آخر 10 مشاركات
أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          كوب العدالة (الكاتـب : اسفة - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          قصر لا أنساه - مارغريت مايلز- عبير الجديدة -(عدد ممتاز ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          79 - قسوة وغفران - شريف شوقى (الكاتـب : MooNy87 - )           »          1 - من أجلك - نبيل فاروق (الكاتـب : حنا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-08-09, 03:08 PM   #11

أمل بيضون

نجم روايتي وعضوة في فريق الروايات الرومانسية المكتوبة وفراشة عبير المكتوبة

 
الصورة الرمزية أمل بيضون

? العضوٌ??? » 77031
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 7,187
?  نُقآطِيْ » أمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond repute
افتراضي


كان سؤاله عن الرحلة , وشكره أمرا سطحيا نابعا من الحاجة لأبداء المجاملة وحسن الأدب , ومرة أخرى , شعرت هيلين بقلق عميق أزاء حياة الطفلين معه, وعجبت من نفسها فهما غريبان عنها تماما , ولن تنقضي دقائقحتى تودعهما نهائيا , وليس في نيتها قبول دعوة ليون بيترو للغداء ... أسبوع واحد؟ مستحيل...ولكن هكذا الأطفال يسيطرون على قلب الكبير المتفهم بأعجب الطرق , لا سيما أذا كانوا مثل فيونا وتشيبي .
وبتصميم على دفع الأضطراب الذي بدأ يتملكها , سألت عمهما كيف تستأجر سيارة , فقال:
" ما أحسبك سترحلين في الحال ! كنت أعتزم أصطحابكم جميعا للغداء".
وقالت:
" شكرا, ولكن...".
لولا أن تسللت يد فيونا الى يدها, ثم أحست بيد تشيبي باردة, فشعرت بغصة في حلقها , لم يكن عمهما قد وجه كلمة واحدة أليهما , ولدهشتها, وجدت نفسها تقول:
" يسرني تناول الغداء معكم".
ولم يزد بل أومأ برأسه أعترافا بقبولها , بينما قال:
" هناك أيضا مسألة دفع ما يستحق لك , أعتقد أن أخي دفع مقدما أتعابك ولكن نفقاتك ما أمرها؟".
قالت:
" أن السيد بيترو أعطاني مبلغا أضافيا ".
فتساءل:
" هل هو كاف؟".
قالت:
" نعم, نعم , أشكرك ".
ما كانت تود التردد , ولكنه لاحظه , فعاد يكرر سؤاله , وبصره ثابت عليها, فأحست بأن الكذب مستحيل , وأكتفت بأن قالت:
" الرحلة تتيح لي قضاء عطلة هنا في نيقوسيا , مع صديقة لي".
ورأته يخرج من حافظته بعض أوراق مالية , فقالت:
" أنني قانعة تماما".
فقال:
" هذه عملتنا طبعا, ولكنك ستجدين أن جنيهنا معادل للجنيه الأنكليزي , كما ستجدين أن الأسعار في المتاجر كثيرا ما تحدد بالعملة الأنكليزية بجانب عملتنا المحلية".
وناولها النقود , ففتحت فمها تهم بالرفض , ولكن شيئا في أساريره جمد الكلمات على شفتيها , وهو يضيف:
" أظن هذه تكفي لتغطية أية نفقات تكبدتها أثناء السفر".
وجدت هيلين نفسها تقبل النقود , وأن كان ذلك رغم أرادتها , أذ أيقنت أنها تأخذ أكثر مما أنفقت , تمتمت وهي تضع النقود في حقيبتها:
" شكرا لك".
وكان الطفلان يرمقانها منتظرين للأمساك بيديها , وعندما لاحظ عمهما ذلك , وجه أليهما كل أهتمامه , وأنفرجت شفتاه – بمعجزة ما- عن أبتسامة وقال:
" كيف أستمتعتما برحلتكما , هل شعرتما بتعب في القطار؟".
لم يخص بالسؤال أحدهما , ولكن تشيبي تولى الأجابة:
" نمنا ليلا فوق الأسرة المعلقة , وكان سريري أعلى الأثنين وأرادت فيونا أن يكون لها , لكنها خافت من السلم".
" لم أخف, أنما أردت النوم قريبة من السيدة ستيوارت ".
" وفي النهار ... ألم تشعرا بملل لطول الرحلة؟".
" أحيانا كنا نضجر , ولكن السيدة ستيوارت قصت علينا حكايات , ثم لعبنا بعض ألعاب الورق...".
وأبتسمت فيونا لعمها في تردد , وهي تقول:
" أحضرت بعض الكتب والقصص أيضا , حتى نقرأ...".
ولكنه لم يبد أنه لاحظ أبتسامتها , وتجاهلت في عينيه السوداوين دهشة وهما تتجهان الى وجه هيلين , وتساءل:
" كيف فكرت في أشياء مثل هذه؟".
فقالت:
" توقعت أن يشعرا بالملل".
ودار بخلدها أنه ما كان ليفكر في مثل هذا الأستعداد وكان من الطبيعي أن يلقى عناء معهما.
قال:
" يبدو أنك بالغة الكفاءة يا سيدة ستيوارت".
وتوقف لحظة ثم قال:
" هل أنت متزوجة؟".
كان الفضول في نبراته وعينيه , ولعله أستنتج أن لها زوجا , فعجب كيف تقوم برحلة كهذه وحدها , فقالت بهدوء:
" أرملة".
وغمغم معتذرا, ثم أردف:
" أنك أصغر من أن تكوني أرملة".
وقالت هيلين:
" أنا في السادسة والعشرين , ومات زوجي منذ سنتين , في حادث.... ".
وأعتذر ليون مواسيا مرة أخرى, ثم سألها أذا كانت أنجبت أطفالا , فردت وقد بدت في صوتها بحة مفاجئة:
" مات وليدنا وعمره ستة أشهر".
كانت تتساءل في نفسها دائما: هل كان غريغوري يظل بجانبها لو أن أبنهما حي؟"
كان أعتذار بيترو مفاجأة لها , أذ بدا صوته فقد بعض حدته:
" أسألك المعذرة يا سيدة ستيوارت , صادفت حياة محزنة لشابة في سنك".
وأصغى الطفلان بأهتمام , كان واضحا , أنهما يفهمان , أذ سألتها فيونا:
" هل مات أبوك يا سيدة ستيوارت؟".
فلما ردت بالأيجاب , شد تشيبي على أصابعها , وسألها:
" وأبنك الصغير؟".
فقالت:
" نعم, وأبني كذلك".
ورمق ليون الطفلين بنظرة عابسة , وقال:
" لا توجها مثل هذه الأسئلة .. ينبغي ألا تجيبيهما يا سيدة ستيوارت".
فأبتسمت قائلة:
" لا عليك... أنا لا أمانع البتة".
وكأنما كان ليون يهم بالتعليق على ذلك , ولكنه عدل, وأرسل يطلب مرطبات لهم , وبعد ساعة, كانوا في الهيلتونيتناولون الغداء , وعندما خرجوا الى السيارة سأل ليون هيلين عن عنوان صديقتها , وعندما تأمل الورقة التي قدمتها , قال:
" سأقلك الى هناك , نعم- أنه ليس بعيدا عن هنا ,".
وشكرته هيلين برقة وهي تستقر بجواره , قائلة:
" أن مثل هذه المساعدة تهون على المرء وهو في بلد غريب ".
وأخذ الطفلان يحدثانها , ولكن الأكتئاب كان يبدو في لهجتها وشعرت نفسها بتعاسة أودت ببريق الأجازة التي كانت تتطلع اليها بشوق.
قال ليون وهو ينحرف نحو طريق آخر:
" ها هو ذا الطريق".
وخفضت سرعة السيارة , وهو يتفرس في المباني البيضاء الناصعة , ثم قال:
" أنه في هذا الجانب.... آه ها هو".
وشهقت هيلين عندما خرجت من السيارة , كان المسكن ضمن مجموعة من ست عمارات ولكل نافذة شرفة تتدلى منها الأزهار , وعلى الأرض – حيث فناء مليء بأشجار مثقلة بالبرتقال, صف كبير من السرو يفصل العمارة عن العمارات المجاورة لها , قالت:
" سآخذ حقائبي".
وأنتظرت أن يفتح السيارة , ولكنه نصحها بأن تتأكد من وجود صديقتها أولا.
وتساءل تشيبي , وهو مصر على أن يلازمها لآخر لحظة:
" هل نستطيع أن نأتي معك؟".
وألتفتت هيلين الى عمهما , فأذا به – لدهشتها- لا يمانع ,وتبعها الطفلان صاعدين الدرجات الى الطابق الأول , حيث كان مسكن ترودي وتاسوس.
وأطلت أمرأة من المسكن المجاور , عندما همت هيلين بقرع الجرس للمرة الثالثة:
" أتريدين مدام باولو؟".
" نعم... أتعرفين أين هي؟".
تأملتها المرأة لحظة , ثم رمقت الطفلين واحدا بعد الاخر , مما ذكّر هيلين بما كتبته ترودي حال مجيئها الى قبرص لتقيم فيها:
" أنهم أليفون , ولكنهم يحبون التدخل في شؤون الغير".
ذهبت مع زوجها الى مصر , أضطره العمل للذهاب , فرحلا الأثنين الماضي".
وغاص قلب هيلين , وتساءلت:
" هل تعرفين متى سيعودان؟".
هزت المرأة رأسها أسفا , وقالت:
ط سيبقيان شهرين , هل جئت لزيارتهما؟".
فقالت هيلين:
" نعم, نعم , جئت من أنكلترا".
وطغى عليها أستياء مرير , جاءت كل هذه المسافة , ولا ترى ترودي".
قال تشيبي لعمه بعدما عادوا الى السيارة:
ط صديقة السيدة ستيوارت رحلت الى الخارج".
وأضافت فيونا:
"لن تعود قبل شهرين".
وأشاحت هيلين بصرها, كان الطفلان مغتبطين , وتساءل تشيبي بلهفة:
ط هل تستطيع أن تمكث معنا حتى تعود صديقتها؟".
سارعت تقول:
ط كلا يا تشيبي , لا أستطيع أن أمكث هنا شهرين".
وألتفتت كاسفة البال الى ليون قائلة:
" أكون ممتنة أذا أوصلتني الى فندق".
ورفض في حزم قائلا:
" كلا , سوف تقيمين في منزلي".
" ولكن ... كلا! لا يمكن أن أضايقك هكذا!".
ومس خط فمه أبتسامة واهنة , وقال في هدوء:
" ألم تسمعي بكرم الضيافة القبرصي , يا سيدة ستيوارت؟ أنت أسديت الى أخي خدمة كبيرة , ولن يرضيني أن أتركك وحدك في فندق".
وظل فاتحا باب السيارة قائلا:
ط أخشى أننا سنضطر للعودة الى المكتب , ولكن بوسعي أن أتم عملي خلال ساعة , ثم أصحبكم الى بيتي في لابيتوس".


أمل بيضون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-08-09, 06:36 PM   #12

أمل بيضون

نجم روايتي وعضوة في فريق الروايات الرومانسية المكتوبة وفراشة عبير المكتوبة

 
الصورة الرمزية أمل بيضون

? العضوٌ??? » 77031
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 7,187
?  نُقآطِيْ » أمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond repute
افتراضي

2- البيت مهر الفتاة!
ما أن حانت الساعة الثالثة حتى كانوا في طريقهم الى المنزل , ولم يكف الطفلان عن الثرثرة , سعيدين بهذا التحول غير المرتقب حتى أمرهما عمهما بحزم أن يركنا للهدوء , فكفا عن الفور , ولكن هيلين لمحت- وهي تلتفت لترى رد الفعل- فيونا تخرج لسانها وراء ظهر عمها , فحدجتها بنظرة حادة لكن فيونا أكتفت بالأبتسام.
قال ليون وهم يجتازون المشارف الشمالية لنيقوسيا :
" أخشى أن القافلة فاتننا , ولهذا ستستغرق الرحلة ما يتجاوز الساعة ".
كان الأتراك يسيطرون على الطريق القصيرة عبر الجبال, ولم يكن مسموحا بسلوكها بدون حراسة ألا للأجانب , وكان على اليونانيين أن ينضموا لقافلة الأمم المتحدة , أو يسلكوا الطريق الطولية, ومن الواضح أن هذا يسبب عناء لليونانيين , لكن ليون كان يتكلم بلا حقد.
وعلمت هيلين فيما بعد ولدهشتها – أن ليون بيترو لم يكن سوى واحد من كثيرين من يونانيي الجزيرة , الموالين للأتراك في الواقع.
ساد صمت في السيارة فترة , فأضطجعت هيلين في مقعدها تشعر براحة مستغربة, وتتأمل المنظر الطبيعي... كانت المنطقة جذابة , تتلألأ فيها فيلات ومساكن ناصعة البياض , وما أقل الحدائق التي تخلو من أشجار الفاكهة المثقلة بالبرتقال والليمون على أنواعه , وكان النخيل المشرئب نحو السماء زاهي الأخضرار وفيض من الألوان ونباتات الخبازي والجكرندة والورود تزدهر بوفرة.
كان رد الفعل الأول لهيلين عندما علمت برحيل ترودي وتاسوس الى الخارج , العودة الى أنكلترا في أول طائرة لكن ليون قال أن بوسعها البقاء في بيته ما شاءت.
فقررت على الفور أن تقبل العرض فتبقى في الجزيرة أسبوعين , حسبما خططت فتزور الأماكن المشوقة , وأذا سمح لها ليون بأصطحاب الطفلين فأن أقامتها سوف تكون أكثر متعة.
وما لبثوا أن خلفوا المدينة وراءهم , فبدأ فيض خضرة السرو والكافور والنخيل ينحسر عن أرض جرداء , على الجانبين مساحاتت شاسعة أنتشرت فيها الصخور , أرض سمراء, شققتها الشمس الحامية المنصبة من سماء صافية , لم تكن هناك سحب الا فوق الجبال , ومن آن لآخر , كانوا يصادفون حمارا يرزح بحمله , وصاحبه يسير ببطء الى جواره , ولم يبد أي أثر للسكان , لكن بعض المحلات السكنية ظهرت أحيانا فوق السفح , تختلط فيها الأكواخ الطينية بالفيلات الحديثة البيضاء , التي أقيمت حديثا , وكانت الأرض السمراء محروثة غالبا, بذرت فيها المزروعات التي تبرز فجأة أذا ما هطل المطر على الجزيرة.
قال ليون والطريق يلتوي:
" نبدأ الآن في المرور خلال الجبال , والطبيعة هنا رائعة".
كان باهرا أن تسفر كل أنحناءة عن منظر جديد , المرتفعات غير المنتظمة , بعضها مكسوة وبعضها عارية , وفجأة بدا البحر أمامهم مباشرة , وبدأت السيارة تسير محاذية له, لم يكن هناك ما يعترض الساحل, لا بيت ولا أي مبنى آخر قرب البحر , وكانت قمم جبال كيرينيا الضخمة تبدو في شكل نصف دائرة , وهنا وهناك كانت قرية صغيرة تقبع في أحضان الأشجار , وقال ليون:
" هذه هي كيرينيا , وبيتي على ثمانية أميال من هنا".
كان بيت ليون كما وصفه روبرت تماما , لكن هيلين شهقت , حين وقفت بجوار السيارة – بعدما وصلوا أخيرا- تتأمل ما يحيط بها , كانت الجبال خلف البيت, والبحر الأزرق المترامي أمامه.... وراح الطفلان يصيحان أعجابا , وقال فيونا وهي غير مصدقة:
" هل يمكن قطف البرتقال؟".
فقال ليون:
" بالتأكيد".
ومد يده فأقتطع غصنا صغيرا وأعطاه لفيونا , تتدلى منه ثلاث برتقالات بكامل أوراقها.
أدهش تصرفه هيلين كما بدا مفاجأة للطفلين أيضا , وخطر لهيلين أنه قد لا يكون صارما كما قيل لها, وبينما كانت تبدل ثيابها للعشاء – بعد ذلك بوقت- أخذت تفكر فيمن قابلتهم . وفيمن يؤلفون أهل بيت ليون.
كانت هناك أخته كوالا وقد تلقت تعليما عاليا , وهي مخطوبة وسوف تتزوج في نهاية يناير( كانون الثان), في الثانية والعشرين , وتعمل في أحد مكاتب نيقوسيا , أما خطيبها تيودور – الذي يناديه الجميع تيدي – فيكبرها بأربع سنوات, ويعمل أيضا في نيقوسيا , ولم تكن قابلته هيلين بعد, لكن كولا أرتها صورته , فأذا به أسمر , وسيم وكان واضحا أن كولا متيمة به.
ولم تتمالك هيلين أن تقول , وهي تلمح وميضا في عيني كولا البنيتين الجميلتين:
" قيل لي أن معظم القبارصة يتزوجون زواج أتفاق , ولكن الواضح أن زواجك عن حب".
أمتقع وجه كولا , ثم تمالكت نفسها وقالت:
" نعم , ثمانون في المائة من الزيجات القبرصية أتفاقات , فالذين يتزوجون عن حب ليسوا كثيرين , ولو تزوج أخي فسيكون لأتفاق ما , لأنه ليس من النوع الذي يقع في الحب ".
وكانت في صوتها المنخفض , المبحوح , نبرة أسف , كان من السهل الأدراك أنها لا تكن حبا عميقا لأخيها , وأن لم تكن مشاعره نحوها واضحة , فكان فاترا وكاد أن يكون جافا عندما قدمها الى هيلين.
وتلاها من أفراد البيت أسمينا عمة ليون , وزوجها فاسيليوس , كانت أسمينا بالغة الأهتمام بهيلين فأمطرتها أسئلة عن حياتها , وموطنها في أنكلترا – أما فاسيليوس فأكتفى بأن يحدجها وهو يعبث بمسبحته , والواقع أن الأنطباع الوحيد الذي تركه في نفس هيلين تمثل في صوت حبات مسبحته المتواصل , وفكرت لو أنها زوجته لفقدت صوابها , وتساءلت أذا كان ليون مولعا بمسبحته أيضا ثم تمنت – لسبب غير مفهوم- ألا يكون.
أما أم ليون – وكانت بدينة , مغضنة الوجه , تلوح أكبر من سنوات عمرها الستين- فكانت هناك للزيارة , أذ كانت تقيم في بافوس مع أبنة متزوجة , وأعتادت المجيء مرتين في العام لترى أبنها وكولا , وقالت هذه:
"أضطررت أن أترك أمي وأجيء الى ليون, بسبب عملي في نيقوسيا , فلم أكن قادرة على السفر يوميا من بافوس الى العاصمة .
وقد علمت هيلين – فيما بعد- أن أسمينا وفاسيليوس يقيمان مع ليون حتى شهر يناير (كانون الثاني) أذ كانت لهما دار تبنى وباعا بيتهما القديم عندما عرض عليهما مبلغ جيد.
ودار في خلد هيلين أنه لن ينتهي شهر يناير (كانون الثاني) حتى يكون ليون وحيدا مع الطفلين , ألا من الخدم.


أمل بيضون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-08-09, 11:23 PM   #13

أمل بيضون

نجم روايتي وعضوة في فريق الروايات الرومانسية المكتوبة وفراشة عبير المكتوبة

 
الصورة الرمزية أمل بيضون

? العضوٌ??? » 77031
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 7,187
?  نُقآطِيْ » أمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond repute
افتراضي

رنين جرس في الطابق الأسفل أعادها الى أكمال زينته , ليون ذكر أنها ستسمع الجرس قبل تقديم الطعام بعشر دقائق , وأحتارت هيلين ماذا ترتدي ؟ لا لأن للأمر أهمية فما كان لديها شيء جذاب , فهي منذ عقدت العزم على ألا تتزين لرجل ثانية , تعمدت أن لا ترتدي ما يبرز جمالها , لهذا أختارت ثوبا خلوا من الزينة , يضفي لونه الرمادي شحوبا على بشرتها , ويعتم زرقة عينيها , ورفعت شعرها الأسود الطويل في غير تأنق – وربطته بشريط أسود, ولم تلون خديها بلمسة من المساحيق , ولم تصبغ شفتيها بما يبدي رقة فمها المقوس.
كم بدت مختلفة عن كولا , التي أرتدت ثوبا قطنيا موشي بالزهور , وأحاطت أحد رسغيها بسوار مرصع , والرسغ الآخر بساعة جميلة , وهما هدية خطيبها عند الخطبة , فبدت ضافية الفتنة , قالت هيلين في نفسها ( هذا ما فعله الحب بك) وهي تتذكر فترة خطبتها الشاعرية.
كان مكانها الى يمين ليون, بينما جلس الطفلان في الجانب المقابل , يغشاهما التهيب , لكنهما أستطاعا الأبتسام حين جلست هيلين , وجذب ليون لها المقعد بحفاوة قبرصية , وقدم اليها الحساء من وعاء كبير . لم تكن واثقة أنها ستستسيغه , فأخذت قدرا صغيرا , لكنه سحب الغرفة من يدها , وقال وهو يقرأ أفكارها:
" سيروق لك".
وأضاف قدرا أكبر, وهي تساءل نفسها بحرج متزايد, كيف تتناول كل ذلك , ولكنها أفرغته , وأعجبها كما قال ليون , ألا أن الطفلين رفضا نصيبهما , أذ كان الحساء مصنوعا من لبن الماعز . وله مذاق حامض قليلا , وفهمت هيلين سر عزوفهما عنه , لكن عمهما أصر على أن يسكب وجبة ثانية , ولم يسمح لتشيبي بترك ملعقته ألا حين بدأ يلهث كأنه يوشك على التقيؤ, شقيق ليون أخبرهما أن ليون لا يفهم الأطفال , وما كان أصدقه , فأول ما ينبغي معرفته عن الأطفال أنه لا يجب غصبهم على الطعام.
هذه المائدة حافلة بالطعام , وأضطرت هيلين نفسها الى الحزم حتى لا ينتابها ما شعر به تشيبي , لم يحدث أبدا أن رأت هذه الكميات من الطعام في وجبة واحدة , رغم أنها لاحظت أن ليون نفسه كان مقلا في الأكل , وأخيرا , وضعت الفاكهة : برتقال , يوسفي , بلح , تين , موز , كلها من حديقة ليون, وعندما دعا ليون أبنة أخيه لتتناول ثمرة من التين, قالت:
" ليس هذا تينا , التين أسمر".
فقال وهو يضع واحدة في طبقها:
" تيني أخضر , ماذا تأخذ يا تشيبي؟".
فقال:
" لا شيء".
" خذ برتقالة!".
فبدا تشيبي مكفهرا , وقال:
" أرجوك , يا عمي ليون ".
لكن عمه قال:
" خذ واحدة!".
فلم تتمالك هيلين أذ تدخلت قائلة :
" لا أحبذ الضغط عليه , فأنه ... أنه..".
وقال ليون:
" حسن جدا".
ولكن كلمتيه أنطلقتا بحدة , فأدركت هيلين بغريزتها أنه لم يرض عن تدخلها , فرمقته بأعتذار وتذكرت أنها ضيفة في بيته, وقالت:
" أنني آسفة يا سيد بيترو , لكنه في الواقع تناول كفايته , الأطفال لا يتعودون بسهولة أي تغيير في نظامهم الغذائي ".
قالت كولا في شيء من الدهشة:
" ألا يأكلون البرتقال؟".
وأجابت هيلين :
" يأكلونه , ولكن الطعام الآخر , نحن لا نطهو بالزيت مثلا".
وأضافت فيونا:
" ونحن لا نتناول نتفا من اللحم على أعواد , مذاقها كالدخان".
أجاب ليون وبدأ اللون الطبيعي يعود رويدا الى وجهه:
" أنك لم تتذوقي الدخان أبدا".
" لا يهم , لا أزال أجد مذاقها كالدخان".
قالت أسمينا لفيونا:
ط يجب أن يكون مذاق اللحم كالدخان لأنه مشوي على الفحم".
ونظرت فيونا صوب عمها , قائلة:
" لا أحب هذا الطعام , هل أستطيع الحصول على بيض وشرائح بطاطس غدا؟".
وكان جواب عمها مقتضبا:
" ستتناولين ما نتناول , وسرعان ما تتعودينه".
وأخذ سكينا وبدأ يقشر تفاحة , وأتقدت عينا فيونا , وخيّل لهيلين – للحظة رهيبة – أنها ستخرج له لسانها مرة أخرى, ولكم أراحها أن الطفلة فطنت فجأة ألى أن الآخرون سيرونها.
عندما أنتهى العشاء , غادروا الحجرة , وتناولوا القهوة على الشرفة في أقداح صغيرة , كانت قهوة تركية , وكانت أول رشفة كافية لفيونا , ووضعت قدحها بسرعة , وأذا بالسائل الأسود السميك يتناثر على غطاء الطاولة المطرز , ورمق ليون أبنة أخيه بنظرة غاضبة , وقال بحدة:
" حان الوقت لتأويا الى الفراش".
وألتفت الى هيلين قائلا:
" أتسمحين بأن تعني بهما يا سيدة ستيوارت ؟ ستتولى آراتيه رعايتهما آخر الأمر , ولكن لعلك تقومين برعايتهما أثناء وجودك هنا؟".
كانت آراتيه هي الخادمة التي قدمت أليهم القهوة , وبدت جافة , فغاص قلب هيلين لفكرة أن تتولى الطفلين , وأطلقت زفرة عميقة عندما تبينت أنها لا تملك أن تفعل شيئا, وبادرت قائلة:
" نعم, بالتأكيد...".
وأزدردت ما في قدحها.
كانت لحجرة فيونا شرفة تطل على البحر , أما حجرة تشيبي فكانت تواجه الجبل , وكانت الحجرتان مكسوتان بأبسطة سميكة ومؤثثتين على النمط الحديث , وقد ألحق بكل منهما حمام, وأعجبت هذه الفكرة الطفلين أيما أعجاب , لكن وجهيهما كانا واجمين وهما يجلسان على سرير فيونا , ينظران الى هيلين وهي تغلق المصاريع , وتساءل تشيبي وهو ينظر الى قدميه بينما كان يهز ساقيه:
" هل تعتقدين , بعد أن رأيته , أنه بغيض؟".
وكان كل جوابها:
" ستتعودانه".
ثم أردفت:
" هيا يا تشيبي الى غرفتك , فأن فيونا ستبدا ثيابها".
قال مبارحا الفراش , ومغادرا الحجرة:
" آه , وهو كذلك".
سألتها فيونا – بعد لحظات- وهي تتطلع اليها:
" ألى متى ستمكثين؟".
فأجابت وهي تحكم الغطاء حول كتفي فيونا :
" سأبقى أسبوعين , أذا لم يمانع عمك في أستضافتي".
ثم أردفت:
" هل ستحتاجين الى بطانية؟".
فأجابت :
" أريد بطانيات".
وأحضرت هيلين بطانية من خزانة الحمام , وفرشتها عليها قائلة:
" كلا , واحدة تكفي , فالحر شديد هنا".
" يسعدني أن تبقي معنا فترة طويلة".
قالت هيلين:
" هذا غير ممكن".
وبدافع غريزي , أنحنت وقبّلت خدها قائلة:
" طابت ليلتك يا عزيزتي فيونا ... نوما هادئا".
كانوا يجلسون تحت مظلة زاهية الألوان , في مرفأ كيرينيا , وقد رست أمامهم عدة قوارب صغيرة , وعندما أفرغ الطفلين قدحيهما نهضا وأقتربا منها ليتأملاها , فهتفت هيلين عندما رأتهما يقتربان من الحافة:
" أحترسا , أرجع الى الوراء , قليلا يا تشيبي".
قالت كولا , عندما أطاع تشيبي فورا:
" أنهما طفلان طيبان جدا".
كانت تحدث بدهشة , والواقع أنهيلين لاحظت – في عدة مناسبات- عندما كان الطفلان يطيعان أمرا صغيرا بلا جدا , فتناولت هيلين كوبها وشربت , وهي تتأمل مرافقتها في فضول – وتلاحظ في الوقت ذاته ترددها – ثم قالت:
" كأنك تتوقعين أن يكونا أرعنين !".
فقالت كولا بعد تردد :
" رآهما ليون في أنكلترا مرة أو أثنتين – ولم يبد أنه وجدهما حسني السلوك بدرجة ملحوظة".
قالت هيلين, وهي تتذكر مناسبة أو أثنين أثناء الرحلة أضطرت ألى كبح جماح أحدهما:
" لهما لحظات أزعاج , ولكن المعروف أن الطفل الهادىء يكون بليدا أيضا".
وتناولت كولا رشفة من شرابها وقالت:
" أراك تحبين الأطفال".
ولما لم تعقب هيلين , أستأنفت قائلة:
" أنا أيضا أحب الأطفال , وأريد أربعة على الأقل".
أرتدت نظرة هيلين الى تشيبي ؟ الذي كان يسرح البصر في المرفأ , كان هناك يخت يتحرك منسابا تحت ظلال الحصن, وأنتابها شعور بالحزن , لو أن طفلها عاش , وبقي غريغوري بجانبها لأمكن أن تكون أنجبت طفلا آخر أو أثنين في هذه الأثناء.
وتأملت كولا, لم تكن تحسدها , ومع ذلك... قطبت جبينها وحولت بصرها , كلا , ما كانت تحسدها , وهي مقبلة على الزواج من رجل لا تعرف شيئا عنه , حقا , كانت تظن أنها تعرف هذا التيدي ولكن المرأة لا تعرف الرجل ألى أن تتزوج منه , عندئذ تكتشف كل عيوبه , كل أنانيته وقسوته , وتكون الفرصة فاتت لتفعل أي شيء , كلا , ما كانت تحسد كولا , بل – على العكس- كانت تشفق عليها , ولكن لأن كولا حاليا في أوج السعادة , قالت هيلين متلطفة:
" أين ستذهبان في شهر العسل؟ هل سترحلان للخارج؟".
فأومضت عينا كولا , وسرت هيلين لأنها أستطاعت أن تحمل نفسها على أبداء الأهتمام.
" كنت أريد الذهاب الى بارس, ولكن تيدي زارها , فهويريد الذهاب الى لندن".
" لندن, يا له من مكان لشهر العسل!".
وعادت هيلين تسألها:
" وألى أين ستذهبان؟".
فأجابت كولا:
" لندن ".
ثم أردفت بسرعة , وكأنها تقرأ أفكار هيلين:
" ولكنني وضعت رسم البيت بنفسي , ففي مطبخي كل الأجهزة الحديثة , سأرتاح لوجودي هناك".
" أذن سمح لك تيدي بأرضاء نفسك في هذا الصدد".
فرفعت كولا ذقنها قائلة:
" طبعا, أنني أرضي نفسي , أنه بيتي".
حدقت فيها هيلين قائلة:
" بيتك؟ أتعنين أنك تقومين ببنائه؟".
لم تكن كولا تتجاوز الثانية والعشرين , وبناء بيت يتطلب نفقات كبيرة, أكبر من أن يتحملها ترودي زوجها, لذلك أردفت:
" لا بد أنك غنية".
فقالت الفتاة:
" ترك لي أبي مبلغا للدوطة ودفع ليون الباقي".
" الدوطة؟ ألا تزالون تعملون بعادة دفع الدوطة؟".
قالت كولا , محتارة:
" طبعا , أن الفتاة اليونانية لا بد أن تتكفل بالبيت , هذه تقاليدنا , أنكن في أنكلترا لا تلتزمن ببيت, لأنكن تتزوجن دائما عن حب, أليس كذلك؟".
وتجاهلت هيلين السؤال لتقول :
" ولكنك أخبرتني يا كولا أنك تتزوجين عن حب".
" هذا حقيقي , ومع ذلك يجب أن أتكفل بالبيت, لأن أبي ترك لي النقود وأضاف اليها ليون لأن الأسعار أرتفعت كثيرا, في الفترة الأخيرة , أبي وفّر لي المال اللازم خشية أن أتزوج رجلا يصر على الدوطة".


أمل بيضون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-09, 12:04 AM   #14

بنوته عراقيه

نجم روايتي وعضو بالسينما ورئيسه تغطيه و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارThe Vampire Diaries

alkap ~
 
الصورة الرمزية بنوته عراقيه

? العضوٌ??? » 9075
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 23,449
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » بنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

سلمت الايادي ياقمر..بانتظار التكمله

بنوته عراقيه غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 03-08-09, 07:07 PM   #15

أمل بيضون

نجم روايتي وعضوة في فريق الروايات الرومانسية المكتوبة وفراشة عبير المكتوبة

 
الصورة الرمزية أمل بيضون

? العضوٌ??? » 77031
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 7,187
?  نُقآطِيْ » أمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond repute
افتراضي

ماذا يحدث أذا ... أنني أعرف أن الزيجات لا تنفصم هنا كثيرا, ولكن لنفترض أن هذا حدث هل يؤول البيت للزوج؟".
عجبت كولا , وهتفت:
" كلا.... أذا أنهار زواجي , لا يؤول البيت اليه , طبعا يظل لي, وعلى تيدي أن يرحل عنه".
وأدركت هيلين أن هذا هو السبب في قلة أنفصام الزيجات في الجزيرة , فالواضح أن الرجل كان في وضع شائك , ولو أساء التصرف , يجد نفسه بلا مأوى , كان لهذا التقليد العتيق – أن توفر الفتاة البيت كدوطة – حسناته , برغم كل شيء.
" قلت أن ثمانين في المائة من الزيجات هنا , زيجات مدبرة , زيجات أتفاق , لكنها تبدو نسبة عالية جدا".
ولم تكن كولا مصغية , أذ أنفرجت شفتاها عن أبتسامة , فألتفتت هيلين لترى ليون واقفا خلف مقعدها , وعقّب على كلامها بفتور قائلا:
" هذا صحيح يا سيدة ستيوارت , ولكن الزمن بطيء في تغيير تقاليد الشرق".
وجلس في أحد المقاعد الخالية , وهو ينظر الى حيث وقف الصغيران , ثم أردف:
" ولكن معظم زيجات الأتفاق هذه , ناجحة للغاية".
ورمقها بنظرة غريبة وفي نبراته شيء جعل هيلين تشعر بأن لكلامه معنى أعمق مما كان ظاهرا , ثم قال:
"هل أطلب لك شرابا ؟ لم تهتمي بالسيدة ستيوارت يا كولا ".
قالت هيلين:
" شربنا, أفرغت كوبي منذ قليل".
قال:
" تأخذين شرابا آخر؟".
وأشار الى الخادم بدون أنتظار جوابها , ثم سألها:
" ماذا تريدين؟".
وطلب الشراب الذي ذكرته , وجلسوا في صمت برهة , يتأملون المارة , كان معظنهم قبارصة, أذ لم يكن في المدينة أي زائرين تقريبا , في ذلك الوقت من العام , كان بعض القبارصة يفدون في سياراتهم من نيقوسيا.
وقالت كولا:
" أنها رحلة معتادة في أصيل يوم الأحد, كانت أسر بأكملها تأتي ومعها طعامها , وتبتاع المشروبات من المقهى المقابل للمرفأ".
تنهدت هيلين عندما تذكرت أن أقامتها أوشكت على نهايتها , بقيت أسبوعا أطول مما كانت تعتزم , ولكن كولا وليون ألحا عليها في البقاء فترة أخرى حين أشارت الى الرحيل , هي وكولا أصبحتا صديقتين حميمتين , وأعتادتا- كلما سنح لكولا الوقت- أن تأتيا الى المرفأ فتجلسان وتتكلمان وتنعمان بالشمس , كذلك أصطحبت كولا هيلين في جولات وكان الطفلان يرافقانها أحيانا , لكن ليون أصر في عدة مناسبات أن ينطلقا وحدهما قائلا:
" لا يمكن أن تأخذاهما بأستمرار ".
ورغم أن هذا كان يثير ضيق الطفلين , ما لبثت هيلين أن أكتشفت عبثية مجادلة ليون في أي أمر.
بدأ الظلام في الهبوط , وتحول الوهج الناري على البحر الى أرجواني , جاءت هيلين وكولا والطفلان من لابيتوس في القطار , لكن ليون جاء بسيارته , فأنطلقوا فيها عائدين , وشرعت هيلين وهي تجلس بجواره في المقدمة – تفكر فيما أتى به, أذ كانوا قد تركوه في حجرة المكتب منهمكا حين غادروا البيت , ثم فهمت أنه جاء خصيصا ليقلهم, عندما أخبرته أمه عن مكانهم, يا للمراعاة! ومع ذلك كان رجلا غريبا, وأكتشفت هيلين هذا بعد وصولها بقليل.
كان مسلكه نحو الطفلين غريبا, مما أثار حنق هيلين , ومع ذلك, فعندما تعثّر الصغير مرة وجرح ذراعه ضمّدها ليون بنفسه, ولن تنسى دهشتها- في تلك المناسبة- ولا الشعور الذي غشيها وهي تراقبه مع الطفل , لاحت أصابعه لطيفة , وهي تعنى بالذراعين , وقد قام هو بنفسه بمسح دموع تشيبي , أما مسلك ليون نحوها هي , فكان مجاملا دائما , ولكن في فتور وعدم مبالاة , مما أثبت دون شك ما قالته بريندا أنه لم يؤت وقتا للنساء , أما دعوته لها لأطالة أقامتها فقد كان جزءا من التقاليد القبرصية ومع ذلك كانت صادقة ... الواقع أنه كان بالغ التلهف على أن تبقى في ضيافته مدة أطول وفي محاولتها للعثور على مبرر لذلك, تصورت هيلين أنه كان مقدرا لمساعدتها في رعاية الطفلين , لأن آراتيه لم تكن قد تولت بعد العناية بهما.
كان الطريق من كيرينيا الى لابيتوس يمتد مسافة موازيا للبحر, يم ينحرف الى التلال , متعرجا , يزداد ضيقا ووعورة وهم يرقون نحو الفيللا البيضاء الجميلة المنتصبة في ضوء بلون اللؤلؤ ولن الغسق المنسحب , وغشيت هلين السكسنة والوحشة وهي تغادر السيارة وتقف محدقة عبر السهل الساحلي الضيق الى البحر , وهرعت كولا بخفة الى داخل البيت قائلة :
" أرجو أن تأذنوا لي , فأنا أشعر ببرد".
كان الهواء حولهم معطرا , وقالت فيونا وهي تتقدم بجوار هيلين:
" أنني أحب عبير الحديقة , ألا تحبينه يا سيدة ستيوارت؟".
" بلى يا فيونا, أعتقد أنه رائع".
فسألتها فيونا :
" هل أنت حزينة لرحيلك؟".
وأختنق صوتها وهي تضيف:
"ألا تستطيعين البقاء مدة أطول؟".
" مكثت أسبوعا آخر يا عزيزتي , ولي بيتي كما تعرفين".
قال تشيبي وهو يقبل عليهما:
" ولكنك وحيدة , وليس مستحبا أن تعيشي وحدك , لو أنني مكانك ما أحببت هذا".
قالت مبتسمة:
" طبعا, ولكنني تعودت ذلك".
فسألها:
" ولكن, ماذا تفعلين؟".
فأجابت:
" أشياء كثيرة , أقرأ وأرسم قليلا".
وهتف :
" ترسمين صورا؟".
قالت:
"نعم , أحب أن أكون وحدي يا تشيبي فلا تحزن هكذا".
وأقبل ليون من الجانب الآخر للسيارة , فسألها:
" أتحبين أن تعيشي وحيدة , يا سيدة ستيوارت؟".
كان يقف مطلا عليها , منتظرا – كما بدا- ردّها في فضول .
قالت:
" تعودت ذلك".
ولكنه كرر سؤاله , فقالت:
" نعم, أحب أن أعيش وحيدة".
وكان تعقيبه الداعي للدهشة:
" لا يبدو أنك متأكدة جدا من ذلك".
وبعد صمت بدا أنه كهرب الجو المحيط بهم , قال:
" أود أن أتحدث اليك على حدة يا سيدة ستيوارت , بعد العشاء وأرسال الطفلين الى الفراش".
فتساءلت , وهي لا تدري سر الشعور المرتعش الذي سرى في أعماقها:
" على حدة ؟ هل أجيء الى مكتبك؟".
قال:
"أذا سمحت , فلن يزعجنا أحد هناك".
كانت نبرته مقتضبة , وفي عينيه ذلك اللمعان المعدني البارد المعهود وقد أطبق فمه بقوة , وأنتظر لحظة أرتقابا لأي سؤال آخر منها , فلما ظلت صامتة أستدار ودخل البيت , وتبعته هيلين وهي شبه مسلوبة الوعي , لا تكاد تفطن الى أن الطفلين كانا متشببستين بيديها وهما يقفزان بجوارها.
ومع أن هيلين كانت مفعمة بالفضول , تشعر بدبيب غريب يجعل ضربات قلبها تتسارع فلم تكن مستعدة أبدا لما قاله ليون عندما دخلت حجرة مكتبه في وقت لاحق من ذلك المساء , فبعدما قدم مقعدا ودعاها للجلوس , شرع يقول بدون تمهيد , ونبرات هادئة ولهجة الأمر الواقع:
" كنت جادا يا سيدة ستيوارت ,حيث قلت – في فترة سابقة اليوم- أن زيجات الأتفاق والت**** عندنا , موفقة جدا في الغالب".
وجلس في هدوء في مواجهتها وأستأنف حديثه :
" أستخلصت – أثناء حديث معك منذ فترة – أنك لا تأملين زواج ثان يقوم على الحب , أترينني أصبت في فهمي؟".
قالت متلعثمة:
" ن... نعم".
وهي غير قادرة على تذكر الحديث الذي قصده , لو أنها قالت شيئا كهذا , فلا بد أنه كان أشارة عابرة , لأن هذا ليس بالأمر الذي تقبل مناقشته مع أي شخص , اللهم ألا أمرأة , وصديقة, هذا بالأضافة ألى أنها لم تأمل في زواج ثان أطلاقا.
" هكذا ظننت – ولما لم يكن ثمة أحتمال لأن أشعر يوما بعاطفة عميقة لأمرأة , فأنني أعرض عليك مشروعا , لا تقاطعينني يا سيدة ستيوارت أنتظري حتى أنتهي من كلامي ".
تزحزح في مقعده , ومع أن عينيه لم تكونا تحيدان عن وجهها بدا أنه لا يتأملها – أذ كانت ملامحه مكفهرة مريرة ومضى مستأنفا كلامه :
" تلقيت نبأ – في الأسبوع الفائت- بأن أخي لن يبرأ من مرضه- الواقع أنه قد لا يعيش أكثر من شهر , على الأكثر".
فهتفت هيلين:
" سيصبح الطفلان يتيمين ... ما أفظع هذا".
قال يذكرها بخشونة:
" أن للطفلين أما".
الواضح أنه كان يظنها على علم بتفصيلات تاريخ والديّ الطفلين , ثم أردف:
" على الرغم من أن هذا غير هام , لأنها غير ذات نفع لهما الآن , سيكون عليهما أن يفيما معي نهائيا , لا خيار في ذلك , ولقد راقبتك معهما في حذر بالغ , ومن الجلي أنهما مرتبطان بك قدر أرتباطك بهما , أزاء هذا آمل أن أستطيع أقناعك بالبقاء هنا والعناية بهما".
أطلقت زفرة طويلة:
" أهذا كل شيء ؟ سأتدبر الأمر بلا شك".
وسكتت عندما نظر اليها , ثم قال بصوت ناعم:
" رجوتك ألا تقطعي حديثي".
وتصاعد الدم الى وجنتيها , فأنتظر لحظة , ثم أستأنف:
" أختي كما تعلمين, ستتزوج في الشهر المقبل , وعمتي وعمي سيرحلان في الوقت نفسه تقريبا , وفي أنكلترا , يباح لك دخول بيت رجل- ورعاية أولاده , ولو كان يعيش أعزب, أما هنا , فهذا مستهجن – لسوء الحظ- ونحن أكثر أهتماما بمسائل اللياقة , مما في بلادك , وأذ يبدو أنه لا غنى عنك لسعادة الطفلين , فأنني أسألك الزواج مني".
أفحمتها الدهشة , هل يجري عرض أقتراح الزواج بمثل هذه الرؤية الفاترة؟ وبعد ثلاثة أسابيع من التعارف فحسب! لم يزد ليون على ما قال , وأمهلها لتستجمع شتات ذهنها , فأخذت تتقبل رويدا- وهي لا تزال مشدوهة – أن الزواج كان المخرج الوحيد له من موقفه , فما كان لأمرأة في هذه البلاد أن تقيم معه دون أن تكون زوجة , وكان للخادمين – آراتيه وزوجها – بيتهما أسفل التل , حتى أذا كانا ينامان في دار ليون, تغير الوقف , فأقامة أمرأة غير متزوجة في بيت رجل- مهما يكن المبرر- تعتبر في هذه البلاد مثيرة للشبهات والأستهجان .
تمالكت نفسها أخيرا , وقالت:
" أنا لا أستطيع الزواج منك , قد أبحث المجيء للعناية بتشيبي وفيونا , أما للزواج...".
والواقع أنها كانت تهتم بالطفلين كثيرا ,. ولا شك أنهما سيشعران بشقاء كبير أذا فارقتهما , كان الموقف سيئا من قبل... أما الآن فيجب أن يعلما بما أصاب أباهما... وغمغمت وهي تحدجه بعينين أصبحتا الآن أكثر بريقا :
" لا أدري ماذا أقول يا سيد بيترو , أنني عاجزة حتى عن التفكير".
وأيقنت هيلين أنه رجل حكيم وماكر , عندما قال في لهجة أكثر نعومة وألطف , أنه يفهم الصراع الذي يدور في داخلها , ولا يتوقع قرارا فوريا بل يجب عليها أن تفكر في الأمر كثيرا , وتحسب حساب الأيجابيات نسبة الى الطفلين واليها, أما من ناحيته في الزواج فلا ينبغي أن تخاف منهفلن يطلب منه ألا أن تبقى عفيفة وألا تعرضه قط للهوان بسلوك ربما يوصف – ولو عن بعيد – بأنه غير لائق.
" لن يحدث ما تخشاه من هذه الناحية...".
وسكتت أذ أذهلها أن تفكيرها تحول الى صوت مسموع , وأبتسم ليون لأرتباكها , فأذا التغيير الذي طرأ عليه مذهل , أجل , كان وسيما... وكان غريغوري وسيما أيضا , ولذلك طاردته النساء , أما أذا طاردن ليون , فلن تجرح مشاعرها , بل أنها لن تحفل , ولكن, ما هذا التفكير ؟ لم يكن ثمة مجال لأن تتزوج منه , كلا ما كانت لتتصور الزواج مرة أخرى من أجل الأمن والطمأنينة , ولو من أجل الطفلين , ثم أن ليون كان يحتقر النساء , بينما كرهت هي الرجال وفقدت ثقتها بهم.
فكرة زواج شخصين على هذه الشاكلة تثير السخرية.


أمل بيضون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-08-09, 07:54 PM   #16

بنوته عراقيه

نجم روايتي وعضو بالسينما ورئيسه تغطيه و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارThe Vampire Diaries

alkap ~
 
الصورة الرمزية بنوته عراقيه

? العضوٌ??? » 9075
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 23,449
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » بنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond reputeبنوته عراقيه has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

سلمت الايادي يالغاليه

بنوته عراقيه غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 03-08-09, 10:53 PM   #17

lugain
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 95142
?  التسِجيلٌ » Jul 2009
? مشَارَ?اتْي » 8,315
?  نُقآطِيْ » lugain has a spectacular aura aboutlugain has a spectacular aura about
افتراضي

شكرا كثير الرواية شكلها كثير حلوة يسلموووووووووووووو

lugain غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-09, 06:12 PM   #18

أمل بيضون

نجم روايتي وعضوة في فريق الروايات الرومانسية المكتوبة وفراشة عبير المكتوبة

 
الصورة الرمزية أمل بيضون

? العضوٌ??? » 77031
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 7,187
?  نُقآطِيْ » أمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond repute
افتراضي

3- آمال برسم الأنهيار
أنقضى شهران على زواجهما , حين حلت معجزة الربيع على الجزيرة , وأذا بأمطار الشتاء , وماء ثلوج الجبال تبدل معالم الأرض الجرداء السمراء وفي مكان برزت نباتات خضراء زاهية تكسو السهول , وأخذت الألوان تعربد على سفوح الجبال, أذ راحت الزهور البرية تتفتح سريعا , ووقفت هيلين في شرفة مخدعها تسرح النظر الحالم عبر الشريط الساحلي الضيق الى البحر الشاسع , البحر الأبيض المتوسط أزرق لازوردي متلألىء , يتدرج ويخف لونه وهو يترامى الى الأفق , ولكنه ظل- مع ذلك- قائما لدرجة تفرقه عن زرقة السماء الصافيى.
ولامس شفتي هيلين أبتسامة , أذ سمعت نداء:
" يا عمتي هيلين!".
فسارت الى سياج الشرفة ,. وأطلت على الحديقة, كانت فيونا تقف هناك , متطلعة بوجهها المتألق الى أعلى , تعلق على كتفيها حقيبة الكتب , وقالت:
" رجعت!".
فضحكت هيلين قائلة:
" يمكنني أن أرى ذلك ... هل أنت جائعة؟".
" حتى الموت".
" تعنين الى درجة التضور جوعا".
" أجل , أصبت , هل لدينا شيء من تلك الكعكات التي صنعتها بالأمس؟".
" عدد قليل , سأوافيك حالا بها , سأرى ماذا لدينا في العلبة"
تحولت الى غرفة النوم , فأذا بها تلمح نفسها في المرآة , وتذكرت ما قالته ترودي بدون مجاملة , حي زارتها هيلين في الأسبوع الماضي : أنت طراز قديم!".
" لماذا التحفظ وقد تزوجت؟ أنك لن تستبقيه , وأني لأنذرك , فهؤلاء القبارصة سرعان ما يجمحون شاردين , يكفي أن.يروا وجها جميلا واحدا كي ينحرفوا , ما لم يكن لديهم في البيت ما هو أفضل".
" هل تتحدثين عن سابق أختبار؟".
" كلا , طبعا , فحبيبي تاسوس مختلف , أجل , لا داعي لأن تضحكي! ولكن هذا هو السائد , أنني أحذرك , كما أقول , لأنك صديقتي , أنك حسناء يا هيلين , فلماذا الجمود؟ ثم , ما تبريرك لطول ثيابك؟ يا للسماوات , أنني لا أكاد أرى ركبتيك!".
ونبهها صوت فيونا تقول:
" أين أنت يا عمتي هيلين؟".
فبادرت مجيبة :
" ها أنذا قادمة يا حبيبتي!".
كانت فيونا في المطبخ , تطوف بأرجائه , وهي تجر حقيبتها على الأرضو , وبادرت:
" أين الكعك ؟".
" أرفعي حقيبتك , كلا , أرجو أن تعلقيها في مكانها ".
وخرجت فيونا- وهي تبتسم بخبث- لتعلق حقيبتها في خزانة البهو , ثم عادت وجلست الى مائدة المطبخ , وهي تؤرجح ساقيها , وترتقب متطلعة أن تقدم أليها هيلين ما تأكله , ووقفت هيلين تطل عليها لحظة , وهي تتذكر رد فعل الطفلة عندما حدّثها ليون عن أبيها بعد وفاته , ظل وجهها الصغير الوديع جامدا في البداية , ثم أنخرطت في بكاء مثير للأشفاق على صدر هيلين , أما تشيبي فزم شفتيه , محاولا ببسالة أن يكون شجاعا , ولكنه ما لبث أن أنهار هو الآخر , كان هذا المشهد المفتت للقلب , والوجوم المكفهر القلق في عيني ليون فوق ما تحتمل هيلين , فكان قرارها من وحي الساعة- كما قالت لنفسها – ناجما عن أنفعال عاطفي قوي مؤقت , وشعرت أنها قد تندم على الزواج, فالحياة مع هذا الأجنبي الأسمر الصارم الذي كان أسلوب حياته مختلفا عن أسلوبها وعاداتها – لا يمكن أن تكون ممتازة , أكد لها روبرت جارها أنه ما من قبرصي يستطيع أن يعيش بدون أمرأة , ومع أن هذا الجانب من حياته الشخصية ما كان ليمسها قط في شيء , كانت تدرك دائما أحتمال وجود هؤلاء النسوة , وما كان هذا ليساعد على الرضا وراحة البال , وبرغم التحذيرات الكثيرة- في دخيلتها- فأن هيلين سمحت لشفقتها بأن تسيطر على هواجسها , ولم تندم بعد على ذلك- وكان هذا النمط من الزواج يلائمها ... أذ هناك مجال لمشاعر أعمق, بدون أيقاظ العواطف , ومن ثم لا خطر لأن تنهار آمالها مرة أخرى.
وهتفت الصغيرة:
" يا عمتي هيلين ... أسرعي".
تقدمت هيلين الى الخزانة ضاحكة , وأخرجت الكعك , ثم سكبت لها فنجانا من الحليب , وسألتها , وفم فيونا مليء بالكعك:
" أين تشيبي , لماذا يتأخر دائما؟".
" أنه مع بعض الأولاد , يستطيع أن يتكلم معهم , أما أنا فلا أستطيع , من الصعب تعلم اللغة اليونانية , لكن معلمتي طيبة , تخبرني بكل الكلمات".
" وأنت تنسينها على الفور".
" أتذكر بعضا منها , لكن الحروف غريبة جدا , لماذا يقلبوها رأسا على عقب؟".
" ليست مقلوبة , لكنها تختلف عن حروفنا , هذا كل ما في الأمر , سوف تتعلمين اللغة قريبا".
" لكنك قلت لعمي ليون أنك لن تتعلميها أبدا".
" أنا أكبر منك . والتعلم في الكبر شاق دائما , أتوقع أن أتعلم ما يكفي لأحتياجاتي , لا يهم , فمعظم الناس هنا يتكلمون الأنكليزية".
نظرت هيلين نحو النافذة ,أذ ظهر تشيبي عند الشرفة , ثم أقبل خلال الباب الزجاجي , وأن هي ألا لحظة حتى أنسابت حقيبته تتدحرج عبر الأرض المصقولة .
" ماذا تأكل فيونا؟".
" عندما ترفع حقيبتك وتخرجها من هنا".
" علقيها نيابة عني يا فيونا".
أتسعت عينا هيلين, وهتفت:
" ماذا قلت؟".
فأجاب تشيبي وهو يجلس على أحد المقاعد العالية , منتظرا أن يقدم له كعك وحليب:
" قلت لفيونا أن تعلق حقيبتي ".
فقالت هيلين بحزم :
" خذ حقيبتك خارج المطبخ , فورا".
فأشار بسبابته الى الحقيبة وقال:
" فيونا؟".
شربت فيونا جرعة كبيرة من الحليب –وملأت فمها بالكعك ثانية , قالت:
" لن أعلق حقيبتك الزرية ! علقها بنفسك ! لست أدري ماذا دهاك يا تشيبي , أنك تحاول دائما التعالي وأصدار الأوامر!".
وتطلعت ألى هيلين في أستنكار , وأبتلعت ما في فمها , وأردفت تقول بفظاظة:
" طلب مني أن أنظف حذاءه , هذا الصباح".
حدقت فيه هيلين غير مصدقة , وهتفت:
" تنظفين حذاءه ؟ هل طلبت من أختك أن تنظف حذاءك؟".
فأجاب بهدوء:
" هذا صحيح , الأخوات دائما يخدمن أخوتهم هنا , الصبيان هم ذوو القيمة , وليس على البنات سوى الشغل , ... وكل شيء".
" هل لي أن أسألك , من أخبرك بكل هذا؟".
قال بأستخفاف:
" الأولاد, كل أخواتهم يخدمنهن , وأنا شعرت بالتفاهة حين قلت أن أختي لم تكن تخدمني , لأنهم ضحكوا وقالوا أنني مخنث".
" لا أصدق أنهم أستعملوا هذه الكلمة".
" كانت كلمة أخرى باليونانية , ولكنها تعني الشيء ذاته ".
" مهما تكن الكلمة , فعليك أن تنظف حذاءك بنفسك , والآن؟ أذهب وأنقل حقيبتك...".
قال محتجا:
" ولكنك لا تفهمين يا عمتي هيلين...".
" ما الذي لا تفهمه عمتك هيلين؟".
كان ليون يقف بالباب , منذ مدة , رشيقا يرتدي بدلة من النيل الأصفي الشاحب لا تشوبها شائبة , ومع أنه كان يخاطب تشيبي , فأن عينيه كانت على هيلين , تطوفان بها من قمة رأسها الى قدميها , ولأول مرة شعرت بمظهرها الكئيب.
كانت ترتدي كنزة وتنورة , كلاهما باللون البني الداكن وشدت شعرها الميل الى الخلف بأحكام , وثبتته الى مؤخرة رأسها بمشبك قبيح من لحاء السلحفاة , كانت جواربها سميكة وحذاؤها ثقيلا , وتحول أنتباهه الى تشيبي , وتساءل بصوت حازم:
" وبعد؟".
كان صوته حازما , وسألت هيلين نفسها : ترى هل كان يصغي الى الحديث قبل دخوله الحجرة ؟ وعاد ليون يقول للغلام:
" هل فقدت لسانك فجأة ؟".
تبخّر أعتداد تشيبي وتعاليه فقال مستكينا :
" لا شيء يا عمي ليون".
فألتفت ليون الى هيلين , وأضطرت أن تجيب عن الطفل, قالت في لهجة مخففة ونبرة مستضحكة :
" تشيبي يتحول الى قبرصي حقيقي بسرعة , فهو يعتبر أن الأنثى أدنى منزلة".
تساءل ليون:
" أصحيح هذا؟".
فقالت فيونا:
" أنه يسخّرني , ويأمرني بتنظيف حذائه".
فقالت هيلين مؤنبة:
"هذا أفتراء , طلب منك فقط أن تنظفي حذاءه".
أدركت هيلين أن ليون سمع ما دار , فلم يبد دهشة ما , وقال لأبن أخيه بهدوء:
" أنزل عن هذا المقعد وأنقل حقيبتك!".
ولمسها بطرف حذائه , وأطاع تشيبي على الفور ,ولكنه رمق أخته بنظرة محنقة , وهي ترميه بنظرة منتصرة , وقال حين عاد , وهو لا يوجه خطابه لأحد معين:
" كل الأولاد في المدرسة يكلفون أخواتهم بآداء أشياء لهم ".
ثم أردف في شبه تحد لعمه:
" كانت عمتي كولا تؤدي لك أعمالا... كنت تكلفها دائما بأن تؤدي لك أعمالا , وتأتيك بأشياء ".
أعقب هذا الأنفجار الصغير صمت رهيب , ثم أمر ليون أبن أخيه بالذهاب الى حجرته , وبادرت هيلين , وهي تقدم الحليب لتشيبي:
"لا ... أنه لم يقصد أن يكون فظا".
" تشيبي ... أفعل ما أقول".
كان الصوت منخفضا متوعدا , حتى أن هيلين نفسها أرتجفت قليلا لسماعه , وأنحسر الزهو عن محيا فيونا , ودست خلسة قطعتين من الكعك في جيبها , وأنزلقت من المقعد فأتجهت الى الباب , تابعة أخيها.
ولاحظت هيلين تصرفها , وعندما نظرت الى ليون , أدركت أنه هو الآخر عرف ما أعتزمته فيونا , بيد أنه تركها- لدهشة هيلين- تغادر الغرفة , وقال وهو يخطو نحو باب الشرفة:
" ما الذي أوحى أليك بأن المرأة أدنى مكانة في قبرص؟".
قالت:
" أنها الحقيقة, أليس كذلك؟".
قال وهو يتأملها – مرة أخرى – بفضول – وقد تسلطت نظراته على وجهها:
" الأمر يتوقف على تأويلك سلوك الرجل نحو المرأة".
وبدا لهيلين أنه يتفحص كل زاوية , وكل خط من قسماتها , فسارت نحو المائدة ورفعت الطبق والكوب عنها وحملتهما الى المجلى , بينما أستأنف ليون حديثه قائلا:
" المرأة في بلادكم مساوية للرجل , ولكن يبدو أنها في أكتساب هذه المساواة , فقدت شيئا أثمن منها بكثير".
ألتفتت هيلين ونظرت اليه متسائلة:
" ما الذي فقدته؟".
تعد تلقى دلالا". فقال:
" أنها كثيرا ما لا تلقى أحتراما ولا مجاملة , بل الأكثر من هذا , أنها لم تعد تعتبر أمرأة , وأني بذلك لم تعد تحظى بأهتمام الرجل , لم
فاضت عيناها الزرقاوان بالعجب , ما كانت هذه بكلمات رجل يكره النساء , قالت:
" لم أعلم أبدا أن الرجال الشرقيين يدللون زوجاتهم".
" أذن , لم يصدقك من أخبرك , أننا ندلل نسائنا ونعتز بهن , وأنا أتكلم الآن بصفة عامة طبعا , بعض الرجال هنا لا يعاملون نساءهم برقة , ولكن هؤلاء أقلية ... أؤكد لك".
" لست أدري كيف تقول هذا , فمما رأيت أستخلص أن النساء هنا مجرد خادمات , مستعبدات تقريبا ".
تملكه غضب حقيقي , أذ أنبعث صوته بحدة وقال:
" هراء! أنما تشتغل النساء في البيت لأن هذا طبيعي لهن , بينما يأتي الرجال بالمال".
قالت وهي تضع الكوب تحت ماء الصنبور:
" النساء يشتغلن في الحقول , كثيرا ما شاهدتهن".
وقف في المدخل , وأحدى يديه على فخده, وقد بدا أنه يهتم بالمنظر , ثم قال:
" هذا صحيح , ولكن الرجال يعملون الى جوارهن".
كان وضع الشمس وصفاء زرقة البحر والسماء والسماء يجعلان للضوء طابعا يهفو بالمشاعر , لا سيما وهو يترامى على شعر ليون الأشيب, فيكسبه بريق الفضة , وأشاحت هيلين أخذ منشفة لتجفف الكوب, بينما أسترسل ليون:
" النساء يستمتعن بالعمل في الحقول ... ويستمرئن الهواء الطلق".
وألتفت يتأملها وهي تقف عبر أصابع قدميها لتضع الكوب على رف مرتفع فأنحسر فستانها , وعندما أستدارت رأته يحدق ... وغيّر الموضوع , متسائلا فجأة:
" ألست بحاجة الى نقود يا هيلين؟".
سرى الدم سريعا الى وجنتيها , ولكن عينيها عكستا دهشة واهنة وقالت:
"كلا , لديّ الكثير".
كان سخيا , ولا بد أنه عرف بعدم حاجتها , فهز كتفيه , وقد قرأ ما عكسته ملامحها , وقال:
" أنما رأيت أن أسأل فحسب , ما عليك ألا أن تطلبي , ولن تجدينني ضنينا".
أتسعت حدقتاها , أتراه يومىء الى أن عليها شراء بعض الملابس , فما كانت تعتزم ذلك , مرت مناسبات عدة – في الفترة الأخيرة- وكانت عيناه السوداوان تحدجانها بنظرة تسلبها الهدوء من نفسها , وتذكرها –لسبب من الأسباب – بما قاله روبرت من أنه ليس بوسع أي قبرصي أن يعيش بدون أمرأة , كان ليون يخرج كل مساء.
وكانت لهيلين آراؤها فيما كان يفعل , بيد أنه كان- في أوقات أخرى – يمكث في البيت أسبوعا بأكمله , أنها لم تجذبه حتى الآن , ولكنها كانت تتساءل ": كيف كان يفكر عقله هو , وأنتهت أل أنه لا فرق لدى هؤلاء الشرقيين الشهوانيين بين أمرأة وأخرى ... وقد يأتي يوم... وأقصت هيلين الفكرة من ذهنها , كانت الحياة مرضية , وهناك الطفلان وبيت جميل , فلم يكن من الحكمة تعقيد حياتها بالتعرض لأيقاظ الرغبات في زوجها , كلا , كانت خلوا من الجاذبية له , وعقدت العزم على أن تظل كذلك.
سألته في نبرة أستعطاف واهنة:
" لن تبقي تشيبي في غرفته طويلا , أنه جديد على كل هذا , وهو يصغي للصبية الآخرين , أنه في السن التي تجعله يريد الشعور بقيمته".
وسارت نحوه وأبتعد ليون , بدون أن يحاول دعوتها الى الشرفة , فأبتسمت وتقدمت نحوه وعندما وقف الى جوارها , أدركت أن رأسها لا يكاد يبلغ كتفه.


أمل بيضون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-09, 07:15 PM   #19

أمل بيضون

نجم روايتي وعضوة في فريق الروايات الرومانسية المكتوبة وفراشة عبير المكتوبة

 
الصورة الرمزية أمل بيضون

? العضوٌ??? » 77031
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 7,187
?  نُقآطِيْ » أمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond repute
افتراضي

قال:
" أنك بالغة اللين معهما".
ورغم حدة لهجته شعرت أنه لم يكن ينتقد طريقتها مع الطفلين وقالت:
" لا يزالان صغيرين ... وتعرضا لصدمة قاسية".
" لكنهما تكيفا مع ظروفهما في شكل جيد , وبسرعة".
وتقوست شفتاه المزمومتان في أبتسامة , وغاب عن عينيه الوميض البارد , وأردف يقول:
"أنك طيبة معهما يا هيلين, كلا , لن أترك الصبي طويلا, ولكنه يجب أن يتعلم أنه لا يستطيع أن يعامل أخته كأنها أدنى منه , يجب أن يدرك أننا نتوقع منه أن يرعاها".
ورمقته بسرعة , ما أغرب هذا الرجل! هل يمكن أن يكون عدوا للمرأة حقا؟ من المؤكد أن تجربة أخيه أثرت عليه , لولا ذلك ما قال وهو يعرض عليها الزواج أنه لن يهتم بأمرأة أهتماما عميقا.
تذكرت هيلين مسلكه نحوها منذ زواجهما , كان مجاملا ودودا ولو أنه مرات كان فاترا على نحو ملحزظ ولكن لم يحدث أن تحدث اليها بخشونة مرة أو وجه اليها أمرا , أو أبدى نحوها ترفعاوتعاليا , في الواقع , لم يكن هناك ما يدعوه لذلك , سألها أن تتزوجه وقبلت, كان من حقها أن تتوقع أن يعاملها على قدم المساواة , مع ذلك فأن تلك الشراسة كانت موجودة دائما , لأنها تؤلف جزءا دائما من مظهره , فتحس بوجودها تماما في بعض الأوقات , ولا تكاد تحس بها أحيانا أخرى, وتطلعت اليه ثانية , ملاحظه فكه الصارم التكوين وأختلاجة عضلة خفيفة في جانب منه , الأبتسامة خبت , الفم أطبق مزموما في ذلك الخط الذي كان يوحي بالخشونة, الخشونة التي كانت تشوب وسامة ملامحه , ترى كيف يبدو حين يكون غاضبا ؟ كيف يبدو عندما يمتحن صبره أو يواجه تحديا؟ وتركت هيلين عينيها تتحولان الى فمه ثانية , فشعرت بقشعريرة غريبة تسري في بدنها , ووجدت نفسها تتمنى في حرارة ألا تتعرض لمناسبة تواجهه فيها , أذ أقتنعت لتوها أنه يستطيع أن يكون قاسيا حقا , وأنتبه الى أهتمامها , فأستدار وأطل عليها من فوق , بنظرة متسائلة فبادرت تقول بأرتباك عجبت منه:
" متى يستطيع تشيبي مغادرة غرفته؟".
" قبيل موعد الشاي- سأرى ".
" قبيل موعد الشاي , أن الساعة الثانية والنصف الآن".
كان اليوم المدرسي هنا يبدأ في الثامنة صباحا وينتهي في الثانية بعد الظهر , وأردفت:
" ما أحسب أنك ستبقيه هناك ساعتين أخريين؟".
فقال:
" كلا , ليس لساعتين , ولكنه سيبقى هناك فترة , لن يصاب بأذى".
كانت نبراته هادئة , ولكن هيلين أدركت أنه لن يقبل مزيدا من الجدل في هذا الأمر , فلاذت بالصمت , وهي تطل على فيونا في الحديقة , كانت تلاعب كلبا ضالا , أستقر لديهم أخيرا , ففي قبرص كثيرة هي الكلاب الضالة , تعيش في المدينة والريف على السواء , وكانت هيلين تشعر بالحيرة ... فكيف تحصل على قوتها... عندما أستقر هذا الكلب الذهبي اللون في حديقتهم . توقعت هيلين أن يطرده ليون أو يأمر بأعدامه , ولكنه- على النقيض – أمر له بالطعام ومكان للنوم.
تحرك ليون , وأنحنى قليلا على السياج , يشاهد أيضا أبنة أخيه مع الكلب , وطاف بخاطر هيلين مرة أخرى : أجل , أنه رجل غريب في عدة نواح , أنه لغز بسمات متناقضة في شخصيته , فهو أحيانا صلب لا يلين – لا سيما مع الطفلين- ومع ذلك قد يشمل بعطفه هذا الحيوان الشريد , كذلك كان مسلكه نحو النساء عجيبا , فمع أهتمامه بهن – لسبب واحد فقط- لم يكن يسمح بمجرد أشارة أزدراء أن تشوب صوته أذا تحدث عنهن , كان لطيفا مع أمه وسخيا مع أخته , ولكن نبراته –في المناسبة الوحيدة التي ذكر فيها أم الطفلين- كان خشنة جدا , حتى خيل لهيلين أنه قادر على القتل , وعادت تنظر اليه جانبيا , وتتمنى مرة أخرى ألا تحدث مناسبة تضطر فيها الى أغضابه.
غيلر أن أحتكاكا بين أرادتهما حدث في ذلك المساء بالذات فشعرت هيلين- للمرة الأولى – بوطأة شخصيته المتسلطة , كانت قد دبرت أن تزور ترودي مرة في الأسبوع , ومعنى هذا أن تكون خارج البيت حين يعود الطفلان من المدرسة , وشعرت بأن واجبها أن تذكر ذلك لليون , فقالت:
" سيكونان بخير مع آراتيه لحوالي ساعة فقط , فسوف أعود قبل الثالثة".
وكان ليون يقضي المساء في البيت , وقد جلسا في الشرفة يحتسيان الشاي , ويتجاذبان أطراف الحديث , فقال:
" طبعا , في أي وقت وقت تذهبين؟".
أغادر البيت حوالي الساعة التاسعة".
كانت صادفت روبرت في القرية , في اليوم السابق , فذكر أنه ذاهب الى نيقوسيا كذلك , وعرض عليها ... بطبيعة الظروف – أن يقلها فقبلت.
لمست جبين ليون لمسة خفيفة من العبوس , وقال:
" التاسعة؟ أذا بكرت قليلا أستطيع أن أصحبك".
فأبتسمت قائلة:
" لا عليك يا ليون... ذلك الشاب الذي صادفته على السفينة , روبرت , أخبرتك عنه, أنه ذاهب الى المدينة وسيقلني".
أزداد عبوس ليون وقال:
" أفضل ألا تقبلي , سأنضم الى القافلة , أـذ يجب أن أكون في المكتب مبكرا جدا , في الغد, ولكن لا أدري ما يدعوك لعدم الذهاب معي ".
" ولكن القافلة ترحل في السابعة والنصف , وسأكون هناك مبكرة عما ينبغي ".
" تستطيعين أن تمكثي في المكتب ساعة أو نحو هذا".
كانت في صوته نبرة متصلبة واضحة , وكانت هيلين لا تزال موغرة الصدر من تعقيبه الهادىء بأنه كان يفضل ألا تقبل أن يقلها روبرت , أنها تأبى أن يملي عليها ما يب وما لا يجب أن تفعله , فقالت:
" سأقبل دعوة روبرت , أذا لم تمانع , فهذا أيسر بكثير ".
" بل أمانع يا هيلين".
كان صوته لا يزال هادئا , ولكنةلهجته أصبحت أكثر حدة , قليلا وأستأنف قائلا:
" آراتيه ستكون هنا , وبوسعها أن تعنى بذهاب الطفلين الى المدرسة".
فقالت :
" ولكنني لا أريد الخروج مبكرة".
فكان رده :
" أذن أخشى أن تضطري لأن تستقلي الحافلة , أو أطلب لك سيارة أجرة أذا كنت تفضلينها ".
قالت بصوت هادىء , رغم أن لونها بات شاحبا:
" سأذهب مع روبرت , وهذا- كما قلت- أيسر, من السخف أن أفكر في سيارة أجرة بينما أستطيع قبول الدعوة".
وضع ليون قدح القهوة على المنضدة , وأستلقى في مقعده , وحدق فيها , ثم قال بصوت ناعم:
" هيلين... أما أن تذهبي الى المدينة في أحدى الطرق التي ذكرتها , أو لا تذهبين أطلاقا".
ومرت لحظة وهي تحدق بنظرات جامدة , لكن أنفعالها كان في تصاعد , وما لبث أن قالت في حدة زادت على ما كانت تعتزم:
" سوف أقبل دعوة روبرت... ويؤسفني أن أخالف رغباتك يا ليون, لكنني لا أقبل الجبر , تذكر أنني أنكليزية ".
فقال :
" أنت زوجتي , وستفعلن ما أقول".
أخبرت روبرت , وسوف يأتي ليصطحبني".
بدا مندهشا وهتف:
"هل هو قادم الى هنا؟ هل أخبرته حقا بأن يأتي الى منزلي ليصطحبك؟".
ولم تكن هيلين ترى أي عيب في قدوم روبرت الى البيت ليصطحبها , ولكنها عندما رأت وجه ليون , شعرت أن هذا ما كان ينبغي أن يحصل , كان من العجيب أن روبرت لم ينصحها , ويبدو أنه يعرف الكثير عن نمط الحياة هنا , لهذا أردفت:
" بوسعي أن أتصل به هاتفيا – أذا كان هذا ما تفضله – فأخبره أن ينتظرني في القرية".
" ستتصلين به فعلا , لألغاء التدبير , أوضحت لك- في البداية – أنني أتوقع منك أن تتصرفي بأتذان , وألا تعرضيني للسخرية".
" هذا غباء! لماذا يعرضك قبولي دعوة روبرت للسخرية ".
" هذه قرية صغيرة... وفي أي حال , فكل أمرىء في قبرص يشغل نفسه بشؤون جاره , ولست راغبا أن يقرن أسم زوجتي بأسم ذلك الأنكليزي".
لم يكن من الممكن أغفال التصلب في صوته , ورغم خفوت ضوء المصباح المثبت في الحائط , أكتسى وجهه بتعبير فظ وعدواني , كانت هيلين تكره فكرة الخضوع لقراره لكنها أقتنعت- في الوقت ذاته – بأن أي مزيد من الجدل لن يكون عقيما , فحسب , بل سيؤدي الى أذلالها , كان ليون يفرض أرادته دائما ... وليس في موقف كهذا فحسب بل نظرت اليه مدركة مرة أخرى ذلك الشعور الغريب من المضض الذي خبرته في مناسبات سابقة عديدة , وقادها هذا الشعور الى الحذر ,فلم تعد تلح في معارضة رغبته وقالت:
" أذا كان هذا شعورك أزاء الأمر , فسأفعل ما تقول , وألغي التدبير".
أنحسر الدم عن وجهها وكانت تدرك أنها شاحبة تحت الضوء الخافت , وتجاهلت نظرات ليون بدون أهتمام , ثم سألها :
" هل ستأتين معي؟".
فأومأت برأسها , وأذ ذاك أردف:
" سيكون علينا أن ننهض مبكرين , أنني آسف لهذا , ولكن لا حيلة في الأمر, لديّ يوم حافل في الغد , والأنطلاق باكرا سيعينني على أنجاز عملي".
كان هواء الصباح خفيفا صحوا, والشمس تطل بأشعة زاهية في سماء خالية من السحب , وكانت السيارة المرسيدس كبيرة سوداء .
أسترخت هيلين في مقعدها , وقد أدهشها أنها ستستمتع بالرحلة حقا , وما أن غادرا كيرينيا حتى أنضما الى القاقلة , كانت هناك مركبات عديدة من سيارات النقل, والحافلات, والسيارات الخاصة, وبعد تسجيل رقم سيارتهما, أنطلقا في حراسة سيارات جيب يقودها جنود الأمم المتحدة بزيهم الأزرق , وكانت هناك لافتة ضخمة تنبىء المسافرين بأن الأتراك يريدون حريتهم , وأمنهم وحقوقهم , السلام يسود كل شيء , وفيما عدا اللافتات التي تظهر من آن لآخر , والتحذيرات التي تحرم ألتقاط الصور , لم يكن ما يشير الى أن الطريق تحت أي رقابة , ونظرت هيلين الى وجه زوجها , فأذا به هادىء , مطمئن , لا ينم عن أي كراهية لأضطراره ملازمة الطابور الطويل , ممنوعا من أن يسبق ما أمامه.
وتمتمت مأخوذة بالجمال الذي حولها " من المؤسف أن تكون هناك مشكلات , كانت قبرص حقا , جزيرة فينوس الأثيرة بالسحر , ولا مكان للفرقة فيها , وعقب ليون بهدوء :
" أنها ستحل نفسها , فكلنا قبارصة , وليس هناك ما يمنعنا من العيش في سلام".
وتذكرت هيلين أن مشاعره تتجه الى الأتراك , فعجبت لغرابة شخصية هذا الرجل – مرة أخرى ... هذا الذي تزوجته ولا يزال شبه غريب عنها , وما لبثت السيارة أن مضت خلال سلسلة الجبال الشمالية التي كونتها هزات أرضية شديدة , هدمت وشوهت أحواض الطبقات الجيرية الأصلية , وكومتها في كتل رمادية ضخمة , تعلوها حصون سانت هيلاريون , وبوفانيفتو , وكانتارا, وكانت سفوح الجبال مكسوة بأشجار السرو والزيتون , بينما القرية منها تزدان بحشد من الألوان , ألهبها بها , وتفتح ربيع قبرص.
وفي سهل ميسوريا العظيم , كانت الأرض الجرداء العارية التي مرت بها هيلين في طريقها الى كيرينيا – في شهر نوفمبر ( تشرين الثاني) قد تحولت الى طوفان من الخضرة والقمح والشعير , بينما كانت مجموعة كبيرة من الأقحوان ترفع رؤوسها الحمراء الزاهية فوق القمح- من أن لآخر , لتكسر تواتر لونه.
عند لافتة على جانب الطريق تقول : مرحبا بكم الى القطاع الحر , تفرقت القاقلة – وأتخذت كل مركبة وجهتهت – وزاد ليون من سرعته , متجاوزا حميرا عابرة مثقلة بالأحمال , ونسوة فلاحات شدت الى أكتافهن سلالا كبيرة , وبعض درجات بخارية متباعدة , وخلفت السيارة وراءها الماعز على جانب الجبل , والرعاة يعنون بقطعان الأغنام البنية ذات الوبر الطويل.


أمل بيضون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-08-09, 12:17 PM   #20

أمل بيضون

نجم روايتي وعضوة في فريق الروايات الرومانسية المكتوبة وفراشة عبير المكتوبة

 
الصورة الرمزية أمل بيضون

? العضوٌ??? » 77031
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 7,187
?  نُقآطِيْ » أمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond repute
افتراضي

سألها ليون عندما بلغا مكتبه :
" ماذا ستفعلين؟".
وأوقف السيارة , وأتفت نحوها , مضيفا:
" هل الوقت مبكر لتذهبي الى صديقتك؟"".
فقالت:
" نعم , أرى أن أمكث هنا فترة ... أذا لم يضايقك وجودي ".
وأبتسم لدهشتها , وقال يذكرها :
" أنا أقترحت عليك أن تمكثي".
ودار حول السيارة الى ناحيتها , وزادها دهشة بأن فتح الباب لها قائلا:
"سنتناول القهوة".
فقالت :
" لا داعي للقهوة , فأنا أعرف أنك تود الشروع في العمل".
ولكنه ألح, وكان الرجل الذي أقل هيلين والطفلين من ليماسول موجودا- وأسمه نيوفيلوس- فأبتسم حين قدمه ليون لهيلين , وطلب منها أن تناديه ثيو , وخرج الرجل بأمر من ليونن ثم عاد بعد قليل بالقهوة على صينية , قدحان صغيران , ومع كل منهما كوب ماء مثلج لا بد منه, وجلست هيلين الى جانب الطاولة وليون في الجانب الآخر , أخذ يتأملها بنظرات غريبة , وهي تحتسي قهوتها , وكانت ترتدي ثوبا قطنيا , داكنا , وخاليا من أي زينة, مما أبرز شحوب وجنتيها , قال ليون بما بدا لهيلين أنه لمسة حذر:
"هل ستتسوقين وأنت هنا؟".
وساءلت نفسها ثانية , أتراها كانت أيماءة ألى أن تشتري لنفسها بعض الملابس , قالت:
" لاأحتاج الى شيء".
ثم أسرعت تضيف:
" الطفلان بحاجة الى جوارب , وربما أشتريها لهما أذا تجولت مع ترودي في المدينة".
لم يعقب على ذلك, وبعد لحظات أزاح الصينية الشراب عن مكتبه, وتناول ملفا من أحد الأدراج , لكنه نظر الى هيلين- قبل أن يبدأ في فحص محتوياته – ومد يده فتناول صحيفة, وهم ّ بأن يناولها اياها , وأذ به ينتبه الى أنها باليونانية , فوضعها جانبا على الفور , ثم ناولها صحيفتها المفضلة بالأنكليزية سايبرس ميل.
بعد ساعة ونصف أقلها ثيو بالسيارة الى مسكن ترودي , على أن يعود اليها في الرابعة والنصف , كما أخبرها ليون وهي تغادر المكتب حيث أعترضت قائلة:
" والطفلان؟ أستطيع العودة قبل ذلك في القطار".
فقال:
" لن يصيبهما سوء , أرجو لك يوما لطيفا , ومتعي نفسك".
كان الشارع حيث تسكن ترودي محفوفا بالفيلات البيضاء والبيوت ذات الطابق الواحد , والمباني السكنية , وأشجار السرو والنخيل تنمو في كثير من الحدائق , تعلو وتطل فوق أشجار البرتقال واليوسفي ذات الأوراق اللامعة.
كل الحدائق متألقة بالزهور , في كل مكان , والنباتات المتسلقة تعانق من الشرفات , تلتف حول أعمدة الحديد المطروق , وتنساب الى الأرض .
قالت ترودي معتذرة , أذ خفت الى الباب تستقبل هيلين:
" أضطررت لأغلاق مصاريع النوافذ الخشبية , فالشمس تنال من ألوان كل شيء".
قالت هيلين:
" لم أتعود بعد أن أغلق المصاريع لأصد الشمس , فهذا يبدو غلطا لي".
" أعرف هذا , كنت مثلم في البداية , فالشمس قليلة في أنكلترا , حتى لا نفكر في أغلاق المصاريع بوجهها.
وتقدمتها الى الحجرة المطلة على الواجهة , وكانت آنئذ في الناحية الظليلة , ومصاريع النوافذ مفتوحة , وقالت:
" سنجلس هنا ... أنها ليست في أناقة غرفة الجلوس , ولكنها أطيب هواء في هذا الوقت من النهار".
قالت هيلين وهي تجلس بجوار النافذة:
" أنني أراها أنيقة , وأحب مسكنك هذا".
فقالت ترودي:
" مع أنني لا أتوقع أن يكون شيئا يذكر بالقياس لبيتك".
ودفع شيء في صوتها بحمرة خفيفة الى وجه هيلين , كانت تلك زيارتها الرابعة لبيت ترودي , ولم تدعها بعد الى لابيتوس".
قالت ترودي:
" ماذا تودين أن تشربي؟".
فأجابت هيلين:
" سأتناول شراب البرتقال أذا سمحت".
ودار في خلدها وهي تراقب ترودي أذ أقبلت بالشراب بعد لحظات أنها رشيقة وجميلة , وقالت لنفسها وهي تطلق لذهنها العنان ليعود الى تلك الأيام حين كانت هي وترودي دون العشرين .: أنا أيضا كنت كذلك , كان الفتيان ينجذبون اليهما , فكان بوسعهما أن يختارا , بالنسبة الى هيلين , كان لقاؤها بغريغوري حبا من أول نظرة , وأقبلا يدخران بلهفة ,وتزوجا بعد عامين , وبدا لهيلن- وهي تستعيد الماضي- أن حماس زوجها سرعان ما فتر , ولكنهما أنساقا الى علاقة مريحة , فكانت هيلين سعيدة , أن لم نقل منتشية , وكثيرا ما قيل لها أن هذه الفترة لن تدوم , ورغم أنها شعرت بالتعاسة بعد ضياعها , فقد راضت نفسها , عندما أنجبت طفلها , أتسعت خبرتها وأستمتعت بذلك الأنجاز الرائع الذي لا تشعر به المرأة ألا مع الأمومة , وعندما فقدت هيلين الطفل , تطلعت الى زوجها ليواسيها أملا في أن يقترب منها ثانية – كما كان في البداية- لكن علاقتهما ظلت على حالها , مريحة لكنها غير مثيرة.
أما ترودي فكانت أكثر توفيقا , أذ ظلت وتاسوس متحابين بقدر ما كانا في بداية الزواج , ولم يكن تاسوس يذهب الى أي مكان بدونها بدافع الوفاء , وما كان يشاهد قط في صحبة زملائه الذين يجلسون في مقهى – يلعبون الورق أو النرد , كان كل ما يريده أن يعود الى بيته وزوجته , ويمكث معها.
قالت ترودي وهي تستقر في مواجهتها بجوار النافذة:
" حدثيني عن ليون".
وأضطربت عيناها البنيتان قليلا وهي تضيف في شيء من التردد:
" لم تقولي لي عن زواجكما الا القليل جدا , بل لم تقولي شيئا في الواقع".
وكان هذا حقيقيا , وأرسلت هيلين نظراتها ساهمة الى الطريق ومرت بضع لحظات قبل أن تتكلم , ثم قالت مرتبكة:
" لا بد لي أن أخبرك في وقت ما , فلا بأس أن يكون الآن , فزواجنا أنا وليون من أجل الطفلين".
أختلجت عينا ترودي وهي تتأملها , وقالت:
" الطفلان , تشيبي وفيونا؟".
" أخبرتك أن أباهما مات , وأضطر ليون أن يكفلهما , وسألني أن أبقى في قبرص وأرعاهما , من الواضح أنه ما كان لي أن أعيش في بيته بدون... بدون زواج.... ولذلك....".
وهزت كتفيها , وسرحت نظرتها الى الشارع ثانية.
وأنتظرت ترودي , فأضطرت هيلين الى مواصلة حديثها:
" هذا هو السبب أنني لم أقل لك الكثير عنه , أنه ليس ... ذلك النوع من الزواج".
فهتفت ترودي:
" هذا النوع؟".
قالت هليلن:
" أعني... ليس طبيعيا ".
وأتسعت حدقتا ترودي دهشة , وقالت:
" ماذا تقولين؟".
أستطاعت هيلين أخيرا- وهي ما تزال تجد عناء – أن توضح لها فلما واصلت صديقتها الحملقة فيها غير مصدقة , شابت صوتها رنة تحد وهي تقول:
" كنت تعرفين دائما أنني لن أتزوج ثانية عن حب... كثيرا ما أخبرتك بذلك".
فقالت ترودي مصححة:
" كنت تقولين دائما أنك لن تتزوجي أطلاقا , لذلك أرى أنني معذورة أذا أستنتجت – بعدما تزوجت – أن زواجك عن حب... ويجب القول أنني تصورت في الأمر كله شيئا مستغربا , لأنك كنت مغلقة تماما".
وتناولت كوبها بين أصابعها , وهي تحدق في هيلين مفكرة , ثم أردفت:
" ولذلك لا تعنين بمظهرك ؟ أنا صريحة , بل وقحة أذا شئت , لكنك كنت دائما جذابة جدا , ألا تريدين أن يهواك ليون؟".
قالت هيلين:
" كلا , في الواقع لا أزال على رأي حين مات غريغوري : لن أدع قلبي يتورط ثانية, هذا الزواج يناسبني على ما هو عليه , وأني جادة أذ أقول لا أريد أن أسترعي أنتباه ليون أبدا".
ضحكت ترودي فجأة بشيء من الحرج وقالت:
" كلا , هذا غير ممكن ! أنك تقرأين عن مثل هذه الزيجات, ولكنها لا يمكن أن تحدث في الحياة الواقعية".
وقالت هيلين:
"هذا الزواج حدث. أنا وليون أكثر قليلا من غريبين".
فصاحت ترودي:
" ألم... أبدا؟ لا أصدق, ليس مع قبرصي, أنه ... لا يستطيع أن يعيش هكذا , ما من أحد منهم يستطيع ".
فهزت هيلين كتفها قائلة:
" أعرف كل شيء , عن حياتهم ... لهم علاقات غرامية".
تساءلت ترودي :
" ألا تهتمين؟".
هزت هيلين كتفيها ثانية وقالت:
" لماذا أهتم؟ الزواج- كما قلت- عملية تجارية بحتة , لم يحدث الا لتفادي الأقاويل فحسب, كلا , لا أبالي بما يفعله ليون , ليس لي شأن بحياته الخاصة".
وظلت أسارير ترودي توحي بأنها غير مصدقة , وقالت:
" ولكن... أتعتقدين حقا يا هيلين , أنك تستطيعين الأستمرار هكذا طيلة عمرك؟".
فأجابتها :
" ولم لا؟".
قالت ترودي بأقتناع ثابت:
" مستحيل... ليس مع قبرصي , أنه لا يستطيع!".
" ماذا تعنين بأنه لا يستطيع؟".
" أنه لا يستطيع أن يعيش معك في البيت ولا يكون ... لا يكون طبيعيا".
" قلت لك أن له علاقات غرامية".
فسألتها:
" ما أدراك بهذا؟".
قالت:
" أنه يخرج كل ليلة".
فقالت صديقتها:
" معظم الرجال هنا يخرجون كل ليلة , يقضون وقتهم في المشارب والمنتديات والمطاعم , ليس هناك ما يجزم بأنه مع نساء..".
قالت هيلين:
" أعتقد أنه يقضيها مع نساء".
زت ترودي رأسها في حيرة لعدم الأكتراث البادي في لهجة هيلين وسألتها:
" ألست تبالين حقا؟".
وندت من هيلين زفرة دلت عن نفاذ صبر وقالت:
" أخبرتك أنني لا أجيد سببا للمبالاة , فلا أشعر نحوه بأي عاطفة , أنك تعلمين شعوري نحو الرجال يا ترودي , لن أسمح لنفسي بالتورط عائليا".
" سأقول لك هذا... سواء كانت لديك نية التورط عاطفيا أو لم تكن, فلن تستمري بقية حياتك تعيشين في هذا الوضع غير الطبيعي".
قالت هيلين:
" لا أرى ما يدعو لغير ذلك ".
ولكن صديقتها هزت رأسها قائلة:
" لن يلبث ليون أن ... أن...".
" وعدني , وهو – بجانب هذا- لا يجدني جذابة".
تأملتها ترودي لحظة , ملاحظة ثيابها , وشحوب خديها وتصفيف شعرها المتقشف , ثم سألتها:
" كيف تعلمين أنه لا يراك جذابة؟".
" أنه لا يكاد ينظر اليّ".
وقطبت وهي تقول هذا , متذكرة تلك المناسبات التي كان يتأملها فيها , ثم عادت تقول:
" لقد وعد!".


أمل بيضون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:43 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.