آخر 10 مشاركات
همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          عندما تنحني الجبال " متميزة " مكتملة ... (الكاتـب : blue me - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          فتاه ليل (الكاتـب : ندي محمد1 - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          فتاة المكتبة(61)-قلوب النوفيلا-للكاتبة فاطمة الزهراء عزوز{مميزة}-[كاملة&الروابط] (الكاتـب : Fatima Zahrae Azouz - )           »          البحث عن الجذور ـ ريبيكا ستراتون ** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree1637Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-10-23, 05:22 PM   #1

الـميّادة

? العضوٌ??? » 514867
?  التسِجيلٌ » Oct 2023
? مشَارَ?اتْي » 235
?  نُقآطِيْ » الـميّادة is on a distinguished road
افتراضي أرواحٌ تائـهـة في غياهِبِ القَدَر


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احترت كثيرًا كيف أبدأ بتعريف نفسي…
بعد تردد كبير قررت تنزيل روايتي (الأولى نشرًا) (والسادسة عشر كتابةً) في صفوف الملاحظات…
لم أحبذ نشرها وهي قيد الكتابة، أردت إنهاءها أولًا. ولكن، ارتأيت بعد مساحة من التفكير أن أبدأ بالتنزيل كي أنهيها كما يليق بها أن تكون… ولا تجاور وليدتي السادسة عشر أخواتها السابقات في معتقل الصفوف…
-
هُنا أطرح روايتي:
( أرواحٌ تائهة-في غياهِبِ القدر-).
كتابـة: الميّـادة. mayyadah.1
_الرواية غير حصرية للمنتدى_
لا أحلل نقلها على منصة أخرى غير ما أنقله أنا بنفسي.
***
اقتربت بداية المسرحية الأولى..
الماضي، عندما يحاصرنا،
يختزل في الصورة قلوبنا المرتجفة،
وينسى أعيننا التي غمرها الخوف….
القلوب لا تُرى، لهذا….
لم يعلموا مشاعرنا الحقيقية……
الظُلم لا يشهد على نفسه….
مثلما الضحية لا تستطيع نطق هوية المجرم…..
هكذا…..
يسير الظالم يُلقي بأرواحهم بعيدًا
ويقتنص اللحظات ليسرقها…..
يسرق فرحتهم بالأناس الطيبة….
فيقوم بتحويلهم….
لجحيم….
جحـيمُ الخـداع….
التحديات التي تقتنص اللحظات…
زاوية الانطباع المتغيرة…..
اشتعال الأعين……حينما تتعلم الأحرف كيف تصطفّ لتصبح كلمات…!
وأخيرًا…..
تــيـه….
تيـــهٌ عمـيق…..
لأرواح تجهـل مصيـرها…..
قلـوب تشتّـت أصحابـها
ولهـيـب أضرمَ بالشتات….
لهيبٌ حارقٌ للحقيقة المخادعة…..
لهـيبٌ يكشف الستار عن هويةٍ…..
كــانـت مــجــهــولـة….!!
***
هو الطبيب الذي تم نفيه لأرض لا ينتمي لها…
لتبدأ من بعده سلاسل تيه لا تنفك تهوي بقاع الظلمات….
هي التي عانقت حروف القصيدة وأحبت عالم الشعر فكيف تجابه الحياة بنوبات لا تتوقف…
عتيد صلب يحجب كل مشاعره تمامًا كاسمه فكيف سيعيش حجاب مع شبيهه صراعاتٌ تستمر بالاتساع..
متلاعب داهية، العائلة لديه خط أحمر ومن بعدها يأتي الآخرون فكيف حين يتحداه أفعى بعائلته ليرفع راية الحرب آخذًا دور الثعالب الماكرة…
مخطِّطٌ عبقري يلعب دورين وتتقلب شخصياته المتعددة لكل دور…لا تهمه الأرواح جميعها سوى عائلته وتحديدًا ابنته يحرق الجميع لأجلها فكيف حين يصبح عدوه شخص مستعد للإحراق مثله لأجل العائلة….
يتحدث كلمة ويدس عشرًا يفكر قبل أن ينطق وحين يتعمق بالتفكير على المجرمين أن يترحموا على أنفسهم، سريع البديهة وتسقط بين يديه قضية غامضة لم تحل منذ عشر أعوام فماذا سيفعل…
هنا صراعاتٌ اخترقت صفوف المعارك لتدك أراضيَ الحرب في بعثرةٍ لا ترحم التائهين..
فاقتربوا،
فقد حانت لحظة كشف الستار عن مسرحية المخادعين !
فـــي:
( أرواحٌ تــائــهــة -في غياهِبِ القَدَر-).
••••
«تساوت الدنيا عندي تساوت
وهي يومك قريبٍ لي تـفـاوت
حياتـي عقب نـورك مثل ليـلٍ
جميع نجومه من أدنى تهاوت
ألا يا ناصــحٍ بالطّـب روحــي
تراها لو لقت طـبٍ تــداوت»
••••
ملاحـظة/
أبطالي ليسوا قدوة للتقليد….
هم بشر.. خطّاءون…
عاصون أحيانًا وتوابون أحيانًا اخرى…
مايبدر منهم من لفظ او فعل هو بناء على تركيب كل شخصية منهم ولا شأن له بأي رسالة أو مقصد أو معنى قد يرتبط بي شخصيًا..
أيضا أنا أكتب شخصياتهم ولا أتبناها… والجميع لديه عقل يعي الصواب والخطأ..
ويعي الدين والعادات والتقاليد والمجتمع…
هنا اكتب قصص من خيالي ولا تمت للواقع بصلة…. أكتب ما أود الكتابة عنه بقلم كاتب فقط…ان حصل تشابه في احداث او اسماء او اماكن على الواقع فهذا تصادف لا غير… وجميع أحداثي خـيـالـيـة عائدة لقلمي لا شأن لها بأي شيء آخر .
(أسأل الله سبحانه التوفيق والسداد
إن أصبت فمن الله تعالى وحده
وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.)
••••
أترككم الآن مع المقدمة
••••
المقدمة (بداية التَيه)
استغفرالله العظيم واتوب اليه
••
كانت جالسة….على أريكة منزلهم البسيط…
تطبب بأناملها جرحًا نازفًا على خدّه….
قالت بضيق/ يعني ماراح تكبر عن المشاكل..
رد بانفعال/ الاشكال ذي يبيلها دفن ماهو بس كم ضربه…لو اني لابس بدلتي كان تصرفت معهم صح….
نهرته بضيق/ خير وش هالكلام…عمرك ٢٧ للحين تتضارب مع عيال الشوارع على قولك…..
يتحدث بعدم اهتمام/ عيال شوارع وعيال *** بعد….
اتسعت عينيها فهي لا تحب هذه الالفاظ../ لا تقول كذا…ايش ذنب اهلهم…تسبهم…واخذت اثم الغيبة بعد استغفرالله…بعدين ايش المشكلة الحين…المره اللي قبل هم حدوك بسيارتهم…ويلا هوشه….طلعت منها بمدري كم ضربه…قلنا انك قوي ورياضي وابو عضلات بس ماتوصل يا بتال…
ابتسم متجاهلًا حديثها ليعلّق على اخر جملة/ بالله عليك ماهي حلوه العضلات هذي….تدرين اني اعتبرها وحده من انجازاتي الحياتية…..
ضحكت….وهي تضع لاصقة الجروح على خده….وتغلق حقيبة الاسعافات الاولية/ يا سيد الانجازات….كل انجازاتك عضلات و مضاربه…
رد بتال مستنكرًا…/ افا عليك…والبدله اللي عليها اسمي…وين راحت!!
ابتسمت لينا…وهي ترفع رأسها له/ نسينا…يا حضرة العريف….
نهضت من أمامه وهي تضع الحقيبة في أعلى رفّ الخزانة الموجودة في الصالة..
صوت صرير الباب…ثم دخول أحدهم..
بهدوء يغلف حضورها دائمًا…
اتسعت ابتسامة لينا وهي تشير بيديها/
"يا هلا بحبيبتي….تعالي…"
تقدمت ورد مبتسمة وهي تركض ناحية لينا وتحتضنها بقوة….من قال أن الحديث مهم ليخبرنا عن مدى أهميتنا… ربما ابتسامة تكفي كي تنقل مشاعرًا راكمتها صفوف الكلمات….
تلك الطفلة الصماء التي ولدت بقالبٍ طبيعي لم تدرِ أن مجتمعها يشكّل القوالب كيف يشاء….
«جابك الله في زحام العمر صـدفـة»
كان يشد ياقته غضبًا…
وذاك ينظر بلا مبالاه…
تمتم صارًّا على أسنانه/ ماتفكنا من مشاكلك…..هالمره كم هذي اللي تسود وجهي فيها…..مشكله ورا مشكله…انذار ورا انذار…عاجبك ان المستشفى للسامي وسلطان يغطي عليك كل مره….
أفلت ياقة ابنه… ليتراجع ذاك للخلف وهو يقول بعدم اهتمام/ ماطلبت مساعده منكم…ولا طلبت واسطاتكم..
قال بانفعال/ طلبت ولا ماطلبت بالنهاية اللي تسويه يلحقني….اتوسط لك عند اخوي ووجهي طايح بسواياك اللي مايستوعبها عقل…..
عساف بانزعاج….لما لا يفهمون مبرراته…/ سواياي وسواياي….حسستوني مسوي فضيحه….الرجال يشتكي وهو اللي مفروض ينشكى عليه…وعمي يتكتم على الاستهتار كله عشان لا تخترب صورة مستشفاه….
حجاب بنبرة عالية/ سلطان يتكتم على هبالك انت…وش دخله بالناس اللي بسببك يرفعون شكوى على الادارة….…النظااام ضـــدك ماااتفهم….شفته غلط ولا ماهو غلط ماراح يوقف بصفك احد….انت اللي بتااكلهاا….
…./ الولد قدااام عيني يا ابوي يضربه….قدااام عيني يرتجف وابوه منتهي فيه ضرب وانا مشيّعه كسر ومركب له جبيره….كيف يبوني اسكت على شيء كذااا!!!
صاح به حجاب/ يرددعه القااانون…بلغ عليه…اشتكه….عندك الكاميرات…بدال هذا تقوم تطيح فيه ضرب….وش دخلك فيهم يضربه يذبحه مااالك شغل فيهم حسبي الله عليهم….
يتدخل فراس الذي يأتي للتو…مهدئًا الجو المشحون/ صلوا على النبي يا جماعه…ابوي اهدا لا يرتفع ضغطك….وانت عساف…قفل عالموضوع خلاص
استدار عساف لشقيقه ليقول بضيق منزعج/ مافتحته…كلم ابوك….
اتجه للمصعد…ينوي الصعود…
استوقفه حجاب بحدة/ سلطان بيغطي عليك..بس منعته…!!
قال بسخرية….غير مهتم بما يجري..
"والحين وش مصيري..دام حجاب السامي تدخل فيه!!"
حجاب يرمق ابنه العاصي المتمرد….ليقول بحدة/ شفت الشكاوي كلها اللي غطاها سلطان….انا خليته يرفعها….والحين جايـك نـقـل تـأديبـي….ومتى ما شفتك تسنعت…قلت لعمك يرجعك….
استدار عساف كاملًا…. بأعين متسعة…. قد يتقبل أي عقوبة لكن ليس أن يُنفى…. النفي جريمة ليست عقوبة….. قال باستهجان/ نـقل!! على مزاجكم تودوني وتجيبوني صغير عقل…. مكاني بمستشفى السامي….محد له سلطه علي…..
حجاب بغضب/ سلـطـان مــدير المستشفى هو اللي أصدر هالقرار والانذارات اللي فوق راسك تجبرك طرق عن خشمك تمشي على كلامه…. واسمعني من الحين يا عساف…. قبل السنة لا تنتظر رجعة…. لين تعقل وماعاد تلحق اسمي شكوى…
ثم أردف بانفعال/ انت تحسب انك عساف السامي يعني تسوي اللي بمزاجك…. انت ولد سامي السامي…. ولد معطرين الاشناب اللي كلمتهم لها وزنها بالمجالس وبين الرجال…. تحسب بعد هالعمر كله بتكسر كلامي وتفشلني بسواياك….
عساف بغضب يرتفع صوته../ انتم تفرضون رايكم علي !
يصرخ به حجاب بنبرة أعلى/ نفرضه وانت ماتشوف الدرب سامعني…. انااا حجااب السامي مايجي صغير القوم يرفع صوته علي ويعصيني…. بكره نقلك للمنطقة اللي قبلوك تشتغل فيهاا…. ومن الحين ياعساف شكوى وحده تجيني عنك مايحصلك طيب… وان عصيتني فانا ماني راضي عنك ليوم الدين….
عندما طال صمت عساف… قال حجاب بحدة ينظر للجبل العاجي الذي لا يرضى بفرض الأوامر/
شكل ماهمك البر بأبوك… ومامنك رجـاا!
ابتسم عساف بتحدي/ انــا رايــح لهالديرة اللي رميتني فيها…وعهد علي….. لارجع بولا شكوى…. ووقتها بس باثبت لك اني فعلًا عـسـاف ولد السـامي….ماهو حي الله واحد !!
ثم دخل المصعد منهيًا الجدال السقيم…
تقدم فراس مربّتًا على كتف أبيه../ سهالات يا ابوي…ليه معصب بنفسك…هذا هو عساف وهذي حركاته..
زفر حجاب مغلقًا عينيه للحظات….
ليفتحهما قائلًا/ هالولد ذا مدري متى بيتعدل….
«يا عسى باقي ليالينا تطيب»
.
كانت لينا تجلس في غرفتها فاتصلت على ابنة عمها…فتح الخط فقالت/
مرحبا رنيم…كيفك….
تبسمت رنيم التي تشاجرت قبل قليل مع شقيقتيها/ تدرين اني اغبطك على هدوء بيتكم….
ضحكت بدهشة…./ وليه…الهدوء شين…
رنيم بقناعة لا يمكن تغييرها/ لو تعيشين ربع ساعة ببيتنا هجيتي…مع الصجه اللي فيه…..الهدووء نععمه….
زفرت لينا فهي تختلف بهذه النقطة كثيرًا….وكثيرًا جدًا…..فهي تكره الهدوء….الهدوء يذكرها بالوحدة التي تصاحبها أينما رحلت….قالت/ مم..ما اتفق معك…بالعكس….اصوات الاطفال نعمة يا رنيم…مصير خواتك يكبرون….وتقولين اييه يالزمان القديم والذكريات الاوله….!!
ولأنها قناعة راسخة…سايرتها مبتسمة/ ما اظن…لكن اخر جملة ممكن اقتنع فيها بيوم
•وأحِبُّ الحديثَ عندما لاقيتُكِ، وأُحِبُّ.•
وصل للتو….
يتأمل المنطقة التي لم يدخلها مرةً في حياته….
بل حتى لا يسمع بها الا نادرًا….
بحث بشكل سطحي عن اقرب مبنى سكني…وجد واحدًا ودخله ليستأجر مقدمًا لمدة شهرٍ واحد شقة لم يرها حتى….
دخل الشقة ليتوضأ ويصلي….
ثم بدل ملابسه مباشرة…بحث عن البالطو الطبي بين الحقائب المبعثرة ولم يجده… ولضيق الوقت تركه منزعجًا وتوجه للمستشفى…
«قالوا توادع قلت(ياصعب الوداع)»
ورد لهم بلاغ من أحد الشبان…..في احد الأحياء التي يعرفها جيدًا وتحديداً في المسجد القابع وسط ذاك الحي السكني….
هرعا عزام وزميله في سيارة الإسعاف….
ليجدا ماكان معتادًا لكليهما ولكن له بشكل خاص كان صدمة…..
شدّ الرجل المغميّ عليه أرضًا وهو يقول/ سلامات ياعمي…..لا اله الا الله……انت صاحي…
ولكن لا مستجيب…..
وبحركة يد متمرسة قاس نبضه فزفر عزام يحمد الله أنه حي….
نقلوه سريعًا للسيارة ثم مباشرة للطوارئ…
توقف خارجًا ثم رن هاتفه فيخرجه….
قرأ الاسم وضاقت عينيه….ليجيب/ هلا بتال….
بتال بحماسه المعتاد…./
ارحب ابو ناايف..تخاويني نفطر واغطي عليك عند مديرك…
عزام يجيب معترفًا فهو يعرف جيدًا غضب بتال إن حاول فقط إخفاء الأمر/ بتال عمي بالطوارئ الحين ماادري وش وضعه…تنفسه ضعيف…وكنت انا اللي اسعفت حالته وكان مغمي عليه فاقد للوعي….
انقلب حاله…ولكن رد بجدية فهو عاصر مواقفًا أشد وكان أقوى/ انا جايكم الحين…لا تعلم احد…مابي لينا تدري….
ليغلق الخط……
وقلب عزام ينبض متوتراً……
مجال عمله به كثير من الفجائع….
ولهذا يخاف…..
فكم من حالة أسعفوها بأمل كبير وعندما وصلت للرمق الأخير فاضت روحها لله…
«وشلون اوادع من معه قلبي (وديع)؟»
توقفت سيارة مسرعة للموقف بجانبهم..
فالتمعت عيني الأطفال الواقفون بذهول للسيارة الفارهة الفاخرة جدًا…. ينزل منها رجل معالم الثراء تتضح على وجهه وملابسه…
حقًا…. الأثرياء يمكن تمييزهم…!
هناك… دخل عساف متعجلًا للمستشفى بعد تأخره على موعده الأول معهم….
كانت هناك جلبة بقسم الطوارئ….
اتجه نحوهم مباشره فهذا مجاله…
انتبه لدخول حالةٍ جديدة…..
وطبيبٌ يجري بالسرير….
ومريضٌ فاقد للوعي يبدو رجلًا كبيرًا في السن….
ركض معينًا للطبيب….
ليسأله بنبرةٍ مهنية/ وش هو تقرير الحالة!!
الطبيب الذي تفاجأ من هذا وكيف يتدخل فجأة..وظنه فضوليّ متطفل…قال له بغضب فالوقت لا يسمح له/ وخر ولا تتدخل….هذاا شغلنااا
لم يهتم له عساف الذي سار بالسرير ليقفا أخيرًا….أغلق الطبيب الستائر ثم عاد وهو يضع جهاز تنفس على الرجل…..
عساف بملاحظة وهو يفحص النبض عبر الجهاز/ النبض جيد….التنفس ضعيف….نسبة النجاة عالية….واحتمال من حالة فقدان الوعي والرجفه إن المريض يعاني من…إما إجهاد عالي..أو انخفاض ضغط او ارتفاع سكر…نحتاج فحص السكري والضغط…
نظر له الطبيب بإمعان للحظات قبل ان يقول وهو يقيس الضغط عبر ذراع الرجل/ انت الطبيب الجديد…..
عساف يجيبه وهو يتجه للخروج/ اي نعم..ممكن تزودني بالتشخيص
…./ نُقل بعد بلاغ عن فقدان وعي مفاجئ…اسمه ماجد جبر العياث..يعاني من حالة ضيق تنفس…تشنج بالأطراف….التشخيص الأولي إنه يعاني من سكر…لكن فحص السكر منتظم..والضغط منتظم….
…/ كم استمرت التشنجات….
…/ نصف دقيقه الى دقيقه…
يزفر عساف محدّثًا نفسه كي ينظم أفكاره…عليه أن يثبت نفسه هنا لهذا أخذ هذا المريض….ان استطاع ذلك فعلى الأقل سيرضي والده بأن تثني عليه إدارة هذا المستشفى….
قال عساف/ حالة التشنج طبيعية مرافقة للاغماء…خصوصًا انها ماطولت…و ضيق التنفس ايضًا طبيعي ويظهر لي ان المريض تعرض لاجهاد عالي..اذا صحى باذن الله باكشف عليه..
استدار للطبيب….الذي سلمه ملف المريض وغادر فمناوبته انتهت….
لم يمضِ وقتًا حتى سمع ضجة ليخترق احدهم الستارة ويدخل….
وقف يمنعه بجدية/ يالطيب برا..
استدار بتال فوجد رجلًا بملابس كاجوال لا تليق ببيئة عمل….ويقف في المكان الذي يفترض أن يكون هناك طبيب فيه….!! ماذا هل ترك هذا المستشفى أبيه لوحده….بلا اهتمام ليدخل الرائح والغادي له…..
قال بحده وهو يتقدم ليشدّ ياقة عساف بقوة/ مين انت ووش تسوي هنا…ابوي فرجه لكم…..
رفع عساف يديه كعلامة استسلام فمفتول العضلات هذا يبدو معتوهًا وهو لم يبع حياته للمعاتيه لتكون نهايته في مستشفى نفي له..بهدوء/ انا طبيب…ابتعد اذا سمحت….
أفلته بتال فنبرته الواثقة تؤكد له…ليسأله بعد ذلك مباشره/ ابوي حاله وشلون ووش سبب اغماءه…..
زفر ليعتدل بوقفته/ حالة بسيطة وهو بخير الان..انتظره يصحو فقط واكشف عليه….
أومأ بتال برأسه….ليقترب من والده…وانكسرت عينيه الحادة قبل قليل لأخرى…ضعيفة جدًا…..فالذي يستلقي هنا أمامه هو الرجل الذي تكالبت عليه نوائب الدهر ولم يحنِ ظهره لها صابرًا محتسبَا….
•أبوي العِز لا ذلّـت الدروب الهقاوي.
أخبروها بعد ان استيقظ ماجد أبيها….
ليهوي قلبها للقاع خوفًا وقلقًا…..
تُكلِّم بتال بهاتفها بيد مرتجفة وهي تربط نقابها وتنتظره في الحوش…/ بتال تكفى قول الصدق والله مالي قدره تكذب وتجاملني….والله ماني حمل اي شيء جديد تكفى…….
يهدئها منصتًا لتعثرات الصوت القريب للبكاء/ يابنت الحلال بخييير والله بخيير…اكذب عليك يعني…
غص صوتها بوسط حنجرتها وهي تقول/ طيب ليه ماعلمتوني……مغمي عليه ماتقولوون….مااالك عذر والله ماااالك عذر ابووي مثل ماهو ابووك…..
أوقف السيارة ليقول مطمئنًا/ يا ادميه عيني خير….ما بغيت اقلقك وابوي الحمدلله طيب….اركبي انا برا…
انزلت هاتفها تعصره بيدها…ولو لم يكن قطعة حديدٍ لانكسر لشدة الضغط…
خرجت وصعدت معه دون ان تتكلم ولو تكلمت اكثر لجاءتها حالتها….
يعرف ماتفكر فيه….
مد يده واحتضن يدها……
لفّ وجهها له ونظر لعينيها متحدثًا بجدية/ لينا أبوي صاحي وبخير…. شوفيني أنا ماعلمتك لين تأكدت إنه بخير….بتقابلينه ولا يشوفك ضعيفه…
صمتت للحظات…. وهي تشد يده بلا حديث…. وعقلها يضج بوالدها…
تتأمل عينيه بنظرات تمتلئ دموعًا……
لتنطق أخيرًا/ بتال انت ماتكذب صح…..
يبتسم بتال ليضرب مقدمة رأسها برفق/ تعقبين تكذبين اخوك…
فصمتت وهي تهدأ تدريجيًا……
سحبت نفسًا عميقًا….
ولا زالت يدها تشد يد بتال بلا وعي…
وصل للمستشفى وقال لها/
انزلي وانا بدور موقف زحمه…
نزلت مباشرة بلا رد…..
هرعت للداخل وهي تقتحم الاستقبال لتسألهم بنبرة مرتجفة/ وين…ابوي…..ماجد العياث….وين غرفته…..
اخبرتها الموظفة لتتجه مباشرة للدرج فلا وقت لديها للمصاعد….
شبه راكضة وقلبها يضرب طبولًا….
لا تشعر بأطرافها….وعينيها بدأت تضبب الرؤية…فحياتها كلها ترتكز على تواجد ثلاثة…والدها وبتال والاخت التي تراها ابنة… فالفارق بينهما خمسة عشر عامًا كاملة…
بالكاد ميزت رقم الغرفة لتفتح الباب مباشرة وهي تبحث عن هدف واحد…..
وما أن لاحظته يجلس معتدلًا على السرير…
حتى ركضت نحوه لتنزلق قدميها وهي تشد يديه وتخفض رأسها عليهما وتنفجر باكية…
وضع يده على رأسها…مهدئًا….يخاف ان تأتيها النوبة ويعرف كم هي متعلقة به/ سلامة الروح يا بنيتي….
قبّلت يده ثم رفعت رأسها له والدموع تغطي رؤيتها….لتقول لينا/ سلامة روحك انت يا ابوي….لا تروح….تكفى لا تخليني وتروح…..
شدها ليحتضنها فقلب الأب لم يحتمل انهيار ابنته متحدثة بهذه الكلمات الموجعة…..
هدأت في دفء والدها وصوته الحنون….
الذي يذكرها بحنية من فقدتها….
ابتعدت عن والدها….
لتستشعر بحواس الشم لديها رائحة عطرية ليست مألوفة…..
استدارت للحظة بقشعريرة إدراك سرت داخلها…. لتنتبه للواقف يرمقها وسط الظلام الذي أحاطه ظل ستائر السرير به….
لم تلاحظه….. لم تنتبه له….. من يكون….
طبيب….. اذن لما لم يرتدي زيه الطبي…!!
بدأ قلبها ينتفض…. هل كان مراقبًا للمشهد الدرامي الذي كان يجب ان يكون خاصًا بينها وبين والدها ولا يطلع عليه مخلوق…..
لماذا لم يصدر صوتًا….. يوضّح شيئًا…. يتنحنح على الأقل كرجل طبيعي!!!
ابتعدت عن والدها….. الذي لا يبدو مركزًا بعد استيقاظه وماحدث له ان ذلك الطبيب الذي فحصه عند استيقاظه لم يغادر بعد…. تأكدت أن نقابها لا زال عليها ولم تخلعه أمانًا بخلاءها بأبيها…
بينما اعتدل ذاك بوقفته وملامح وجهه لا تفسر لها ابدًا ويكتسيها الغموض……
ليست نظرة تحمل معنى واضحًا….
لكنها جعلتها ترتجف غضبًا منه…..
كيف يسرق خصوصيتها بصمت…..
كيف يسمح لنفسه بانتهاك الحُرمة حتى ولو كان طبيبًا…. منذ البداية وَجَب عليه الخروج حين دخلت!!
استدار للخارج ينوي المغادرة……
لتجده يخرج عبر الباب المفتوح……
بكل هدوء تمامًا كما كان وجوده !!
..
يسير عبر الممر ببطء بذهنٍ شارد….
أوقفه صوتٌ مزعج لينظر بهدوءه لذلك المعتوه…لحظه..هل هو شقيقها….رباه الفرق بينهما مخيف….

بتال القادم والذي رآه ليوقفه يسأله/ يادكتور وش فيه ابوي… وش سبب اغماءته..
حسنا لا زال ليس دكتورًا ويسعى لذلك..
لما لا يفرق الجميع بين دكتور وطبيب!!
يرمقه عساف لثوانٍ قبل أن يعاود القول بهدوء/ حالة إجهاد طبيعية…عرفت من كلامه إنه أجهد نفسه مؤخرًا وإن فيه قلق متواصل سبب له حالة التشنج…
شهق بتال/ كان فيه تشنج!!
شتم نفسه داخليًا على زلة لسانه…خاصة مع هذا المزعج….كان يتحدث بشكل مهني واصفًا الحالة كاملة….قال عساف مطمئنًا/ المريض طيب وبصحة جيدة ولله الحمد..يحتاج راحة نفسية لا أكثر…في حالة كان يواجه ضغوط أرجوكم تنتبهون له…
انتهى الحديث هنا فربّت بتال بحركة خرجت عفوية على كتف عساف شاكرًا/ يعطيك العافية دكتور…
ثم ذهب مباشرة للغرفة….بينما ظل عساف واقفًا مكانه رافعًا حاجبًا…. هذا الرجل لم يعجبه…. شيء ما في داخله جعله لا يرتاح له…..
•على اللقاء شفت بعيونك نفور
وعلى المحبة انا مااسعى لها•
حوله الكثير من رجال العائلة….بدايةً بأكبرهم من بعده شقيقه نايف…نهايةً بأصغرهم راكان ابن نايف ذو السبع أعوام… يسكب له عزام فنجان قهوة/ سم يا عمي
أخذه ليرتشف رشفةً متحدثًا/ سم الله عدوك ياولدي…
ارتكئ عزام على جانب السرير…بينما قال نايف قلقًا على شقيقه/ خطاك السوء يااخوي…جعل عمرك مديد بالطاعه…
يبتسم ماجد بهدوء..هذا الاهتمام الذي يحيط به ضخّم في داخله امتنانًا وزاده قلقًا…فأن يهتم به الجميع شيء جميل مؤثر…ولكن هذا يعني….سيحزن عليه الكثير إذا رحل…قال بصوتٍ شاب كِبَرًا/ ياجعلك تسلم ياابو عزام…
قال راكان/ وين عمي سعود…ليه ماجاء….
يتحدث بتال عندما لاحظ تساؤل الجميع/ كلمني قبل نص ساعة وعلمته…يقول بيمر مكان ويجينا…
زفر ماجد تنهيدةً لم يلاحظها أحد…ماعساه المكان الذي سيمره….ماعساه الخطر الجديد الذي يحدق به من كل جانب….. يالهذه المهنة المحفوفة بمخاطر الموت… مخاطرًا لا نجاة منها….. أبدًا…
لم يلبثوا وقتًا حتى دخل المعني بالأمر وبصوت جهوري/ مساكم الله بالخير جميع…
ثم اخترق الصفوف ليقترب طابعًا قبلةً أعلى رأس ماجد….فشدّ ماجد على يده وبهدوء/ وش ذا….
انحنت عينيه للخدش على ظهر كفه…متى حصل عليه…لم يشعر بذلك….فقد اعتاد الإصابات…أنى لهذا الرجل أن ينتبه له…!! ابتسم قائلًا/ بسيطه ياابو جبر….
ارتفع رأس ماجد لتتلاقى عينيه به…بلمعةِ شوقٍ ورجاء مضنٍ/ جبر خليناه لك تجيبه…
لا زالت ابتسامته مرسومة على شفتيه…ليقول مازحًا بلطف/ تبشر بالخيير..بزعجك ماتنام الليل بصجة عيالي وعيال عيالي تربيهم انا ماني فاضي!!
بشفقةٍ حملتها نبرات صوته/ الله يرزقك الزوجه الصالحة ويمدك بالعمر الطويل لعيالك….وانا يسدني شوفتكم طيبين….غيره من هالدنيا زهدت به….
اشتدت يد سعود المتمسكة بيد أخيه قائلًا بإصرار/ العمر الطويل لك انت ان شاء الله….توك شباب ياابو جبر….
هز ماجد رأسه بهدوء دون إجابة….
بينما قال بتال مازحًا يلطف الجو الذي بدأ يضطرب/ ابو جبر وابو جبر وانا على الهامش يا سعود…!!
التفت له سعود/ ماتستحي انت تكلم عمك باسمه….
بتال يهمس لعزام بازدراء ونبرة عالية متعمدًا/ بينه وبيني ست سنين ويطالبني اقوله عم! بالله احد يصحي المتكبر من غفلته…
ليضحك نايف وعينيه على سعود الذي لم يراه لأسبوع بسبب مهمته التي كانت بدايتها في العاصمة…/ العلوم يا سعود….بشرنا عنك…
ابتسم له سعود بعد ان توعد ببتال…وباحترام تقدم يقبّل رأسه…متعذرًا انه حين يكون ماجد متعبًا ينسى الجميع…ليردف بعدها مجيبًا سؤال أخيه/ الحمدلله طيبين بفضل ربي…ابد وش علومكم انتم عسى ام عزام والعيال بخير….
تبادل هو وأخويه الحديث عن الحال والأحوال ويشاركهم راكان الصغير…
بينما مال بتال بجذعه لعزام هامسًا بخفوت/ انت تشوف عمك هذا….لا يسلم مثل الاوادم وفيه كبر كن مابشغله مثله…لا تقدير ولا احترام للحين مااصدق انه يعامل ابوي بهالتقدير…وهو برا هالغرفه مثل فرعون….
كتم عزام ضحكته ليرد/ الرجال يناظرك بطرف عينه….
بتال ساخرًا وهو يرمق سعود/ هذا وجهي ان ماكان سمعنا…ياولد يسمعك لو بينك وبينه سبعين متر….
ابتسم عزام/ اذكر الله يارجاال تحسد عمك!!
بينما اعتدل سعود رافعًا حاجبًا وهو يستأذن المغادره ليقترب ناحية بتال مبتسمًا بريبه…قبل ان يخنق عنقه بخفه دون الشد عليه….ودون انتباه أخويه من خلفه…فهما سيظنان ذلك جديًا…وهو لا يحب اخذ الامور مع بتال بجدية…. هامسًا بذات الابتسامة المرعبه التي ستسبب هلعًا لأي أحد غير بتال/ حبيبي يا بتال…. ولد اخوي اللي ما استغني عنه ابد….
ليرد بتال دون ان يرف له رمش مبتسمًا/
حاصلك واحد مثلي يا سعود…
افلته سعود وقد اختفت ابتسامته الباردة جدًا…. وهو يبتعد ساخرًا/ يرحمك الاسم اللي بعد اسمك يا ولد….
ثم غادر مثلما جاء…..
بشخصيةٍ غريبة ليست مفهومة بالنسبة لهم… سوى ذاك المتهكم الذي يزدريه… غير أنه لا يستغني عنه أبدًا فهو سندٌ ان فقده بُترت ذراعه..
«لاغيرتك الليالي يالرفيق القريب
ترا الليالي بغت فينا لكن ما قوت»
على مائدة الغداء يجلس أربعتهم….
لينا تشرع بالحديث بضيق/ خلصت اجازتي وببدا اداوم من بكره للاسف….
ماجد بلطف/ يعينك الله….
بتال بهدوء وهو يتناول طبقه/ الحين انتي ليه ماتدورين لك وظيفة ازين من هالمستشفى..صحيح ماانتي مع الاختلاط لكن لازال ماهي عاجبتني وقفتك والرياجيل يهرجونك….ياكثر الوظايف شوفي بنت عمي ماهي اختلاط ببنك….
بزفرة الا زال عند ذات الموضوع
رغم مضي فترة على توظفها….
بعقلانية/ يعني وش اسوي…رنيم شهادتها دخلتها البنك… انا من يوم تخرجت وانا اقدم على الوظايف لسى ماجاني قبول…عمري ٢٣ مرت سنه وانا عاطله…بعدين ايش سالفة الرياجيل يهرجونك هذي…. كله شغل بشغل….
بتال استغرق في لحظات صمت..
هي لن تفهم أبدًا
ماهو المفهوم المتشعب بعقول الرجال المرتبط بامـرأة ومسـتشفى….
يعلم انها محتشمة….
يعلم انها محل الثقة التي وضعها
هو وابيه فيها….
يعلم انها ترسم الحدود
في الدين قبل العادات…..
المشكلة ليست فيها….
المشكلة بالمجتمع نفسه….
«مثل فرق النجوم الباقيه . . والثريّا»
عاد عصرًا منهكاً لشقته التي استأجر… لا يرى أمامه سوى طيف النوم يحوم حوله يستجديه ان يمنحه من وقته القليل….
خيمت سحبٌ رمادية على مستوى رؤيته وهو يدخل الشقة أخيرًا….
تعثر بالعتبة فأطلق شتيمة منزعجة وهو يكمل دخوله…. دلف للغرفة التي تحوي سريرًا وخزانة ملابس فقط… هي حقًا شقة عزابية بامتياز… سقط على السرير مباشرة هائمًا على وجهه…. وهاتفه في جيب البنطال الذي يرتديه يرن ولا مجيب له…
استيقظ في آخر الليل وقد تمكن منه الضيق كيف يضيع الصلوات…. وفي كل مرة تفوته صلاة لا ينفك ضيقه أبدًا….وكم مرة وبخته والدته وبالمقابل تجعله يقوم بعمل يأخذ عليه أجرًا فيتصدق ويصلي السنن زيادةً على الفرائض…..
أدى ماعليه ثم أخذ هاتفه ووجد ست مكالمات فائتة من والدته فعض شفتيه بورطة….
كانت الساعة تشير للثانية ليلًا وهي تنام عادةً لكنه يعلم أن النوم لم يطرق عينها هذه الليلة…
فعساف لم يجب على مكالمات ليلى وهذه مصيبة…
اتصل عليها وردت سريعًا ولم تمنحه فرصة للحديث/ توك تصحى يا عساف!! من الظهر اتصل عليك وماترد كل هذا نوم….واكيد ضيعت الصلوات…
عساف وهو يعدّل ساعة يده/ حبيبتي يا نبع الحنان هدي الامور شوي….والله مو بيدي كنت مواصل وتعبان….
تنهدت…/ لا تتعذر…اللي مهتم بيقوم للصلاة…
حاول أن يرضيها بكلماته حتى رضت على مضض وهي تحاوره بالكثير عن وضعه هنا….
استمر بالحديث معها حتى نزل للاسفل ووقف عند سيارته يخرج مفتاحه…../ انتي صايمه اليوم…اليوم السبت ماهو الاثنين يمه…
تتحدث باستنكار/ والمسلم مايصوم الا الاثنين والخميس… اليوم صحيت مالي نفس بالاكل ونويتها صيام….
وضع المفتاح في مكانه وادار المحرك لتضيء أنوارها، اثناء ذلك لمحت عينيه ظل يركض…. وبلحظة سريعة لا يدري كيف ألهمه الله..ضبط الامان واقفل السيارة…..
وبالثواني نفسها كان يقف رجلٌ بجانب بابه ويضرب الزجاج بقوة جنونية….. وأعين حمراء وسط ظلمة الليل كأشعة ليزر تخترق الزجاج……
ادرك ان ما سيلي هذا لن يحمد عقباه فتمتم بهدوء حذر لوالدته/ يلا حبيبتي يمه انا بسكر الحين اكلمك بعدين….
بلطفها/ فمان الله ياروحي…
اغلق الخط والقى الهاتف سريعًا على المرتبة المجاوره…
والتفت للذي يضرب الزجاج ويصيح به بنبرةٍ ليست طبيعية/ افــــتـــح…..يــــا رجـــال مـــانــي مســـويلـك شــي بـس….افــــتـــح…
سمى بالله ثم اتسعت عينيه حينما هوى الرجل بصخرة اخذها من قارعة الطريق على النافذة ليضغط عساف على البنزين بسرعة متهورة عادلت جنون الذي حطم النافذة… وانتشرت الشظايا على وجهه ليغلق عينيه وهو يدعس المحرك ليسرع بسيارته هاربًا وقلبه يضرب طبول الرعب…..
فتح عينيه ودماء تسيل من جبينه وحاجبه الايسر وخدّه…
الهي هل نحن في فلم….هل هناك كاميرا خفيه….. كنت أعيش حياةً روتينية بين عملي ومنزلي وسهرات في الاستراحات كيف انقلب الامر لمنطقة بعيدة ومعاتيه في كل مكان…سيارتي تسير بسرعة ٩٠ كلم في وسط الاحياء… نعم انا مجنون وان لم أصبح مجنونًا بعد ما يحدث معي فلن أكون طبيعيًا….
حينما تأكد ان المعتوه الذي حطم نافذته لا يتبعه أطلق تنهيدة راحة….. من عساه ذاك….. سكير…مدمن… مختل….. مهما كان لا يمكن ان يكون بشريًا طبيعيًا هدأ من سرعته وهو يفكر كيف سيتعايش هنا سنةً كاملة…..
لــمــا لــا يفــهــمـونه…..
حــقــًا ســيُـــــجَـــن…
...
نقف هنا
«سـج القدم والله عليه التوافيق
ماضاقت الدنيا الوسيعه بـ اهلها»
متشوقة لمعرفة رأيكم عن البداية..
*****
فصول الرواية
المقدمة... أعلاه.
الفصل 1 و2
الفصل 3
الفصل 4
الفصل 5
الفصل 6
الفصل 7
الفصل 8ج1
الفصل 8ج2
الفصل 9ج1
الفصل 9ج2
الفصل 10 ج1 وج2 نفس الصفحه
الفصل 11 ج1
الفصل 11 ج2
الفصل 12
الفصل 13
الفصل 14
الفصل 15
الفصل 16
الفصل 17
الفصل 18
الفصل 19
الفصل 20








التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 14-03-24 الساعة 09:46 AM
الـميّادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-23, 01:09 AM   #2

زهراء ش

? العضوٌ??? » 377797
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,142
?  نُقآطِيْ » زهراء ش is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم. مقدمة جدا جميلة ومشوقة .تسلم اناملكي الذهبية .شكرا على الرواية الجميلة

زهراء ش غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-23, 03:09 AM   #3

الـميّادة

? العضوٌ??? » 514867
?  التسِجيلٌ » Oct 2023
? مشَارَ?اتْي » 235
?  نُقآطِيْ » الـميّادة is on a distinguished road
افتراضي رد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهراء ش مشاهدة المشاركة
السلام عليكم. مقدمة جدا جميلة ومشوقة .تسلم اناملكي الذهبية .شكرا على الرواية الجميلة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سعيدة لإشادتك الثمينة عزيزتي زهراء
قراءة ممتعة ????


الـميّادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-23, 04:59 AM   #4

الـميّادة

? العضوٌ??? » 514867
?  التسِجيلٌ » Oct 2023
? مشَارَ?اتْي » 235
?  نُقآطِيْ » الـميّادة is on a distinguished road
افتراضي .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالكم يا أحبة

سأقوم بتنزيل الفصلين الأول والثاني بعد قليل بإذن الله
ثم نبدأ بالاستمرار بالتنزيل كل يوم خميس من الأسبوع القادم ان شاء الله…
كونوا بالقرب
ودمتم بخير


الـميّادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-23, 05:26 AM   #5

الـميّادة

? العضوٌ??? » 514867
?  التسِجيلٌ » Oct 2023
? مشَارَ?اتْي » 235
?  نُقآطِيْ » الـميّادة is on a distinguished road
افتراضي .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صبحكم الله بالخير جميعًا…
أترككم الآن مع الفصل الأول والثاني…
قراءة ممتعة….




••••
جاء يشوف الحال كيفه
بعد ما هزه حنينه

وقبل يسألني سألته:
كيف حالك يالحبيب؟

قال: أنا كني غريبٍ
ضيّع دروب المدينة

قلت: أنا كني مدينة
تنتظر رجعة غريب

قال: أجل وش فيك تكره
سيرة الحب وسنينه؟

قلت: أجل وشلون مااكره
سيرته دامك تغيب


-فهد المساعد
••••




الفصل الأول
(نعناعٌ بلا سُكّر)


سبحان الله وبحمده.






في المركز الأمني….
داخل أحد الغرف الفسيحة، مكتبٌ عودي عليه بضع أوراق وملفات مصففة بتنظيم دقيق..
عتيدٌ يجلس على كرسيه الوثير بظهرٍ معتدل ويدين مشبوكتين ببعضها البعض، عينان حادتان وعقلٌ دائم التفكير كأرقام رياضية لا نهاية لها….
يقف أمامهُ مناشدٌ لا يفتأ عن المطالبة والإصرار
كما لو كان عجلةً تستمر بالدوران…

رفع عينيه الحادة لذلك الواقف يحاول إخفاء
غضبه ولكن تغلبه النبرة المرتفعة/
اسمح لي اشارك معكم بالمهمة….

ببرودٍ يجيبه/ لحد ما تركد عن أفعالك المتهورة والغير محسوبة راح تمنع من المشاركة بالمهمات..

بتال باستجداء/ هذا ماهو مبرر تمنعني عن مجالي…. قرارك تعسفي يا رئيس….

ينظر له بسخرية/ لا تعال اجلس مكاني وقرر انت…

بتال بضيق/ ماقصدت هالكلام…. محشوم وعلى العين والراس…. لكن رفضك مشاركتي بالمهمة لأني تمشكلت مع مخالفين للأنظمة غير عادل….

بجدية وصرامة/ وليه تظن إنه غير عادل…. انت متهور وانفعالي ويدك تتحكم فيك قبل عقلك… بعد كل هالصفات تظن اني بخليك تشارك بمهمة ملاحقة مطلوبين والمهمة تحتاج بال طويل وصبر ؟؟

بتال باشتعال في عينيه يرمق رئيسه/
انا بتال يا رئيس سعـود!

سعود بصرامة/ بتال عسكري يطيع اوامر سيده! وانا امنعك من المشاركة…..

لا رد سوى ان ضرب التحية…..
ثم تراجع وهو يخرج ويصفق الباب خلفه…
العسكري المتواجد في المكتب/
نحط عليه مراقبه ؟

سعود يصمت للحظات….
ثم يجيب بجمود/ لا… خلوه….. ان عاند يعرف نوع العقاب اللي ممكن يجيه…..

.
.
.
.


يسير بعد ان خرج ليسأله أحد زملاءه/ سيماهم في وجوههم…الاجابه واضحة…

بتال بغضب/ هذا سعود يلين الحجر وهو مايلين….

يقهقه زميله فيصل…./ قصدك رئيس سعود…. العلاقات تنتهي اول ماتدخل هالمبنى….

يصمت بتال وهما يكملان سيرهما
لبقية الزملاء……غاضب…. غاضب جدًا…..
فليس من المنطقي أن يُمنع من المهمة التي انتظروها لأسابيع……فقط لأنه ضبط بعض الشباب ولم يكتفي بإمساكهم بل وتعارك معهم…..

.
.

•وعلى ديار العاشقين منّي سَــلام•

.
.

يدخل الشقة ويصفع الباب بعنف بعد أن حكّم عقله ليعود أدراجه…. لن يصبح غبيًا وبمظهر جبانٍ أمام حجاب حتى لو عنى ذلك أن يبتلع المر والعلقم ويخرس….

فتح صنبور الماء وغسل يديه… أخرج من الكيس إسعافات أولية….نظف مكان الدماء بالمسحات الطبية ثم وضع اللصقات…

جلس على الأريكة مرخيًا رأسه بملل….لم يتناول شيئًا…مر بمحطة أثناء قدومه وصلى الفجر ثم أتى أخيرًا هنا….. وهل بقيت له شهية أصلًا…..
حجاب ليتك ترى حالتي وتدرك أن قرارك بحقي جائر…..


.
.
.
.


على غير العادة…
كانت متحمسة جدًا اليوم….
سعادةً بالتمام عائلتها
رغم ان هذا يحدث يوميًا
لكن اليوم مختلف….
اليوم والدها تعافى….
هذا بحد ذاته سعادة أخرى…..
فهو استيقظ نشيطًا….
سيعود لعمله….
تلك الخيوط التي تفككت
ستتشابك مجددًا..
والروتين الذي تبعثر سيلتئم….
وسيعود كل شيء لمحله…. !

احتفاءً بذلك أعدت مائدة ضخمة بها
ثلاثة أصناف فاخرة للغداء
مع المقبلات الأخرى…
يجلس اربعتهم على الأرض…..
كان هو اول من مد يده مسميًا بالله/ سموا بالله…..وتفضلوا

سمى جميعهم…..
حتى ورد التي راقبت حركة شفتي والدها لتفهم ماقاله…. فقد تكلم ببطء متعمدًا لأجلها…

بدأو الأكل بصمت…. ليكسره بتال مرحًا/ دام الدعوى كذا بدوخ بكره عشان هالدلع….من متى والاخت لينا تطبخ بهالنفس الزين….

لينا ترمقه بطرف عينها/ ايه اجحد بعد جهودي وافعالي….وانا ثلاث وجبات من غير القهوه والحلا مدلعتك فيهاا…..ومتحمله طلباتك الفضائيه اللي مافيه كائن طبيعي يسويهاا…

لم يتوقع هذا الهجوم ليدافع عن نفسه باسلوب يستفزها/ محد طلبك تتحملين بس انتي تحبين الشقا….اصلا ليه اخذه اجازه مقابله وجهي كل ماصحيت…انتي تنافسيني على اجازاتي ولا وش….هذاني رجعت اداوم يلا ارجعي!!

رفعت كلا حاجبيها…قالت بضحكة تقلب عليه الطاولة/ يالحسوود…..الحين بالعافية اخذت اجازه اريح راسي فيها من كرف الدوام ومستقعدلي فيها…

اتسعت عينيه…./ صرت انا الحسود…!!

أردف بنذالة/ خلاص احلمي بمكه

رمشت له بسخرية/ عندي ابوي ماني بحاجتك ياشييخ….الطلبة لا صارت منّه عفناهااا

يتجاهلها وهو يتناول من طبقه قبل ان يرفع رأسه لها بابتسامة سخرية/ لالا عفتيها مره وحده…حاصلك بتال يوديك….

ابتسم ماجد على شجارهما….
وتلك الصغيرة الصامتة الجالسة بجانب شقيقتها…تراقبهم وتكتفي بالابتسامة….. كم يحزن عليها……
ويفكر مليًا ماذا سيفعلون مستقبًلا…
هناك مدرسة ابتدائية للصم هنا….
ولكن مابعد ذلك لا يوجد….
ترى هل سيضطرون للانتقال….؟
تذكر مقولة احد اقاربهم…
جدد مواعيد الطفلة
فلربما يكتشفون شيئًا لا تعلمونه…
ماالذي قد يغير حقيقة انها صماء….
لما لا يصمت الناس عن التدخل
فاهل المبتلى اعلم بحاله….
وصممها ابتلاء
يختبرهم الله تعالى عليه…..
وسيجازيهم ان صبروا….
ثم ان ابنته ذكية فطنة…..
يكاد يجزم ان عقلها يزن عقل لينا…..
لكن من يقنع الذي يظن السكر ملحًا
أن طعمه حالٍ؟


.
.

بعد أسبوع

.
.


في سيارة العمل…..
يقف متكئًا عليها مراقبًا بتملل……
لو حافظ قليلًا على أعصابه ولم يدخل في مضاربة لكان مشاركًا في العملية الآن بدلًا من التلصص…..
فقط لماذا من بين الجميع يصبح عمه هو رئيسه….فهو صارم معه أشد من غيره…

تمتم ضجرًا/ سعود يا ليتني ماعرفتك

يعرف كل مخططات العملية ولكنه ينتظر قدوم الإشارة ليبدأ بالمطاردة…..
لحظات وتلمع عينيه بسيارة مسرعة بنور واحد صادر من الجهة اليمنى……
إنها ذات مواصفات السيارة……
وهي تفصل عنه بشارع واحد…..
اتسعت ابتسامته وعينيه تشتعلان حماسة…
وكعادته يده تحكم عقله غافلًا عن عاقبة ترك الحكمة….

لا بأس يا سعود منعتني وأنا تحت إمرتك
لكنك لن تستطيع منع ابن أخيك…


.
.

«أأعتذرُ، عنِ القلبِ الذي ماتَ، وحَلَّ مَحَلّهُ حَجَرُ».
.


يدخل للشقة يحمل أكياس العشاء المتأخر…
تمعن النظر في شقته….
أثاثٌ قديم بالٍ، تكييف ضعيف، يكاد يقسم أنها منذ بنيت لم ترمم ولم يحدّث أي تصميم فيها، في اليوم الثاني له طلب عمال ليقوموا بتنظيفها كاملةً فهو لن يطيق البقاء في مكانٍ مملوء بالغبار….
صغيرة بحجم جناحه في قصر عائلته….

آه…. يال ذكراكِ يا غرفتي…. ربما تكونين المكان الوحيد الذي اشتقتُ له من بين كل شيء آخر…
فأنتِ الحضن بعد يومِ عمل شاق….
وأنتِ السُـكـنـى والمواساةُ والمـــأوى…

تنهد وهو يجلس على الأريكة
القى هاتفه وسمى بالله ليأكل…
لاحقًا شعر بالنعاس فقرر أن يمنح نفسه الراحة بعد يوم عمل طويل….
عندما غفى لساعة فقط فتح عينيه مفجوعًا من المكالمة التي فجرت أذنيه وتكاد تحطم حوائط الشقة….
التقط الهاتف متبعثرًا وسط كومة حاجياته الغير مرتبة حتى الان/ الوو….

اصوات وضجيج/ عندنا حااله طارئه ونحتااجك…. الطبيب المناوب داخل غرفة العمليات…..

سأل بغباء لحظي/ وش يسوي هناك…..

قبل ان يستوعب سؤاله ليقول مردفًا/ خلاص خلاص جايكم….

بعد لحظات أوقف سيارته وانتبه للضجيج والفوضى….. وسيارات أمنية تزدحم حول البوابة….. وكادر العسكر يخرج ويدخل من بوابة الطوارئ هل حدث شيء…..
تقدم سريعًا ليتلقفه رجل ذا هيبة وهو يشده/ انت الدكتور…..

يتقدم عساف بجدية/ ايه… وين الحاله….

دخل لقسم الطوارئ وكانت الفوضى…..
انتبه للرجل ببدلته العسكرية المستلقي على السرير…… وحوله ممرضين….
لم ينظر لوجهه…. ولم ينتبه سوى للقدم المصابة….

تجاوزهم ليسأل بحزم/ واحد منكم يشخص الحالة عالسريع…..

الممرض/ اصابة عيار ناري بالساق قريب من الشريان الفخذي….المريض فاقد للوعي والضغط منخفض جدًا…قدرنا نوقف النزيف لكن فقد كثير من الدم ويحتاج عملية عاجلة لإخراج الرصاصة وتزويده بدم…وحاليًا الوقت تأخر ودكاترة الجراحة غير متواجدين….

بتوتر فالحالة طارئة/ قدامي لغرفة العمليات الان….وانت تعال جنبي تعطيني الادوات…

وكان يعني الممرض المشرف على الحالة…
انتهى من إخراج الرصاصة ثم قال عساف بعد لحظات لاحد الممرضين عنده/ نحتاج دم….اطلب منهم دم عاجل بسرعه….

هرع الممرض خارجًا….
بينما ظل عساف في الغرفة
وهو يراقب معدل النبض…..
عاد الممرض بعد لحظات/ فيه متبرع….

عساف بفقد اعصاب/ خله يدخل اخلص

بدأ النقل فعاد عساف يحدّث المتبرع بهدوء/ اذا حسيت باي اعراض خبرنا….الممرضة موجودة تفحص الضغط والنبض عندك….

يشير له بهدوء مشابه/ انا بخير… اهم شي تنقلون دم يكفيه….

يطمئنه عساف/ حالته مستقره….تطمن….

زفر سعود بهدوء……
وصمت….
سيظل ابن أخيه متهورًا على خصامٍ مع العقلانية…
لقد أصيب نتيجة تسرعه في تلك المطاردة….

أخبرتك مرارًا يا بتال أن عيني الثاقبة لا تخطئ
وهذه المطاردة لم يكن لك دور فيها
لكنك تظل عنيدًا تسير على أهواءك ناسفًا كل توجيهات المنطق والحكمة وإشارات الحياة عرض الحائـــط…


.
.

«راح العمر مابين روحة وجيّة
ياكثر غلطاتي ولانيب هايـب»

.
.


بعيدٌ متقارب….
في قلبِ نجد….
الريّاض…!


هناك حيث كوامن الأنفس العدة…..
البعض الساهر على كتب دراسية….
والبعض على تكنولوجيا العصـر….
والبعض في جلساتٍ عائلية دافئة
تعانقها أجواء المكيفات الباردة….


وآخر….
لا يسهر الا على الأوراق المعقدة
والكراسي الوثيرة المريحة…..

وعقله يظل مشغولًا
بضجيج يسمى تفكير!!

يرتشف من كوب قهوته السوداء……
نظارته التي يرتديها وقت العمل…..

بين أنامله خاتم فضة يزين خنصرهاا….
وعينيه تجولان بالورقة التي يقرأها بتركيز….

قطب جبينه لثوانٍ…..
قبل ان ينزل الورقة
على المكتب العودي الفسيح……
في جناح غرفتـه الضخـم….

تبعثر بعض الأوراق هنا وهناك….
تنتظر توقيعه وتدقيقه الخاص…

ملفات متراصة ضخمة…..
حاوية أقلام أنيقة….

دفتر شيكات يزين جانب المكتب…..
عطر بدهن العود الخالص
يتألق بتواجده وسط كومة العمل الثقيل….
فهو عاشق للعطور وتحديدًا الشرقي منها….

استرخى فـراس بكتفيه المتصلبان للحظات
فما قرأه لم يعجبه…..
لماذا تريد هذه العائلة
الدخول بمعركة خاسرة……
لماذا هي تحديدًا……
ليس من يهاب أحدًا ولكن…..
الم يتعلموا من خسارات غيرهم……

من يتجرأ منافسة السامي في عرينها!!
فكيف بهم….
اللذين دخلوا للعرين
ويعرفون جيدًا
كيف يَفترِس ولا يُفتَرَس…..

منافسون جدد على الساحة ويبدو أنهم مستعدون لبدء معركةٍ حامية مغايرة!!

ولكن هيهات هيهات……

كل هذا من تحت الرأس الصغير
الذي خرج للتو من البيضة……

يا طفل…..
مهلك إنك تجلب الدمار لعائلتك…. !!


.
.

•مَن علّمَك، أن الهوى رهنٌ؟•

.
.


أضاءت أنوار المطبخ القابع في ظلمته….
تسير بخفّي المنزل الناعمين وتخرج "مُق"…
أشعلت النار فانارت السنة اللهب الزرقاء
عينيها الحالكتين….
لتعكس الصفاء المختلط
بشيء من عتمة…..
سكبت الماء….
انتظرته يغلي وهي تخرج من الثلاجة وريقات تحمل رائحة زكية تعشقها….
غسلت النعناع جيدًا ثم وضعته على الماء الذي بدأ بالفوران…
لمحت العلب المصفوفة بجانب بعضها ولإحداها تحديدًا كان مكتوبٌ عليها بورقة لاصقة "سكر"…
وتلقائيًا سحبتها الذكريات لحوارٍ خلّدته ذاكرتها..

• يا امك مايصير تكثرين من الحلا…يتعب جسمك بعدين…
• عادي…..انا حلوه وازيد نفسي حلا…..
• حلوه واحلى من القمر…بس ولو…يجيك السكر بعدين…..اخاف عليك انا….

مسحت بطرف كمها الطويل دمعة خائنة….دمعة هاربة من حصنها المنيع…. لم أعد أضع سكرًا يا أمي منذ ثماني سنوات فطعمه المر بات ألذ من الحلو….كمرارة الذكريات العالقة في عقلي…
آه….
أما آن التوقف عن كلمة ذكريات……

سكبت النعناع في كوبٍ أحاط دفئه يديها…
تسير بخطوات هادئة لجلسة الحوش…
وشيء يجثم على صدرها كجبل…..
شعور أشبه بمسامير تدق حنايا قلبها…
جلست وأخذت ترتشف من كوب النعناع خاصتها……. تتأمل لمعان النجوم…..
تعد الثريا…. وتغزو السماء بحثًا عن الجوزاء…..
وتلاحظ شهابًا يمر لتتمتم بأذكارٍ أولها الله أكبر……
أصوات الشارع حولها…..السكون….
والذي يقطعه نباح الكلاب تارة…
وضجيج السيارات تارة اخرى…..
والمفحطين منها بالذات….
دفء الكوب الحار يصل كذبذبات لأطراف جسدها….. قشعريرة سرت بهبوب نسيم بارد للحظات…. ثم استقرّ الجو فجأة!!
عادت لها ذات النغزة التي جاءتها
حين تعب والدها…….

بتال أيها الأخ جلّاب المصائب….
أرجوك لا تفجعني يومًا بنتاج تهورك……
حقًا….بدأت تخاف….التقطت هاتفها…
بتمتمة/ يارب سترك…..يارب سترك…..

اتصلت على رقمه……
لحظات طويلة مرت…..
لا مجيب…
و….انقطع الخط….
ازداد خوفها….
وارتجفت شفتيها…..
بتال ولو كان ساهرًا ليومين
واتصلت يرد عليها….
بتال لم يضع هاتفه على الصامت
مرة واحدة في حياته……
لماذا لا يجيب….
وكأن الشكوك تغرز أشواكها
في قلب الحقيقة……
وقلقها يتصاعد…..
لتتصل مجددًا…
رنة….. اثنتان….. ثلاثًا…..

واجاب اخيرًا……


كلا…..


ليس بـتـال…..



هذا صوت لا تعرفه….

صوت رجل ثقيل…..

يبدو متعبًا…..

ومرهقًا…….

وهادئًا جدًا كأنه لم ينفعل في حياته قط….

وتيرة أشبه بلحنٍ
يشابه الحان هذا الليل الهادئ…….

ينطق…….

بشيء من تساؤل/ الو…حضرتك مين معي……

لم يجد ردًا
ليردف بنفس الهدوء
والاسم الذي عبارة عن ايموجيات…
لم يساعده….بمعرفة هوية المتصل…

عساف باستفهام/ مرحبا….. فيه احد على الخط؟

.
.

خرج صـوتها….
مـبـعـثــرًا…..
مـشــتتًــا……
مــذعــورًا من أفكار تغزو الحصون…..
رقيقًا بالكاد تصطف في جوانبه الكلمات…
كأهزوجة تراجيدية فر منها الفرح……
وألحان العبرات تأتي
تعلن انهزام مستعمرة لـينـا العتيدة……./

بــتـــال……بــتــــال اخـــوي ويــنه ؟


.
.

«أحزاني تكذب يا قلبي 
ما عدت أصدق أحزاني
ما أقسى أن يولد أمل 
ويموت بيأس الأحزان»


.
.

بعد أن انتهى من نقل الدم واطمئن على حالة ابن أخيه هاهو يدخل المقر بهدوءه الذي يلفّه بهالة من الوقار والهيبة….

يقابل زميله متعب وبتمتمة بينهما يبدأها الأخير/ كلمني الرئيس….

سعود ينظر مستفهمًا… ليردف متعب بهدوء/ اللي مسكناهم تم التأكيد انهم اخر الهاربين…. انتهينا من العصابة…..

ثم يعقّب مبتسمًا/ واقتلعنا الجذور الخربانه من ساسها وضمنا ما فيه ثمار مسمومه!

لحظات لم تبد تعابير على وجه سعود….. لتتغير فقط عندما انفردا حاجبيه المعقودان….. قائلًا/ الحمدلله…. هذا من فضل ربي… ثم جهود رجالنا اللي ماقصروا….. رح علم الفرقة خلهم يفرحون….

متعب بعد صمت لحظات/ بس هذا اللي عندك؟

يرمقه بنظرة استفهامية… ليرفع متعب حاجبيه باندهاش وهو يضربه على كتفه/ يارجال وش بك…. شوي ردة فعل… سعود عقلك ضارب بشيء….!

يرمقه سعود للحظات قبل ان يبتسم بخفة/ معودك انا على ردات الفعل؟

يبتعد متعب بسخرية رافعًا يديه باستسلام/
لا ابد طال عمرك نسيت انك معودني على ثقالة الدم…

يبتسم سعود قبل ان تختفي ابتسامته منقلبة للجدية وهو يستدير خارجًا….
عقله مشغول حاليًا….
والمزاح لا يناسب ضجيج أفكاره….
فهناك قضية ملتفة بالغموض لا تريحه….

يوقفه متعب بنبرة مرتفعة نوعا ما/

عـلـى ويـن…!

يلتفت سعود وبسخرية/
لــيــه مـرتـي انــت !؟

يضحك متعب بقهقهة
ليغادر سعود المكان…..


.
.

«مقـدينٍ في ظِلٍّ هَزَمكـم •لحــالـه•»

.
.



دخل عساف المصعد ويديه مشغولتان بفتح الملف…وقعت عينيه على البيانات يقرأها…..بتال ماجد جبر العياث….. أصيب في مطارده…..
وفي الاسفل بيانات الاصابة والتشخيص…
قلب صفحة اخرى وهو ينتبه لانفتاح المصعد… يسير خارجًا ببطء وعينيه على صلة القرابة بين المتبرع والمريض….
عم وابن أخيه…..
أغلق الملف وهو يدخل للغرفة المعنية…
يسير عبر الرواق ويمينه الستائر المغلقة حيث أربعة أسرة في هذه الغرفة….
مشى لآخر سرير كان ستاره مكشوفًا..
جلس على كرسي وتأمل النائم والموصول بجهاز تخطيط القلب… لم يدقق على ملامحه بعد….
وضع الملف على الطاولة الصغيرة بجانب السرير…. انتبه لاضاءة شيء عبر الدُرج التابع للطاولة….
فتحها فوقعت عينيه على اهتزاز هاتف من نوع متواضع…
سحب الهاتف واعتدل واقفًا….
ربما والدته….
قلقت عليه…
سيرد ويريحها…..
ابتعد عن الستائر واقترب للنافذة…..
نظر للاسم بين شقوق الشاشة… فعقد حاجبيه….
هنا ايموجيات….
وعشوائية…
وغير مفهومة…
قلب أسود…
هل سيضع قلبًا كهذا لأُمِّــه…!
ثم…. عينان….؟
بأي دماغ يفكر هذا القابع على سريره..!

أجاب بعد الرنة الثالثة….
واضعًا الهاتف على أذنه…..
بصوتٍ هادئ…. خافت…. يصل كذبذبات/
الو… حضرتك مين معي…..

لــا رد……

راودته شكوك حول الهوية
التي جفلت عن التصريح بنفسها…..!
فالأم القلقة ستكون مندفعة تسأل أين ابنها… وماذا يفعل الهاتف في يد غيره…

ليردف….. بشيء من تعجب/
مرحبا….. فيه احد على الخط….؟


.
.


امـــرأه……
صوتٌ مرتجف……

صوتٌ يميز عساف جيدًا تردداته الباكية….
صوت……. كانت أُلفته أشد من الاسم
الذي يعتصر عقله كي يتذكر أين قرأه !


صـوتهـا المتبعثر وهي تنطق…./
بــتـــال……بــتــــال اخـــوي ويــنه ؟


.
.
«يا نفسُ مالك والانين
تتألَّمين وتُؤلمين
والقلبُ وا أسفي عليه
كالطِفلِ يَبسط لي يَدَيه
هلا مدَدتِ يداً اليه
كالأمَّهاتِ إلى البنين»

.
.



كـان دوره في عدم الرد……
دوره في الصمت لحظات……
لحـظاتٌ لحظاتٌ فحسب……
فامرأة تبكي عبر مكالمة هو احد اطرافها شيء جديد…
في قاموسه الطبي الذي عاصر شتى الأحداث….
وفي كيانه الاجتماعي شيء جديد!

هو فقط……
شعر ان الصوت….
وعلاقته بالاسم مألوفة…
ولــكــن…..
هــل ســيتذكـر هذه العلاقة……
هل سيـتذكـر التي كانت تحادث أبيها
وتبكي في حجره…..
هل سيتذكر ذات العينان الدعجاء المتسعة… كظلام الليل الذي يتأمله الان…
بنظرة خائفة… حادة…. مذهولة
رمـــقـــتـــه بـــهـــا…!
هـــل……
يــهـــمــه الأمــــر حـــــتـى ؟


.
.

عساف….. بهدوء وتقطيب جبين/
أنتي اخت بتال العياث…؟

تتحدث بتشتت/ مين معي…. مين انت…. ليه ترد على جوال بتال… ويـن بتـال…..!

رد على المرأة متجهًا للخارج/ معليش أختي… انا طبيب وعالجت اخوك….حاليًا هو بخير وحالته مستقره….

أغمض عينيه بضيق عندما سمع شهقتها العالية وهي تهاجمه بأسئلة استفهامية جمّا….
قال يهدئ انهيارًا وهو الذي يحتاج تهدئه…يا الله لم أنم إلا ساعة فليرفقوا بي…!
عساف بمهنية/ يا اختي الله يهديك حالته كويسه والله…. اذا اصبح الصبح تعالي وزوريه….

أغمضت لينا عينيها…….
ثم فتحتهما والدموع لا زالت تنهمر……
إذا أصـبـح الصـبـح يا طـبـيب أنا أموت…
إذا كنت سأبقى كل هذا الوقت على لهيب الانتظار سأحـترق…..
أتقـول لـي أن أخـي بـخـير..؟
لماذا إذن روحـي تضيق علي أشدَّ من ضيقِ سمِّ إبرة… لـمـاذا حبال قلبي تتمزق…..

أغلق الخط وعاد للداخل مقتربًا من بتال….. أعاد هاتفه لمكانه…
ثم خرج…


.
.

«لم يبقى عندي ما يَبْتَزُّهُ الأَلَمُ»

.
.

يرمي الجرائد بغضب ساحق/
مين اللي يتجرأ يشوه سمعتنا كذا……
يلعبون على مين هم….

فراس يشاهد غضب والده بهدوء ظاهري….
فهو لا يخرج غضبه…
كتلة جليد متحركة تضمر النيران….
وعينيه على أخبار الجريدة والتي تذكر سوء السامي وكيفية احتكارهم الأراضي…..

بنبرة باردة/ مافيه الا ***** اللي داخلين مجالنا منافسين لنا…

حجاب بحنكة خبير/ ماهو بس هم….**** فيه احد ثاني يدعمهم….هم تجار مالهم وقت بالسوق وهذا ممول مساعدهم على مواجهتنا ويبي يدمرنا….

بابتسامة شر مطلق/ اجل ابشر باللي ينطّق الحية من جحرها…


.
.

«تَنَسّــل كــنـها أنيـابـه»

.
.


تقدم عساف ليراقب ملامح بتال النائم حتى الان بفعل المخدر…لم تمر سوى بضع ساعات على العملية… وإصابته بليغة وقد فقد الكثير من الدماء….
ارتفعت عينيه لجهاز تخطيط القلب وكانت حالته طبيعية…. استدار عندما لاحظ رجلًا يدخل ومن خلفه امرأة..
تراجع للخلف ينوي المغادرة…
لكنه قال كتنبيه/ انتم اهل المريض؟

يجيب نايف/ ايه ياولدي انا عمه…وهذي اخته….

عساف دون النظر لها قال بجدية/ المريض لازال نايم نتيجة التخدير الافضل لو تجون الصباح بيكون قد صحى ان شاء الله….

بشكل عفوي قبل ان يغادر وقعت عينيه على لينا وهي تقترب من بتال….
تساءل هل هي ذاتها التي كلمها!…..
الم تستطع الصبر للصباح…
ثم كيف سمحوا لهم بالزيارة…!

توقف في مكانه وهو يراقبها….
كانت يديها ترتعش…..
لاحظ يدها التي على قلبها كمن تحاول جلب شيء ما….
مهلًا…هل تحاول التنفس..؟
يد نايف على كتفها يهدئها/ بسيطه يابنيتي…

لكنها….. بدت بعالم آخر ولا تستمع له…
اتسعت عينيه عندما انتبه لرعشة يديها الواضحة….. والتي تشد باكمام العباءة عليها…. اختل توازن لينا وهي تشعر أن الرؤية بدت ضبابية… تراجعت بخطواتها وهي بالكاد تلتقط أنفاسها لتصطدم حافة قدمها بطرف عجلة الستارة…وبسرعة قام عساف بتدخلٍ طبي وهو يتجاوز نايف الواقف بذهول من حالة ابنة أخيه المفاجئة… ليتلقف لينا من كتفيها ويشدها قبل ان تسقط….
تمتم بعجلة/ خوذي نفس….. خوذي نفس عميق…..


.
.


.
.



كانت تشهق شهقات متفرقة… فصرّ عساف على أسنانه ليجلسها على جانب السرير….. انحنى وقال بنبرة هادئة/ خوذي نفس عميق….اللي فيك نوبة هلع….معليك…كل شيء بيمر…

ترتجف يديها وهي تشرح بكلمات متقطعة/ بـ…ـموت…..مـا…اتـنفـ..ـس… ..

سحب نقابها بلا تفكير وهو يقول بنبرة آمرة/ خوذي نفس عميق…..
تهز رأسها نفيًا لتنفجر باكية وهي تستمر بالشهيق مكررة أنها ستموت
ويدها ترتجف بشكل مفرط….
ليتقدم نايف بصدمة/ وش فيها….

عساف يقطع سبيل النقاش/ نوبة هلع….كل شيء تمام….

ثم أردف يحدثها بهدوء تام وهو ينظر لعينيها/ اختي هدي نفسك….انتي بخير….

يشد يديها التي تضمها لنفسها…ليقول لها عساف/ ناظريني…كل شيء تمام…انتي خوذي نفس عميق الحين…تنفسي…

تفتح فمها بحثًا عن اي ذرة هواء…. ليقول مشجعًا رغم انها لا تتنفس بالطريقة الصحيحة/ ايه تنفسي…عادي الموضوع طبيعي لا تخافين….شوفي عمك معك…انتي بخير وماراح يجيك شيء….شهيق…..زفير…يلا معي…..

بدأت تتحكم بالتنفس…..وهي تستمع لصوته الذي يملي عليها التعليمات….
توقف بكاءها اخيرًا…لتقول بنبرة متقطعة/ بـ..ـتتـ..ال….

يبتسم مطمئنًا/ بتال بخير…لو تبين نصحيه لك عشان يطمنك….اصلا يكفيه نوم خلاص…

شد يديها وهو يراقب معدل تنفسها الذي ينتظم تدريجيًا….. بدأت تهدأ وتخف رجفتها…اعتدل واقفًا بعد ان كان نصف جالس…أفلت يديها بهدوء ثم استدار لعمها الواقف بخوف ولكن سلّم التصرف للطبيب الذي بالتأكيد أمهر منه في هذه الحالات…..

عساف/ بعد خمس دقايق احتاجك برا لو سمحت..

ثم استدار للينا الجالسة وهي تتنفس بعمق وتبدو شاردة جدًا…. تأملها بأعين طبيب… هذه ليست أول نوبة هلع….
لقد كادت تفقد السيطرة على نفسها…
وهذا يعني تكرر الصدمة….
هل هذا ناتج خوف…. او حدث سابق مقارب لما تمر به الآن أعاد لها ذات المشاعر…لا بأس سيعرف من عمها…ويتأكد من تاريخ العائلة إن كانت واجهت مسببات صدمة من قبل….

استأذن بالخروج عندما اطمأن حقًا أنها هدأت تمامًا وغادرتها النوبة…..

خرج من الغرفة بينما اقترب نايف ووضع يده على رأس لينا بشفقة لحالها…ثم بدأ يقرأ عليها آيات قرآنية…ويحصنها بالأذكار…وعينيها تنظر للفراغ بشرود وذاكرتها تعود لرجلٍ يقف امام غرفة العمليات ينتظر خروج زوجته مع وليدتها…
فيخرج الطبيب ويخبره بكل برود غير مراعٍ للشاب والمراهقة الواقفين جواره أن الزوجة “توفيت”….


.
.

•أنساك يوم وأتذكرك طول العمر•

.
.



يغلق الباب خلفه بعد أن منحها فرصة الاختلاء بأخيها لوحدها….
وجد ذلك الطبيب ينتظره….
تقدم نحوه عساف قائلًا/
اسمح لي ياعم بس بسألك….هذي اول مرة تجيها النوبة؟

نايف بقلق/ والله مدري يا ولدي…هذي اول مرة تجيها عندي….

بتفهم/ طيب تعرف وش ممكن الاسباب اللي خلتها تجيها….

بأسى/ مدري يابوك مدري…

…./ يعني حدث معين غير بشخصيتها مثلًا….وفاة او تنمر وكذا يعني….

…/ الا فيه ياولدي…مااخبر الا يوم ماتت امها وهي تجيب اختها….والبنية صغيره وقتها ماهي كل هالحِمل….

هز رأسه بتفهم قد يكون هذا جذر الموضوع…..
علق قائلًا/ مشكور ياعم واعذرني كلفت عليك…

…/ ابد لا كلافه ولا شيء…..

لاحقًا يقف نايف يتحدث مع ابنه الذي قال/
ماسمحوا لكم تدخلون لو ماقلت لهم انكم اهلي…بس الانظمة مافيه مرافق ممنوع…. خلها ترجع….

نايف بتنهيدة/ ياولدي خلها البنت ضعيفه…تعبت علينا فجأه واشوى الدكتور كان موجود…

عزام يعقد حاجبيه/ تعبت؟ وش صار فيها!

نايف بضيق شديد/ يقول فيها نوبة هلع..سببت لها ضيق تنفس…بس الحين هدت الحمدلله….سألني اذا جتها قبل وانا مدري هذي اول مره تجيها قدامي….

ثم أردف/ خلها تبقى عند اخوها ماهو ضار….

عزام بعقلانية/ يبه عمي مادرا للحين…اذا رجع من المسجد ومالقاها وش بتقول له…وبعد لا تنسى ورد اكيد بتصحي وتفقدهاا…

…../ بخلي رنيم تروح لورد تجهزها…وانا بوديها لمدرستها….وماجد خله علي انا اعلمه….لا تفجعونه…وحالة بتال زينه بس ننتظره يصحى….

انتهى النقاش عند هذا الحد ليغادر نايف..
بينما ظل عزام واقفًا وهو يتذكر كيف أخبروه زملاءه المناوبين الليلة الماضية عن ابن عمه الذي دخل المستشفى مصابًا…
فقد كان في اجازة البارحة…..

.
.

«يا غائبًا عنِّي وطيفُكَ ها هُنا
هلّا أتيتَ لِنُصرةِ المُشتاقِ ؟»

.
.


كانت على هاتفها وهي تتأمل أخيها…
لم ترغب أبدًا ان تأتيها النوبة أمام احد…
وتحديدًا عمها…..
سيظن الان انها مريضة…..
او بها خطب ما….

وكل مافي الأمر أنها مصابة بنوبات هلع تأتي في اوقات متفرقة…. لكنها تعود طبيعية عندما تنتهي النوبة، هي رفيقتها منذ ثماني سنوات واعتادت على معاناة قدومها، تمامًا كما يعتاد الاجتماعي على العزلة.

انتبهت له استيقظ…تركت هاتفها واتجهت نحوه بقلق/ بتال صحيت! تحس بألم انادي الدكتور؟

يرمقها للحظات…ليقول متهكمًا/ ناس تصحى على ابتسامات حلوه وناس تصحى بوجههم لينا….

لم تكن رائقة لمزاحه أبدًا…..
فتجمعت بعينيها الدموع…..
ليقول بتال بابتسامة وهو يرفع ذراعه بوهن/ تعالي يا ام دميعه….. افااا…..

احتضن رأسها وهي تدفنه بجانب كتفه…. باكية بصمت سوى شهقات مسموعة…..

بعد وقت ابتعدت وهي تمسح طرف دموعها…. والنقاب قد تبلل كاملًا….
تمتمت بضيق/ اوف نقابي صار مويا…..

بتال ساخرًا/ دموعك تعبي بركه مايحتاج وايت…

تجاهلت تعليقه وهي تقول/ بروح اعدل نقابي….

غادرت ولم تنتظر رده…..
لتأتي بعد لحظات برفقة الممرضة…
التي قالت أن الطبيب غادر لمنزله وعليهم انتظاره ليكشف عليه ويقرر ان كان يحتاج للخروج ام لا…..اما حالته الان مستقرة….

بتال يستند بظهره على السرير…ويقول بانزعاج/ يعني بتحرا دكتورهم لين يفلل نوم ثم يجيني يسمح لي اطلع…..

لينا بدهشة/ وانت تفكر تطلع…بتبقى هنا لين تتشافى رجلك…فاهم….

بتال يرمقها بلا مبالاه/ انتظريني يابنت ماجد…

ثم أردف متلفتًا/ وين جوالي…عطيني اياه بكلم….

بحثت عنه ووجدته في الأدراج….
وجد بتال الكثير من المكالمات الفائتة، تجاهلها جميعها ونقر على احدهم في قائمة المفضلة رن كثيرًا ولا مجيب… علق بملل/ ياليلك ياسعود…

ترك هاتفه بينما غادرت لينا عندما جاءها عمها برفقة والدها واخبروها ان اصدقاء بتال وجماعته سيأتون لزيارته…

.
.

دخلت للمنزل واراحت رأسها من الطرحة والنقاب…اتصلت على رنيم كي تجلب لها ورد فهي لن تبقيها عندهم وقت أطول وقد عادت…

جهزت لها قهوة مهيلة شقراء كما يمليه عليها صداعها لعدم نومها ومزاجها المتقلب….
اخرجت صينية حلا متبقية من طبق أعدته سابقًا…

انتبهت لرسالة من رنيم/
"افتحي الباب عزام جاء"

نهضت وسحبت جلال الصلاة…خرجت للحوش ثم فتحت طرف الباب…سمعت صوت باب السيارة يفتح ثم يغلق وهاهي ورد تركض للداخل….
اغلقت الباب ثم التفتت لها وفتحت ذراعيها بابتسامة فاحتضنتها ورد وشدت عليها بقوة كمن خافت فقدانها….

بعد ان تركت شقيقتها مع العابها كانت تتصفح هاتفها وتسكب بفنجالها المزخرف بعدة نقوش قهوتها….دخلت على حسابها العام في تويتر….
باسمها الثنائي المختصر…
لــيــنا مــاجـد…..
تنظر للردود على إحدى تغريداتها….
وإشعار بإضافة حديثة…
تجاهلت ذلك وغردت بتغريدة جديدة…..
باقتباس شعري….
فهي تحب اقتباس الأشعار من شتى
الأماكن والمواقع والكتب…
وهذا الاقتباس يعني لها الكثير…
كانت للشاعر الأمير
سعود بن محمد ال سعود…
"فرقـى جـرت لي ماجرت للمحبين
فرقـى كما روح تفـارق جســدها"


.
.

•فـرقـاك دمع، والدمع ماينـحكـى به!•

.
.

رمى هاتفه بعد مكالمة عقيمة لم يرتجى منها نفع وعائدها كان عقوق فقط….
رباه يا حجاب هل آخر ماتبقى هو أن تجمد حساباتي لتبقيني على منال راتب آخر الشهر !!

يتذكر جيدًا جملته: "خلك رجال واعتمد على نفسك الحياة ماهي دايمة لك مره لك مره عليك… ابيك تحس بالمسؤولية يوم تصير بمكان لحالك وتصرف بحرص ان الريال ماوراه ريال وان افعالك انت مسؤول عنها محد بيجي ويقول ولد حجاب نغطي عنه ولا نمشيله"

يا الله….
أهذا ما تريده أن يحدث حقًا……
رجل..! مسؤولية..! حـرص..!
في أي الحوائط ضربت بالمنطق
يا أبـا عساف……
أنــا ســامـيك الذي وُلِد ليشـبـهك….
لست فراس العـاقل المطيع….
ولا سلطان المعتزل بنفسه…..
لست ليلـى المسالمة الطيّـبة…..
ولسـت أبيكَ المكـافـح…..
أنــا عـسـاف……
أنــا الخط الرفيع بين الجور والعدل….
الحد الفـاصـل بين السويّ وذي العِوَج…!

إن كـنـتَ أنـت من أســرةٍ عصامـية نشـأت فيـها عصــاميــًا فأنـا لســت كـذلـك…
أنـا ثريٌ وُلِد بملعقة ذهبية….
مـهـما كــنّا متشابـهـان بالعقــول الصـلبة
فبين خبراتنـا أضـداد المرادفـات…..
خـبرتك… تـاجـر… عصـامي… جـاد…
وخبرتـي… طـبـيب… مُـترَف… مستهتر…!

ولكــنّـي الضــلع من الجـسـد….
أنــا أنــت…
والأشباه مثل أقطاب المغناطيس
في تـنـافر !

إن كنتَ يا كبير السامي بعقلٍ من صخرة
لا تتزحزح أمام العواصف…..
فإن صغيرها بعقلٍ رملي…
إن حاولت جمعه أعماك وتبعثر…

لـا يمكن لريحٍ عاتـيـة أن تجبـر الجبال على الانكسار….. برغم أن كلاهما قوي !

هكذا هي زوبعة يحدثها تضاربٌ
بين عقليتين من نوع صلب…..
عقليتيّ مركبات بروابط تساهمية
يستحيل فكاكها…
روابطًا مشبعة بالسالبية..


كان رد عساف جملة باردة/

خلني على يمناك يا ابو عساف….
حطني ذراعــك….
بس تراك انت اللي بتبـتر ذراعــي!!




.
.
نقف هنا
.
.

••
«أحزاني تكذب يا قلبي

ما عدت أصدق أحزاني 

قالت: ستسير وتتركني 

وأعود لشعري عصفورا 

والدمع الحائر يتركني 

والحب يعود.. يظللني 

يرعى الأحلام.. ويرعاني 

يعرفني حزني.. يعرفني 

ما أثقل حزن الإنسان 

ما أقسى أن يولد أمل 

ويموت بيأس الأحزان»
••


تعليقاتكم تزيد من حماسي لذا أتطلع لها بشغف..

yasser20, 5maha, Aurora and 11 others like this.

الـميّادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-23, 05:53 AM   #6

الـميّادة

? العضوٌ??? » 514867
?  التسِجيلٌ » Oct 2023
? مشَارَ?اتْي » 235
?  نُقآطِيْ » الـميّادة is on a distinguished road
افتراضي .

أترككم الآن مع الفصل الثاني…
قراءة ممتعة…


••••
«قفي! لا تتركيني في الرياح
أحارب بالنوازف من جراحي
و مأساة الوجود تحز قلبي
و تلتهم البقية من كفاحي
و في شفتي أبيات حزاني
تغنت و هي تجهش للصباح
قفي! فالكون لولا الحب قبر
و إن لم يسمعوا صوت النواح
قفي! فالحسن لولا الحب قبح
و إن نظموا القصائد في الملاح
قفي! فالمجد لولا الحب وهم
و إن ساروا إليه على الرماح»

-غازي القصيبي (رحمه الله)
••••


الفصل الثاني
(في عينيكِ أحجيتي)

سبحان الله العظيم.






بعد مغادرة الجميع…ظل عاكفًا في مكانه متمللًا الوحدة وعجزٌ يمنعه عن النهوض….وذلك العم الغاضب لم يجب على اتصالاته….

تنهد وعندما حاول اغماض عينيه رن هاتفه…
التقطه سريعًا وابتسم ابتسامة عريضة للمتصل…
"واخيرًا تزحزح فرعون ودق!"

يفتح بتال الخط بحماس/
صبحك الله بالخير يا عمي…

وصله صوت سعود البارد/
صباح بدون لا اقابلك هو الخير…

يقهقه بتال بلا مبالاه/
مافيه الحمدلله على السلامة خوفتنا عليك….

سعود بجدية وبمزاج حاد/ انت موقوف عن العمل الميداني من الان…وهذا جزاء مخالفة أوامر رئيسك….اول ماتنتهي اجازتك المرضية تجي تداوم بالمركز…. وممنوع من الترقية سنة كاملة…وخل التهور ينفعك….وترا ماجد مايدري للان….ياخي ارحم ابوك من هالتهور…ان ماكنت خايف على روحك تذكر الشايب المسكين اللي مقلقينه…..يكفيه اللي فيه يابتال….

بتال يتجاوز ماقال سعود ليقول بتهكم/ انت اول من سبب له القلق…

سعود بعدم اهتمام/ انا اخوه…بس انتم عياله…والضنى فقده أمرّ ان ماكنت تدري…

بتال بسخرية/ ابو جبر عندك ولد مات مادرينا عنه!

سعود يبتسم ساخرًا/ انك تعرف الشعور مايعني انك لازم تجربه ياعريف….احيانًا مشاعر الناس توصلك لو ماجربتها….وانت الواضح ان الهرج معك ماله فايده….

ثم انتهت المكالمة بإغلاق سعود الخط…


.
.

«خلك سما واترك القاع للقاع
وارفع عيونك للنجوم المطلّة

وخلك مثل ماقيل للعزم تبّـاع
مافيه صعب إلا وربك يـحلّـه»

.
.


تمر ساعات الظهيرة…..يخرج من شقته وهو يقفل الباب…ينزل الدرج ويديه في جيوب بنطاله….
لاحظ صاحب العمارة وهو يدخل وعندما نظر له الرجل أشاح بصره عنه بانزعاج…
أمال عساف شفتيه بعدم اهتمام فقد تشاجر معه في وقت سابق حول التكييف ولم يتفقا على حل…

ركب سيارته وشغلها….وصل بعد وقت لمواقف المستشفى…أطفأها واخذ هاتفه لينتبه لمكالمة فائتة…

اتصل وهو يتنهد/ الو..

كان الممرض الذي يعمل في مناوبته..
يبدو أنه جلّاب للمصائب لا أكثر…
فهاهي مشكلة أخرى يبلغه بها….

عقد عساف حاجبيه/ صاحي من 7؟؟

أخبره بأن المريض يثير فوضى ويود الخروج
فقال بغضب/ ناقصني انا هالاشكال…..يقعد لين اجيه اشوفه يطلع ولالا….

دخل المستشفى كإعصار فمشاعره السلبية تفوقت على تحكم عقله فيه منذ مكالمته مع أبيه…
قدميه تقودانه للمصعد ثم للغرفة التي ذكرها الممرض….
فهو أدى عملية واحدة هذا الصباح….
وهي للذي يقال أنه يثير ضجة….
دخل الغرفة ولم يكن فيها سوى بتال الذي يتجادل مع الممرض كي يحضر له عكازًا ويغادر المكان…..

عساف بغضب/ خير وين عايشين….الأنظمة معروفة طلعه ماتطلع لين اكتب لك خروج…

بتال يلتفت للطبيب ويقول بانزعاج/ انا بخير وماني ناقص فحوصاتكم….عمليه وسويتوا وش بقى بعد…..

عساف بلا نقاش/ يومين ماتطلع نكشف عليك لين نتأكد مافيه مضاعفات….

بتال بذهول ينقلب لعصبية/ انت تستهبل علي يادكتور…اقولك ماني قاعد دقيقه هنا تقول يومين!! فاضيلكم انتم وفحوصاتكم!

عساف الذي لم يحتمل كل هذا…
وأبغض مالديه مريض وقـح مستفز…..
والضغوط التي واجهها مؤخرًا مع جودة نومه السيئة جعلته ينفجر بعد أن حارب عقله الذي يأمره بالتعقل…..راميًا بكل تهديدات حجاب عرض الحائط…فهو مهما حاول أن يمتنع عن المشاكل…
لا يجد نفسه إلا فـيـها….!
وفي التوقيت الخطأ
والمكان الخطأ
والظروف الخطأ….
وبانفعال/
ايه فاضيلنا وغصب عنك ماهو برضاك تقعد هنا…..تمشي على الانظمة وانت ماتشوف الدرب….ولا تغثني….!

صدم الممرض من أسلوب عساف الغير مسبوق…..فمهما كان المريض عنيدًا
أو مزعجًا على الطبيب أن يراعي ذلك ويكون هادئًا حليمًا قدر الإمكان…..بالمقابل بتال الذي لا يحتاج أن يُزاد وقودًا….فالنار الوقّادة لا تُرمى بالحطب…..

ينفجر بعصبية مشابهة…./ اصغر عيالك انا تصرخ علي…اذا ماتعرف مكانتك تراي مااقصر اعلمك اياها حرف حرف….!

يقترب عساف ويشد ياقة بتال بحدة/ انا عساف السامي وولا واحد من اشكالك يعلمني…وتقعد هنا لين اكتب لك خروج بـمـزاجـي…..

مد بتال يده بمهارة عالية وضغط على يد عساف ليلويها بحركة ان زادت شبرًا كسرها…… هامسًا بحدة مشابهة/ والخيبة فيك ياعساف…. ان ماجملتك اخلاقك فنسبك مايجملك….

تأمل عساف عيني بتال الجادة…هذا الرجل ليس كأي رجل عادي… هذا مجنون…. تذكر وجهه القريب منه الآن… إنه ذاته الذي قابله أول مرة في المستشفى…. فهو لا ينسى الوجوه بسهولة…. وهو ذاته شقيق تلك المصابة بنوبة هلع…..آه لن أستغرب أن لديها نوبة هلع مادام هذا أخيها….
أي مجنون صادف أن يصبح مريضًا أنا طبيبه !
لا ينقصني في هذه الحياة سوى المعاتيه والمختلين والمجانين…..
يطيل الرمق ببتال…. إن تحرك حركة واحدة ستكسر ذراعه… عينيه ترمق العينين الحادة…. بنظرة حادة مشابهة….
ابتسم بتال ساخرًا/ لا تخاف… انا ماأأذي مدني…. انا عسكري والعسكري يحميكم بعد الله….

ثم دفع ذراعه… ليقول عساف بسخرية مشابهة وهو يعتدل واقفًا/ اجودي…الله يكثر من أمثالك…

بتال بعدم اهتمام وهو يرمق الممرض مشيرًا برأسه ناحية عساف/ فهم دكتورك ذا اني ماني قاعد هنا…..

ليتكتف عساف ببرود/ وفهم الجدران الاربع انك بتسامرها الليلة….

ثم ابتعد منهيًا النقاش بمغادرته….
فلحقه صوت بتال العالي المتهكم/
بــمــزاجـي أمشــيــها يــا دكــتــور…..


.
.

•لا تزرعين الشوك وبقلبـك الورد•

.
.


لاحقًا آخر الليل….
يضع وسادة خلف ظهره ويتكئ على الأريكة….
يحتسي كوب قهوة لا يفضل شربها لكن تساوت معه الليلة فمن يهتم للنوم بهذا المزاج المتعكر….
رغم أن مزاجه تحسن قليلًا بعد مكالمة طويلة بينه وبين والدته ليلى…واخرى تشابهها الطول مع شقيقه الوحيد فراس….فهما جبر الخاطر لأوقات ضيقه…

اما حجاب فلا يدخل ضمن قوائم المكالمات الممتدة لأكثر من دقيقة سوى تلك المكالمات الرسمية بعد كل شجار بينهما حتى ينحلّ الشجار وتعود المياه لمجاريها تدريجيًا…فثقافة الحوار بين عساف وأبيه شبه معدومة فلا يتحاوران الا وتنفجر قنبلة…

يفر بحسابات تويتر تطبيقه المفضل….
واضعًا إعجابًا هنا وإضافة هناك….
للحظات جاءه فضول حول المنطقة التي هو بها….
فكتب اسم المنطقة بالبحث ليجد تغريدات متفاوتة…..
توقف عند إحدى التغريدات وهي تكريم لبتال من جماعته على ترقيته عريف… صورته يقف بثقة وفخر عالية ومن حوله والده وعمه وبعض من جماعته….
وفي أسفل التغريدة ردود متفاوتة وإعجابات…. همس عساف ساخرًا/ من زين هالوجه حتى بتويتر طالع لي….

ثم بدأ يقرأ الردود كانت أغلبها تهنئة…
دخل على الاعجابات فوجد أحد الحسابات باسم صريح….. "لـيـنـا مـاجـد"…..
إنها أخت بتال…..
هل تضع اسمها الواضح….
يال هذه المرأة الغريبة….
نقر على حسابها فدخل صفحتها الشخصية…
تفاجأ بتغريداتها الكثيرة…
قرأ النبذة التعريفية أسفل اسمها….

•حاولنا ألا نسقط مرارًا. ولا زلنا.•

تساءل للحظات….
مم حاولتِ ألا تسقطي يا أخت بتال…..وماهو الذي يجعلك لا زلتِ تحاولين…..بالتأكيد حاولتِ ألا تسقطي بجلطة قلبية تسبب بها أخيك المعتوه….
تجاهل أفكاره وهو ينزل ليقرأ تغريداتها…
حتى وصل لأحدث تغريدة نزلت….
"فرقـى جـرت لــي ماجرت للمحبين
فرقــى كما روح تفــارق جســدها"

راوده فضول ماهو الفراق الذي جرى لها…
ومن الذي افترقت عنه….
تبدو عاطفية بهذا الاقتباس…
نالت اعجابه القصيدة فضغط زر اعجاب بلا تردد…. ثم خرج من التغريدة مكملاً التجول بلا هدف…


.
.

«وقد استكين لقهر الحياة
ولكن حبك لا يستكين
يقولون عني كثيرا كثيرا
وأنت الحقيقة لو تعلمين»

.
.



اليوم التالي، صباحًا…
تدخل مكتب الاستقبال ثم تجلس،
رتبت حاجياتها ثم انتبهت لينا لأحدهم قادم فقالت بعملية/ تفضل كيف اقدر اخدمك….

كان رجلًا سألها/ انا ولدي تعبان وابي يكشف عليه الدكتور….

لينا بعملية وهي تفتح الحاسوب أمامها/ معليش اخوي بس لازم حجز موعد الا اذا كانت حالة ولدك عاجلة وده الطوارئ…

الرجل الذي لم يعجبه الأمر قال باصرار/ ليه حجز موعد المستشفى فاضي خليه يدخل كلها دقايق…

تكرر عليه بجدية/ اعتذر لكن الانظمة كذا..اذا ولدك تعبان خوذه الطوارئ ماراح يقصرون….

الرجل بانزعاج وضجه/ وينه الدكتور انا فاضي اتكلم معك انتي….

لم ترد فتراجع عن الطاولة متجهًا للداخل بحثًا عنه…ويشد كف ابنه ذو الخامسة سنًا…
فنهضت لينا بانزعاج تلحق به لمنعه…
أشارت للأمن فاقترب أحدهم…
لتقول بجدية/ رافض يمشي على الانظمة بيدخل على الدكتور بدون موعد….

سار حارس الأمن ليشد كتف الرجل بحزم/ اخوي امش على الأنظمة..ممنوع يعني ممنوع…

يستدير الرجل منفعلًا/ مالك شغل باللي اسويه…

ثم التفت على لينا بغضب/ وانتي فارقي انا قلت داخل على الدكتور يعني داخل….!

تشعر بغضب اتضح من عينيها…
فهي لا تحب هذا النوع من الناس…..
لكنها تتمالك أعصابها فهي تنجح دائمًا في ذلك….
حارس الأمن بحزم/ اخوي الله يعافيك ارجع احجز موعد وندخلك… اما كذا انت تسبب ازعاج….

دفع الرجل حارس الأمن ثم مشى مكملًا طريقه وهو يجر يد ابنه خلفه…
لحق به الحارس ملتفتًا على لينا/ اختي انا بطلعه… تقدرين ترجعين لشغلك….

تنهدت وهي تستدير….كيف يعيش هؤلاء الناس المثيرون للإزعاج والمخالفون للوائح الأنظمة حياتهم….أثناء سيرها سمعت ضجة فجأة… فالتفتت للخلف لتنظر لحظات عاقدة الحاجبين حتى اتسعت عينيها….
هناك مجنون……
أحدهم يمارس جنونه هنا…..


.
.



قبل ذلك….
في مواقف المستشفى…
ينزل من السيارة بهدوء رتيب…
يغلق الباب وهو يضع هاتفه في جيب البالطو…
يسير للبوابة… يتجه لقسم الطوارئ…..
يشرف على المرضى الذين يقوم برعايتهم الممرضون….
ينتهي ليخرج متجهًا عبر الممر لقسم التنويم… هناك حيث مكث مفتول العضلات يومًا كاملًا بعد لقاءهما الأخير…يسير بهدوء ويديه في جيبه…..
يتقاطع مع دكاترة وأطباء يبدون منشغلون..
غير مهتم بأن يعقد زمالة… أو علاقات… في هذا المكان…. وتركيزه منصب كيف سيرضى عليه كبير السامي الصـارم…..انتبه لضجة صاخبة يمينه… فتوقف باهتمام وعينيه تلتقط حارس الأمن الذي يراه دائمًا في أوقات مناوباته الصباحية على البوابة….
ورجل في الأربعين على مايبدو….
وبيده يمسك بيد طفل….!
هناك ضجة واضحة وجدال مرتفع….
عقد حاجبيه وتقدم نحوهما….

عساف/ وش المشكلة…

حارس الأمن/ ماحجز موعد ويبي يدخل على الدكتور….!

عساف بسخرية ملتفتًا للرجل/ ماتقرا الانظمة المكتوبة….!

الرجل بغضب/ الدكتور وينه انا بدخل عليه…بوريه ولدي….وانت لا تتدخل باللي مالك حق فيه….

عساف بانزعاج/ ولدك ورا ماتوديه الطوارئ اذا حالته عاجله….

ثم التفت للطفل الواقف بصمت….
عقد حاجبيه منزلًا نفسه للطفل…
وبلطف/ فيه شيء يوجعك…؟

الطفل يرمق الطبيب بصمت طويل…..
بلا رد…..
ليكرر عساف السؤال/ بابا فيك شي يوجعك؟

يسحب الرجل الطفل وراءه وهو يردد بغضب/ وش دخلك انت…. دكتور تعالجه الحين ولا لا تتدخل…

يقف عساف بغضب مكبوت… فحركة الرجل مع ردة فعل الطفل تثير الشبهات/ انت وش بلاك بالضبط….ولدك وش به….!

الرجل يزداد انفعالًا/ دكتور انت؟؟ دكتور..!؟

يصيح عساف به/ دكتور وغصب عنك…ولدك فيه شي….!

بدا الرجل مرتبكًا من عصبية عساف المفاجئة….ليقول مشيحًا بنظره/ الولد تعبان….مريض….اكشف عليه…..

يصمت عساف بنظرات حادة يرمق الرجل بها… أنزل نفسه للطفل… ينظر له مليًّا بأعين طبيب خبير…..الطفل ليس طبيعيًا هذا مؤكد….
يرتعد……
بارتباك…..
ولكـن…
ليس كـمريـض….
بــل…..


كـ…خــائــف !


وأيضًا…. لماذا يمسك يده اليمنى على نحو تملكي مريب…. مد يده يمسك يد الطفل فشهق الطفل مرعوبًا…. وعند هذه الشهقة صاح به أبيه/
أنت وش فيك ماهو مسوي لك شيء….!

رفع عساف رأسه للرجل وبصرامة/ انت اسكت….

عاد ينظر للطفل…. وبرفق/ حبيبي وش تشكي منه…؟

يرمقه الطفل بصمت….
أعين خائفة….
تنقل له نيران هلع…
متقدة…..
وكأنه ينقل عبر لهيب العينين
عبارات عجز اللسان عن البوح بها…..

وبذات الاتقاد…… كان لهيبٌ آخر يشتعل….

ليس حليمًا…. وأبعد مايكون عن الصبر…..
يمتلك مقدارًا عجيبًا من الحنان……
وبذات المقدار يمتلك قسوة……

متعجرف….. متغطرس… مغرور…..

وأيضًا…..

يكره فرض الأوامر….
يفعل الخير….
و… يدافع عن الحق…..!
هذه شخصيته المتهورة التي جعلته مصطدمًا دائمًا مع حجاب المتزن….
هو لا يأخذ الحق الا بالشجار….
وحجاب يريده أن يتعقل…..
هو مندفع وحجاب يريد الركود…
هو ذكي غاضب وحجاب يريد ذكاء الهادئين!
وعند هذه الاستنتاجات التي نوّره عقله بها….
مد يده للطفل وسحب ذراعه….
كشف عن الكم الطويل ليجد شيئًا أثار استفزازه……
آه يا حجاب أنت لم تجرب أن تصبح طبيبًا يأتيك شتى أنواع الناس فكيف تريدني أن أتعقل……
لم ينظر لك أحد يومًا بنظرات رجاء فكيف ستشعر بي حين ينظرون لي فيها….
امرأة معنفة……
شاب متمرد…..
رجل عاق…..
أطفال بمعاملة سيئة…..
كثير هم الطيبون… الطبيعيون..
ولكن من بين أمواج البحار النقيـة
هناك ماء ملوث….!
ولسوء الحظ أنا فقط من يستفزه هذا التلوث…..
فيرى أن الحلول باليدين تبرد حرقةً جوفاء!

ارتفع جسده مباشرة ليخنق الرجل وهو يدفعه للجدار….. يخنقه…. بقوة….
بلا تفكير….. بلا وعي…. بلا اهتمام بكل ماحوله……
يتمتم بنبرة قهر/ تضرب ولدك…… تضرب ولدك……تعلّم بيديه يالخســيــس…..!

حارس الأمن يحاول الفكاك بينهما والطفل ينزوي يرمقهم بخوف……
يصرخ عساف على الرجل المرتعد/ رد علي ولا الحين صرت رخمه….. تستقوي على ورع ماله حول ولا قوه ولو بيده يرد لك الضربه ستين ضربه……والحين قدامي رخمه…. ارفع يدك علي…. ارفعها الحين….. ورني فعلك….. ياخـسـيـس…..

الرجل المرتجف يصرخ بانفعال/ فكوه….تسمي نفسك دكتور وانت تضربني الحين…… والله لا اشتكيك…..

سحبه بجنون وهو يوجه له لكمة……
تتدافع وراءها لكمات…
بينما حارس الأمن الذي أدرك انه لا جدوى من إخماد البركان عاد أدراجه لينادي زميله…
بينما تتجه لينا نحوهم بصدمة وارتباك…
كيف تحول الأمر لثوران بركان كان خامدًا….
اقتربت منهم وعساف يضرب الرجل بغضب….. والرجل يحاول الدفاع عن نفسه باستماته…..بينما الطفل يقف وحده يراقبهما….هرعت لينا للطفل وهي تشده وتديره عن منظر الضرب….. أمسكت يديه المرتجفة…. بنبرة لينة/ مافيه شي حبيبي مافيه شي…..رجال ويتهاوشون… انت لا تشوف….

ينفجر الطفل باكيًا فجأة…..ليردد بخوف/
ابووي……ابوووي لا يموته……

اتسعت عينيها وكأنها للتو تدرك جدية الأمر… وقفت وهي تتجه للاثنين…تراجعت بخوف….. تشعر أنها لو وقفت بينهما لضُرِبت….. قالت لينا/ وقفوا… الولد يبكي….. ماتشوفونه….

لاحظت ان الغلبة لعساف… فصاحت به بانفعال/ الولد يبكي يخاف انك تقتل ابوه…. وانت دكتور كذا تسوي فيهم… وقف الله يرحم والديك….

يتوقف عساف عند هذه اللحظة فقط…..
مدركًا صوتًا يخترقه ويأمره بالتوقف…
وكأنه عاد للوعي لحظتها…..
مفلتًا الرجل من ياقة ثوبه….
اعتدل واقفًا وهو ينتبه للمرأة التي نهرته بقوة….
قالت لينا بغضب/ الولد يبكي وانت منتهي ضرب بابوه…!

تجاهل ماقالته وهو يتجاوزها العبور للطفل الباكي بصمت…. انحنى له وهو يشد كفيه برفق..يتحدث بينما لا تسمع حوارهما لينا/ ابوك دايما يضربك…؟

الطفل بارتجاف ولعثمة/ لا تخليه يموت….انا ابيه……هو ابوي……

يريدك أيها الحقير برغم كل مساوئك….
يريدك لأنك أمانه أمام مخاطر العالم لكنك بدلًا من ذلك أصبحت الخطر الأشنع لـه ومع ذلك خـاف فقـدانك وأنت الذي فرّطت فيــه….

عساف بهدوء مبتسم/ انا بس أدبته عشان مايضربك مره ثانيه….ماراح يموت….

ثم شد مرفقه برفق/ تعال معي افحصك…

وحين وقف تقدمت لينا لتقف أمامه وبجدية/ اترك الولد لو سمحت….وين بتاخذه…

يرمقها بتساؤل….هل هي علقة….
يراها للمرة الثالثة…..لقد تذكر فهي ذاتها التي كانت تبكي في حضن أبيها…..والتي جاءتها نوبة هلع لإصابة أخيها…. والآن.. هل تمثل دور القوية…
في أي شخصية تقابله هنا…. ضعيفة….مريضة….قوية….أو ماذا….؟

يبتسم ساخرًا/ بعذبه واهدده….وين باخذه يعني….

ترمقه غاضبة…فهي لا زالت لا تفهم مايحدث…ولكن ماتراه حسب تفسيرها… أن الواقف أمامها تدور حوله التباسات الشكوك…ضربه للرجل اللا مبرر… وحالة الخوف والبكاء التي راودت الطفل…. وردة فعله ونظراته اللا مبالية…كلها أسباب تدفعها للوقوف أمامه الآن…..

لينا بحدة/ الولد معي لحد مايصحى ابوه اللي تركته مغمى عليه وراك….. اذا دكتور صدق روح افحص الرجال…..

عساف باستهزاء/ مين قال اني دكتور!!

ثم اردف بلا مبالاه/ واخر همي الخسيس اللي وراي…..

وقبل ان يكمل السير متجاهلًا لينا…
كان حارس الأمن يأتي ومعه زميله….
ركضا حتى وقفا أمامهم….
الحارس الأول يفحص الرجل وينادي الأطباء…بينما زفر عساف شاتمًا…وهو يقف مفسرًا لحارس الأمن الثاني الذي لحق به ماجرى…



.
.

•لمحت دمعة حزين، ودمعته، دمعة طفل!•

.
.



لاحقًا عاد أدراجه صاعدًا للأعلى لقسم التنويم..
ويدس يديه في جيوب البالطو….
دخل للغرفة بهدوء ليس مُلاحظًا….
يسير بخطوات متأنية…
كان سرير بتال مغطى بالستارة….
عند دنوه منه استمع لضحكات ناعمة…..
فتوقف للحظات وتسمرت قدميه مكانها….


مالكَ عساف….. لما توقفت…….
لقد مرت أصوات نساء عدة على أذنيك….
وتعايشت مع تواجدهن الدائم في محيطك المهني….وأولهن ابنة عمك….!
ولكن تلك التي واجهتك بتشكيل شخصيات غريب….. مرةً تبكي… مرةً تهلع… مرةً تغضب… والآن تضحك……؟

هي تلك العاطفية التي تعرضت لفراق !
هي ذاتها شقيقة الرجل الذي لا تطيق
فمالَك…؟

لماذا صنعت في داخلك هذه التساؤلات حولها كخيوط حبل منسلّة من بكرة فضول !

يا لها من امرأة غريبة….. نعم…..
هي امرأة غريبة وأقنع نفسه بهذا التبرير…
تنحنح بصوت رجولي….
معلنًا وجوده طرفًا ثالثًا بينهما…..
ليعم الصمت…
فتح الستارة وهو ينتبه لها تقف مبتعدة…
باحتشامها الذي قابله بها أول مرة…..
وبتال يرفع حاجبًا عندما رآه….
ها قد أتى هذا المتباهي المستفز……
عساف بسخرية/ عسى عجبتك خدماتنا….

بتال بسخرية مشابهة/ الله يعز حكومتنا..ولا انت مابك معزه…

يقترب منه وهو يفتح اللحاف كاشفًا عن الإصابة/ ياساتر….جحدت اللي سوا لك العملية وانقذك من الموت بعد الله….!

بتال يرد بعدم اهتمام/ هذي وظيفتك…ولا جاي دكتور تمن على الناس!!

عساف يجلس ويقوم بتبديل شاشة الساق…يرد منهمكًا بعمله/ مايمن الا الردي…ولا يابو ماجد….!

…./ الله الله….. وماهقوتي انك ردي!!

..../ انا عساف بن حجاب السامي…. كانك نسيت….!

يقهقه بتال ساخرًا متذكرًا تبجح عساف باسمه في اول لقاءهما…/ لا يغرك اسمك ولا تتباهى فيه….هذا من رداة الفكر…

عساف يرفع عينيه لبتال مبتسمًا بنظراتٍ ثابتة/ يحق لي يا بتال…..ما دمت ولد حجاب السامي…. يحق لي اتفاخر بنسبي مثل ماقريش تفاخرت بنسبها….!

هو لا يعني جملته فعليًا فهو لا يحب التباهي بالأنساب غير أنه حرام فهو يعتبره تفاهة لا تعد من الرجولة….وليس كما لو أن بتال أقل منه نسبًا…
كل مافي الأمر أن هذا تركيب تأصل في شخصيته لم يستطع ردع خروجه…..

بتال تجاهله ولم يعلق….فهو لن يدخل بمراءٍ حول ماقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم "منتنة"!!

لفّ عساف الشاش منتهيًا منه…..
وهو يقول بمهنية معتدلًا بوقفته/ كل شيء تمام….مافيه خوف من مضاعفات…لكن احرص ماتوطى على قدم الساق المصابة…ولا تبذل مجهود بدني….بكتب لك خروج الحين وبعدها باسبوعين ترجع لنا نفحصك….

يعلق بتال ساخرًا/ انتظروني….

تجاهل عساف الرد….في حرب الاستفزاز الدائرة بينهما…
كاد يخرج فأوقفه بتال بتساؤل/ الا يادكتور….

استدار عساف…. بنظرة استفهام…

فسأل بتال بجدية/ مين اللي تبرع لي….؟

عساف يرمقه باستغراب….
لماذا ألا يعلم….يسأله/ انت ماتدري؟

بتال بانزعاج/ ووشلون ادري ليه حاضر معكم العملية…..

عساف يجيب ببساطه/ سعود جبر العياث… عمك…

ثم قطع الحوار بخروجه….
لينا بدهشة/ عمي سعود اللي تبرع…!

لم يواكبها دهشتها….
كان يتمنى أي أحد سواه وفي قلبه شك..
يتأمل ساقه الممدودة وقبضته تمتد لتشد مفرش السرير……
لماذا يا سعود…….
لماذا أنت الذي تبرعت لي…….
لماذا يجب أن أصبح مدينًا لك للمرة الثانية…
أنا لم أسدد الدين الأول…..
فكيف تريدني أن أسدد هذا الدين…..
رباه يا سعود ألن تكف عن هذا العطاء الذي بات حمل يثقل ظهري يومًا بعد يوم….


زفر بتال بضيق/ وليه ماعلمني…

لينا تعود للجلوس وهي تفكر/ اكيد مالقى فرصه….


.
.

«رد الجمايل من طبوع الوفيين
ولا للجمايل فالجمايل بدايل

واليا حداك الوقت لمواجه الدين
دين الفلوس ولاديون الجمايل»

.
.


في جولة تفقدية على المناطق المحيطة بهم…..يسير مراقبًا بعد انتهاء إحدى المهام….
كان الظلام حالكًا جدًا وصوت عواء الذئاب منتشر حولهم….خليطٌ من برودة ليلٍ وقشعريرة عويل…
عينيه الحادة تراقب الجنود المنتشرين باهتمام حول المكان….انتبه لضجة شرق مد بصره…..
فرفع عينيه لأضواء الكشافات التي كثرت….
دلالة اجتماع الجنود على شيء ما….
آتاه أحدهم متعجلًا مذهولاً/ سيدي….

يدرك متى يتحول السكون لزوبعة…..
فتجاوز الجندي متجهًا لموقع الضجة…
اقترب وهو يأمرهم بالابتعاد….
مد الكشاف في يده يحاول الإبصار…
كلا إنه يبصر….بل يحاول الإمعان ! هل ما أمامه شيء طبيعي …. أم…. سمى بالله….ثم تراجع خطوة واحدة كان كيس قمامة أسود اللون…..في داخله شيء بالتأكيد….مدبّل بكيسٍ آخر… وموضوع اسفل هذه الحشائش الطويلة……أمر الجنود بفتح الكيس….وقشعريرة في داخله تنبئه بمصيبة….اقترب جنديان كي يفتحاه….. الأول أمسك الطرف العلوي ومزق الكيس فظهر كيس اخر….والثاني مزق الطرف السفلي وظهر كيس اخر كذلك….
أكمل الأول مايفعل….. وسكينه تشق الكيس من المنتصف….أنوار الكشافات تتركز كلها على السواد الذي انقشع أعلاه…. فصرخ الذي نزع الكيس ليتراجع بصدمة…..
استدار وهو بالكاد يغالب رغبةً بالتقيؤ
مقرف……
مقرف جدًا…
بينما سقط الجندي الثاني على ركبتيه مصدومًا وجسده بالكاد يتحرك….
ولون الحياة من وجهه شحب فجأة….
ظل سعود واقفًا مكانه يرمق الذي أمامهم…
إنه بشري ! لكنه بشري فارق الحياة!
وبتعبير أدق
إنه "جثة"
قد تحولت للبنفسجي…..
وبدأ شعرها يسقط….
مد الكشاف للواقف بجانبه/ امسكه…

أخذه الجندي فانحنى سعود للجثة…
نزع الكيس الاخر فسقط رجل كان ملفوفًا بوضعية جنين داخل الكيس….
أمعن سعود النظر إليه منحنيًا له…..
اتسعت عينيه صدمة….
هذا الذي يعمل على قضيته….
الهارب الذي يلاحقونه واختفى لفترة…..
كيف انتهى به الأمر مقتولًا هنا!!

وقف فرائحته سيئة جدًا…
التفت للجندي الممسك كشافه….
أخذ الكشاف ثم أمره بحدة وجدية/ بلغ المركز فيه جثة رجل الاحتمال المبدئي إنه مقتول من اسبوعين إلى ثلاث أسابيع…. وارسل استدعاء للفريق الجنائي فورًا…

.
.

•عيّن يمينك وعن يسارك تّنَكّر!•

.
.


في طريقها للعمل….. تتجاذب أطراف الحديث مع والدها….فهو الذي يقلها يوميًا لعملها ويكمل طريقه لعمله….. فتحت هاتفها… انتبهت للاشعارات التي تتوسط الشاشة….. لقد أهملت حسابها هذه الأيام…. دخلته وكانت اشعارات اضافة واعجاب وتعليقات بسيطه….. مشت على الاعجابات كعادتها تدخل كل حساب وترى من يكون….أغلبها بمعرفات مجهولة وأسماء مستعارة…. دخلت اخر حساب وضع لها إعجابًا…. خلفية سوداء…. واسم بالانجليزية…. Gallant.. لم تعر الامر اهتمامًا…لكنها ارادت نشر تغريدة ففكرت طويلًا…تذكرت بيت قصيدة لشاعرها المفضل….لا تحفظها جيدًا فذهبت حيث تحتفظ بمجموعة قصائد متنوعة في ملاحظات الهاتف….فنسخت الأبيات مبتسمة……باختيار خاص لها…. ووضعت ايموجيات نجوم عديدة…توصل مدى حبها لهذه القصيدة بالذات…ثم ضغطت زر الارسال…. قبل ان ينبهها ابيها انهما وصلا لتترجل نازلة…

" النوّ عالي و السمـا فوقـه أعلـى
ولا فاق علم ٍ جـاه علـم ٍ يفــوقِ
الصعب هلاّ قلت يا صعـب سهـلا
دامك تبيني فأنت يا صعـب شوقـي "

.
.

«مارحمك الوقت يالقلب الكبير
‏تستحي والناس حولك ماستحو»

.
.


انتهى عملها…. ودّعت زميلتها التي أتت للمناوبة…. وهي توضب حقيبتها….. ثم اعتدلت مغادرة… تسير بخطواتها الهادئة للبوابة…..رفعت عينيها للشمس المتدلي نورها كأسلاك شعاعية بانبثاق حار….
رغم أن الشتاء على الأبواب…تنهدت وهي تخرج هاتفها من الحقيبة…ترى ان كان ابيها قد اتصل عليها…مشت حتى مواقف السيارات في الفناء الخارجي…. رن هاتفها بإشعار….فتوقفت ثم أخذته وهي تفتح الإشعار الوارد….. كان إعجابًا….. وتعليقًا على تغريدتها….
هذا سريع…!
إنه المدعو… gallant.. وقد قال….
أول الأبيات التي تركتها هي عمدًا….
إنه يكمل القصيدة…. !
يبدو أنه يعرف هذا الشاعر كما تعرفه هي..
ابتسمت عند هذه الملاحظة…
فصغرت عينيها نتيجة هذه الابتسامة…..
ثم نقرت على الإعجاب بتغريدته…..
قطع على شرود أفكارها لما يحصره هذا الهاتف…. وسكون المكان…صوتٌ كلما سمعته استشعرت نبرةً هادئة كأنما لا ترتفع أبدًا……
" خلص دوامك ؟ "

.
.

«الصدفة اللي جابتك يوم مرّيت
تسوى مواعيد .. العُمر والتلاقيّ»

.
.


يخرج من المستشفى وقد انتهت مناوبته… كم يحب المناوبات الصباحية….فهي عالم اخر نقي بعيد عن ضجيج المساء وفوضى الليل….. فتح هاتفه ودخل تويتر كعادته….
فتويتر هو المتنفس الذي يتسلى فيه….عن كل ضغوط العمل…. في أعلى القوائم كانت تغريدة حديثة…كانت لاخت بتال! دخل التغريدة….. وقرأ القصيدة…..عقد حاجبيه للحظات…..ماهذه القصيدة….إنه لا يعرفها…ليس وكأنك مهتم بالشعر يا عساف ! راوده فضول لا أكثر…. حول القصيدة التي تضع هذه الفتاة لها ايموجيات من بين كل الاقتباسات الأخرى الخالية….نسخ الابيات ثم بحث بالانترنت….
فجاءه سريعًا…. قصيدة للأمير خالد الفيصل…قرأها ونالت إعجابه… عاد لتغريدتها…. لقد اقتبست من بين الإحدى عشر بيتًا بيتان…. يمثلان معنًى بدا له عميقًا……..
"الصعب هلاّ قلت يا صعـب سهـلا"….. "دامك تبيني فأنت يا صعـب شوقـي" …. نعم إنك قوية يا أخت بتال…. قوية للحد الذي يجعلك تفتحين ذراعيك ترحيبًا بـ(الصعب)…..تستحقين ردًا….. يمثل مدى روعة الصعوبة والوصول لها….فنسخ أول الأبيات……
"يامدور الهيّن تـرى الكايد أحلـى
أسأل مغنّـي كايدات الطــروقِ
الزين غالـي لكـن الأزيـن أغلـى
والكلّ شـرّاي ٍ بضاعـة وســـوقِ"

حين أرسل الرسالة رفع رأسه…..منتبهًا للهيئة السوداء….التي توقفت عن السير…. دقق النظر… ثم عرفها…فكيف لا يعرف أخت المجنون…..هل انتهى عملها…..
لم يسبق له رؤيتها تعمل سوى بالأمس….
تساءل للحظات…هل كانت في إجازة!
انتبه لها تفتح هاتفها…..ثم…ابتـسـمـت….!
كان جليًا له…. ابتسامتها….
من ضيق عينيها الدعجائين…..
وقبل أن يتساءل فقط ماسبب ابتسامتها..
كان اهتزازًا يراود هاتفه جعله يفتحه…
فإذا به اعجاب منها على تغريدته…!
تعليقه الذي علقه لمجرد إعجابه باقتباسها…وهنا…..ابتسـم عساف….وشقّ الخطوات الواسعة إليها…..ليسأل بعد ترك مسافة كافية….بفضول ربمًا….. وتساؤلٍ عن سبب بقاءها واقفة في الشمس الحارة ربما….!
" خلص دوامك ؟"

رفعت لينا رأسها باندهاش…..
إنه ذاك الطبيب المتباهي….
تراجعت خطوة واحدة…. وهي تقول/ ايه..

سألها عساف/ ليه واقفة هنا؟

رفعت حاجبًا…. على سؤال سخيف…..
وقالت باقتضاب/ انتظر ابوي….

رمقها للحظات….. كم إن عينيها حالكة السواد….. تضيء بهما الشمس لكنهما…
يعكسان الضوء بقتامة مختلفة…..
انزعجت لينا من نظرة هذا الرجل الفجة…
فقالت بجدية/ فيه شيء دكتور ؟

عساف يدرك للحظه…/ لا… اعذريني….

ثم تراجع عائدًا لسيارته…..
بينما ظلت متكتفة…
وهي تنتبه لاتصال أبيها يخبرها بمجيئه…


.
.

‏«الضمير اللي يسمونه ضمير
‏مالقيتـه غير فـ كتاب النحو»

.
.


يدخل خالعًا نعليه قرب عتبة الباب…..
يسلم بقبلة لم تتعدا خصلات الشعر على الصغير الذي فتح له الباب…..ثم يتجاوزه فهو طفل هذار وهو بالكاد يحتمل ثرثرة بتال البالغ….
يدخل ليجد أخويه في صدر المجلس…
و رهطٌ من قومه…. يتقافز أولهم قبل آخرهم للسلام عليه….يسلّم بتحية رجالية متعارف عليها….. سريعة ليمر من بينهم كرياحٍ جفلاء مسلمًا على ماجد الجالس ولم يقم ومن ثمَّ نايف المجاور لأخيه….. لم يجلس فهو من رأسه لأخمص قدميه مشغولٌ… ولكنَّ إصرارًا غريبًا من ماجد هبّط عزمه للمضي….. فبدل موضعه من وقوف لجلوس…. مجاورًا لعزام الذي يقهوي الحاضرين…..

حوار بين كبار العائلة….. يبتدئه كبيرهم/ الحمدلله على سلامة بتال ياابو بتاال….

يهمهم ماجد مجيبًا بينما ينهمر المتحمدون بالسلامة واحدًا تلو الآخر كسيل غزير….

صمتٌ مطبق سوى من حوارات جانبية قبل أن يأمر ماجد ابن أخيه بخفوت/ قم شف العمال وش سوو بالعشاء…. قلط الرياجيل…..تأخر الوقت…

ينهض عزام ومن وراءه سعود…..

دخل عزام للمطبخ الخارجي في منزل عمه حيث يعمل عاملان على الطهي والترتيب وغرف العشاء……
انتبه لسعود جواره بهمس/ ماجد علامه

عزام بهمس مشابه متعجب/ وش به عمي..

سعود بانزعاج لا يظهر/ كنه شايلٍ علي…!

يستدير عزام فينتبه لماجد الذي يدنو منهما…. ليقول بهدوء/ عمي انت صاير حساس…؟

سعود ساخرًا/ ما تخسي وانا عمك…

ثم استدار لماجد منقلبة ملامحه للابتسامة/
ياهلا ابو جبر… عساك طيب…

يشد ماجد يد سعود وبنبرة عاتبة/ انا اخر من يعلم عن ولدي يا سعود…. وانت اول من عرف عنه ما لان قلبك تعلمني….!

الآن أدرك لما بدا ماجد عاتبًا….
سعود باحترام وهو يقبّل رأس ماجد/ السموحة ياابو جبر…. من تقديري لك مابغيت اخوفك على بتال وهو بخير وصحه هاللي بعرض الجدار ذا ما يقدر عليه الا ربه…

يتنهد ماجد/ اقلقتني انت وبتال يا اخوك…. وش لكم بهالشغلة….

يشد كف أخيه بين كفّيه…..
بنظرات لا يرمق فيها أحدًا سواه…
الرجل الذي منذ وُلد سعود حتى وعى
وهو يظنه أبــيــه….
لا أحد في هذا العالم كله
يمكن أن يتساوى حبّه مع حبّ ماجد
في قلب سعود…
ماجد هو الشريان
إن كان للقلب شريان ينبض……
ورغم هذا….
فللروح آفاق تحلّق لا يمكن تقييدها….
يعلم مقدار خوف ماجد عليه….
وتمنى لو يطمئنه….
لكن هذا هو المجال الذي أراده
بكل مافيه من قوة وإرادة ونبل وإصرار…
هو الذي يرى نفسه أهلًا له دخله !
ولن يمنعه مخلوق أيما كان….
من تحقيق هذه الرغبة….

انحنى بقبلة صامتة على رأس ماجد….
تنقل ما تتوقف على أعتابه الكلمات….

ليزفر ماجد بصمت آخر……
صمتُ من لا حيلة له…..


.
.


•قلبي عليك يخاف وعيني ماتغفي
والطمأنينة في صدري ما تدوم•


.
.




تدخل المستشفى…..تسلم على زميلة المناوبة….تضع حقيبتها وهاتفها…..مالت الحقيبة فسقطت ميدالية مفاتيحها….نظرت لها طويلًا ككل مرة تنظر لها بعينين هادئتين تحملان بعدًا لشجن الروح….أعادتها للحقيبة بهدوء الروبوتات…
اتجهت لدورات المياه…..دخلت وهي تعدل هندامها……ثم خرجت عائدة للاستقبال….في طريقها استمعت لضجة صادرة من قسم الطوارئ….. ابتلعت ريقًا…..سألت زميلتها/
وش صاير….

الزميلة بتعجب/ ماادري…. كل الممرضات راحوا هناك….

قبل أن ترد لينا…. كانت طفلة بعمر الخامسة تجري نحوها…..شدت عباءتها بقوة فالتفت لينا نحوها بدهشة…. الطفلة باكية/ مــامـا….. ماما بتموت…. ساعدوهاااا…..

اتسعت عينيها….. وارتجفت أناملها من بكاء الطفلة الهستيري….. شدت يدها/ وين امك….

أشارت للطوارئ….. فاتجهت لينا هناك مسرعة فاصطدمت بها إحدى الممرضات…. بعجلة/ لينا كول دكتور أحمد ولادة….. حرمه ولاده نزيف كثير…

أدركت مايجري فعادت أدراجها للاستقبال…. تلتقط الهاتف والزميلة تسألها/ وش فيه وش صار…

بنبرة متوترة وهي تجري مكالمة لا رد عليها/ وحده بتولد وعندها نزيف…. أماني وين الدكتور أحمد

…/ آخذ اجازه….

شهقت/ ايش…. طيب مين دكاترة التوليد

توترت أماني ولم ترد فعضت لينا طرف شفتها بتذكر…… لم تجد سوى الاتصال على دكتور واحد…..الدكتور الجراح ورئيس قسم الطوارئ……/ دكتور عبدالرحمن نحتاجك بقسم الطوارئ فيه حالة طارئة……

يأتي عبدالرحمن متجهًا لقسم الطوارئ….
بالوقت الذي دخل عساف القسم منتبهًا لحالة الاستنفار وتحلق الممرضات حول امرأة تصيح……اتجها في نفس الوقت فانتبه له عبدالرحمن…../ ابعدوا كلكم… طبيب عساف تعال هنا….

اقترب عساف وهو ينظر للمرأة…..نزيف مفرط…. راقب جهاز الضبط…سرعة في نبضات القلب وانخفاض ضغط الدم…
عبدالرحمن يسأل احدى الممرضات/
المريضة سبق وراجعت عندنا؟ وين دكتورة النساء….

الممرضة بتوتر/ قلنا لها بتجي….

اقتربت الدكتورة وهي تبدأ التحدث بعد ان اطلعت على التشخيص/ الام حامل بالاسبوع 37…. التشخيص يقول عندها تمزق في الرحم….الجنين بوضعية مقعدية وقاعد يزيد التمزق وتنزف دم كثير…وتحتاج عملية قيصرية حالًا لانقاذ الجنين قبل لا ينقص عنه الاكسجين ولانقاذ الام قبل تموت من النزيف…..

يسألها عساف وهو يشد كتفي المرأة التي تصرخ بانهيار/ سبق وأجرت عملية قيصرية…؟

الدكتورة/ ايه اجرتها هنا…. ونصحتها بالحمل القادم ماتنجب طبيعي خصوصًا ان عندها حادث قديم سبب على رحمها….. لكن اعراض الطلق المفاجئة وحركة الجنين زادت حالة التمزق…. عموما هي تحتاج عملية قيصرية عاجلة….

عبدالرحمن يرفع عينيه لعساف…../ طبيب عساف استعد حالًا لدخول العمليات….

ثم أشار لمجموعة الممرضين/ كلكم استعدوا الان…

.
.

في غرفة العمليات……
عبدالرحمن بهدوء/ بعد التخدير العام بنجري شق laparotomy….. ثم نبدأ باخراج الجنين ومعالجة النزيف…..

أخرجوا الطفل ونقلوه فورًا لغرفة الرعاية….
عبدالرحمن وهو يتصبب عرقًا/ الرحم متضرر جدًا…. والاستصلاح في هذي الحالة صعب خاصة مع النزيف…..

عساف الملم جيدًا بهذه الحقيقة….. قال وهو يأمر الممرض بالأدوات المناسبة/
راح نستأصل الرحم…. بقاءه بيعرض الأم للوفاة….

••••
laparotomy*: شق جراحي في تجويف البطن. يتم إجراؤه لفحص أعضاء وهياكل أسفل البطن، ويتم إجراء شق البطن في غرفة العمليات تحت التخدير العام، في حالات معينة ومن أمثلتها: "تمزق الرحم".
••••

.
.


«لم يبقَى عندي ما يبتَـزُّه الألَمُ»

.
.


تجلس في مقاعد الانتظار…..تضع رأس الطفلة في حجرها…..تمسح على شعرها بلطف…..أخذت هاتفها وكتبت تغريدة…..
" ما أقسى دمعة الخوف من طفل "

تركت هاتفها عندما تحركت الصغيرة وهي تتمتم/ ماما…. بتموت….؟

…./ لا طبعا… بتصحى ان شاء الله هي والبيبي وتشوفينها…

بدت طفلةً حزينة تنظر للفراغ…..قالت لينا تحاول تسليتها/ مين بيجي اخو ولا اخت….

نظرت لها الطفلة…/ ماما تبغى ولد…. تقول عشان يحميني اذا كبرت….

تغيرت نظرتها…. لأخرى أكثر بؤسًا…../ ليه…

الطفلة تنظر للأمام… وهي تشبك يديها ببعضها/ عشان أعمامي ماياذونا….

…./ وابوكِ وينه…

ضحكت الطفلة ضحكةَ يتيمٍ أخفوا عنه حقيقة يتمه…./ بابا مو هنا… ماما تقول بابا سافر…بس هو طول بسفره وانا ابغاه يجي ويشوفنا….

صمتت لينا…. وشدت الطفلة تدفنها في حضنٍ ذاق مرارة فقد مشابه…../ خلاص اذا ماما صحت…. تشوفينها وتشوفين اخوك او اختك…. تمام…..

اومأت الطفلة برأسها ثم ابتعدت قائلة بحماس/ اذا ولد انا قلت لماما اسميه زي اسم بابا….

ابتسمت لينا…/ مايصير كذا….

…/ ليه… انا احب بابا….

…/ طيب ماما وش قالت….

…/ قالت يصير خير… يعني بتسميه صح!

فضحكت لينا…. ولم تعلق…..


.
.

«ما أجمل من الضحكة…إلا وجه راعيها»

.
.


خرج الدكتور عبدالرحمن اخيرًا….
فوقفت لينا تتجه نحوه…/ بشر دكتور….

يمسح جبينه بظهر كفه/ الحمدلله الام والطفل بخير….

انتبه لطفلة تخفي نصف جسدها خلف لينا… لتقول/ وين ماما…

انحنى لها عبدالرحمن/ ماما الحين بتنام واذا صحت تشوفينها…. تبغين تشوفين اخوكِ

شهقت بذهول/ اخوي! يعني ولد..!

ثم عادت تنظر للينا/ صار عندي اخو!!

ابتسمت لها لينا…. ثم عادت تحدث الدكتور/ الله يعافيك دكتور كيف حالتها….

وقف عبدالرحمن/ النزيف شديد واضطرينا نستأصل الرحم…. حاليا هي بغيبوبة نتيجة النزيف ولا نعرف متى تصحى…. والجنين بالحضانة تقدرون تشوفونه من برا..

ردت/ تمام يعطيك العافية دكتور…

كان ردًا هادئًا متفهمًا كمن لا علاقة لها في شيء….. وفي داخلها وترٌ تمزق كمدًا
كترنيمة فرح في عزاء قتلى.
تلك المرأة لن تصبح حبلى كرة أخرى قط..
في يوم إنجابها روحٌ حرمت من نصف كيانها… لأجل نفسٍ تخلت عن أنفس….

قطعت جريان أفكارها على خروج عساف متقدمًا ناحية عبدالرحمن../ دكتور عبدالرحمن وين أهل المريضة…

استدار له عبدالرحمن…/ وش تبي فيهم..

بينما وقعت عيني عساف على لينا للحظات… ثم عاد ينظر لعبدالرحمن/ بنبلغهم بوضعها….

عبدالرحمن أشار للطفلة التي تمسك يد لينا/ هذي بنتها…

انتبه لها عساف…. فانحنى يحدثها/ وش اسمك….

…/ فيّ…

…/ طيب يا حلوة وين أهلك….

…/ مافيه…

ظهر على محياه التعجب…. فقالت لينا توجه الحديث لعساف/ الاب عطاهم عمره…. وشكل فيه مشاكل بين العوائل…

قال عبدالرحمن/ والطفلة وين تروح وامها بغيبوبة….

لينا بلا تردد/ انا ببقى معها مرافق لحد ماتصحى امها…..

تأملها عساف للحظات….ولا زال جالسًا بمستوى طول الطفلة أمامه..هل تبادر بالعناية بطفلةٍ غريبة ببساطة وكأنها ابنة أختها…..إنك حقًا تعشقين الصعب يا لينا….ولعينيك بريق لا يلمع إلا في الرفعة…يالك من غريبة….. غريبة…..ولينة جدًا…..
عاد ينظر للطفلة هامسًا/ تعرفين وش اسم هذي…..

فيّ ترمق لينا….ثم ترمق عساف وتهز رأسها نفيًا….. قال عساف ساخرًا/ اخت المجنون…

ثم اعتدل واقفًا وهو يستأذن المغادرة….
استأذنت لينا بعده وهي تأخذ فيّ كي ترى شقيقها الوليد….أمام الحضانة/ تشوفين هناك اخوكِ…..

فيّ بسعادة/ ابي اشوفه…..

تبتسم لها/ بعد مايطلع تشوفينه تمام….

أومأت فيّ برأسها طواعية…..
ثم سألت لينا فجأة/ وش اسمك….

تجلس لينا على أحد المقاعد/ لينا…

دنت منها فيّ وجلست جوارها/ مو زي ماقال لي….

أخرجت هاتفها وهي تسأل/ مين

…./ الدكتور اللي صوته حلو…..

ضحكت لينا بعدم اهتمام/ وش اسم الدكتور….

…./ مااعرف…. بس سألني وش اسمك وقلت مدري قال اخت المجنون….

تسمر الهاتف في يدها…. التفتت بذهول/ نعم….!

رمقتها فيّ….. بتساؤل…… فصمتت لينا وهي تشيح بنظرها لهاتفها….ذلك الطبيب المتباهي المستفز…….حتمًا لا يوجد غيره…كيف يجرؤ على شتم أخيها……ان كان هناك مجنون فسيكون هو لا بتال….دخلت حسابها ثم نسخت ابيات قصيدة…. تفرغ فيها غيضًا لحظيًا…..فهي كل شيء يمكن أن يمر في حياتها مرور الكرام عدا بتال مستثنى من أي قاعدة….كانت للشاعر القيرواني المكنى بأبي عليّ…

" لَوْ قيلَ لي خُذْ أَماناً
مِنْ حادِثاتِ الزَّمانِ

لَما أَخَذْتُ أَماناً
إِلاَّ مِنَ الاخْوانِ "



.
.

نقف هنا.

.
.

••••
يا نفس ما لك في اضطِراب
كفريسةٍ بين الذئاب
هلا رجَعتِ إلى الصواب
وبدلتِ رَيبَكِ باليقين

أحمامةٌ بين الرياح
قد ساقها القدرُ المُتاح
فابتلَّ بالمطر الجَناح
يا نفسُ ما لكِ ترجُفين

أوَما لحُزنِكِ من بَراح
حتى ولو أزِفَ الصَّباح
يا ليت سرِّك لي مُباح
فأعي صَدى ما قد تَعِين
••••

بانتظار آراءكم..
ونلتقي الخميس القادم على خير ان شاء الله….

yasser20, 5maha, Aurora and 9 others like this.

الـميّادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-23, 12:11 PM   #7

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,159
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

بداية جيدة اتمنى ان الرواية مكتملة عندك

غدا يوم اخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-23, 06:49 PM   #8

المتفائلة جنان

? العضوٌ??? » 347752
?  التسِجيلٌ » Jul 2015
? مشَارَ?اتْي » 85
?  نُقآطِيْ » المتفائلة جنان is on a distinguished road
افتراضي

رواية رائعة وبداية قوية كلي حماس

المتفائلة جنان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-23, 07:19 PM   #9

Jiiiiiran

? العضوٌ??? » 458564
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 377
?  نُقآطِيْ » Jiiiiiran is on a distinguished road
افتراضي

مبدددددعة بداية قوية جداً توحي بأننا على مشارف رواية قوية وجميلة
أحببت شخصية لينا كثيراً، و سعود الغامض يبدو أن وراء غموضه وهدوئه الكثير والكثير


Jiiiiiran غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-23, 07:44 PM   #10

Jiiiiiran

? العضوٌ??? » 458564
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 377
?  نُقآطِيْ » Jiiiiiran is on a distinguished road
افتراضي

هل سيكون الفصل الثالث غداً الخميس؟

Jiiiiiran غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:11 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.