمعّنا بدايةً من تفجيركم لـ مقر الكلاب ونهايةً للعشر السنين اللي كديّتنا كدّ فيها "

رفع عاصي صوته و أخيراً يقول على مضض:"لا وبعد يتمنّن علينا ويقول مجانين ، أنت بكبـ.."

نظر عاصي لهِشام بطرف عينه بعدما قفز بصدمة وكمَم فمه،xيهمس مصعوق:"علامك أنجنيت ناسي إنه قائدنا"

تململ بضجر وأبعده عنه يُعيد الجلوس كما كان بينما صوتها الخافت تسلل لسمعهم:"الحسنة الوحيدة بفريقك المجنون هو أنا يا قائد .. ولا ؟"

أبتسم بخفوت من قولها بينما العنصر الرجالي بالفريق سكتوا مغتاضين وآخر غاضباً عندما علّق بكل تشييّد :"هذي حقيقة لا تقبلxالنكران يا زمهرير ، تفانيّكِ بعملكِ ما يحكي به إثنين"

ابتسمت ولكن سُرعان ما تلاشت البّسمة بصدمة من صوت التفجير الذي صدح بالمكان فـسحب يوسف المكابح بكل قوة وألتفتوا لـبعض مشدوهييّن من صوت مرجان الذي يتعالى صداه بالمكان:"إحموا السفير ، السفير رح يغتال
القوات العسكرية وين أختفت .."

كانت في مهمة رسميّة موكلة من المكتب الرئاسي للـ توجه مع سفير لإحدى الدول لـ منطقة الحدود المشتركة مع العدو لمعرفة إلى أي حال آل إليه هذا البلد ولكن يبدو بأن هناك معارضين لـ وصول السفير !!
هتف جهاد بغضب يكرر:"زمهرير ، وش حصل ؟ السفير أُستهدف!!"
وصل لسمعهم صوتها الخافت المذعور :"إلحقونا .. هجموا علينـ.."

تلاشى صوتها بذات اللحظة فـ شحبت ملامحهم لم يحتج يوسف للأمر كيّ يشق الطريق
ليس بسرعته المجنونة فحسب ؟ بل بأضعاف أضعافها ولو كان بيديه أن يطير بهم لـ طار
وهذه المرة لم يسمع أياً من نكد هِشام وعمّار ؛ لأن الخوف على مرجان والبقية كان له النصيب الكافي كي يجعلهم يلتزمون الصمت.
*


دقائق معدودة قبل أن يصلوا لموقع الإغتيال والهجوم نزلوا مسلحين بتلك اللحظة
فألتفت جهاد يشير لهم بحرص:"أنتبهوا على بعض ولا تنفصلوا أبداً ، الفريق رقم واحد وإثنين تواجدوا بالمكان والقوات الخاصة اُستُدعيت
كل اللي عليكم تحمّون السفيرxمن بطشهم وتنتشلون زمهريّر و من معها من كل هالمصيبة .. مفهوم !"
"-مفهوم !! "

تعالت أصواتهم بذات اللحظة وأنطلقوا خلف بعض يلتفون مع فريق الجوى من خلف الصخور التي حجبّت عن العدو رؤيتهم بينما السفير وزمهرير والبقية كانوا محاصرين بسياراتهم من قِبل مرتزقة العدو ولم يمنعهم عن قتل السفير إلا وجود بعض المقاومين ..
إلتفت زمهرير وإقتربت من السفير تهتف بخوف:"سيادتك ، تعال للجهة الخلفية الفرق العسكرية رح تهاجم الحين ويشتد الحصار"

كان سيمضي معها لولا اليد التي سحبت السفير هاتفاً صاحبها بكل قوة:"لا سيادتك تعال معي ، الجهة الأمامية حراستها من قِبل العدو بسيطة جداً ومشددين على الجهة الخلفية"

لم يكمل كلامه إلا وقد إنتقل السفير معه بعدما قُتل كل حراسه فـ ضربت مرجان الأرض بقدمها بكل غضب وأخذت تشتم السماعة التي دُهست تحت الأقدام بعدما سقطت من إذنها بسبب تدافعهم ثم ما لبثت إلا أن نزعت المسدس من الحزام المثبت خلف فخذها، تتنفس بعمق وتمشي بحذر خلف السفير الذي ينتفض بهلع ، ألقت نظرات تفحصية للمكان تلمح العنصر النسائي للمكتب الرئاسي منحنين تحت السيارات وصوت صراخهم المذعور يلتف بأنحاء المكان بينما هي كانت قوية .. بل أقوى مما يظنون وهي تلتف بحركة سريعة وتتقفى أثر السفير ،بسبب نظراتx الحارس الغريبة التي تركت التوجس يزورها تبعتهم ! قبل أن يتجهوا للجهة الأمامية المكشوفة للعدو، إلتقطx الحارس سلاحه ورفعه على رأس السفير مبتسماً بـ خبث :"أهلاً أهلاً بمدعيّين الإصلاح، أتعبت نفسك بجيتك هالبلد مصيره للهوان يا سفير السلام ، أنت وكل شخص يفكر يرفعه للنهوض مصيره للموت"

إرتجفت عظام السفير أكثر من رجفتها وهمس متلعثماً من الخوف والذهول ليقول:" هذا وطنك يا خائن وشعبك اللي يموت ، بكم أشتروك! "

أبتسم له بـ بزهوx يرفع كتفيه بعشوائية:"كُن على ثقة بأن الثمن الي أشتروني به أغلى بكثير من كل هالوطن اللي تتكلم عنه.."

شحب وجهه عندما تعالى صوت الرصاصة وظن لوهلة أنه قُتل لولا أنه فتح عيناه برجفةx يلمح الخائن يسقط صريعاً و دمه ينتشر بالمكان ، إلتفتxيلمح إمرأة تقف وتتنفس بصعوبة وخلفها أربعة رجال كانوا قد أطلقوا النار بذات اللحظة على جسد الخائن !

دكت عظامه بعضها بعض من الرعب بينما مرجانx والتي برغم كل شيء عجزت عن إطلاقx رصاصة واحدة من مسدسها كانت قد إلتفتت ولمحت فريقها يقف خلفها كـ سد قوي منيع بعدما أردو ذلك الخائن و أنهوه عن الوجود فإبتسمت براحة.
بينما يوسف كان قد هتف بكل قوة يمسح الدم عن وجهه الذي لُطخ لحظة قتله لأحد المرتزقة :"إلتفوا لليمين مع الفريق واحد
وأنا وعاصي وفريق إثنين رح نهاجم الي يترصدون لنا من اليسار .. اليوم السفير رح يوصل بسلام لمقر الدولة"

هُزت الرؤوس بالموافقة وقبل أن تنطلق مرجان تلبي أوامر يوسف كان قد وقف عمّار أمامها وقال بصوت خافت:"إرجعي للكادر النسائي لمكتب الرئاسة ، ما نبي أي شك يلوح ببالهم عنكِ لو يعرفون إنكِ معنا رح تلقين حتفكِ
لا تظنين لأنهم مرعوبين يعني أنتِ بأمان
هالفئة لعينة حتى بنص خوفهم يشتغلون أبراج مراقبة"

نظرت له بتوتر بينما هو أبتسم كي يبّث الطمأنينة لقلبها بطريقة تليق به ولكن سحب ذخيرتهxبشكل لا يليق به أبداً هي لم تعتد على
تواجده ميدانياً بكثرة كان دائماً خلف الشاشة ، رؤيته يسحب أمان المسدس بملامح متوحشة وغضب عنيّف وإطلاقه للرصاص بـ بكل قوة بدون أن يرفّ له جفن من الخوف كانت برغم كل شيء .. ممتعة !

أخفت مسدسها بكل عجلة تتجه لبقية النساء وتندس بينهم تمثل الخوف .. بينما الخوف من هذه المواقف لم يعد له مكان بقلبها لأنها لم تكن المرة الأولى ولا حتى العاشرة لها !

أما الفريـق فكان صراعهم مع الجنود وبقية القوات العسكرية على أشدّه حتى جاء الدعم العسكري من بقية المقاومين والصامدين بوجه المحتل فدافعوا بشراسة و أحبّطوا العملية ففشلت فشلاً ذريعاً !

بعد ساعات طويلة من الإشتباكات والصراعات التي إمتدت بكل عنف كان يقف بصعوبة يخفي مسدسه في حزامه الخلفي ويلقي نظرات متوجعة على من رحل من طرفهم ، همس بقهر :"ننوي نبني وطن منتصر ، وبكل مرة نبني تنهد الأعمدة على رؤوسنا ، مايوجع بأن الخائن هو إبن الوطن فهموني !!"

صدوا بـضيق واجم بيّنما السفير رفع يدهx يربت بها على كتف يوسف وأخذ يتمتم بـ بسمة منهكة ومازالت حدقات عيونه تهتز ذعر :"لا بأس عليكم وعلى وطنكم ، ربّك قادر يا ولدي على كسّر كل من نوى كسّركم ، و ما دام لوطنكم رجال مثلكم بإذن الله ما بيـطيح..مصيره للرِفعة!"
أشاح ببصره بـ ضيق يرمق حلقة الرجال الواقفة على يمينه ويساره بينما النساء كانوا قد وقفوا بجانب السيارة ينتفضون هلعاً ، عقد حاجبيه لوهلة ثم إتسعت عيناه بصدمة وهو يلمح أحد المرتزقة كان مازال حي ويتنفس، بل وله القوة الكافية على الغدر وهو يرفع مسدسه وينوي إتمام تلك المهمة وقتل السفير
لولا أن يوسف دفع السفير بكل قوة فسقط على الأرض .. لتكون رصاصتي الخائن من نصيّبx يوسف .

أصوات صراخهم ملئت المكان ليلتفت عاصي بكل قوةx يسحب مسدسه بذات السرعة ويفرغ كل مابقي بداخله بصدر الخائن بدون أن تتحرك بداخله مشاعر الرحمة ليلتفت بخوفٍ لم يعشه طيلة حياته لذاك الذي سقط على الأرض يصارع ..
*
*

إنتهى الفصل..
قراءة ممتعة ~




التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة صالح. ; 17-11-22 الساعة 10:08 PM
فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-11-22, 09:45 PM   #7

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي



الفصل الخامس



ماشاء الله، اللهم صلِ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.
*
*
في سيارة الفريـق .

كانوا يتفتتون قهراً والغضب جليٌ على ملامحهم، بينما هو يبتسم ببراءة يشير لـ عاصي بطفولية:" أنا وش ذنبي فهموني؟ أقوله إني طيب وبخير وحالتي الصحية مية مية
أنا والله و بكسر الهاء ما يأثر فيني وجع من عدو أو خاين، والبدلة الحامية تصدّت للرصاصة اللي بصدري، والثانية خدشت كتفي خدش بس
يعني بخير وما حولي شر".

صغّر عاصي عينيه بقهر ونطق هشام وهو متشبث بباب السيارة من الهلع: "أنت الوحيد اللي تتحكم بالجني هذا ، علمه يخفف السرعة ويستهدي بالله، يعني حتى السفير تركناه ورانا مع القائد و زمهرير لأجل الخدش هذا "

ضحك يوسف وهو يلمح عمّار الذي هز رأسه بأسى بينما يوسف رمق عاصي وقال بخفوت :"وقف وقف "

تجعدت ملامح عاصي بعدم إعجاب وقال بحزم :"قسماً بالله ما توقف عجلة بهالسيارة إلا قدام أقرب مركز صحي، تفهم أنت و اياه ولا لا ؟ عساها وخزة إبرة بس يكفي إنها أذّت يوسف"

تنهدوا بإحباط بينما يوسف ابتسم بضيق، وملامح عاصي المتوجعة برعب كلما تذكر اللحظة التي صُدموا بها بالرصاصات التي أصابت يوسف وسقط من الوجع على الأرض بسبب قوتها؛ كلما تقلص قلبه من شدة الوجع، وبرغم كل المآسي التي مروا بها على مدار السنوات التي أمضوها معاً إلا أن عاصي بكل مرة لا يتقبل فكرة وجع يوسف أبداً.. وفّى بعهده ولم تقف السيارة إلا أمام المركز القريب من الحدود، والذي كان ممتلىء بجرحى الحرب سواءً من المقاتلين الذين يُخفون هوياتهم أو المواطنين الذين وصل الوجع والأذى لهم.
نزل يوسف يقف أمام السيارة وينظر للمصابين بجراح خطيرة وصوت أنينهم يلهب روحه فغمغم بإحراج :"تبيني أدخل لأجل خدش و هالرجال يدخلون بأيدي مقطوعة؟"

نظر له بطرف عينه وأقفل الباب بقوة، يسحب المسدس ويدسه بحزامه من الخلف بخفة شديدة: "وتبي تنقطع رجلك بعد؟ سمّ وآمر و وش بخاطرك علمني ؟"

تنهد بإحباط وضم شفتيه للحظات يراقب عمّار وهشام الذين يشيرون له بكل أسى أن (لا أمل) لأن لا عناد يتغلب على عناد عاصي خاصةً لو مسّ الموضوع يوسف ، فتوسطت يديه خصره وهو يهتز بطريقة مضحكة جداً ويقف ويتشقلب بكل براعة على يده وسط نظراتهم المصعوقة بحرج
بينما هو وقف يتنفس بعمق يخفي ضحكاته القوية هاتفاً:"شفت ؟ أنا بخير وكل الخير
ومستعد أقلب لك مهرج بهلواني وأسير على يدي اللي خدشتها الرصاصة بعد، بس تكفى خلنا نرجع لا تفضحني عند هالناس"

أغمض عيناه بكل إنهاك عندما تقدم عاصي وسحبه من يده اليمين التي لم تصب ومشى غير مستمع لإحباطه بينما عمّار التفت لسيارة المكتب الرئاسي التي توقفت بجانب سيارتهم فعقد حاجبيه بعدم فهم وتقدم يقف أمام الباب يتأملها تنزل بخوف، رفع حاجبه وقال بخفوت :"ليه جيتِ؟ ماراح تلفتين النظر بإختفائكِ!"

هزت رأسها بالرفض الشديد، تعدل حجابها البني الغامـق وتسحب شنطتها الصغيرة مغمغمة:"لا ، السفير أمر برجوعنا وتولى القائد جهاد والفرق الإستخباراتية والعسكرية أمر رجوعه، وأنا على طول لحقتكم لأجل أتطمن على طوفان، بخير هو؟!"

نظر لها بعدم رضا، بل بعدم إعجاب بتاتاً لخوفها هذا وقال بغيظ:"بخير، بس عاصي وخوفه المبالغ على يوسف هو اللي وصلنا لهنا"

قالت بعفوية وهي تقف بجانبه كي يدخلا سوياً:" ولو الحرص واجب، والحقير كان قريب جداً من طوفان لما رمى الرصاصة يمكن إرتدادها أثر على أعضاءه!!".

رفع حاجبه ولكن لم يرد عليها بل وسّع الخطوات ودخل للمستشفى غير عابىء أبداً بخطواتها الصغيرة التي حاولت فيها مُجاراة خطواته ولكن لم تستطع فتنهدت بإحباط شديد.

وكأنه طفل صغير وعاصي والده، يسحبه بكل صرامة وغير مهتم بسماع تبريراته فشتم نفسه باللحظة التي مثّل فيها الوجع عندما أُصيب
والآن يذوق مرارة مزحتهِ التي ألقاها على شخص جِدي كعاصي!
توقف الفريق بأكمله بسبب صوت بكاء طفل صغير يكاد لا يتعدى التَّاسعة من عمره والتفتوا بإستنكار لتشحب وجوههم قهراً عندما لمحوا وجهه المتورم من آثار إنفجار وبقايا الشظايا التي تطايرت على منزلهم القريب من الحدود تتغذى على لحمه الطري، تورمت قلوبهم كمداًxوهم يتأملون أطفال بلدهم يبحثون عن حياة
بينما هو كان قد التفت لوالد الطفل الذي يصرخ من حر جوفه: "دكتور الله يخليك، دكتور ساعد ولدي ، زوجتي ماتت ما بقى غيره الله يرضى عليك"

كان جميع الفريق الطبي الصغير المتواجدين في الصالة مشغولون بجراح البقية الخطيرة جداً والتي تشابه حالة الطفل فلم يستطيعوا تلبية النداء ، فالتفت من جديدxعلى والد الطفل الذي كان يصرخ قهراً من تجاهلهم لتتحول صرخاته لدعوات فرح بسبب صوت أنثوي حازم يتقدم لهم:" تفضل أنا الدكتورة سكُون "

أيعقل !
تلك التي حرث هذا الوطن وبحث عنها بكل زواياه تقف الآن أمامه بهذا الصمُود، بهذه القوة
وكأنها لم تكن كقطة ترتجف ذعراً وتبكي هلعاً أمام عيناه! وكأنها لم تكبر طوال حياتها بأرض العدو
أتداوي الآن جِراح أطفال وطنها الذين جرحهم هذا العدو؟

يا الله .. أهذه تنهيدة عميقة اجتاحت كل روحه وهو يلمحها أمامه بأكملها بخير !
التفتوا جميعهم لمصدر التنهيده حتى هي والتي كانت واقفة تماماً أمامه
فارتبك و التفت بكل قوة للخلف يسحب الشالxالملتف على جرحه ولفّه بكل عشوائية على وجهه بعدما إلتفت يجعد ملامحه بألم، توقفت أمامه للحظات ، هذه العيون ليست بغريبة عليها، أين رأتها؟ هذا السّواد الحالك النادر ، هذا..

قطع عليها سلسلة أفكارها عاصي الذي هتف لها :"مطولة يا دكتورة ؟ بعد هالطفل لازم تعالجين صاحبنا بسبب جرح رصاصة".

استعادت رشدها بسبب غلاظة أسلوب عاصي فالتفتت للطفل بملامح متأسفة، تنحني له، تمسح على وجهه المتورم بحنية شديدة، تبتسم وتقول:"بتصير بخير لا تخاف، الحين بنداوي جروحك وتصير بخير"

كان قد توقف عن بكاءه للحظات بسبب إنتهاء طاقته قبل أن يقول بصوت مبحوح بائس من شدة الوجع برأس مائل على الكرسي المتحرك: "و أمي ، محد بيقدر يداوي جروحها صح ؟ ما بتصير بخير أبوي كان يقول زوجتي ماتت يعني.."

تلاشى صوته عندما غاب عن وعيه من شدة الوجع بينما سكُون كانت قد كتمت بكاءها بصعوبة وتجلّدت وهي تقف وتشير لوالده مع الممرض الذي وقف بجانبه بأن يتوجها لزاوية الصالة و التي كانت مكتظة بالجرحى
إضافة للغرف الممتلئة والتي لا يوجد بها متسع، التفتت للفريق الواقف أمامهاxبعدما إمتلأت ملامحها قوة كانت قد إستعادتها بصعوبة
توقفت أمام يوسف من جديد، ولكنها التفتت عنه بسبب سؤال الممرض فاقترب يوسف من الفريق وهمس:"بنت الوزير المفقودة "

صُعقوا و فغروا أفواههم بينما عاصي عقد حاجبيه بعدم إستيعاب ليهمس بصدمة:"ولو عرفتك يا حارس زمانك ؟ راح تكون بخير ؟ راح تنتهي حياتك لو وصل للوزير خبر عن هويتك الحقيقة يا يوسف،
أنت تلعب بالنار، لازم نخرج الحين بسرعة"
هز رأسه بالنفي الشديد هامساً بذات الصوت :"بعد ما أتطمن إنها بخير، هالمكان ما يناسبها يا عاصي .."

قاطعه هامساً بحدة غاضبة:"عساها تحترق أنت وش دخلك بكونها بخير من عدمه -طلع من إطار الصبر يهتف بحنق- ليه تعتبر كل أنثى موجوعة تمر من قدامك عواصف فهمني؟ انساها انساها هي من عشر سنين نستنا و اختفت".

التفت الفريق بأكملِه لهم بل جميع من بالصالة بسبب هتاف عاصي الحاد و العنيف فتغضّن جبين يوسف بقهر وارتدت عيناه نظرة مؤذية جداً لطالما ارتدتها بلحظة وصول الحديث لهذه النقطة فلم يرد عليه بل اكتفى بنظراته التي أغضبت عاصي فوق غضبه، أمالت سكون شفتيها بعدم إعجاب لهذا الصخب بينما مرجان كانت قد همست لعمّار :"هذي البنت اللي هربت معهم بوقت إنقاذ القائد لهم صح ؟"

هز رأسه بإيجاب ولكنها عقدت حاجبيها بسبب سكُون التي تقدمت منها وقالت :"عواصف صح؟
لو سمحتِ هاتي زوجك والحقيني أنتِ وهو بدون الواقفين، وأعطيهم علم بأنهم في مستوصف ما هو بساحة حرب"

مشت متجهه للطفل المصاب، بينما وجوه الفريق كانت شاحبة بصدمة يتراشقون نظرات مصعوقة بل غير مستوعبة لإستنتاج سكُون أبداً
نظر لهم يوسف بضيق وحكّ طرف وجهه بعدم رضا، بينما عمّار كان صامت،كاد يوسف أن يرفض لولا أن عاصي استعاد رشده ودفع يوسف يقول : "رح عقّم جرحك
الواضح ما ميّزتك -التفت لـ مرجان وقال بهدوء-: تطوعي لنا بالخدمة هذي يا زمهرير بنكون شاكرين لكِ، بس وقفي بجنبه الواضح هالدكتورة مارح ترضى بتواجد شخص غيركِ"

صمتت بضيق و هي تلمح صمت عمّار وملامحه الهادئة والتي ما كانت سوى قناع لثورة عنيفة فاكتفت بهز رأسها بموافقة فاتجه يوسف لمكان وقوف سكُون بينما مرجان مشت خلفه بخطوات يائسة متضايقة، وتضاعف ضيقها بسبب تعليقات سكون العفوية مثل (ارفعي كم قميص زوجكِ، لو سمحتِ عدلي وضيعة جلوس زوجكِ ، ساعدي زوجكِ)
وكانت ممتنة جداً ليوسف الذي كان يبادر بسرعة دون أن ينتظرها كي يكفيها شر هذا الموقف .
كانت ساعة مجنونة فعلاً، كادت أعضائهم تذوب من الغضب بل من الضيق، مع ذلك التزموا الصمت
ليس غضباً لأنفسهم و للموقف فحسب! بل بسبب المتواجدين من أبناء وطنهم بهذا المكان
يا الله .. كانت أشكالهم تذيبُ القلب كمداً !
صعدوا السيارة وابتعدوا مسافة بسيطةxعن المركز
يعم أطراف السيارة الهدوء، يتأكدون بين الفينة والأخرى من وجود سيارة مرجان خلفهم
الصمت المقيت يلف أطراف السيارة كانوا صامتين حرجاً وضيقاً، بينما يوسف صامت يبحث عن حل لتفكيره المتعب هذا
يبحث عن خلاص لسلاسل الأفكار هذه؟ أيأخذها عنوة ويعيدها لقصر والدها فيكمل مهمته ويبقى مع الوزير يلتقط ثغراته؟ أو يتكتم على وجودها ويتناساه برغم الخطر الذي يحيط بها؟ أو يبقى معها ويمنع هذا الخطر عنها..! ولكن هويته؟ ماذا لو كُشفت ! لن يُلقي بنفسه فقط في الخطر ! بل بمهمة امتدّت لخمس سنوات كاملة !! تنهد بعنف فالتفت له هِشام وقال بهدوء بعدما فسّر تنهيدته لسبب آخر :"كان غصب عنك يا طوفان
لا تشيل هم كلنا ندري بنواياك
والمهمة نعرف إنها تتطلب أحياناً بعض التنازلات ! "

نظر له بإمتنانxولكن سرعان ما تبدلت النظرة لتوجس وعدم استيعاب بسبب اللاسلكي المرفق بالسيارة والذي كان يصدر أصوات مشوشة و غير مفهومة سحبه يوسف بكل عجلة، يرفع السلك المرفق به ويحركه عشوائياً لعل الصوت يتضّح فـ فهم بعض الكلمات منها ":المستوصف على يمين الحدود ، الخائنين الجرحى، توجهوا"

فقط هذه التي إستطاع إلتقاطها من براثين الشوشرة وسوء التغطية فـ ضرب -الطبلون- يلتفت لعاصي بكل قوة:"وقف السيارة بسرعة يا عاصي "
عقد حاجبه بعدم فهم ونظر له بإستغراب:"وش صار وش فيك!"

أرجع اللاسلكي لمكانه والتفت لهِشام يقول بعجلة :"عندك ذخيرة زيادة ؟ ذخيرتي انتهت"

سحبها هِشام و ناولها له فالتقطها وأعاد الأمر على عاصي الذي توقف يقول بغضب بسبب عدم تركيزه بالإتصال من اللاسلكي:"ليه راجع فهمني ؟"

نزل من السيارة ونظر لهم بهدوء، يطلب من عمّار الشال بسبب الدم الذي في شاله فناوله إياه بصمت وراقبوه وهو يلفه على وجهه متمتماً":إرجعوا للمقر انتوا ولا تخافون علي
ساعات بسيطة وألحقكم، الحين عندي مهمة وجب علي أنفذها"

نظر له عاصي بغضب عندما فهم طرف المعادلة ،ضرب عجلة القيادة بعدم رضا :"ومن وين جاتك الأوامر يا يوسف فهمني"

نظر له بصمت للحظات قبل أن يشير لعقله فتأفف ذاك بحنق بينما يوسف أقفل الباب وابتعد عنهم بخطوات سريعة غير عابىء بتوقف مرجان بخوف وتخطاها بكل قوة؛ لأن الوقوف و قلبه يلتهب خوف كان مستحيل، بل من سابع المستحيلات..
كل إمرأة يراها على أرض هذا الوطن .. كانت تُذكره بعواصفxتلك الطفلة الصغيرة والتي كانت بيومٍ ما صديقته لذلك كان كل مرة ينذر حياته في سبيل بقاءهن بخير .. برغم كل ماحصل !
شعور سيء يحيط قلبه، والمخيف لقلب
كقلب يوسف.. أن كل ما يشعر به يحصل !
لذلك كانت خطواته لا تكاد تقف على الأرض وهو يركض بكل ما أوتي من قوة لعله يحصل و يتلاشى هذا الشعور السيء و يكونون جميعهم .. بخير!
بات قريب جداً من المركز الصحي والأصوات التي كانت تظهر في لحظة خروجهم كانت قد تلاشت
يا الله ماهذا الصوت الذي تهادى لسمعه؟ كان صوت صراخ رجل، أتكون هناك نبرة بهذا القدر كله من القهر ؟
لا يعلم هل طار فعلاً ؟ أم من شدة الخوف عليهم لم ينتبه لخطواته، كان قد اتجه للباب الرئيسي للمركز الصحي ولكن جثتين لرجلين كانتا قد رُميتا أمام الباب تركته يعود أدراجه بحذر عندما أيقن بأن الإخبارية كانت فعلاً صحيحة
إلتفّ حول المركز الصحي، يبحث عن المدخل الخلفي ولكن أثناء دورانه لمح أحد النوافذ مفتوحة وصوت بكاء طفل صغير وآخر غاضب لإمرأة يتسلل لسمعه .. لحظة واحدة
هذا الصوت!! إلتفت بكل قوته للنافذة و عندما لمحها تدفع الباب بكل قوة، تحاول أن تتصدى لأحد الرجال الذي حاول الدخول
بينما ذلك الطفل.. ذو التسع سنوات
كان قد أقفل أُذنيه بيديه ويهتف ببكاء مرعب : "بيقتلونا مثل ما قتلوا أمي يارب ساعدنا يارب احفظ أبوي واحفظنا"

لأول مرة يشعر بكل هذا الخزي والقهر ولا يعرف كيف تسربت القوة بكل أجزاء جسده بعد شهر موجع بحضرة الوزير ! التفتت سكُون بهلع من صوت ارتطام أقدامه على الأرض فأدركها الآخر ودفع الباب بكل قوة فسقطت على الأرض على إثر دفعته القوية كتمت تأوهها بكل قوة ، تغمض عيناها وتخفي وجهها بين يديها من شدة الخوف بينما الرجل ذاك كاد أن ينقض عليها لولا ضربة قوية على فكه أرجعته للخلف وتركته يمسكه بكل قوة من شدة الوجع
رفعت رأسها بعدما استشعرت أحد ما يسحبها للخلف فصرخت بكل قوة ودموعها بدأت تتساقط من الهلع ولكنها سمعت صوته العميق برغم الموقف الصعب وخطورته كان قد استدعى أقصى نبرات صوته هدوءاً مغمغماً:"تعالي لا تخافين أنا يوسف وما بأذيكِ"

فتحت عيناها بكل قوة بعدما تذكرت بأنها سبق وسمعت هذا الصوت والأكيد لن يكون لأحد القتلة بالخارج؛ لأنه كان للمريض الذي عالجته قبل نصف ساعة فقط.
لمحته يفلت طرف عباءتها بعدما وقف خلفهاxيشير على الطفل:"خليكِ وراي أنتِ وهو، خطوة وحدة عن ظهري لا تتحركين تفهمين ؟"

هزت رأسها بقوة وبكل مرة تتساقط أدمُعها تِباعاً من شدة الرعب احتضنت الطفل حمزه و قامت بتهدئته وهي من كانت تحتاج للتهدئة في أول مرة تعيش هذا الموقف والإشتباكات وأجواء الحرب في بلدها ، برغم أنهم قد حذروها في اللحظة الأولى التي دخلت فيها للمركز الصحي إلا أنها عاهدت نفسها أنها ستضمّد كل جرح بكل مرة يفتح والدها جرحاً واحداً.

سحب يوسف السلاح بكل عجلة بعدما استعاد الرجل طاقته، وأطلق عليه الرصاص بعشوائية فأصابت كتفه وساقه فهوى على الأرض يصارع الوجع بينما عمّ الصمت أنحاء المركز الصحي فجأة إلا من أصوات خطواتٍ كثيرة ، ضرب يوسف الأرض بكل قوة يهمس بغضب:"كانوا مركبين كاتم الصوت وأنا بغبائي سحبتهم لي"
أخذ خطوة كبيرة يتجه للباب قبل أن ينحني و يضرب الخائن بحافة المسدس على مؤخرة عنقه ضربة إحترافية تركته يفقد وعيه بكل سهولة بينما هو كان قد سحب مسدسه الكاتم للصوت ويدنو برأسه من طرف الباب وبلحظة لمح الرجلين يتقدمان له ويشيران على الغرفة حتى صوّب بالمسدس و رماهما فصرخا بكل قوة يستدعيان البقية فكانت الرصاصات التالية في صدورهم نكالاً لكل نفس بشرية قُتلت على أرض هذا المركز.

الخطوات كثُرت و اشتدت فذُهل بعدم فهم ، ألم تكن الإخبارية عن كونهم جرحى! ما بالهم كالثيران ؟ دخل الغرفة وأقفل الباب من خلفه واستند عليه بظهره وهو يفكر ،
الواضح بأنه الشخص المسلح الوحيد بهذا المركز بعدما قتلوا الحرس، والذخيرة ليست كافية للتصدي لكل هؤلاء الرجال ، والـ..
رفع رأسه بتلك اللحظة ولمحها ترمقه بنظرة..
يا الله لحظة واحدة فقط .. أليس ذات الموقف ؟
أن يقتل شخص ما أمام أنظارها ؟ ولكن النظرة ليست بذات النظرة.. إطلاقاً !
كانت قد نظرت له بالموقف الأول وكأنه المجرم الذي قتل البشرية كلهاxوتسبّب بكل هذه الحرب
ولكن هذه النظرة .. تحيي العظام وهي رميم تحيي الأمل وهو غير موجود! كانت قد أودعت فيها كل رغبتها بالحياة وكل هلعها وخوفها ولكن هذه المرة خوفها من شخص غيره .. لم يكن منه هو !
أغمض عينيه بكل قوة، يسمع صوت بكاء لإمرأه من صالة المركز تستغيث، فهمس بكل قهر :" بئساً لي إن كنت بخذلكم"
سحب مسدسه الثاني، يفتح الباب بقدمه ويقفله من خلفه بكل قوة بعدما إنحنى على الأرض وأنتقل للغرفة المقابلة لهذه الغرفة ، سمع صوت خطواتهم وتحركاتهم فسحب زر الأمان لكلا المسدسين وتغافلهم وهم يخططون فطفق يطلق الرصاص بكل قوة فأصابت من أصاب وسقط صريع بينما من انتبه كان قد ابتعد يختبئ ويخرج مسدسه يبادل الرصاص بالرصاص ، كان يتنفس بعمق و زخات العرق تملأ وجهه وهو بين كل فينة و أخرى يرمق الغرفة التي تحتويها بكل خوف، برغم كل القوة التي يتحلى بها هذه اللحظة.

سحب الرصاص المتبقي وعضّ على شفتيه بكل قوةxيراها قليلة جداً بالنسبة لكل هؤلاء الذين اجتمعوا عليه! مع ذلك توكل على الله وأكمل مسيرة تبادل إطلاق النار ولكن هذه المرة كان حريص على كل رصاصة تُطلق ، بعد لحظات بسيطة شدّ على طرف المسدس يدخل آخر الرصاصات المتبقية بالمسدس الثاني ويتنفس بكل قوة، ينقل نظراته السريعة لمن يترصدون له ولكن سرعان ما التفت للنافذة التي فتحت وكان أحد المجرمين قد صوبّ السلاح عليه وقد نوى قتله فعلاً ، ولكنه سقط للخلف فعقد يوسف حاجبيه بتوجس ودخل للغرفة بعدما أطلق رصاصة بالممر لكيلا ينتبهوا لغيابه في هذه الوهلة ، ألقى نظرة سريعة من النافذة
وسرعان ما ضحك بكل قوة وهو يلمح عاصي يمسك وسط جسده بغضب ويشير له بالمسدس بكل قوة على رقبته :"تقاتل بدوني يا خاين!"

بينما عمّار وهِشام كانوا قد أسندو ظهرهم لبعضهمxيصوبون السلاح على أطراف المركز بسبب خروج بعضهم بغية الإلتفاف والغدر بيوسف
أشار على باب المركز الصحي :"لو كنتوا أشبال تعالوا من الأمام ، أطربوني بصوت بكاهم مثل ما بكّوا كل من بالمركز"

ابتسموا له بكل قوة وابتعدوا عنه داخلين للمركز مُنقضّين على من بقي منهم بينما من كانوا ينوون الشر بيوسف كانوا قد استشعروا غيابه فتسللوا بكل خفة واتجهوا للغرفة التي كان يقاتل منها قبل لحظات فتحوا الباب وألقوا نظرات سريعة للغرفة فهتف أحدهم بغل :"هرب من الشباك الحيوان ، والله لو أعرف من هو ليكون موته على يديني"

هتف الثاني بذات القوة :"هالكلام حالياً ما هو وقته ، خلنا نخرج الرجل اللي جينا لأجله، القائد جريح وأنت تعرف إننا جينا نأخذ اللي بنداويه بس
ولكنك تحب تحول كل مكان تتجه له لمجزرة"

ضحك ذاك وهو يحك طرف ذقنه بالمسدس ويقول بخيلاء : "أنا ما أحب اللي يجادلني ، واللي يجادلني يتحول لجثة ويطول التحول كل اللي حوله، عرفت الفرق بين مبدئي و مبـدأك؟"
كان قد انتظر الجواب ولكنه لم يسمعه فعقد حاجبيه والتفت يتسائل عن سبب صمته
لماذا لم يمجد له ويصفق؟؟ ولكن سرعان ما تحول استغرابه لرعب وصدمة عندما لمح جثة صاحبه تهوي عليه قبل أن يعاجله يوسف بطعنات من خنجره على كتفه بكل قوة تركته يصرخ بكل عنف ويرتد للخلف بينما يوسف كان قد امتلأ قلبه قهر وكمد حاول كتمانه ولكنه لم يستطع، أقتَلَ كل هؤلاء الأبرياء؛ لأن شخصاً منهم جادله؟! عليهم اللعنة أينما حلوا وارتحلوا هؤلاء المجرمين!!

سقط ذاك على الأرض بسبب الجروح البليغة بينما يوسف اقترب منه يدفع جثة صاحبه بقدمه بينما الأخرى رفعها وضغط بها بكل قوة على كتفه المجروح و يدهس عليه بحقد غير قليل أبداً، هتف بغضب :"قتلت الكل لأجل مبدأ لعين مثلك يا كلب يا خاين، كيف هانوا عليك.."

قاطعته ضحكة خبيثة متوجعة من ثغر ذلك الخائن، يهمس بأوجّ وجعه : "كانوا مجرد حثالة بس .."

ضغط بكل قوة على كتفه فصرخ بعنف بينما يوسف كان يتنفس بكل قوة والغضب يدمي روحه، يرفع قدمه ويعيد الضغط بكل قوة حتى فقد وعيه من شدة الوجع، التفت بكل غضب وكانت النية يشارك فريقه لولا أنه توقف أمام باب الغرفة التي كانت تحتويها ، فتح الباب ببطء شديد ودنى برأسه فلمحها تحتضن الطفل حمزة بكل قوة وهو متشبث بها بذات القوة وصوت بكاءها الخفيف يتهادى لسمعه، سمعت صوت الباب وشهقت بهلع وكادت تذوب من الرعب لولا صوته الهادىء .. وهذه المرة من بين كل غضبه وجنونه كان صوته حنون جداً لعله يداري خوفهم : "أنا يوسف ، لا تخافي !"

والعجيب .. لم تخف !
هدأت رعشتها وبدأت تستقر نبضات قلبها بل تخلت عن التشبّث بحمزة ورفعت رأسها له ، شهقت بخوف بسبب الدماء التي دمرت شاله وملابسه فنظر لنفسه ثم زفر نفساً غاضباً وحاول مسحه لعله لا يلمح تلك النظرة من جديد، ولكنها كانت قد تجاهلت موقفه ووقفت تحتضن حمزة
فرفع رأسه وأماله بعدم فهم:"لوين بتتجهين؟"

توقفت مكانها ونظرت له للحظاتٍ طويلة بصمت قبل أن تبتعد بذات الصمت وتتخطاه فتنهد بصبرٍ شديد ومضى خلفها بعدما هدأ صوت إطلاق النار والأكيد أن فريقه أنهى عهد كل مجرم بهذا المركز.

توقفت لحظة بالممر فتنهد بإحباط بعدم فهم لكينونة هذه المرأة وطريقة تفكيرها ولكن تعابير الحرج والحياء التي تلطخ وجهها برغم رعبها وقوتها كانت قد تركت طرف الخيط يبان فتقدم يمشي خلفها بعدما زارها الحياء وهي تمشي أمامه، مشت خلفه بإستحياء و وجع بحضنها طفل يرتجف رعباً بينما أمامها رجلٌ قوي .. قوي جداً
حماها بلحظة ضعف كادت أن تموت بها .. ألا يكفي أن تسميه حاميها؟ ولكن أيُشبه ذات الحامي الأول الذي خذلها؟

اتجهوا للصالة الرئيسية للمركز الصحي ولكن سرعان ما توقفت خطوات يوسف بصدمة بعدما شحبت ملامح وجهه وفرّت الدماء منه وهو يرمقهم و فاهه متسع من الذُهول
بينما هي كانت غارقة بأفكارها فلم تنتبه لتوقفه فاصطدمت بظهره وارتدّت للخلف مجفلة ، تحولت ملامحها للغضب من تصرفه ولكن سرعان ما انصدمت عندما إلتف لها بكل قوة فحجب الرؤية عن كل ما خلفه ، صُعقت من منظر وجهه وصوته الذي برغم كل المواقف المشابهه التي قد مرت عليه ولكنه بكل مرة تزوره ذات الغصّة التي تخنقه، الغصّة التي اختلطت بالحزم هذه المرة:"إرجعي للغرفة اللي كنا فيها ، بعد ساعات اخرجي
أو انتظريني بجنب الشباك إلى أن أدبّر سيارة وأ.."

سكت بسبب ملامحها الغاضبة وقالت بحنق: "لو سمحت ، بدأت تدخل بأماكن أقدامك محرمة الخطو عليها أرجو منك انك تحترم نفسك وتبتعد، أنا هذا مكاني ، وهنا مهمتي ما انتهت"

تنهد بغضب وأشار للغرفة، قائلاً بوجوم:"إرجعي ولا بيملأ الندم والوجع قلبكِ "
"-أنا كفيلة بأوجاع قلبي "

قالتها بغضب تشير له ليبتعد فابتعد على مضض بعدما خسر أمام إصرارها ولكن سرعان ماتبدل الغضب والقوة لصدمة شلت كل أجزاءها وتركت روحها تتفتت من شدة الرعب والوجع، عيون جاحظة ،قلب يهوي من الصدمة و وجهٌ متجمد غير قادر على إبداء أي تعابير تعبر عن كمية الرعب الجلية بعينيها!
لم تستوعب وتستعيد رشدها إلا بسبب حمزة ذو الجسد الضئيل الذي قفز من حضنها، يصرخ بكل قوة ويركض متخطي كل جثث الجرحى الذين تم علاجهم قبل دقائق بسيطة ويقف أمام جثة
برغم تلطخ أجزاءها بالدماء إلا أنه ميّزها
أيجهل المرءُ أباه ؟ انهار بجسده الصغير المُتعب على جثة والده، يهتف بوجع و صوت ذابل :" لا لا أرجوك يبه ، لا تموت مثل أمي
هي لما قلت بأنها ماتت كانت متلطخة بالدم مثلك الحين ، يبه أرجوك لا تموت مثلها
يبه أنا ببقى وحدي هنا بهذا العالم وبيقتلوني مثلكم، يبه أرجوك لاتخليني مابقى لي غيرك"
التفت عاصي وقلبه يئن وجعاً وخرج من المركز بينما هِشام كان قد مسح وجهه بيديه بوجع وحسرة، وعمّار يتأملهم بقلب يذوي قهر
يوسف عقد ساعديه يداري قلبه الذي يكاد أن يخرج من صدره من شدة الغضب والقهر!!
بينما هي.. كانت قد تهاوت ساقيها فسقطت على الأرض من شدة الرعب والوجع الجديد عليها وهي تتأمل بكاء حمزة العنيف
الطفل الجريح الذي فقد أمه قبل ساعات وبهذه اللحظة فقد أباه
الطفل الجريح الذي لم يبقى أحد سواه على قيد الحياة في هذا المركز!!! غطت وجهها بيديها وأخذت تبكي بكل قوة و بغير خجل أبداً، تخرج كل الرعبxالذي عاشته طيلة اليوم عبر دموعها بهذه اللحظة ، كانت تدعو من كل قلبها على كل شخص تسبب بقتل هؤلاء الأبرياء
بينما أعضاء الفريق خرجوا من المركز بعدما أخذو حمزة معهم عنوة و هو يرثي والده ببكاءه وبعدما استدعوا القوات العسكرية والإسعاف لأقرب مركز صحي علّه يبقى ولو بعضاً من أمل
بينما يوسف ألقى نظرة خاطفة أخيرة عليها وتركها تبكي .. لعلها تتخفف من عبء هذا الوجع
تركها تبكي .. ما دامت الوحيدة القادرة على البكاء من بينهم وما دامت كفيلة بأوجاع قلبها!

وهو يتعهد .. بأن تعيش الطفولة واقعاً لا لقباً فقط على أرض هذا الوطن في يومٍ ما...
*
*
شهر كامل ، وقلبه ينتفض من القهر ولم يحظى بليلةٍ واحدة ينام فيها بهناء!
ذلك المنظر لم يبتعد عن زاوية عينيه ، حتى في أحلامه لم يبتعد لذلك قطع وعد على نفسه
:" سأبيد ذلك الخائن الذي تسبّب بقتل الأبرياء ولو كان هذا آخر عمل بحياتي"
تكفل بتلك المهمة بأمر من القائد جهاد والحقيقة حتى لو لم يأمره لكان إقتص منه بنفسه.

وصل لأحد المغارات على الحدود بعد إخبارية وصلته من أحد المخبرين و وقف مع مجموعة من الفرق العسكرية يشير لهم بالإلتفات حول المغارة ، دقائق بسيطة قبل أن يبدأ إشتباك عنيف أودى بحياة جندي واحد وخمسة من الخونة قبل أن يتم أسر البقية ، دخل للمغارة بعد جهد جهيد ولمح ذلك الخائن يرمقه ببسمة ساخرة وعيناه ذابلة من شدة الوجع ،ليقول:"أنت اللي أنقتل لأجلك خمسة وعشرين بريء من بينهم ثلاثة أطباء؟"

ضحك يهز رأسه بإيجاب مشيراً لجرحه:"انقتلوا بليّا داعي، هذا الجرح ما خاطته غير يديني "

أخذ نفسxيسحب زر الأمان من المسدس وكاد أن يقتله بتلك اللحظة من شدة الغيظ ولكن من خلفه مُدّت يد أحد العساكر يهمس بخوف من تسرع عاصي : "قائد السرية حذّر من قتله يبيه حيّ يا برزخ"

إلتفت له ذاك وقال بكل وقاحة : "أوامره هذي عليك أنت ، أنا جاي أخذ رقبة هذا بيديني لأجل أعلقها على باب المركز الصحي ، تفهم ولا لا؟؟"

نظر له بيأس من وقاحته الدائمة وشخصيته العاصية وقبل أن يلتف ويفي بوعدٍ قطعه على نفسه كان الخائن قد سحب المسدس من تحت الْوسادة و وجهّهُ على رأسه قائلاً ببساطة :"مارح تكون نهايتي على يد عسكري ناوي ينتقم لبلد شرّدنا وقهرنا.."

قال هذه الجملة وأطلق على نفسه النار بلا ترددxبعدما أيقن بأنه لا خروج له من هنا وهو حي بينما عاصي تصاعد الغضب بجنون لرأسه، يهتف بجزع وغضب العالمين : "لا ياكلب يا خاين ، ليه تاخذ إنتقامي من يديني، عساك لنار جهنم تتجه"

أما الجندي غطّى وجهه مصعوقاً غير مصدقxأن الرجل قتل نفسه بكل دم بارد دون أن تهتز شعره واحده من شعر رأسه ! أي إيمانٍ يمتلكه؟ ولكن أشخاصاً مثلهم يمتلكون ديناً أصلاً؟!
*
*
تشوشت الرؤية بشكل كلي بعينيها فابتسمت مقهورة، ترفع يداها وتمسح عينيها بكل قوة هامسة:"قبل لحظات تبتسمين يا سكُون
مال قلبكِ صار ضعيف للدرجة هذي؟ ، مو أنتِ اللي شهِدتِ على مجزرة قبل شهر ؟ "

التفت لدليل حضورها للمجزرة وتأملت وجهه الذي خفت منه التورمات و بدأت تتضح ملامحه الطفولية البريئة فتبسمت، تستشعر هطول غيث دمعها على وجنتيها وهي تلمح تعابيره البائسة برغم أنه يرسم بلا هوادة من تلك اللحظة ويشغل نفسه عن وجعه وكأنه يعبر عن حزنه بتلك الطريقة ولكنها تؤلمها..
الصغير لم يبكِ بالشكل الذي ينسيه تلك الفاجعة، عند خروجهم من المركز الصحي على متن سيارة الإسعاف و وصولهم لهذا المركز الصحي توقف عن البكاء.
من تلك اللحظة لم يبكِ كان صامتاً طيلة الوقت، تنهدت وهي تلمح الغرفة التي اتخذتها مكتباً لها عندما قررت إكمال ما نوَتهُ بهذا المركز فهو أيضاً يفتقر للأيدي العاملة.

التفت بكل قوة لصوت عميق ولكنه عالٍ، عالٍ لدرجة أن لم يصل لسمعها وحسب بل لعمق جوفها.
هي ذات الجملة التي استقبلتها قبل شهرين من الآن:
" ورد ورد ورد .. من يشتري ورد .. لله يا عاشقين !"

ابتسمت ولا تعرف سبب تلك البسمة ، ولكن أن يكون بكل هذا الركام صوت تنطلق من نبراته الرغبة بالحياة شيء يتركها تدنو بلهفة لرؤية صاحب ذلك الصوت
ليس لشخصه حاشى، ولكن لمعرفة ما بجعبته من زينة الحياة.

توقفت عن التلفت بسبب الصوت الذي دنى منها من الجهة التي لم تنظر لها بهدوء مُحبب:"ورد ورد يا دكتورة ، تشترين مِنا ؟"

التفتت له وتوقفت عن الرمش للحظات طويلة بعقلٍ غير صافي وحاجبٍ معقود ، لحظة أليس هذا نفس الشخص الذي حماها قبل شهر و بقي معها طيلة الوقت حتى إطمئنت وسكنت فأبتعد.. أهو ذاته بائع الورد الذي قابلته مصادفة لأول مرة تخطُ أقدامها لوطنها!
أمالت شفتيها بعدم إستيعاب وبلا وعي فابتسم يشيح بنظره إحتراماً لغفلتها ورفع وردة بيضاء يتركها على حافة النافذة، أدركت نفسها بتلك اللحظة فرفعت رأسها واستوقفته قبل أن يتخطاها :"مالي نية بالشراء ،أنا ماني عاشقة"

لمحت نظرته المستنكرة فغرقت وسط حرجها وحياءها لجملتها الإقرارية وقالت تداري ذلك الخجل :"أقصد أنت تنادي :لله يا عاشقين"

أخفى بسمة ملحة من طريقة تبريرها البريئة وكأنها ارتكبت جريمة وبعد لحظات أشار للوردة وقال بهدوءه العميّق:"هذي للـسلام
مهب أنتِ دكتورة ، وتلبسين معطفكِ الأبيض
وتضمدين الجرح ، وتربتين على الوجع ؟"

عقدت حاجبيها فأظهر بسمته المخفيه وترك وردة أخرى بيضاء مستطرداً: هذي كلها تدل على إنكِ حمامة سلام .. وهالورد لأجل السلام اللي يحوفكِ يا دكتورة ماهو لأنكِ عاشقة"

أسبلت أهدابها ببراءة غير مستوعبة لكل ما يقول بينما هو بحركة إندفاعية عفوية تقدم للأمام عندما لمح حمزة و هي تقدمت كي تُرجع الورد .
ولكن توقفت شاحبة، ترتد مجفلة للخلف بعيون جاحظة عندما ألتقى وجهه بوجهها ولا يفصل بينهم إلا إنشات بسيطة ، تزعزع ثباتها وإنهارت روحها بجزع على ذلك الموقف المريع .. ماذا حصل أفقدتِ عقلكِ يا دكتورة؟

ابتعدت مصعوقة بخطواتٍ متعثرة عندما أكمل ما نوى فعله بكل برود وبساطة وكأن الموقف الذي لم يحسبا حسابه لم يؤثر فيه فقط اعتذر بكل لباقة واكتفى بهذا الإعتذار عندما لمح شحوبها.

صعد من النافذة وتأمل حمزة، هذا الطفل يكاد يحرق روحه من شدة الوجع عليه، التفت لسكُون وقال بخفوت:"يا دكتورة ، بيكون بخير ؟"

استعادت رونقها بعد شحوب مخيف وابتلعت ريقها تزيح نظراتها عن النافذة الذي صعد منه واقتربت من حمزة، تمسح على رأسه
وتتأمل الرسمة المخيفة التي رسمها والتي كانت تعبر عن شعوره وقالت بخفوت متوجع : "ادع له يا جوزيف .."

رفع حاجبه لطريقة نطقها لإسمه رفع رأسه وعلامات إستفهام تدور على عقله، أشاحت عيناها بحرجٍ وغيظ من ذاتها بسبب تباسطها معه بينما هو لم يعلق فأكتفى بوضع سلة الورد على طرف المكتب قائلاً:"وهذا لأجل الصمود .. هذا لحمزة ؛ لأنه مازال صامد"

سكنت ترمق سلة الورد البنية الكبيرة التي تزين مكتبها والتفتت وهي تراه يقفز من على الشباك وقبل أن يبتعد ركضت، توقفه بتساؤل عجزت أن تكتمه أكثر :"جوزيف "

إلتفت لها بعينيه ليهديها الليل الحالك نظرة متسائلة فقالت بعدم إستيعاب : "ليه تخفي وجهك بهالشال؟حتى بوقت قتالك مع كل هالرجال كنت حريص على وجوده"
ألقى نظرة سريعة على طرف شاله، ابتسم بمشاكسة لذيذة قائلاً: "الفتنة أشد من القتل يا دكتورة "

قالها بطريقة جعلتها تنتفض بضيق من ذاتها، ترمي أبشع الألفاظ على فضولها الذي يهلكها دائماً .
وما شأنكِ أنتِ بوجهه وبندوبه التي يخفيها؟ بل ما شأنكِ بعينيه تلك التي تحمل الليل كله بين جفنٍ ورمش؟ مابكِ يا دكتورة أفقدتِ عقلكِ؟ من بين زوبعة الجنون التي تحيط بكِ أتتسائلين عن إن بقي معه ورد يبيعه أم لا ؟ وما شأنك به إن كان يبيع ورداً قد تخلص منه مجاناً ويحمل سلاحاً يقتل به رجالاً بمزيج لا يُصدق ، ما شأنكِ به يا إمرأة ؟

تنهدت بيأس، تراقب خطواته القوية، ولوهلة ظنت بأن الأرض تُدك باللحظة التي تلامس أقدامه الأرض بسبب قوة خطواته و ثقتها
وكأن لا شيء قادر أن يزحزح هذه القوة ، عاودت التنهد بإحباط، ترفع يداها ،تشير بها على رأسها قائلة بحنق طفولي : "سكون، انتهت كل أفكاركِ ومصائبكِ وما بقى لكِ تفكرين إلا بعيونه وخطواته؟ وأنتِ وش دخلك بإبن الناس
أستغفرالله العظيم بس!"

وأتى من سينقذها من أفكارها فصوت طرقات الباب تعلن عن وصول مريض جديد لها..

*
*
ليست المهمة الأولى التي يكون بها وحده
ولكن؛ لأنه إعتاد تواجد أعضاء الفريق معه
ينسوه ضجر الطريق وتعب المهمة بضحكاتهم المزعجة في الطريق فبات لا يستسيغ طعم أي خطوة على ثراه.

وصل للمكان المنشود التي تشير عليه الإحداثيات وأخذ نفس بهدوء، يحك طرف ذِقنه ويقول بهدوء : "المهمة هي إنك تعرف لو المنطقة ملغمة بألغام أرضية أو لا ، لا تكبّر طموحك يا هِشام الله يرضى عليك"

قال هذا الكلام لنفسه وأخذ نفس بهدوء ينقل نظراته للمكان الشاسِع والذي يطل من كلا الجهتين على بيوت قديمة تراثية ، اتجه للمنطقة المطلوبة وأخذ يخرج جهاز التعقيب ، يشير به على الأرض والحقيقة هو ليس بخائف ، ففكّ أسلاك القنبلة تعتبر مهمة أسهل من تناول المعكرونة بملعقة ، دخل للطريق المؤدي لأحد المناطق الموجودة بهذا المكان وتنهد بـ ضيق يغمغم :"ويلهم من ربي، هالمكان كله أبرياء
وين القلوب الحنينة مانيب فاهم هالظلم الجائر كله ليه لأجل يغرسون بالأرض ألغام مات بسببها رجل وإبنه ولولاهم ماعرفنا، ولا لأن هالمنطقة ما تُقصف قالوا نلغمها!!"

تنهد بإحباط ، يتوغل أكثر للداخل قبل أن يصدر الجهاز تلك النغمة المجلجلة التي تُنبأ عن ما يبحث عنه فتجمد بمكانه لوهلة، يرمق المكان بحذر،خطوة واحدة غير متزنة قد تفجره وتنثر أشلاءه بكل مكان دون أن تبقى قطعتين متمسكة ببعضها البعض ، انحنى يزيح التراب بخفة وكأنه ينقر بجناح فراشة على التراب من شدة حرصه حتى ظهر اللغم فأخذ نفس براحة يبدأ عمله الذي يتقنه بسهولة حتى عطّله وأخرجه من الأرض، يفتح الشنطة التي علقها بطرف كتفه ويدخله بها قبل أن يعود للبحث عن بقية الألغام ، مشّط نصف المكان قبل أن يسمع أصوات غريبة تقترب منه وصوت صراخ إمرأة عالي ميّز نبرة الهلع والذعر فيه ولم يكَد يتسلل الصوت لسمعه حتى ظهر قطيع الأغنام من خلف الشجر الذي كان يغطي المكان فجحظت عيناه بهلع مشيراً لها ويصرخ لتعود أدراجها ولكن الأغنام لم تهتم وهو لم يستطع التحرك ؛ لأن أي حركة إندفاعية بلا تفكير يعني وداع لحياته! ولم يكتفي خوفه عند هذه النقطة ، كانت راعية الأغنام تركض بكل قوة خلفها تصيح بهلع:"إرجعي حسبي الله فيك ، أمي بتذبحني ياللي ما تخافين الله"

كان يصيح فيها بصدمة ويحاول ثنيها عن التقدم مشيراً لها بالجهاز أن تبتعد ولكن ذعرها من "زينة" لم يجعلها تهتم أبداً بل لم تنتبه أساساً لذلك الرجل الذي يلبس ملابس تتشابه جداً مع لون التراب ، من رعبها لم تركز به بل كانت تركض خلف الأغنام التي لم تُعر هشام أي اهتمام وهي تتخطاه وهو يحاول إرجاعها بعصاته ولكن لم يستطع.
يرمق تلك المجنونة التي تركض بإتجاهه لكي تلحق أغنامها وكأنها لن تدخل المنزل إلا إذا أمسكت بها .. أيتها المجنونة لو أمسكتِ بها لدخلتِ قبركِ قبل أن تفكري بالدخول لمنزلكِ!!

جحظت عيناه وهو يكاد يراها تتخطاه والمصيبة لم تأتِ بعد فالمنطقة التي قطعوها كانت تلك التي مشّطها وأستخرج الألغام من بين ثراها
ولكن تلك التي اندفعت لها الأغنام بأصواتها العالية التي تركت صوته يتلاشى بينها كانت منطقة لم يمشطها بعد!

تخطته وداست على الأرض أمامه ولكن الصوت الذي ميّزه جعله يتشبث بها بكل قوة بوجهٍ شاحب مصعوق حتى احتضن كتفها من الذعر عليها بينما هي صرخت بجنون بسبب هذا الذي احتضنها من الخلف فجأة من العدم ، قبل أن يوضح الموقف كان صوت الإنفجار العالي يشق عنان السماء وآثار الدخان والأشلاء تختلط ببعضها البعض.

صرخت بهلع والرعب ترك أقدامها ترتجف وجسدها ينتفض بذعر لم تعشه بحياتها ، أما عينيها فحكاية أخرى فـ لو سقو الأرض من ينبوع دمعها لن تشهد الأرض بعدها ذبولاً أبداً ! منظر الأغنام وأشلاءها التي تساقطت على الأرض بعد إنفجار أحد الألغام كان مخيفاً ..
بل مرعب لدرجة أنها كادت تهوي مصعوقة لولا أنها تذكرت ذاك الذي يحتضنها فصرخت برعب من جديد لولا أنه همس لها بتأني لعلها تستوعب وتهدأ :"ما أبيكِ بضر يا بنت، ولكن هالمنطقة كلها ألغام وأنتِ دستِ على واحد منها هاللحظة لو حركتِ طرف رجلكِ أنا وأنتِ بنموت وأشلاءنا بتتطاير مثل ما تطايرت أغنامكِ ، تفهمين!"
*
*

نهاية الفصل..
قراءة ممتعة~




فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-22, 09:25 PM   #8

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي



الفصل السادس



ماشاء الله، اللهم صلِّ على محمد وآله.
*
*
أفهمت؟ مجنون ذاك؟ هل يمازحها؟ ماذا؟؟ داست على لغم!!!
انفجرت تبكي بجنون، تضرب وجهها من شدة الجزع، ليست قادرة على استيعاب أي مصيبة رمت نفسها فيها، تهمس :"حسبي الله فيكِ يا ليالي لأنِك هربتِ من دورِك بالرعي وصار لي هذا كله لأني تكفلت بدورِك"

كانت تبكي بطريقة مثيرة للشفقة فكتم تنهيدة محبطة متمتماً:"ابتلينا"

ابتعد عنها، يُشير بجهازه حولها ولم يصدر أي صوت فاقترب بعدما اطمئن ووقف أمامها بهدوءه المثالي المريح للنفس .. كلا لم يكن هدوءه فقط المريح بل حتى ملامح وجهه وعينيه التي تحمل طمأنينة العالمين بين نظراته، رفع يده يشير لها بكل هدوء:"خليكِ هادية، أنا رجل متخصص بهالأمور والله أكبر على حسن حظكِ اللي تركك تجين وأنا هنا موجود، لو يوم ثاني كان أشلاءِك تطايرت مع أغنامِك"

فازدادت حدّة بكاءها وتنهد بهدوء مشيراً لها بأن تصمت:
"لا تخافين، ما بيصيبِك ضر وأنا هنا بحول الله ما بترككِ للموت، أبيكِ تكونين هادية ورجولِك هاللي ترجف خليها ثابتة لأجل مايهتز اللغم من تحتِك وننفجر"

ذاك الوقح كيف فهم أن قدمي تهتز فعبائتي لا تفضح أجزاء جسدي أبداً!
شهقت بعنف عندما ألقت نظرة سريعة على جزءها السفلي الذي يهتز بطريقة مرعبة من شدة الذعر، قضمت شفتيها بكل قوة ودموعها التي أغرقت نقابها لم تنتهِ أبداً.

الهلع الذي أصابها ليس بهين على شخص قضى حياته مبتعداً عن مسببات الرعب ويختبئ طوال وقته بالمنزل! ألقت نظرة متوسلة له، تهمس بصوتها الذي بُح من شدة البكاء:"أرجوك.. أنا أحب الحياة، ما ودي أموت"

يضحك بتساؤل، أبقي أحد على وجه هذه البلاد يحب الحياة ؟ يا للمعجزة! ليس هذا الوقت المناسب لكلامٍ كهذا يا هِشام فالفتاة تكاد تنهار، وإن انهارت هي
انهرت أنتَ خلفها بكلّ بساطة فلتركّز أرجوك!

عند تلك النقطة رفع يده وضربها على صدره بحمائية ونطق بصرامة تليق به :"لاتجزعين ربِك كريم وما بيخيبنا ، خليكِ معي خطوة بخطوة وبإذن الله بنعيش ، بتشيبين وتشوفين أحفادِك
بتشوفين انتصار هالبلد لا تخافين "

عِدها أيضاً بزواج في أحدث القاعات وفستان ضخم مرصع بالألماس، ما هذا التباسط يا هشام؟
برر لنفسه بأنها في موقف يحتاج منه جمل يهدئها بها والحقيقة هو أكثر من خاسر في الحديث مع النساء لقلة اختلاطه بهنّ لكن مع ذلك كان يحاول جعلها تهدأ طوال ثلاث ساعات متواصلة، يستمع لبكاءها مناجاتها، ورجاءها الذي يكاد يدمي قلبه ، وهو يحاول
يعلم الله أنه يجاهد بكل ما بُثّ في جسده وعقله من قوة بأن يفكّ هذا اللغم البائس الذي لا ينوي خيراً بهم ، وبعدما توصل للحل المناسب بعد تلك المعضلة التي ظن بأن نهايتها الموت لا محالة؛ كان قد احتوى صخرة بذات ثقل قدمها التي قاسها تقريباً بعينيه وطريقة وقوفها بحكم خبرته
وانحنى يحذرها من عدم التحرك بشدة، كانت تحاول بكل ما أوتيت من قوة ،قبل أن تنفجر ببكاء شديد ولكن هذه المرة اختلط بنفيها الشديد :" ما أقدر ، طاقتي انتهت وقدرتي على الصمود تلاشت تكفى ابعد لأجل أنفجر و أموت لوحدي"

جحظت عيناه من جملتها ولكنه لم يقف بل قال بحزم :"إرفعي رجلك بهدوء شديد ولا ترجفي أكثر"
"-قلت لك ابعد عني وخلني أموت لوحدي ، ياربي أنا للحين ما سددت لعمتي سحابة على الفستان الأحمر اللي خيطته لي ولا حتى علمت أمي إن التيس اللي ظنته هرب بسبب سوء رعاية ليالي أنا خذيته وبعته لأجل أشتري قيمة أدويتها، أنا بموت وللحين ماقصيت شعري وأنا كنت أنوي أقصه ولو مرة بحياتي،.. بموت والبلد للآن يعاني بموت بسبب لغم على أرضه"

اندفعت بدايةً، تهتف حانقة بكل قوة قبل أن تتهاوى تلك القوة وتبكي بعنف وهي تنطق كلماتها بصوت باهت من شدة البكاء ليبهت صوتها ويتلاشى تدريجياً وهي تنطق آخر جملتين فأكتوى قلبه و وقف يرمقها بكل قوة،
وحقيقةً لولا فداحة وسوء الموقف لما وقف ينظر لعيني إمرأة لا تحلُّ له بهذه الفجاجة والقوة
ولكنها في مرحلة اللاوعي والقنوط، يحتاجها بأملها يحتاج أن تستوعب انها ستكون بخير لو تعاونت معه : "اسمعيني زين ، إذا ما تعاونتِ معي قسماً بالله لأبقى هنا وبالوقت اللي ترفعين قدمِك بكل غباء بتتحملين ذنب موتِك وموتي تفهمين يا بنت "؟

سقطت تلك الدمعة فتشنجت ملامحه بوجع وهي تهمس بحرارة الفاجعة :"أنا ما ودي تموت انت ما لك ذنب بغبائي، أنت ابعد وأنا.."
سكتت بصدمة عندما جلس على قدمه بجانبها لا بل تمدد ذلك المجنون وهو يترك يده تحت رأسه وينظر من الأسفل قائلاً:" لو مطولة بهالتفكير فأنا باقي هنا معِك، والله يرحمني ويرحمكِ بوقت واحد "

ابتلعت ريقها بصعوبة، تشيح بنظرها عن ذلك المجنون، ترتجف كورقة في مهب الريح
ما زالت تعتقد بأنها في حلم وأنها إن أغمضت عيناها لدقائق طويلة وفتحتها ستكون في أحضان والدتها ولكن عندما فتحت عيناها بعد تلك الدقائق ،ما زالت بنفس المكان بل ما زال ذلك الرجل على نفس الهيئة ، بكت هلعها من جديد، تهمس بصوت بدأ بالتلاشي :"أخاف تخوني قدرتي"

"-لو خانتك ماخنتك أنا! وثقي فيني يابنت وقسماً بالله لأحاول بكل طاقتي لأجل تعيشين، أرجوك ترى هذا الموقف ماهو بهيّن"

هزت رأسها بإيجاب وعندما لمح بريق أمل في عيناهاxاعتدل بجلسته وبدأ يحاول زحزحة قدمها بكل هدوء وضع ثقل الصخرة مكانها، وهي تتبع تعليماته بحرص شديد وتتمسك بباقي طاقتها تحاول وهو يحاول أضعاف محاولاتها ، يمسح زخات العرق عن جبينه ، يتنفس بعمق ، يبتسم، يحاول طمئنتها ، يشجعها بهدوء كي لاx تقنط من جديد وعندما استقرّت الصخرة رفع رأسه وقال بكل قوة :"ارفعي رجلك هاللحين"

رفعتها بكل قوة وابتعدت خطوة للخلف تبكي وتستشهد بذات اللحظة تغطي أذنيها وتغمض عيناها بكل قوة وعندما لم ينفجر شيء للحظات طويلة فتحت عيناها ولمحته يقف مبتسماً وهو ينظر للصخرة التي استقرّت واحتوت مصيبة هائلة، رفع رأسه وأماله بإبتسامة هادئة قائلاً بذات العمق :"لا تخافين .. صرتِ بأمان"

لم يكد يميل برأسه بتلك الطريقة التي طمئنتها قبل أن يطلق كلماته أصلاً، حتى تلاشت قدرتها على التجلد والتسلح بالصبر بل لم تعد عظامها قادرة على الصبر أكثرx فتلاشت قدرتها على حملها ، ولم يعد عقلها قادر على التماسك فانهارت فاقدة لوعيها أمام أنظاره المصعوقة من الذهول ليوسّع خطواته يلتقط طرفها العلوي فاغراً فاهه كي لا تسقط على الصخرة وتفجرهم بعدما فرحوا بحريتهم.

أنزل عيناه الجاحظتين لتلك التي استوطنت ذراعيه مُلتفه بالسواد فأغمض عيناه بصدمة، عاجز عن مداراة الجنون الذي حصل معه
لم تكن مهماته السابقه سهلة ولكن الحقيقة هي لم تُعجِزه مهمة من قبل كهذه أبداً !x وهو موقن بأن الجنون لم يبدأ بعد .. فأي نهاية ستكون مع هذا الإبتلاء؟.
خمس ساعات متواصلة لم يرتح له عظم من عظامه ، من عظمة مصيبته! تلك الكارثة التي حلت عليه ما زالت فاقدة لوعيّها وهو غير قادر على الإبتعاد عن هذا المكان لشدة خطورته.

بقي طيلة الوقت يمشط المنطقة بجهازه بعدما ثبّت عصا غليظة بالأرض وربط بها أحد الحبال التي كانت بحقيبته ، يحدد المنطقة الملغمة وبعد إنتهاءه كان قد إستدعى ثلاثة من رِفاقه والذين أبلغوه بأن صباحاً سيكونون معه لأن المنطقة بعيدة نسبياً عن مقر المركز ، أما هو بعدما إنتهى من التحديد عاد للمكان الذي تركها نائمة بسلام فيه بعدما تأكد بأنها غابت عن وعيّها فقط بسبب التعب والرعب ، تنهد بضجر يمسح على وجهه ،
لم يتعب من الإرهاق والوقوف لساعات طويلة لأنها كانت تعتبر لا شيء عند معدل طاقته العالية ولكنه تعِب من حمل هذه المصيبة على كتفيه ، يا أمة كيف يتعامل معها؟ وهو نظرة كاملة لإمرأة من قبل لم تصدر من عيناه ولم يذكر أنه لامس أي إمرأة طيلة حياته ، هو حتى بوجود مرجان بفريقه لم يتحدث معها طيلة هذه السنين إلا بكلمة كلمتين وبإختصار شديد ، فكيف يتحمل فكرة بأنه نقل هذه المعتوهة من منطقة الخطر تلك لأسفل هذه الشجرة وهي بين ذراعيه ! يكاد يفقد عقله لولا أنه ما زال هنالك عرق برأسه ينبض بهدوء شديد وينبهه بأنك لم تفعل هذا كله إلا بسبب إنسانيتك
أتترك إمرأة في ورطة وأنت لك قدرة على إنقاذها! لم يكن هذا بسلمك أبداً برغم كل شيء

جلس وآخيراً بعد جهد، يُدفئ نفسه بالنار التي أشعلها لأجل الضوء ولأجل التدفئة وهو مطمئن أن الطائرات لا تقصف هذه المنطقة وحدودها لمعرفتهم أن لا مصانع للسلاح أو ما يضرهم متواجد بها وإلا إن كان بالعاصمة وأشعل هذه النار لتناثرت أشلاءه بكل مكان.

بمتعة يراقص الضوء بعينيه بسبب نسمات البرد الرقيقة والهدوء إلا من بعض أصوات الحيوانات البعيدة قبل أن يرفع عيناه وتحط نظراته على وجهها الذي أزاح النقاب عنه خوفاً من فكرة أنها قد تختنق بسببه وهي غير واعية، ويشهد الله عليه بأنه طيلة تلك الساعات لم يمرر نظرة واحدة وكان حريص على إشاحة بصره ولكن ما به هذه اللحظة تجمد وتلكأت نظراته للحظات طويلة على وجهها ، ما بك يا هِشام أجُننت ؟ ألأول مرة ترى فتاة بحياتك ؟ أنصف ما ترى يا سرمد فهل تقارن ما رأته عيناك بهذا الوجه.. أستغفرالله العظيم.

تمتم بهذا الذكر وهو يبتر أفكاره ونظراته بيد من حديد ومن شدة قهره بأنه تعدى على حدود الشرع وأباح حرمة النظر لإمرأة جميلة.. على أثر هذا الوصف الذي مر مرور البرق برأسه كتم صرخة بكل ما أوتي من قوة عندما أحرق أحد أصابعه بالنار ، بل كواها بدون تأني أو تراجع
يعاقب نفسه ؛لأن نظره تمرد وخياله سبّح بما لا حق له فيه .. ما بك يا هشام أبعد كل سنوات العزلة هذه تجن بهذه الطريقة؟

أغمّض عينيه للحظات طويلة وأنشغل بوجع إصبعه والحرق الذي تجعدت بشرة إصبعه بسببه وأخذ يخرج هاتفه يرسل لـ زملاءه ويحدد لهم الموقع من جديد بيده اليمين بعدما كوى أحد أصابع يده اليسار.
إلتفت يتأمل السماء للحظات ويلاحظ دخول وقت صلاة الفـجر فإنتفض واقفاً يبحث عن ماء ليتوضأ به ولكن لا منقذ .. حمد ربه على أنه مسلم ودينه دين يسر وبدأ يتيمم لأنه عاجز عن التحرك هذه اللحظة للبحث عن ماء بسبب المتفجرات التي تملأ المكان من خلفه
وبسبب تلك المرأة التي دخلت بحماه!
صلى الفجر ثم اقترب منها من جديد من خلف الشجرة ويهزها بالعصا بطريقة مضحكة جداً وكأنها كهرباء ويخاف لسعة منها ولكنه توقف بوجل عندما تعالى صوت أنينها وبكاءها الخافت فقال بخفوت حذِر : "صحيتِ؟ أنتِ بخير!"

ولكن لا رد إلا صوت بكاءها الخافت فعقد حاجبيه خوفاً من موقفها وإضطر إلى الوقوف أمامها فلاحظ جفنيها المغلقين والواضح بأنها تئن وهي نائمة ولم تستعد وعيّها بعد! إنتهت الحلول
يا اللهِ.. زملاءه سيصلون بعد لحظات بسيطة
وهذا المنظر غير مرحب به، أين سيذهب بهذه الابتلاء؟؟ أغمض عيناه للحظات بسيطة، يضع رأسه على ركبته يفكر بحل لهذه المعضلة.

ولكن لحظة واحدة فقط كانت الفاصلة بين رفعه لرأسه وعقده لحاجبيه بطريقة مريبة من هؤلاء الرجال الذين كوّنوا حلقة خانقة عليه ، لم يكتفو بوقوفهم بل بإشهارهم لأسلحتهم بوجهه وصوت بكاء فتاة مذعورة معهم وأخرى تقف معها قبل أن تبتعد تلك عنها وتركض للنائمة على طرف جذع الشجرة وتحتضنها بـ هلع : "منتهى .. يا غبية وين كنتِ؟ وش صار معكِ
أخذتِ قلبي وخوفتي أمي عليكِ "

لم تكد تستعد وعيها بسبب الصراخ وصوت البكاء ففتحت عيناها بتوجس لتعيد إغلاقها بإنزعاج بسبب الضوء القوي الصادر من أشعة الشمس ، ولكن الأصوات لم تتلاشى فإضطرت إلى فتحها من جديد وكان المنظر الماثل أمامها مريب حقاً !

رجال حيّها متسلحين بأسلحتهم وشبابهم يتشبثون برجل يحاول التحكم بوقوفه وهو هادىء ويتكلم بهدوء في ظل إنفجار رجال حيّها بشكل مخيف، تركها تقف مذعورة، تدفع ليالي عنها فسقطت تلك على الأرض بعينين جاحظتين ، تهتف بحنق:"يا مجنونة"
إلتفتت لصرخة أختها ونظرت لها للحظات بنظرات تائهة، غير قادرة على جمع شتات نفسها، النسماتx الباردة التي ترتطم بوجهها تركتها ترفع يدها بإستغراب وعندما لاحظت عدم إرتداءها للنقاب شهقتxوإلتفتت للخلف فـ إرتطم رأسها بجذع الشجرة وصرخت تمسك أنفها الذي تورم من شدة الضربة وسط نظرات الصدمة وعدم الفهم من الجميع وكأن الموقف يحتاج غباء منها أيضاً !

أشاح بصره بسخرية وكأن بسخريته يؤكد لهم أنه لا علاقة له بهذه الغبية الحمقاء مطلقاً
تقف منذ لحظات طويلة بدون نقاب ولم تستوعب إلا بعدما تأمل كل رجال حيّها الثائرين لكل تفاصيل وجهها ، أليسوا القادمين لإنقاذها ما بالهم إفترسوا وجهها بنظراتهم؟ ولكن لحظة يا هشام
ألم تنزع أنت النقاب عنها؟ نصف الإثم عليك!
لقد صرح قبل لحظات بسيطة بأنه لا يعرفها وأنه لمحها تائهه في الصحراء وقد أغمى عليهاx بسبب الألغام وإنفجارها فساعدها ، قال بتعنت وبسخرية: " هذا جزَاكم للي حفظ بنتكم المجنونة من الأذى"
فإضطربوا غضباً وعنفاً ولم يصدقوه ، تلك الفتاة من أرّق و أجمل فتيات قريتهم أيتركها وهو من فئة الوحوش المفترسة؟ أيترك غزالاً رقيقاً ويتعذر بألغام قريبة منهم! أي محض من الجنون هذا ومن سيصدقه لذلك كبّلوه وكل شخص منهم يلقي الحكم الذي يخطر بباله وكأنهم القانون هنا ولا قانون يكون أقوى منهم؛
نقتله ،نحرقه حي، نعلقه على مدخل المنطقة، نقص أطرافه، نرميه بوسط الألغام
والكثير من الإقتراحات الكثيرة وسط صمته الساخر والهادىء، ينتظر من تلك الإستيقاظ لتدلي بشهادتها التي توافق كلامه ويرجو بأن لا تزيد بهارات وتبتليه بمصيبة هو في غنى عنها ، عندما لمح تلكؤها قال بضجر:"يا رجال يعني إنفجار لغم المنطقة كلها بتسمعه ما هو بمعقول ما وصلكم صوت إنفجاره ولا هو بمعقول بأن ولاشخص منكم خرج يتقصى عنه"

صرخ أحد الفتية بعنف : "محنا بفاضين للألغام حناxخرجنا ندور على بنتنا اللي تبكيها أمها من الليل فلا تكذب علينا ورأسك بنأخذه يعني بنأخذه"

تأفف بضجر، يفلت أيدي الممسكين به بكل بساطة ويلتف عليهم بغضب بدأ يتصاعد : "الموضوع خرج من إطار كونه مساعدة إنسانية لقضية حقوقية ، يا رجل خذو بنتكم وتوكلوا على الله أنا حتى صنت نظري عنها وأنا لوحدي معها ولكن أنتوا أكلتوها بكل وقاحة وكل هالرجال معكم ، إقصروا شركم عني أنا رجل ماني بفاضي لـ هالمواضيع كأنكم واثقين ببنتكم "

كاد أن يتخطاهم لولا صوت الرصاص الذي ملأ المكان بلا سابق إنذار وصوت الرجل العالي يخترق المكان : "وعز الله وجلاله لو تخطي خطوة وحدة لأفرغ ما بقى من الرصاص برأسك
تظن بنترك حق بنتنا وبنغض الطرف عنك يا خسيس ، وقف موتك على يديني"

والمدهش حقيقةً بأن هشام لم يهتم بمقدار ذرة بما قاله ذاك الرجل بل أكمل خطواته بهنجعية شديدة فيكفيه ما عاشه ليلة البارحة أسيوردونه الجنون بهذا الصباح أيضاً !
وجّه المسدس عليه وكاد يقتله لولا صرخة نسائية هلعة حالت بين فوهة المسدس وبين ظهر هشام وهي تقول مصعوقة:"مجنون أنت يا عم فيّاض تقتل زوجي !"x

هه !بالتأكيد لم يقف فتلك الفتاة صرخت تحمي زوجها والأكيد بأنه كان أحد هؤلاء الصعاليك لولا أنه صمت عنيّف حل بالمكان وصوت نداءها يخترق طبلة إذنه:"إرجع -يا هشام- وينك رايح

لم يلتفت ولم يستوعب إلا بيد تلتف حول ذراعه فتوقف بمكانه بعدم فهم وهي توقفت بجانبه، تتنفس بصعوبة وتلتفت عندما توقف وما زالت أمارات الجنون تلوح على وجوه أهل قريتها بل التكذيّب الواضح بأعينهم لكلامها ! فهي بهذه الجملة تظن أنها ستنفي عن نفسها تهمة مثل الفساد وستنقذ نفسها من براثيّن الرجال عنها .. مسكينة
-هِشام.. و زوجي-
يبدو بأنها فعلاً متزوجة ولكن لحظة يوجد خطب ما بل خطأ فادح ، تلك المجنونة لما تمسك بذراعي وتوقفني؟ ولما إسم زوجها يشبه إسمي؟ هل أثر الرعب عليها فـ نست زوجها وركضت تمسكني أنا ؟
أفلت ذراعه عنها بغلاظة وغيظ من طريقة إمساكها به وهمس:"إبتعدي عني يا بنت ، يكفي جنون رجال قريتكِ تبي تبتلين فيني بعد"

همست بذات الصوت، تكاد تنهار من فضيحة ستدمر أمها قبل أن تدمرها :"أنا الي طلبت منك الإبتعاد قبل ساعات وأنت الي رفضت ، أنا قلت لك أتركني أموت قلت لا تخافين ، أنا قلت بتخوني قوتي وأنت تقول لا خانتك ما خنّتك ، أنا ما بليتك أنت رضيت بقدرك"

ملامحه كانت ساكنة تماماً وعيناه هادئة وهو يستمع لها قبل أن تميَل ملامحه للسخرية ويتدثر ثغره بضحكة متهكمة:"أبتلينا بالمجنونة"

ولكنها لم تكتفِ بهذا الجنون فرجال قريتها جنّوا من همساتهم وزاد غضبهم فهذا ليس بصالحها أبداً.
يكفي بأن الحظ وقف معها لوهلة ولم يقتلوها بتلك اللحظة التي لمحوها بها مع رجل غريب خارج أسوار المنطقة
إقشعر جسدها عندما تذكرت واحدة من بنات الحي كانت قد هربت مع حبيبها بعدما رفض أبيها تزويّجهم كيف أطاحوا بها رجال القرية بعدما إستفزغ بهم والدها فقتلوها ودفنوا جثتها بهذه المنطقة .. أستكون عاقبتها مثلها وهي طاهرة وعفيفة؟ ولكن من سيصدقها
بل من سُيفهم عقولهم الصدئة قديمة الطراز وقبيحة التفكير بأن ما حدث ليس بيدها ولا بيده هو أيضاً ولو عليها لباتت مع أغنامها في حضن والدتها!

عقدت ليالي حاجبيها بعدم فهم وقلبها يكاد يهوي من تصرفات منتهى، تجادل رجال قريتها وتدافع عن رجل غريب بكل بسالة وهي تضعه بخانة " الزوج" لحظة فقط أليست هذه من كانت قبل ليلة واحدة فقط تسخر من معشر المتزوجات وتتهمهم بالغباء ؛لأنهم فرطوا بجمال العزوبية ما بها هذه اللحظة
وما هذا الجنون الحاصل بعد غيابها لليلة كاملة!

أخذت نفس بصعوبة تشير على الفتاة التي حضرت مع ليالي وقالت بكل قوة:"عزة مهب أنا كنت قبل شهور أقولك إني تزوجت من رجلٍ محترم و راعي دين وعنده فلوس
وأنتِ تضحكين علي وتقولين وينه يا كذابة وأنا أقولك بالحرب ومن يرجع بوريك ياه وبشيّع فرح زواجي بكل المنطقة؟ "

هزت رأسها بكل قوة، تتذكر كذبة منتهى الواضحة قبل أيام وكيف كانت تسخر منها ب (-بتفرط فيك خالتي زينة بدون زواج يا مسكينة ما دامك ملكتي )
(-يا حبكم للكذبات وأنتِ تقولين تزوجتي وحنا لو طار طير بالمنطقة عرفنا وين رايح)
(-اييية وعلميني وش إسمه)
والكثيرمن الأسئلة الساخرة والتعليقات التي تكذبها والتي اكتشفت الان بأنها كلها صحيحة!!!!
منتهى فعلاً متزوجة وزوجها هِشام عاد من مهمته!!

يقف مشدوه غير مصدق ما يجري أمام أعينه ، هؤلاء الرجال قد أنزلوا أسلحتهم على مضض وأستوطن بعض الهدوء على ملامحهم التي كانت قبل لحظات تتشح بالغضب ، لحظة
هل صدقوا هذه المعتوهه ؟ ألتفت لها ولمح نظراتها المرتاحة والتي تنبأ بأنها تبتسم بفرح فنزع ذراعه هذه المرة بغضب وجنون وكاد يسحب سلاحه هذه اللحظة وينهاها عن اللعب بحياته ومصيره بكل بساطة! ولكن نظراتها التي تحولت للوجع والتوسل ونبرة الرجاء بصوتها وهي تهمس :"دخيّلك ، وقفت معي بالأولة حميّا من الموت ، وهالمرة لامنك فكيت يدك عني فبتنزلني القبر وبموت بدون ما يكون لي عزاء
أنت تعرف أكيد وش هو مصير البنت لامنّهم لمحو زلة بسيطة عليها فكيف بليلة مع رجل غريب وبرى المنطقة ، لو جاء ملك يبرئني ما صدقوا .. تكفى ياهشام !"

إبتلع ريقه بصعوبة، يمسح وجهه بكل غضب العالمين الذي أستوطن روحه ، ما بال هؤلاء صدقّوا كذبة الزواج بسهولة بينما حقيقة الألغام إعتبروها نكتة!!! هل يريدون التخلص من عبء قتلها ورميّها بطريقه هو؟ هل جنّوا !

بل جُن هو ! لما يمشي خلفهم ويترك تلك المجنونة تمشي معه بذات الخطوات الهادئة؟ لما هو يكبّح غضبه ويماشي كذبتها بكل هذا التريّث والصبر؟؟ لما هزّ رأسه بثبات وهدوء عندما صرّح العم فياض بكل فجاجة(ماهي بزينة بحق بناتنا يخرجون مع أزواجهم وهم مملكيّن بس ، حنا ماتروح البنية مع زوجها إلا لامن شيّعنا فرحهم ودخل فيها ، والسالفة ما أنتهت عند هالحد لنا مع أمك موال ما بينتهي ، قلت لها وش تبي فيك ورأسها بارد من الهم لكن من يفهم رأسها العنيّد !)

إكتفى بإيماءة موافقة عندما صرّح فياض بأن الزواج لابد وأن يقام اليوم تحديداً فأهل كل المنطقة عرفّوا عن عدم تواجدها بالمنزل بسبب صياح أمها التي لم تُقصر وإستفزعت بأهل القرية وهي تولول"ضاعت بنتي يا ويل حالك يا زينه، أكيد جنود العدو خذوها، أكيد أحد من الخونة طبّ على حدود قريتنا و خطفها" لذلك كل أهل المنطقة عرفّوا عن اختفاءها بل كل رجالهم حضروا طريقة جلوسه معها في مكان معزول.
يقف الآن بكل هدوء أمام منزل والدتها يتأمله بصمت وأمارات التردد والتوجس تقتص من وجهه ، هذا المكان وكأنه قد زاره قبلاً ولكن لا يستطيع التذكر تحديداً ! إلتفت برأسه ولمح أهل القرية يتشتتون بالمكان كخلية نحل يرتبون المكان لإحتفال الليلة
لا يصدق أي تفاهة وأي مصيبة رمى نفسه بها
أي زواج ؟ وأي زوجة ؟ وأي إبتلاء وقع به !
قرّر وآخيراً أن يبتعد عن هذه القرية ولـ تحترق هي بمن فيها ، وما شأنه بـ مجنونتهم وما شأنه بمصيرها هو؟ ليقلق على مصيره فحقل الألغام ما زال موجود ومهمته لم تكتمل حتى هذه اللحظة.
خطوة واحدة كانت التي خطاها قبل أن تقف امرأة قصيرة تمسك بحقيبته تستوقفه فتغضن جبينه بضيق، يفلت حقيبته منها ويلتفت لها، يتنهد عندما قالت بصوتها المبحوح الهامس وأمارات البكاء كانت تلوح بنبرتها :"يا جعلك للجنة
ياجعل ما يمسّك ضر وتبقى دايم بخير، يا جعل من جابَك في الجنة يومنّك سترت على بنيتي وما ضريتها وين بنلقى رجالٍ مثلك بهالبلد؟ هي حكت لي كل هاللي حصل معها وصدقتها ومن بيصدقها غيري ويشهد الله لو ما جيت معهم كان هالليلة بدلاً من لفها بفستانها الأبيض بلفها بكفنها"

كتم تنهيدة والضيق يتشعب بداخله أكثر وأكثر ، ماهذا المصير الذي آل إليه؟ أيتركه قلبه الآن يغادر بكل بجاحة وهذه العجوز الملتصقة بذراعه تشيّد بأفعاله التي ارتكبها عنوة بسبب نظرات ابنتها وتوسلاتها؟؟ حقيقةً شعور بالذنب يرتكز في قلبه بسبب نظراته المفضوحة لها قبل ساعات وتمرد قلبه بالسوء لها، لذلك برّر لنفسه بأن هذا-القصاص- قصاص لنظراته لها بغير حجاب الزواج منها .. فالعين بالعين والسن بالسن وهو البادي ويستحق الظلم
فما ذنبها هي ؟؟ أتموت لأنه قرر مساعدتها والبقاء بجانبها طوال الليل حتى تستيقظ ويعيدها لأهلها؟ ما دام لم يتركها بتلك اللحظة وأخذته العزة بالإثم للبقاء بجانبها حتى تستيقظ
إذاً فليبقى بجانبها وليتحمل مصيبتها بعد استيقاظها

سكن بمكانه للحظات قبل أن تسحبه تلك المرأة لمنزلها وتدخله لأحد الغرف القريبة، تتكلم معه بذات الهمس:"خلك هنا خليت ليالي تجيب لنا شيخ الحي لأجل يعقد نكاحكم، أهل المنطقة يحسبون إنكم عقدتوا هالنكاح قبل شهور وقبل تطلع للحرب ويشرهون علي لأني ما حكيت وبيشيعون الفرح بعد ساعات بكل الحي وما ودي بالسوء لبنيتي ما ودي تمسك يدينها وهي ما تحل لك، تكفى يا ولدي سايرنا هاليوم بس
بعدها روح والله معك وبنيتي خلها معي مانيب راميتها لرجلٍ عايفها وتورط فيها، طيب ؟"

هز رأسه بجزع، يجلس على الأرض ويمسح على وجهه بإضطراب، أي حمل هذا الذي رُمي على كتفيه ويُطلب منه حمله ثم رميه بكل بساطة ، لمح توسلاتها تتجلى لسمعه من جديد فرفع رأسه وقال بنبرته تلك التي تمتلك بحة تميّزه : "خلي عندك علم يا خالة ، خطوتي اللي خطيتها وتعديت عتبة هالبيت هي الفاصل بيني وبين الإنفصال مع بنيتك، نيتي وضحت وطلاق وفراق ماعاد بينوجد، بنتك بتصير زوجتي على سنة الله ورسوله، أنا رجل أخاف الله ومانيب مضيعها بليّا ذنب
لأجل كذا هاتِ الشيخ والموافقة بتكون لأني أبيها ماهو لأني تورطت فيها.. والله يوفق"

تهلهل وجه المرأة وتقلص قلبه ضيقاً .. أحسنت يا هشام براعتك بالكذب لا تُصدق! ، أي رغبة لك فيها يا منافق ؟ تلك الكاذبة الغبية التي تورطت بها؟
لقد كذبت أبشع الكذبات بسبب دموع تلك المرأة ونبرتها المبحوحة الباكيَة ، وتورطت أسوأ الورطات بإبنتها .. اذهب فلك ما تستحق من ضجر وعجز بعد هذه اللحظة
واستمتع بتورطك مع تلك الكاذبة !!.
*
*
حوقل بصوت هامس، يتوعد و يسب نفسه ، أي موقف غبي وقعت فيه يا هِشام؟ أظللت طوال عمرك الناسك المتعبد عن النساء لتقع هكذا ؟

التفت بحنق متأملاً يوسف وهو يحاول كتم ضحكاته، يستصعبها فيهتز جسده إثر كتم ضحكاته بينما عاصي يبتسم بضحكة وعمّار يقف كالحارس الشخصي بجانبهم ولكن أي وقوف !
على وجهه بسمة بلهاء، يتمتم بين كل لحظة والثانية:"طحت وأنت واقف يا هشام، لله درك"

همس بغضب، يضغط على العصا التي بيده فمن عادات هذه القرية أن يكون بيد العريس عصا غليظة:"والله لألتف عليك وأكسر رأسك بهالعصا، أنت ما تستحي تقول هالحكي وعندك زوجتين بذمتك"

احتقن وجهه بغيظ فنظر له الآخر بتشفي والتفت على يوسف الذي ربّت على كتفه ضاحكاً:"يا رجل هدّ أعصابك احنا مصدومين، أرسلناك تفك العالم من بلاء الألغام ما درينا إنك بتفك نفسك من بلاء العزوبية ، على طول ماخذها، وش هالمنطقة اللي ما قتلوك رجالها بنفس اللحظة وجلسوا ياخذون ويعطون معك ، ماش ما أعجبوني والله وبكسر الهاء
لو أنا منهم فرغت الرصاص برأسك بدون كلمة وحدة ، شرف هذا شـ.."

التفت بسرعة البرق خلف عاصي الذي وقف وسطهم هامساً بضجر وغضب:"يا أطفال ، اهدوا بتفضحونا بين أهل القرية، أنا ما أدري من يصدق إن مصير بلد بكبره يعتمد عليكم ، اركدوا"

تمتم بحنق وهو يتصلب بوقوفه:"الشرهة على اللي داقّ أطلب عزوة آخرتها جايين يطقطقون علي ويفشلوني ، لو طالبٍ عزوة مستعارة ومشتري لي أخوياء أبرك لي "

زارهم الصمت للحظات طويلة قبل أن يتصلبوا بوقوفهم بجانبه بسكون تام والهدوء يطفو على ملامحهم ، دون ضحكات أو حتى تلميحات ساخرة كانوا ساكنين فقط يردون التباريك ويقفون بجانب رفيقهم، يعرفون أنه لم يحنق فعلاً أو يزعل من كلماتهم، وهو يعرف بأنهم فهموا موقفه وقرروا ترك السخرية لوقت لاحق والتصلب بجانبه فالوقت وقت عزوة وسند فقط، وليس له على وجه هذه البسيطة عزوة غيرهم .. فريقه الذي لم يفارق أعضاءه منذ عشر سنوات كاملة..
لذلك استدعاهم، كي لا يظنوا أهل القرية أنه متلاعب أو متربص بإبنتهم.
-
-
في غرفة منتهى.
كانت تتأكد من زينتها للمرة العاشرة، وتجدد أحمر الشفاه لتلتفت بضجر لليالي التي تهتف بغضب:"ماني مصدقة يا عالم، أنتِ ودك ِتتسببين بموتي لا ضمير لا بكاء لا خوف؟ تبتلين على الرجل بأنه زوجكِ وبعدها يالله بتاخذينه بنفس اليوم والكل باله رايق ومرتاح وأنتِ اللي المفروض تبكين على حظكِ وترفضين لبستِ له الأبيض!!"

قالت منتهى وهي تترك أحمر الشفاه بعشوائية على طرف الدُّرج المكسور بابه:"ليالي ، تعرفين لو ما كنت لابسة له الأبيض هاللحظة وين بكون؟"

عقدت حاجبيها بتساؤل لـسؤال أختها بينما تلك أجابت ببساطة وبديهية:"بمغسلة الأموات تلفيني بالأبيض ، استوعبي أهل قريتكِ اضطروا للتصديق؛ لأن الذنب بياكلهم لو طلع فعلاً زوجي
وأنا وش ذنبي باللي حصل كله يعني مايكفي الأغنام كلها ماتت متقطعة أشلاءها مرة وحدة جاية تزيدين وجعي وجع!!"

سكتت مقهورة بسبب منتهى التي جلست بجانب الدرج وأخذت تبكي بضيق، انحنت تجلس بجانبها:"والله أنا خايفة عليكِ ، مسألة زواجكِ من رجل مثله ما ينعرف خيره من شره مسألة ترهبني، لو طلع قاتل مأجور؟ ولا خائن؟ ولا مع العدو؟ من بينقذكِ منه؟"

تلون وجه منتهى بالرعب بينما ليالي تجعدت ملامحها بإستياء، ماهذا الذي تثرثرين به يا حمقاء لقد عقُد النكاح والرجل الآن زوجها ، أتنصحينها الآن!

بعد لحظات بسيطة مسحت منتهى دموعها عن وجهها بغلاظة و وقفت تلتفت للمرآة وتقول بحزم :"يالله اطلعي ، هشام بيجي الحين وما ودي يجي ووجهي كذا بعدل شكلي وبريّح نفسيتي شوي ،أنتِ وجودك ينكد علي ويكدرني يا ليالي"

تضايقت من جملتها الأخيرة ولكن لن تلومها حتماً فالموقف ليس بالهين وهي حقيقةً منذ ساعة كاملة تقف على رأس تلك المسكينة كبومة تلقي عليها كل المصائب التي ممكن أن تتعرض لها.

أما الأخرى بعد خروج ليالي أخذت تجلس على طرف الفراش الأرضي،تغطي وجهها بيديها المرتجفة وقلبها يكاد يهوي من فرط الرعب
أي قدر وأي طريق بائس رميتِ نفسكِ به يا منتهى!
*
*
عند باب المنزل وقف هِشام وخلفه فريقه بعدما عادوا للجوّ الساخر من جديد فالتفت مُتعب فعلياً بعد ليلتين صعبة وجداً:"أعتقوني الليلة ، بعدها يجيب الله مطر !"

ضحك عاصي: "يارجل ماعاد دريت وش أدعي لك ، مادريت هي مصيبة اللي طحت عليها ولا فرحة وجات لعندك من غير عناء
بس الله ييسر لك اللي فيه خير ، ولا تظلم بنت الناس هي تصرفت من خوفها ورعبها وأنت قدّها وقدود"
تنهد بإحباط حتى عاصي يضحك عليه بينما يوسف الضاحك والساخر طيلة الوقت يعرف تماماً متى يكون جِدي وحازم وهذا المبهر بشخصيته، وقف يربت على كتفه ويقول بحنية أخوية تشع من نظراته قبل كلماته:"اسمع وأنا أخوك ، لا تعتبرها لا مصيبة ولا إبتلاء هذا قدرك وأنت أكيد إنك راضي به ، البنت بنت كِرام وأصول واضحٍ من طريقة تصرفها وكيف ما ودها يقربها الخطأ وأنت أكثر من قادر على حزم أمرك وشعورك، والأفضل تتزوج وتبني بيت وأسرة عالأقل واحد من بيننا بيرتاح"

نظروا جميعًا لعمّار الذي ضحك بسخرية فتنهدوا بضيق عليه بينما هِشام ابتسم وهز رأسه بإيجاب ولكن قبل أن يدخل كان قد سمع صوت خطوات العم فيّاض يقترب منه بصحبة اثنين من رجال الحي ، هز رأسه مستنكراً وقبل أن يتسائل كان ذلك قد انحنى وأشعل فتيل شمعة كان يحملها وأخذ يذيب شمعها على الأرض و يترك مؤخرة الشمعة عليه قبل أن يستقيم بوقوفه ويقول بكل بساطة :"نسيت إن لكل منطقة عاداتها يا رجل الحرب ، وأهم شيء واللي بيهدّ حيلك هو آخر شيء، هالشمعة مطلوب منك تمر من عليها إن طفت فالله يستر عليك مالك عندنا بنية برغم كل الي حصل وإن بقت مشتعلة فحيّاك الله"

يا الله!x أيكون هناك حظ أكبر وأجمل من حظه بهذه اللحظة!! بالطبع لا !! ضحكته التي كتمها بصعوبة وعيناه التي تتأمل فتلة الشمعة المتمايلة بذعر كأنها تبتسم ساخرة، نعم كنت أنتظر مخرج ولم أعرف بأن فتلة شمعة هي من ستنقذني! لو كان أخبرني أحدكم بهذه التقاليد قبلاً لم أكن لأتصلب قهراً على مصير فتاة ستُظلم معي !

كان يتأمل تذبذب الشمعة بنظرة غير مُفسرة وغير مُريحة بينما بقية الفريق من خلفه يبتسمون ساخرين ، ماهذا يقفز من على شمعة ويظنونها ستنطفئ؟ مجانين لا يعلمون أننا نستطيع أن نمشي عليها إن أردنا ولا نلتفت لنارها! فهي مهزلة ولعبة سخيفة عند ما قاسيناه!
كانوا برغم استغرابهم لهذه العادة والتي من ملامح الرجال المتصلبة كانت تبدو مهمة جداً ولكنهم مرتاحين؛ لأن هشام بكل بساطة سيتعداها! لم يعلموا نيته ولا سراب الفرحة الذي لاح له وهو موقن بأن هنا انتهى موقفه!
تلك اللحظة التي كانت بين رفع قدمه وبين تلك التيxظهرت بعباءتها ونقابها أمامه فتفرق فريقه من خلفه لخصوصيتهم وهي تترقبه ، بئساً لكِ يا مجنونة ولنظراتكِ المؤنبة تلك والتي تنهش نيتي لماذا ظهرتِ في هذه اللحظة بالذات! لماذا أبطلتِ سحر فرحتي بالفرار من هذا المصير الذي كبّلني به ضميري وسقته نظراتكِ وتوسلات أمكِ حتى وصلت لهذه النقطة! بئساً لهذا الضمير فلم يوصلني لأسوأ لحظات حياتي سواه ! مالي ومال الرحمة لو نُزعت من قلبي لكنت مرتاح البال هذه اللحظة!
قالها متخطياً الشمعة بخفة جناح طائر ولم يتحرك حتى فتيلها من تحته ، بينما فيّاض كان يتأمل طريقة قفزته بفم مفتوح ، ماهذا أهو طائر فعلاً ! شتم هامساً بداخله وهو مقهور من هذا الزواج كله ، لماذا لم يقتلها ويقتله لحظة رؤيتهم سوياً دون أن يبرروا لأهل الحي فيكبّلوا قدرته على قتلهم!!

أما أعضاء الفريق فكانوا قد صرخوا مودعين:"ليلة سعيدة يا كابتن.. الله الله بأم يوسف لا تسبب لها جلطة ببرودك.. روح الله يرزقك الثانية يا هشام يا ولد.."

سكت المجنون عاصي بسبب يد يوسف التي كمّمت فمه وهو يهمس بضحكة :"يكفي عمّار يا رجل ، شف كل صبح يجينا والهالات تطفو على وجهه واضح ما لقى خير من الأولى، والثانية هي سبب سهره من مبطي"

تأفف عمّار بضجر يتخطاهم ليركب السيارة:"بلاي إني علمتكم سري لو ماكل جمرة كان أبرك لي"

ضحك عاصي، يصعد بمكان السائق يقول بمواساة: "يا رجل هالشعور لو كتمته الله يرحمك ، إلا رحمة وفضل من الله انك علمتنا حنا قبل تتهور وتعلم جهاد وعقبها ليلك أسووود يا عمّار!x بتنطرد وعلى وجهك "

يوسف الذي رفع كتفيه بعشوائية علق على الموضوع بـ:" والله وبكسر الهاء لو تصير معي لأكتبها ببطاقتي بالخط العريض-متزوج وعن حب -وجهاد لو برأسه شيءٍ يسويه خله يفرد عضلاته علي"

تنهد عمّار بإحباط، يجلس بالخلف ويقول:"اييييه ماهو بأنت اللي تعاهدت وحطيت العهد على رقبتك ، يومه قال العهد يا عيال سمعته وهزيت رأسك وحنا خبول نردد ، بس ما بيضام منكم أحد، البلاء بي أنا القريب"

شغل عاصي السيارة، يلتفت للخلف كي يخرج:"ماراح يلحقك شر ، أنت عاقد عليها نكاح عند الشيخ وما كتبته بالبطاقة وجهاد ماهو بمشعوذ لأجل يدري ، وخبرك بطريقة زواجك منها عتيق ياعمّار كأنك تجهله"

التفت له يوسف ولمح الضيق يطفو على تعابير وجهه فهمس بضجر:"شف تلاميح وجهه نكدنا عليه ، بكل مرة ينفتح طاري الزواج نجيب العلة لقلب هالمسكين ياخي اعتقه"

ناظره عاصي بطرف عينه وقال مصحح :"ملامح ماهيب تلاميح ، وبعدين منهو هذا الي يهايط
-متزوج عن حب -أنت لك قوة على الحب لأجل تفكر بالإرتباط يا يوسف؟ ولا للحينك بذكريات الميتم عايش"

تغضنت ملامحه ومالت للغضب ، وغضبه صمت خصوصاً ناحية عاصي كي لا يجرحه، تطرقه لهذا الموضوع دائماً يجلب الضيق وهو الذي لا يود أن يُضام أبداً بسبب عاصي ، أما عاصي لم يفته الغضب مع ذلك استطرد :"ولا نقول خير بعد حضور بنت الوزير ، ماهيب هينة كأنها نسخة مصغرة من اللي هربت وتركتنا قبل.."

سكت وعقد حاجب بسبب ضربة يوسف القوية على-الطبلون-بينما فزّ عمّار بصدمة من شدة الضربة وكأنه ظن لوهلة بأن الطبلون قد انفجر
اكتفى يوسف بنظرة قاتلة لكلام عاصي وكلمة واحدة فقط :"اسكت! "

ويا للعجب .. عاصِي المتمرد الحانق والغاضب طوال الوقت كان قد صمت بكل بساطة!
ناظرهم عمّار بتنهيدة، هؤلاء الإثنان لن تستطيع فهمهم أبداً !
*
كان يراقب خطواتها وهي تتجه للغرفة بنظراتٍ فاترة ، المؤكد أنها كانت تطير ولا يعلم سبب عجلتها
أمستعجلة للوجع بحضرته ؟ وماذا تظن بأنه سيهديها في ظل زواجهم الكارثي هذا؟

إلتفت لصوت المرأة المبحوح، تقف خلفه وتقول:"بنيتي أمانة برقبتك يا ولدي لين يوم الدين أنت تعاهدت إنك بتحميها وإنها تحت عينك ما تنضام وأنا وثقت فيك وعطيتك ، لأجل كذا لا توجعها لأجل ما أنوي لك الشر"

قالت جملتها بكل بساطة، تفتح باب غرفتهاx بجانب الغرفة التي دخلت منها تلك المجنونة تاركةً إياه واقف خلفها يتنهد بقنوط، يشد على قبضة يده بكل قوة ، الموقف بأكمله لا يستطيع إبتلاعه أبداً يقف في منتصف حنجرته
عالق لا يتزحزح أبداً .. فكيف بإستطاعته تقبلها هي بذاتها!

سكن للحظات لعل أعصابه تهدأ وتلين تجاهها وهو حانق وجداً .. ماذا اتركوا زوجي ولا تقتلوه ؟
حسناًً ليريكِ زوجكِ..عقد حاجبيه بعدما انتشرت الصدمة على ملامح وجهه .. لقد ذكرت إسمه!!
لقد قالت هشام زوجي ..وهو ليس بأحمق ولا غبي كي يقول لها إسمه بكل بساطة وبأول لقاء ! كيف عرفته ؟ بل وبكل ثقة تنطقه وكأنها تعرفه أباً عن جد !

على أثر تلك الفكرة فتح الباب بكل قوة ودون أدنى ترفق، يقول بصوت غاضب وغير مستوعب أبداً :"كيف عرفتِ إسمي !!!"
*
*

نهاية الفصل..
قراءة ممتعة~





فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-11-22, 08:37 PM   #9

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي



الفصل السابع


ماشاء الله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله.
*
*
*
توقف للحظات مكانه، يرمق تلك الواقفة بخجل أمامه والتي توترت وارتبكت جداً بسبب طريقة دخوله ، حقيقةً لم يلتفت لخجلها ولا لحُسنها الذي يكاد يذيب ضلوع القلب ، لأن حاسته التي تخبره أن بالأمر مكيدة لم تتركه يتنعم بما يرى ، عندما لم يتزحزح من مكانه ولم تتغير نظراته القوية الحادة تحت تهديد حُسنها قضمت شفتيها بخوف، تحاول إختلاق كذبة محنكة وشديدة التصديق لأن الظاهر بأن هذا الرجل ليس بالليّن السهل والتي تنطلي عليه الحيَل أبداً !x

رفعت الطرحة البيضاء التي كانت تخفي ملامح وجهها المذعورة كأرنب يلاحقه ذئب
وأخذت ترفع رأسها وتتأمل وجهه الغاضب بجرأة خالطتها قوة، لتسقط دفاعاتها وتقول الحقيقةxوبلا أدنى تردد :"أنا قبل أسابيع حلمت ومضمون الحلم أني سمعت فيه رجل يردد : أنا هِشام زوجكِ، أنا كنت بالحرب وبعد أسابيع جايك ويوم إني جلست مع بنت عمي فيّاض وخلصت السواليف قلت لها هالحلم كأنه حقيقة وهي ما صدقتني
وبعد اللي حصل معي ومعك قررت أستغل هالنقطة لأجل نعيش ، ولولا هالحلم لكنت مدفونة بقبري هاللحظة"

يا الله.. هل صدّق ؟ يارب إجعله يصدق يارب ليكن التصديق دربه يارب لأجله ولأجلي أرجوك!

لانت ملامح وجهه ، يقلب هذا التفسير بخلايا عقله، يحاول إبطاله أو التشكيك به ولكن لا مخرج إن لم يكن هذا التفسير الوحيد والحقيقي فكيف عرفت بوصوله بل بإسمه بحد ذاته؟ أتكون من صاحبة الرُؤى ؟ ترى ماذا سيحصل معها قبل أن يحصل؟ حسناً يمكن هذا ولا تفسير منطقي آخر لذلك اعتقها من فراسة حاستك السادسة والتي ترفض وبقوة هذا التفسير.

وأخيراً دخل وأغلق الباب من خلفه بعدما استمعتا ليالي و والدتها لكل الكلام ولصوته الحاد الذي استدعاهنّ فكادت ليالي أن تتدخل لولا حزم والدتها ، ولحظة إغلاقه للباب تفرقتا بإحباط لقد انتهت متعة استراق السمع!

أما هو .. كان قد رفع نظره اخيراًxيلقي نظرات تفحصية لوجهها الذي أوداه للهلاك حرفياً ! نظرة واحدة له كلفته أن ينظر لهذا الوجه متى ما أراد دون أن يُحسب له ذنب في صحيفته، تنهد تنهيدة مرررريرة ولا يعرف سببها فظنت أنه مقهور لزواجه منها فتدثر الوجع في قلبها!

أخذت تفرك يداها بكل قوة وهي من كانت تظن بأن حُسنها سيلفته، أليست من كانت كل القرية تتمارى بجمالها! وكانت الجملة التي تطرب مسامعها بمجالسهم " في منتهى الجمال".
جلس على الأرض يفرك جبينه، غير قادر على استدراك الوضع فهي وهو أعلم العالمين بأن هذا الزواج .. خُدعة كي تبقى هي على قيد الحياة.
أما هو فوقوفه بتلك اللحظة أمام كل رجال حيَها لم تهز به شعره وكان أكثر من قادر على دحرهم وكسر قواهم ، ولكن هي
من كان سيضمن له بأنها ستبقى آمنة .. والآن ماذا تنتظر منه ؟ ألا يكفي أنه ضحى لأجلها بكثير لو تعلمه لانهارت! أولها ثقة قائده به!

مرت دقائق طويلة من لحظة جلوسه وعندما علمت أنه لن يتكرم ويرفع رأسه ليراها التفتت عنه ، تسحب الطرحة بكل قوة وتنزعها عن رأسها بغيظ غير عابئة بشعرات رأسها التي انتزعتها معها ولا بوجع انتزاعها.. فوجعها الآن أعظم!

التفت وهي تقف أمام مرآة الدرج النصف مكسور وأخذت تسحب الزينة من خصلات شعرها حتى تفردت خصلاته وبقت تموجات بدت طبيعية ، تدلت تلك الخصلات بدلال سافِر على أطراف خصرها فالتفتت مجفلة عندما تهادى لسمعها صوته المبحوح الخافت :"هذا شعركِ اللي بكيتِ لأنك ما قصيتيه قبل تموتين ؟ هذا مفروض تبكينه لا ودعكِ"

نظرت له بصمت للحظات وهو يراقب شعرها ولكنها أخذت تسحب الربطةxتعقده للخلف في كعكة كبيرة مشعثة قبل أن تسحب المناديل المبللةxتزيل آثار المكياج عن وجهها دون أن تلتفت له بينما هو كان باقي على ذات الجلسة
يراقبها بصمت شديد ، يتفكر في حالها
هل حقاً تنتظر منه شيء هذه الليلة ؟
فتحت باب الدرج، تسحب الفستان الأحمر بكل بساطة وتمشي بخطوات متبخترة أمام عينيه حتى ظن بأنها ستغادر وتتركه بهذا المكان
لولا أنها وقفت خلف الباب وسحبت السِتار المعلق بأطرافه وهي تندس خلفه وتنزع فستانها الأبيض بكل بساطة وترميه أرضاً ثم تلحقه ببقية ملحقاته وتتبعها بإرتداء فستانها الأحمر الذي لم تدفع ثمنه حتى الآن.

كان يراقب تحركاتها بذهن غير صافي وعين زائغة ، هل هي مجنونة حقاً ؟ أيصدف أن تكون متلبسة بجنية وهي ذات الجنية التي أخبرتها عن اسمه؟ أهذه تصرفات امرأة عاقلة ؟

خرجت .. وحقاً تمنى لو أنها بقت طوال الليل تتلوى خلف الستار ولا تخرج بهذا الشكل الذي خطف أنفاسه .. وإن كان رجل وله قدرة على التحمل فقدرته تتلاشى عند نقطة معينة
ولكن هو ليس بإمعة ولا بحيوان كي يظلمها معه بسبب رغباته ، وليس حباً بها وبقربها !

كتم زفرة حادة كادت تطعن روحه، يقف وينوي الخروج ، فهذا الضغط شديد عليه
هو الذي لم يتعرض لأي ضغط من قِبل إمرأة من قبل لذا لم يكن يعرف كيف يتصرف تحت شدة وطأة هذا الضغط.

قبل أن يتخطاها وقفت أمامه بكل هدوء ، بوجنتيها الغارقة من شدة التورد حتى ظن بأنهما وردتين ، دليل كافي و وافي أنها تكاد تذوب وتتلاشى من شدة الخجل وعينيها التي تشتتها للمكان بلوعة الحياء أكثر من كافية! ولكن وقفتها الجريئة أمامه و ملامحها الهادئة بثقة ما سببهما ؟
حقيقةً لا يعرف لمَ أراد إستفزازها بسبب جرأتها التي لم تعجبه أبداً فقال بسخرية:"هذا الفستان اللي ما دفعتِ قيمته للحين ؟ "

إن كان قد نوى استفزازها .. فقد فعل بكل بساطة!
والدليل نظراتها الثاقبة التي عرّت غضبها ، الحقير هو حتى لم يتأمل الشرائط المتدلية من طرف خصرها بطريقة لطيفة ولا حتى أنه دون أكمام فأظهرت يديها المرمرية ولا حتى أنه مخصرٌ عليها بطريقة ملفتة وبارزة لكل تفاصيلها
ماهذا الرجل ؟ أهو ناسك متعبد صائم عن النساء فعلاً ؟ ولكن لن يصوم طويلاً
فالأمر محسوم ، قالت بكل ثقة وببساطة شديدة ، ترفع طرف منديل أبيض وتشهره أمامه ولا كأن كلامه قد مسّها بوجع :"هذا المنديل ، وجب يكون صبح بكرة بيدين أمي "

نظر لها بعدم فهم ، ولماذا تعطيه خبر ، أين الشيء المهم في هذا المنديل ؟:"والمطلوب مني ؟ أمك وببيتِك ولو خرجتِ برأسكِ لقيتيها جنب الباب تنتظرِك !"
ابتسمت بسخرية لهذا الساذج الغافل عن عاداتهم ، كيف لم يعرف بأنه تورط بمنطقة غريبة والدليل تقليد الشمعة التي وإن انطفأت لكان تخلص منها فعلاً ! فالرجل الذي يمر وتُطفئ الشمعة بسبب مروره يُرفض بدون أدنى تردد
ويرضى وترضى بمصيرهما ! قالت بهدوء تخفي كل اللوعة والخجل الواضح بزُرقتها :"تعرف ..يعني لكل ناس تقاليدهم وحنا بليلة الدخلة لازم يكون هالمنديل معنا، عشان اليوم الثاني نعطيه لأمنا وبعدها الرجال يطلقون الرصاص فرحة لبنتهم "

كان يرمقها بهدوء وهو بحق غير مستوعب أي كلمة تتفوه بها و لكنه لاحظ تحول خدّيها من اللون الوردي للأحمر الشديد وكأن لون فُستانها تشربته وجنتيها ما سبب كل هذا الخجل لم يفهم ، رفع رأسه وقال :"طيب أعطيه أمكِ يابنت الناس ، أنا وش وظيفتي مانيب فاهم"

كادت أن تصيح فيه بحنق و بغضب ، أيتلذذ بجعلها تذوي من الخجل؟ ألا يكفي بأن أمها تركت المهمة على عاتقها كي تفهمه؟ رفعت المنديل وقالت بغضب:"المنديل ما يروح لهم كذا ، وجبَ يتأكدون بأني طاهرة وشريفة"
سكنت ملامحه للحظات، يرمق المنديل بهدوء قبل أن تشتد ملامحه بشكل مرهب فعلاً.

ما بال هذا الرجل يترك قلبي يتلوى من الذعر
إنه ينظر وكأن المنديل خصيمه الذي قتل أهله بهذه الحياة ، حسناً المهم أنه قد فهم ما كنتُ أنوي أن أموت من حرجي في سبيل إفهامه.

ولكن علامات الغضب التي تطفو على وجهه غير مبشرة بالخير أبداً والدليل نظرته الحادة تلك والتي جعلت قلبها يهوي من خوفها ، قال بهدوء ينافي تماماً تصلب عضلات وجهه ونظراته التي أظهرته كمجرم خارج عن القانون فعلاً : "أنتِ تعرفيني؟ تعرفين أي رجل ممكن أكون؟ وش وظيفتي؟ كم عمري؟ لمن أنتمي؟ خاين ولا محب للوطن؟ تعرفين لو كنت مجرم ولا قاتل؟"

رمقته بخوف والرعب يقفز في قلبها مثل تقافز نبضاته هذه اللحظة بينما هو سحب المنديل من يدها بغلاظة شديدة أرهبتها وهي ترتد مجفلة للخلف بشهقة خافتة ،شدد على المنديل بين قبضته بكل قوة، يكاد يذوي قهراً من هذا التقليد السخيف بنظره والسافر والمقلل من شأن هؤلاء الفتيات، و رفع رأسه وهو يعيد كلامه: "تعرفين كل هذا؟"

هزت رأسها بكل قوة، تنفي بحق وهمست برعب:"لا يا رجل الحرب"
فهتف بحنق ، يضغط على المنديل أكثر :"أجل ليه تنتظرين الكثير مني، أنا .. أنا رجل ما.."

سكت بغل، غير قادر على النطق بما يعتقد أنه سيوجعها فتلك الفتاة حقاً خائفة ، ومصيرها بين يديه والدليل إشهارها لذلك المنديل بكل بساطة وهي تنتظر منه التطبيق فقط.

أخذ نفس، يحاول إفهامها ما يعافر بروحه من مشاعر هذه اللحظة ولكنه عجز ، فإنتزعت المنديل بغيظ تقول:"لاتجبر نفسك على شيء يا ولد الأكابر ، أنا بنت أدور للستر
و ستري بين أهل هالقبيلة بعد اللي حصل هو هذا المنديل ، إن كان بنيتك تفضحني وأنت صرت زوجي وش برتجي من الناس؟"
حسناً وصلتِ لمرادكِ يا منتهى أحسنتِ لقد ظهر الضيق على وجهه وملامحه تُنبِؤكِ بأن ضميره هذه اللحظة يضربه ويؤنبه بغل، تمسكني أكثر حتى تصلي لغايتكِ وتُبرئي سمعتكِ في هذا الحي .
سحب المنديل من يديها ولكن هذه المرة بلطفxيناقض ملامحه المشتدة ونظراته القاتمة فكادت تطير فرحاً ، ليس وقاحةً ولا لأنها جريئة حدّ الوقاحة والله وحده يعلم ولكن خلاصها بهذا المنديل والدم الذي سيكسوه
غير هذا ، من سيصدق بأنها عفيفة ؟

جحظت ملامحها بصدمة وكاد قلبها أن يهوي عندما رفع كم قميص البذلة الرسمية التي يرتديها فظهر الخنجر الصغير وإرتدّت بخطوات مرتعبة للخلف حتى التصقت بالباب من شدة الهلع.
تراقبه يقف أمام الدرج ويفرد المنديل على أطرافه وهو يرفع الخنجر و يغرزه بطرف كفه حتى سالت قطرات دمه على المنديل
فسحبه من تحت يديه، يضغط على كفه ويرفع لها المنديل ولكن نظراتها المذعورة و وجهها المشتد حمرته ليس خجلاً هذه المرة بقدر ما كان رعباً تركته يلوم نفسه على فعلته أمامها
اقترب بهدوء ولكنها ارتجفت من قربه و وقوفه أمامها وحاولت سحب يدها بكل قوة من يده لولا أنه تمسك بها بكل قوة، يترك المنديل براحة يدها ويقول بصوته ذو البحة:"خلاصكِ من لسانهم صار بيدينكِ"

اكتفى بهذه الجملة، يتجه ويجلس بتلك الزاوية من جديد بعدما أسند رأسه للخلف وترك كفه ينزف قطرات الدم بكل تبجل على الأرض دون إهتمام ، بل تاركاً منتهى تقف برعب العالمين تحتوي كفها المرتجفة منديل ملطخ بقطرات الدم التي تعلن طهرها لأهل قريتها
ولكن مع أي رجل ؟ ماذا كانت تظنه؟ شيخ مسجد يخاف الله؟ الأكيد بأنه مجرم وله سوابق والدليل لامبالاته لرعبها ولدمه الذي أغرق فراش غرفتها بعدم مبالاة

حقيقةً كانت تقف لساعات طويلة مرتعبة تراقبه وهو ينام دون مبالاة حتى تهاوت ساقيها ولم تتحمل الوقوف أكثر فجلست تستند بظهرها على الباب وهي تكاد تفر رعباً ولكن خوفها كبّلها وتعبها خلال هذا اليوم أشد من أنها تهرب بهذه اللحظة .. ومن بين مئات المعارك بروحها كان قد سحبها النوم لعالمه حتى أن أصوات القصف بالطريق القريب منهم لم تُوقظها بل تركت ذاك مدعي النوم يفتح عينيه بكل قوة وكأنه يتذكر أين هو .. بل من هو!

بعد ساعتين فقط استيقظت تلقي نظرات مذعورة للمكان بسبب وجودها في فراشها ومغطاة بحرص ، تكاد تجن ألم تنم وهي تستند على الباب؟ من حملها.. لايحتاج الوضع للسؤال ذلك المجنون المختل حملها بيديه
نفضت ذراعيها برعب العالمين تبحث عنه لكنها لم تجده بل وجدت الباب يُفتح بعد طرقات خجولة ، لمحت رأس والدتها يتدلى من خلف الباب وهي تقول ببسمة:"أدخل؟"
"-هذا سؤال يمة؟ صرتِ بوسط الغرفة"

برغم رعبها أجابت بتهكم على كلمة والدتها التي دخلت بخجل تقول:"لمحت زوجكِ يخرج من البيتxقبل الفجر بلحظات لأجل كذا تطمنت إنكِ لوحدكِ .. بشري؟"

نعم لقد جاءت تسأل عن المنديل ، أين هو! أين تركته؟ ضغطت على يدها بعدما تذكرت بأنها تعصره بين أصابعهاx وأخذت تخفي رعبها بين طيّات بسمتها ، حمدت ربها بأن والدتها دخلت وهي بوسط فراشها وإلا من سيفهمها سبب نومها على حافة الباب؟
رفعت المنديل الملطخ بالدم ولم تستغرب زغاريد والدتها التي ملأت المكان ، فهذا العُرف هنا وهذه هي التقاليد من يستغرب تقاليده التي عاش عليها!!
أخذت والدتها المنديل، تبتسم لها بمحبة وتقبلها، تبارك لها من جديد ولم تفهم نحيب قلب إبنتها بهذه اللحظة ولا الدموع التي تسللت من محاجرها والتي فسرتها بأنها دموع فرح ، بعد دقائق أغمضت عينيها بكل قوة بسبب صوت الرصاص الذي ملأ المكان بعدما طمأنتهم والدتها بحضور المنديل ، بينما صوت ليالي الساخط على هذا الجنون يصل لسمعها :"ما دام مخزونكم للرصاص كثير وما دمتوا رجال ، شيعو رصاصكم بوجه العدو واتجهوا لجبهات الحرب دافعوا عن بلدكم بدلًا من إهدار الرصاص على شيء ما يخصكم يا .."

تلاشى صوتها والأكيد بأن والدتها وبّختها فهذه تقاليد تُقام ولو بحدّ السيف ، و وجب عليهم السمع والطاعة فقط.
*
*

زفير حاد غادر صدرها، تفرك جبينها المتغضن بكل قوة، حقيقةً الإقتراب منها بهذه اللحظة خطر.
رفع عينيه لمرآة السيارة، تأملها للحظات وكان مُناه أن يضع لافتة بالقرب منها تُحذر من الإقتراب منها
فهي منذ الصباح الباكر كقنبلة موقوتة، كان مصعوق حتى من هم في رتبة أعلى منها يتجنبوها!
لا أحد يعلم سبب غضبها العنيف هذا ، والأدهى والأمر كُلفت بالذهاب للوزير الغاضب ورش الماء على نيران غضبه ، يا اللهِ من سيُهدئ من بهذهxاللحظة؟؟؟
هز رأسه بأسى على بشاعة حظه وعلى غباءه الذي تركه يقف بجانب الباب يراقب غضبهاx الذي تُصبه على سمع القائد الأعلى، وهو يستمع بحُلم وصبر غريب بعدما وجّه لها الأوامر
يراقب بصدمة هذه المرأة ، وصفها بشكل واضح ومن غير مواربة-شعلة نار لا تنطفئ-
بكل الأيام التي قضاها هنا تحت ظل قيادتها كان يتجنب المساس بها، يستمع للأوامر، ينفذ بصمت فيتجنب التصادم معها ، ولكن ما بال ذكاءه الخارق خانه وتركه يقف بجانب الباب لكي تمر من أمامه وتشير له باللحاق بها ليتجهوا مع فريق الحراسة لقصر الوزير!

لم ينتبه للـ-مطب -إلا بآخر لحظة فسحب الفرامل بكل قوة فاصطدم وجهها بالمقعد الأمامي بينما هو كان قد تمسك بالمقعد الذي بجانبه ، التفت بحرص عليها وهو يقول بـ لغتها العربية:"أنتِ بخير؟"

جحظت عيناه بسبب وجهها المشتد حمرته بشكل كارثي و عيناها التي وكأنها جمر ملتهب ، حقيقةً ليته لم يسأل لأنها نظرت له بغضبxقبل أن تنزل من السيارة بكل عنفوان، تتجه لباب السائق، تفتحه بكل قوة، تقول وكأنها تبصق الكلام :"أنت إبتلاء فهمتني؟ ما تعرف تتصرف
ما تعرف متى تنتبه متى وجب عليك توقف ومتى ينفتح لك الضوء الأخضر للإستمرار ، انتوا أغبياء جهلة وأنا المبتلية اللي محد يعرف متى بينتهي صبري ومتى بتتلاشى طاقتي على التحمل
انزل ، أنا الحق علي والخطأ لابسني لبس لما تركت واحد مثلك يسوق عني "

نظر لها بعدم فهم والواضح من بروز الوريد بجبهتها أنها غاضبة بحق ونظراتها .. يا الله كارثة
لكن لطريقتها السريعة بالكلام وتقيؤها الكلمات على سمعه بكل غلاظة لم يستطع فهمها بكل سلاسة ، التقط بعض الكلمات مع ذلك لم يفهم
ولكنه ترجل من السيارة واستقرّ أمامها، يكرر : "أنتِ بخير ؟"

دفعته عن السيارة بغضب العالمين ،تهتف :"بخير أو بأبشع حالة أنت وش بيدك لي ؟ انتوا لكم قوة على أوجاعي؟ طبعاً لا لذلك فارق خلك مع الفريق اللي واقف وراك ولا تلحقوني لداخل
أنا ما استفدت منكم بالشارع بستفيد منكم داخل القصر ؟ إمّعات فعلاً"

قالت كلماتها وكادت أن تصعد للسيارة لولا أن دوارٌ عنيف تمكن منها فأغمضت عيناها بكل قوة، تشد على قبضة الباب بعنف ،قال ببرود غير مهتم بحالتها فالحقيقة علم أنها تشتمه وتقلل من قدره بتصرفاتها وبلغته كي يستفزها :"ما دمتِ لستِ بخير فلستِ مضطرة للمقاومة، إنهياركِ لايعني بأنكِ ضعيفة، لن تفقدي واجهتكِ القوية"

ضحكت بحسرة من بين غضبها وهوانها وركبت السيارة مدعية اللامبالاة بينما جملته نهشت روحها والدليل إغلاقها للباب بكل قوة واتجاهها للقصر وهي تتمتم : "أنا مضطرة أقاوم.. أنا ما خُلقت لأنهار يا .."

تنهدت بعدم مبالاة عندما نست إسمه فهي أغلب الوقت تحفظ الوجوه فقط أما الأسماء فلا تهتم
توجهت كيxتُهدئ الوزير .. وهي تحتاج من يهدئها أساساً.
*
*
في وسط غرفة الإجتماعات الهائلة بمنزل الوزير

تقف بمنتصفها بوجه لا تُفسر معانيه وجسد يشتعل غيظاً وغضباً، لا تتذكر متى هي آخر مرة اشتعلت قهراً مثل هذه اللحظة.
تقف أمام الوزير الذي نفض غضبه جرّاء القصف الأخيرxلمصنع الأغذية والتعلل بعد القصف أن إخبارية خاطئة وصلتهم بأنه مصنع للأسلحة
كان يصرخ، يضرب الطاولة، يتقيأ غضبه على مسامعها وآخر ما ختم كلامه به: "أنتم موجودين على أرض الدولة ، لو كنتوا تشكّون بمقدار ذرة بأنه مصنع للأسلحة كان أرسلتوا كتيبة عسكرية تتفحصه ، ما تتعاملون إلا بالصواريخ انتوا ؟ خمسة وأربعين ضحية بريئة
وآخرها تعللون بكل بساطة بأنه خطأ ؟ من بيدفع الثمن فهميني ؟"

سكن للحظات بسيطة، يقترب، يقف أمامها بغضب ،يزمجر بكل عنف بسبب صمتها :"أنا قدمت لطلب القائد الأعلى ! وآخرها يرسلون لي رائد ! انتوا بديتوا تلعبون على أوتار صبري ، بديتوا تفقدوني طاقتي وأنا ما أضمن لكم صمتي أكثر !"
"-وليه تلتزم الصمت! أحد ضربك على يدك!"

قالتها ببرود برغم غضبها فجحظت عيناه بصدمة من أسلوبها معه كوزير ! تلك الحمقاء البائسة : "تدرين لو تكلمت ، لو أفصحت بكلمة فقط راح تنتهون عن هالأرض ؟"
"-وليه ما تتكلم.. أحد هددك؟ أفصح يا رجل و انهينا لو بيدك شيء ، أوه نسيت بأنك جبان أجبن من إنك تنقذ بلدك في سبيل فناءك أنت يا حضرة الوزير"

نظراته لو كانت تقتُل لقتلتها! حقاً لولا خوفه من أن يُكشف أمره بقتل رائد عسكري بفريقهم لكان قد أزهق روحها بهذه اللحظة ، علِم أنها تنوي استفزازه فخرج من المكتب للحديقة الأمامية
وهي تتبعه بسكون رغم كلماته اللاذعة المتهكمة :"ليه كان عندكِ الشجاعة تنقذين بلدكِ أنتِ يا خائنة؟"
سكنت روحها لوهلة، تقف شاحبة كالأموات مكانها ، وقع هذا اللقب عليها مخيف بشكل لا يصدق ، التفت عندما لم يسمع ردها
ولحظة وقوفها أضحكته فقال بسخرية :"تنكرين ؟ والعلم أعلى صدركِ ينتمي لمن يا رائد عواصف !"

زفرت بهدوء، تشيح نظرها، تقول بقوة تخفي خلفها عواصف هائجة :"ما أنكر ولكني شخص واضح وما أميل وأصير حية من تحت تبن ، أنا مثل ما قلت أخون والكل يشهد
ماهو بأخذ حق البلد كله و أخونه وألعب بأرواح شعبه وبعدها أسلي نفسي بأن علم بلدي ما زال بأعلى صدري يا حضرة الوزير"

عقد حاجبيه بعدم إعجاب وتقدم منها خطوة ينظر بكل قوة لعيناها الشهلاء القوية ، برغم تشابه لون عينيها مع إبنته سكون إلا أن النظرة تختلف بشكل هائل ، فإبنته لها نظرة خجولة رقيقة وهذه.. لها قدرة مخيفة على الصمود دون الرمش حتى من شدة قوتها! قال بذات الغيظ والغضب : "أفهم من كلامكِ يا رائد عواصف.."
هذا الغضب و التعنت عندما يواجهه أحد بخيانته للبلد ونفيه الشديد وتعليق أخطائه وذنوبه على شماعة العدو تغضبها ، تخرجها عن أي إطار للتعقل ، فاقتربت خطوة عنيفة، تهتف بحنق : "الكلام واضح بكل سهولة ولو طلبته من أي طفل بالشارع لقّنه لك يا وزير ، أنت خائن بثوب الأمين المحافظ ، وأكبر دليل سكُون بنتك اللي لشهرين كاملة مختفية والله أعلم المصيبة اللي تسبّبت بهروبها من حضن أبوها اللي انحرمت منه سنين طويلة.."

تعديها على الوزير بصوتها العالي ويدها التي كادت تضرب بها كتفه كدلالة لغضبها كان أكبر بكثير من مقامها وحدود سيطرتها ، فحين كادت تضرب كتف الوزير ارتدّت للخلف مجفلة بسبب الكيان الضخم الذي حطّ أمام الوزير بلمح البصر فضربت يدها صدره واضطرّت لسحبها بكل عجلة بوجه قاتم غائم من شدة الغضب ، رفعت عيناها تسترق النظر لهذا الحارس المتعنت
ولكن بقيت نظراتها عالقة على وجهه .. يا إله الكون .. أتتوقف الأرض عن الدوران بسبب نظرة؟ذكرى؟ ملامح؟
أهذا يُوسف .. أو أن خلايا عقلها هي من رسمته لها ؟

عينين كـ ليل حالك بنظرة كنار موقدة
صحيح بأن يوسف كان له دائماً نظرة حنونة هادئة إلا أنها لا تُخطئ سوادها ! ذات الملامح أنفه الحاد ،فكه العريض و رسمة وجهه التي تناسب حِدة ملامحه ، ذات الملامح لكنها أكبر سناً
أيعقل بأنها أخطأت؟ لأن يُوسف لم يكن لينظر لها بهذا الغضب ، العنف، الشراسة
والكثير .. الكثير من الخيبة -لم يعرفني-عزّت عليها هذه النظرات لهذا السبب مع ذلك رجفتها
إهتزاز حدقة عيناها، شحوب وجهها دليل كافيxبأنها عرفته بل ميّزته.

جحظت عيناها بهلع لأول مرة تعيشه عندما دفعها بعنف فارتدّت للخلف بكل قوة وكادت تسقط لولا أن أحدهم التقط ذراعها وساعدها على الإتزان ، بل وقف أمامها بكل قوة، يخفيها خلفه، يقول بغضب وبلغته : "أرجو منك حضرة الوزير إحترام قدوم الرائد لمنزلك
وإلا سنضطر لإتخاذ الإجراءات المناسبة لهذا التعامل السيء ! "

ضرب الوزير على كتف يوسف فألتفت له بصمته وهدوءه فأشار له على مضض بأن يبتعد
ابتعد ووقف خلف الوزير، يثبت يديه خلف ظهره .. وأكبر خطأ قد فعله اليوم بأنه نسي إرتداء نظاراته .. إن كانت أخطأت بملامحه
فلن تُخطئ أبداً عيناه ..
وهو لم يكن مستعد أبداً لهذه المواجهة ، التي أجّلها منذ أشهر .
باللحظة التي لمحها بها تدخل بالزي العسكري للعدو بينما هو مصلوب على عمود منزل الوزير !
لم يُخطئ أبداً ! تلك عواصف .. صديقة الطفولة!
ولكنها بهذه اللحظة .. خيبة العمر!!

بعدما كانا يقفان كأصدقاء بجانب بعضهم البعض يقفان الآن أمام بعضهم كأعداء !
كان صامت ينظر للمكان بعدم اهتمام وكأنه غير مبالي بوجودها أو لم يميّزها بينما هي تكاد تهوي على الأرض
هذا الضغط كله على أعصابها سينهيها عن الوجود ألا يكفي تكاتف الأوجاع عليها آخرها إختفاء سكُون وهذا التفجير اللعين ؟
لتأتي الطامة وتلتقي بطفولتها متجسدة على هيئة نظرات خائبة الأمل وكأنه عرفها وميّزها
بل يعرف بكل بساطة ومنذ زمن بعيد بأنها - خائنة للوطن-

سلام الواقف في فوهة المدفع، يستقبل غضب الوزير عن كيفية التعامل معه وعن تقليلهم من شأنه لإرسالهم رائد بينما هو كان ينتظر القائد الأعلى فحاول التعامل مع الموقف بعقلانية ،يحتوي غضب الوزير ولكن تلك الفتاة خلفه لن تدعه يتعقل أبداً ، ما بالها تتمسك بقميص زيّه الرسمي بكل قوة
حاول الإلتفات ولكن الوزير لم يدع له الفرصة
ولكن بآخر مرة ومن شدة ضغطها عليه اضطرّ لإشاحة نظره عن الوزير والإلتفات لها مقاطعاً توبيخه ،شحب وجهه بصدمة عندما تأمل وجهها المجعد بغضب طيلة الوقت يتجعد بوجع هذه اللحظة .. بل المخيف والصاعق له
بأنه لمحها تذرف دمعاً ! كان يظنها حجراً من شدة قوتها !!! حاول التكلم ولكن ضربة الوزير على كتفه ردّته لم يلتفت لأنه قد لمح نظراتها الزائغة فتوقع بأي لحظة إنهيارها.
وفعلاً لم يخب له ظن وهي تفقد وعيها أمامه بنظراتٍ باكية و وجه متوّردًا وجعاً، فاستقبلها بين ذراعيه مصعوق وأخذ يضرب على وجنتيها برقة يحاول جعلها تستفيق
التفت يستغيث بالوزير لكنه لم يعبأ له بل ابتعد عنهم بلا مبالاة وهو يشير ليوسف بيديه (لماذا عدت؟ هل عرفت مكان سكُون ؟)
تبعه الآخر على مضض، يحاول حياكة كذبة محكمة ليصدقه الوزير تاركاً خلفه عواصف بين يدي رجل غريب .. لم يعرفه أبداً
ولكن يبدو بأنها تعرفه كفاية كي تستنجد به، لم يتحرك به ساكناً حتى ملامحه كانت هادئةxبالرغم من صوت بكاءها الذي تسلل لسمعه
تخطاهم، يمشي خلف الوزير بصمته
بينما سلام انحنى والتقطها بين ذراعيه، يكتم تأفف الضجر ، توجه بعجلة شديدة لخارج القصر
حتى توقف أمام الفريق العسكري، يصرخ : "افتح الباب ، أعمى أنت ألا ترى؟"

ارتبك ذاك وشرع يفتح الباب بينما سلام تركها على المقعد الأمامي بعدما بسطه للخلف و اطمئن بأنها مرتاحة بجلوسها، وأخذ يتجه لمقعد السائق، يتمتم بضجر :"قبل لحظات فقط طردتني وهذه اللحظة باتت محتاجة لي
ما هذه الدنيا؟! "
*
*
"-كم عمرك ؟"
"-إن كنت تسأل من ناحية ما عشناه فأنا شايب بأرذل العمر والله، وإن كأنك تسأل عن السنين اللي عشناها فأنا ما تعديت الثلاثين "
"-والله إنك مثال مثالي للدراما ،يعني أفهم من كلامك وللمرة المئة بأنك بنفس عمرنا ؟ وإن طوفان له من العمر ثلاثين سنة حاله حالك"
"-شواظ ، ودك أجيك طيران وأكسر عظامك! شكلك اشتقت لقبضة يدي بوجهك ، وبعدين طوفان أصغر مني بسنة"
"-لا ورب العباد ما اشتقت ولكن ماتحس بإنك ماخذ دور أبو طوفان بزيادة، يا رجل اعتقه منك واعتقني أناااا بموت بسبتك، ارجع للمركز واترك عنك اللعب بذيلك حول بيت الوزير"

وقف عاصي بمكانه بعدم استغراب لمعرفة عمّار بموقعه والتفت حتى لمح إحدى كاميرات المراقبة فاعتدل بوقوفه وأشار بسبابته وكأنه موقن أن عمّار يشاهده:" اسمعني زين يا شواظ ، قسماً بالله حرف واحد يطلع لقائدك لأخلي بشرتك اللي اشتاقت لقبضتي تفرح بلقاءها، أنت ما عندك شغل ولا مشغلة إلا مراقبتنا بهالكاميرات ، يوم أغبر اللي علموك تلعب بالكمبيوتر وأبلشتنا به"

وصل لسمعه عبر الأثير ضحكات عمّار يستند بظهره على الكرسي، يتنهد:"شكلك ناسي بإني مراقبكم على مدار الساعة وأعرف كل تحركاتكم ، وصدقني لو يعرف القائد بإنك جنب قصر الوزير وبهيئتك الحقيقية راح ينتهي الموضوع بشكل ما يرضيك أبد يا برزخ"

تأفف بضجر ولم يرد على إدعاءات عمّار بل وقف بالقرب من البوابة يقول بوجل:"علمني ليه رجع للقصر وما يرد علينا؟ مهب يقول الوزير قال له ما يرجع إلا وبنته بيده ، وهالمجنون وش مرجعه بدونها ، تظن إنه أعطاه خبر عن مكان تواجد بنته"

صوت أنثوي قاطع حديثهم قائلاً: "يبدو بأنه توجه للوزير لأجعل يعرف سبب القصف على مصنع الأغذية ومن وين كان تسريب الإحداثيات"

إعتدل عمّار بجلسته، يكتم تنهيدة ملحة بصعوبة بينما عاصي قال بضجر :"وسيارات الكلاب اللي مصطفة قدام البوابة وش وضعها؟ يبدو بإنهم جايين يهدون من روع الوزير الله لا يهدي له روع هالخائن"

قبل أن يعلقوا على ما قال ، التفت عاصيxمستنكراً بسبب خروج الفريق العسكري للعدو بذات اللحظة متجهين للبوابة فنزع سلاحه بكل قوةxيهمس بغضب :"بيهجمون على قصر الوزير الكلاب ، كنت أعرف إنهم غدارين وبكل مرة ما يفاجئوني."

عمّار وقف بسبب تأهب عاصي وقال بخوف عليه :"مجنون أنت رجّع سلاحك قبل ينتبهون لوجوده بين يدك وهم يحترقون باللي.."

حاول يلجم صوته ولكنه ظهر عنيف:"يوسف داخلx يا شواظ لا تخليني أبتلي فيك حتى أنت.."

قبل أن يدخل أو يظهر نفسه بشكل كلي توقف بحاجب معقود بسبب العسكري الذي خرج من بوابة القصر ولكن ما أثار تحفظه هو الجسد الأنثوي المنحني بين ذراعيه والعساكر الذين اصطفوا ، يسحبون أسلحتهم بملامح غاضبة ظناً منهم أن أحد تعدى على الرائد ولكن ذلك العسكري كان قد تكلم بكلمات مبهمة فردوا أسلحتهم وركض أحدهم يفتح الباب للآخر الذي يمشي وعلى وجهه أمارات الرعب والخوف على من تسكن ذراعيه، راقب ملامح تلك المرأة بحاجب معقود وأخذ يغمغم بشماتة:" هذي نهاية اللي يجنّد مرأة ، أكيد أحد رفع سلاحه بوجهها فأغمى عليها من الخوف !"
"-برزخ!!!"

قالتها مرجان بغضب فأكمل عاصي بضجر :"وأنا صادق يا مرجان لا تحسبين كل البنات مثلك، قوية وتسحب السلاح وما تهاب ، وبعدين أنتِ مو جندية ومو مطالبة بالحماية أو رفع السلاح إلا بالحالات الخطيرة"

أخذ عمّار نفس وضرب الشاشة بعنف ، يقول :"برزخ ارجع للمركز ولا تشبّ نار بليّا داعي ، أنت أعرف العارفين بأن طوفان قادر على حماية نفسه فارجع أسلم لك"
"-والله ما أر.."

سكت بسبب صوت عمّار الذي قاطعه، يقول بإستغراب شديد وعدم فهم: "هذي السّراقة اللي لعبت عليك و ورطتك قبل فترة؟"

التفت عاصي بكل عجلة:"وينها ؟ وين شفتها
علمني! لي عندها دين وجب علي أقتص منها"

كتم عمّار ضحكته بصعوبة وحدد موقعها والذي حقيقةً كان قريب من قصر الوزير كالعادة ، التفت عاصي بحركة سريعة وتلاشى من أمام الكاميرات بلمح البصر دون حتى أن يستوعب عمّار والذي أخذ يبحث عنه بصدمة يحاول معرفة مكانه دون اللجوء لمحدد المواقع ولكنه عجز!
فالتفت ليحدد موقعه وتفاجأ عندما ظهر بأنه
بموقع الفتاة التي يبحث عنها فتمتم مصعوق : "يا خسيس ، كيف قدرت تتفاداني"

ضحك عاصي بروقان، يبحث عن تلك الفتاة التي يميّزها ولو بين أمة لا لشيء ، ولكن لأن لها عنده دين وهو لا يترك دينه عند أحد:"شواظ إياك و رفع سقف قوتك وطموحاتك وخصوصاً معي
أنت تعرف من هو بـــرزخ !"

غمغم مشدوه ، يجلس على طرف الكرسي بعدما ظهر اخيراً بإحدى كاميرات المراقبة : "إيه والله أنا أعرف العارفين فيه ، مغربل العدو والخونة كلهم.. الله عليك يا برزخ"

ضحك عاصي وصوت ضحكات خافتة حاول صاحبها كتمها ولكن لم يستطع ، كتم عمّار تأففه بصعوبة من الغيظ وأخذ يضغط على زر إغلاق السماعة لـصاحبة الضحكة حتى لا تستمع لما يُقال وتشارك فتغيظه أكثر !
*
*
في وسط الحي القريب من قصر الوزير..
والمقتصر على أكابر العاصمة والمثير للدهشة بأنه يناقض تماماً الحي الذي يليه والذي يستطيع أي أحد دخوله في أوقات القصف
والذي حالياًxيعج بالناس بعد قصف الليلة الماضية
فهذا الشارع عكسه تماماً لا يتم الدخول إليه إلا بعد تفتيش دقيق والذي تخطاه عاصي بكل بساطة دون أن يتكبد أي مشقة ، أخذ يحرك رأسه بتدقيقxيبحث عن طيف تلك المرأة التي وضعته في موقف فظيعٍ جداً ، هو عادةً لا يهتم ببعض الأمور ولكن إن كان دين فلابد سداده.

هتف بغيظ، يضغط على السماعة يحشرها بإذنه أكثر : "شواظ ، وينها مالها أثر هنا !"

اتسعت إبتسامة عمّار الضاحكة ، يقول بخفوت : "يبدو بأن الحلة الرسمية اللي تزين عضلاتك لها سِرها يا برزخ أنت تصرف بشكل طبيعي وهي بكل بساطة راح تجي لعندك وطبيعي ماراح تميزك فمن يصدق إن ذاك المتشرد يشبه هالملك -أصدر صوت ساخر مطقطقاً بفمه وعلق بعدها- إلا العضلات طبعاً اللي ما تغيرت"

تأفف بغيظ وأخذ يشتمه هامساً بعدما توقف عند مخبز الحي ، يلقي نظرات سريعة على المخبوزات وأخذ يقول مستفهماً : "سرمد مختفي له من ليلة زواجه ، وش الحاصل ؟"
"-زوجته قفلت عليه الباب وحلفت عليه ما يخرج إلا لما يصير عندهم ولد"

قهقه عاصي ضاحكاً من رده ولكن سرعان ما تلاشت ضحكته بسبب نظرات أحد الزبائن له المستنكرة لحديثه مع نفسه فتنحنح يبتعد عنه ويدور بالمخبز للحظات طويلة قبل أن يعود مكانه ، لحظة تبِعتها أخرى قبل أن تدخل المقصودة فميّزها بكل بساطة، هو لا يحفظ الوجوه عادةً ولكن تلك المرأة قد حفرت لنفسها مكاناً عميقاً بذاكرته بسبب السوء الذي قدمته له !

تأمل عمّار الموقف من كاميرا مراقبة المخبز والتي اخترقها بكل بساطة وقال بإستغراب : "برزخ
خذ نفسك وعضلاتك هذي وارجع لقصر الوزير"
عقد حاجبيه بعدم فهم ولكنه لم يرد أبداً ولم يعر حديث عمّار أي اهتمام فلحظة القصاص أتت وهو يراها تقف بجانبه وعلم نيتها بكل بساطة
فالتفّ منقضاً عليها ، يسحب حقيبتها ويهتف بغضب : "يا سراااقة !"

جحظت عينا الفتاة بهلع وأخذت تتراجع متقهقرة للخلف من الخوف بينما عمّار ضرب على جبهته بسخط من تسرع عاصي الذي سحب حقيبتها بقهر وأخذ ينفضها بكل وقاحة على الأرض ، يزمجر بكل غضب بكل كلمة قد تخطر على باله : "يا سراقة ، ياللي ماتخافين الله
ما باقي أحد بهالبلد ما دخلتِ يدكِ بمحفظته "

والكثير الكثير من الكلمات المستنقصة وسط شحوب الفتاة وامتلاء مقلة عينيها بالدموع إثر خوفها ورعبها ، تراقب حاجياتها تتساقط من حقيبتها بلا رحمة حتى أن عطرها المفضل إنكسر لقطع صغيرة وإنتثر كل مابه ، حاولت سحب الحقيبة لكن عاصي المستذكر لآخر موقف تسببت السارقة بعيشه وكيف أنه اغتاض وحلف أن يقتصّ منها دفع ذراعها بكل قوة فسقطت على الأرض على كتفها وأطلقت آه متوجعة وسط غضب المراقبين ومحاولتهم تهدئة عاصي الهائج
ومساعدتهم للفتاة التي أُريق دمعها وسُفكت كرامتها.

تقف بصعوبة أمام عاصي تستقبل قارورة الماء من إحدى السيدات التي تتحسب على عاصي بسبب حالة الفتاة المسكينة بينما عاصي رمى الحقيبة بالأرض بغضب ، يضرب طاولة المخبز بكل عنف، يقول : "وين الأشياء اللي سرقتيها علميني ، قبل أهيج أكثر وأوريكِ شغلكِ"

نظرت برعب وهي ترفع سبابتها وتهتف بخوف : "والله العظيم ما سرقت شيء، أنا أنا ميلان
توأم سماهِر، أنت تشبهني على أختي صح؟ أنا ما أسرق شيء أنا.. "وانفجرت تبكي بكل عنف

وسط عقدة حاجب عاصي المصعوق وتمتمة عمّار الحانقة وهو يهتف في طبلة إذن عاصي بغضب : "هذا اللي قلت لك تأنّا بسببه
هيئة البنية مختلفة عن الأولية، ما لاحظت يا برزخ يا قوي ياللي ما تفوتك كم مرة رفرفت الحمامة بجناحها ؟ "

اشتدت عقدة حاجبيه، يراقب تصرفات تلك الفتاة وهندامها النظيف والأنيق وطريقة حجابها المختلفة عن تلك الفتاة فارتخت عقدة حاجبيه بما يشبه الذنب وأخذ يحك طرف ذقنهxيتمتم بخشونة : "عندك أخت تؤام أنتِ؟"

هزت رأسها بكل قوة حتى كاد عقلها يطير من شدة هزّه وأخذت تنحني تلتقط حاجياتها ودموعها تتساقط على أرضية المخبز وسط نظرات الناس المشفقة عليها وحنقهم على عاصي والذي كتموه بصعوبة بسبب هيئة عاصي المخيفة ، إتكأ بطرف يده على الطاولة يراقبها ، تبكي بكل تبجل وبين كل لحظة وأخرى ترفع طرف كمّها وتمسح دمعها ، زمجر عمّار بكل عنف ، يضرب الطاولة : "ساعد البنية يا حجري يا متخلف ، أوجعتها وآخرها تراقبها وهي تبكي قدامك بكل عين وقحة !"

مط شفتيه بإمتعاض ، يرفع نظره للكاميرا وأهداه نظرة فاترة قبل أن يكتم ضحكة متشفية عندما صدح صوت مرجان عبر الأثير وهي تتمتم ببرود : "لو لك نية بمواساتها بدلاً منه يا شواظ ليه تتأخر؟"

عقد حاجبيه عندما سمع صوتها وأخذ يزفر بحنق فعند ضربه للطاولة ضغط على الزر الذي يسمح لها بالإستماع وجلسxيمسح على وجهه بغيظ من تدخلها.
بينما عاصِي واخيراً انحنى يسحب زجاجة العطر المكسور والتي بقيت بها اللصقة التي يُكتب بها الإسم وأخذ يقول بكبرياء :"هذا الغرض الوحيد اللي تضرر لك وبعوضك عنه"

سكت للحظات وأخذ جهازه يبحث عن اسم العطر وعندما تحقق من سعره سحب محفظته وأخرج النقود المطلوبة ولم ينتظر منها رد أو رفض كان أو اعتراض سحب حقيبتها ودس النقود بها وهو يقف وينفض ثيابه بغير اكتراثٍ بها وبنظرات الناس لهم وأخذ يقول : "الذنب ما كان ذنبي ، ذنبِك كون لكِ أخت تؤام سراقة، حاسبيها هي.. وانتظري العذر منها
أنا شخص انخدعت بها مرتين والثالثة كانت من نصيبكِ "

رمى عليها نظرة متعالية غير مهتمة بنظراتها الباكية الحانقة وأخذ يرفع اصبعيه ويقربها من طرف رأسه بقصد التحية ويخرج من المخبز بكل خيلاء وسط نظراتهم الساخطة وهمهماتهم المعترضة على تواجده والبعض يهمس بغيظ : "مثل هالرجال الوحوش وش يسوون بحيّنا؟ ما يكفي اللي فينا من حرب وقلة حيلة يجون يقضون على ما بقى من طاقة فينا"

رفعت رأسها تتأمل صاحبة الكلام وأخذت تهز رأسها بسخرية ، تسحب حقيبتها وتقف
تلك المرأة ترتدي ثروه بأكملها على جسدها، أي قلة حيلة ٍتقصد!!!

إرتدت حقيبتها ببؤس بسبب نظراتهم المشفقة عليها وأخذت تعدل حجابها بغيظ من ذلك الحقير الذي انتهك هدوءها وأخذت تسحب النقود التي وضعها بشنطتها قهراً وتركض لخارج المخبز قبل أن يختفي من أمام عينيها
توقفت أمامه وأخذت نفس بغضب بسبب نظراته الباردة، يقول بفتور :"قلت لا تنتظري مني عذر.."

قاطعته وهي ترمي النقود على وجهه بكل قوة قبل أن تبصق بجانبه بكل غضب ،تبتعد مهرولة بعيدة عنه تاركته مصعوق فاغراً فاهه بسبب تصرفها الجريء بينما تفجرت بطبلة أذنه ضحكات صاخبة بسبب عمّار وهو يشيّد بفعلتها.
*
*
بلغ منه الإرهاقxما بلغ ، وها قد أتت ساعة الراحة أخيراً فالبديل في المراقبة قد أتى بالتالي استطاع المغادرة بعدما همس بإنهاك لـ عاصي:"إلعب بذيلك هالليلة يا برزخ ، شواظ راح يريّح رأسه من مطاردتك"
ضحك الآخر وناكفه بسخرية: "الله يريح رأسك وقلبك يا شواظ"

أُحبط الآخر من رده مع ذلك لم يرد ، هو منهك
بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وإن لم يكن لقلبه راحة فعلى الأقل ليكن لجسده القليل منها ..

دخل المنزل ، أخذ يغلق الباب من خلفه وقبل أن يستدير إرتسمت على ثغره إبتسامة واسعة واستدار على صوت تأتأة لطيفة وخطوات تتهادى بصعوبة :" بـابـا"
اقترب ودنى منه، يحتضنه بين ذراعيه، يضحك لذاك الذي يلعب بأطراف ذقنه كتعبير منه على اشتياقه بينما عمّار يُقبل رأسه ويمسح عليه ضاحكاً ، أخذ يتوجه معه لداخل المنزل ولكنه توقف للحظة، يستشعر وقوفها على شباك غرفتها ، يستشعر مراقبتها له ولكل خطواته ليهمس ساخراً :"لا ترفع سقف آمالك يا عمّار ! لاتنسى أن ولدها بين ذراعينك وكل هذي النظرات له وليست لك"

أخذ يدخل غرفته، يغلق الباب من خلفه وما زال في حضنه حتى عندما استقامت -غادة- من مكانها ورمقته بطرف عينها لم يتركه من حضنه بل أخذ يقول مشاكساً :"من كثر الشوق عجزتِ تتصرفين يا غادة؟"

أخذت نفس بصعوبةx تكتف يداها وتقول بغيظ: "ثلاثة أيام مختفي لا حِس ولا خبر وتاركني وراك وجاي تنتظر مني أشواق وشوق ؟ مجنون أنت يا عمّار"

لمح إستيائها الواضح-والمعتاد- فكتم تنهيدة ينحني، يتركه على الأرض، يدفعه برفق عنه، يتقدم منها ويحتضن كتفيها بين كفيه وبرغم كل تعبه وإرهاقه قال بلهجة هادئة: "غادة هذي عادتي أغيب لأيام طويلة وأرجع ألقاكِ مشتاقة وين المشكلة وش تغير بالموضوع ؟"
قالت ببؤس واضح:"اللي تغير إن هالعادة صارت تكتمني تغيظني يا عمّار ، أنا ما عاد عندي قدرة أتحمل كل هذا"

رفع حاجبه وضغط على كتفها برفق، يقول: "غادة ، أذكركِ إن كل هالشروط انقالت على سمعِك قبل زواجي منكِ وأنتِ بنفسكِ وافقتِ عليها ، عيب إني بكل مرة أذكركِ فيها لكن ! شغلي، غيابي، أهلي خط أحمر وأنتِ رضيتِ ، وبعد كل هالوقت وش لزوم هالكلام مانيب فاهم؟"

دفعت كفيه عنها بغضب، تزفر بعنف، ثم تقول بضيق :"لا تقهرني ، كيف تبيني أتحمل كل هذا ، تظني من حديد ؟ تغيب بالأيام لا وجهة ولا عنوان ولا تتطمن علي أو حتى-بضيق خفي-على مرجان !
تقول تشتغل بمحل للأجهزة الكهربائية وهالمحل ما لقيناه ولا انوجد، أمك أبوك أجدادك ما عرفتهم ولا أعرف إلا عامر مع ذلك ساكتة.
و عمرك حتى الله أعلم كم صفر مع ذلك ما علقت
لكنك بديت تخليني أذبل ياعمّار ، تعبت وأنا أحاول أصبر .. الموجعxبالوضع إنك تغيب أياااام وتجي تدور الشوق ، أي شوق بالله عليك وأنا ما أعرف وين أراضيك لا عسكري بالمعركة والجبهة لأجل أقول الله ينصرك ولا دكتور بالمستشفيات لأجل أقول الله يعينك "

نظر لها بصبر للحظات وأخذ يشيح ببصره عنها ، يعرف إن معها كل الحق بكلماتها ولكن هذا الحق هي استغنت عنه باللحظة التي - ارتضت- بشروطه وخضعت لكل طلباته وتعهدت بعدم تعدي أي خط أحمر هو وضعه بينهم ! والعجيب أنه لم يستغرب إستقبالها فهي بكل مرة يغيب فيها أكثر من يومين تستقبله بضيقها و وجهها الواجم ورغم أنه حاول بكل مرة طمئنتها وتذكيرها أن هذا شرطه لكنها لا تسمع! التفت لها وهو يسمعها تكمل بقهر : "أنا تعبت يا عمّار ، وشغلك هذا يا أعرف وش هو فعلاً وتوديني بنفسك أشوف محل الأجهزة اللي طالت شوفتي له لسنين ، يا ترجع البيت بكل ليلة حالك حال كل مواطن ما يهش ولا ينش بهالحرب
يا .."

سكتت بضيق من ضحكته الساخرة، يضع يديه بطرف الجينز الأسود ويقول بتهكم :"يا ..؟
وش الخيار الثالث اللي بيرضيك يا غادة علميني"

عضت على شفتيها بقهر والخيار الثالث غير موجود أصلاً ، هل ستقول سأذهب لعائلتي؟ وهي لا أهل لها أصلاً ! هل ستتعنت عليه وتتكبّر وتغتر بحالها وهي التي عرضت نفسها عليه !!!
سكتت، تبتلع باقي كلماتها ، بينما عمّار تنهد بإنهاك :" الليلة آخر مرة أذكرك بشروطي معك يا غادة ، شغلي وغيابيxلا يجي طاريهم على بالكِ مثلما أنا غاض الطرف ومتناسي..
وأغيب بالأيام لأسباب ما تخصّكِ وسبق وقلت لكِ غيابي ما يعني خيانتي لكِ غيابي لأسباب تخصّ شغلي لأجل كذا الله يرضى عليكِ روقينا تراني جايّ منهد مالي حيل على كل هالزعل"
نظرت له بإستياء وجملته - مثلما أنا متناسي - ترنّ بروحها، مهما حاولت تتطهر وتتلون سيبقى متذكراً ما مضى وهذا سبب صمتها إلى أن أكمل كلماته قبل طاري الخيانة والتي تركتها تضحك وتهمس :" خنتني وانتهى الموضوع يا عمّار ، باقي خيانة أكبر من مرأة ثانية علي!!"

توحشت ملامحه فجأة فتوجست وزارها الخوف من تحوله المخيف بينما هو قال بغضب مفاجىء: "أنتِ بنفسك رضيتِ وأنتِ اللي دفعتيني لها "

توترت ولكن لم توضح ذلك فقالت بكبرياء طفولي متعنت :"أنت قلت إن زواجك منها بيكون على ورق بسxولكنك..."

رفع يده وأشار لها بالصمت بغضب عنيف وقال : "علاقتي معها ما تخصّكِ يا غادة ، خليني راضي عليك قبل يصير شيء ما يسرّك أبد"

قضمت شفاهها بضيق من انفجاره، تلمحه ينزع قميص بدلته بعنف، يرميه بإهمال على الأرض ونوى الإتجاه للدولاب، كانت غاضبة وأعصابها محترقة لذلك لم تلحظ نفسها وهي تصرخ بشكل جعله يلتفت بصدمة : "عبدالله!!!!"

التفت لعبدالله الذي ترك ما بيده برجفة وامتلأت عينيه بالدموع بخوف من صرختها بينما هي كادت تتجه له وهي غاضبة:"ليه ليه يا عبودي؟؟ أنت..."

ولكنها سكتت عندما تخطاها الإعصَار الغاضب والذي دنى من عبدالله وأخذه بحضنه، يهدئه بطريقة لا تُظهر غضبه أبداً حتى إستكان بحضنه
التفت لها بعينيه الغاضبة وقال:" لا تصرخين عليه من جديد يا غادة، إلا عبود ما ودي أوجعك"

نظرت بخوف حقيقي من نظراته وتوحش ملامحه العنيفة ولم تنطق بأي حرف حتى عندما خرج من الغرفة وبحضنه عبدالله، يقول : "تعال يا عبود ، يبدو بإن خالتك صابها التماس بخلايا مخها وانهبلت ، ما يكفي العدو والقصف والصواريخ وجايه تفجر فينا بعد"

أقفل الباب خلفه فصرت على أسنانها بغيظ، تضرب الأرض بكل قوة، تسحب شعرها حتى أوشكت على انتزاعه من جذوره، تهمس بقهر من نفسها:" رضيتِ الحين؟ أوجعتيه وأنتِ تشوفين الإرهاق يتقاطر من وجهه؟ أوف منك يا غادة أوف"
*

بعدما دخل عمّار برفقة عبدالله ولدها لغرفة غادة ارتاحت والتقطت اللحاف واندست بفراشها فغفت عيناها دون تردد بعد يومٍ صعبٍ جداً، لكن الحقيقة أن كل أيامهم صعبة ودعائها بكل مرة تشرق فيها شمس-يارب تردني لولدي سالمة-لذلك لحظات الراحة القليلة هذه كانت كنعمة بالنسبة لهم، كأشخاص لهم عملين بذات الوقت عمل يخفون به هوياتهم ويلتقطون كل المعلومات التي تفيد عملهم الحقيقي كاستخباراتيين !

بعد دقائِق بسيطة فزت من مكانها بخوف بسبب ضربة قوية ظنت بأنها قنبلة أو صاروخ ولكن بعيد المدى لكون الصوت خفيف نسبياً ولكن ظنها كان خاطىء لأن صوته الغاضب تسلل لسمعها ، كتمت تنهيدة متوجعه، تضغط على رأسها بكل قوة بأطراف المخدة
هي لا تعرفه أبداً غاضب أو قانط أو عصبي !
هي تعرفه هادىء ومشاكس وضحوك ولكن لا تعلم ما الذي أخلّ بالمعادلة ليكون في هذا المنزل بالذات يقطر غضباً حتى انها لا تكاد تصدق بأن شواظ .. هو ذاته عمّار !
مرت دقائق طويلة حاولت النوم فيها وعدم الإهتمام بغضبه ولكنها لم تستطع ، بئساً لم تستطع بأي طريقة.

أزاحت اللحاف عنها بغضب، تضرب السرير بكل عنف بقدميها بسبب هذا الشعور الذي يلحّ عليها بالذهاب والإطمئنان عليه بعد ثورة غضبه تلك الفريدة
اعتدلت، تقف عن السرير، تسحب روب نومها وتحكم زمام الحبل على خصرها ، قبل أن تنفض خصلات شعرها البني للخلف، تهمس تداري نفسها أو تختلق عذر لذهابها :"بروح أتطمّن على عبود أكيد خاف من عصبيته"

نعم .. ستذهبين لأجل عبود يا كاذبة !
هزت رأسها بعنف من هذه الأفكار واتجهت للخارج تفتح باب الغرفة، تطل برأسها منه، تبحث عنهم ولكن لم تلمحهم ، خرجت من غرفتها بهيئتها تلك بحرج بات لا يبتعد عنها وهي تخرج بدون وشاح الرأس الذي يغطي شعرها عادةً أو بلباس محتشم كما اعتادت
عزّزت لنفسها بداخلها، تنفي شعور الحرج بآخر زاوية بقلبها وهي تهمس :" عمّار صار زوجك يا مرجان ، وجب تتأقلمين على هالحقيقة"
*
*

انتهى الفصل~
قراءة ممتعة..





فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-12-22, 08:18 PM   #10

فاطمة صالح.

كاتبة في قسم الروايات والقصص المنقولة


? العضوٌ??? » 506671
?  التسِجيلٌ » Sep 2022
? مشَارَ?اتْي » 81
?  نُقآطِيْ » فاطمة صالح. is on a distinguished road
افتراضي



الفصل الثامن


ماشاء الله، اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد.
*
*
*
على إثر همساتها لمحتهم بطرف الصالة الداخلية، يفترش الكنبة بجسده العريضx
ويفترش جذعه العاري ابنها عبدالله، توقفت للحظات بمكانها، تسحب هاتفها بإبتسامة وتلتقط لهم صورة، تقترب بحذر، تجلس على الأرض، تتأملهم بصمت.
أخذت نفس بصعوبة، تجمع ركبتيها لصدرها تثبت رأسها على مقدمة ركبتيها وهي تكمل نظرات التأمل المتوجعة عليهم .. أي قدر رماهم لبعضهم ! وأي قدر تركها بعد كل هذه السنوات تتأمله بكل بساطة دون حواجز أو شرع
بعدما كانت النظرة لوحدها حرام !
دنت بنظرها لذراعه اليمين المرمية بإهمال على طرف الكنبة والأخرى يثبت بها عبدالله النائم بسلام على صدره، أخذت تمرر إصبعها على يده وكفه، ترسم بها دوائر عشوائية وكأنها تبحر إلى ذكرياتهم وحياتهم ،سنة كاملة عاشت بها معه تحت مسمى زوجة ، وهو لم يقترب منها أو يلاطفها أو حتى يلمسها لمسة حميمية حنونة ، داااائماً بعيييد دائماً هي غير موجودة بخانة الزوجة بالنسبة له!
مع ذلك يكفيها.. بأنه موجود كأب لعبدالله !
وهي لا بأس ستتدبر أمر مشاعرها وأنوثتها التي ستفنى بهذا الزواج.
هو يعتبرها مسؤولية فُرضت عليه غصباً بسبب وجود عبدالله في المنتصف وتُقر بكل جوارحها لولاه بعد الله لما كانت بهذه اللحظة تتأملهم ،لما كانت تحت سقف واحد معه من جديد !
مرت دقائق بسيطة تتأملهم بها حتى أنها لا تعلم كيف سحبها النوم إلى عالمه فغادرت له مرحبة لعلها ترحم نفسها من سلسلة حياتها البائسة
ألا يكفي أن وطنها يذوب .. أيذوب قلبها أيضاً !!

أما في غرفة غادة كانت تأكل نفسها غيظاً لأنه خرج وهو غاضب منها ، أخذت نفس بضيقxتمسَح على وجهها وتُهدئ نفسها :"ولو راح ينام عندها.. وين المشكلة؟ عادي عادي .. هونيها على نفسك يا غادة"

بعد لحظات قررت الخروج لتسترق السمع لوجوده بغرفة مرجان حسب ظنها ، ولكن لحظة هبوط قدمها على أرض الصالة شحبت ملامحها، تتأملهم بصدمة وكاد عقلها أن ينفجر من شدة القهر والغضب تهمس بضيقٍ:"اكتملت لوحة العائلة السعيدة"

تأملت طريقة نومه وعبدالله يعلو صدره العاري بينما هي تتوسد كفه وتنام بطريقة مزعجة لعظامها ولكن مريحة جداً لقلبها ، تخصّرت غادة بضيق:" أنا اللي أقنعته فعلاً بالزواج منها برغم رفضه الشديد .. لكن والله ما كنت أعرف بأن هالنار تحرق هالكثر ..
مالي أي حق بالغيرة ، مالي أي حق بالمطالبة بأعذار وتبريرات منه وأنا رضيت بالبداية وبعدها رفضت كل هالحياة"

زفرت بوجع، تتأمل ذراع عمّار التي لم تتحرك من مكانها لدقائق طويلة وكأنها تجمدت خوفاً على رأس مرجان وراحتها فضحكت بألم ، تشيح ببصرها عن المنظر المُضر لقلبها وهمست :"يده اللي ما تبقى بمكان واحد لخمس دقايق بقت لساعات بنفس المكان لأجل ما يؤرق مضجعها ، وكل ما قلت له( بكل مرة أتوسد فيها ذراعك ترميني خارجها وقت تنام ، يقول النايم مرفوع عنه القلم) .. ولكن هاللحظة
يعتبر نايم ولا .."

سكتت تبتلع باقي كلماتها التي تسمم قلبها وأخذت تدخل الغرفة ،تقفل الباب ،تنحني على سريرها ، شاردة بالسقف بصمت طويل حتى غرقت بالنوم..~
*
*
لا تعرف كم مضى من الوقت وهي أسيرة هذا السرير ، جُل ما تعرفه أنها كلما حاولت فتح عيناها وإزاحة جفنها عنها تسيل الدموع كسيل منهمر لا ينضب أبداً
متى آخر مرة بكت بهذه الكثرة ! لا تذكر حتى
يا الله..موضوع غير قابل للتصديق بحق لدرجة أنها عجزت عن البقاء بوعيها ففقدته تحت آثار الصدمة
أليست من استلم وثيقة الموت الخاصة به؟
ألم يصلها خبر موته قبل عشر سنوات من الآن
كيف يخرج أمامها فجأة؛ بهذه الخيبة بهذا الوجع وبهذه اللامبالاة وكأنه لم يعرفها يوماً !
إنها عواصف بحقّ الله.. تلك الفتاة التي قال عنها بصغرهم (هذه البنت مصدر الفرح بالنسبة لنا)
لماذا استشعرت أنها أصبحت مصدر الخيبة بنظرته!
وإن كان هو حي يرزق وهو من وصلت وثيقته ليدها مع وثيقة عاصي .. فيعني أن عاصي حي أيضاً !!

على إثر هذا التفكير فتحت عيناها بكل قوة وكأن الحياة بُثت بكل روحها .. عاصي صديق بمرتبة أخ
الأخ الروحي لها بصغرها ، إن كان يوسف بخير
فهو بأفضل حال ! وبسبب هذا التفكير ابتسمت من بين دموعها ولكن سرعان ما رفعت كفهاx تمسح دموعها بعشوائية بينما حاجباها اللذان ويا للعجب مرتخيان لسبع ساعات كاملة اشتدا هذه اللحظة وبعدم فهم بسبب الصوت الخشن الذي تسلل لطبلة أذنها فلوثها بسبب كلماته المغوية :"حقيقةً لم أعلم أنكِ حلوة لهذه الدرجة ، ملامحكِ تعكس جمال روحكِ يا فتاة ، لساعة كاملة أتحدث معكِ ولم أملَّ أبداً ، ولكن أخبريني هل لديكِ جناح ؟ يستحيل أن تكوني إنسانة!
أنتِ بمرتبة ملاك من شدة براءتكِ"

رفعت رأسها بقرف من طريقة كلامه وصدقت توقعاتها عندما لمحته ذاك الملازم الأول الأحمق يجلس على الكرسي بالمقلوب ويديه تحت ذقنه يكاد يذوب، يتأمل المرافقة لأحد الجنود العسكريين، يتغزل بها بطريقة مقرفة حسب وجهة نظرها ، اعتدلت بجلستها تلمح المرافقة تساعد الملازم الذي معها، تضحك بخجل بسبب كلمات سلام الذي أكمل :"ما دامت أختكِ التحقت بالكلية العسكرية لماذا لم تلتحقِ بها !x أعتقد أننا بحاجة لأشخاص لطيفين مثلكِ لنمتلِك سبباً قوياً للإبتسام عند دخولنا للمقر العسكري ، يكفي ما به من حمقاء ومجانين"

قرن آخر كلماته بنظرة للخلف وكأنه يقصدها فعلاً ولكن لم يكن ينتظر أن يراها مستيقظة حتى يراها ترمقه بهذا الغضب المخيف ، اعتدل بجلسته، يقف وعلامات الورطة تطفو على وجهه قبل أن يقول :"آخيراً استيقظتِ ! ظننتُ أننا سنبقى طوال الليلة هنا"

نظرت له بصمت وبذات الغضب فحك طرف ذقنه بمشاكسة مضحكة، ينظر للمرافقة التي رفعت هاتفها بغية حصولها على رقمه ، فأخذ هاتفها بكل هدوء، يكتب رقمه، يمده لها تحت سخط نظرات عواصف الحانقة والتي أربكته فعلاً وكان ينتظر منها إقران نظراتها الغاضبة بفعلها ولم تنتظر فعلاً فصوت صرختها دوى في المكان : "أأنت إمتحان لي يا هذا؟؟"

ابتسم بورطة، يشير للمرافقة كي تخرج فلا يُحرجxأمامها واقترب، يحاول تهدئتها :"سيادة الرائد أكل الضجر قلبي وأنا بإنتظار استيقاظ حضرتكِ فحاولت ..
"-ومن طلب منك تنتظرني أو تتعنى لأجلي ؟ أنت أصلاً وش جابك ؟ أنا ماقلت لا تتبعني ؟ تحب تخالف الأوامر صح والأكيد إنك تنتظر عقاب هذي المخالفة"
"-لو لم أتبعكِ لكنتِ فريسة سهلة للوزير"

صرخت فيه بعنف فأجابها بهدوءه المتحفظ ولكنها أكملت بغضب وبلغتها أيضاً :"وإن يكن ، لو صرت فريسة ونهشوني بأنيابهم أوامري خط أحمر تعديك عليها يوردك لعقاب ما يخطر على بالك يا .. يا وسامx ..يا سعيد "

قالت آخر كلماتها بلعثمة وكأنها تحاول تذكر اسمه ولكنه سبقها مصححاً بضحكة متهكمة بعدما فهم أنها تحاول لفظ اسمه : "سلام .. سيادة الرائد أنتِ حتى لا تعرفين إسمي كيف ستعاقبينني.. ولم تُتعِبِ رأسكِ وترفعيه لتري إسمي المعلق على صدري"
نفثت نفس حار من شدة الغضب قبل أن تسند ظهرها للخلف ولكنها شهقت هلِعة، ترفع رأسها تتأكد من وجود غطاء رأسها وعندما أحسّت به في مكانه لم يتزعزع تنهدت براحة حتى رفعت رأسها وسمعته يقول بالعربية المكسرة بعض الشيء: "حرصتُ على غطاء رأسكِ كل الحرص، حتى عندما حاول الدكتور نزعه لم أتركه يفعلها.. علمتُ أنه مهمٌ عندكِ"

نظرت بصمت للحظات، تبتلع ريقها بصعوبة قبل أن ترفع كفها بعنجهية وتقول بغضب:"طيب يا مهتم أحتاج ماي وكوب قهوة "

نظر لها بطرف عينه من طريقة طلبها قبل أن يعترض : "الدكتور يق.."

"-أنا أقول أحتاج قهوة ، أنت من والدكتور من لأجل ترفضون؟!."

تنهد بغيظ وحاول تحجيم غضبه بسبب أسلوبها معه الذي يستفزه دائماً فاكتفى بإيماءة رأس واختفى من أمامها أما هي التقطت أنفاسها بصعوبة ، تحتضن وجهها بين يديها، تتنفس بعمق، تحاول تهدئة روحها ، كانت تحتاج إستراحة من كل هذه الأفكار ولا يمكن بحضور أحد تعرفه ، فهي لن تسمح لأحد برؤية إنهيارها ، تحتاج أن تفرغ روحها من هذا العبء ، هي حتى لم تستوعب فكرة أنهم أحياء كي تستوعب فكرة أن أحدهما يعلم بأنها خائنة لوطنهم ! أجهشت ببكاءٍ عميق، تحاول كبح لجام شهقاتها العنيفة ولكن لم تستطع ، بكت شوقها لهم وبكت السنين الطويلة التي كانت بها وحيدة وهم ما زالوا أحياء بكت بكاءها عليهم من جديد..
بكت الخيبة ..

دقائق طويلة لم تستطع كبح أدمعها بها ، حتى عندما وصل سلام وقف خلف السِتار قبل أن يتقدم الخطوة الفاصلة
وعندما سمع صوت شهقاتها المُوجِعة توقف مكانه ، بجبين متغضن وعقل لا يستوعب
أتبكي تلك المرأة ! مازال لم يصدق رؤيته لدموعها قبل ساعات ولا حتى أنها تشبثت بقميصه بقصد الحماية وكأن ما رأه وأحس به محض من الخيال خصوصاً بعد طريقة استيقاظها الفظّة ، ولكن بهذه اللحظة
وصوت شهقاتها يتعالى بطريقة مُنهكة أيقن أنه حتى القوي جداً .. لا بُد أن تأتي اللحظة التي ينزع بها رداء قوته وينهار
أو أنها أصلاً لم تكن سوى فتاة ضعيفة ارتدت لباس القوة لتحمي نفسها ، وبكل مرة تخلعه وتعود لضعفها!

جلس على الأرض، يسند ظهره للخلف بإنهاك يترك كوب القهوة وقارورة الماء بجانبه، يتكأ برأسه على الجدار، يستمع لنحيبها وهمهماتها الغير مفهومة إلا من كلمات بسيطة استطاع تركيب حروفها برأسه:"سامحوني ،أنا آسفة ،أنتوا بخير "
استمع لها بعقل متشفٍ بسبب سوء تصرفها وبقلب متعاطف يتألم لمصابها ومابين هذا وهذا
غفت عيناه بدون سابق إنذار.
أليس هو من حارب النوم لسبع ساعات كاملةxبسبب قلقه عليها ! وما دامت بخير الآن وقد أفرغت غضبها ببكاءها فوجب عليه أن يستريح ويريح عظامه المنهكة..

بعد ساعة كاملة دار بها الضغط والصدمة والخوف من مواجهتهم وأوجاعها، رفعت رأسهاx تمسح وجهها بطرف يديها قبل أن تتأكد من خلو أرض المكان من أي خطوات تتسلل لسمعها
وأخذت تنزع غطاء رأسها بعجلة وترتب شعرها من جديد قبل أن تعيده من جديد، تغطي عنقها بـ الوشاح، تأخذ نفساً بصعوبة، تنزع إبرة المغذي عن يدها بخشونة وفي قرارة نفسها ستعذب ذاك الملازم الأحمق لو أنه أتى بالقهوة بالوقت المناسب لما انهارت بهذه القوة!
خرجت من الغرفة تبحث عنه وتسأل ولكنها لم تلمحه أبداً فعادت مرة أخرى لأخذ أغراضها وحقيبتها التي أتت بها ، ولكنها توقفت بصدمة عند باب الغرفة عندما لمحته ينام بكل طمأنينة خلف الستار لأنها عندما خرجت لم تنتبه له من غضبها.

تأملت طريقة نومه التي لم تكن مريحة ولملامح وجهه المتغضنة ، وأزاحت نظرها لوهلة لكوب القهوة و علبة الماء الموضوعات على الأرض بجانبه ، اقتربت تجلس على ركبتيها أمامه وتستلُّ كوب القهوة بهدوء
تتأمل خلوه من مكعبات الثلج التي ذابت نتيجة انتظارها ، تأملته للحظات طويلة مستغربة معرفته بأنها تفضل القهوة الباردة
وأخذت ترتشفها بكل هدوء، تتأمل الجدار الذي يستريح عليه ذاك الساكن أمامها بنظرات فاترة قبل أن تنزل بصرها وتلقي نظرة على ملامحه المنزعجة ، تمتمت بهدوء شديد : "سلام.. سلام.. سلام"

وكأنها تلقن نفسها إسمه وتخزنه بعقلها كي لا تنساه أبداً
بعدما فرغت من شرب كوب القهوة ، وشربت الماء خلفه دفعةً واحدة ، وقفت تسحب العصا المعلقة بطرف بدلتها وتحركها على ملامحه ولكن لا استجابة
فأخذت تنقر بها على رأسه بطريقة مزعجة جعلته يتأفف بوجه متغضن من الإنزعاج ويفتح عيناه بغية معرفة صاحب الدم الثقيل ، وعندما لمحها تقف أمامه بتعابيرها الجامدة حتى تنهد بإنزعاج وهو يسمعها : "ودّك ننتظر سيادتك لحتى طلوع الشمس؟"
نهض من على الأرض بصعوبة، يمسح على وجهه و
يقول بإحترام لا يعرف من أين دبّره :"لا سيادتكِ ، إن كنتِ أنهيتِ إجراءات خروجكِ فتفضلِي"

رمقته بلامبالاة، تمشي أمامه بخيلاء بينما هو تنهد بضجر، مسح على وجهه بتعب
ليته لم ينم فالساعة هذه التي تصبّر بها تركت الصداع يعشعش برأسه بينما عظامه حدث ولاحرج، لا يستطيع تحريك عظمة واحدة ، رمق كوب القهوة و علبة الماء المرميين بإهمال على الأرض، انحنى يلتقطهما، يرميهما بسلة المهملات بإبتسامة مغتاظة :"على الأقل استعادت قوتها بعد كوب من القهوة ، لم أحب أبداً جانبها الضعيف"

قال هذه الكلمات قبل أن يستمع لصوت نداءها فتأفف بضجر، يخرج من الغرفة يدفع نفسه بصعوبة بسبب اليوم الشاق الذي عانى فيه بسببها وليتها تستحق ، فطريقة أسلوبها الفظّ مع الكل تجعلهم يندمون على المعروف الذي يقدمونه لها !
بينما هو بهذه اللحظة لم يكن ممن ندموا ، فاستعادتها لشخصيتها الفظّة هذه تروقه أكثر من صوت شهقاتها التي خلبت لبُه ، ولكنه لم يعترف بهذا التصريح أبداً مهما أملاه قلبه عليه!
*
*
نفس عميق أخرجه على دفعات بطيئة، يلمح غادة تحتوي ذراعه بكل تملك في تصرفات صبيانية باتت لا تفارقها منذ لحظة زواجه من مرجان بينما بذراعه الأخرى يحتضن عبدالله
ومن جانب عبدالله تمشي مرجان بتخبط وشتات
غير منتبهه لحديثهم من لحظة خروجهم من المنزل بل لا بال رائق لها للإستماع ، رفعت رأسها تتأمل عمّار المنسجم كلياً مع أحاديث غادة بل يبتسم بضحكة بين تارة وأخرى وعبدالله يلاعبه للحظات وأخرى يندمج مع ضحكاته ، أخفت تنهيدتها تدعي اللامبالاة وتترك المزامنة مع خطواتهم فـارتدّت للخلفxتشتت نظراتها للمكان بشرود وعقلها يسبح في اللابعيد
تتذكر طريقة نهوضها فجر اليوم وكيف وكأنها ارتكبت جريمة ، لم تكد ترجع خطواتها للخلف حتى التفت بكل عجلة وكأنه كان يراقب كل خطواتها وقال بحرص : "مرجان ، لا تغيبي عن عيني زامنينا بالخطوات !"

نظرت له بفتور ولم تهتم ولم تُعر كلماته أي مبالاة
فبقت تمشي بعشوائيتها، تضم ذراعيها لبعضها حتى توقفت خطواتهم عن المُضي بسبب أحد العساكر لدولة الديجور تغضنت ملامحه بقهر وبكل مرة يعتريه هذا الشعور عندما يستوقفه أحد الجنود لدولة العدو المحتل ويحاسبه وهو في بلده وعلى أرضه!!!
توقف عمّار أمام نقطة التفتيش لدخول السوق
فألقى عليه العسكري نظرات متفحصة قبل أن يقول بلغته :"بطاقاتكم الشخصية؟"

نظر له بفتور و ودّ لو تخلى عن حلمه وصبره وانهال عليه ضرباً ، ولكن تحفظ على شعوره بسبب وجود نقاط ضعفه معه فأخرج بطاقته الشخصية وقبل أن يناوله أشار العسكري لمرجان وغادة ففعلوا بصمت
تناولها العسكري ودققّ بالنظر قبل أن يرفع عينيه ويحك طرف ذقنه بتساؤل، متمتم:"متزوج إثنتين !!! "

نظرله عمّار بتنهيدة أسى وكأنه كان ينتظر تعليقاً منه أيضاً سحب البطاقات من يد العسكري بعشوائية فتوحشت ملامحه وكاد يقترب منه لولا أن مرجان تقدمت الخطوة الفاصلة وقالت بهدوء : "لو سمحت بما أن التدقيق قد انتهى فدعنا نمر !"

نظر لتلك الفتاة وارتبك حقاً قبل أن يبتعد عن طريقهم وتركهم يمرون ، تخطته مرجانxتلقي نظرة على بقية أبناء بلدها الذين مُنعوا من الدخول لسوقهم وقضاء حوائجهم في دولتهم
فقط لأن العسكري المحتل لم يكن له مزاج لدخولهم!!

توقف عمّار أمام أحد المراكز للأجهزة الكهربائية وأخذ يُشير لغادة :"هذا محلي اللي من شهور تنامين وتصحين على حسه!"

ضحكت بعدم تصديق ، مذهولة من الفجر من اللحظة التي دخل عليها وأيقظها بكل لُطفxينبأها بأمر ذهابهم للمحل الذي لطالما تسآلت عنه ، لم تعلم لما غيّر رأيه ولكنها سعيدة جداً وهي ترى شيء من ما يخفيه
والأكثر سعادة أن مرجان لم تعلم عن عمله إلا معها مما يعني أنه لم يميّز مرجان عنها أبداً ، دخلت للمحل تبحث به عن ما يسعدها وقبل ذلك التفتت له، تقول بلطافة : "ولو أعجبني شيء ، أقدر أخذه ؟"

ابتسم لها وهز رأسه بإيجاب فدخلت تركض للمحل وسط نظراته الهادئة قبل أن يلتفت لمرجان، يقول لها بهدوء :"ما ودكِ بشيء بعد ؟
تعرفين إن المحل لي فعلاً !"

التفتت له ونظرت له بصمت للحظات قبل أن تهز رأسها بالنفي، تقول ببساطة : "أعرف وكم مرة زرته يا عمّار لا تحسسني بإني أجهلك"

ارتفع حاجبه بعدم رضا قبل أن ينظر لعبدالله النائم بحضنه ويقول بضيق : "مرجان ، طواري الشغل أنتِ بنفسك تعرفين وش بتورثنا لو طريناها لأجل كذا حياتي معكِ بتكون بعيدة جداً عنه وعن معلوماتكِ اللي تعرفينها عني! أنتِ هنا فقط زوجة عمّار بدُون زمهرير لأ.."
سكت بسبب ضحكتها الساخِرة وإشاحتها لبصرها عنه بضيق فتغضن جبينه للحظات من طريقتها الساخرة بالرد عليه وقال بعدم رضا : "مرجان حاولي تعامليني بطريقة ما تعصبني منكِ يكفي إني تغاضيت عن كلامكِ مع العسكري الكلب في وجودي فلا تعصبيني"

التفتت له بغضب وكادت أن تصرخ بحنق لكنها تحلت بالقليل من الصبر واقتربت منهxتقول بهُدوء لا تعلم من أين ظهر بوسط حنقها :"يكفي إنك أخرتني عن شغلي اللي أنت تعرف عواقب التأخير عنه بس لأجل تتأكد غادة بأنك مواطن طبيعي يشتغل بمحل مثل باقي المواطنين"

نظر لها بصبر للحظات، يكتم تنهيدته ، هذا الغضب والحنق هو ضريبة استيقاظها السيء فجر اليوم ولا يلومها لذلك قال : "أنتِ تعرفين لو جات من دونكِ بتحلل الموضوع برأسها وتظن بإنكِ تعرفين قبلها وتفتح على راسي جبهات حرب أنا غني عنها يكفيني الحرب الحقيقية يا مرجان"

ابتسمت بتهكم، تقف أمامه فجأة فعقد حاجبيه بعدم فهم حتى اشتدّ أكثر عندما لمح السخرية بنبرتها وهي تقول : "باخذ ولدي من حضنك لا تخاف مارح أأذيك"

تأفف بغيظ من أسلوبها وكاد أن يعلق لكنه آثر الصمت، يناولها عبدالله فالتقطته بحضنها بصمت وعلامات الإستياءxتطفو على وجهها وحقيقةً لولا معرفته بشخصها من سنين
لقال بأن كل هذا الغضب لأنه دفعها عنه فجراً !
تذكر لحظة استيقاظه ونظراته التائهه للسقف حتى عقد حاجبيه بضيق وهو متأكد بأنه وقت آذان الفجر ولكنه لا يُذاع عنه ولا يعلى للمؤذن صوت بسبب تشديد دولة الديجور ورفضه لهم
فشتمهم مقهور وكاد أن يرتفع ،ولكن اشتدت عقدة حاجبيه بسبب الثقل الذي يحط على كفه اليمين فالتفت متسائل ، اتسعت عيناه بصدمة وهو يلمحها تفترش كفه بخدها بينما وجهها يُقارب وجهه تماماً حتى كاد يلتصق به عندما التفتت
أخذ نفس بصعوبة ، يغمض عيناه وأنفاسها المنتظمة تلفح وجهه واستكان للحظات متناسياً كل ما حوله قبل أن ينتفض فجأة وينفضها بكل قوة عن يده بلا شعور ، فارتفع رأسها وهبط على طرف الكنبة
شهقت بهلع ، تغمض عيناها بكل قوة من طريقة استيقاظها قبل أن تفتحهما بوجع ويدها علىxجبهتها التي احتكّت بطرف الكنبة ، نظرت له بخوف ، بقلق ، تحولت لدهشة ثم استياء واضح

أخذت نفس بضيق، تُعِيد خصلات شعرها للخلف تلملم شتات كبريائها،تغمغم بخفوت : "أعذرني جيت أتطمن عليكم وغفت عيني بدون ما أحس على نفسي ، وآسفين لكفك الأكيد أوجعناها بسبب طريقة سحبك لها"

وقفت تضغط على جبهتها بسبب الصداع العنيف الذي داهمها من طريقة استيقاظها قبل أن تنظر له وهو يتأملها بصمت وبطريقة غريبة تركتها تعقد حاجبيها بعدم فهم قبل أن تنحني و تلتقط عبدالله، تتجه لغرفتها بخطوات حائرة
تركت عبدالله بسريره الخاص قبل أن تنتبه بأن حبل روبها قد حُل،وقميص نومها الذي يُفصل منحنيات خصرها كان واضح فـ تنهدتx تمسح على وجهها بضيق واضح قبل أن يطرِق الباب بعد دقائق طويلة ويعطيها خبر عن ذهابهم لمحله.
*
راقبها تدور مع ابنها بأنحاء المحل بكل إباء وشموخ والعباءة السوداء مع حجابها تخفي كل تفاصيلها عن أي عين مترصدة..وهو بات يعلم أي هلاك يخفيه هذا السواااد!
غضّ الطرف عن جسدها بصعوبة قبل أن يلمح طرف الخدش بجبهتها فقضم شفتيه بضيق
لا يعرف أي كهرباء سرت بجسده تلك اللحظة فترجمها بذلك الشكل الفج ، لام نفسه وعنّفها
وسط ضيقه، لمح غادة تسحب أحد الكراتين الكبيرة فضرب جبهته، يهز رأسه بضحكة : "جاية على طمع الأخت"

ابتسمت، تحك طرف جبهتها :"شاشة التلفزيون ببيتنا انكسرت بعد آخر قصف ، وهالشاشة كبيرة بشوف كل شيء بوضوح فيها
وأنت قلت ما يغلى عليّ شيء"

هز رأسه بإيجاب وهو يشير على خشمه بمعنى-أبشري-أشار للعامل أن يجهزه والتفت لمرجانxيقول بمداهمة :"هاه يا أم عبدالله ، مالنا عندكِ خاطر لأجل تختارين لكِ شيء من محلنا؟"

رفعت رأسها نظرت له بطرف عينها للحظات ، وعندما لمحت الحرج والضيق يطفو على وجهه والوِجهة يجهلها كي يرضيها، كتمت تنهيدتها بصعوبة، تهز رأسها وتقول بخفوت رقيق : "كله إلا خاطرك ، دام ودّك ما بنردك"

ابتسم بفرحة بسبب إجابتها و وضحت الفرحة على معالم وجهه فالتقطتها غادة ولم تعقب بينما مرجان أشارت على إحدى السيارات الكهربائية الصغيرة وقالت : "ناخذها ولا أكبر من الخاطر؟"

أشار على عيناه بإبتسامته الفرحة تلك وأشار بعدها للعامل كي ينهي تغليفها بعدما أوصاه بتوصيلها لمنزله ، خرج بعدها معهم عائدين للمنزل بعدما صدحت نغمة جهازه فألتفت بذات اللحظة لمرجان التي توترت بعدما شاركه جهازها بالرنّين !
استعجلهم بالرجوع تحت استنكار غادة من طريقة رجوعهم ومن تركهم لها مع عبدالله في البيت -كالعادة- وذهابهم للعمل سوياً ! هو يعود لمحله وهي تتجه للمكتب الرئاسي ..
*
*
تأملت الوردة البيضاء الذابلة وتنهيدة خافتة تغادر من ثغرها المكتنز بضيق ، لقد خاطرت بنفسها وإدّعت أنها باتت متمكنة من عقله حتى أنها تركت الوردة على طرف النافذة وهي موقنة بأن موعد زيارته لهذا المكان سيأتي قبل ذبول الوردة
لكن .. الوردة ذبلت بل تكسرت حتى أوراقها الذابلة و باقة الورد المُهداة لحمزة لم يبقَ بها ذرة حياة .. وبائع الورد لم يطُل عليهم!
تأففت بضجر تحكم زِمام حجابها الوردي أمام المرآة، تهمس بضيق : "سكُون .. ضيّعتِ طريق الرشاد دامكِ تنتظرين بائع ورد يمر عليكِ بهالصحراء القاحلة اللي لا بيت ولا سكن فيها"

سكتت للحظات بعدما تغضن جبينها بإستنكار شديد، تغمغم : "ولكنه جاء أول مرة يبيع الورد هنا .. لكن أي ناس بيبيع عليهم؟؟"

ضغطت على رأسها بكل قوة، تحاول إبعاد فكرة أنه- جاء كي يجبر خاطرها بوردة- لأنه من سابع المستحيلات بأن بائع الورد أتى من آخر البلد المزدحم بالناس كي يبيع ورده بهذا المكان الفارغ إلا من العساكر والجرحى!!!

أخذت الفكرة تطير بلا عودة :" الأكيد ما لك عنده خاطر ، هو يعرفكِ أصلاً ؟ لأجل تبحرين بالتفكير فيه وناسية إن له زوجة .."

سكنت للحظات تتذكر إسمها -عواصِف- الحقيقة بإنه يشبه اسم صاحبتها المقربة ومن شدة القرب ازداد الشبه بينهم بشكل مخيف
ولا تعرف لما كان الحظ بغير صفها لتكون زوجتهxبذات الإسم .
أي معرفة ستكون لك به وهو متزوج يا سكُون ! أرجوك أخفضي سقف آمالكِ ودعي عنكِ هذه الترهات وأحاديث المراهقات وركزي بعملكِ ، أنتِ هنا لإنقاذ جرحى بلدكِ وليس لهذه الأمور التافهة !
حزمت أمرها بعد المحاضرة التي تلقتها من عقلها وأخذت تتأمل الجاكيت الأبيض الذي يكسو جسدها بشعور عارم بالضيق .. هي حتى لم تستلم وثيقة التخرج ولم تكمل سنتها الأخيرة كدكتورة ولم تُؤدي القسم ، ولكن هذا المركز الصحي وقبله المركز الأول من اللحظة التي تسلل لسمعها حرف الـ ( د ) من كلمة دكتورة استقبلوها بكل حفاوة لنقص الكادر الطبي بشكل هائل رغم حرصها على التوضيح بأنها لم تكمل دراستها ولم تستلم شهادتها إلا أنهم لم يعيروا هذا الجزء من كلامها أي إهتمام
فهم لا يعترفون بالشهادات ، يكفي بأن تكون ليدها قدرة بعد الله في شفاء جرحاهم !

استكانت فجأة ، تتأمل حمزة الذي يبتسم لشكلها بالمرآة فتهلهلت أساريرها وابتهج خاطرها وكأنها لم تذق هماً في حياتها أبداً ، بسمة حمزة بعد كل الفواجع التي عاشها تُهدي قلبها السلام والطمأنينة بأنه ما زال على هذه الأرض ما يستحق المقاومة.
أخذت نفس، تجلس على كرسيها، ترمق جهازها المغلق منذ ما يقارب الشهرين بنظرات حائرة ، على إثر ذكرها لزوجة المدعو يوسف عواصف خطرت ببالها صديقتها وشوقها لها
ولكن المكبّلات كثيرة أولها معرفة والدها لموقعها وإرجاعها قسراً لذلك المكان البائس
كيف تستطيع تقبل ما حدث ، وحشيَة والدها وشخصيته المخيفة الحقيقية وذاك الحارس الشخصي له المجرم الذي لا ضمير له ! هي حتى لم تستوعب كيف تخطت الحدث وبكل ليلة تستيقظ مفزوعة تنفض عن قميصها دماء أيوب التي ما زالت تغطيها ، كيف تعود لهم؟
تنهيدة عميقة يائسة تسللت من ثنايا روحها.

مهما بلغت راحتها بمساعدة أبناء بلدها وغسل بعض من ضميرها بسبب حياتها التي عاشتها ببلد الديجور إلا إن جانباً منها يذبل تدريجياً من شدة الوحدة والوحشة ، ولا سبيل لها لتسلي روحها في ظل ذبول البلد والقلب إلا المواقف اللطيفة التي تعيشها هنا .. وبالطبع في أول القائمة مواقفها معه!!

قفزت من كرسيها بخوف بسبب صوته الخافت :"وش هالهموم اللي تستدعي كل هالتنهيده يا دكتورة!"

التفتت بفزع من فكرة أنه غادر عقلها واستقرّ على أرض الواقع وكان فعلاً هذا الحاصل فهو يقف الآن بذراع يخفيها خلف ظهره و عينان صغيرتان نتيجة ابتسامته التي يخفيها بطرف الشال.

ابتلعت ريقها بصعوبة، تعتدل بوقوفها تضغط على كفيها خلف ظهرها تقول :"بائع الورد جوزيف ..!"

اتسعت بسمته بضحكة، يهز رأسه بإيجاب لتتحول البسمة لضحكة بسبب خروجها من إطار صدمتها من تواجده وقولها المتهكم :"جوزيف ، هل تبيع الورد على الشجر والحجر هنا ؟"

رفع ذراعه الأخرى وحكّ طرف ذقنه بإحراجx غير قادر على غزل سبب مقنع لها عن سبب حضوره مع ذلك قال يداري حرجه : "أبيعه للناس اليائسة ، أنا أبيع الأمل مع الورد يا دكتورة"

ابتسمت بخفوت من ردّه، أشاحت ببصرها للشباك للحظات لتقول:"داخل من الباب اليوم ، غريبة وتسجل بالتاريخ "

رفع كفه الجريحxيهزه بصبيانية : "اليوم ما من ورد يا دكتورة لأجل أبيعه ، اليوم جاي أشتري ضماد لجروحي .. بلاقي عندكِ ؟"

عقدت حاحبيها بخوف بسبب الدم النازف من طرف كفه وفعلاً اقتربت تتناول كفه بوجل تقيس مدى عمق الإصابة وتمكن الجرح من كفه بأهين طبية قبل أن ترفع رأسها وتنظر له بإستغراب : "هذا الجرح سطحي .. وطااازج !"
ضحك من كلمتها الأخيرة وسحب كفه، يشتم نفسه و غباءه .. طبعاً طبيبة درست لستِ سنواتٍ وإن لم تستلم الوثيقة لا يعني أنها لن تفهم بأن هذا الجرح متعمد وسطحي وتافه
هذا الطفل الصغير يعرفه يا يوسف ! عاد خطوة للخلف، يرفع كتفيه بعشوائية ويدّعي الوجع : "سطحي بس يوجع ، ظنك بس الجروح العميقة توجع-أعاد رفع كفه بطفولية يهتف- حتى شوفي الدم يقطر يعني يوجع "

نظرت له بضحكة تخفيها بصعوبة بعدما التقطت سبب حضوره مع ذلك لم يهن عليها كون الدم فعلاً يقطر على الأرض فسحبت القطن واللاصق الطبي وأخذت تسحب كفه من جديد، تعقم الجرح قبل أن تترك القطن عليه وتغلفه باللاصق الطبي ، رفعت رأسها وأفلتت كفه بعملية تقول : "خطاك السوء "

"-ما ظنتي والله إلا زاد أكثر وأكثر"

رانت بنظرها له بإستغراب من همسه الخافت بينما هو أزال العبوس عن ثغره ورفع رأسه ببسمة لم ترهاxيقول :"مطمئنة هنا يا دكتورة.. صابك ضر أنا مالي خبر عنه ؟"
"-ليه لو كان عندك خبر .. لك قوة تردّه؟"
"-الأكيد إني بسخر كل قوتي لأجل أردّه عنكِ ، ولو ما قدرت فاعرفي بإني فقدت النفس "

نظرت له بضحكة ساخرة من مبالغته بينما هو كان صادق فعلاً بكلماته ، لتتحول ضحكتها لعبُوس مفاجىء ومخيف على ملامح رقيقة وحنونة مثل ملامحها خاصةً تحولها السريع
جلست على طرف مكتبها، تقول بصوتxلم تتعمد خروجه حاد ولكنه كان خارج عن سيطرتها : "دامك صرت بخير ، تفضل أستاذ جوزيف "

رفع حاجبه من تحولها المخيف وحك طرف ذقنه بيده الجريحة، مستنكر فعلاً ما بالها هذه المجنونة تحولت من دمية ضاحكة لساحرة شريرة فجأة ، لا يعلم بأن الذي خطر ببالها زوجته عواصف!!
الأكيد بإنه لم يتكبّد عناء المجيء إلى هنا حتى يحظى بهذا اللقاء الفارغ ! لذلك اقترب يلمس الوردة البيضاء المعلقة بطرف النافذة وقال ببسمة ضاحكة : "يبدو بإنك تركتِ وردتي هنا ظناً منكِ إني بجي قبل موعد ذبولها !"

جحظت عيناها بصدمة وزادت دقات قلبها بشكل عنيف بان بشحوب وجهها ونظراتها والتي بسببها غرق يوسف بضحكاته، يرفع يديه بإستسلام:"كنت أمزح معك يا دكتورة ليه انصدمتِ الأكيد إنه ما هو حقيقة ، ليه بتنتظريني .. كان ودك أبيع لكِ الأمل ولا..ورد ؟"

جمّعت شتات صدمتها بصعوبة بالغة ولا تعرف كيف تماسكت عندما صرّح لها بالشيء الذي فعلته!
وكأنه قرأها بكل بساطة ، تنحنحت تجلي صوتها وأخذت تفرك مقدمة رأسهاxتستشعر تأمله الهادىء للوردة فأخذت تقف، تقول :"الأمل سعره بخس هنا يا جوزيف، أما الورد فهو قاتل الأمل بذاته .. أي أمل ممكن يحيي قلب وهو أقصى عمر له يومين وثالثهم يذبل ؟"

أخذ يسحب الوردة ،يهرس أوراقها اليابسة بين كفه المجروح وسط نظراتها المستنكرة من تصرفه الغريب والغير مفهوم وقال على إثره ببسمة خافتة : "يعني المرة الجاية .. وجب نبيع لكِ وردة ما تذبل !
لكن يادكتورة هالوردة لو ما اهتميتِ فيها ذِبلت لو عرضتيها للهواء العاصف هذا لأجل يكسر أوراقها ولو تركتيها بدون ماء طبيعي تذبل ، حاولي لأجلها يمكن المرة الثانية ما تخيبين وتزهر حتى بعد ثالث يوم!"

استكانت بمكانها للحظات ترمق محل وقوفه بصمت ، رغم لُطف لحظة الصمت وخلو المركز وياللعجب من الجرحى بهذه الساعة
رغم رفرفة قلبها بشعور لا تعرف ما هيته، ليس بحب ، أي حب قد يُزرع بقلبها في بضع أسابيع فقط !!
إنما شيء يترك مرور الدم بأوردتها يدغدغها وينعشها بشكل لم تعِشه من قبل ، ابتلعت ريقها بصعوبة تستذكر الناحر لهذه الأوردة .. الرجل متزوج وهي بنفسها التقت بزوجته ولن تكون خسيسة أو دنيئة لتفكر برجل تمتلكه إمرأة غيرها!!
لذلك أشاحت بصرها عنه بصعوبة، تضغط على كفيها، تنظر لحمزة الذي يراقبهم بعينين متشوقتين وكأنه يتابع أحد الأفلام التي يحبها فكتمت تنهيدة ملحة وأخذت تهمس على مضض : "فيلم نهايته تعيسة يا حمزة لا تتحمس، أي بهجة بتكون بحضرة الحرب!"

على إثر هذه التعاسة التي همست بها قالت بلا تفكير وبدون وعي : "زوجتك.."

بترت الكلمة عندما التفت لها بكل قوة فانكمشت من طريقة إلتفاتته وعقدة حاجبيه المشدودة..حقيقةً أول مرة تلمحها تُشد بهذه الطريقة حتى بإوج غضبه قبل أسابيع إلا انها لم تظهر بهذه الشِدة ، ابتلعت ريقها وطفى الخوف على شهلاءها الرقيقة فتحكم بزمام أموره
فهو قبل لحظات كان ساهِم الفكر وطريقة كلامها المفاجىء أجفله فلم يتحكم بتعابيره ، قال بهدوء مستنكر لعل الإستقرار يعود لها : "زوجتي .. ؟"
ابتسمت بإستياء لطريقته بالكلام فرفعت كتفيها بعشوائية ، تعود للجلوس وتقول : "زوجتك بتخاف عليك لو تأخرت زيادة عليها..تعرف
حرب .. والبُعد عن البيت طوال هالوقت يعني أفكار توجع هي بغنى عنها"

حكّ طرف جبينه بعدم فهم للحظات قبل أن يرنّ جهازه الخاص بعمله فانتشله بسرعة الضوء عن جيبه وأخذ يعقد حاجبيه بوجل، يرد على مكالمة القائد وسط تعابيره المهتمة وابتسامتها القانطة :"مالي ثواني من ذكرتها .. يا مسرع إحساسها!"

وقفت بدهشة ألجمتها عندما أفلت فُتات الوردة اليابسة على أرضية مكتبها وانتشل نفسه بقفزة سريعة من أرضها لطرف النافذة حتى تلاشى من أمام عيناها بكل بساطة وكأنه لم يكن! وسط نظراتها المصعوقة من طريقة خروجه المخيفة!! التفتت لحمزة كي تتأكد بأنها ليست الوحيدة المتفاجئة فلمحته مندمجاً برسمته ، تنهدت بجزع، تهوي بجسدها على الكرسي الذي اهتز بسبب سقوطها القوي عليه
مسحت على وجهها بإحباط عنيف، تهمس بضيق: "كلما حاولت أرتب أوراقي .. جاء وشتّتها
أرهقني التفكير ، أنا أحتاج شخص يرتبني، ماهو يشتتني ويحيّرني!"
*
*
أما بجانب يوسف ، كان يضع السماعة التي نزعها عن أذنه عندما دخل للمركز الصحي
يتلقى تقرير القائد بصبر على عدم حضوره اليوم خصوصاً وإنه لم يُعلمه عن ما حصل مع الوزير قبل أيام قال بربكة : "طيب يا قائد ، هالموضوع أهم بكثير كأنك تجهل"

هتف جهاد بعصبية، يضرب الطاولة:"لو كنت هنا لعرفت إن لنا ساعة مجتمعين ندور حل لموضوعك المهم يا طوفان"

إبتلع ريقه، يحك طرف ذقنه ويقول ببسمة :"يعني كلكم مجتمعين ، حتى عاصي وأنا الوحيد اللي.."

ابتسم عاصي بسخرية، يجلس على الكرسي :"الوحيد اللي الله وحده يعلم وين أراضيك حتى جهاز التتَبع فصلته لأجل ما نعرف"

برطم ولم يعلق بينما عمّار الجالس خلف جهازين يطقطق بأصابعه على لوحات مفاتيحها بطريقة إحترافية جعلت مرجان تقف بمكانها تتأمله بصمت ودون تعليق قبل أن تفز بخوف بسبب إلتفاتته وهو يقول بصدمة :"الإخبارية صحيحة يا قائد ، السيارة المفخخة تتجه لتقاطع مناطق الشمال"
توقف يوسف بمكانه بينما هِشام وقف بكل قوةx يقول : "ايش المنطقة المقصودة يا شواظ !"

عاصي وعمّار تذكروا بأن العروسة المنسيَة من ليلة زفافها والتيxواخيراً ظهر طاريها تسكن بأحد مناطق الشمال ، بينما يوسف الواقف بمنتصف مفترق طُرق المناطق كان يمسك رأسه بقنوط وهو يهتف بحنق :"شواظ ، حرر لنا الموقع والإحداثيات واترك عنك اللعب بأعصابنا"

أما جهاد تقدم، يتتبَع موقع السيارة عبر الأقمار الصناعية وأخذ يسحب اللاسلكي من جيبه الخلفي ويقول ": فريق ثلاثة حول .. معك القائد من فرقة الجوى إخبارية السيارة المفخخة صحيحة وتتجه الآن لمنطقة الحصن الشمالية أرجو إبلاغ الفرقة العسكرية المتخصصة لإحباط العملية ونحن سنقوم بدور المراقبة.. "
وصله الرد في غضون ثواني بأن الفرقة ستتجهز وتخرج بينما بقية أفراد الفريق كتموا غضبهم بصعوبة .. لمَ يُوكل مهمتهم لفريق آخر!!

قال هِشام بضيق واضح وهو يقف بجانبه :"كنا أولى منهم فيها"
نظر له جهاد بصمت للحظات ليقول بهدوء: "لا تنسون بإني أحتاجكم أحياء ، هالمهمات لها ناسها المتخصصين فيها وتضحيتي بكم لأجلها خطأ يا سرمد"

نظر له بإقتضاب بينما جهاد لم يهتم، يضرب على الطاولة ويُشير لعمّار :"شواظ ، حدد إحداثيات الموقع وشاركها مع قائد الفريق ثلاثة ، وأوصلنا معهم حتى نكون ضمن الحدث"

هزّ رأسه بإيجاب ليلتفت لتلك الواقفة بصمت بجانبه، ترمق الفراغ بشرود كتم تنهيدة هادئة وأخذ يطبق الأوامر بينما عاصِي جلس يربّت على كتف هِشام : "لاتخاف، هم قدّ هالمهمات وأنت تدري كم سيارة مفخخة أحبطوا تفجيرها ، وبعدين من أياااام وأنت ناسيها ولا داري عنها خلّها يمكن تروح للي أرحم منك"

أهداه نظرة غاضبة فابتسم عاصي بضحكة ": يوسف، لو تشوف نظرته تقول إني متعدي على شيء يحبّه ولا كأنه اللي ينتفض غضب يومنّها انفرضت عليه"

انتظر رد يوسف الساخر كالعادة ولكن لا صوت له فعقد حاجبيه، يهمس بغضب :"هالكلب ، فصل السماعات من جديد "
التفت لعمّار، يقف ويتجه له ويقول بحرص:"عمّار ، علمني يوسف وينه ؟"

ضغط على الأزرار المطلوبة ولكنه عقد حاجبيه بجزع:"جهاز التتبّع الخاص فيه للآن مغلق ، والإتصال فيه غير ممكن لأنه قطع التواصل وجهازه لا توجد فيه تغطية!!"

نظر له بصدمة، يقول بذهول :"وليه قطع التواصل هالحيوان ، وين راي.."

سكت وسكنوا جميعهم والتفتوا بذات الوقت لبعض بنظراتٍ حانقة قبل أن يغمغم جهاد بغضب :"من يقدر يتخطى أوامري غيره ؟"

سحب عاصِي اللاسلكي والجهاز الخاص به وضرب على طاولة عمّار يقول له:"ارسل لي الإحداثيات بسرعة الضوء يا شواظ"

التفت عمّار لجهاد الذي نظر لهم بحنق للحظات قبل أن يصرخ عاصي :"لا تظني بترك يوسف لتهوره يا قائد لا تنتظر مني الرضوخ"

كتم تنهيدة غاضبة وأشار بالإيجاب فالتقط هِشام جهازه وخرج يتبع عاصي قبل أن تحاول مرجان اللحاق بهم لولا يد عمّار الي احتضنت كفها بكل قوة يقول :"مجنونة أنتِ ، وين رايحة؟"

نظرت ليده التي تحتوي كفها بصمت قبل أن تنفضها عنها بذات الحركة التي فعلها لها صباحاً قبل أن تقول :"رايحة للمهمة يا شواظ ، لا تنسى بإني عضوة بالفريق"

جزّ على أسنانه بصعوبة فهذا ليس بوقت عنادها وهو لا يستطيع الذهاب معها لأهمية تواجده بالمقر للمراقبة وقبل أن يغضب أنقذه جهاد وهو يعطيها مهمة أخرى فتقبلتها على مضض وبإستياء لم تظهره بينما عمّار تنهد براحة وأخذ يُسخِر كل تفكيره وعقله لمراقبة أصدقاءه
وتلك السيارة التي تنوي قتل مئات الأبرياء لا لـسبب جلل بقدر ما كان سوء قلب لزعزعة أمن أهل المناطق الشمالية والتي لا تصلهم صواريخ دولة الديجور !
*
*
لم يكد يسمع اسم المنطقة المستهدفة حتى انتزع السماعة عن أذنه وسارع الخطى لغرفة المركز الصحي التي تركها قبل دقائق ، لم يدخل من الباب بل اتجه للنافذة ولسوء حظه كانت مغلقة فجزّ على أسنانه بغضب واتجه للمدخل من جديد يلقي نظرات مبعثرة للمكان يبحث عن أطلالها ولكن لا يوجد ، توجه لمكتبها وفتح الباب بكل قوة ولكن الغرفة خالية من أي أثر لها
التفت وعندما لمح الممرض الوحيد بهذا المركز شده من يده بعنف لم يقصده وقال بلهجة الخطر : "دكتورة سكُون.. وينها؟؟"

سحب الممرض يده بخوف من هذا الثائر ولم يعلم ما علاقته بالدكتورة سكُون لذلك لم يتكلم بل ابتعد عنه مهرولاً بخوف ، كاد أن يلحق به ويخنقه من شدة غيظه، أهذا وقت هذه التصرفات المقيتة!
لمح الطبيب الذي التقى به في الوقت الذي حضر به مع سكُون أول مره فقال وهو يقف أمامه: "دكتورة سكُون وينها؟ ما لقيتها بمكتبها؟"

نظر له بحرص للحظات وعندما ميّزه رفع ذراعه اليسرى ورمقّ ساعته للحظات قبل أن يقول بآلية : "قبل ساعة انتهى دوامها ، الأكيد انها رجعت للبيت"
نظر له مصعوق، يضغط على رأسه ، كيف انتهى عملها قبل ساعة وهو قبل ربع ساعة فقط كان أمامها..بئساً لك يا يوسف لماذا لم تبقَ عندها حتى تعلم ما هية المهمة إن أصابها مكروه فأنت السبب !

هذا ماتمتمه بنفسه وهو يخرج من المركز الصحي وأقدامه لا تكاد تلامس الأرض من سرعة خطواته اتجه لسيارته يركبها بعجلة، يضرب كفه بإطار القيادة بكل غضب :"ليه منطقة الحصن بالذات ، ليه بهالتوقيت ، ليه سيارة مفخخة ليه ما كان قصف...!! "
ومئات الأسئلة التي كان لها جواب واحد .. زعزعة أمن الوطن.. وقد يكون معرفتهم بمكان إبنة الوزير!

على إثر هذا الجواب طوى الأرض تحت عجلات سيارته ، ينزع عنه السماعات، يرميها على المقعد بجانبه ،يلهث بالدعاء ، ترك الدنيا خلفه كي يحميها فتضيع وهي في حمايته!!! وهو من أشار لها للسكن بهذه المنطقة لقربها من المركز الصحي ولكونها أكثر المناطق حظاً من ناحية غض طرف العدو عنها.
أغمض عيناه للحظات ليفتحها ويتجه للمنطقة المنشودة بقلب ثائر بغضب وعقل يئن من شدة ضغط الأفكار على خلاياه وأعصابه تلفت من الخوف، أن تصل هي للمنطقة قبل السيارة المففخة يعني نهاية حياتها ، وأن تصل
بعد الإنفجار يعني ذبولها وعزوفها عن الحياة
في كلا الحالتين..هو خاسِر ..!

مرت ساعة كاملة يدور في الطرقات بلا هُدى يبحث عن هذه السيارة ويشتم حظه الذي جعل بطارية جهازه تفرغ بهذا الوقت و لتغطية الشبكة التي تلاشت بهذه اللحظة ، يكاد يذوب من الخوف .. عليها
وعلى أهل هذه المنطقة التي دخلها واخيراً !
يلقي نظرات سريعة على شوارعها الضيقة يبحث عن ما يؤرقه ، مرّ من أمام منزلها الصغير مع حمزة ولمح مصابيح منزلها مشتعلة فلم يعلم
أيتنهد راحة ، أم خوف ؟ خرج من ذلك الشارع يبحث ويدور ولكن لاجدوى حتى عاد للخروج من مدخل المنطقة .. وبتلك اللحظة لمحها..
السيارة المنشودة .. والتي أُرسلت مواصفاتها لأجهزتهم قبل أن يوكل جهاد المهمة للفريق الآخر-سيارة من طراز معروف بيضاء اللون لوحة ٢٣٦ ق ب ر-

أسرع بكل قوة، يضع قدمه على مكابح البنزين غير عابىء بإشارات سائق السيارة الأخرى ولم يتوقف إلا أمام السيارة بإنشات بسيطة أجبرت سائقها على الوقوف بصدمة من هذا المتهور المجنون الذي
كاد أن يقتل نفسه ويقتله !! اشتعل غيظاً وغضباً فسحب الرشاش من المقعد بجانبه ونزل وهو ينزع زر الأمان من رشاشه ويشتت نظراته للمكان يبحث عن ذاك البائس الذي كاد أن يقتله قبل أن يتمّم مهمته ولكن لا أثر له ، عقد حاجبيه بتوجسx يحاول معرفة مكانه وكيف اختفى لكن لا جدوى .. لحظة خاطفة فقط قبل أن يسقط الرشاش من يده على الأرض ويسقط هو من خلفه بعدما غافله يوسف بضربة على مؤخرة رأسه أفقدته الوعي ، بحث في أرجاء السيارة ولم يكن هناك سواه فإلتفت للخلف يفتح مؤخرة السيارة حتى وجد ما جعل عيناه تجحظ ، هذه كفيلة بقتل حي كامل .. ماهذا الإجرام ؟؟؟
جحظت عيناه أكثر وأكثر وكادت نبضات قلبه تتوقف وهو يلمح عدّاد القنبلة يشير إلى عدد الدقائق المتبقية للإنفجار فكاد أن ينهار من خوفه
خصوصاً بأنه على مدخل المنطقة وقريب جداً من منازل المواطنين ، سحب المجرم يربطه بإحكام وبلمح البصر رماه داخل سيارته وأحكم إغلاق الأبواب قبل أن يركب السيارة البيضاء ينطلق لأحد المناطق الخالية من السكان والقريبة من هذه المنطقة ، بين كل لحظة ولحظة يرفع معصم يده، يرمق ساعته بتوتر شديد
لم تتبقى سوى ثلاث دقائق فقط ، وxxxxب الساعة تدور وتحذر وقلبه مطمئن برغم إرتباكه
أنها بخير .. ولو كلفّه هذا الخير روحه مثلما وعد !

دقيقة واحدة .. ستون ثانية الفارق بين موته وحياته
رمق المساحة الشاسعة الفارغة من أي منزل أو أي أثر بشري وتهلل وجهه ولكنه تجعد بخوف عندما لم يتبقى من الوقت سوى ثلاثون ثانية
زاد السرعة لأقصى درجة وأخذ جلدة المقعد التي نزعها قبل دقائق ولفّها على جسده بكل إحكام قبل أن تصل السيارة للسرعة القصوى
ففتح الباب ورمى بنفسه من السيارة كأكثر الطرق شيوعاً للإنتحار .. لكنه لم يكن بمنتحر بل كان شخص يبحث عن الحياة..

ثلاثة ، إثنان ، واحد
دوى صوت إنفجار عنيف زلزل المكان وأثار عاصفة خانقة من الغبار وأشعل المكان ناراً.

صوت أنينه المتوجع لا يُكاد يُسمع وجسده الذي تعرض لمثل هذه المواقف مراراً وتكراراً أصبح متعود عليها فلم ينتهي عهده بعد ، ولكن آثار الإنفجار والشظايا التي تمكنت من جسده لم تكن بالشيء الهين أبداً .. لقد كاد أن يفقد حياته
للمرة الألف ؟ لم يعد يحصيها عدداً
تنهيدة راحة مرت من روحهxيغمض عيناه للحظات بإستسلام بعدما اطمئن بأن هذه القرية ستنام هذه الليلة دون فقد!


انتهى الفصل..
قراءة ممتعة~





فاطمة صالح. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:59 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.