آخر 10 مشاركات
أحزان نجمة ( تريش جنسن ) 446 ـ عدد جديد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الوصية ـ ربيكا ونترز ـ 452 ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          مرت من هنا (2) * مميزة *,*مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          533 - مطلوب زوجة وام - بربارة ماكماهون - قلوب عبير دار النحاس ( كتابة - كاملة ) (الكاتـب : samahss - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          يا أسمراً تاه القلب في هواه (21) سلسلة لا تعشقي أسمراً للمبدعة:Aurora *كاملة&مميزة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ظلام الذئب (3) للكاتبة : Bonnie Vanak .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          الشيـطان حــولك .. *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : smile rania - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-11-13, 08:38 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Elk


* * *
سارت الأمور بيني وبين الشريفة حفصة شبيهة نوعاً ما بالخصام الصامت. لم تكن تبدي أي اهتمام بي، ولا أنا أيضاً. رغم غليان قلبي بخفقاته الساذجة الضعيفة التي لم أستطع السيطرة عليها أو إخفاءها وتضميدها.
كانت تقول لي: إفعل هذا.. هات هذا.. خذ هذا.. إذهب إلى ذلك المكان.. إنصرف.. عُد!
وكنتُ أجيب إذا لزم الأمر، فأنطق: حاضر!
وذات يوم من أيامنا العابسة الغاضبة، لا أدري كيف فاجأتني متسائلة:
-لماذا صفعت الشاعر؟
أثارت بتساؤلها الخبيث أعماق مشاعري، فقلت:
-ما أسهل الصفع في هذا القصر!
وعبست مكشرة. وتخيلتها فعلاً تحمل ذيل البغلة "الزعفرانة" الذهبي اللون، تهشّ به "بنرفزة" واضحة وتتهيأ لركلي بقدميها. فانصرفت!


* * *

مارستُ مع صاحبي جميع هواياته ورذائله القذرة، واندمجت في عالمه الغريب حتى كاد يغار مني. فقد تعلّقتْ بي النسوة المتعدّدات المواهب، المتنافرات أشكالاً وألواناً وأعماراً، وقد سئمن من صاحبي لسعاله الشديد ونحوله الشاحب، وخوفهن من ذلك المرض المرعب.
كدتُ أشفق عليه، بل أشفقت عليه فعلاً وهو يتلوّى في مكانه كحيّة جريحة، وقد تحوّل سعاله إلى فحيح مكبوت لكي لا يزعجني. كنت أوهم نفسي، وباقتناع تام، بأنني أدرأ عنه أعباء لم يعد قادراً على تنفيذها ومواكبة السير فيها كما كان في أيامه السابقة. ومع ذلك أحسست باحتقار لنفسي ولمسلكي المشين!
وكان عليه لقربه من باب الغرفة عبء فتحه لكل طارق، وكم كان يتألم بأن يجد الطارق يريدني أنا ولا يريده. حتى النائب لم يعد يريده لفرك رجليه وقدميه، كان النائب يفضلني للقيام بتلك المهمة!
تألمت لهذا الوضع المقلوب الذي تحوّل نحوي، وزادني ألماً ذات يوم حين أخبرني به ونحن عند البوابة الرئيسية للقصر، مع العساكر والبورزان وذلك الطبشي العجوز، نتناول طعام الإفطار كالعادة، حيث قال لي:
-عليك اليوم مرافقة "الشرائف" إلى قصر وليّ العهد!
كانت تلك مهمته دائماً منذ وصلت إلى قصر النائب وحتى الآن، ولا أدري ما الذي عكس الأمور، فقلت له مواسياً:
-أهذا اقتراح الشريفة حفصة، أم هو أمر؟
-... ربما اقتراح الشرائف كلهنّ! وهو أمر على كل حال صادر من النائب كما بُلِّغت به.
أخرجت اللقمة من فمي قبل أن أمضغها وقذفت بها، وقمت متألماً، وقلت محاولاً أن أوحي له بأن الأمر عادي ولا يهمني وإنما يزيدني تعاسة:
-أنت أخبر مني بهذه الرحلات، وخصوصاً إلى قصر وليّ العهد.
أجابني وقد فرش ابتسامة باهتة على شفتيه:
-لكل عصر رجاله!
-هذا تعذيب متعمّد لي منك!
-لا...
-بل وجرح لمشاعري!
-لا أقصد.
-وقتل صامت لي!
-لا تفكّر في هذا.
-لقد أغويتني... هذا صحيح! ولكنك لن تغويني لارتكاب خيانة وبأنانية مفرطة.
-لم أغوك مطلقاً، فأنت مالك نفسك.
-بل أغويتني.
-بماذا؟!
-... بالكثير من الأمور. أتريد أن أذكّرك ببعضها؟
-لا أتذكر شيئاً... ومع ذلك فلا تدع الأمور في ذهنك تصل بك إلى سوء الظن هذا.
-أنت سيئ الظن بي.
-معاذ الله!
-تجرحني يومياً.
-ما شاء الله!
-أعوذ بالله!
-هذا يكفي.
-لا.
-أصبح الجميع ينظرون إلينا ونحن نتجادل!
-لا يهمّ.
-أرجوك لا ترفع صوتك.
-بل سأفعل ذلك.
-لماذا كل هذا الإزعاج؟!
-لكي تعرف أنني أحبك كأخي الذي فقدته منذ زمن طويل.
-لا يهم، أنا أخوك، اعتبرني بمقامه.
-منذ وصلت هذا القصر وأنا أعتبرك أخي فعلاً.
-إذاً لا داعي للتشنج!
-هل أنا الذي أتشنج؟!
-نعم، وهل هو أنا؟!
-إذاً سأتشنّج أكثر.
-مهلاً! وليكن! ولكن لا ترفع صوتك هكذا.
-سأرفعه حتى يسمعني النائب!
-أكيد قد سمعك!
-ويسمعني من إليه!
-لقد التقطوا الصدى!
-ويسمعني العالم كله!
-... وتسمعك حفصة، الشريفة حفصة!
-... حفصة أو الزعفرانة.. لا يهم.
-... لا داعي لكل هذا!
-لكي يعرفوا يا صاحبي أنني لم أخنك مطلقاً.
-انتهى الموضوع.
-لم ينتهِ.
-بل انتهى، وقم بنا إلى الغرفة أخبرك بما هو واجب عليك.
-أيّ واجب؟!
-مرافقة "الشرائف" إلى قصر وليّ العهد!


* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-13, 08:41 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Elk

* * *
كانت أصغر زوجات وليّ العهد تريد التعرّف على نساء بيوت المدينة المشهورة، وبالتالي فنساء النائب هن أول المدعوات لهذا اللقاء.
وصلتْ سيارة البريد الوحيدة التي يملكها الإمام لنقل البريد من العاصمة إلى جميع المدن الرئيسية، وصلت السيارة إلى فناء القصر لنقل نساء النائب، ومن ضمنهن الشريفة حفصة بالدرجة الأولى، لأن زوجة الأمير سيف الإسلام وليّ العهد تريد رؤيتها بالذات لما شاع عنها من أخبار وأعلام ترتقي إلى مقام الأسطورة المدهشة!
سُلِّمت لي عدة حُزم من "القات" المغلّف بأغصان "العُثرب"([11]) الخضراء. كان "القات" قد أُحضر من مزارع النائب العديدة المجاورة للمدينة والتي يقوم بفلاحتها شركاؤه من الرعية البسطاء على ثلث المحصول.
كانت الحزم ثقيلة على كتفي، وقد أُلزمتُ بوضعها في مكان مناسب في مؤخرة السيارة مع الحرص على أن تظل مغلفة بأوراق "العثرب" الخضراء لكي لا تذبل أغصان "القات" من الحرارة. تلك كانت أهم المهمات التي كُلّفتُ بها، إضافة إلى إسدال ستائر السيارة الرمادية بعد أن تكون النسوة قد جلسن داخلها. وكذلك الوقوف في مؤخرة السيارة، حيث أرشدني السائق المشاكس كيف أضع قدمي على الحديد الأفقي في المؤخرة، وكيف أمسك بالعمود المقوس في مؤخرة السيارة. كنتُ قد أجريت بعض التجارب قبل خروج النسوة من القصر وقبل أن يعلو حوارهن الصاخب ويُسمع بدرجة عالية ليطغى على صوت محرك السيارة وبوقها الملتهب!
ما أصعبها من مهمة كُلفتُ بها دون خيار! وخصوصاً أنني سأركب لأول مرة في حياتي سيارة، وبالذات في مؤخرتها واقفاً متشعبطاً بين الحياة والموت! ومع ذلك فقد علتني نوبة من الحماس والفرحة للقيام بهذه المهمة. وكنت أعتبرها رحلة مثيرة فعلاً. فلأول مرة سأركب سيارة "تَحنّ"([12]) بذلك الصوت المفزع الذي يقلده الأطفال بأفواههم دائماً منذ شاهدوا سيارة البريد الإمامية الوحيدة تصل مدينتهم. وسأتعرف أيضاً على قصر الأمير سيف الإسلام وليّ العهد، الجديد الذائع الصيت في تلك القرية الرابضة على سفح الجبل الشامخ الذي اختاره وليّ العهد مقرّاً لقصره الكبير.
سأتعرف على أشياء جديدة لم أعرفها من قبل، سأتعرف على "عكفة" وليّ العهد بلباسهم الأزرق وأسلحتهم الحديثة الألمانية الصنع، كذلك عبيده السود المرد ذوي الأنوف الفطساء والأجسام الطويلة المهابة! سأتعرف أيضاً على الأسود والضباع والنمور الكاسرة الرابضة في أقفاصها الحديدية داخل بهو قصر وليّ العهد. وسأتعرف كذلك على ذلك الحيوان العجيب، الذي يطلقون عليه اسم "الوضيحي" (المها العربي)، والذي يقال عنه إن له قرني وعل ورأس معزة وفم جمل وحوافر حمار وجسم بقرة وذيل حصان، وله جلد ملون الشكل بجميع ألوان الحيوانات، وأن مخلفاته من نفايات عجيبة الشكل واللون، ذات رائحة عطرية!
كنت أعرف من خلال ما سمعته أن وليّ العهد يحتفظ بهذه الحيوانات الكاسرة في مطابقها الحديدية المطلة على ساحة القصر لكي يتسلى بها عندما يلقي في بعض الأوقات ببعض من خصومه إلى أقفاصها، وأنه كان يتلذّذ برؤية ذلك المشهد الذي تقشعرّ له الأبدان ويشيب له الولدان، على حد تعبير جدتي رحمها الله!
هذا ما دفعني للمغامرة بالقيام بمرافقة نسوة النائب ولعلمي بأن الشريفة حفصة ستكون إحداهن، رغم ما سألاقيه منها من إحراجات وتعنّتات ومواقف أنا في غنى عنها، ومع ذلك فهي مغامرة لا بد أن أخوضها. كان قلبي يخفق لمجرد اليقين بأن الشريفة حفصة ستكون من ضمن النساء!
كانت سيارة البريد مغطاة من الأمام بقفص خاص بالسائق وراكب بجواره فقط، أما من الخلف الواسع فقد كانت مغطاة بقماش خشن، رمادي اللون، تتخلّله من جانبيه بعض نوافذ بلاستيكية صغيرة معتمة لا تسمح للضوء بالدخول، بعامل تقادم الزمن! وكانت الفتحة الخلفية للسيارة هي التي سيدخل منها النسوة، وعليّ إسدالها بعد ذلك.
كان السائق عجولاً يحثّ بواسطة بوق سيارته الجميع للصعود، وكان قد ركب بجواره في مقدمة سيارة البريد أحد الخاصة من رجال النائب الذين يثق بهم ويركن إليهم في المحافظة على نسوة القصر!
وأمرني السائق بصوت وقح ونزق بفتح الستارة الخلفية لكي يصعد منها النسوة بواسطة درجات حديدية مثبتة على صدّام السيارة الخلفي.
انفعلت غاضباً لوقاحته، وزادني إثارة وقوفه المبتذل بجانبي يتطلع إلى وجوههن ويتمتع برؤيتهن ويكاد يلتهم بنظره أجسامهن!
ولا أدري كيف واتتني الشجاعة، وربما الغيرة، فنهرته منبهاً إياه لمسلكه هذا! فعاد إلى مكانه في مقدمة السيارة غاضباً، تعلوه قترة اشمئزاز موجهة نحوي تحمّلتها برغم احتقارها لي ورغم نظراته الشرسة العدوانية! وصممت على موقفي ونفذته رغم كل تعاليه المقيت واعتباره إياي مجرد "دويدار" و"رهينة" في قصر نائب من نواب مولاه الإمام!
كانت يدي اليسرى رافعة لستارة مؤخرة سيارة البريد، ويدي اليمنى متأهبة لمساعدة أيٍّ من النسوة على الصعود إلى داخل السيارة، وخصوصاً إذا كانت إحداهن عاجزة لكبر سنها، وما أكثرهن في قصر النائب وملحقاته!
وبدأ صعودهن، حتى نساء الجيران، أعرفهن كلهن!
كانت حواسي، وكل وجداني، ودقات قلبي الساذجة تدق بسرعة عند توقعي وصول الشريفة حفصة وصعودها من أمامي إلى السيارة!
هل أنظر إليها؟ هل أجاملها ببشاشة إذا ما تكرمتْ بالنظر إليّ وابتسمتْ إذا قدر الله؟ هل أقدم لها خدمة ذاتية إذا أتاحت لي الفرصة لعمل ذلك؟ أساعدها على الصعود...؟ أهتم بشرشفها من الاتساخ...؟ أوسع لها المكان المناسب داخل سيارة البريد، مثلاً!؟ أفرش لها بعضاً من ثيابي تحت كرسيّها الحديدي؟ أنتشل حذاءها إذا سقط وأعيده إلى رجلها البضّة؟ ماذا سأفعل لها؟ وماذا ستفعل بي؟
ومرت العملية بسلام، وصعدن بانتظام. وعندما حاولت الشريفة حفصة الصعود انزلقت قدمها اليمنى إلى الأرض فاختلّ توازنها، مما جعلني أندفع تلقائياً لاحتضانها بخوف ووجل.. وحملتها مساعداً لها على النهوض إلى داخل السيارة. لا أدري كيف غاصت يداي في ثنايا جسمها كأنني ألمس شيئاً خرافياً مهيباً لذيذاً اهتز له جسمي كله. أما هي فكانت مهتمة فقط بإصلاح شرشفها وزينتها!
لا أدري كيف أفلتت مني ابتسامة! قابلتها بأن كشّرت بهيبة كأنها نمرة بكر.
ارتاح قلبي ووجداني وجميع أحاسيسي، فقد كانت حركة مقصودة قامت بها الشريفة حفصة لكي تربكني، وأضمّها بين ذراعيّ! هذا ما اعتقدته، وهو صحيح منطقياً، لكنها لا تريدني أن أصدق ذلك. وكيف لا أصدق ذلك وهي الشابة القوية الوحيدة من مجموعة نساء قصر النائب، وقد صعدن كلهن بلا حادث على الإطلاق، وهي الوحيدة التي تتعثّر على درجات السيارة بينما غيرها، وهن عجائز، لم يحدث لهن شيء!؟
انبسطت أساريري ونفسيتي لهذا الموقف. أسدلت الستارة الغليظة على مؤخرة السيارة لكي أكتم أنفاسهن، ثم تشعبطت كما وجّهني السائق النزق قبل أن أختلف معه. أعطيته الإشارة بالمغادرة وإن كان قد سبقني بالتحرك قبل ثوانٍ مما كان سيؤدي إلى سقوطي على ظهري إلى الأرض!
تحركت السيارة لتخرج من بوابة القصر نحو المدينة ذات الشوارع الضيقة التي لم يكن في الحسبان أن تمرّ بها آلة ذات إطارات أربعة تُقلّ أكثر من شخص أو شخصين! ومرقت بنا السيارة من الباب الكبير للمدينة لكي نتسلق بعد ذلك عقبة مرصوفة بالحجارة السوداء، شُقّت بهذه الطريقة منذ مئات السنين، منذ عهد الملكة "أروى"، والمعدّة للقوافل.
ما زلتُ متشعبطاً حسب توجيهات السائق النزق، قبل اختلافي معه، ولكنني شعرت بالإعياء نفسياً.
وفتحت الشريفة حفصة الستارة الغليظة بعصبية كادت أن تربكني لأسقط منبطحاً على الأرض لولا أنني تماسكت.
ونظرتُ إليها بحزم محاولاً إعادة الستارة الغليظة إلى ما كانت عليه، فصاحت في وجهي:
-دعها مفتوحة، حتى نشم قليلاً من الهواء!
وارتبكت لصوتها الذي يستولي على كل حواسّي، وجاهدت لكي أزيح الستارة الغليظة إلى سطح السيارة مما أدى إلى ترنُّحي وكدت أقع على الأرض، فصاحت بالسائق أن يقف مشركة يدها بالدقّ على نافذته الزجاجية ومكررة نداءها القوي له قائلة:
-أوقف السيارة!
وتوقف السائق النزق لصوتها الآمر الذي لا يُرد وهو يتساءل عن السبب، فقالت بحدة:
-أتريد قتل الرهينة... الدويدار؟
-معاذ الله!
-دعه يدخل ليجلس بيننا.
وتململ المرافق الخاص الجالس بجانبه بالموافقة له بذلك، فقال السائق:
-فليدخل يا سيدتي!
وأمسكت الشريفة حفصة بتلابيبي وجذبتني إلى جانبها وأنا في غاية الخجل لهذا الموقف!
كانت الطريق وعرّة وحركة السيارة مهتزة.. وجسمها يحتكّ بجسمي وأنفاسها تلدغ خدي. وتقيأت بعض النسوة وبعضهن اندمج في حديث لم أستوعبه، لكنها لم تكن معهن مشتركة. كانت تنظر إليّ وتبتسم ثم تكاد تضحك، بل انفجرت بضحكة بعد ذلك مدوية صمتت إثرها النسوة عن التقيؤ والحديث ونظرن إليها باستغراب. وخيّل إليَّ أنهن نظرن إليَّ أيضاً، ولم تعرهن اهتماماً، فبدأن بالحوار من جديد ولو أنه حوار ملفّق.
كان العرق يتصبب من وجهي بغزارة ويكاد أن يبلل جميع ثيابي. قالت وقد لكزتني بكتفها:
-مالك هكذا.. كالأهبل!؟
ولم أجب. وبللت شفتي بطرف لساني. فقالت:
-صامت كأنك صنم!
-... لأول مرة أركب سيارة.
-أتشعر بالغثيان؟
-لا أدري...
ومدّت إليّ بطرف من شرشفها إلى أمام وجهي وهي تضحك وتهمس ساخرة:
-أتريد أن تتقيأ مثل بعضهن!
-إذا لزم الأمر سأفعل ذلك خارج السيارة.
وغضبت فجأة قائلة:
-مالك هكذا؟ كأنك جالس فوق جمر!
-وأكثر!
-... تعرف كل من في السيارة! أليس كذلك؟
-لا أنكر، أعرف معظمهن.
-تتصنّع الخجل والحياء!
-لا أتصنع شيئاً من ذلك.
-ستقول إنك هكذا، منذ خُلقت!
-نعم.
-لا تضحك عليّ... خبّرني! من منهن لم تضاجعها؟!
لم أجب. فقالت:
-أهي تلك ابنة عم النائب؟ أم تلك التي تنظر إليك باشتهاء؟ هي أحد أفراد الأسرة، لكنها تسكن الريف!
أجبتها وأنا أودّ لو أتمكن من الوثوب من السيارة إلى الطريق:
-أرجوكِ... لا تحرجيني أكثر من هذا!
-هل قلتُ شيئاً كاذباً؟
-سأنزل الآن من السيارة.
-مستحيل ذلك! فسأتبعك.
-لكني لم أعد أطيق مثل هذا الهذيان.
-أتجسر على قول هذا؟
-هي الحقيقة.
-وتؤكد ذلك لي، وأنا أخت النائب، الشريفة حفصة!
-... تعاملينني كطفل ساذج.
-أريد أن أراك رجلاً!
-أنا رجل.
-لم تبرهن على ذلك مطلقاً!
-... أتريدين أن أكون فاسقاً؟
-معاذ الله يا سيدي فضيلة الوالد العلامة!


* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-13, 08:43 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Elk

* * *
حمدت الله على وصولنا إلى قصر وليّ العهد، حيث وثبت سريعاً لكي أفسح المجال للنسوة بالنزول من السيارة.
كنتُ أتوقع أن تنزل الشريفة حفصة على إثري لقربها من الباب بجواري، لكنها تأخرت إلى النهاية.
قالت وقد نزلت:
-لا تغب عنا، نحن في حاجة إليك، وبعد تناول الغداء أحضر "القات"!
ألقت كلامها كأمر صارم وَجِلَ له السائق النزق وحتى المرافق الخاص، وحاول بعض النسوة الأخريات تقليده وتكراره فلم يكن لمحاولاتهن تلك صدى، سوى استهزاء السائق النزق الواضح بهن!
ومكثتُ في ساحة قصر وليّ العهد، والقات معي، لا أدري ماذا أعمل. كنت أشاهد "عكفة" سيف الإسلام وليّ العهد الحرس الخاص "يتمخطرون" بزيّهم التقليدي الأزرق اللون وصياحهم الدائم. كان المرافق الخاص الذي جاء معنا، وهو عجوز، قد تقرفص بجوار حائط واتكأ على حجر وبدأ يتناول "القات" قبل أن يتغدى. ولا كلام لديه فهو صامت، فقد أحسن النائب اختياره لمثل هذه المهمات. لم يتعرف بي بالرغم من أنني أعرفه في قصر النائب. لم يحاول حتى مجرد إرشادي أو الحديث معي في أي شيء. تركته في مكانه المختار مرتاحاً واتجهت إلى الساحة الواسعة أبحث عن مكان الوحوش، أريد أن أعرف أشكالها.
كنت قلقاً على "القات" الذي تركته بجوار المرافق العجوز، فلا بد أن يأخذ منه خلسة لكي يواصل ارتياحه في مكانه المختار. كم هو شغوف بالقات، حتى على حساب غذائه!
وصلت إلى أقفاص تلك الوحوش الكاسرة، أسود ونمور وضباع. كان هذا كل ما يحويه حوش سيف الإسلام وليّ العهد من حيوانات، كلها تمثل البؤس والرعب. كنت أبحث عن ذلك الحيوان العجيب المسمّى "الوضيحي"، والذي عرفت بعد ذلك بأنه "المها". اندهشت حين قال لي أحد العكفة أنني سأجده خارج بوابة القصر يرتع بين الناس المنتظرين أي إفادة من وليّ العهد لقضاياهم التي جاءوا من أجلها، وبعضهم من أماكن بعيدة.
مللت التسكع في جوانب القصر وقد شعرت بأنني كالغريب. وأثناء ذلك أقبل نحوي عبد أسود كأنه الليل الحالك، ضخم الجثة، يلبس لباس "العكفة"، وبجواره فتى جميل. أدركت أنهما يبحثان عني.
واتضح لي أن ذلك الفتى الجميل هو دويدار سيف الإسلام وليّ العهد الخاص. غلام بضّ الجسم، جميل الشكل، نظيف الملبس. قال لي متسائلاً:
-هل أنت دويدار بيت النائب؟
لم أكن قد شعرت بأن لفظة "الدويدار" تصفعني في أي يوم، كهذا اليوم!
هززت رأسي على مضض، فقال بعد أن تفحصني:
-يبدو أنك رهينة من القلعة!؟
هززت رأسي مرة أخرى، فمطّ شفتيه إلى أعلى ثم قال:
-ليس مستحباً أن يكون الدويدار من الرهائن!
قلت بارتياح:
-فعلاً!
وكتمت كلاماً كنت سأقوله، لكنه قاطعني قائلاً:
-لأنهم سيئون ومشاكسون ويهربون دائماً!
طرقت مسمعي بانتباه كلمته الأخيرة، فابتسمت أسأله:
-ماذا تريد؟
قال بخبث واضح:
-أنا؟ لا أريد منك شيئاً! الشريفة حفصة أصرّت عليَّ باستدعائك، ولا أدري ماذا تريد منك!
-إذا كانت تريد القات فقد تركته عند المرافق الخاص العجوز.
-لقد أخذناه من قبل، هي تريدك شخصياً.
اتجهت خلفه، والعبد الأسود خلفنا. كنت ألاحظ حركات جسمه الرخو من خلال ثوبه الحريري الشفاف. يبدو أنه لم يعد يتصنّع تلك الحركات المائعة فقد أصبحت منتظمة لديه وطبيعية وعادية!
اخترق بي ممراً طويلاً، ثم وصلنا إلى بهو مكشوف تهمس فيه أصوات مياه "الشذروان"([13]) الصافية وسط فسقية مدورة وواسعة أكبر بكثير من فسقية قصر النائب، وبداخلها زورق صغير يعوم فيه فتى وسيم في الثالثة عشرة من عمره تقريباً.
واقترب هذا الفتى بقاربه نحونا، ومد يده إلينا. انتظرت أن يقوم الدويدار الخاص بوليّ العهد أو عبده بمساعدة الفتى لارتقاء حافة البركة من القارب، لكنهما لم يأبها له. فقدّرت أن من الواجب عليَّ مساعدة فتى يطلب العون على الصعود من البركة، فمددت يدي إليه لكي أجذبه مساعداً إياه على الصعود. وفجأة أطبق على كفي وجذبني بعنف فسقطت وسط البركة بجميع ثيابي وأصبت بحالة مربكة داخل الماء. كدت أختنق لتسرب الماء إلى حلقي وأنفي، وقد ساعد على ذلك ابتلال ملابسي مما عاقني عن التخلص من الغرق والعودة إلى حافة البركة.
واستطعت أن أضبط النفس وأتحكم في حالة الغرق بعد ذلك، وعلتني موجة من الغضب لهذا الموقف السخيف الذي ضحك له ذلك الصبيّ الطفل المدلل وجامله الدويدار الخاص بوليّ العهد المخنث وعبده الأسود العملاق.
كان لا بد أن أقلب القارب رأساً على عقب ومَن بداخله، وقد فعلت ذلك وبعنف، وتركت الصبيّ المدلّل يتخبّط مع قاربه وسط الماء، بينما صاح الدويدار مستنجداً، فهب بعض عكفة وعبيد وليّ العهد نحونا، ودهشت لوثوبهم جميعاً بملابسهم وأسلحتهم وذخائرهم إلى وسط البركة لكي ينتشلوا ذلك الصبيّ المدلّل الذي كان يتأوّه بصوت مفزع يطلقه من أحشائه.
كنت مشغولاً بعصر ثيابي من الماء وهي ما زالت على جسدي، وفجأة شعرت بلطمة غادرة ومركّزة على أذني اليسرى وبقية خدّي طار لها صوابي وتجاوب صداها المزعج في جميع مرافق رأسي. وتلفّتُّ حولي فاتضح لي أن تلك اللطمة قد قام بها ذلك الصبي المدلّل، فأمسكت بتلابيبه وانهلت عليه لطماً وركلاً بعد أن بطحته أرضاً وكدت أدوسه تحت قدمي لولا تدخل العكفة والعبيد.
تحوّل ذلك اليوم الذي كنت أعتقد أنني سأتمتّع به وأتعرف من خلاله على أشياء جديدة أو على الأقل أغيّر جو دار النائب الكبير وملحقاته ومن فيه!
تحوّل ذلك اليوم إلى يوم شؤم ومتاعب لم أكن أتوقّع حدوثها، ولم تكن تخطر ببالي! كنت أتوقع أن أسقط من على خلفية سيارة البريد، أن أضيع بعض حزم "القات"، أن أصطدم بالشريفة حفصة وبإحراجاتها، أن أقابل مثلاً الشاعر الوسيم، والذي لا بد أن يعاملني بقسوة وإذلال!
كنت أتوقع مثلاً أن تلتهمني وحوش سيف الإسلام وليّ العهد الكاسرة وأنا أتفرّج عليها! لكنني لم أكن أتوقع أن يؤذيني صبيّ طفل مدلل، وبهذه الطريقة!
كنت متوثباً للردّ على أي اعتداء آخر متوقّع، وخصوصاً بعد أن أخذني بعض العكفة والعبيد إلى البوابة الخارجية للقصر وأدخلوني إلى مكان الحراسة كأنني سجين. واتضح لي بعد ذلك أن الصبي الطفل المدلّل هو فتى الأمير سيف الإسلام وليّ العهد الذي يراه الدنيا بكلها!
قال لي كبير العكفة:
-ماذا فعلت يا مجنون؟!
-وماذا فعلت؟
-اعتديت على غلام مولانا وليّ العهد!
-كان هو المعتدي.
وصمت برهة ثم قال:
-أنت محبوس لدينا...
لم أجب، فاستمر وقد خفت صوته قائلاً:
-حتى تستطيع الشريفة حفصة إنهاء الموضوع بطريقتها!
أثارني قوله ذلك، فقلت:
-وما دخل الشريفة حفصة بهذا الموضوع؟
-أنت غلامها الخاص وهي المسؤولة عنك!
غلام، صفة ثالثة أوصم بها، فقلت:
-لست غلامها! وليست المسؤولة عني.
-عجيب قولك هذا!
-ما الغرابة فيه؟
-لقد قلبت الدنيا رأساً على عقب من أجلك، حتى أنها استطاعت مقابلة مولانا وليّ العهد!
-وهل قابلت الشاعر؟
-من تقصد؟ لا أفهم!
-الشاعر الوسيم.
-آه، أتقصد الأستاذ؟
-أقصد الشاعر.
-نعم، الشاعر هو الأستاذ! فهو يقوم بعض الأحيان بتدريس أولاد مولانا وليّ العهد.
-ربما يكون هو!
-... إذا كنت تقصده، فقد وقف مع الشريفة حفصة مدافعاً عنك.
تألمت لهذا الخبر. وخفت أن يشعر كبير "العكفة" بشعوري، فقلت وقد لملمتُ مشاعري محاولاً نقل الحديث إلى موضوع آخر:
-من يكون هذا الغلام حتى أعاقب من أجله؟
-أَوَلمْ تعرفه من قبل؟
-ولم أسمع عنه. فمن أين لي معرفته!
وابتسم قائلاً:
-هو الوحيد من خلق الله الذي يحبه مولانا سيف الإسلام وليّ العهد، ويفضله حتى على أولاده وزوجاته وكل شيء في الدنيا!
واسترسل بطيبة وشفقة بي... عرفت أنه أحد أبناء سائقي وليّ العهد وله جذور تمتّ إلى أصل تركي، أو أن أمّه من أصل تركي... وقد تعلّق به وليّ العهد بحب غير طبيعي حتى أنني شممت رائحة دعاية بأن يكون هذا الغلام ابناً غير شرعي لوليّ العهد، وهذا ما هو مزعج للجميع!
فباستطاعة هذا الغلام ومنذ صغره أن يلعب مع وليّ العهد في غرفته الخاصة التي لا يدخلها أبناؤه الخلّص ولا زوجاته الجميلات، ويلبي له كل طلب مهما كان مستحيلاً. حتى أن باستطاعته العبث بذقن ولي العهد وشاربه! وباستطاعته أن يصيح ويزعق في مجلس وليّ العهد الرسمي المهاب ويقلب ذلك المجلس رأساً على عقب!
وعرفت بعد ذلك، وقد هدأت نفسيتي، أن الحادث لم يصل إلى وليّ العهد بالصورة المرعبة التي كنت أتوقعها، فقد استطاعت الشريفة حفصة وذلك الشاعر الوسيم إقناع وليّ العهد بأن الحادث عادي، واستطاعا حجب الضجة المثارة عنه والتي كانت قد عمّت القصر كله.
كان المغيب قد دنا. وسمعت صوت كبير العكفة بعد ذلك يناديني أن أخرج لكي أغادر سجنه لأركب مع النسوة العائدات على السيارة نفسها إلى دار النائب.
وثار الحديث داخل السيارة بين النسوة حول ما حدث وما فعلت، وصاح بعضهن في وجهي بأصواتهن الكريهة وقد كشّرن عن أفواه قبيحة تبرز منها أسنان عطبة منحلّة، وبعضهن بلا أسنان. كان موقفهن مني كأنني قد اخترقت السماء، وارتكبت جرماً لم يرتكبه أي بشر منذ بدء الخليقة حتى هذه الساعة!
كنتُ قابعاً بجوار الشريفة حفصة التي كانت قد جذبتني للجلوس بجوارها كما كنا، ولم تدْعني أركب مستقيماً في خلفية السيارة.
كانت صامتة تنظر إلى النسوة وقد أفرغن كل كلامهن الغاضب عليَّ من لوم وشتم وقدح وتجريح انصبّ على رأسي، وهي ما زالت تبتسم فقط، وتضحك بعض الوقت... تلك الضحكة الساحرة لفؤادي ووجداني!
قالت إحدى النسوة:
-يا لطيف! لو علم مولانا وليّ العهد بذلك لقلب الدنيا على رؤوسنا!
وقالت أخرى:
-مصيبة كبرى، وخصوصاً إذا علم الآن سيدي النائب لقَلَبَ الكون علينا أيضاً!
وقالت أخرى:
-فهو لا يرضى بما حدث.
وقالت أخرى:
-سترك يا رب! لقد كانت مصيبة فعلاً، والحمد لله، أننا تخارجنا منها، حتى الآن!
وقالت أخرى:
-لا ندري ما هو الداعي لاستصحاب دويدار رهينة معنا، لا يعرف الذوق ولا الأخلاق ولا الأدب!
كدت أن أنفجر لهذا الحوار المقيت، فأخرجت رأسي إلى خارج السيارة، ثم حاولت الخروج بكل جسمي لكي أتشعبط وأبتعد عنهن، لكن الشريفة حفصة كانت تجذبني بشدة وعنف للبقاء بجوارها وهي تبتسم لكلام النسوة، وتضحك بعض الأحيان باستخفاف!
قالت أخرى من النسوة:
-من الخطأ تكرار ذلك مرة أخرى.
وأجابتها واحدة منهن بجرأة:
-إحدانا هي السبب في كل ما حدث!
وابتسمت الشريفة حفصة متربصة بسخرية، ثم قالت:
-يا إلهي! هل كل هذا الكلام شفقة بغلام وليّ العهد؟ أم تشفٍّ بالرهينة الجالس بجواري؟!
وصمتن إثر تجلجل صوتها المصحوب بضحكاتها المستهزئة. ومرت لحظة، ولم أشعر إلا بالشريفة حفصة تدفع بي نحوهن فجأة! فارتبكت حين وقعت في أحضان بعضهن، وهي تقول:
-حسدتموني عليه لجلوسه بجواري، ولم أحسدكن وهو في فراشكن كل ليلة!
قالت إحداهن وقد تمالكت أعصابها:
-لا تغتري بأنك الزليخا، زوجة عزيز مصر!
فأجابت الشريفة حفصة بسرعة:
-وليس هو يوسف يا غبية!
غمرني الخجل لهذا الموقف السخيف الذي لم أكن أتوقّعه. وفي خضم هذه الدربكة كان نظري قد استقر على الفتاة الريفية القابعة في ركن السيارة بذهول وخجل أكثر مني والصامتة دائماً!
وفي لحظة سريعة اندفعت إلى مؤخرة السيارة، وكانت قد مرقت تواً من الباب الكبير للمدينة، ووثبتُ إلى الشارع الخالي المقفر، المقفلة حوانيت سوقه بحسب العادة وبالقوة وقت صلاة المغرب والعشاء، إذ لا يوجد سوى بعض "القوّانين" (الشرطة) بشاراتهم النحاسية المتدلية من أعناقهم على شكل هلال مع زعيق صفاراتهم النحاسية والموروثة منذ عهد الاحتلال التركي.
ومرقتُ إلى شارع ضيّق لا أعرفه، واندفعتُ ولم أتوقف، ولم أشعر إلاّ بأنفاس تلهث بعدي بخطى سريعة، مثلي. كانت هي الشريفة حفصة، لا غيرها!
وأمسكتْ بذراعي بقوة قائلة:
-أين أنت ذاهب؟
-اتركيني من فضلك.
-لن أتركك!
-سأستخدم القوة نحوك لتركي!
-لا يهمّ، يا جبان!
وأزحتها بعنف حتى كادت أن تسقط على الأرض، لكنها عادت فأمسكت بي بقوة مستعملة كلتا يديها، وقد انقشع عنها الشرشف الأسود لتظهر معالم أنوثتها الطاغية. وكدت أن أهوي بيدي على وجهها، لكنني تراجعت وقد ظهر ذلك الوجه الجميل على ضوء القمر وقد طار عنه الخمار، فقالت متحدية:
-إضرب!!
-...
-ما بالك لا تفعل ذلك؟
-...
-أريد أن أراك رجلاً!
وهويت بيدي، ولكن إلى فخذي، وقلت بسماجة مهزوم:
-أرجو أن تصلحي "الشرشف" حولك!
وضحكت قائلة:
-ألم أقل لك إنك ما زلت طفلاً!؟
تمالكت هياجي الغاضب العنيف، وأنا على يقين من أنها تعرف أنني رجل، لكننا الآن في شارع والناس سيلتمّون حولنا بعد خروجهم من المساجد وكان قد خرج بعضهم فعلاً.
قلت لها بتروٍّ:
-أرجوك أن تتركيني أذهب وشأني!
-لن أتركك فأنت رهينة.. رهينتي الحالي!
-رهينة، دويدار، غلام... لست عليَّ بحارس.
-بل أكثر!
وتخلصت منها مندفعاً، فصاحت:
-أتتركني لوحدي، وأنا لا أعرف الطريق إلى البيت!
-بل تعرفين الطريق جيداً.
-حتى لو عرفت... ماذا سيقول النائب، والآخرون!؟
-سهرة من إحدى سهراتك المعتادة خارج القصر والتي تقضينها إلى وقت متأخر من الليل أكثر بكثير من هذا الوقت!
ولم أشعر إلاّ بحجر قد قذف إلى ظهري بقوة مصحوباً بصوتها المبحوح الرخو الذي كانت تحاول أن يكون صراخاً يصيح بي:
-لن أتركك تذهب!
ولم أجب، وقد تلمّستُ موضع الألم في ظهري، فصاحت أكثر:
-سأستدعي جميع الناس... الخارجين من المساجد لكي يلقوا القبض عليك!
-ستكون فضيحة بالنسبة لكِ!
-فضيحة عليك وحدك لأنك هارب.
ولم أجب وأنا أخب في طريقي المجهول. فقذفتني بحجر آخر آلمني.
ووقفتُ غاضباً متألماً وقد أخذت ذلك الحجر من الأرض وهويت به نحوها بعنف، لكن لم أكن أقصدها في اللحظة الأخيرة فقد طوحت به بعيداً عنها، واعتبرته تحذيراً لها لكي لا تتمادى أكثر.
لكنها لم تتراجع، بل أخذت حجراً آخر ووثبت به نحوي، فوقفتُ متحدياً وفي الوقت نفسه مستسلماً.
وهرعت نحوي والحجر بيدها، واقتربت مني حتى كدت أتوقع ارتطام الحجر في رأسي لينزف دماً وألماً، لكنها هوت بالحجر بعيداً وألقت بجسمها ويديها تحتضنني بشغف لم أعهده حتى من والدتي! والدتي الحنون!
وانحنت إلى الأرض لتلتقط الحجر مرة أخرى مصحوباً بتشنجاتها الصادرة من قلبها الذي لم أعهده من قبل، وإن كنتُ قد سمعت دقاته وأثّر في قلبي الولهان وكل حواسي المرهفة.
وألقت بالحجر بعنف إلى الأرض وقد تمسكت بتلابيبي، فقلت وأنا أسمع نشيجها:
-ما بكِ؟
لم تجب، وقد شممت في تشنّجها القريب إلى صدري رائحة الجنة.. حاولتُ انتزاعها من على جسمي وقلت متسائلاً مرة أخرى:
-ما لكِ؟!
-لا شيء.
وصمتت برهة وهي في أحضاني، أو أنني كنت بين أحضانها، وتململتْ قليلاً من بين أحضاني مبتعدة بجسمها، فقلت:
-هل سأعود إلى السجن، والحبس، والقيد؟!
-لا ينفع معك غير ذلك!

* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-13, 09:00 PM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

* * *
ومضيت بعدها بخطوات رتيبة كأنني أسير حرب وهي تخطو نحو مدخل القصر. وما إن دخلنا من البوابة الرئيسية حتى قام بعض العسكر باحتجازي عن أمر صدر من الشريفة حفصة! وقام بعضهم بدق قيد حديدي على ساقي، ثم انصرفت الشريفة نحو دارها!
ورحب بي العسكر والبورزان ببشاشة زائدة، عكّر صفوها شجار كاد يحدث بين العسكر والبورزان حول مكان مرقدي. وانتصر البورزان حيث أخذني إلى صومعته الخاصة وقد صعدت معه والقيد الحديدي على رجلي، وهو يساعدني على ارتقاء درجات "النوبة" قائلاً:
-عساكر أوغاد! لا أمان بينهم.
هززت رأسي شاكراً له حسن تدبيره وأنا لا أعرف السبب في إكرامه لي شخصياً. كنتُ أتمنى أن أُحبس في غرفة صديقي، لكنني لم أره وربما لا يعرف بمصيري، ومع ذلك فلقد انتابني شعور بالابتعاد عنه وأنا في هذا الموقف. وليكن البقاء لدى البورزان فهو لا شك أخف وطأة من زملائه العسكر الآخرين.
وما إن دخلتُ معه الغرفة حتى وضع بندقيته جانباً وقام ففرش لي فراشاً ثم أعطاني كل ما أحتاج إليه في مرقدي من مخدة وكيس للنوم ولحاف، واستأذنني ليخرج ومعه أدوات نومه معتذراً بأن عليه الليلة نوبة الحراسة، ونصحني أثناء مغادرته الغرفة بقفل بابها من الداخل! ومضى.
أعرفُ أنه شهمٌ ونبيل بالرغم من تصابيه وهفواته العديدة التي تؤخذ عليه. ورغم تقديري الحارّ له هذه الليلة إلاّ أنه خامرني شك بأن لديه موعداً غرامياً مع إحدى نساء القصر‍!
وبالرغم من أنني لم أتأكد من صحة وهمي هذا فإنني سمعت في تلك الليلة، والناس نيام، أصواتاً وحركات مشبوهة وحذرة خلف باب غرفته، أدركت أنها صادرة عنه وعن واحدة من نسوة القصر لم أميز صوتها!
وأسبلت عينيَّ للنوم كرهاً لكي أغفو بعد يوم شاقّ وأحداث جسام لم يكن يخطر على بالي أنني سأمرّ بها! لكن النوم لم يأتِ، فقد كان ذهني مشغولاً بتقييم تصرفات الشريفة حفصة في هذا اليوم الذي مرّ. كيف أفسر كل ما حدث؟ وكيف أقنع قلبي وعقلي وجميع حواسي به؟ وهل كل ما جرى في هذا اليوم الراحل هو حب أم مجرد لعب؟!

* * *

رغم سهري فقد قمت مبكراً مع بداية ومضات الضوء البكر للفجر الذي دخل الغرفة. وتدريجياً استطعت أن أرى بوضوح وضع الغرفة التي نمتْ فيها مكرهاً والتي كنت قد دخلتها ليلاً على ضوء لمبة "قاز" واهية الضوء.
كل شيء في هذا المكان المستدير منظم ومرتب ونظيف أيضاً، لم أعهده حتى في بيت النائب نفسه!
فراشه معدّ ولحافه مطروح بنظام، وصناديقه الخشبية الملونة نظيفة رغم قدمها، وبعض أدواته الخاصة معلّقة على الجدران بترتيب غاية في الدقة ومتناهية في التشكيل والتماثل الدالّ على الذوق الخالص. وفي أسفل المكان جرّة ماء وموقد للنار وبعض أوانٍ فخاريّة ونحاسية تستخدم للطبخ ومغطاة كلها بـ"قوَّارات"([14]) من القماش المزركش. حتى حذاؤه له مكان خاص يضعه فيه دائماً. أما بوقه النحاسي المزيّن بعذبات متدلّية ومزركشة، فقد عُلِّق في مكان لطيف وغُطيّ بمنديل حريري شفاف.
حسدته على هذه الحالة التي هو عليها من الترتيب ودقة النظام التي تطيل العمر.
وقمت لأفتح الباب، فوجدته راقداً خلفه في موضع يطل على ساحة القصر، وبندقيته تحت فخذه وشخيره يعلو برتابة!
تردّدت كثيراً، لكنني أيقظته لكي يكمل نومه داخل الغرفة. وقام فزعاً، ثم لملم أشياءه كأنه كان يتوقع أن أقوم بهذا التصرّف نحوه! وهمد في داخل الغرفة في نوم عميق بعد أن أقفل الباب ورائي.
استقبلني من كان قد استيقظ من العسكر في نهاية درجات سلم "نوبة" البورزان وأنا أتهاوى بقيدي الحديدي، مكشرين وقد علا صوتهم بالزامل المألوف: "يا دويدار قد امك فاقدة لك... دمعها كالمطر"!
هجعت في مكان بجوار البوابة الرئيسية ذات الهواء العليل وقد اتكأت على حجر معدّ لذلك ونظرت إلى الميدان الفسيح غير آبه بزاملهم.
وأقبل صاحبي الدويدار مسرعاً نحوي وسلَّم عليَّ بلهفة ثم جلس بجواري وبيده طبق من خزف بداخله كعك وأشياء أخرى تؤكل وموزعة على أوانٍ صغيرة داخل الطبق، عرفتُ أنها من منزل الشريفة حفصة، لمعرفتي بما تستخدمه من أطباق وأوانٍ في الحفلات الهامة.
لمحني وقد انقبضتْ سحنتي، فلاطفني بكلامٍ عاطر لصباح يوم جديد.
قال مداعباً:
-ماذا فعلت يا مجنون!؟
-لم أفعل شيئاً.
-هه!
-ماذا تقصد؟
-بعض أشياء عرفت بحدوثها أمس.
-وثبتْ هي خلفي من السيارة... هذا كل ما حدث.
-من هي؟
-الشريفة حفصة؟
-لا أقصد هذا الحادث.
-ماذا تقصد؟!
-لقد فعلت أكثر من ذلك!
-... لا أتذكر!
-قيل إنك ضربت ولد وليّ العهد!
-أتقصد ذلك الطفل المدلّل الذي اعتدى عليَّ بإلقائي داخل البركة بكامل ثيابي وبدون سبب، وكنت أعتقد أنني أقدم له خدمة بإنقاذه!؟
-نعم، أقصد هذا الحدث.
-قضية انتهت وقد نال جزاءه!
-هل أنت مجنون أم أنك غبي؟
-أفضّل في هذه الحالة أن أكون مجنوناً!
-هذا أكيد!
-ربما أكون مجنوناً الآن!
صمت لحظة ثم قال:
-ذلك الصبي، هو ابن وليّ العهد غير الشرعي، والذي يراه الدنيا كلها، ويفضله على كل شيء وعلى أبنائه الشرعيين!
-لا أفهم ماذا تقصد!
-وهل تعرف وتفهم ما هي أهمية الابن غير الشرعي لسيف من سيوف الإسلام ووليّ العهد؟!
-لا!

* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-13, 09:02 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

* * *
قادني، وهو يحكي لي حكاية عجيبة، إلى أحد العساكر لفكّ قيدي بأمر من الشريفة حفصة معمّد من النائب مبالغة في أهميتي لديها!
قال ونحن نسير نحو الغرفة:
-لقد كانت ليلة!
كنتُ أفكر لماذا لم أقاوم هذه المرة عند فكّ قيدي، عندما خضعت بسهولة، وربما برغبة، لفك قيدي. ولكزني بكوع يده فقلت:
-خيراً!
-كانت ليلة دار فيها حوار صاخب داخل القصر.
-هل حدث شيء؟
-لا. إنما كان عنك وعن الشريفة حفصة، وضربك لغلام وليّ العهد، وغيابك المشبوه مع الشريفة حفصة.. ليلاً!؟
لم أجبه فقد كنت أسترجع أحداث اليوم الذي مرّ، فقال:
-لا بد وأن يطلبك النائب اليوم لمقابلته ليعرف القضية وخصوصاً بعد أن دافعتْ عنك الشريفة حفصة إلى درجة بكت فيها أمام النائب الذي أشفق عليك من بكائها الحار.. وأنت تعرف مكانتها عنده!
هالني تصوّر منظرها الباكي المتشفع أمام النائب، وإن كنت لا أصدق أن تكون هذه الشريفة قد وقفت ذلك الموقف وهي التي لا تبكي مطلقاً! ولم أشعر إلا بعينيّ تغرورقان بالدمع الذي لم أستطع إخفاء انسياح قطراته على خدي. وإذا صحّ أنها بكت وبذلك الصوت الرخو الأشحب الذي سحرني دائماً فقد حدثت معجزة وأيّ معجزة!
مسحت دموعي وقد شعرت بأهميتي وقيمتي لديها، فقد أصبحت أحتل من قلبها ووجدانها جزءاً لا بأس به.


* * *

استدعاني النائب إلى منظرته الفخمة المفضلة التي يخلو فيها إلى نفسه لحظات من الصباح الباكر كالعادة يسحب أنفاساً من دخان "المداعة" ويطل من النافذة الواسعة على ساحة قصره وملحقاته، يراقب كل حركات سكان هذه المملكة الخاصة.
كان منبطحاً حسب العادة بكرشه الكبير وفخذيه المطويين على بعضهما البعض. ودخلتُ من باب المنظرة الفخمة وألقيتُ تحية الصباح، وكالعادة لم يردّ بأحسن منها ولا حتى بمثلها!
كان شارداً أكثر مما عهدته دائماً في مثل هذه الساعة التي يكون فيها أرقّ طبعاً وأحسن حالاً من أي ساعة أخرى.
وطال انتظاري واقفاً عسى أن يلتفت إليّ، لكنه لم يعرني انتباهاً. وتنحنحت محدثاً صوتاً معتاداً في مثل هذه المواقف فالتفت إليّ وقال:
-هه... اقترب!
واقتربت نحوه وما زلت قائماً حيث تربّع في مجلسه وقد برز كرشه السمين إلى الأمام، قائلاً:
-ماذا فعلت في قصر وليّ العهد؟
-لم أفعل شيئاً.
-كيف؟ وكل هذه الضجة الصاخبة!؟
-مجرد ضجة لا أساس لها من الصحة.
-لا أصدقك! لقد فعلت شيئاً ما سيئاً!
-وما هو؟
-أتسألني!؟
-ومن أسأل!؟
-لا تكن وقحاً!
-لست بوقح.
ورمى بقصبة "المداعة" جانباً ثم تراجع وقد خفف من توتره قائلاً:
-أين ذهبت مع الشريفة حفصة بعد ذلك؟
-إلى هنا!
-كذب!
-هل هنالك معلومات لديكم عكس ما ذكرت؟!
صمت برهة ثم أعاد قصبة "المداعة" إلى فمه من جديد وقرقر بها، وقال:
-تأخرتما عن الركب.. أعني عن باقي النسوة!
-فضّلت المشي برجلي بعد وصولنا المدينة لازدحام السيارة.
-والشريفة حفصة؟
-تركت السيارة أيضاً للسبب نفسه واتجهت معي ماشية إلى هنا.
-لماذا؟
-للسبب نفسه... وقد حبذتْ أيضاً السير لخلوّ الشارع من المارة في تلك الفترة.
-هذا كلام لم أسمعه حتى من الشريفة حفصة!
ولم يكمل. وكنت على استعداد للردّ عليه، إلاّ أنه قال بصوت حاد وغاضب:
-هذه أول وآخر مرة أسمح لك بهذا.
لم أجبه وقد طأطأت رأسي، فقال:
-إعرف ذلك جيداً، وخصوصاً في هذه الأيام المقبلة.
لم أجبه أيضاً، فقال مستفسراً مرة أخرى:
-وماذا فعلت بغلام وليّ العهد؟
-كان هو المعتدي، وقد حصل ما حصل.
-لا تكرر ذلك مرة أخرى بعد الآن.
-... سمعاً وطاعة!
-لا تظنّ نفسك في بلادك تفعل ما يحلو لك فعله! أنت هنا رهينة ودويدار، فارْعَ النعمة التي أغدقت بها عليك وجعلتك تنزل من قلعة الرهائن إلى قصري لتنعم بالعيش الرغد!
-أود أن أعود إلى قلعة الرهائن.
واستشاط غيظاً، صائحاً:
-هذا مستحيل!
-ليس مستحيلاً، فقد بلغت الحلم.
-لا تكذب!
-هذا صحيح!
-لا تعرف شيئاً.. فأنت جاهل.
-أعراض ذلك واضحة على جسمي.
-لا يبدو ذلك!
-أتريد أن أريك؟
-أنت وقح! وتحلم فقط.
-هي الحقيقة... ولماذا أحلم؟
-لكي يقال عنك إنك رجل!
آلمني قوله ذلك، فقد أرجعني إلى قول الشريفة حفصة، وكأنها مع أخيها النائب متفقان على رأي واحد ضدي. وقلت بحنق:
-أنا رجل قبل وصولي إلى القلعة وإلى هنا.
ونهض النائب بكل ثقل جسمه وقد شعرت بأنه يصرفني فخرجت.


* * *
استدعاني النائب مرة أخرى في صباح اليوم التالي وقال:
-كن هنا بمعيتي، لا تذهب إلى أي مكان آخر.
وتقبلت أمره لكنني قلت:
-وماذا سأعمل؟
-إشرفْ على مكان المقيل وأعدّ كل مستلزماته الضرورية، فقد أصبحت رجلاً!

* * *

كان صاحبي "الدويدار الحالي" قد زاد لونه شحوباً وجسمه هزالاً وأصبح سعاله الحاد يوقظني من منامي أكثر من مرة في كل ليلة.
كان يسعل حتى يكاد يغمى عليه، ولا يفيق إلا بعد أن أضمّه إلى صدري ويداي مطبقتان على صدره المتهاوي نتيجة لذلك السعال الحاد.


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-13, 09:05 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الهامش
ـــــــــــــــ

([1]) الأتاريك: مصابيح تعمل بالكيروسين.
([2]) القوارح: الإنفجارات.
([3]) الكدم: خبز رديء يُصنع خاصة للجند، والبرعي هو حبوب البازلاء المطبوخة.
([4]) السحاوق: الطماطم المسحوقة مع البهارات.
([5]) سبلة: ذيل
([6]) معاشر: جمع "معشرة" وهي فسقية من النحاس كبيرة تتوسط مكان المقيل ويوضع فيها التحف النحاسية "والمدائع" ولوازم المقيل.
([7]) فنانتان وراقصتان مصريتان.
([8]) لُحْفَة: وشاح قطني تقليدي.
([9]) الطبشي: جندي المدفعية.
([10]) برشانة: مشط من الحديد أو النحاس خاص بالخيل والبغال.
([11]) العثرب: نباتات برية.
([12]) تحن: تصدر أزيزاً من محركها.
([13]) الشذروان: نافورة مائية
([14]) قوّارات: جمع "قوّارة"، وهي غطاء من القماش مزركش مصنوع باليد.



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-13, 09:18 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الرهينة

الفصل الثالث
انقطعت عن منزل الشريفة حفصة، شعرتُ بأن ذلك كان أمراً جازماً تلقيته من النائب، فقد بلغت الحلم وأصبحت رجلاً كما ذكّرني النائب بذلك عدة مرات.

حتى القصر نفسه لم أعد أرتاد أماكن النساء فيه ولا حتى المطابخ، ولم أعد أقوم بأي أعمال خاصة بهن.
لقد اقتصر عملي على مكان مقيل النائب... أعدّ الماء البارد المبخّر، وأصلح "المداكي" وأبدّل ماء "المدائع" وأعدّ النار "للبواري" في المواقد، وأقوم أثناء المقيل بوضع النار على التبغ وتقديم خدمات كثيرة في هذا المحيط الضيق.
كان النائب يغدق عليَّ بالقات وهو يشعر بأنني أحسُّ بالمهانة لهذا العمل الأخير الذي أقوم به، فهو ليس عملاً يُركن به إلى دويدار أو رهينة، وإنما هو عمل خاص بالخدم. إضافة لشعوره هذا، فقد خصص لي مكانا "أتكىء" فيه في سفل ديوانه الرحب.
وبدأت عادة جديدة معي هي تناول القات.
كنت أجلس في مقيلي هذا بلذة، وكان يدور حوار شبه مكتوم عن حدث سيقع. كنتُ ألتقطُ بعض العبارات المتناثرة والتي كانت توحي لي بأن هنالك شيئاً سيحدث. وكان كلاماً يدور حول قضية الأحرار والدستور وسيف الإسلام الأمير وليّ العهد ووالده الإمام الهرم.
كان النائب أكثر تحفظاً من غيره، ربما لمركزه المرموق ولكون الحديث يجري في مقيله. لكنه، وبعد أن يخرج من كانوا لديه، يستغرق في تفكير عميق. حتى أثناء قيامي بتنظيف المكان من بقايا أوراق وعيدان القات التي خلفها المريدون، وأخذ "المتافل" النحاسية وأكواب الماء الفخارية، وطيّ "قصيب المدائع"([1]) ورمي بقايا رماد "البواري"، كان النائب يظل مستغرقاً، ومداعته ما زالت قائمة وأمامه جهاز الراديو الكبير ذو البطارية الكبيرة، يقلب شوكته على محطات ربما تسعفه بأخبار يرتاح لها. وقد يستدعي صاحبي الدويدار الحالي المريض لكي ينكبّ على قدميه وفخذيه يفركها بحسب العادة.
وكم كنت أود مساعدة صاحبي في عمله هذا الممل، إشفاقاً مني عليه، لكنني كنت أمقت ذلك العمل الرخيص، وكنت أحتقره ولا يمكن أن أتصور نفسي أقوم به في أي ظرف من الظروف.
وكنتُ أعود مع صاحبي المنهك إلى الغرفة وأساعده في إصلاح فراشه بعد أن كان يساعدني. وقد قمت في ليلة بفرك قدميه فصاح بي بعصبية والشرر يتطاير من عينيه، فامتنعت!
وذات ليلة عدت من عملي المعتاد، المحدود بموجب أمر النائب، فوجدت صاحبي قد نام أو أنه تصنع ذلك وقد أسدل اللحاف على رأسه، واكتشفت أن جميع الصور الملصقة بحيطان الغرفة قد مزقت ورميت إلى الأرض وإلى خارج الباب. فوجئت أيضاً بأن أشيائي الخاصة، وهي قليلة كالفراش ولحافه والصندوق الخشبي الصغير الملون، قد رُكن بقرب الباب، كأنه يريدني أن أخرج من لديه ومن غرفته ومن عالمه، وأغادر غرفته هذه التي يعتبرها خاصة به.
كان النور المنبعث من الفانوس القديم المتآكل المهمل خافتاً كالعادة. جلست مثقل النفس برهة، فكرت في صاحبي هذا المريض الذي كان في يوم من الأيام دويداراً حالياً، والذي لا أدري الآن ما الذي حدث معه وعكّر صفو علاقتنا الحميمة.
كان بإمكانه أن يكلمني بصراحة بأن أغادر غرفته وأبحث عن مكان آخر. ففي القصر وملحقاته متسع من الغرف التي لا حصر لها، وهي غرف بالتأكيد أكثر رحابة من غرفته، وقد خُيرت في يوم من الأيام في دار الشريفة حفصة بغرفة مستقلة ذات أربع نوافذ وحمام قريب منها، ومفروشة أيضاً! لكنني فضلت البقاء معه لحبي له ولشعوري بأنه يبادلني المحبة نفسها.
لا أدري ما الذي طرأ عليه وهو بهذه الحالة من المرض! وقلت لنفسي بعد حوار عنيف، إن من غير الوفاء أن أغادر غرفته وهو في هذه الحالة من المرض، حتى لو كان يريد ذلك!
بعد فترة اقتربت منه. كان اللحاف المغطى به يكاد أن يخمد أنفاسه وأنا الذي أعرفه دائماً لا يغطي وجهه مهما كان البرد شديداً وقارساً في الشتاء بالذات، أو الناموس المزعج في الصيف.
اقتربت ومددت يدي اليمنى لكي أضعها بهدوء، وقد احترت أين أضعها على أي مكان من جسمه! لكنني فضلت أن أناديه أولاً، ففعلت، لكنه لم يجبني. كنت أسمع زفيره المكتوم، وكنت أعرف أنه ليس نائماً.
مددت يدي إلى كتفه، وقلت له:
- ما بك الليلة؟
لم يجب، فكررت السؤال وكثفت حركة يدي على كتفه، فقال من تحت اللحاف بصوت مبتور:
- أريد أن أنام.
- وهل أيقظتك؟
لم يجب، بل مال بجسمه نحو الحائط، وسمعت نشيجاً مكبوتاً صادراً منه.
تمالكت نفسي ثم سحبت جسمه نحوي لكي أعرف ماذا به. لكنه تمنع، فأصررت وانزلقت يدي من على كتفه إلى وجهه أثناء محاولتي تلك. وهالني تبللها بدموعه المنهمرة على خديه، فجذبت يدي بسرعة وقد ذهلت تماماً. وكانت ليلة عصيبة. قلت له:
- أخي الحميم! صديقي الوفي، زميلي الوحيد في غرفة الانتظار!
لم يجب، لكنني كررت عليه حتى قال:
- دعني وشأني!
- هل آخذ أشيائي وأرحل عن رغبة لك؟
- أنت حر.
- لم أعد حراً. منذ عرفت قلعة الرهائن، وقصر مولاك النائب، ودار الشريفة حفصة!
لم يجب، فكررت عليه السؤال ملحّاً وقد عزمت على المغادرة إلى أي مكان آخر.
فقال:
- أنت حر، دعني وشأني، فأنا مريض.
- مرضك هذا، هو ما يزعجني!
- لا تهتم بذلك!
وصمتنا لحظة، قلت له بعدها:
- هل أبحث لي عن مكان آخر الليلة حتى تروق ويعتدل مزاجك، وتترك هذا التعنّت!؟
- لم يعد لديَّ أي ارتياح لتلك الأشكال الممقوتة التي ذكرتها.
تمهّلتُ قليلاً ولم أجبه بسرعة بل تعمّدت الإبطاء في الردّ وقد تكالبتْ عليَّ الهواجس، سألته قائلاً:
- أريد أن أعرف قرارك النهائي.
- أنا مريض وأريد أن أرتاح إلى الأبد!
- أرجوك أن توضح بصراحة!
- ... أرجوك أن تدبرّ لك مكاناً آخر، لا أزعجك فيه بمرضي هذا!
- وهل اشتكيتُ من ذلك؟
- ربما تحمّلتني أكثر مما يجب.
- لقد تحملتني أنت منذ البداية!
- هذا كلام عاطفي.
- لكنه كلام حقيقيّ وعن صدق.
- أرجوك أن تتركني وشأني!
- وأنت بهذه الحالة؟!
- نعم... سأجد راحة كبرى إذا تُركت وحيداً في هذه الغرفة.
- لم يعد هنالك من يزعجنا من النسوة بعد الآن.
- هذا كلام... اقتنعت به أنت والنائب! وهو الكلام نفسه الذي اقتنعتُ به أنا والنائب منذ سنوات. لكننا مارسنا الأشياء رغم ذلك وحتى الآن... أَوَلم تلاحظ ذلك؟!
- لم ألاحظ!
- أنا أكبر منك سناً!
- لا أدري.
- نعم أكبر منك سناً. وعندما بلغت الحلم، سن الشباب، حاولتُ التخلّص، لكنني مع الأسف ورغماً عني ظللت وعملت وتصرفت حتى الآن كطفل أهبل.
لم يعد هنالك مجال للجدل معه. أخذت أشيائي وخرجت إلى الساحة، وفكرت قليلاً أين أذهب في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل؟
واتجهت تلقائياً إلى "نوبة" البورزان. كان ساهراً خارج نوبته، مطلاً على السور الكبير يصفّر بشفتيه ألحان بلادي الشعبية الخاصة بأيام الحصاد.
استقبلني بشوق وترحاب كأنه يستقبل صديقاً حميماً له. ولا أدري كيف اتجهت إلى مكانه مع العلم بأن الجميع يتحدثون عن سلوكه الانطوائي وعدم قبوله لأي شخص مهما كانت أهميته.
فرش لي مكاناً ممتازاً من غرفة "النوبة" الدائرية، ولأنه صاحب مزاج متقيد بالنظام والنظافة ودقة التطبيق في ترتيب ذلك المكان فقد صنعتُ من مكاني الخاص بي داخل "النوبة" المستديرة والتي خصّصها لي، مكاناً أرقى من مكانه الخاص به.
حدثني ذات ليلة، وأنا مشغول بحال صاحبي الدويدار، عن سيرة حياته وما مرّ بها، قال لي:
- ألم تسمع عن "حرب الانسحاب"؟
- سمعت بها... من والدي، الذي شارك فيها وكان صبياً مع جدي الذي كان يركب الفرس دائماً.
- هجموا علينا في أطراف تهامة "الشامية" ببنادقهم "المضلع" الألمانية الصنع. كانوا "وهابيين" و"سعاودة"، وكنا نحن يمانيون، "متوكليون" و"زيود"، نحمل البنادق "الصابة" و"الموزر" و"السكّ الفرنسية"، مع ذخائرنا "المعوضة".
كان والدي يقص علينا تلك الأحداث وبتفاصيلها الدقيقة. قال صديقي البورزان:
- انهزمنا من تهامة، وزُجّ بنا في قارب شارد صغير متّجه إلى عدن حيث عدنا بعد الصلح.
واصل حديثه وهو يستعيد أمجاده:
- كنتُ أضرب على هذا البورزان بعد أن أتقنت الأداء عليه من معلمنا التركي العجوز الذي بقي مع من بقي من الأتراك بعد هزيمتهم.
- شيء رائع!
- يبدو أنك سارح الذهن! فيم تفكر؟
أربكني سؤاله المفاجئ، فقلت:
- أبداً! أنا معك.
- لست معي. هنالك شيء يشغل بالك!
- ربما! وأرجو المعذرة.
- هل هي الشريفة حفصة؟
- ذكّرتني بها الآن.
- إذاً ما هو الذي يشغل بالك ويجعلك مذهولاً هكذا؟
- صاحبي الدويدار.
- الحالي؟!
- نعم.
- مسكين! فهو صاحب قلب طيب لكنه ساذج.
- مريض، وقد اشتدّ به المرض إلى درجة خطيرة.
- ... إنني متألم فعلاً من أجله، ولكنه لم يكن وفياً عندما طردك من غرفته!
- معذور، وكان الواجب أن أبقى بجواره، وبالذات في حالته هذه.
- أتريد أن نزوره ونطمئن عليه؟
- هذا ما كنتُ أود طرحه عليك ولكنني ترددت مخافة إحراجك.

* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-13, 09:20 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

* * *
زرت، مع صديقي البورزان، صاحبي الدويدار الحالي المريض في غرفته الصغيرة. كان راقداً. يبدو أنه لم يخرج منذ غادرته.
كان الطعام أمامه كما هو، لم يذق منه شيئاً، وكانت رائحة الغرفة عطنة ففتحتُ النافذة الصغيرة التي كنت آنس إلى بصيص نورها في أحلك الليالي.
استيقظ وقد شعر بنا. لم يتكلم. شعرت أنه قد أصبح غير قادر حتى على الكلام.
وخرجتُ مع البورزان من الغرفة وعندي اقتناع بالعودة إليه، فأخذت أشيائي من مكان صديقي البورزان وعدت إلى غرفة صاحبي الدويدار المريض.
رتّبت مكاني كالعادة السابقة. ولا أدري كيف توفرت لديّ طاقة هائلة من التحمّل والصبر والجلد!
تجاذبتُ معه أطراف حديث فانفرجت أساريره. وتكلم وكأن شيئاً لم يحدث. واستطعت إرغامه على أكل شيء من الطعام المرصوص أمامه، وفركت قدميه الباردتين وأصلحت مرقده.
وقدته إلى الحمام لكي يقضي حاجته الحبيسة طيلة غيابي.
حتى عيناه بعد ذلك كانتا تبرقان بالحيوية والنشاط. كان سعيداً بعودتي وكأن الحياة قد عادت إليه رغم مظهره الكبريائي الذي حاول الحفاظ عليه.
مع كل ذلك، ما زالت صورة الشريفة حفصة لا تفارقني لحظة، حتى في انعزلي مع خيالي وأحلامي، كان صوتها المبحوح يرن في أذني، يناديني بأن أكون رجلاً.
كان وقع الحجر المقذوف منها على ظهري قد أعاد إليَّ الآلام وخصوصاً أنه استقر في عمودي الفقري.
كان صوت بكائها الذي تخيّلته وهي تدافع عني عند أخيها النائب يذكي لديَّ شعلة من هيجان الحب القاسي.

* * *

لكنني مع كل ذلك أوليت صاحبي كل اهتمامي وجهدي، برغم عملي المضني في ديوان مقيل النائب بعد الظهر والمساء. أصبحتْ مقايل النائب قلقة، كأن كل من يرتادونها يتوقعون دائماً حدوث شيء. وسعال صاحبي الدويدار المريض يزداد ليلة إثر أخرى برغم مكوثه في فراشه. وصوت صديقي البورزان، أحد أبطال هزيمة "الانسحاب"، يعلو بنشيده المنادي للهجوم على الخصوم وبإشارة النصر الذي لم يحدث!
والطبشي العجوز، الذي حفرت البغلة "زعفرانة" في رأسه ثقباً لا يندمل، ما زال يدندن بألحان "البالة" الشعبية!
وأنا! ... وأنا أتذكر "زامل" العساكر اللاصق في مخيلتي:
يا دويدار.. قد امك فاقدة لك، فاقده لك...
دمعها كالمطر..!
تذكرت أمي التي هربت بي من "عكفة" و"سواري" سيف الإسلام الأمير وليّ العهد بين مزارع القصب والذرة خوفاً من خطفي في تلك الأثناء لأسجن كرهينة. ومع ذلك اُنتزعت من حضنها بقوة وقسوة لم تعهدهما المسكينة من قبل، وأُركبتُ فوق حصان مقوس الظهر يخص والدي وأسرته إلى المدينة.

* * *

ذات يوم، لا أدري كيف قابلتها صدفة! ارتعت، وعرتني رعشة كأني مصاب بحمى عنيفة، وتصبب العرق من جبيني مدراراً، ونشف ريقي!
حاولتُ الهروب بحركة متزنة، لكنها قالت:
- سبحان الله! ظننت أنك قد سافرت!
- كنت أنوي ذلك.
- إلى أين؟
- إلى بلادي.
- عجيب! وأنا أعرف أنه لا يسمح لرهينة بالسفر إلى أهله إلا بعد أن يحضر بديلاً عنه!
ولم أجب، فقالت:
- وأنت رهينة مهم! ودويدار خاص بي قبل أن يستولي عليك النائب!
- أمرني بالبقاء في معيّته.
- وقال لك إنك قد أصبحت رجلاً، وقد بلغت الحلم!
- لقد قلته أنتِ من قبل!
- ولقّنك أن تقول هذا؟
ولم أجب، فقالت:
- وتطوّرت من دويدار حالي إلى خدام مطيع! تقوم بغسل "المتافل" وإصلاح "المدائع" وكنس المكان! وربما تقوم بأداء أعمال أخرى!
لم أجب أيضاً. فقالت:
- أهذا ما تعتبره تطوراً في حياتك؟!
شعرتُ بثقل سخريتها فاندفعت نحو البوابة الرئيسية للقصر وقد مزق أحشائي كلامها الجارح، واحتميت منها -كأنني أعتقد بأنها تطاردني- بجوار صديقي البورزان، وأنا في حالة من تشنّج مكبوت طرأت عليّ وكنت أخاف أن تنفجر في رحاب صديقي البورزان الحنون الذي أمسك بكتفي وهزني بعنف قائلاً:
- ماذا بك.. يا أهبل؟!
لم أجبه، فأخذني بقوة لأواجهه مباشرة، وقال:
- ابن أمك!
تذكرت أمي، وزامل العساكر: "يا دويدار قد امك فاقدة لك.. دمعها كالمطر". تمالكت أعصابي وأصلحت من وضعي فقال:
- هل جرى شيء لصاحبك؟
- ... لا...
- إذاً ما بك؟!
- لا شيء.
- تقول لا شيء! وأنت تبكي كطفل مدلل؟!
- لم أبك... متى بكيت؟
- قسماً بالله إن لم تقل ما بك...!
ولم يكمل، ولم أجب. ففكر لحظة ثم قال:
- أهي الشريفة حفصة مرة أخرى؟!
هززت رأسي، فقال متأنياً:
- مسكين يا صديقي الرهينة! فإما أن تموت بحبها أو ترحل به خارجاً!
- سأرحل.
- ماذا فعلت يا مسكين!؟
- لاشيء.
- ماذا قالت لك؟
- كلام... مجرد كلام.
- كلام قاس؟
هززت رأسي.
- ... إنك أصبحت خادماً للنائب؟!
هززت رأسي.
- وأنك أهبل وجبان ولن تكون رجلاً مطلقاً؟
لم أجبه. فقال بلطف حنون:
- هل تحبها حقاً؟!
وتمهلت قليلاً+، فقال:
- كارثة ومصيبة حلّت بك!
أجبته وقد واتتني الشجاعة قائلاً:
- وهل الحب كارثة ومصيبة؟
- نعم... كارثة ومصيبة، وخصوصاً إذا كان متبادلاً مع الشريفة حفصة!!

* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-13, 09:23 PM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

* * *

لم أنم جيداً بجوار صاحبي الدويدار المريض الذي أصلحت له كل ما يحتاجه.
ولأنني شربت لكي أنسى الشريفة حفصة، فقد سهرت حتى الصباح. لم تفارقني لحظة في خيالي.. كيف تكون في هذه الساعة؟ هل هي مستلقية على فراشها الناعم والأنوثة المجسّدة في جسمها الريان تبرز مفاتنه من خلال ثيابها الشفافة اللاصقة بجسمها، وصوتها الأجش كفحيح أفعى تتلوى يطرق سمعي!؟
ما زلت أتغافل هجوع صاحبي من سعاله الحاد، وارتشف كأساً إثر أخرى من احتياطه من الخمرة وسيجارة من سجائره المعروفة!
أصبحت في عالم آخر! قررتُ فيه بغير إرادة الذهاب إلى منزل الشريفة حفصة.
وارتشفت كأساً أخرى، وخرجتُ فعلاً إلى الساحة متجهاً نحو باب دارها، طرقته ففتحت لي إحدى الخادمات، ولأنها عرفتني فقد دخلت وصعدت الدرجات نحو مكان الشريفة حفصة.
وقفت برهة متردداً ماذا أقول لها في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل!
كانت قد شعرت بطارق يدقّ باب دارها فتأهّبت لتعرف من هو الطارق في مثل هذه الساعة المتأخرة.
عدت أدراجي مسرعاً لكني فوجئت بصوتها المعروف وهي تسأل خادمتها عن هوية الطارق وقد أجابتها الخادمة بأنه الرهينة.
ولم أشعر إلا بأنفاسها تلثم رقبتي وهي تقول:
- خطوة عزيزة! يا خادم مولانا النائب!؟
ولم أجبها وقد ندمت لمغامرتي السخيفة هذه. فقالت وقد وقفت أمام وجهي مباشرة:
- ماذا يريد جناب خادم مولاي النائب مني؟
- لا شيء.
كان لا بد أن أنطق بأي كلمة.. فقالت بتعجب مفتعل:
- لا شيء!؟
- نعم.
- وتعليل وجودك الآن في منزلي؟!
- كنت أبحث عن شيء تركته هنا.. وربما كنت مخطئاً في ظني.. فهو في مكان آخر.
- عجيب! وهل هو شيء هام لديك!؟
- كان مهماً قبل الآن.
- عجيب...! إذا لم يكن مهماً، كنت ستنتظر إلى الصباح وتبحث عنه مع الخادمات.
- أرجو المعذرة سيدتي لإزعاجك! وعلى كل حال لم يحدث شيء يعكر صفو نومك.
- مؤدب! مؤدب جداً! لكن الذي تبحث عنه ألا يكون مع إحدى خادماتي؟
- لا.
- هل تروقك إحداهن؟
ووثبتُ غاضباً لكي أخرج سريعاً، لكنها أمسكت بكتفي وجذبتني نحوها فالتصق جسمي بجسمها وشعرتُ بأنفاسها تتوالى لاهثة، وقبّلتني حتى كاد أن يُغمى عليّ. ومرقت أمامي وقد جذبتني بيدها نحو مكانها المفضّل.
وأقفلت الباب ووضعتْ يدها حول عنقي لكي تذيبني في قبلة أخرى أصبحت بعدها كمعدن مصهور في أتون صائغ أو حداد.
ورشفتُ من فمها أجمل القبل وتلمست يداي جسمها الرخو الذي كنت أحلم به منذ زمن. وهجعتُ معها في لذة صاحت لها ديوك الفجر.

* * *

نهضتُ من منامي فزعاً، وصديقي المريض يصيح بي متسائلاً عما جرى لي، وكيف حالي. اتجهت إلى النافذة الصغيرة لكي أرى أي بصيص من نور. كان ضوء الفجر قد انتشر، فقال:
- ماذا بك!؟ هل أنت مريض؟
- لا، أبداً! كيف حالك أنت؟
- أنا كالعادة، لكنني قلقت عليك!
- هل حدث لي شيء؟
- كنت في حالة سيئة!
كنت في الأيام الأخيرة استيقظ متأخراً لأن عملي كان قد تحدد بعد ظهر كل يوم في مقيل النائب وحتى منتصف الليل.
وكان صاحبي الدويدار الحالي قد تدهورت صحته إلى درجة أصبح فيها عبارة عن هيكل عظمي، وما بقي من جلده فهو شاحب أصفر اللون. وكان من النادر خروجه من غرفته.
وكنت أقوم بتقديم جميع وجباته التي لا يمسّ منها إلا القليل النادر تحت إلحاحي الشديد. كان يبدو كئيباً متألماً... زاد من ذلك شعوره بعدم الرضا لعدم اهتمام سكان القصر بزيارته. قال لي ذات يوم:
- لم يزرني أحد!
أجبته معتذراً:
- كلهم مشغولون. وحالتك ليست سيئة!
وخرجت منه نهدة ثم صمت، فقلت:
- ومع ذلك فقد زارك الكثيرون في الأيام الخطرة من مرضك. لم تعد تتذكر ذلك.

* * *

تقيّدت بقرار النائب بأن أكون بمعيته دائماً، أعدّ له المفرج للمقيل، وقد امتنعت عن زيارة الأماكن التي يتواجد فيها عادة نساء قصره.
كم يغمرني الحنين كلما تكورت بجوار تلك النافذة الصغيرة المنفية، وتهتز عصفورة صغيرة رمادية اللون فوق مزراب النافذة تذكّرني بأنكِ الملجأ والملاذ البارد الحنون:
- منذ فترة لم يعد يطرق أذني الرنين الساحر المبحوح الصادر منكِ. كم هو رائع! في بلادي التي حكيتُ لكِ عنها العجاب، استضعفوني، واعتدوا عليَّ، ومسخوني رهينة ودويداراً في بلاطكِ وخادماً في ديوان مقيل أخيك النائب المحترم... ومع ذلك لكأن صوتك الرنان ينزلق برفق فيحول الصدى القاسي إلى موسيقى ذات نغم "حالي".

* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-13, 09:25 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

* * *

أدرتُ الأسطوانة في "صندوق الطرب" المصنوع من خشب الأبنوس، والذي لا يُستخدم إلا بتستر ملحوظ، ليصدح ببعض أغاني المطربين اليمنيين أمثال "العنتري" و"الماس" و"القعطبي". فعلت ذلك أثناء قيامي بترتيب مكان "مقيل" النائب.
كنت أضحك على نفسي حين أقف مشدوهاً بذلك الغناء المنبعث من ذلك الصندوق الخشبي المركب عليه اسطوانة فحمية اللون تشبه قرصاً، يصدح منها صوت المغني مع عزف العود المميز.
كم كان يذهب بخيالي آسراً هذا الإبداع، ليس في الغناء والأداء ولكن طريقة التوصيل! صندوق الطرب الخشبي والاسطوانة الفحمية!
كنت أعد ذلك معجزة! وأنا لا أسمع إلا صوت بقرتنا الغالية في سفل الدار تطلب الغذاء بصعوبة بالغة‍!
عندما أكمل عملي في "ديوان" النائب أقفل ذلك الصندوق لأنني سأسمعه في نهاية "المقيل"، وقد أسمع غناءً وعزفاً على العود بل ورقصاً مصاحباً له من أشخاص يجيدون ذلك، وما أكثرهم!

* * *

كم يغمرني الحنين كلما تكورت بجانب النافذة الصغيرة المنفية في غرفة صاحبي الدويدار "الحالي"، المريض:
- وقد تهدل يمامة أو يزقزق عصفور ليذكرني بأنكِ الملجأ والملاذ البارد الحنون. إيه.. شريفتي الحبيبة ذات الصوت المبحوح! منذ فترة لم يطرق أذني ذلك الرنين الصادر منكِ!... كم هو رائع...! في بلادي التي حكيت لك عنها العجاب، استضعفوني، واعتدوا عليَّ، ومسخوني رهينة، ودويداراً في بلاطك، لكأن صوتك الرنان ينزلق في رفق، يحول الصدى إلى موسيقى ذات إيقاع حالم و"حالي"!

* * *

كم تاقت نفسي لرؤية الشريفة حفصة ولو عن بعد! كنت أختلس من الوقت بعض لحظات لكي أقف وعن بعد من باب دارها عسى أن أشاهدها تخرج، أو أقف أتطلع إلى نوافذ غرفتها عسى أيضاً أن ألمح ولو مجرد طيف لجسمها!
وكنت أتردّد على الأماكن التي ربما تكون متواجدة فيها عادة، حذراً، وأتصنع أعذاراً واهية إذا سُئلت عن سبب تواجدي في تلك الأماكن.
كدت يوماً أن أغامر بزيارة لمنزل الشاعر الوسيم وهو الأبعد مسافة عن المدينة وأكثرها أخطاراً لأي مغامرة، عسى أن أجدها، داخلة إليه أو خارجة من لديه، لكنني فشلت.

* * *

لم أعرف في حياتي أنني مارست طقوس الصلاة باختيار حر إلا منذ عرفت الشريفة حفصة وأحببتها.
كان المسجد بجوار البوابة، صغيراً، تعلوه قبة بيضاء من القضاض والنورة. كان مسجداً قديماً جداً، أُعدّ كضريح لأحد الأولياء القدماء المُعتقد ببركاتهم.
وكان يشرف على إقامته صاحبنا "الطبشي" العجوز الذي فدغت رأسه البغلة "الزعفرانة"!
ولقرب المسجد من دار النائب فقد تكفل شخصياً وعلى نفقته الخاصة بإسراجه ليلاً بالمصباح الزيتي الذي يتصاعد دخانه صدئاً ليخفي سقف المسجد البيضاوي اللون.
وقد اعتمد النائب لذلك "الطبشي" العجوز الذي فدغت البغلة "الزعفرانة" رأسه "قدحاً" من الحبوب كل شهر مقابل إقامته للمسجد.
كنتُ أتهجّد فيه بعشرات الركعات عندما تتاح لي الفرصة في أي موقت صلاة، كنت أصلّي سائلاً الله أن يشفيني من حب الشريفة حفصة، وأن يلهم قلبي النسيان لها.
وكم كنت أطيل السجود بخشوع، وأخرج من المسجد بعد ذلك وعندي أمل في إجابة الله لدعائي الصادق الخالص.
كنت أخجل معظم الأحيان من تصرفي هذا، ومع ذلك فكل عملي هذا مرّ دون جدوى، فما أن أدخل راجعاً من بوابة القصر حتى أنظر رغماً عني إلى دارها، بل وأجلس أمامه لحظات عسى أن أرى طيفها!

* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للكاتب, مطيع, مكتملة, الدماج, الرهينة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:47 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.