آخر 10 مشاركات
207 - ملاك في خطر - شارلوت لامب ... (الكاتـب : * فوفو * - )           »          212- الارث الاسود - أيما دارسي (تصوير جديد) (الكاتـب : Gege86 - )           »          219 - صديقان ...وشيئا ما - جيسيكا ستيل (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          165 - السجانة - كيت والكر .. ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          254 - أين ضاعت إبتسامتى ؟ - كارول مورتيمر ( تصوير جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          251 - زائر الليل - كيم لورنس (الكاتـب : PEPOO - )           »          378 - جراح تنبض بالحب - ساره وود((تم إضافة نسخة واضحة جداااااااا)) (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          1051 - العروس الاسيرة - روزمارى كارتر - د.ن (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree66Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-09-16, 02:00 AM   #691

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



جنون المطر (( الجزء الأول ))

الفصل الثالث عشر


المدخل~

بقلم / الغالية انجوانا

آه على وطني .....مايحدث حاليا
آه على وطني تجرأ الاغراب عليه ...فدخلوه ودمرو كل ما فيه ...
قالوا اتينا نحميكم من التخلف ...وهم من زادوه ونشرو التيه ...
حرضونا على بعضنا وقسمو بلدنا ونهبو خيراتنا واثارنا فيه
حسبي عليهم رب العباد يرى وسينصرنا قريبا نحن ومن فيه ...
شردو اناسنا وغربوهم .... لنا الله املنا فيه وتوكلنا عليه ..

****

ومرت أيام ذاك الشهر متعاقبة على تلك البلاد كخرزات مسبحة

في يد عابد يحركها بتأني ووقار , شهر جديد نزلت فيه سيارات

ودبابات الحالك أراضي الجبال الفسيحة لتبدأ عملية إخلاء كل شبر

منها من تلك الجماعات الإرهابية وهي تحاصر فلولهم الهاربة

والمتحصنة بين تلك الجبال ورغم ما خسروه من رجال لم

يعدوه الناس هناك خسارة أبدا ولازالوا يطمحون للمزيد .

صنوان كانت تعمل على استقرارها وتفتيت الخلايا النائمة والحد

من المشاكل والاضطرابات قدر الإمكان حتى يتوصلوا لحل ولو

دوليا لإيقاف ما يعرف لديهم بـ ( زحف ابن شاهين على قبائل بلاده )

أما الهازان فكان لها النصيب الأوفر من النزاعات والاضطرابات

والمشاكل تتراكم ولا تحل , النقص في كل شيء والناس أصبح

أغلبها في العراء , الذعر والخوف والترقب والانشقاقات

والحروب مع الموالين لهم , وتجميع ما يمكن جمعه من

الآراء الدولية المساندة لهم مهما كان ثمن ذلك .


* * *


وضع الشريط اللاصق على طرف الشاش ليثبته جيدا ونظر

لها وقال مبتسما " أصبح لا يحتاج لأكثر من تغييرين أسبوعيا "

أبعدت نظرها عنه لساقها وقالت بعبوس " شهر كامل على

هذا الحال ! ما هذا الجرح ؟ "

ضحك وقال " لا تنسي أنه كان عميقا ونزف كثيرا وملتهبا

أيضا , ثم هو من عشرة أيام حاله ممتاز "

تنهدت بقهر ولم تعلق فهي رغم كل ذلك لم تغادر هذه الغرفة البائسة

سئمت من وجودها هنا من نظرات تلك المرأة التي تكاد تقتلها بها

ومن الخادمات اللاتي يطبقن القوانين فقط ولا تراهن إلا وقت

وجبات الطعام , لا هاتف لا مذياع ولا تعلم ما يجري حولها فلا

شيء هنا سوا نافذة تسمع منها لعب بعض الأطفال بعيدا وحديث

لرجال يصرخ أحدهم مناديا للآخر , أصوات بعيدة جدا تدل على

كبر مساحة حديقة المنزل الذي لم ترى منه إلا غرفتها الواسعة

بأثاثها الكبير الفخم والغريب مثلها , شعرت بشيء تحرك على

الجرح فنظرت للطبيب سريعا فهي تتحاشى النظر له بشكل لاحظه

بنفسه وأصبح يحسب له حسابا , وكرهت اليوم تحديدا خلوته بها

على غير العادة وهذا ما لم تعتد عليه حياتها سوا مع أشقائها الذين

لم يعاملوها أقل من شقيقة لهم , وجدته يكتب بقلمه عليه فسحبت

ساقها وقالت بتألم " ماذا تفعل ؟ إنه يؤلمني "

نظر لها وقال مبتسما " جربت أن أوقع لك عليه باسمي ونجح الأمر "

قالت ناظرة لساقها تثنيها للداخل حيث الكتابة " ولما فعلت ذلك ؟ "

ضحك وقال وهوا يجمع أشيائه " لأرى إن كنتِ تنزعينه

بعدي أو لا "

تمتمت بعبوس " لكني لن أنزعها "

نظر لها مجددا وبدون أي تحفظات ككل مرة فخروج جوزاء

المفاجئ اليوم شجعه لأنّ نصف تحاشيه النظر والحديث معها

سببه وجودها ووجومها الدائم , قال بابتسامة واسعة " حسنا

قد تضيعين وحين يجدونك ويرون اسمي يحضرونك لي "

أبعدت نظرها عنه ككل مرة وقالت ببرود " ما هذا ! أنا

لست بكماء وسأخبرهم باسمي حينها "

فانطلقت ضحكته العالية بشكل استغربته هي تنظر له مصدومة

" جوزااااااء "

ارتجف جسدها بأكمله ووقف ذاك الشاب من فوره ورفع الحقيبة

التي وقعت منه بلا شعور فلم يفت أي منهما أن ذاك الصوت ليس

صوت صقر , رجل المنزل الوحيد الذي لم يُسمع صوته مرتفعا

وغاضبا هكذا وكان الصوت يدل على قربه من مكانهما , ولم تفت

غسق البحة الواضحة فيه والنبرة التي ميزتها بسهولة وإن كانت

تختلف عن المذياع , وعلمت أنه الغائب الغير منتظر ومن

ظنت أنها ستغادر قبل عودته

عدّل من معطفه الطبي بتوتر واضح وثبت قلمه في جيبه وغادر من

أمامها فورا وما أن تكرر ندائه الصارخ لشقيقته مجددا كان يفتح

الباب بتوجس ورهبة أما هي فقد اختبأت من فورها تحت اللحاف

وكأنه بهذا لن يراها أو أنه لا يعلم مسبقا عن وجودها .

ما أن خرج وأغلق الباب خلفه حتى نظر للواقف على بعد خطوات

منه ينظر له بنظرة قاسية حادة يقف بكل هيبته بلباسه العسكري ويده

تقبض بقوة على القبعة المصنوعة من نفس القماش , في موقف آخر

كان ليتمنى أن يبدي إعجابه به وأنه لطالما تمنى أن يقابله لكن الآن

وهنا كان يعلم شيئا واحدا أنه أجرم جرما لا يعلم مداه , وكل ما فكر

فيه أنه سمع صوت الضحك خارجا من الغرفة وأن المدعوة جوزاء

ليست معهما وهنا ستكون الكارثة , بلع ريقه وقال محاولا إخفاء

توتره قدر الإمكان " سررت بلقائك سيدي , قريبتك أصبح جرحها

أفضل ويمكننا تغيير الشاش وتعقيمه مرة أو اثنتين أسبوعيا "

أشار له بيده دون أن يتحدث ليغادر فكانت كفرصة النجاة التي يبحث

عنها في السماء ووجدها في الأرض فتحرك من فوره وزادت خطواته

سرعة حين أدرك أنه تحرك خلفه وشعر وكأن الباب يبتعد عنه كلما

اقترب منه أكثر , وما أن وصل عنده سمعه قال من خلفه وبكلمات

حازمة حادة شعر أنها سترميه خارجا " أخبر الطبيب الذي

أرسلك هنا يأتيني ما أن تصل إليه "

فهز رأسه بحسنا دون أن يلتفت له وتابع طريقه مسرعا وعلم أن

الأمر قد ازداد سوءا , وما أن أصبح خارج المنزل حتى دوى

صوت الباب الذي ضربه خلفه بقوة مما وتر خطواته وتمتم متابعا

طريقه " يا إلهي ما هذا ! ما الذي سيفعله بتلك الفتاة في حالته هذه ؟ "

وتابع سيره بخطوات شبه راكضة مخافة أن يغير رأيه ويوقفه

( فليتحمل الطبيب الذي أرسلني , ما علاقتي أنا )


*

*

التفت للتي اقتربت منه بخطوات وجلة وملامح متوجسة

وقالت " مرحبا مطر , حمدا لله على سلامتك "

قال من فوره وبحدة " ما هذه المهزلة هنا ؟هل لي أن افهم "

فتحت فمها لتتحدث فقاطعها بحدة أشد " أغادر وقد نبهت على

أمرها جيدا وأرجع لأجد كلامي مضروبا عرض الحائط

وضحكات ذاك الفأر تشق جدران المنزل "

بلعت ريقها من غضبه الشديد وقد كرهت فكرة أن يكون تضايق

من وجود ذاك الشاب معها وضحكه وأن يكون شعر بالغيرة منه

فقالت بهدوء محاولة تهدئة غضبه " كنت معهما دائما لكني

اضطررت للخروج هذه المرة ولم تكن لها سابقة "

قال بصرامة " ليس هذا أعني "

تنفست بقوة وقالت بتوجس وفي محاولة جديدة لاحتواء غضبه

" حسنا هو شاب وأعلم أنه قد تخونه نفسه أمام امرأة مثلهـ .... "

وسكتت تلعن نفسها حين اكتشفت أنها ستزيد الأمور سوءا بالتحدث

عنها ونظرت لملامحه التي لازالت مشدودة ونظرته الغاضبة

وقالت متشهدة على نفسها " الخطأ عليهما في هذا الاستهتار "

قال بحدة أكبر " قلت أني لا أتحدث عن هذا يا جوزاء "

قالت باستغراب " عن ماذا إذا ؟ "

رمى يده القابضة على القبعة بقوة وقال بغضب " حين غادرت قلت

وبالحرف الواحد أن الطبيب سمعان من سيشرف عليها لأنه يمكن

تدارك تسريب الأمر معه , وأرجع وأجد طبيبا آخر هنا , وأمر

الفتاة لا أحد يفترض أن يعلم به "

نظرت له بصدمة بسبب كلامه الذي قاله ولم تنكر النشوة التي شعرت

بها حتى كادت تبتسم فرحا في وجهه لولا غضبه العاصف فقد خاب

ظنها في تضايقه من وجوده معها وحدهما وصوت الضحك خارجا

من غرفتها ( ابن والدك يا شقيقي , قلبك متحجر مثله تماما )

تنفست بعدها بارتياح وقالت " حسنا هو على علم بأنها

قريبة لنا ولن يسبب الأمر أي شكوك يا مطر "

صرخ مجددا وقد ضاق صبرا بلامبالاتها

" جميل يظنها قريبتنا , ولاحقا ؟ "

نظرت له باستغراب ولم تفهم ما عناه بذلك وهي ترمش ناظرة

لعينيه بحيرة فتأفف بقوة وغادر من عندها جهة السلالم وقال

صاعدا منه " حين يأتي عمي أخبريني ولا يغادر حتى أراه "

وصعد من فوره فهفت بيدها على وجهها وتمتمت مغادرة

" أعان الله من ستتزوجك عليك يا شقيقي , هذا إن فكرت

أن تتزوج أساسا "


*

*


فتح الباب الشبه مغلق ودخل للمنزل الذي يعمه الصمت ليقع نظره

على شقيقته الصغيرة الوحيدة واقفة عند باب غرفة والديهم ممسكة

بإطار الباب , من تركها من قبل أكثر من شهرين حين غادر وهي

تحبوا وها هو عاد ليجدها واقفة على قدميها , ابتسمت له وتحركت

نحوه بخطوات مترنحة فأغلق الباب ومد يديه مستقبلا لها وحملها

وقذفها للأعلى على صوت ضحكاتها المبتهجة ثم حضنها وقبلها

بقوة وشوق لحظة ما خرجت والدته متسائلة عن سبب ضحك ابنتها

القوي فوقفت مكانها مصدومة وهي ترى ابنها الوحيد بعد كل هذه

المدة وانقطاع أخباره تنتظر خبر موته في أي لحظة , انتبه لوجودها

ونظر لها مبتسما فامتلأت عينيها بالدموع وهي تراه واقفا أمامها ببذلته

العسكرية فاتجهت نحوه من فورها وضمته بقوة وصوت بكائها ملأ

المكان وهي تقبل وجهه وتتفقد جسده كله فضحك وأنزل شقيقته

وقال " أمي لم ينقص مني شيء أنا كامل أمامك "

عادت لاحتضانه مجددا وقالت ببكاء " ظافر يا قلب والدتك

حمدا لله أنك عدت سالما بني , كان ظلما في حقك أن

تدخل حربا وأنت بهذا السن "

كان سيتحدث لولا قاطعه رؤيته للتي خرجت من غرفة أخرى

ونظرت له بعينيها العسلية الواسعة وشق وجهها الصغير البريء

ابتسامة واسعة وركضت نحوه قائلة بسعادة " ظافر أنت عدت ؟ "

وصلت عنده تنظر له فوقها مبتسمة فوضع يده على شعرها

وحركه قائلا بابتسامة " ماريه كيف حالك يا مشاغبة "

هزت رأسها مبتسمة بمعنى بخير وأمسكت والدته بذراعه وسحبته

معها وأجلسته على الأريكة وجلست بجواره ممسكة بيده وقالت

ودمعتها لازالت في رموشها " ماذا حدث معك بني ؟ أين

أخذوكم وما واجهتم ؟ "

قال مبتسما وقد رفع شقيقته ووضعها في حجره " لقد كنت في

الصفوف الأخيرة حيث من هم في سني وأقل وقمنا بعمليات

التمشيط للمناطق ونقل الجرحى من هناك فقط لكن في

القادم سيتركوننا نقاتل ولو جزئيا "

شهقت بصدمة وقالت " مرة قادمة !! وهل ستكون هناك مرة

قادمة ؟ لا لن أسمح بهذا مجددا ولا على جثماني "

ضحك وقال " أمي أنا لم أعد طفلا وكثيرين في سني وأكبر مني

بعامين أو ثلاثة فقط يحاربون في خطوط متقدمة , هل تريدي أن

تضحك الناس علي لأني هربت من هناك ؟ ثم أنا أريد فعلا

القتال معهم "

نفضت يديها ووقفت قائلة بضيق " قلت لن تغادر مجددا
يعني لن تغادر "

وتابعت مغادرة جهة المطبخ " استحم سريعا وغير هذه الملابس

المشؤمة لأعد لك شيئا تأكله "

راقبها مبتسما ثم نظر لشقيقته التي تلعب بأزرار سترته وأبعد يدها

وقبلها ثم نظر للواقفة بجانبه تمسك طرف الأريكة بيديها البيضاء

الصغيرة وتنظر له مبتسمة وقال بابتسامة مرحة

" كيف الدراسة معك ؟ "

قالت بحماس " انتهت من شهر ونحن في إجازة نلعب فقط "

ضحك ووقف وأنزل شقيقته وتوجه لغرفته قائلا بصوت مرتفع

" أمي سأنام أولا أتركي الطعام حتى أستيقظ "


*

*

" ما الذي حدث في أمر ابن شاهين "

رفع شراع نظره من الأوراق التي كان يناقشها معهما ونظر لأعينهم

المحدقة فيه بانتظار وفضول وتنهد وقال " تحدثت مع أحد مساعديه من

عشرة أيام تقريبا وقال بأن ابن شاهين يريد ترتيب لقاء بيننا في أحد

الدول المجاورة وأنه لم يحدد الوقت بعد "

تنفس كاسر بقوة وقال " ولما يطلبها هو قبلنا ! أليس الأمر مريبا

ونحن من يفترض به أن يطلب لقائه من أجل المهادنة ؟! "

وضع شراع القلم من يده وقال " الأمر يعنيه أيضا وهو يعلم أن

المهادنة ومناقشة أمرها سيتم بطلب من الطرفين , وإن كانوا الحلقة

الأقوى حاليا فهم أيضا يهمهم أن تبقى حدودهم معنا على استقرار

حالي , ولا تنسى أن لنا حدودا مشتركة مع الهازان أيضا وأن

مدينة العمران ضمن حدودنا ونقطة خطر كبير علينا ومنطقة

حساسة عليه أيضا "

قال رعد ببرود " وغسق ؟ أين هي من كل هذا ؟ "

فرك الجالس خلف الطاولة جبينه بأصابعه وقال بتفكير " ستكون

النقطة الأهم في لقائنا بالتأكيد وسنعرف سبب احتجازه لها كل

هذا الوقت وما يريد مقابلا لإعادتها "

قال كاسر بصدمة " مقابل !! هل هي سلعة لديه ؟ "

قال رعد سريعا " ما نعرفه عنه أنه أي امرأة يمسكونها على الحدود

يحتجزون الرجل لكن هي يرجعوها فورا ولم تكن سياسته المساومة

بالنساء أبدا وعلى امتداد أعوام فما تغير الآن ؟ "

قال الكاسر بسخرية " تغير أنه يعتقد أنها ابنة زعيم صنوان ومتأكد

من أن والدي سيقدم له أي شيء مقابل أن لا يشيع خبر وجودها

لديه فأول ما ستؤلفه الناس بأنها فرت ودخلت الحدود ذاهبة

له قصدا "

قبض شراع أصابعه بقوة وقال " لم أستطع حتى وضع احتمالات

لما سيطلب ! وهذا جل ما أخشاه أفكار ذاك الرجل وغموضه "

قال رعد " أخبره أنها ليست ابنتك إذاً وأحرق ورقته الرابحة "

قال شراع من فوره " إياكم وفعلها مع أي أحد من طرفه فهذا

سيضرنا أكثر فسيبحث حينها عن سبب دخولها ولن يفوته أبدا

أنها تبحث عن عائلتها وقد يجعلها تعترف عن السبب ويبدوا

أنها حتى الآن لم تقل شيئا "

قال كاسر بضيق " والحل مع هذا الحال ؟ الفتاة ابنة خالتها قضت

شهرها مع جدتها وعليها العودة لمنزلهم ولن تنطلي حينها على

الناس كذبة أنها ما تزال هناك معها , وابن شاهين أراه مسترخ

جدا ولا يفكر بأمر مناقشتكم للأمر "

لم يعلق والده سوى بتنهيدة قوية وقال رعد " وجبران ؟ "

نظر له شراع وقال " اتصل بي وهو عند حدود الحالك الآن

وقال سيرجع متى ما رأى أنه يريد العودة ولم أعارضه

فحتى الحدود تحتاج لأحدكم "

وقف الكاسر وقال بقهر " لا أعلم من الملام في كل هذا ؟

غسق أم ابن شاهين أو نحن ؟ "

ثم تمتم مغادرا " سحقا لكل ذلك "

وخرج تاركا خلفه صمتا مميتا وشخصان لا يمكنهما نكران ما قال

فجميع الأطراف أصبحت ملامة في ذلك , غسق وجنونها وتهورها

فيما فعلت ومطر واحتجازه لها لأسباب لا يعلم أحد إن كانت حربية

أم شخصية , وهم الذين أخبروها بالحقيقة التي اضطرتها لفعل ما

فعلت وغفلوا عن انجرافها خلف التقصي عنها , وقد لعب

القدر لعبته , والحكم في النهاية لأقدار الله طبعا


*

*

مر بجانب السياج المبني من الأسلاك الشائكة المرتفعة وهو يراقب

بعض الأهالي هناك وقد بدأالجميع بقطاف محاصيل الرمان وخلال شهر

تقريبا ستتحول هذه المساحات الشاسعة من الأشجار المثقلة بالثمار

فارغة لا شيء فيها سو أوراق الأشجار الخضراء وسيفقد مورد

طعام والدته , خاصة والطبيب ألزم عليهم أن تأكل من أجل الدواء

والطعام الذي يعطونه لهم لا يكفي شيئا ومضطر في كل يوم أن

يتحجج بحجة ما ليترك لها النصيب الأكبر منه , وحبتي الرمان

يعدهما وجبة يومية لها كان يعلم بأنه سيفقدها مهما طال الوقت فقد

تأخروا هذا العام في قطافه لأن أوامر ابن شاهين لم تصلهم إلا الآن

تنفس بقوة ووقف ينظر لهم وهم متعلقون بالأشجار يقطفون الثمار

ويرمونها لمن في الأسفل لجمعها في خيش كبيرة لتنقل تباعا من هنا

لحوران قبل أن يتم توزيعها ومؤكد هذا العام سيذهب أغلبها للرجال

عند الجبهات والباقي سيتم عصره ككل موسم , تابع سيره ونظره

للأسفل يفكر في البدائل لذلك ولا حل أمامه فلا أحد من أهل القرية

يرضى أن يعمل لديه ولو في رفع الأشياء الثقيلة مقابل المال لأنه

لازال يعامل ابن الهازان وحتى من لا يضره بلسانه يتجنبه كي لا

يضروه الآخرين بألسنتهم , وذاك الطبيب لا يستطيع أن يطلب منه

أن يعمل لديه مجددا وهوا يعطيه الدواء مقابل عمله الذي لم يعد يعمله

وعليه الآن بعدما انتهت المدرسة أن يرجع للعمل لديه مقابل علاج

والدته الذي أصبح يأخذه مجانا , وقف مجددا وهوا ينظر باستغراب

للجهة من الحقول التي يسيجها الحراس هنا بسياج بلاستيكي بشكل

شبكة ليفصلوها عن باقي الأشجار فاقترب أكثر من السياج الشائك

ووقف ينظر لهم بفضول وسأل أقربهم قائلا " لما هذا تفصلونه

عن البقية ؟ "

نظر له ثم عاد لربط السلك الحديدي وقال " هذا الجزء منع

الزعيم ابن شاهين قطافه ولن يقطف أبدا "

قال بصدمة " ولماذا !! ألن يفسد مع حرارة منتف الصيف ؟ "

حرك كتفيه وقال ولازال منشغلا بما يفعل " تلك هي الأوامر

ولا شيء لدينا سوا التنفيذ "

شعر بسعادة غامرة فمخاوفه تبددت , هذه الجهة تحفها أشجار السرو

التي تتخذ لحماية الحقول من الرياح القوية المغبرة , والشمس لا

تكون قوية فيها كما باقي الحقول والثمار على الأشجار ستصمد

لوقت لا بأس به وسيكون لديه فرصة أطول لأخذ الرمان منها لوالدته

هوا يجهل تماما سبب اتخاذ ابن شاهين قرارا غريبا كهذا لم يسبق له

أن اتخذه طيلة سنوات حكمه للحالك لكنه لم يحاول التفكير فيه فما يعنيه

الآن أن وجبة الرمان لوالدته لن تختفي حتى تسقط هذه الرمانات في

الأرض فاسدة , ضحك أحد الواقفين بعيدا وقال بصوت مرتفع للذي

كان تيم يتحدث معه وكأنه يقصد ذلك " قد يكون تركها للصوص

حقول الرمان ليستمتعوا ببقيتها "

وبادله الآخر الضحك ينظران له فنظر لهم نظرة باردة وغادر دون

أن يكلف نفسه عناء أن يفكر إن كان هو المعني أم لصوص كثر
يدخلون غيره , ولا يعلم أنه تم التبليغ عنه وأنه ثمة من

تغاضى عن ذلك عمدا


*

*


" مطر "

التفت من فوره وقد كان متوجها من السلالم لباب المنزل فورا

ولم ينتبه لوجودها وسط صالة المنزل الواسعة على كرسيها

المتحرك فتوجه نحوها من فوره وفي صمت تنظر له مبتسمة

بحنان , شعره لازال مبللا دليل أنه خرج من الحمام ونزل فورا

يرتدي بنطلونا وقميص أهمل تفاصيله , أزاره العلوية مفتوحة

وكماه أحدهما مرفوع ومثني لمرفقه والآخر لنصف ساعده

تقريبا , وصل عندها وقبل رأسها وقال هامسا بنبرته

المبحوحة " عمتي ... كيف حالك ؟ "

نظرت له للأعلى وقالت مبتسمة " بخير بني وزادني

رؤيتك سالما "

ابتسم لها دون تعليق ويده لازالت على كتفها فقالت ونظرها

معلق به " ماذا حدث بشأن ما طلبته منك ؟ أنت لم تخبرني

ما حدث معك حين جئت قبل شهر "

تنفس بقوة وشرد بنظره للبعيد وقال ببعض الضيق

" خرجت لصنوان عمتي , فرت من هنا "

نظرت له بصدمة وقالت " لصنوان !! "

نظر لها وقال بجدية " ما الأمر الذي تريدين معرفته منها ؟

ما قصة المرأة أميمه وما الذي تعرفه تلك العجوز ولن تخبر

غيري به ! في الأمر مولود بنسب مجهول أليس كذلك ؟ "

حركت حدقتيها بعشوائية بعيدا عنه وفكرت للحظة ثم قررت أن

لا يعلم فالأمر مجرد فرضيات وحتى إن كان صحيحا فالوقت ليس

مواتيا ليعلم والبلاد في تلك الحالة فلا تريد للمشاكل مع صنوان أن

تبدأ من الآن وهي على يقين من أنه إن صدقت ظنونها وتلك المرأة

كانت بالفعل متزوجة بشقيقها دجى وأنجبت منه فالواقف فوقها لن

يقف مكتوف اليدين وسيتقصى عنها وأين أصبحت الآن وما ولدت

ولن يغفر لصنوان ذلك أبدا خاصة إن كان أمرها معلوما ويخفونه

ثم ما حدث مع دجى قبل موته سيدفع ذاك المولود ثمنه الآن

" عمتي هل كل هذا تفكير في الجواب ؟ "

نظرت له مجددا وقالت مبتسمة " لا بني سرحت فقط في تلك

العجوز أما السبب فليس بتلك الأهمية فهي امرأة طلبت مني

معرفة أمر منها لن تقوله لغيرك وأنا رحمت حالها "

نظر لملاحها بشك فقالت بذات ابتسامتها " لا تشغل بالك

بالأمر بني , لو كان ذا أهمية لأخبرتك به "

قال بهمس غاضب " لماذا هربت ؟ ومما تخشى ؟ "

أمسكت يده بقوة وقالت " قد تكون مشاكل في قريتها , أنت تعلم

أنها كانت تولد النساء لأعوام طويلة وأنهم على الحدود فقد مرت

عليها نساء كثر ولدن من رجال خارج حدودهم وقد يكون أحدهم

يهدد حياتها , ولا شيء يبقى متسترا طوال العمر ولابد

للأمور أن تكشف "

هز رأسه بحسنا دون تعليق فقالت قبل أن يغادر

" وماذا عن الفتاة يا مطر ؟ "

نظر لها بصمت لبرهة ثم قال ببرود " ما بها ؟ "

تنفست بقوة وقالت بهدوء " لن تكون ابن شقيقي الذي أعرفه

وحملته بين ذراعاي رضيعا إن كنت ستساوم بسمعتها وأن

تجعلها أداة ضغط على والدها , فلما تبقى هنا حتى هذا

الوقت وجوزاء قالت أن جرحها تماثل للشفاء وأصبح

بإمكانها التحرك "

قال ونظره مركزا على عينيها وبنبرة ثابتة يشوبها بعض

الجدية " أمرها يخصني وحدي عمتي , لا أحد يقرر فيه "

غضنت جبينها عاقدة حاجبيها الأسودان الرقيقان وقالت

" مطر أنا لم أطلب منك أن تخبرني ما تخطط له وأعلم أنه ليس

بطبعك ولا تحب ذلك , أنا أذكرك فقط بأنها فتاة ولا دخل لها فيما

بينك وبين قبائلها , وإن كانت ابنتك أو شقيقتك ما رضيت لها بهذا "

وضع يديه في جيوبه وقال ببرود " أنا لم أطلب منها دخول حدودي "

هزت رأسها بيأس منه وقالت " أملي فقط بأنك مطر شاهين

ذاته ومبادئك لم تتغير "

قال وقد هم بالمغادرة " لا تقلقي لم تتغير عمتي "

قالت قبل أن يبتعد مغادرا " هل يمكنني رؤيتها الآن بعدما أتيت

فجوزاء أخبرتني سابقا أنك طلبت أن لا يحتك بها أحد إلا

للضرورة "

تابع سيره في صمت وقال حين وصل باب المنزل " كما تريدين "

وخرج من المنزل ونظراتها تراقبه حتى اختفى ثم تنهدت بحيرة

وحركت عجلات كرسيها باتجاه ممر الغرف الشرقية ومرت

بها إحدى الخادمات في طريقها ووقفت وقالت مبتسمة

" هل أساعدك سيدتي ؟ "

قالت مبادلة لها الابتسامة ولم توقف تحريك عجلاتها

" لا شكرا يا حبيبة أكاد أصل لوجهتي "

وتابعت سيرها به حتى وصلت باب الغرفة وطرقته طرقات خفيفة

ووقفت تنتظر ولم تفتح الباب وحين لم يصلها أي رد طرقته مجددا

فخرج لها الصوت الرقيق الناعم من الداخل " تفضلي الباب مفتوح "

فابتسمت ورفعت يدها لمقبضه ( هذه الفتاة من أخبرها أني امرأة ! أم

أنها تريد أن يفهم من في الخارج أنه إن كان رجلا فهوا غير مرحب

به ) فتحت الباب ببطء ودخلت لتستقبلها نظرات الجالسة على السرير

المستغربة للداخلة وهي تنظر لها مبتسمة تتفحص ملامحها وهي تحرك

كرسيها للداخل , تبدوا لها ازدادت حسنا عن حسنها الفائق ذاك حين

رأتها من أربعة أعوام , وحتى عينيها تراهما يحملان بريقا مختلفا

زادهما توهجا أسودا ولمعانا أخاذا , اقتربت منها حتى وصلت

لسريرها وقالت مبتسمة " مرحبا يا غسق , كيف أصبحت

ساقك الآن ؟ "

تخطت غسق استغرابها لهذه المرأة التي لم تراها من قبل

ولرحابتها وابتسامتها عكس سابقتها ثم قالت هامسة برقة

وابتسامة " أفضل , شكرا لك "

ابتسمت لها تتنقل بنظرها في ملامحها الفاتنة وشعرها المنسدل

على كتفيها كستائر ليل شديد السواد , فستانها الزهري الصيفي

البسيط بأكمامه القصيرة كاشفة عن ذراعيها شديدا البياض متناغما

مع اللون الزهري لخديها , كطفلة مستيقظة من نومها خرجت من
كتب الخرافات القديمة ( من يشبع من هذا الحسن إلا شخص لا

عقل له ) خرجت منها ضحكة صغيرة بسبب أفكارها تلك وهي

ترى نظرات غسق الحائرة وقالت مبتسمة " لو فقط رآك

لنعلم من صدق منا أنا أو ابنة شقيقي "

زادت نظرات الحيرة وعدم الفهم في عيني غسق فضحكت

المقابلة لها مجددا وقالت " خرف عجائز ليس إلا فلا

تعبئي به , أنا عمة جوزاء يا غسق "

رسمت غسق ابتسامة صغيرة مغصوبة ودست بضع خصلات

خلف أذنها وقالت بأدب " سررت بمعرفتك سيدتي "

قالت من فورها " وأنا كذلك فنادني عمتي , أتمنى أن

يكون طاب لك المقام معنا "

هربت من عينيها ونظرت ليديها في حجرها وقالت بحزن

" كرمكم معي منقطع النظير لكني أشعر حقا بأني طائر

مسجون في غير وطنه "

تنقلت بنظراتها في ملامحها وقالت مبتسمة " لن يلومك أحد

على شعورك هذا , لكن ألا ترين أنه وطنك جميعه ؟ "

رفعت نظرها بها سريعا وقالت " بلى ولطالما كرهت

التقسيم الجائر له "

هزت لها رأسها بنعم دون تعليق فتابعت غسق بحزن وقد اقترب

حاجبيها الرقيقان وتألمت ملامحها " لكني بعيدة عن عائلتي هناك

والدي وأشقائي وعمتي , وقد اشتقت لهم كثيرا "

تنهدت المقابلة لها بعجز ولم تعلق فقالت غسق " متى يمكنني

الرحيل من هنا والعودة لهم ؟ "

هزت رأسها بحيرة ولم تعرف بما تجيب وقالت حين لاحظت

في ملامحها أنها مصرة أن تسمع الجواب أي كان " مطر عاد

للتو من جبال أرياح وهوا من سيقرر ذلك "

شعرت بتلك القشعريرة في جسدها وكأن الدم في عروقها تحول لمياه

باردة درجة التجمد سرت فيه بالتدريج لسماعها اسمه فقط وتأكيدهم

لعودته فلم تتخيل يوما أن تكون قريبة منه درجة أن لا يفصلها عنه

سوا جدران حجرية وأن تسمع صوته وكأنه أمامها وأن تعلم عن أخبار

غيابه وعودته , هذا أشبه بكابوس تنتظر في كل لحظة أن ستستفيق

منه , قالت بتوجس " لكن السيدة جوزاء أخبرتني أنه ما أن تشفى

ساقي سيقوم عمها بإرجاعي للحدود , والطبيب من أسبوع سمح

لي بالتحرك عليها "

نظرت لها مستغربة وقالت " هي قالت لك ذلك ؟ حد

علمي أن القرار لمطر "

أنزلت رأسها للأسفل وعضت شفتها السفلى بقوة وكرهت ما تشعر

به وهي تسمع اسمه دون أن ينسب لوالده كما تعودت أن تقول وتسمع

( ابن شاهين ) وعجزت عن فهم هذه المشاعر بين الرهبة والخوف

والفضول المبهم , لكن ما أرعبها وقتها أكثر ربط مصيرها هنا به

وبقراره هو , فلما يعتبرها غنيمة وجدها وهوا من يقرر مصيرها ؟

منذ متى كانت النساء في بلادهم تعامل هكذا ! فعلى امتداد أزمان

كان للمرأة احتراما وقدسية ولا يسمح لا بأخذها أسيرة ولا غنيمة

حرب ولا سجنها ولا اختطافها , كلها تعد جرائم في قوانينهم العرفية

والقبلية , رفعت نظرها بها حين سمعت صوتها قائلة " طوال الشهر

الماضي كان منشغلا في حرب الجبال وبعد عودته مؤكد سيقرر

في أمرك فمؤكد سيغادر قريبا وسيطول غيابه "

قالت بذعر " لا يا الهي وماذا إن لم يقرر ؟ "

خرجت ضحكتها رغما عنها وقالت " لا تقلقي مؤكد سيرجعك

لعائلتك قبل ذهابه فاستغلال النساء لم يكن طبعه يوما

وأخبريني الآن ما أدخلك لنا يا مشاغبة ؟ "

أبعدت نظرها عنها وأشاحت بوجهها بعيدا فهذا السؤال يبدوا

لن تتخلص منه أبدا ولن يتوقفوا عن إلقائه حتى يعلموا السبب

قالت ولا تزال متحاشية النظر لها " دخلت من أجل صديقة

مقربة جدا لي "

وعضت لسانها مجددا وليست تعلم كم كذبة ستقولها هنا وكم مرة

ستعضه حتى تحوله لقطع فهي منذ قررت الدخول هنا والبحث عن

تلك العجوز وكذباتها على من حولها تتالى , ضحكت المقابلة لها

وقالت " لا تقولي أنها متزوجة من أحد جنود الحدود واختفى

وانقطعت أخباره ودخلتِ لتبحثي لها عنه أو عن خبره ؟ "

نظرت لها مستغربة من تقبلها للأمر وقالت بتوجس

" شيء من هذا القبيل "

هزت تلك رأسها بحيرة وقالت " ما أحب البعض للإثارة

في حياته "

قالت غسق بعد تردد " ما قصة هذه الزيجات ؟ "

أجابتها مبتسمة " عند مقرات الحدود ينتشر الجنود مراقبين الأراضي

حوله ولا يستغرب أحد رؤيتهم عند نقاط قريبة جدا من حقول الطرف

الآخر حيث تعمل النساء هناك وحينها يصبح لا مانع من نظرة

ثم ابتسامة فموعد فزواج "

نظرت لها بصدمة وقالت " وكيف يُسمح لهم بذلك ! كنت أعتقد

أن الأمر له علاقة بهروب أحدهم ودخوله لحدود الآخر والعيش

فيه والزواج هناك وليس زواجا على الحدود !! "

قالت بابتسامة " لا يا غسق زيجات كثيرة حدثت بذلك الشكل ولم

يمنعها أحد لا من طرفنا ولا من طرفكم وذاك كان ضمن اتفاق

كي لا تصبح زواجا عرفياً فهي ستحدث لا محالة مهما

أصدروا من قوانين تمنعها "

قالت بعبوس وحزن وقد تذكرت وضعها " لكنه ظلم لأبنائهم

فيما بعد وسيبقون بلا نسب "

هزت رأسها بلا وقالت " صحيح أنها زيجات في الخفاء ومعرضة

للانهيار دائما وتشتت الأبناء لكنها شرعية وشيخ من طرفنا أو طرفكم

من يكتبها ويختم عليها وكما تعلمين في بلادنا ووضعها هذا لا توجد

محاكم توثق مثل هذه الأوراق والقبيلة هي الحكم والتشريع , وإن لم

نتساهل قليلا في أمر مثل هكذا زيجات سنصبح كالحيوانات

نتزاوج دون نظام ولا شرع , هل فهمت ذلك الآن ؟ "

هزت رأسها بنعم وهمست بأسى " فهمت لكن عليهم إيجاد حل

لتنظيم ذلك ليعرف على الأقل أطفالهم من أين ينتسبون "

قالت مبتسمة " لكنهم يعلمون يا غسق فلا الأم ستخفي عن

ابنها ذلك ولا الوالد سينكره رغم أنه كان سرا عن الجميع "


نظرت لها بحيرة وعجز فلن تستطيع أن تقول لها ولما أنا لا ؟

لماذا لم يخبرني أحد وأخفوه عني وعن الجميع ! قالت بأسى

" وفي النهاية الأب يأخذ ابنه والأم لا يحق لها أن تعترض "

هزت رأسها بنعم وقالت " هكذا هي الأعراف هنا وفي كل شبر

من هذه البلاد والمرأة من قبل أن تتزوج تعلم ذلك جيدا "
ثم قالت مبتسمة " وفي النهاية نحن أبناء وطن واحد يا غسق

أتمنى أن لا تكوني من متعصبي الرأي في هذا "

هزت رأسها بلا بقوة وقالت " أنا مثلك وأبادلك ذات الشعور لكن ... "

ثم أبعدت نظرها عنها متابعة بتردد " لكن السيدة جوزاء أراها

لا تتفق معنا "

ضحكت المقابلة لها من فورها فرفعت نظرها بها مستغربة فقالت

" تعجبني صراحتك , جوزاء ليست مثلي ومثلك يا غسق , هي

حالة مختلفة عنا لن يشعر بما تشعر به إلا من كان في مثل

وضعها وأتمنى أن لا تجربيه يوما يا صغيرة "

فتحت فمها ثم عادت وأغلقته مجددا فلا يحق لها أن تسأل مالم

تقل هي ذلك بنفسها لكنها احتارت فعلا في ذاك السبب وفي قصة

المرأة التي لا ترى الود في عينيها اتجاهها أبدا , انفتح الباب حينها

ودخلت منه جوزاء التي نظرت لعمتها من فورها وهي التفتت لها

على صوتها قائلة " أنتي هنا عمتي وأنا أبحث عنك من وقت ؟

لم أفكر أن تكوني هنا ! "

دارت لها بكرسيها وقالت مبتسمة " لقد تحدثت مع مطر ولم يمانع "

نظرت غسق لهما مستغربة ولم تفهم شيئا ووصلت جوزاء عندها

وقالت وهي تمسك يدا الكرسي " لم أجده في غرفته , أخذت له

طعاما لكنه كعادته إن لم تمسكيه لا يسأل عن شيء "

قالت ناظرة لها فوقها " خرج منذ قليل وحتى شعره كان ما يزال

مبللا أي نزل من حمامه للأسفل مباشرة لذلك لم تجديه , كان

عليك إخباره أنك ستأخذينه له قبل ذلك "

قالت وهي تسحب الكرسي بها جهة الباب " وهل ترك لي مجالا

لأقول شيئا , نفث نيران غضبه بي وصعد لغرفته , يخطئ

غيري وأتحمل أنا النتائج "

وخرجتا مخلفتين ورائهما عينان لازالت تتبعهما وقلب ضرباته كالطبول

فوضعت يديها على أذنيها وأغمضت عينيها بقوة وهمست بتعب من كل

شيء يحدث معها " لما يتحدثون عنه ؟ لماذا يذكرون اسمه ؟ لا أريد

أن يكون هذا الرجال في عالمي , لا أريد أن أراه ولا أن أسمع عنه

لماذا لا يتوقفون عن ذلك "

ثم سرعان ما اندست تحت لحافها مجددا وهي تفكر في كلامها عن

غضبه وعن أن غيرها السبب فيه فلن يكون أحد غيرها بالتأكيد

أغمضت عينيها بقوة تريد الهرب من كل هذا للنوم فلا حل سواه


*

*

وصل للسيارة التي توقفت بقربه ونزل منها رجل وركض ناحيته

لافا حول السيارة من فوره وفتح الباب وأنزل الرجل الموجود فيها

مربوط اليدين خلف ظهره وأوقفه أمامه فمد مطر يده لياقة قميصه

وشده جهته بقوة وقال بغيظ " ضرغام حجاج أين العجوز عزيرة تكلم "

ارتجفت أواصره جميعها حتى ظهر الخوف جليا في ارتجاف حدقتيه

السوداء فلم يتوقع أن خروجها سيصله بسرعة هكذا وأن يسعى ورائها

هزه بقوة وقال بحزم أظهر بحة صوته أكثر " تكلم يا ضرغام حالا "

أصبح جسده ينتفض من ارتعاده وهوا يرى الشرر الأسود المتطاير من

عيني الممسك به بقوة وهوا من سمع عنه من الحكايات الكثير وعلم عن

غضبه كيف يكون , فرجل شارك في الحروب والقتل بدم بارد مؤكد

سيخبره عقله أنه سيقتله دون أن يرف له جفت ( سحقا لتلك العجوز

وزوج ابنتها لقد ورطوني ووشوا بي ) قال بخوف وكلمات

مرتجفة " خـ خـ خرجت من الحدود سـ ـسـ سيدي "

شد على ياقته أكثر وقال بهمس غاضب " كم تتقاضى من

الناس ثمنا لذلك يا ضرغام ؟ "

هز رأسه بقوة وقال بصوت مخنوق " لا أفعل سيدي أقسم

لك ولم آخذ منها ولا من أحد "

قال مطر بحزم " لماذا فرت هناك ؟ ما السبب ؟ "

هز رأسه بلا من فوره وقد احمر وجهه بسبب اختناقه فتركه

بقوة وقال " لن أرحمك إن علمت أنك تعلم "

أمسك عنقه بيده وقال " لا علم لي سيدي أقسم لك , ما قالته

لابنتها أمامي أنه عليها أن تخرج قبل أن تصل أنت لها

وهذا كل شيء "

لمعت عينيه بقوة ومض كبرق في سماء سوداء مغيمة وقال وكأنه

يتحدث مع نفسه " هي تعلم أني قادم لها إذا !! "

ثم أشار لهم بيده وقال " احتجزوه عليا التحقق معه أكثر والتأكد

من صدق كلامه أولا "

فأمسكا بذراعيه وسحباه معهما دون أن يعترض ولا حيلة له في

ذلك وأعادوه للسيارة التي غادرت كما جاءت ونظراته تتبعها وكل

تفكيره في السبب الذي جعل تلك العجوز تفر منه درجة أن تدخل

صنوان تاركة قبائلها وأهلها ومؤكد قررت أنها لن ترجع لهم

التفت للخلف ما أن سمع الخطوات التي اقتربت تسير باتجاهه ولم

يكن سوا ضحيته الأخرى وهوا الطبيب سمعان الذي أرسل في طلبه

وما أن وصل عنده وهوا يراقب ملامحه التي بدا الضيق جليا عليها

فهم أنه سيقابله في مزاج سيئ للغاية , وقد سبق وتقابل معه كثيرا

ويعرف أي نوع من الرجال هو وغضبه كيف يكون , قال باحترام

" مرحبا سيدي كم سرني رؤيتك سالما , أخبرني رشيد

أنك طلبت رؤيتي "

وضع يديه في جيوب بنطاله وقال بجفاف وبرود " هل لي أن

أفهم سبب إرسالك له نيابة عنك ؟ أم أن أوامري لا تعجبكم "

قال من فوره وبلهجة ثابتة خبير في التحكم فيها كأي طبيب متمرس

" أبدا سيدي لقد اضطررت للمغادرة وكان الأمر رغما عني ورأيت

أن أرسله هو أفضل وقد تغيبت لأكثر من أسبوعين وحين عدت قال

أن جرحها تحسن كثيرا ولم تعد تحتاج لعناية مكثفة كالسابق

فتركت له المرات القليلة الباقية يكملها هو "

شد على فكيه بقوة كادت تحطم أسنانه وقال من بينها " وهل أخبرك

عما حدث عند وصولي , أم أجعله يطلعك على الأمر بطريقتي "

بلع ريقه بسرعة وقال " بلى أخبرني سيدي , الشاب مرعوب من

أن تقرر شيئا سيئا يخصه وشرح لي ما حدث وقال أن الفتاة كانت

شديدة الاحترام والحشمة معه طوال الوقت والأمر كان عفويا "

قال وملامحه لا تزداد إلا قسوة " وصلت قبل خروجه بقليل وقسما

إن لم أكن سمعت ضحكته فقط وهي لا لما خرج من منزلي بساقيه

كليهما ولحمل لسانه في يده ليعلم معنى العبث في منزل زعيمه

ذاك الفتى ينتقل مع الأطقم الطبية في الجبهات فورا ولا يرجع إلا

بأمر مني وتخبره حالا أن الفتاة سافرت خارج البلاد , إن شممت

فقط أنه أخبر أحدا عن التي رآها هنا انتهى عمره على يدي

وأنت تفهم باقي الأمر يا سمعان "

هز رأسه بحسنا بسرعة وقال " أوامرك سيدي اعتبره لم يراها

أبدا , لقد أرسلته لظني أنك سترجعها لصنوان وهوا لا يعلم من

تكون ولن يتسرب الأمر "

خرج حينها من هدوئه البارد الجاد وقال بحدة وحزم " هل دخلت

دماغي أم قررت عني ؟ لا أريد لتلميذك ذاك أن يفسد ما سيحدث

قريبا أو سيدفن تحت التراب ليموت الأمر معه "

هز رأسه بالطاعة من فوره وقال " سأتصرف في الأمر بمعرفتي

وسأعيده لخارج البلاد إن أحببت ولن يؤثر فيما تريد فعله أي

كان سيدي تأكد "

أشار له بيده وقال بشبه همس " يمكنك المغادرة "

فغادر من فوره وهوا يراقبه وتنفسه يخرج بقوة بسبب انفعاله القوي

وهمس من بين أسنانه " ما أسهل عليكم تدمير كل شيء يا حمقى "

ثم أخرج هاتفه الذي يعمل عن طريق الأقمار من حزام بنطاله المثبت

فيه وأجرى اتصالا سريعا ووضعه على أذنه ونظر للأعلى حيث السماء

الزرقاء الصافية لينعكس لمعانها في حدقتيه الواسعة شديدة السواد ولترمي

ببريق شمسها على سواد لحيته المشذبة بعناية وتلاعب النسيم بخصلات

شعره الأسود القصير اللامع وقال ما أن انفتح الخط " أعطوا خبرا

لزعيم صنوان أن اجتماعنا سيكون نهاية الأسبوع القادم ورتبوا

معهم كل شيء "

المخرج~

بقلم/ الغالية همس الريح

جبران ..

مطر مطر ......مطر مطر
كنت صغيرا ...اهوي المطر

حتي كبرت ... اهوي المطر
ليت الحياه .... بلا مطر

شر اشر ....هذا المطر
اخذ غسق ...تبا لمطر



غسق ..

مطر مطر ...اهوي المطر
حتي بيوم....اسرني مطر

رجل عظيم ...رجل المطر
لكن الحروب ...جنون مطر

اين السلام ..يا ابن المطر
كل الحروب ...مات المطر


مطر..
مطر مطر ..انا مطر
منذ الصغر ..اري المطر

مطر هطل ...حرب مطر
مطر يصب ...جرحي مطر

كل البشر ..مطر مطر
حملي ثقيل ..و انا مطر

******

نهاية الفصل ..........

موعدنا القادم مساء الأربعاء إن شاء الله



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:03 AM   #692

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


جنون المطر (( الجزء الأول ))

الفصل الرابع عشر


المدخل~

بقلم الغالية :همس الريح

اذكرك ..كلما عز الوصال
و انبعثتِ من ثنايا الذاكره

اذكرك بعدٌ ليس فيه احتمال
ان نلتقي و لو للحظه عابره

اذكرك لمحة من خيال
غيرت نظر العيون الساحره



من جبران لغسق ...


****


اتكأت بكتفها ورأسها على إطار النافذة الطويلة المفتوحة مكتفة يديها

لصدرها وغابت بنظرها للسماء الصافية البعيدة وكم يذكرها هذا بحالها

تشعر أن جسدها هنا وروحها هناك , أنها منفصلة تماما عن واقعها ولا

تعلم بما تسمي حالها ووضعها .. سجينة أم أسيرة أم ضيفة غير مرغوب

بها وهي ترى أنها آخر من يقرر في وضعها ومصيرها ولا تسمع سوى

جملة ( مطر من يقرر ) أحيانا ترى نفسها تستحق ذلك وهي من وضع

نفسها فيه وأحيانا تضع كل لومها عليه لأنه انحرف عن أطباع وعادات

عُرف بها زعمائهم على مر السنين أن المرأة خارج إطار حروبهم الدامية

ونزاعاتهم وأحقادهم وهي تراه يحتجزها كالفراشة لا يحق لها ولا الرفرفة

بجناحيها في مملكته , سجينة غرفة لا تغادرها أبدا وكل شيء ممنوع

عنها , حتى عمته تلك لم تراها إلا بعد عودته .

تلألأت عينيها ببريق الدموع ولازالت محدقة بالسماء فأغمضتهما ببطء

ليختفي سواد حدقتيها خلف جفنيها الواسعين وهي تسدل رموشها الكثيفة

عليهما وتنفست بعمق , حتى الهواء ورائحة النباتات لا تساعدها لتتخيل

نفسها هناك وأنه لم يحدث كل هذا , أنها لازالت في منزلهم ولا يأتي

عليها يوم لا ترى فيه والدها وعمتها وتحدث من غاب من أشقائها هاتفيا

كم تفتقد لكل تلك التفاصيل الصغيرة رغم أنها خاطرت ودخلت هنا بحثا

عن أهلها وعن عائلتها الحقيقية , فتحت عينيها مجددا ونظرت للجزء

الظاهر من سور المنزل من بين أشجار الحديقة الواسعة فحتى الأسوار

هنا تختلف عن أسوار منازلهم هناك ولطالما سمعت أن ثمة اختلاف كبير

بينهم في أغلب الأشياء والعادات وحتى الملابس , كانت منازلهم تأخذ

قليلا من الطابع الغربي , غرف حتى في الطابق الأرضي ويعتمدون على

النوافذ أكثر من الشرفات وهي طويلة ومغطاة بستائر شفافة , كما وتحوي

الغرفة على أكثر من نافذة , حتى طعامهم لاحظت أنه مختلف عنهم فدائما

ما تتأثر أطراف البلدان بالدول المجاورة لها وترى الاختلاف واضحا بين

أقصى مدن الدولة وأقصاها , تحرك نسيم الفجر القادم من الشرق ولعب

بالخصلات القصيرة من شعرها حول وجهها مضايقة عينيها فمررت

أصابعها فيه رافعة لهم للأعلى وجمدت مكانها وهي تستمع للخطوات

التي تقترب من هذه الجهة ووصلها ذاك الصوت الذي تعرفه جيدا

وتميز بحته الممزوجة بالجدية من بين آلاف المتحدثين , كان

يتحدث في هاتفه ووصلتها كلماته بوضوح قائلا " ستصل

سيارة صخر لتلحق بالبقية أولا ثم نغادر "

ابتعدت عن حافة النافذة وكانت ستدخل لكنها وقفت مكانها وهي تسمع

صوته الذي اشتدت نبرته أكثر وأصبح يقترب من جهتها أكثر " ليس

وقته يا شعيب , نلتقي بزعماء صنوان أولا ثم نناقش ذلك , هل

سنتحدث عنه قبل أن نراهم ؟ "

اضطربت ضربات قلبها وشعرت وكأنها مطرقة تضرب في ضلوعها

وليست تعلم من ذكره لقبائلهم وأنهم مغادرين للالتقاء بهم كما فهمت منه

أم للقدمين والساقين اللتان ظهرتا مقتربتين من هناك !! حاولت التراجع

عن النافذة لكن ساقاها تيبستا تماما وعلمت أنه لا مجال للفرار ولا

المحاولة فأغمضت عينيها بقوة للحظة ثم فتحتهما ونظرت بصدمة

للجسد المنحني عند ذاك المكان الذي وصل له وكان يغلق شيئا حديديا

يأخذ شكل الزهرة يشبه صنبور المياه مثبت في أنبوب حديدي على

الأرض ولم ينتبه لوجودها في تلك النافذة المفتوحة مما جعلها تأخذ

نفسا بارتياح وسرق نظرها شعره الأسود اللامع المصفف للأعلى

وأكتافه العريضة البارزة من تحت سترته الرمادية الغامقة مما جعل

ضربات قلبها تشتد أكثر وتوترها يبلغ أقصاه فعضت على شفتها

السفلى بقوة واضعة يدها على قلبها وتوهجت وجنتيها بشدة ورائحة

عطره بدأت تتسلل مع أنفاسها القوية المتسربة لصدرها , وما أن رفع

جسده قليلا ليقف حتى ارتدت للخلف بسرعة وأغلقت النافذة في حركة

سريعة ولم تعي لنفسها وهي تضربها بقوة أصدرت صوتا قويا لارتطامها

بمكان إطارها في الجدار , وإرتداد صوت زجاجها أصدر صوتا مزعجا

مما أرجف أطرافها وأمسكت فمها بيدها مصدومة مما حدث وما قد

يفهمه الواقف هناك إن علم أي نافذة هي .

بينما جعل ذاك الصوت الواقف في الخارج ينظر بسرعة لتلك الجهة

وتلك النافذة تحديدا وهوا يرى جزءا من ستائرها يتحرك مع النسيم

وقد علق خارج النافذة وذاك الخيال الضئيل الذي يظهر في الداخل

واقفا خلفها , فجال بنظره مدققا أكثر في تلك الجهة وبدأ عقله يربط

المكان بتقسيم الغرف في الداخل ثم سرعان ما التوى فمه بابتسامة

متهكمة باردة وغادر وقد تحولت ابتسامته للسخرية اللاذعة متمتما

" هكذا إذاً يا ابنة شراع "


*

*


صعد حجرين بارزين من السور المرتفع نصف ارتفاع ثم جلس فوقه

ونظر نظرة شاملة حوله ( مؤكد هنا فهوا لا يتغيب كثيرا إلا ويكون

في هذا المكان , وعليا أن أتلقى أسئلة والدته المتكررة وأعاني

من قلقها عليه دائما وعليا طبعا البحث عنه )

قفز من أعلى السور للخارج وتسلل بين الشجيرات حتى وصل

النهر الصغير وسار يسارا يرعي سمعه لكل شيء حوله لعله يجده

قريبا من هنا , وبعد مسافة لمح من بعيد طفلة صغيرة شقراء الشعر

بفستان قصير تنظر لأعلى الشجرة التي تقف تحتها وتحدّث أحدهم

فتوجه نحوها من فوره متمتما " بما أنه يوجد هنا خلية نحل

صغيرة فمؤكد ذاك الدبور بقربها "

وكما توقع ما أن وصل سمعها تقول ناظرة لأعلى الشجرة

" أجل أنت تمسك بها , هي قريبة جدا "

وقف بجانبها ونظر للأعلى أيضا وتنهد بضجر وهوا يرى الجالس

على غصن مرتفع يمد يده بحذر جهة قطة صغيرة تقف على أحد

الأغصان متشبثة فيه بمخالبها وما أن أمسك بها حتى قفزت الواقفة

بجانبه صارخة بحماس وقالت " رائع أنت رائع لقد أنقدت قطتي "

نظر لها للأسفل وقال " حسنا وبما أنه جاء العضو الثاني

في الإنقاذ سأرميها له "

ومن دون أن يفكر حتى في أن يسأله رمى القطة جهة وقاص الذي

تلقاها وهي تعوي بذعر ثم سرعان ما رماها أرضا يمسك يده وشتم

بحنق " سحقا لك يا غبية ولمخالبك هذه "

أمسكت الطفلة بالقطة فورا وقالت وهي تضمها لعنقها وتمسح

على فرائها " آه يا لوسي الجميلة الصغيرة لا تفعليها

مجددا وتصعدي هناك "

ثم رفعت نظرها بالذي لازال جالسا في الأعلى وقال وقاص

ناظرا له " انزل الآن يا جمعية الرفق بالحيوان وأرنا مهاراتك

في النزول كما التسلق "

حرك قدمه قليلا ثم صرخ " أخشى أنه لا مهارة لدي في ذلك "

قالت الطفلة صارخة " اقفز أنت أيضا ليتلقاك هو "

نظر لها وقاص تحته بصدمة فنظرت له نظرة رقيقة وقالت بكلمات

عذبة وبريق في عينيها الزرقاء " أنت قوي أليس كذلك ؟ لقد

أمسكت قطتي "

رماها بنظرة باردة وقال " لا لن تنطلي عليا حيلكم أنتن الشقراوات

وهذه النظرة المخادعة لأفعل ما تردن "

ثم نظر لشقيقه رواح في الأعلى وتمتم بالعربية " وقحات يعلمونكن

هذا من صغركن لتكبرن متمرسات عليه وتوقعن الأغبياء

كالأحمق في الأعلى "

ثم فتح أزرار كميه ورفعهما لمرفقيه وفتح آخران من أعلى قميصه

الأبيض المخطط ثم صعد لبعض المسافة على النتوء في الجذع

العريض ونظر له فوقه وقال " هيا انزل وضع قدميك على كتفاي

وارمي أولا حذائك الأخرق هذا "

خلع رواح حدائه من فوره ورماه للأسفل وفعل كما طلب منه وقفز

من كتفيه للأسفل ثم نزل هو أيضا قافزا فنظرت له الفتاة الصغيرة

وقالت مبتسمة بإعجاب " لقد أنقذته أنت رائع "

نظر لها رواح بضيق ولازال نظرها معلقا للأعلى في وجه وقاص

وقالت مبتسمة " لما لا تنزل لي للأسفل لأشكرك "

نظر لها ببرود وقال " ظهري يؤلمني لا يمكنني الانحناء "

نظرت له بإحباط , وتذمر رواح ويديه وسط جسده قائلا

" هيييه أنا من أنقد هرتك وليس هو "

ابتسمت له من فورها وتوجهت نحوه وقبلت خده وقالت

مغادرة بخطوات راكضة " شكرا لكما "

نظر لوقاص وقال بضيق " أنت لما أطول مني ؟ كان على والدي

أن يتزوج والدتي مع والدتك لكنا الآن في نفس العمر ولست

تكبرني بأربعة أعوام "

ضرب له كتفه وقال مغادرا أمامه " ستطول قامتك فلما الاستعجال

هكذا , وتوقف عن إنقاذ القطط من فوق الأشجار فلن أساعدك

في المرة القادمة "

لبس حدائه سريعا وقال وهوا يلحقه " لا بأس بالتجربة فقد

حصلنا على قبلة صغيرة من شقراء جميلة "

هز رأسه بيأس منه وعادا للمنزل من خلال السور كما خرجا لأن

الدوران حوله سيستغرق وقتا , وما أن دخلا حتى كان جدهما يقف

أمامهما وقال بضيق ونظره على وقاص " أين كنتما ؟
ليخبرني

أحدكما الآن ؟ "

نظرا لبعضهما ثم له وقال رواح " كنا في الحديقة الخلفية "

صرخ فيه بحدة " توقف عن الكذب أو عاقبتك "

ارتجف بخوف ينظر له بصمت وقد نقل هو نظره لوقاص

مجددا وقال بحزم " أين كنتما يا وقاص ؟ "

تحركت نظراته عن جده ونظر من فوره للواقف بجانب السلالم

الذي يتوسط بهو المنزل بعيدا عنهم وينظر لهم مبتسما بسخرية

وعلم أنه من أوشى بهم ولم يكن سوا شقيقهم نجيب , ثم عاد

بنظره لجده وقال بهدوء " كنا عند النهر "

قال بذات حدته " وما تفعلاه هناك وقد حذرناكم من العبث

في تلك الجهة فالمخاطر فيها كثيرة "

شد رواح طرف قميص وقاص عدة مرات ليفهم أنه يرجوه أن

لا يخبره أنه من ذهب وهوا لحقه ليرجعه فقط فقال وقاص

" لن نكررها مجددا جدي أعدك "

غادر ضرار من عندهم قائلا بحنق " أعلمك طوال الوقت كيف

تصبح رجلا نبيلا وسيد أعمال وأنت تركض خلف الحشرات

عند النهر , ياللسخرية يا حفيدي العتيد "

وغادر يتمتم بغضب على نظرات وقاص المستاءة فهوا يعلم جيدا

أنه لن ينساها له بسهولة فهوا لا يحب أن يستهتر أبدا , نظر له

رواح وقال " جيد أنك لم تخبره أني وحدي المذنب لكان عاقبني "

رماه بنظرة جانبية باردة وقال " صحيح أنه بوجودي معك لن

يعاقبنا لكنه لن ينسى لي هذه الزلة أبدا "

ضربه رواح على كتفه وقال بمرح " لا بأس في بعض المرح

يا رجل "

غادر من عنده قائلا " تعلم أني لا أحب مرحك هذا ولن

أنقذك مجدداهل فهمت "

ثم مر بالسلالم وصعد منه يتبادل ونجيب نظرات يفهم كل واحد

منهما ما تعني حتى اختفى عن نظره وصعد لغرفته

*

*

نقل نظره من رعد للكاسر وقبل أن يتحدث قال بتصميم

" أبي سأكون معك فجد لها حلا إلا أن ابق هنا "

قال شراع بضيق " كاسر أخال أنك لم تعد طفلا فتوقف عن العناد

رماح ورعد من سيسافران معي وانتهى "

كان سيتحدث فتحدث عمته قبله قائلة " أتركه يكون معك يا شراع

فغسق لن تكون ضمن اجتماعكم بالتأكيد , يكفي جبران الذي

ما أن يعلم سيغضب منا جميعا "

صاح شراع بضيق " وهذا ما ينقص آخذه معي وما أن يتقابل

وابن شاهين يبدأ باللغط ولا أستبعد أن يخبره ويفسد كل شيء

ويضرها ويضرنا "

ثم نظر للكاسر ورفع سبابته وقال بتحذير تهديدي " ستذهبان معي

أنت ورعد وأحذرك يا كاسر أن تفتح فمك بحرف واحد أتفهم "

صر على أسنانه يحاول إخماد البركان الذي يغلي في داخله

وقال " أعدك "

فتحرك حينها نحو باب المنزل قائلا " إذا اصعد واجلب

أوراق سفرك وألحقنا بسيارتك "

وخرج ورعد يتبعه وقد اختاره هو ورماح لأن رعد طبعه الهدوء

وقلة الكلام ومتأكد من أنه لن يحدث لهم شوشرة ومشاكل هناك

ورماح يحترم كلامه كثيرا ولا يحب أن يخالفه أما جبران والكاسر

فكان قد تجنب أخذ أي منهما معه وهوا أساسا سيأخذ اثنين فقط مع

عشرة رجال من كبار قبيلته كما اعتادوا في اجتماعات المهادنة مع

أحد الزعماء , كانت الرحلة طويلة وسادها الصمت المميت ليس لأن

رعد طبعه قلة الكلام بل لأن التوتر أخذ منهم نصيبا فمشروع المهادنة

هذا لا يشبه أي واحد غيره مر بهم على مر أعوام فمصير من يعدونها

فردا منهم وليس بأي فرد معلق بها ولا أحد يستطيع التكهن بما يفكر فيه

ابن شاهين وكيف سيستغل الوضع لصالحه , كان رعد من يقود السيارة

ووالده يجلس بجواره تتبعهم باقي السيارات وكانوا ثلاثة عدا سيارتهم

وسيارة الكاسر ومجموعهم ثلاثة عشر رجلا , وبعد السير لساعات

طويلة من الفجر حتى منتصف النهار كانوا عند إحدى نقاط حدودهم

الشرقية حيث تؤمن البلاد المجاورة نفسها وكأن بلادهم وباء وعلى

جميع المحيطين بها الحذر من تفشي أمراضها لهم , وهذا هو الحال

دائما كلما دخلت بلاد في حرب أهلية أو اضطربت أوضاعها وكثر

فيها الدم والنزاعات والتجمعات للجماعات الإرهابية .

ما أن عبروا الحدود بأختام الدخول حتى التفّت حولهم سيارات

حرس رئاسي ووفد استقبال من الدولة التي دخلوها للتو ترافقهم

في سيرهم بسرعة معتدلة للوصول لوجهتهم الأساسية , نظر

رعد لوالده ثم للطريق وقال في أول حوار بينهما " مؤكد لن

نناقش معه مسألة غسق أمام رجاله ورجالنا ؟ "

هز شراع رأسه بالموافقة وهمس " إلا إن أرادها ابن شاهين

كسرة ظهر لي "

نظر له سريعا لوقت ثم قال " أبي أراك تضع تكهنات كثيرة

سيئة لرده ! "

تنفس شراع بقوة نفسا دل على حيرته وتوجسه وعجزه وقال

" لو لم يكن في سنة حرب لوثقت من نزاهة نواياه لكن ما يفعله

الآن ويطمح له مستقبلا يخول جميع الاحتمالات يا رعد "

قال رعد بهدوء حذر ونظره للطريق " هل فكرت أنه إن طلب مقابلا

لها سيكون عليك إقناع رجال قبائلنا به دون أن تذكر السبب "

اتكأ شراع برأسه للأعلى وأغمض عينيه وقال بصوت مرتخي

" دعنا نرى ما يريد بهذا ثم نقرر "


*

*

ضرب التراب الملطخ بالمياه والمختط بالطين بيديه الصغيرتان

وأصابعها الطويلة يسوي من حوض أشجار بستان المنزل الذي

يعيشون فيه وقطرات عرق جبينه تسقي ما تصنعه يداه الصغيرتان

المنهكتان جدا , فهوا من عليه هنا أن يدفع ثمن إقامته ووالدته لديهم

وكأن المنزل ليس لجدها مثلهم , ولأن ابن عمها طبعا يعاني من ساقه

العرجاء لا يفعل شيئا أما ابنه فلا يكلف بهذه الأعمال ولم يبقى غيره

ليهتم بهذه الأشجار ويسقيها يوميا ويهتم بالتربة ولا يحق له الاعتراض

طبعا , رفع رأسه بالذي مر من أمامه متجها للباب وقد نظر له ثم تابع

طريقه ولم يكن إلا ظافر ابن العائلة الوحيد الذي عاد من أيام من القتال

في الجبال وكالعادة هو لا يقسوا عليه لكنه يتصرف حياله بلا مبالاة

وينظر له نظرة شاملة كلما تقابل معه وكم كره تلك النظرة التي يخبره

بها في كل مرة أنه يرتدي ثيابه القديمة البالية التي لم يعد يلبسها من

أربعة أعوام ولم تعد على مقاسه , وكم تمنى في أوقات أن بقي عاريا

على أن يلبسها أو يرى تلك النظرة في عينيه , لكنه يكتم ذلك في نفسه

ويحاول دائما نسيانه وتجاهله فهوا على الأقل لا يعامله معاملة والده له

وكان معه كأغلب أهل البلدة شيء وكأنه ليس موجودا , ما أن خرج ذاك

وأغلق باب المنزل خلفه عاد بنظره لما كان يفعل لينهي ما عليه أن يتمه

اليوم أو تلقى عقابا يعده أقسى من الضرب وهوا حرمانه ووالدته من

الطعام يوم غد كاملا إن لم يكن ليومين وهذا ما يمكنه هو تحمله لكن

والدته لا , تنفس زافرا بقوة ومسح على جبينه بظهر رسغه فقد انتهى

منها أخيرا , رفع نظره للجالسة على الطرف الآخر لحوض الشجرة

تحضن وجهها بكفيها الصغيران تراقبه بانسجام ودون ملل تنتقل معه

من ساعات من حوض لآخر , وطبعا لأنه من وقت صرخ بها وهددها

إما أن تصمت أو تتركه وتبتعد عنه فقد لاذت بالصمت التام لوقت حتى

هو استغربه فقد حطمت به الرقم القياسي لثرثرتها وسرعتها في الحديث

نظرت له بعينيها العسلية التي ازداد بريق الذهب فيها بسبب الشمس

ولفح الهواء لهما وغرتها البنية تتطاير معه وقالت مبتسمة

" إنها الأخيرة لقد انتهيت "

وقف ونظر ليديه الملطخة بالطين والتراب المشبع بالماء

فوقفت أيضا وقالت بسعادة " يمكنني الحديث الآن "

ودارت حول حوض الشجرة من فورها وأمسكت برسغه وقالت

وهي تسحبه معها " تعالى لتغسلهما سأفتح لك الصنبور فهما

مبتلتان ولن تستطيع فتحه "

سار منصاعا لها حتى وصلا الصنبور الموجود في جدار السور

وفتحته بعد جهد وضعت فيه كل طاقتها وكأنها لا تريد خذلانه بها

فغسل يديه جيدا ووجهه وقدميه وساقيه أيضا وما أن انتهى

قالت بمرح طفولي " أنا من سيغلقه "

وعادت لإفراغ كل قوتها لدفع يده الصدئة القاسية لتغلقه ونجحت

أخيرا مبتسمة بسعادة وكأنها أنجزت شيئا عظيما سيندهش له فشد

أصبعه السبابة بإبهامه وضرب به جبينها الصغير ضربة آلمتها

وجعلتها تمسكه بملامح متضايقة وقال مبتسما ابتسامة باردة

" شكرا أيتها البطلة الصغيرة "

أبعدت يدها وابتسمت بفخر وانتصار وقالت وهي تتبعه مغادران

من تلك الجهة " وأنت بطل وحين تكبر ستصبح مزارعا

قويا أليس كذلك ؟ "

وضع يديه في جيوبه وقال متابعا سيره جهة غرفتهم " ياله من

مستقبل سخيف , لا لن أكون مزارعا طبعا "

نظرت له سائرة بجانبه وقالت مستغربة " ماذا ستكون إذا !! "

وقف فوقفت لوقوفه ونظر لها وقال بجمود " ما أن أكبر سأخرج

من هنا بوالدتي طبعا ولن أكون مزارعا لدى أمثالهم "

فتحت فمها الصغير مندهشة ثم قالت " تذهبان من هنا ! "

هز رأسه بنعم دون كلام فقالت من فورها " وتتركانني وحدي ؟ "

لوح بيده بلامبالاة وقال " أنتي لديك عمك هذا وغيره ماذا سنفعل بك ؟ "

ترقرقت الدموع في عينيها الواسعة وشحبت ملامحها حزنا ولازالت

نظراتها معلقة به فقال وقد عاد للتحرك بخطوات بطيئة كسولة

" لا تبكي ماريه هيا فرأس يؤلمني وأنا متعب "

وما أن وصل لغرفتهم التفت مستغربا من أنها لم تلحق به كعادتها

لكنه لم يجدها حيث تركها ثم سمع صوت باب المنزل يغلق بقوة

زلزلت جدرانه فعلم أنها عادت هناك فرفع كتفيه في حركة

لا مبالي ودخل الغرفة


*

*

كان الجو في تلك القاعة يسوده موجات ضخمة من التوتر ومجموعة

الرجال التي وصلت أولا تلتزم مقاعدها حول تلك الطاولة البيضاوية

الفخمة الطويلة فمن أربع سنوات لم يعقد لقاء مهادنة بينهم عدى صفقة

مبادلة الأسرى من عام وعلى مراحل , وبينما كان توتر زعيمهم

شراع وابنيه سببه أمر أبعد من الحروب والحدود فقد تسربت تلك

المشاعر لباقي الرجال كموجات مغناطيسية انتقلت لهم مع الهواء

صمت زعيمهم المبهم الذي أظهر خطوط وجهه أكثر قتامه وغابت

عيناه في ظل أسود عميق وسافر نظره للفراغ , وأعصاب أبنيه التي

بدت مشدودة بشكل واضح جعل كل فرد في تلك القاعة يشعر بوجود

خطب ما في الأمر وقد زاده الطلب الغريب لابن شاهين بالخصوصية

التامة لهذا اللقاء وأن لا يكون فيه غير زعيم صنوان ورجاله وهو

ورجاله فقط مما زاد مخاوف شراع وابنيه من تركيزه على هذا

الأمر ودار بهم سؤال واحد كالدوامة في رؤوسهم ( هل يفكر ابن

شاهين في مناقشة أمر غسق أمام الجميع ؟؟ )

وكانوا يدركون أنه ما من شيء سيمنعه إن أراد ذلك وقرره وأنها

ستكون بداية الكارثة فهؤلاء العشر رجال من قبيلتهم وهم من أكابرها

كفيلين بنشر الخبر في كل فرع من فروع قبائلهم , وهذا بالإضافة

إلى رجاله , ارتفعت الرؤوس وحدقت أعين الجميع بالباب الذي انفتح

فجأة ودخل منه سبع رجال بالتتابع منهم من ألقى عليهم السلام ومنهم

من لم يكلف نفسه بذلك , وما أن تنحوا جانبا حتى دخل ثلاثة آخرين

وقف شراع ورجاله حينها للذي كان يقف في وسطهم , لم يكن بلباس

الحرب ليس بتلك البذلة العسكرية التي أصبح بها حديث الجميع وهذا ما

أراح بعضهم قليلا رغم أنه لم يؤثر إيجابا على شراع وابنيه مثل باقي

رجالهم , كان يرتدي بذلة سوداء من الكشمير الداكن غالي الثمن بربطة

عنق من اللون العنبري تخللها خطان أبيضان عند أعلاها وقميص رمادي

كان حضوره مهيمنا كعادته حتى وهوا بدون لباس الحرب ذاك ونظراته

كانت مركزة على عيني شراع كنمرين يدوران في حلبة مغلقة ورغم

هدوء ملامحهما إلا أن نظرتهم تلك حملت معان كثيرة وأمور بات لا

يعلمها غيرهما وكل واحد منهما يبحث في عقل الآخر من خلال تلك

العينين عن أمور هو على استعداد لدفع أي ثمن لمعرفتها , كان رجاله

واقفين مكانهم ينتظرون تقدمه أولا كما الحال مع رجال شراع الذين

ينتظرون أن يجلس ليجلسوا بعده , تحرك مطر أخيرا منهيا أول جولة

من شد الأعصاب بالنسبة للبعض وقد همس شيئا لأحد رجاله فتراجع

للخلف وأغلق الباب فورا والغريب أنه لم ينظم للبقية بل انتقل فورا

لغرفة كانت ملحقة بتلك القاعة غاب فيها عن الجميع وتقدم حينها مطر

منهم وبدءوا بالمصافحة كشيء روتيني أو أمر من أجل اللباقة فقط فلم

يكن سلاما يحمل الترحيب والابتسامات الودية , لا يحمل العداء لكنه

أيضا لا يحمل المودة والأخوة , كان مدججا بالتوجس والحذر وهذا أمر

طبيعي في مثل هذه الأوضاع , صافح مطر شراع كمصافحته لباقي

رجاله لكن عينيه ضلتا تنظران لعينيه بقوة وفي المقابل رفض شراع

أن يبعد نظره أو يظهر انكساره له , ضن شراع للحظة أن سلامهما

ذاك انتهى لكنه فوجئ به يشد على يده أكثر ولم يتركها وخرج عن

صمته قائلا ونظره لازال مركزا على عينيه " يسعدني أن أراك

بعافيتك كالمرة السابقة يا شراع "

علت حيينها الصدمة وجوه الحاضرين حولهما ولم يستطع أحد منهم فهم

مغزى ما قال وهوا لأول مرة يتبادل معه حديثا خاصا وإن كان على نحو

سطحي وعادي , وبدأت التكهنات تحوم حولهم ( هل أراد ممازحته

بأنه مهما ازداد في سنه يبقى قويا ؟ أم أراد أن يذكره بأنه خرج من

الحروب السابقة سالما ورآه مجددا ؟ أم أراد أن يرعبه بأن

دورهم القادم )

والحقيقة لم يكن يعلمها غيرهما الاثنين فحتى الكاسر ورعد عسر

عليهما الفهم , وقد جاء الرد قاطعا من شراع وقال وهوا يشد

على يده أكثر " فلنأمل أن تراني المرة القادمة يا ابن شاهين "

لتعود تلك العاصفة وتموج بعقول الحاضرين وترجع ذات التفسيرات

السابقة لمحاولة ترجمة رده عليه لكن لم يكن غيرهما يفهم معنى

ذاك الحوار القصير وبأن الأمور بعد هذا اللقاء ستتغير وقد

ينتهي أحدهم ضحيتها نفسيا

كان الرد من مطر ابتسامة ملتوية قبل أن يترك يده وصافح الكاسر

الذي لم يفته النظرة الحارقة التي رماه بها وكأنه أسد يستعد للانقضاض

على فريسته , وقابلها مطر بنظرة باردة قبل أن يبتعدوا عنهم وأخذ كل

واحد منهم مكانه للجلوس لكن ثمة شخص واحد لم يفعل ذلك مثلهم وضل

واقفا خلف كرسيه الذي لم يسحبه أساسا من مكانه , وخرج حينها الرجل

الذي دخل تلك الغرفة وتوجه نحوه من فوره وهمس له من خلفه شيئا

ثم انضم للبقية وجلس أيضا فقال مطر ناظرا لشراع تحديدا " معذرة

من الجميع , هناك ما عليا قوله وزعيمكم لوحدنا قبل كل شيء "

شعر شراع بذاك الانقباض في صدره وكأن ثمة من أمسك قلبه بيده

وعصره بقوة , بينما كان شعور ابنيه مختلفا تماما فقد اجتاح الغضب

العارم قلب الكاسر والذي كان يمسكه بالقوة بينما طفح الحقد والغل على

نظرات وتقاسيم وجه رعد , وحسب أوامر والدهما لا يمكن لأي منهما

التنفيس عن تلك المشاعر بإخراجها , تحرك شراع ببطء دافعا لكرسيه

للخلف وقد حذا ابنيه حذوه قبل أن توقفهما كلمات مطر الحازمة

قائلا " وحدنا فقط "

فلم يخفي حينها الكاسر الشتيمة الهمسة التي خرجت من شفتيه بينما

استقر رعد مكانه دون أي رد فعل فلطالما كان متحكما في انفعالاته

كانا يثقان في والدهما وفي قراراته وحكمته فلطالما كان الزعيم الذي

اجتمع عليه الجميع لكن الآن ولأن في الموضوع امرأة ويعلمون

جيدا مكانتها لديه وتأمين والدتها له عليها والحقيقة المفجعة التي

عرفوها عن أصل عائلتها ووالدها كان الأمر مختلفا بالنسبة لهما

وموقنان من أنه بإمكان هذا الرجل أن يُخرج لهما والدهما ميتا

دون أن يلمسه بيديه , وفهما وقتها مغزى الحديث الذي دار بينهما

وهما يتصافحان , حدقت العيون المستغربة بهما وهما يدخلان تلك


الغرفة التي أرسل مطر أحد رجاله لها فور وصولهم , ولم يعد يعلم

أحد بباقي الأحداث الغريبة التي تحدث اليوم بتتابع سوا من دخلا

هناك وأغلقا الباب خلفهما , كانت الغرفة عبارة عن مكتب للمترجمين

حيث أنه في تلك القاعة يجتمع العديد لأسباب مختلفة ومن جميع أقطار

العالم وهنا يكون مجموعة ممن يقومون بترجمة ما يقال في تلك

الاجتماعات كلٌ حسب لغته عن طريق سماعات موصولة بينهم

توضع في الأذن , فكانت الغرفة عبارة عن شاشات كبيرة سوداء

معلقة على الجدار الدائري لها وأمامها طاولات مليئة بالأجهزة

وسماعات الأذنين وكراسي جلدية بسيطة بأظهر مريحة , وثمة

طاولة في المنتصف حولها ثلاث كراسي مشابهة لها , وعلم شراع

حينها لما أرسل ذاك الرجل إلى هذه الغرفة قبلهم فمثل هذه الأمكنة

لا تخلوا من أجهزة المراقبة والتصنت وكان عليه تعطيلها أولا

توجه مطر أولا للطاولة وسحب الكرسي وجلس وتبعه شراع وفي

صمت من كليهما حتى استقرا جالسين محدقان ببعضهما وكان

شراع سيتحدث فسبقه مطر بالحديث لتغزوا نبرته المبحوحة

صمت الغرفة الفارغة سوا منهما " أعلم ما تريد قوله يا شراع

( ليس طبعك استغلال النساء واللعب بسمعتهن ولم يكن شيمة

من سبقوك ولا نهجنا معك ) "

لم يفاجئ شراع بذلك لذلك قال بحذر " تخطينا المقدمات إذا

وسندخل في المفيد "

اتكأ مطر لظهر الكرسي وكتف يديه لصدره وقال " وابنتك لم

تلمسها يد غير يدي ولم يرى شعرة منها أي رجل من

رجالي لتكون مطمئنا "

لكن ذلك لم يطمئنه البتة بل جعل ملامحه تشحب بشكل واضح جدا

لم يفت الجالس أمامه فقال موضحا الأمر " لازلت أضنك تثق

بمبادئي يا شراع فابنتك كانت مصابة وحملتها لسيارتي وأضن

أن ذلك لن تتوفر امرأة وقتها لفعله "

ارتاع شراع وقال دون شعور " وكيف هي الآن ؟ "

هز له رأسه دون كلام ليفهم أنها بخير فقبض شراع أصابعه بقوة

محاولا أن يكون هادئا أمام هذا الجبل الجليدي الجالس أمامه وقال

" لن أقول بأني أتمنى أن لا تضر بسمعة امرأة لأسباب شخصية يا

مطر لأنك ستقول حينها بأني أكرر ما اختصرته أنت في البداية

وأعترف بأن ابنتي أخطأت في تعدي حدودك دون علمي وأتمنى

أن تسوى الأمور وأفهم سبب رفضك إعادتها حتى الآن "

" عُزيرة أزميم "

شحب حينها وجه شراع وارتد للخلف على ظهر الكرسي وجميع

محاولاته لكبت انفعالاته ودواخله طارت أدراج الرياح فآخر ما

توقعه أن يكون الجالس أمامه شعر بخروجها وأن يذكرها الآن

وهما يناقشان موضوع غسق وأول سؤال قفز لذهنه ( هل علم

بالقصة ؟ هل عرف من تكون الفتاة التي لديه ؟ )

لكن الذي فات شراع أن مطر لم يكن يعلم سوا أنها خرجت فرارا

منه وأن أحد أبنائه من استقبلها بنفسه وأدخلها أراضيهم , وقد كبرت

شكوكه الآن وهوا يرى الذعر والشحوب على ملامحه ما أن سمع

اسمها ليزداد ذاك اللغز اتساعا في رأس مطر ( ما السبب ولماذا

أخرجها وما الذي يخفيه ؟ )

ساد الصمت لوقت قبل أن يتحدث مطر قائلا " تلك العجوز

مقابل ابنتك يا شراع "

وهذا كان الجدار الذي أوقعه ابن شاهين على جسد الجالس أمامه

من أصبح موقنا من أنه سيخرج من هنا مصابا بأزمة قلبية أكيدة

لن يفيق منها , جمع شتاته بصعوبة وقال " أنت تعلم كما أعلم أن

هذا لا يحدث , ومن دخل وطلب الأمان لا يرد يا مطر وأنت

بنفسك سبق وفعلتها مع من دخل لك مستغيثا "

" هي مقابل ابنتك "

لم تخرج منه غير تلك الكلمات التي لا تزداد إلا برودا وجمودا

راميا بها كل ما قاله له وكأنه لم يسمعه , تنفس شراع بصعوبة

فجميع الاحتمالات التي وضعها لم تشمل هذا الطلب , كان يتوقع

أي شيء إلا هذا وها قد أصبح متأكدا من تكهن ابن شاهين بأن

تلك العجوز أمرها مهم بالنسبة له وأنها تخفي سرا لن يعلمه إلا

منها ومنه لكن الذي لا يعلمه مطر ويعلمه هو جيدا بأنه إن سلمها

له فسيكون سلمه الاثنين معا فما أن تصبح تلك العجوز عنده ستقر

بكل شيء وحينها لن توجد قوة على وجه الأرض ستمنعه من

استعادة ابنة عمه ولا يمكن لشراع أن يتخيل أن يطبق عليها هذا

الرجل الصخري جنون والده ويفكر فيما كان يخشاه ذاك الخرف

شاهين من أنها من صلب عائلتهم وأن انتصاره وحكمه للبلاد قد

ينتهي على يدها فيقتلها أو يسجنها ويؤذيها , هذا غير ما سيتلقونه

من غضبه العارم بسبب إخفائهم أمرها عنه , نظر له وهوا ما

يزال محافظا على هدوئه وبروده الذي بات يحسده عليه وهوا

يتلقى منه الضربة تلو الأخرى ثم قال بصوت وجس متردد

هامس " وإن رفضت تسليمها "

ظهرت ابتسامة ساخرة على تلك الشفاه القاسية وقال دون تفكير

" لن تحاسبني وقتها على ما سأفعل في أمرها "

رفع شراع يده لعنقه وفتح زر قميصه الأبيض من تحت سترته

وقال بصوت ضعيف " إن أردت تدميري وقتلي فافعلها بأي شيء

غير ابنتي يا مطر , هي أرق من أن ندخلها في كل هذا "

أبعد مطر نظره عن عينيه للوحة المعلقة على الجدار خلفه تضم

سفينة تشق عرض البحر وكانت أول مرة يزيح فيها نظره عن

عينيه لكن نبرته احتفظت بجمودها وهوا يقول " طلبي كان يسيرا

مجرد عجوز هاربة ترجعها لي وابنتك تكون لديك الليلة "


قال شراع مباشرة " تبدوا واثقا من رفضي إرجاعها لك

من قبل أن ندخل هنا يا مطر ؟ "

عاد بنظره له مجددا وقال " إذا جوابك هو الرفض ؟ "

مسح شراع وجهه بكفيه ثم أسند مرفقيه على الطاولة ومرر أصابعه

في شعره الرمادي المختلط سواده بالبياض وحضن رأسه بيديه ناظرا

للأسفل وأغمض عينيه بقوة ( سامحك الله يا غسق , يا كسرة في قلب

أبيك , يا من لو كان عمري سيرجعك لنا لدفعته دون تردد )

بعد برهة رفع رأسه مجددا ونظر له وقال " هل من بدائل أخرى ؟ "

فهز حينها مطر رأسه إيجابا فالجالسان على تلك الطاولة يتحدثان من

ذات المستوى العقلي وكل واحد منهما يفهم جيدا أفكار وخيارات الآخر

وشراع يعلم جيدا أن مطر لن يتلاعب بسمعة امرأة وموقن أيضا من

أنه لن يسلمها له بسهولة وبدون مقابل , ولم يعلم إن كان ذاك سيريحه

أم لا فهوا لا يثق بأن يكون البديل أيسر من سابقه , تحدث مطر وقد

وضع يديه على الطاولة أمامه " سنخرج لهم الآن ونتفق على بنود

وشروط المهادنة وكل ما سأضعه قابل لأن تناقش رجالك فيه إلا

آخر بند ستوافق عليه دون نقاش والرفض معناه أن نرجع لنقطة

ابنتك وتلك العجوز وأمامهم هذه المرة "

وقف حينها شراع وقال مغادرا وبكلمات مقتضبة متمسكا

بتماسكه قدر الإمكان " لم تترك لي أي خيارات أخرى "

وخرجا من تلك الغرفة لتستقبلهما الأعين المحدقة بفضول واستغراب

فرجال مطر كانوا على علم مسبق ببنود المهادنة كما اعتادوا على

الأمر ولم يفهم أحد سبب هذا الاجتماع السري المغلق , جلس شراع

مكانه يتجنب النظر لابنيه ويحاول أن يكون قويا وثابتا قدر المستطاع

وجلس مطر بين رجاله بصلابته وثقته المعهودة , وتحدث حينها أحد

رجال صنوان قائلا " أعتقد أن لهذه الاجتماعات أصولها وقواعدها

فهل لنا أن نعلم الأمر الذي تناقشتما فيه سرا ؟ "

ظهر شبح ابتسامة ساخرة على ملامح مطر وقال " اعتقدت

أنكم تثقون في زعيمكم يا صنوان فرجالي لا يعلمون أيضا "

أخرسته تلك الكلمات تماما ولم يعلق أحد بعدها ولا حتى شراع

وقال مطر " نحن كما أنتم نحتاج لهدنة مؤقتة بين الطرفين

لذلك لن تكون دون منافع متبادلة طبعا "

تبادل رجال شراع النظرات المستغربة واقترب الكاسر من

شراع وهمس له " ماذا حدث بشأن غسق ؟ "

لكن شراع لم يجبه فالأمر يطول شرحه وهذا ليس مكانه أبدا , وفهم

الكاسر حينها أنه لن يجيب سؤاله فابتعد مجبرا ومكرها وقال مطر

" الهدنة ستكون لعام واحد وقابلة للتمديد "

بدأت همسات الاعتراض تظهر على رجال صنوان وشراع لازال

محتفظا بصمته المبهم وتابع مطر " كل رجل يقتل من رجالي على

الحدود بسبب رجالكم نأخذ مقابلا له مئة متر من أراضيكم "

علت صرخات الاعتراض وعلا صوت شراع فوقها قائلا بصرامة

" لنستمع له ونناقش الأمر بيننا "

سكت الجميع على مضض ونظرات الاستهجان والرفض تتقافز من

أحداقهم وقال مطر " ولكم بالمثل ومن يخترق يطبق عليه القانون "

قال أحد رجال صنوان " وماذا إن قتله أحدكم ورميتمونا به ؟ "

قال مطر من فوره " لا تنسى أنه ثمة لجنة ستشرف على المهادنة

ككل مرة وسيتحققون من ذلك وإن فعل أحدنا ما قلت تحولت

المئة لمئتين "

ساد صمت مبهم لم يتحدث خلاله أحد وتابع مطر " يمنع عنكم

دعم أي طرف في القادم وتستمرون في وضع الحياد أو

سيعد ذلك خرقا في الهدنة "

لم يعلق أحد فتابع ونظره الثابت الواثق يتنقل بينهم " تخلون الحقول

المطلة على نقاط الحدود طيلة فترة المهادنة ولن يعمل فيها أحد "

استمروا في صمتهم التام مستمعين له بانتباه وقد غزت نبرته الثابتة

المبحوحة صمت المكان وكأنه المالك السيد لكل شيء هناك فكما قال

زعيمهم الأمور قابلة للنقاش بينهم فيما بعد وما عليهم الآن سوا

الاستماع لشروطهم , قال بذات جديته ونبرته الثابتة " وثمة أمر

آخر لكن دعونا نستمع لشروطكم أولا "

نظر له شراع بسرعة نظرة فهمها كليهما وهوا يحاول اختراق عقله

وفهم فيما يفكر وما يريد ثم تحدث بعد وقت قائلا " شرطنا حقن الدماء

فقط بما أن شروطكم جعلتموها مطبقة على الطرفين وسنتناقش فيها "

هز مطر رأسه بحسنا دون تعليق ثم قال موجها كلامه للجميع ونظره

لازال مركزا على عيني شراع " والآن ثمة أمر تحدثنا فيه لوحدنا

هناك عليكم معرفته "

تصلب حينها جسد شراع وكان سيقف صارخا به وحال ابنيه لم يكن

أيسر منه ولم يمسك الكسر إلا متابعة مطر قائلا بابتسامة انتصار ونظره

على ثلاثتهم ونظر الجميع محدقا به بترقب وفضول " قررت وشراع

صنوان أن نتناسب ويزوجني ابنته لتتوثق مهادنتنا أكثر "

لتعلوا الصدمة وجوه الجميع مختلطة بالشهقات المستهجنة من بعضهم


وفي غمرة نظرهم المصدوم له لم ينتبهوا أنها علت ملامح شراع أيضا

مثلهم من يفترض أنه وحسب كلام مطر يعلم عن الأمر وموافق عليه


المخرج~


بقلم/ الغالية نداء الحق

مطر... مطر.....مطر
بعد هزيم الرعد ينزل المطر
مطر... مطر.....مطر
يحيي الارض بعد الجفاف
ويروي الزهر
مطر... مطر.....مطر
غيث لعطش الملهو ف في عباب الخطر
مطر... مطر.....مطر
هو امل في سماء الالم
مطر... مطر.....مطر
هو فارس في زمن القحط
هو زهر في وسط الالم
هو روح تبتغي السكن
فلقيانا قدر ..ومن نحن لنعاند
القدر
وانتمائك لي ...هو حكم لايقبل
النقض او البتر
فأنت لي ...لي ...الى انقطاع النفس




غسق
سافرت الى البعيد وفي اتون الخطر
لعلي اعلم لي خبر
لم اعلم انني سأكون سبية في يد
المطر
أدور وابحث عن جذوري لعلي اعلم
السبب
فما اغرب التمنيات في زمن الخطر
فها انا في حضرة المطر
لم ارى له ظلا ولا اثر
فقط صوته الذي يهزني من الاعماق
كانني على حافة بركان مشتعل
فيا عقم كلمة ياريت لم اركب الخطر
فها انا انتظر البتات في امري من قبل
المطر
ولا اعلم لماذا أشعر ان قلبي قد وصل
الى منتهى الالم
يخفق بحنون لسماع بحة الصوت الرخيم
وعقلي يُجن من الخوف من افتضاح الامر
فها انا اجن اشتياقا وأذوي احتراقا
وليس لي سوى المطر ...مطر ...مطر
ليخمد احتراقي وشعلة فؤادي



نهاية الفصل


موعدنا القادم مساء السبت إن شاء الله




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:05 AM   #693

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


جنون المطر (( الجزء الأول ))


الفصل الخامس عشر


المدخل ~
بقلم الغالية: نجـ"ـمـ"ـة المسـ☆ـاء

هذي غسق..ذاك مطر..
عزيرة هاتي الخبر..
فالسر نار تنتشر..
...
هذي غسق..ذاك مطر..
في حجور نما الخطر..
تحت اجفان القمر..
عفنا التناجي والسمر..
...
هذي غسق..ذاك مطر..
من ابوها يا بشر..؟
من اي اصلٍ تنحدر..؟
اخبروها..ما الخبر؟
...
هذي غسق..ذاك مطر..
عبرت مراسيم الخطر..
لم تنتظر وقت السحر..
...
هذي غسق..ذاك مطر..
نام الندى فوق الحجر..
عكفت ازاهير الصور..
مات الترقب والحذر..
سقطت غسق..قرب المطر..

*************

استمر ذاك الاجتماع بعدها لأكثر من أربع ساعات وكان بحضور

اللجنة التي ستراقب وتشرف على الهدنة , ناقشوا خلالها النقاط التي

عُرضت وكيفية تحقيقها رغم أن العقول فيه كانت مشوشة ولا أحد

يستطيع التركيز فيما يسمع وما يقول بعد ذاك الخبر الذي تلقوه منه

كالقذيفة , والشخص الوحيد الذي كان محافظا على هدوئه واتزانه

وثباته مركزا مع كل شيء حوله هو صاحب الخبر نفسه , أما رجاله

فكانت أفكارهم غارقة مع تحليل السبب الذي دعاه للإقدام على تلك

الخطوة وموافقة شراع عليها في جلسة سرية قصيرة , ولثقتهم في

قراراته وعودتها عليه وعليهم بالمنافع دائما أصبح جل تفكيرهم

( ما الإيجاب فيما ينوي بضم ابنة من قد يكون عدو حرب

له في أي لحظة تحت سقف منزله ولما هي تحديدا ؟؟!! )

بينما رجال صنوان كانوا كمن تلقى صاعقة لم تضرب عقولهم

وتفكيرهم فقط بل وجميع حواسهم وهم يتبادلون النظرات بينهم من

حين لآخر وكل واحد يسأل الآخر في صمت أسئلة يفهمها دون كلام

وهم يرون زعيمهم يتجنب النظر في عيني أي شخص منهم , وابنيه

لا ينزاح نظرهما عن ابن شاهين أبدا ليروهم , نظرات ترسل حقدا

وكرها دفينين يجعل الجميع يحار في موافقتهم إعطائها له رغما

عنهم هكذا ! والجميع كان يعلم أن تبعات الخبر ستكون عظيمة

وأنها لن تنتهي عند هنا , كان الوقت ليلا حين انفض اجتماعهم

ذاك وخرجوا من العشاء الفخم الذي جمعوهم عليه , وقد رفض

شراع رفضا قاطعا أن يبقوا حتى صباح الغد كما اعتادوا في

رحلاتهم الطويلة المشابهة , وغادرت سياراتهم في تلك الليلة

عائدة للحدود من جديد , وفي رحلة العودة كان مع رعد أيضا

وكان الصمت الواجم أشد من رحلة ذهابهم , فهي عبارة واحدة

قاطعة قالها شراع لابنيه وهم في مأدبة العشاء ( لا تسألا

عن شيء حتى نصل منزلنا )

وكان كلامه ذاك أمرا وليس طلبا لأنه يعلم تبعات فتح ذاك الموضوع

هناك , كان الخبر بالنسبة لثلاثتهم بمثابة إخبارهم بأنها ماتت , وكأنه

قدم لهم جثمانها ولا شيء سيفعلونه سوا دفنها تحت التراب ونسيانها

للأبد , ومما زاد الأمر سوءا عدم علم الكاسر ورعد بما حدث في

الداخل وحالهم كالبقية يضنون أنهما اتفقا على الأمر قبل خروجهما

من تلك الغرفة .

اتكأ برأسه للخلف على مسند الكرسي وأغمض عينيه برفق لا يرتجي

النوم لأنه لن يزوره أبدا بل يريد الهرب من كل هذا , من رؤية أراضيهم

ومدنهم وواقعهم المرير الذي يوصلهم لكل ما هم فيه وأكثر , مرر كفه

على وجهه متنفسا بقوة وهوا يتذكر الحديث الذي دار بينه وبين مطر

عند نهاية ذاك العشاء الذي لم يتناول منه شيئا " ابنتك ستدخل

حدودي معززة لن يتحدث أحد عما حدث سابقا ولن يعلم

به , ومهرها هي من تشير عليه ويكون لها "

هكذا بدون مقدمات وبكل ثقة ورزانة يقول ذلك ولم يفكر حتى إن كان

لهذا الرجل الذي يضن أنه والدها الحق في الرفض أو النقاش أو حتى

السؤال , قال كلماته تلك والتفت مبتعدا عنه فأمسك شراع بكتفه موقفا

له لتلتقي عيناهما في نظرة طويلة قبل أن يقول " لماذا ...؟ هل

أفهم ما الذي تريده بزواج كهذا يا مطر "

لمعت عينيه فورا بسخرية لاذعة وارتفع طرف شفتيه بابتسامة

متهكمة واثقة وقال ببرود " اعتبرها رغبة في نفسي "

شد شراع على كتفه أكثر وقال بحزم قاطع " مطر شاهين .. سبق

وأخبرتك ابنتي ليست كما تتخيل أن تكون ابنة زعيم صنوان , هي

لن تتحمل أن تكون ضلعا في هذه الحروب فلا تجعلنا نخسرها كلينا "

بقي مركزا نظره على عينيه وكأنه يقرأ معنى كلامه أو يبحث عن

شيء ما خلفه ثم قال بصوت غامض عميق ميزته بحته الواضحة

" دعني أرى بنفسي إذا "

وغادر دون أن يضيف شيئا ولا أن يوضح له معنى ما يقول تاركا

عقله يدور في دوامة لا نهاية لها ( هل رآها ورغب بها له رغم

يقينه بأن هذا الرجل تحديدا لا تسلب عقله النساء ؟ ما معنى أن

يقول أنه يريد أن يختبر ذلك بنفسه ؟ أم لمصالح لن تظهر على

السطح الآن ؟ وكيف لم يفكر هذا الرجل فيما سيترتب عن

زواجه بها حين يفكر في غزو أراضيهم وهي زوجته أم لا يفكر

في كل ذلك من أساسه وليس في نيته ؟ لكنه صرح بأن توحيد

البلاد سيتم إن بالسلم أو الحرب وإن عاجلا أم آجلا )

وقد نجح ببراعة في شل عقول صنوان بذاك القرار الذي أعده

الجميع هناك جنونيا متهورا من رجل لم يعرف عنه كل هذا


*

*


كان نظره على المجموعة الواقفة بعيدا وسمعه مركزا مع الواقف

أمامه وهوا يقول بحماس " لقد بدأت الخلافات بين تلك الدول تظهر

للسطح وتخبطوا في أنفسهم من الآن خاصة بعد الحديث عن اللجنة

الدولية التي ستحقق في قضايا الفساد وسرقة أموال النفط والغاز

الخاص بدولتكم فإخراجك لتلك الحقائق للعلن أحدث فوضى فوق

ما تتخيله وبدأت حملة التغطية على الفضيحة بتلميع بعض

القضايا الأخرى لتشغل ذهن الرأي العام عن قضيتكم "

طغى الجمود أكثر على صفحات وجهه ونظر له وقال بلامبالاة

" لم أطرح تلك الحقائق والأوراق لأحصل على تأييد الرأي العام

ولا لخلق بلبلة تغطي على زحفنا على الهازان كما يدعي البعض

ما كنت أريده أن يعلم أبناء شعبي أي غفلة كانوا يعيشون فيها , أن

يعلم مصاصو الدماء أولئك أني لست غافلا عنهم ولن يسكت لهم

أحد منا سواء من الحالك أو صنوان أو حتى الهازان , وآخر

من سيعيش سيطالب بحقه المنهوب منه حتى آخر نفس "

قال الواقف أمامه بنظرة لا تخلوا من الإعجاب " بعض الأخبار

التي وصلتني تبشر بخير كبير يا ابن شاهين فما ..... "

وقطع كلامه الذي دخل على حديثهم ووقف ونظر لمطر تحديدا

وقال بلهجة لم تخفي السخرية " هل صحيح ما سمعته الآن ؟ "

نظر له بثبات رافعا ذقنه ورفع طرف سترته مدخلا يده في جيب

بنطال بذلته السوداء الفاخرة وقال " سمعته من أين تحديدا ؟ "

انطلقت ضحكته عالية فبحكم مركزه كوزير لأحد المرافق المهمة

في تلك البلاد لا يخشى أن يقول شيئا وبأي لهجة وطريقة كانت

" أعني أن ابن الشاهين الطائر الحر سيدخل القفص

وليس أي قفصٍ ذاك "

ثم رفع رأسه ناظر له وأضاف بنبرة مقصودة " كسرت توقعات

جميع من كانوا ينتظرون مناسبتك في الحالك "

وقال الواقف بجانبه ناظرا لمطر " لما لا تفصح لنا قليلا عن

مكنونات نفسك وتخبرنا هل قررت ذلك توطيدا للمهادنة

بينكم أم لأغراض سياسية أخرى ؟ "

وضحك الوزير وقال " أو لا يكون شراع صنوان من

عرضها عليك بنفسه ؟ "

قال محافظا على نبرته الباردة ألا مبالية " لما لا نتحدث فيما

هوا أهم وما علينا مناقشته اليومين القادمين وتركت بلادي

وأموري هناك وبقيت هنا لأجله "

وبالفعل انخرطوا في أمور زادت من حديثهم حماسا وانضم

لهم جمع لا بأس به حتى ابتعد عنهم بسبب رنين هاتفه

الخاص وأجاب عليه قائلا " نعم يا عمي "

قال صقر في الطرف الآخر " متى عودتكم ؟ "

قال من فوره " بعد يومين أو ثلاثة , علينا مناقشة بعض

الأمور المهمة مع اللجنات هنا ومعالجة بعض المشكلات "

قال صقر " جيد , ماذا حدث مع صنوان ؟ "

قال ناظرا للذي تقدم نحوه وهوا أحد المقربين من رجاله

" سنتحدث بعد عودتي المهم الآن هناك بعض الترتيبات

التي أريد أن تقوم بها قبل عودتي وأريد كل شيء جاهز

خلال أسبوعين "

قال باستغراب " ترتيبات من أجل ماذا ؟ "

قال ناظرا للذي وقف أمامه يديه في جيوبه ينظر له بصمت

" ترتيبات زواجي وافعل ما سأطلب منك "


*

*

ضغط قبضتيه بقوة على يدي الكرسي الجالس عليه لا يعلم يخفي

انفعاله فيه أم يستجلب القوة من هول ما قال وما سمعوه , وحال

البقية لم يكن أيسر منه , كاسر الجالس بجانبه متكئا بمرفقيه على

ركبتيه بانهيار ينظر للأرض شادا شعره بأصابعه بقوة للخلف حتى

كاد يقطعه بينهم , رعد الواقف خلف والده يكاد يحطم أسنانه من

الصر عليها محتفظا بصمته التام كعادته , ورماح الجالس أمامهم

ينظر لهم بصدمة لم يتخطاها بعد وكأنه صورة موضوعة فوق

تلك الأريكة , أما العنصر الأخير في تلك الصالة الشبه مظلمة

التي طغى عليها الوجوم وسواد الصمت المميت كانت العمة

التي وضعت يديها فوق رأسها تتمتم بكلام لا يفهم منه شيء

كسر رماح صمتهم بصوت أجوف ميت قائلا " كيف حدث

هذا ؟ كيف أحكم حصاره عليك يا أبي ؟ "

جاء التعقيب من رعد قائلا بحقد " لو أفهم فقط ما يريد

بها يتزوجها ! هل انتهت النساء من الأرض ؟ "

خرج صوت عمتهم يشبه الأنين المصدوم " هل يفكر في

رد صفعة شقيقته ؟ "

نظروا لها جميعهم باستغراب وقال شراع " مهما بلغ بابن شاهين

الجنون لن يفكر أن ينجب منها أبناء ليرميها ويأخذهم كما حدث

مع شقيقته , تلك أمور لا تفكرون فيها سوا أنتم النساء , ثم هو

يعلم جيدا أنه لا علاقة لي بذلك "

ألجمها ذاك تماما وأخرسها وعلمت أن صمتها أفضل لها في حال كهذا

الحال الذي وصل له شقيقها فهوا لم يتهمها يوما بصغر عقلها ونقص

أفكارها كما الآن , وقف بعدها شراع بانكسار لم يخفه ولا أدق عظم

في جسده الشامخ دائما وقال مغادرا مجلسهم ذاك " إياكم والتهور في

أي شيء وأحضروا جبران سريعا قبل أن يصله الخبر "

وصعد السلالم بخطوات بطيئة حتى وصل للأعلى ليدوي ذاك

الصوت القوي لتحطم الطاولة التي ضربها الكاسر بقدمه وكانت

أمام كرسيه وصرخ بغضب " سحقا له من رجل "

نظر رماح لعمته التي انكمشت في طرف الكرسي وقد أفزعها ما

حدث أكثر مما صدمها ثم نظر للكاسر وقال بضيق " ما نفع ما

تفعله الآن ؟ ثم لا تنسى أنه لم يجبرها على دخول أراضيه

ولا خطط لذلك , هي من ذهبت له بنفسها "

وقف الكاسر على طوله وقال بغضب أشد " لن تفهم أنت معنى

كل ما سيحدث منذ فجر اليوم , لن تعلم ما سيجري هنا وما

سيحدث لها هناك , لم أتخيل أن أمرها لا يعنيك هكذا

يا رماح "

تحدث رعد من خلفه قائلا بهدوء " أمرها يعنينا جميعا يا كاسر

هي شقيقتنا مثلك ولن تحبها أكثر منا لكن ما حدث حدث وعلى

الجميع مواجهته , ثم هو ابن عمها ومصيرها إليهم مهما طال

بها العمر , ويأخذها الآن أفضل من أن ينتشلها من حضن

أبنائها فيما بعد "

نفض الكاسر سترته بقوة وغادر من عندهم وخرج وترك لهم

المنزل على صوت أذان الفجر الذي ارتفع عاليا في الأجواء

*

*

ابتسم للواقف أمامه منتبها لكل ما يفعله وهوا يلف الشاش على

ساق العجوز الجالس على السرير وقال بذات ابتسامته

" ناولني الشريط اللاصق الآن يا تيم "

فعل ذلك على الفور فهوا بعد إصراره على العودة للعمل معه بعدما

أغلقت المدرسة أبوابها أصبح كمساعد له ولم يعد عمله يقتصر على

تنظيف الأرضيات وأثاث تلك العيادة الصغيرة فقط , ليشعر بأنه عمل

كل جهده من أجل دفع ثمن دواء والدته , ولم يعد يخفي أمر عمله هنا

على أهل قريته ولم يعلق أحد كما كان يخشى فهم لازالوا يرونه فردا

زائدا لديهم , كما وأن الطبيب أخبر من سأله مشبعا لفضوله فقط بأنه

هو من عرض عليه أن يساعده هنا ودون مقابل كي لا يضره ابن

عم والدته وأشقائه لو فهموا الناس أنه عمل من أجل المال

ساعد ذاك العجوز على الوقوف والخروج لابنه الذي ينتظره في

الخارج منهمكا في التحدث مع أحد جنود المقر وغادرا من فورهما

وقال ذاك الجندي لتيم مبتسما " لما لا تأتي لأعلمك استخدام

السلاح أيضا يا فتى "

غادر حينها ركضا جهة باب العيادة قائلا " لا أريد شكرا لك "

ورغم رغبته الشديدة في الأمر وهوا من لطالما جلس هناك أعلى

مبنى المدرسة يشاهد تدريباتهم الصباحية إلا أنه يعلم جيدا ما سيفكر

فيه الناس حين يروه يتدرب هنا وهوا لازال في نظرهم ابن الهازان

وإن كانت والدته منهم ووالده اختارهم على قبائله , عاد للغرفة وبدأ

بجمع الأوراق والشاش الملطخ بالدماء ثم بدأ بتعقيم الطاولة والسرير

على نظرات من أنهى للتو كتابة تقريره عن المريض في دفتره وقال

ونظره لا يفارقه " ما رأيك يا يتم أن أعلمك ما تستطيع

استيعابه من مهنتي "

نظر له وقد توقفت حركته السريعة في مسح السرير وقال غير

مصدق " حقا تعلمني !! "

وكان هذا يوم العروض المغرية بالنسبة له وكأن ذاك الطبيب قرأ

الحزن في عينيه وهوا يرفض عرض ذاك الجندي بأن يتدرب على

أنواع الأسلحة , أغلق دفتره الضخم ووقف وقال " نعم وسأعلمك

حتى الكلمات والمصطلحات الطبية المهمة وسنبدأ أولا بدورة

تمريض لتتعلم كل ما يلزمك كمسعف "

هز رأسه بحسنا وقد علا الحماس والبهجة ملامحه واقترب

منه قائلا " هل نبدأ الآن ؟ "

ضحك الطبيب بصوت مرتفع وقال " مستعجل لهذا الحد ؟

يعجبني الحماس فهيا نبدأ "

رمى المنشفة في الإناء الصغير وحمله وخرج مسرعا ليضعه

مكانه ويغسل يديه ويبدأ معه أول دروسه فقد أحب عمله كثيرا

من مراقبته له

*

*

تطاير الشرر من عينيها وكأنه حمم بركانية سوداء وهي تنظر

لعمتها بغضب مصدوم ثم سرعان ما نقلت نظرها لعمها صقر

في حركة سريعة برأسها جعلت شعرها المجموع للخلف دائما

ينفك من عقدته وينزل منسابا حريريا أسودا على ظهرها وقد

علقت خصلة قصيرة منه في طرف فمها حين صرخت باعتراض

مقاطعة حديثهما " ما هذا الجنون يا عمي ؟ هل انتهت النساء ؟

هل جن ابن شقيقك أم ماذا ؟ "

نظر لها صقر وهي تلهث في تنفسها الغاضب , وقد نسي رؤيتها

مسدولة الشعر هكذا من أعوام طويلة منذ أعلنت حزنها على أبنائها

وأصبحت جوزاء أخرى لا يعرفونها , صرخت مجددا من نظرته

الصامتة الباردة لها " هل يعتكف عن الزواج حتى بلغ منتصف

الثلاثين ليختار الآن هذه من دون نساء الأرض ؟ لماذا لم يقل أنه

يريد الزواج لكنت اخترت له أجمل امرأة في الحالك ولكانت

ابنة شراع هذه حشرة أمامها "

تنهد صقر بعجز من غضبها وأفكارها ونظر لشقيقته الجالسة على

سريرها وقد رفعت كتفيها في عجز أيضا ثم نظرت لها وقالت

بهدوء يعاكس الشرر الذي يتطاير من الواقفة أمامها " ومن

أين ستجدين واحدة هكذا كما تصفين ؟ أخشى أن تتحول

تلك لحشرة أمام هذه "

نفضت أطراف بلوزتها الواسعة وقالت بغضب

" عمتي ليس وقت مزاحك الآن ليس وقته "

قال صقر بجمود ويداه في جيوب سترته الخفيفة " سيأتي شقيقك

هنا وإن كان لديك كلام فقوليه له هو , لما تصرخين بنا ونحن

لم نقرر ذلك ولن نوقفه "

غادرت من عندهم قائلة بحدة " وكأنك لا تعرف ابن

شقيقك ذاك , فهل سيستمع لي من أساسه "

وخرجت وخصلات شعرها الأسود تتبعها وهي تلفه في حركه

غاضبة لتعيده كما كان فعاد بنظره منها للجالسة أمامه وقال

" هذا أول الغيث فقط ولازال أمامنا الحالك بوسعها "

قالت بتنهيدة " لن يغضبوا مثلها فجوزاء تتحدث بقلب

مجروح وأنت تعلم الفرق جيدا "

هز رأسه بعجز وقال " وما دخل هذا بذاك يا نصيرة ؟ "

غامت عينيها بوهج حزين عجزت عن إخفائه وأبعدت نظرها

عنه وقالت بحزن " جوزاء تتحكم بها الأم المذبوحة داخلها يا

صقر وأنت لم تجرب ذلك وحتى إن جربته فلن تفهموا

الأمر أنتم الرجال مثلنا "

تنفس بقوة وقال " إذا لم يبقى غيرك نوكل لها مهمة

إخبار العروس "

نظرت له بسرعة وقالت معترضة " ولما أنا من عليها أن

تحتوي ردود فعل الجميع ؟ يكفيني جوزاء التي سأعاني منها

ومن مزاجها السيئ لوقت طويل "

كتف يديه لصدره وقال ببرود " والحل إذا ؟ فابن شقيقك

وحسب أوامره التي ألقاها أن تعلموها بالأمر "

نظرت بعيدا وضربت ظهر يدها بكف يدها الأخرى وهما في

حجرها وقالت ببرود أشد " أخبرها أنت أو ليفعلها هو أنا لن

أستلم مهمة كهذه والفتاة لا تعلم شيء مما تخططون له "

فك يديه وقال بضيق " نصيرة أين عقلك تريدين أن أتحدث أنا

معها ! وبأي صفة ؟ ومطر من الأسلم لهما أن لا يخبرها هو

ولن يفعلها لأنه أخبرني أنه ما أن يدخل البلاد سينتقل للحويصاء

فورا ولن يأتي هنا إلا يوم زواجه بها "

*

*

قاد سيارته كالمجنون وتلك الجمل الساخرة تتكرر في رأسه

( أبرم شراع صفقة مع ابن شاهين ليفر منه بجلده وجعلها

حرب نساء بدلا منها حرب أرض وشرف )

( باع شراع ابنته مقابلا للمهادنة ووقع ابن شاهين في فخ

فتنة النساء )

( زعيم صنوان خذلنا جميعا فيه ولن تحذوا إلا حذو والدك )

أي النيران أشد على قلبه وأيها قد يتحملها جسده الشامخ حتى الآن

وهدوئه الغريب وهوا يسمع ذاك الخبر من جنودهم وبعض أبناء كبار

قبائلهم وكل واحد يحاول أن يفسر الأمر من وجهة نظره , وصمته

الذي قرأه الجميع أنه صمت العاجز عن الرد لم يكن سوا صمت

المصدوم , صمت المذبوح من أقصى النحر لأقصاه .

دفع باب المنزل ودخل مباشرة ولم ينتبه حتى كيف أوقف سيارته

وأين , وكان أول من قابله الخادمة التي قالت مباشرة وبذعر من

ملامحه وتجهم وجهه " سيدي في مكتبه من أكثر من ساعة

وهوا وحده "

فدفعها وتابع طريقه بما أنها أتت بالمفيد من قبل أن يسألها فكل

غرضه من وجوده هنا هو رؤية والده وفهم ما يجري , فجميع

الهواجس والتكهنات زارته وعصفت بعقله عن السبب وتوقع حتى

أن مكروها أصابها هناك , أو أن ما يقال ليس سوا محض افتراء

وشائعات فمثلما لن يصدق أن والده قد يفعلها ويتخذ تلك الحبيبة

جسرا سياسيا بينهم وبين الحالك لن يتخيل أن ابن شاهين قد يتخذ

هكذا خطوة متهورة ومجنونة من تلقاء نفسه ويضغط على شراع

فقط ليزوجها له , وصل باب المكتب وشياطين الأرض تتقافز أمام

عينيه فلم يرى والده مُحطما لأحلامه كما الآن , فهوا في نظره من

تهاون مند البداية في موضوعها وترك لابن شاهين الخيار دون أن

يضغط عليه ولو عسكريا , ما أن رفع يده للمقبض حتى التفت أصابع

طويلة وقويه حول معصمه بقوة موقفة له دون أن يلمس مقبض ذاك

الباب فنظر من فوره لصاحبها نظرة نارية حارقة وقال هامسا

من بين أسنانه " كاسر اترك يدي "

لكنه لم يخضع له بل ضغط عليها أكثر يرسل نظراته التحذيرية

القاسية لعيني شقيقه المحمرة من البكاء الذي لا يعلم سجنه حتى

التهبت تلك المقلتين أو أنه بكى حتى أرهق لونهما , عاد لهمسه

الغاضب محتجا وهوا يحول أن يفلت يده من قبضة شقيقه

الأصغر " أتركني لا أرتكب فيك جريمه "

وفي حركة خاطفة حاول لكمه بيده الأخرى لكن الكاسر والأكثر

تدريبا بين أشقائه رد لكمته براحة يده الأخرى ولوا معصم اليد

التي لازالت في قبضته حتى خرجت صرخة جبران المكتومة

وسحبه حينها مبتعدين عن مكتب والده قائلا بحزم أخوي

" علينا أن نتحدث قبل أن تراه يا جبران فتعقل "

لكن لا مجال للتعقل حينها بالنسبة له فجنون عواطفه دمر كل

دفاعات عقله وتحول لنمر مجروح تُرك طليقا في الغابة , لم تهدأ

محاولاته لفك يديه من قبضة الكاسر حتى وصلا لأقرب غرفة

ودفعه داخلها وأغلق الباب خلفهما ووقف أمامه مانعا له من

الخروج وما أن حاول الهجوم عليه لإبعاده حتى صرخ موقفا

له " جبران والدي لا دخل له , ذاك الجبان أخذها حيلة "

فجمد مكانه لسماعه تلك الكلمات وتاهت عيناه في ملامح الكاسر

الغاضبة وخرج صوته مصدوما " ما تعني بأخذها حيلة ؟ "

تنفس الكاسر مهدئا نفسه وقال بجدية " خيّره بينها وبين

عجوز الحالك تلك "

وانفجر حينها جبران صارخا وملوحا بيديه وكأنه يبعد الهواء عن

طريق إعصاره " ما هذا الهراء ؟ كيف يسلمها له ويترك تلك

العجوز الخرفة ؟ كيف يبيعها بها كيف ؟ "

صرخ حينها كاسر بصوت قد فاق صراخه علوا " وما التعقل

برأيك ؟ هل يسلم له العجوز ليعلم الحقيقة منها ويأخذها وليس

وحدها بل وثأره منا بسببها يا جبران "

صرخ فيه بعنف أقوى وقد أزبدت شفتيه وابيضت من الغضب

" يرجعها ثم نخرجها حيث لن يجدها ما عاش , لما لم يفكر بهذه ؟ "

هز الكاسر رأسه بيأس وقال " ليس حلا يا جبران وأنت تعلم ذلك مثله

أمسك رأسه بيديه ونظره لازال معلقا بالكاسر وهوا يقف بينه وبين

الباب وقال بألم " ويتركها له يا كاسر ؟ يتركها هناك ويتركني من

دونها ؟ أليست شقيقتك ألا تشعر بها ؟؟ "

رد عليه بحرقة " لن تشعروا بها مثلي , أنا من تربيت معها

خطوة بخطوة حتى كبرنا ورضعت حليب والدتها لكنه واقع

وعلينا تحمل نتائجه "

صرخ فيه بشدة " مستحيل !! لن نتقبل ذلك وعليه أن

يرجعها إن بالسلم أو الحرب "

واندفع جهة الباب ليمسكه الواقف بينهما من ثيابه وقال بحدة محذرا

" جبران تعقل ولا تضرها وتضر نفسك فمؤكد تعلم جيدا أن أحد

شروط المهادنة تقتضي بسحب الأراضي فلا تفكر كما أتوقع منك

وتحاول إيذاء أحد منهم لأن المقابل سيكون مكسبا لهم من أراضينا

وهذا ما فكر فيه ابن شاهين جيدا كي يكبلنا نحن أشقائها عن فعل

شيء حيال سلبه لها منا "

قبض بيده بقوة على قبضة الكاسر الممسكة بياقة قميصه وقد

لمعت عيناه التي يسجن دموعها بكل جهده وقال بحسرة " لماذا

فعلها يا كاسر ! لماذا كسر قلبي وظهر والدي ؟ ألم تسمع ما

يقولونه عنه في صنوان ؟ لقد شوه صورته الرائعة في أعين

الكثيرين , هل هذا ما كان يخطط له أم أنه رآها وأرادها

لنفسه ؟ ليفهمني أحدكم حالا ؟ "

أرخى الكاسر من قبضته قليلا وقال بشيء من الهدوء والقهر على

حال شقيقه وحالهم جميعا " ما فهمته من والدي أنه لم يصرح عن

أي مكسب سياسي ولا رغبات خاصة من قراره هذا , وحديثك مع

والدي لن يجدي في شيء يا جبران فلا تزده على ما به "

نفض يده منه بقوة وقال " إذا لا يسأل أحد عني وانسوا أن لكم

ابنا أسمه جبران فلن يرجعني هنا إلا عودتها أو موتي "

ودفعه من أمام الباب وخرج صافقا له خلفه بقوة فمرر الكاسر

أصابعه في شعره ناظرا للسقف ثم أغمضهما بقوة وهمس

بحسرة " هذا ما كنت أتوقعه حدث "


*

*

حاول نطق الأحرف بشفتيه بدون صوت وتأفف من فشله مجددا

حين كان يسمعهم من الطبيب الذي يعمل معه كان الأمر سهلا

بالنسبة له ويمكنه ما أن يحفظ الكلمات أن ينطقها بسهولة لكنه

اكتشف أن الأمر أصعب من ذلك بكثير رغم أنها أربع كلمات

فقط والطبيب أخبره أنها من المصطلحات الطبية القصيرة

وهناك ما يتعدى طولها بأضعاف .

أبعد الورقة ونظر لوالدته وكانت نائمة بسلام لولا ضيق تنفسها

الذي يراه تحسن عن السابق بكثير طالما تستمر على العلاج

نظر سريعا جهة باب الغرفة حين سمع صوت باب المنزل وهو

يغلق بقوة فقفز من السرير قفزا ورمى الورقة من يده وخرج من

الغرفة ونظر فورا جهة منزل ابن عم والدته ثم تقدم قليلا ليظهر

له الباب من بين الأشجار المزروعة بينهم حتى ظهر له ما توقعه

وابتسم بسخرية وهوا يراها واقفة توليه ظهرها تنظر عاليا للباب

المغلق وما أن اقترب منها حتى التفتت له سريعا تمسك بإحدى

يديها دميتها القماشية بساقيها الطويلتان في حضنها بقوة , وما

أن رأته عادت مولية ظهرها له وبدأت بطرق الباب بيدها

الصغيرة بقوة منادية " افتحوا لي الباب بسرعة "

وفي حركة سريعة وثب الدرجات نحوها وأمسك يدها ولفها

جهته قائلا " لن يفتحوا لك حتى يخرج أحدهم مصادفة

ألا تعرفين طباعهم الحسنة مسبقا ؟ "

استلت يدها منه بقوة وأبعدت بها خصلاتها القصيرة المتطايرة

عن وجهها وقالت بغضب طفولي " لا تتحدث معي , ابتعد "

دس يديه في جيوبه ينظر لها بسخريته الباردة المستفزة

وقال شبه هامس " ماريه يا غبية توقفي عن هذا "

نظرت له بغضب تدس دميتها في حضنها أكثر فدار بمقلتيه

للأعلى بضجر ثم نظر لها وقال " والدتي أهلكتني بالسؤال

عنك لما لا تزورينها وأنا غير موجود لتتوقف عن

إصرارها لآتي وأعلم ما بك "

انطلقت منها الكلمات دفعة واحدة بذات غضبها وصوتها

الرقيق الحزين " لا أريد أن أراكما أخبرها بذلك "

تأفف في وجهها بقوة وقال " هل لي أن أعلم السبب مثلا يا طفلة "

لوحت بيدها في وجهه وقالت وعيناها بدأت تبرق بدموعها

الحبيسة " وأنت طفل أيضا ولست رجلا فتوقف عن

مناداتي بالطفلة وبالغبية "

تنهد باستسلام هذه المرة وقال بشيء من الهدوء " ماريه

هيا توقفي عن هذا , ما الذي أغضبك منا ؟ "

قالت مباشرة وباندفاع " منك وليس من عمتي , أنا

أكرهك يا تيم أتفهم "

أخرج يديه من جيوبه وكتفهما لصدره وقال " حسنا

وما ذنب والدتي إذا "

سقطت أول قطرة دموع من عينيها العسلية الواسعة وبدأت

شفتها السفلى ترتجف من البكاء المكتوم وقالت " لأنكما

سترحلان ولا أريد أن أراكما ثم تتركانني .. لا أريد "

وأخفت عينيها في ذراعها وبدأت بالبكاء فمد يده لها وأبعدها

عن عينيها قائلا " الأجل هذا فقط يا حمقاء ؟ "

استلت يدها وقالت بحنق " لست حمقاء وأنت أخبرتني أنك

ستغادر وتأخذها معك وتتركني هنا أليس كذلك ؟ "

هز رأسه بنعم دون كلام فقالت وقد عادت للبكاء " لذلك

لا أريد أن أراكما سأبقى لوحدي من الآن"

تنهد بيأس منها وقال مراقبا وجهها المحتقن من البكاء " لكني

لم أقل أن ذلك سيحدث الآن قد يحتاج لسنين كثيرة ليحصل "

سحبت دفعة هواء لصدرها بسبب بكائها وقالت وعيناها معلقة

بعينيه " ووقتها ستذهب وتتركني أليس كذلك ؟ "

أبعد نظره عنها وقال " لا أعلم "

قالت وقد عادت للبكاء " هل رأيت ؟ أنا أكرهك وغاضبة

منك أيضا ولن تراني مجددا"

تأفف بقوة وقال بحنق " ماريه والحل معك ؟ "

كتمت عبرتها خوفا من ملامحه الغاضبة وقالت بهمس

باكي " لن تذهب وتتركني هنا , عدني بذلك تيم "

نظر للسماء الصافية ثم حرك رأسه بقوة مغمضا عينيه متذمرا

من الوعود المطالب بقطعها وهوا ما يزال صغيرا عليها ثم أنزله

ونظر لها وعيناها لازالت معلقة به بنظرة كلها رجاء وحزن وأمل

وخصلات شعرها البنية القصيرة تتطاير حول تلك العينين الواسعة

وأيقن حينها أن هذه الصورة لن تمحى من ذاكرته مهما طالت

السنين وهوا يقول الكلمات التي سيقولها الآن هامسا لها

" أعدك ماريه أن أخرجك من هنا يوما ما لن يكون بعيدا "

ولم يشعر سوا بيده تُسحب بسبب سحبها لها فركض يجاري

خطواتها وهي تقول بمرح " إذا لست غاضبة منك فتعال

لنرى السلحفاة لقد اشتقت لها "

وتبعها مستسلما لا يفكر مثلها في تلك السلحفاة الصغيرة بل في

كم الوعود التي يقطعها وجميعها تخصها , ولم يفكر أحد كيف

سيخرجها منهم وهم يرونها كيس نقود ومكسب لن يفرطوا فيه

لكن ما لم يفكر فيه الآن أن الزمن يتغير والسنين تقلب الأمور

وأن ما سيرجعه لها هنا قد يكون شيئا فاق الوعود بكثير

شيء ربطه بها قبل أن يغادر ليرجعه مرغما ويخرجها

دون أن يعترض أحد .

*

*


فتحت النافذة قليلا كعادتها كل يوم واختلست النظر نحو أبواب

منازل الجيران والحال كما الأمس والذي قبله , فقد أصبح عدد

الجنود قليلا جدا وكل منزل يحرسه واحد فقط , ملثمين وأشكالهم

غريبة عنها ليست كالمعهود وقد انحصرت مهامهم على حراسة

كل منزل يوجد به أهله وليست تعلم لمنعهم من الخروج أم لسبب

آخر تجهله ! وهذا حال جميع من بقي في بلدة ( خماصة ) سجناء

منازلهم لا يعلمون شيئا ولا يناقشون أحدا ولا يحق لهم الاعتراض

تركت النافذة وتوجهت للغرفة نظرت من بابها لحفيدتها النائمة

بسلام ملائكي وحسدتها في قرارة نفسها على جهلها بكل شيء

فأقصى اهتماماتها كأي طفلة هو أن تأكل وتلعب وتنام , أغلقت

الباب عليها بهدوء وتوجهت لباب المنزل وفتحته ببطء لتوقفها

اليد التي شدته منها وهي للواقف خارجه بالتأكيد فحاولت سحبه

وفتحه بقوة قائلة بضيق " أتركني أرى جيراني على

الأقل أو أفهم ما يجري هنا "

دخل لها الصوت الغليظ الرخيم القاسي المخيف الذي لا يمت للغات

العالم بصلة فتراجعت للخلف مصدومة من الكلام الذي سمعته

والصوت المخيف الذي لازال يدوي في رأسها ويدها على قلبها

لتطير بها خطواتها حتى وجدت نفسها في الغرفة وحفيدتها في

حضنها وقد أفاقت مفزوعة من نومها بسبب سحبها لها تدسها في

صدرها أكثر ترتجف بشدة من الهلع وهول ما يجري ولا تفهمه

وقد أغلقت الباب عليهما من الداخل وليست تفهم من هذا شيئا

وقد أخبرها عقلها حتى أن تكون احتلتهم دولة أخرى وهم لا

يعلمون شيئا من حولهم .

*

*

دفعت كرسيها المتحرك وهي تفتح باب الغرفة ببطء مستسلمة

لأمرها الواقع , فقد اقتنعت أنه لا أحد غيرها يمكنه القيام بهذه

المهمة الصعبة , فلا جوزاء تنفع لها ولا شقيقها وذلك مستحيل

وهي على استعداد للمجازفة على أن لا يكون مطر هو الخيار

الوحيد وأن يخبرها بنفسه أو يتركها على جهلها حتى تجد نفسها

في غرفته فهي تعرف طريقة تفكيره جيدا ولن يكلف نفسه عناء

أن يأتيها ويقدم الشروح والتوضيحات رغم أنه وحده من يملكها

فهي كغيرها لن تجد جوابا عن أي سؤال قد توجهه لها المعنية

بالأمر لأنها مجرد عبد مأمور والأجوبة جميعها في مكتبة أفكار

ابن شقيقها , فما تعلمه هو ما يعلمه الجميع خارج هذا المنزل

وداخله وهو أنه اجتمع بوالدها شراع لوحدهما وخرجا وقد

وافق زواجه بها وسلمه التوكيل الخطي أيضا وأصبح بإمكان

أي رجل في قبائلهم أن يزوجه بها دون حتى الرجوع لرأيها

دخلت ببطء بعدما أذنت لها الجالسة على سريرها وقدميها في

الأرض تجلس مقابلة للباب تنظر بفضول للداخلة لها وكأنها

تتوقع ما تحمله تلك في جعبتها وقد ظهر على تقاسيم وجهها

الشاحب فما أشد أن تحمل فاجعة لأحدهم كأن تخبره أن شخصا

يحبه قد فارق الحياة للأبد , دخلت وتركت الباب خلفها مفتوحا

لتزيد من حيرة الجالسة تنتظر اقترابها البطيء حتى وصلت

عندها واصطنعت ابتسامة صغيرة وحيتها بلطف وأضافت

قائلة " لما تسجنين نفسك هنا ولا تخرجي يا غسق ؟ "

أسدلت جفونها للأسفل بحزن وهمست قائلة " ومتى

سمح لي بالخروج ؟ لم يُعلمني أحد "

اتسعت ابتسامتها وهي تتفرس ملاحها واحمرار خديها الذي

ظهر طفيفا لتحدثها عنه وجال في فكرها ( إن رآها هل سيتم

زواجه بها ؟ لا قطعا وهوا رجل الحروب لن يقحم نفسه في

حرب باردة مع امرأة مثلها تشعل أي رجل وقد يخرج

منها خاسرا ومهزوما )

تنحنحت قليلا ثم قالت " كان ذلك سابقا لكن الأمور

تغيرت من أيام عدة "

رفعت غسق نظرها بها سريعا وقد ظهرت معالم الحيرة على

ملامحها ولم تفهم شيئا من هذا فقالت " ما أعلمه أنه يمنع

خروجي من هنا , حتى أنتي لم تزوريني سوا تلك المرة "

ابتسمت لها بحنان ومدت يدها وأمسكت بكفها البارد الناعم الصغير

وقالت " لم تخبريني أنك تريدين رؤيتي لكنت أتيتك كل يوم "

لمعت الدموع في عينيها وقد شدتها هذه المرأة للحنين لأهلها

وقالت ببحة " أريد العودة لأهلي أرجوك يا خالة "

تنهدت بعجز وتركت يدها وأعادت كلتا يديها لحجرها وقالت

" هل سئمتِ من ضيافتنا لهذا الحد ؟ هل أزعجك أحد

هنا يا غسق ؟ "

هزت رأسها بلا ومسحت عينيها بظهر كفها بقوة وقالت

" كنتم كرماء جدا معي لكني أريد والدي وأخوتي وعمتي

لست أعلم شيئا عنهم ولا حتى سمعت صوت أحدهم

وإن علموا بمكاني أم لا "

تنفست بقوة وألقت عليها أولى الحقائق قائلة " هم يعلمون

أنك هنا وأنك بخير اطمئني يا ابنتي "

زحفت بسرعة للأمام قليلا وأمسكت بيديها وقالت برجاء باكي

" من أخبرك وكيف علمتِ ؟ هل تحدث أحدهم بالهاتف "

حضنت كفيها بقوة وقالت " بل التقى مطر بوالدك وشقيقيك

منذ أيام وجميعهم بخير "

بلعت ريقها بصعوبة وقالت " وبما أخبروه ماذا قرر بشأني

هل سيتركني سجينة منزله للأبد ؟ "

قالت من فورها " ولما ترين نفسك سجينة يا غسق ؟ "

أطرقت برأسها قليلا وقالت بحزن " لأني كذلك سجينة غرفتي

وأرض يعدها البعض ليست أرضي , ومحكوم عليه ينتظر

انقضاء محكوميته "

مسحت بكفها على ظهر تلك اليد الناعمة ونظرها لازال معلقا

بملامحها وقالت مبتسمة بحنان " وإن فرضنا ذلك يا غسق

فأنتي لن تكوني كذلك بعد الآن "

تنقلت بنظراتها بحيرة في ملامحها وقالت " وما سأكون إذا !؟

أنا لا أفهمك أحيانا "

شدت على يديها بقوة أكبر وكأنها بهذا ستحتوي انفعالها لما

ستقول لها وما ستسمع منها وقالت بروية " تكونين سيدة

هذا المنزل وزوجة سيده "

المخرج ~

بقلم الغالية : Nou Ran

مطر
ما أجمله يا بشر
ذلك القوي الأسمر
يظاهي في جماله و جاذبيته القمر
إنه مطر
إبن الحروب الذي لا يهاب الخطر
بطل يقود المعارك
دائما يتصدر صفوفَ جيوشِ الحالك
عظيم أبدا لا يقع في الشرك
أفلا يستحق أن يتوج على البلاد ملك
أسطورة الحسن و الجمال غسق
هل ستجعل قلبه يخفق
و باسمها ينطق
هل سيكون حبها كدمه الذي يسري في العرق
مطر الذي إسمه فقط يصيبها بالأرق
أما بالنسبة له فهي كسائر الفتيات وعنده لا تفرق
هل سيتمكن من أن يسرق
قلبها و في حبها يغرق
هي رواية تمزج بين العشق
في خضم الحروب و الدفاع عن الحق
...
.....
......
خطتها انامل المبدعة برد
أناديك حتى يجف الحلق

نهاية الفصل

موعدنا القادم مساء الغد إن شاء الله




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:11 AM   #694

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



جنون المطر (( الجزء الأول ))

الفصل السادس عشر

المدخل ~

بقلم الغالية : همس الريح

ايا غسق ..
قلبي بكي
دمعي سخا
روحي تئن
له المشتكى

ايا غسق ..
مطر اتى
قال لنا
هي معي
اين الفدا

ايا غسق
قلبي هوى
صمتا بكا
قلت اتركوني
روحي الفدا

ايا غسق
كيف اللقا
اين النجا
و انتِ هناك
عند العدا

ايا غسق
قلبي يئن
عقلي يجن
و انت هناك
لبي الندا


من جبران الي غسق

*********


لم يكن واثقا من قرارهم ولا موافقا عليه لكن صمته قرئ

عندهم بالتردد أو الاتجاه للموافقة فقال أحد رجاله والهواء

يتلاعب بشعره الكثيف المموج " ثق بنا سيدي , نريد أن

ندك حصون خماصة ليلة دخولك بعروسك , نريدها هدية

زواجك ولتكن تلك الليلة أكثر تميزا "

وحرك آخر رأسه بطريقة كوميدية وقال مبتسما بسخرية

" لنوصل رسالة جميلة لشراع صنوان ليلة زواج ابنته "

وضحك الجميع عدى من اكتفى بابتسامة بسيطة على شفتيه ولم

يعلق على تلك العبارة رغم أن كل شيء من تدبيره وأنه موقن من

أن بعض رجاله لا يوافق ذاك الزواج وإن كانوا لم يعارضوه

ولم تنبس شفاههم بكلمة في وجوده أو في غيابه

هز رأسه بحسنا مستسلما لإصرارهم العنيد فبعد التحرك المريب

للهازان عند تلك الحدود علموا أنهم يدبرون لشن هجوم عليهم ومن

مراقبتهم لهم وجدوا أن الثغر في صفوف جيوشهم كبيرة والتنسيق

معدوم جدا وكأنه عمل فردي وغير منظم , وبعد القذيفة التي سقطت

بينهم هنا فجر اليوم علموا أنهم يناورون ويناوشونهم مستفزين لهم

لذلك قرر مطر التحرك نحوهم قبل أن يبدأ الهازان بعادته الدائمة

وهي القتل الفردي لرجاله قرب الحدود والسخرية منه

جال بنظره بين أعينهم خاصة وقال بحزم المسيطر على

كل شيء حوله " لن أكرر ما أقوله دائما وما في حضوري

سيكون في غيابي , لا تحرقوا منزلا ولا حقلا ولا شجرة

ومن وجدتموه هناك تعطوه الأمان التام ما لم يقاومكم "

هزوا رؤوسهم بالطاعة فتابع " وعليكم أخذ الحيطة منهم

فقد تكون خدعة جديدة فتيقظوا "

ثم أمسك بكتف الواقف بجانبه وربت عليه وقال مغادرا من

عندهم " أنا أعتمد عليكم "

وابتعد مخرجا هاتفه وأجرى اتصالا لم يطل الطرف الآخر في

الجواب عليه فقال وهو يركب سيارته " هل غادر عمي ؟ "

جاءه الرد الأنثوي البارد قائلا " أجل منذ وقت "

سحب الباب مغلقا له خلفه وقال وقد تحرك بسرعة كبيرة

مثيرا الغبار حوله بشدة " صليني بمنزل العمال "

ولم يسمع تعليقا منها وكانت ستضغط الزر وتنقطع

مكالمتهما قبل أن يوقفها صوته الحازم الجاد

" جوزاء "

ليتصلب إصبعها في مكانه وتنفست بقوة وصلته بوضوح

فتابع ونظره على الطريق المعبد الذي وصله منطلقا فوقه

بسرعة جنونية " لا أريد ازدحام نساء الليلة ويتحول

المنزل لفوضى "

قالت من فورها " وهل نطرد الناس يا مطر وهم جاءوا

لحضور زواج زعيم قبائلهم ! أم نتركهم في الشارع "

قال ببرود قاطع " تصرفي "

خرج صوتها الحاد المتضايق " مطر هل ستجعلنا

سخرية للناس أكثر من ذلك "

وأعقب حديثها صمت مميت بعدما انفلت لسانها لأول مرة بدون

أن تكترث لردة فعله ولا لفظاعة ما تقول وهي تتهم قراراته

بالفوضوية فهمست من فورها " آسفة كنت أقصد أن ... "

فقاطعها بحزم " لتغادر النساء قبل حضوري يا جوزاء أو لن

أنزل بها هناك وهذا أمر "

فانقطع الاتصال بينهما مصدرا صفيرا لتغير مجرى المكالمة

وأجابه أحد العمال من فوره قائلا " الخيام والذبائح وكل شيء

جاهز , هل تأمرنا بشيء آخر سيدي ؟ "

*

*


راقبت الرؤوس الصغيرة التي تراءت لها من الباب الذي خرجت

منه المرأة للتو فما أن ينفتح ذاك الباب لأي سبب كان تبدأ تلك

الأعين الصغيرة بالتلصص على ما يوجد بالداخل حيث تصلها

همهمتهم الطفولية وهمسهم بوضوح .

نقلت نظرها منهم ليدها في حجرها تراقب الأزهار المرسومة

بالحناء من بداية أصبعها البنصر متتالية تباعا مجتازة كفها وكأنها

أزهار قرنفل غامقة تناثرت فوق قطعة جليد نقية وصولا لساعدها

لتلتف بطريقة متناسقة حتى تنتهي بأعلى ذراعها , وهناك تنهدت

بأسى وأغمضت عينيها بقوة , مر أسبوع تقريبا منذ زفوا لها ذاك

الخبر المفجع ومرت ثلاثة أيام منذ استفاقت من تلك الإغماءة

التي تشبه الغيبوبة ولا تعلم ما حدث لها فيها وما فعلت أو قالت

ومر نصف يوم منذ وجدت نفسها هنا في بلدة حجور الحدودية

مع صنوان حيث أمسكوا بها تلك الليلة , بعدما جلبها عمه في

سيارته وبسرية تامة ولم تسأله عن شيء كما لم يتحدث هوا

معها في شيء سوا جملة واحدة قالها لها ما أن انطلقا فجرا

من هناك " هذا من أجل مصلحتك يا ابنة شراع كي لا

تتقاذفك الألسن إن علموا أنك لم تدخلي اليوم من حدود

قبائلك "

ووجدت نفسها في هذا المنزل الشبيه بغرفة واسعة جدا لها باب

بنقوش وزخارف إسلامية مدهشة وامرأتان تقومان بتجهيزها وهي

كالدمية المبرمجة على تنفيذ الأوامر كالمخدرة أو الميتة , فكل ما

تذكره أنها أصيبت بصدمة حولت منها لبكماء , لا تعلم من هول

الخبر عليها أم من تزاحم الأفكار في رأسها ( لما وافق والدي

شراع كل هذا ؟ كيف سلمني لمن قد يكون عدو حرب له في أي

وقت فوق عداوتهم الحالية ؟ كيف يختار أن يمضي يومه دون

أن يراني كما كان يقول ؟ ما الذي فعله مطر شاهين جعله ينصاع

هكذا ؟ والأهم لما لم يخبره أني لست ابنته ويكسر عنفوانه وكل

مخططاته من وراء هذا الزواج الغير معقول وألا منطقي !! )

وهذا ما زاد من خرسها يقينها من أن شراع صنوان لم يصمت

عن حقيقتها عبثا وإن تحدثت هي الآن كما كادت تفعلها من يومين

وأفشت السر قد تضره لأنه ما سكت إلا لأمر مهم ويعلم جيدا أنها


ستفهم بأنه لا يريد أن تتحدث عن ذلك أبدا , لكن فكرة أن لا تخرج

من هنا ! أن لا ترجع لمنزلها !! لوالدها وعمتها وأخوتها وأن تكون

زوجة لذاك الرجل الذي لم تعرف وتسمع عنه سوا الموت والقتل

والتصلب للرأي مهما كان أمور لم يستطع عقلها استيعابها وأشياء

ما كانت تتخيلها ولا في نومها , فكيف تنقلب حياتها هكذا بعد تلك

الليلة التي دخلت فيها حدودهم من أجل أمر لم تنوي به ضررا لأحد

لما الجميع يدخلون ويخرجون ويخالفون القوانين الحدودية وحين

فعلتها هي عوقبت كل هذا العقاب القاسي ؟؟!! أسئلة ما كانت لتلقى

لها جوابا كما لم يلقاه غيرها ولا حتى والدها ولا المقربين ممن

قرر هذا القرار وربطها به برباط قد يدوم للأبد وقد يخلف

تراكمات وجراح للأبد .

لا توجد بذاكرتها سوا تلك الكلمات التي سمعتها من عمته أول ما

أفاقت وفتحت عينيها لتجدها بجوارها وكأنها لم تتحرك منذ ذاك

اليوم والوقت وهي تزيد من ذبحها بما قالته بقلة حيلة وبنبرة

المغلوب على أمره " هذا قراره يا غسق لا أحد يمكنه مناقشته

فيه ولا مجرد النقاش ليحاول أحدنا تغييره فذاك ضرب من

المحال , أعلم أن الإجبار على الأمر شيء سيء جدا لكن


تأكدي من أنه لن يظلمك أبدا وهو ابن شقيقي وأعرفه "

وكانت كمن يذر الملح على الجرح المفتوح , جعلتها كلماتها

تلك تغمض عينيها بألم لتتسرب منها أول وآخر دمعاتها

هامسة لنفسها ( كل هذا ولم يظلمني ولا يعرف الظلم !! )

كانت بجملتها تلك لتنهي أي باب للنقاش معها لتعلم أنه أي

اعتراض أو رجاء لها لتحاول عذله عن قراره سيكون دون

جدوى وأن لا تفكر أبدا في استمالتها وكسب تعاطفها , ليزيد

ذلك من بشاعة ذاك الرجل في نظرها , وتسلطه حتى على

أقرب المقربين منه وقررت أن لا تنكسر أن لا تعطيها له أن لا

ينتصر على والدها بها مهما حدث وطال الوقت والزمن فإن لم

يوجد من يناقش ذاك الرجل ومن لا يغير قراراته ومن لا يقف في

وجهه فستكون هي مهما بعد ذاك اليوم ومهما كلفها الثمن غاليا .

انقطع حبل أفكارها الطويل وانفتحت عيناها حين سمعت ركض

الصغيرات في الخارج لحظة دخول المرأة التي خرجت منذ قليل

وعادت ناحيتها بذات ملامحها الجامدة وصمتها الموحش , لا تفهم

لما جلبوها هنا تحديدا ولهذا المنزل دون غيره ولم تسأل ولا تناقش

لأنها تعلم أن ذلك بلا جدوى ولن تجلب سوا الأقاويل لنفسها ولوالدها


قبلها , وصلت عندها تحمل في يدها صحنا خزفيا صغيرا وضعته
على الطاولة بجانبها ومدت أصابعها لذقنها الصغير ورفعته لها برفق

ليرتفع رأسها للأعلى مقابلا لها وانحنت جانبا حيث وصلت يدها لذاك

الصحن وهمست مسمية بالله وبدأت بوضع ذاك السائل بشيء يشبه

عود الشجر في شكل نقاط ابتداء من أعلى حاجبها الأيمن تحفه بهم

حتى وصلت منتصف خدها لتصنع شكلا يشبه الزهرة بوريقات

صغيرة وكان سائلا شديد البياض متوسط الكثافة سريع الجفاف

تساعده بنفخها البسيط له من حين لآخر متمسكة بصمتها المميت

سوى من همسها كلما نظرت لوجه الجالسة أمامها نظرة

متفحصة تقيم بها ما وصلت له في عملها لتهمس

" بسم الله مشاء الله "

دون أن تتبادل معها أطراف الحديث ولا أن تسألها عن شيء من

أحداث هذا الزواج الغريب لدى الجميع , جمعت كفيها ومررتهما

برفق فوق ذراعيها العاريان فلا شيء يغطي جسدها سوا القميص

الذي ألبسوه لها من الحرير الخالص باللون الأبيض العاجي كماه

قصيران بالكاد يغطيان أعلى الذراعين تحفهما نقوش زرقاء رقيقة

تمر بالكتفين وصولا لياقته المفتوحة الواسعة لتلتف حولها في شكل

زهرات ووريقات صغيرة جدا , وتنساب تلك النقوش الدقيقة عند

جانبيه مرورا بخصره وحتى نهايته عند منتصف الفخذين وما أن

جلست حتى كان أعلاهما ولولا القطعة الحريرية التي ناولوها لها

لتغطيهم بها لما سُتر منها شيء أمامهم , وليست تفهم ما نفع هذا

القميص وما دوره وما معنى ما يفعلون لها فهي لم تعرف هذه

التقوس والعادات أبدا لديهم وبحكم انقسام بلادهم فهم يجهلون

معنى أن تختلف العادات والتقاليد من طرف البلاد لحدودها

الأخرى كما هو الحال في كل مكان .

وضعت العود في الصحن وخرجت كلماتها الهامسة

" أغمضي لي عينيك "

فانصاعت فورا متنهدة بأسى واستسلام لا تعلم ما نهاية كل هذه

المسرحية التي تشعر أنها تؤدي فيها دورا سينتهي في أي وقت

لتجد أن كل هذا مجرد حلم وانتهى , شعرت بكف تلك المرأة يتكئ

على خدها وبملمس بعض أصابعها والسائل البارد الذي انساب على

جفنها عند الرموش , اعتادت سابقا أن تضع كحلا رطبا خفيف اللون

جدا كما هو الحال عند جميع الفتيات في صنوان حين يتزين لحضور

حفلات الزفاف أو أيام العيد لكن هذا النوع من كحل العينين لم تكن

تستخدمه إلا النسوة المتزوجات ولم تضعه يوما , شعرت بالهواء

يهف على وجهها وهمس تلك المرأة يصلها مجددا قائلة

" لا تفتحي عينيك "

وما هي إلا لحظات وانفتح باب الغرفة وأطلت منه المرأة الأخرى

لتخبرها أن رجلا كان بسم غريب صعُب على غسق فهم نطقه

ومعناه قد وصل مما جعلها تنفض يديها فورا وأسرعت نحوها

فتتبعتهما بنظرات حائرة وتلك تصل لها والأخرى قد همست

بحزم " لما زينتها قبل وصوله ؟ ألا تعلمي أنه لا يجوز

وعقابنا قد يكون وخيما "

فخرجت في صمت والأخرى تتبعها تاركين خلفهم تلك العينان

السوداء الواسعة التي اصطبغ أعلى جفونها فقط باللون الأسود

اللامع الثقيل ليزيدهما حسنا وغرابة تتبعهما باستغراب حتى اختفتا

خلف الباب المفتوح , وما هي إلا لحظات وعادت تلك الهمسات

الصغيرة والضحكات الناعمة واندفع الباب هذه المرة ليكشف عن

ثلاث طفلات لم تتجاوزن الستة أعوام تتقدمهن واحدة لفتت نظرها

على الفور بعينيها العسلية الواسعة وغرتها البنية الناعمة ونظرتها

الحزينة البريئة فابتسمت لها رغم كل ما مرت وتمر به وانفرجت

شفتاها عن ابتسامة صادقة ما أن وقع نظرها عليهن , طفلات من

بلادها تربطهم وحدة الدم والانتماء والوطن وإن كانت الحواجز

فصلت بينهم لعقود وأزمان طويلة , هم مرتبطون بها تشعر بذلك

وبقوة جارفة مصدرها القلب مهما حاولت البشر أن تغير تلك

الحقيقة وتشوهها ومهما فرقت بينهم الدماء والحروب .

شجعت ابتسامتها تلك أقدامهم الصغيرة للتحرك بخطوات وجلة

بطيئة نحوها , كانت أول مخلوقات صغيرة تراها هنا منذ دخولها

أراضي الحالك , بل أول نظرات بريئة وابتسامات صافية نقية

فهي لم ترى أحدا غير ساكني ذاك المنزل وعيني تلك العمة الطيبة

وقد ارتسم الحزن وأمور كثيرة تجهلها في معالمها حتى حول


نظرتها لشيء يشبه الانكسار الذي تعجز السنين عن مداواته .

وصلن عندها يلتفتن للخلف كل حين وقد عادت إحداهن راكضة

بعدما يئست من محاولاتها لثنيهن عن التقدم والعودة معها ووصلتا

الأخيرتين حتى وقفتا أمامها وجمعت عسلية العينين كفيها أمام فمها

الصغير الزهري وقالت بدهشة براءة وعينيها تتوهج لمعانا

محدقة بالجالسة أمامها " كم أنتي جميلة !! "

لتزداد ابتسامتها وتشتد حربها مع الدموع التي كانت تخوضها

مع عينيها من أيام كي لا تبكي وتنحب وتنكسر ويظهر ضعفها

أمام أي شخص هنا , مسحت أسفل عينيها بظهر كفها بقوة

وقالت ببحة " ما أسمك يا جميلة ؟ "

لتنفرج شفتاها الصغيرة بابتسامة واسعة وكأن معجزة ما حدثت

بتحدثها معها وقالت من فورها " ماريه ... اسمي ماريه

هل أنتي حقا زوجة الزعيم مطر ؟ "

لتموت تلك الابتسامة على أعتاب شفتيها وينحرها ذاك الحزن

الذي خيم على ملامحها حين ذكرتها بواقع مرير لم تنساه أبدا

كانت تتمنى أن تجد لها إجابة غير الحقيقة بل وتنتظر معجزة ما

لتغير كل هذا فيبقى ثمة بصيص نور في النفق الطويل المظلم

لكن تلك السيدة أنقدتها من ثقل تلك الإجابة حين دخلت ولوحت

بيدها محدثة لهن بسخط " أخرجا هيا من سمح لكما بالدخول

يا مشاغبات "

لتتراكض خطواتهما متراقصة مع نغمات ضحكاتهم الصغيرة

ودخلت المرأة الأخرى ضاحكة على ركضهن ثم توجهتا نحوها

وأوقفتها إحداهما لتسقط قطعة القماش للأرض كاشفة عن فستانها

القصير بحريره الأبيض ونظرت لما انكشف من فخذيها وحاولت

سحبه قليل بيديها رغم أنه لم يكن ضيقا لينشد للأسفل لكنها لم تعتد

يوما على مثل هذا القصر في الملابس ، ورغم ملمسه الناعم كانت

تشعر به كالأشواك على بشرتها الرقيقة منذ أدركت أنه جزء من

ثوب العروس الرسمي لديهم ولن تنزعه قبل ذهابها من هنا .

نقلت نظرها للتي انحنت لصندوق آخر وفتحته وأخرجت منه ثوبا

لو كانت في ظروف أخرى لأبدت انبهارها الشديد به ، وكان

عبارة عن القطعة الملحقة بالتي تلبسها الآن , كان كعباءة طويلة

بأكمام طويلة وتأخذ الشكل القمعي عند فتحتها بينما تضيق جهة

الذراع وكان مكونا من طبقتين السفلية من الحرير الأبيض السميك

والعلوية عبارة عن شيفون نيلي اللون فاتح يكاد يكون ببياض الحرير

تحته , مطرز باليد بعناية بنقوش تشبه تلك التي تحف فستانها الذي

ترديه لكن هذه أكثر سمكا وأعرض من النقوش البسيطة تلك .

ألبستاها إياه بحذر منصاعة دون أن تسأل أو تتحدث فآخر ما تريده

أن يعلم الناس هنا أنها مجبرة على كل هذا فلا تريد لأحد أن يفرح

بانتصاره على والدها شراع ولا ذاك الرجل نفسه والمدعو

(مطر شاهين )
ما أن انسدلت تلك العباءة على جسدها حتى اكتشفت أكثر روعتها

وفخامتها وكيف أنها سترت جسدها بالكامل وحتى حناء يديها اختفت

تحت كميها واسعا الفتحتين ، وقفت إحدى المرأتين أمامها تتأكد من

المشابك الكريستالية البسيطة الممتدة على طولها من الأمام لتكتشف

حينها أنها تشبه الأزرار لتلك العباءة وحارت لما ألبسوها لها من

الرأس دون فتحها ! فسبقت تلك المرأة أفكارها وهي تقول بعدما

استوت واقفة وتأكدت من أنها مقفلة تماما " حاذري من أن

تنفتح أو تفتحيها أنتي "

تبعتها بنظراتها المستغربة حيث تابعت تلك وهي تعدل لها ياقتها

ونظرها على ما تفعل " لا ينزعها إلا الزوج , تلك هي أعرافنا

وأضنك تجهلينها "

أرجفت تلك الكلمات جسدها بوضوح شعرت به في كل جزء منه

ولم يكن سببه تلميحها الأول منذ وجودها هنا صباحا بأنها ليست من

هذه الأرض ولا تعرف شيئا عنها بل بسبب ..... ! أغمضت عينيها

بقوة وشدت بقبضتها على طرف القماش وعقلها يترجم معنى أن ذاك

الرجل وحده من يحق له نزعها من عليها ، ولعبت الطبول بضربات

قلبها وهي تدرك سبب ذاك الفستان القصير وأنها ستقف أمامه به

فتحت عينيها سريعا حين شعرت بإحداهما تسحب شيئا ما على رأسها

ووجهها لتكتشف أنه جزء من تلك العباءة موصولا بظهرها محاطا

بالنقوش أيضا وقد غطى كامل وجهها وصدرها وكتفيها في قصة

دائرية تشبه القبعة الكبيرة وليست بقبعة في الوقت ذاته لأن الأرض

تحتها بقت مكشوفة لها وأدركت ذلك ما أن شعرت بيد على ظهرها

والأخرى تمسك بيدها تحثانها على السير وصوت المرأة السمحة

بشوشة الوجه بينهما قائلة " هيا فسنخرج الآن سيدتي "

وسقطت حينها الدمعة التي كانت تكابدها منذ أيام فتلك الكلمات كان

وقعه عليها أكبر من أن تتحمله ومن أن تقاومه دموعها فمنذ الصباح

كانت تناديها بآنستي كلما لزم الأمر وتغير الكلمة الآن علمت أن له

معنا واحد أنها أصبحت زوجة لذاك الرجل , حقيقة لم يقنعها بها

لا ما مرت به خلال الأيام الماضية ولا وجودها هنا طوال النهار

كمن يعيش تمثيلية ستنتهي في أي وقت وكانت كلماتها تلك

كانقشاع لذاك الضباب لتنجلي لها الحقيقة التي كانت

تحاول تجاهلها منذ وقت .


*

*


حركت يديها وساعديها الصغيران الأبيضان المدوران أمام نحول

جسدها وقد احتضن كل واحد منهما سوار أصفر دائري وهي لا

تتوقف عن التحدث للجالسة على السرير أمامها تبتسم لها بحب

مستمعة لحديثها تحكي لها عن حوراء وأنها من أعطاهم الأساور

هي وابنتي عمها الثالث ثم ضمت يديها لصدرها وقالت بابتسامة

واسعة وسعادة وقد عادت لموضوعها الأول والأساسي

" ما أجملها عمتي لو أنك رأيتها فقط "

ثم عادت تصف بيديها قائلة " شعرها هكذا طويييل وأسسود "

ثم أمسكت وجهها بيديها وقالت " ووجهها عمتي هكذا ... إنه ... "

وحين عجز لسانها المبهور عن الوصف قفزت وقالت " ما أجملها

لم أرى واحدة بجمالها أبدا , وقالت لي أني جميلة تصوري ! "

فضحكت الجالسة هناك ومدت يدها لها قائلة " وأنتي جميلة

فعلا وستكبرين وتصبحين أجمل "

ركضت ناحيتها وصعدت السرير ونامت برأسها الصغير على

صدرها تمسح لها على شعرها البني الناعم فأغمضت عينيها

العسلية الواسعة وقالت بحالمية " حين أكبر أريد أن أصبح

مثلها وأن يتزوجني الزعيم مطر "

لتخرج حينها الضحكة الساخرة من الجالس جانبا ولم يشارك في

الحديث منذ البداية كعادته فنظرت جهته بعين واحدة مفتوحة

وهمست " انظري عمتي إنه يسخر مني مجددا "

مسحت على شعرها بحنان وقالت " لا تكترثي له , هذه

أحلامك أنتي لا أحد له بها دخل "

ابتعدت عنها وجلست معتدلة وقالت ناظرة لها بحيرة

" كيف هي من صنوان وتزوجها هنا ؟!! "

تنهدت وقالت " لا أعلم بنيتي ولا أحد يعرف إلا أن

العروس ابنة شراع صنوان "

وضعت أصبعها الصغير على فمها ونظرت للأعلى قليلا بتفكير

ثم نظرت لها وقالت مبتسمة " لابد وأنها فعلت كما فعل عمي

شاهر حين خرج من الهازان وجاء هنا وتزوجك "

لم تستطع تلك إمساك ضحكتها وقالت " يالا مخيلتك ماريه !! ما

الذي سيدخلها هنا ومنزلها يبعد عنا أميالا كثيرة ؟ "

خرج حينها المتكئ فوق السرير الآخر ينظر للسقف فقط من صمته

وقال ببرود " غبية وستدفع الثمن غاليا تلك الحمقاء "

نظرت له والدته بحزن وقالت " قد يكون يريدها وتزوجها

لما تكون غبية ؟ "

ابتسم بسخرية ولم يعلق ولسان حاله يقول ( لن يرحمها أحد وهي

ابنة صنوان وليست منهم ) ووالدته تفهم صمته ذاك وكلامه جيدا

وقد يئست تماما من أن يغير فكرة أنه ليس من هنا وأنها أخطئت

في زواجها من والده ، قفز من السرير على طوله حين علا صوت

المغرب مخترقا غرفتهم الصغيرة وخرج ويديه في جيوب بنطاله

متمسكا بصمته وبروده قاصدا المسجد القريب منهم كما علمه والده

وحرصت عليه والدته من بعده ، ما أن توارى عن نظرها نظرت

للجالسة معها على السرير ونظرها كان أيضا على الباب الذي

خرج منه للتو ثم نظرت لها وقالت بحيرة " لما هو

غاضب لأن الزعيم مطر تزوجها !! "

تنهدت بحزن عميق وقالت ماسحة على وجهها " اتركينا منه

الآن وأخبريني لماذا غبت عني الأسبوع الماضي , هل كنت

مريضة ؟ "

هزت رأسها الصغير نفيا وقالت بعبوس " كنت غاضبة من تيم "

خرجت ضحكتها متقطعة بسبب تنفسها فضمت يدها أما شفتيها

وسعلت قليلا ثم قالت " لم أعرف قلبك قويا علينا هكذا ماريه ! "

أبعدت غرتها من أمام عينها بيدها الصغيرة وقالت مبتسمة

" بلى خاصمته حتى وعدني وتصالحنا "

ثم نظرت لساعدها ولسوارها الأصفر اللامع وقالت بعبوس قبل

أن تترك المجال للجالسة أمامها أن تستفسر عن ذاك الوعد

" حتى أنه لم يقل لي أن أساوري جميلة رغم أنه أول

من أريته إياها "

خرجت ضحكة صغيرة من الجالسة أمامها وقالت مبتسمة

" لا تتأملي من الرجال كثيرا يا ابنتي خاصة من نوع هذا

الغاضب دائما فسيكون رجلا متعبا جدا لك "

عادت علامات الاستفهام للدوران فوق رأسها فابتسمت لها

وقالت " هيا ناولني ثوب الصلاة لأصلي فتيم يبدوا اعتمد

عليك ولم يحظره لي "

نزلت من السرير من فورها قائلة " أجل وسأحضر

ثوبي أيضا ونصلي معا هنا "


*

*

تنهد بأسى ونظره لازال معلقا بالأفق البعيد وهو ينسلخ من حمرته

للابيضاض ليدخل آخر مراحل شفق هذا اليوم ، منذ عاد من الصلاة

وهذا هو مكانه عند أحد نوافذ وسط الطابق الأرضي من منزله وقد

غطى الوجوم على ملامحه مظهرا تلك الخطوط حول فمه وعينيه

لا يعرف بما يصف حاله في تلك اللحظة وما يجب فعله ليرتاح

قلبه الذي يعتصر ألما منذ ساعات النهار الأولى .

نظر جانبا حين شعر بكف يد أحدهم على كتفه لتلتقي عيناه بالعينين

التي لم يخفى عنه احمرارهما من البكاء الذي لم يشهده أحد ثم عاد

بنظره للأفق البعيد فوصله صوتها المنخفض قائلة بحزن

" هذا لن يجدي في شيء يا شراع ، انظر لصحتك

كيف أصبحت تتردى منذ .... "

ولم تستطع متابعة حديثها وقول تلك الكلمات التي ستذكره بالحقيقة

التي لم ينساها أحد في ذاك المنزل ، تنهدت بعجز وقالت بهدوء

" ما كان بوسعك فعل شيء يا أخي وغسق تعلم ذاك جيد و .... "

قاطعها بحزن " أصبحت زوجته اليوم وأنا واقف أتفرج يا جويرية

حتى أني لست من وقّع عقد زواجها ولا سلمتها لزوجها بنفسي

خذلت والدتها بي وخذلتها هي أيضا وانتهى كل شيء "

نزلت بيدها من كتفه ليده وشدت عليها بقوة وقالت بجدية ونظرها

لازال معلقا بجانب وجهه " اللوم لا يقع عليك يا شراع ، والدتها

أوصت أن تزوجوها لأحد رجال قبيلتها وحدث وإن رغما عن

الجميع وغسق لن تلقي باللوم عليك أبدا وأنت أكثر من يعرف

مدى حبها لك ، وليست بالفتاة الغبية التي قد يفوتها

أن تحلل الأمور وتفهمها جيدا "

قال مركزا على نقطة واحدة من حديثها وكأنه لم يسمع بقيته

" قالت لي زوّجها من قبيلتها لكنها لم تقل ابن شاهين بل

طلبت أن لا يصل خبر المولود له "

مسحت على ذراعه بيدها الأخرى وقالت تجاهد عبرتها من

الخروج " تمنى لها السعادة يا أخي فلو لوم النفس يجدي شيئا

لعادت من كثرة ما لمت نفسي ولازلت أعض أصابعي

ندما حتى اللحظة "

تنهد بأسى وأنزل رأسه ونظره للأسفل فمسحت الواقفة بجانبه

عينيها قبل أن تخونها دموعها أمامه وتزيده على ما به وقالت

" هل كان وقع الخبر على مجلس كبار القبائل سيئا ؟ أرى

غمك يفوق واقع زواجها منه ! "

قال ورأسه لازال مطأطأ للأسفل وكأنه يفرغ ما به " البعض شجعوا

الأمر ظناً منهم أني ضحيت بها من أجل المهادنة ومصلحة صنوان

جميعها وهم يجهلون حقيقة أنه لم يراهن بالمهادنة أبدا ، والبعض

ضنوا أنه حاصرني بالمهادنة وأراد أخذها ليجعلها نقطة ضعف لي

وغفلوا عن أنه آخر رجل قد يفعلها , فإن اتخذها فعلا كورقة ضغط

يشهرها كلما ادعت الحاجة سيكون أظهر ضعفا بذلك فالضعفاء

فقط من ينهجون ذاك المنهاج المخزي وهو أبعد من أن

يضع نفسه في ذاك الموضع "

رفع نظره للنافدة مجددا وتابع " أبناء أخوالها أمسكوهم بالقوة

يريدون الإغارة عليهم واستردادها وإن كان المقابل حربا ولا

يعلمون أنهم بذلك يخدمونه خدمة العمر بعدما وضع ذاك القانون

بأن يأخذ مقابل كل قتيل من رجاله مساحة شاسعة من حقولنا خلف

الحدود ، ذاك الرجل درس كل شيء قبل أن يقدم على أي خطوة .

لقد حاصرنا حتى أشقائها عرف كيف يكبلهم بتلك النقطة التي ضن

الجميع أنها بادرة خير منه وتخدم مصلحتنا جميعا بينما هي تخدم

مصالحه وحده ولن يتجرأ أحد على مس رجل من رجاله

لأنه الكاسب الوحيد حينها "

ثم قبض يده بقوة وقد أظلمت نظرته بأسى شديد وهمس من

بين أسنانه " سحقا له ، له عقل ثعلب وقلب أسد ومناورة

نمر , لقد هزمني في لحظة دون حتى قتال "

نظرت له بتوجس وقالت " وما كان وقع ذلك على الحالك ؟ "

هز رأسه نفيا وقال " أنتي تعلمي أن الأخبار منقطعة عن بعضنا

منذ ولدنا في هذه البلاد سوا ما يتسرب عن الحروب والموت

والقنوات الإخبارية لم يتحدث فيها أحد منهم عن تحليله للسبب

جميعهم يتحدثون عن انتصاراته وخططه وأفكاره وكأنهم

راضين تماما عما فعل ويثقون به حد أن يضنوا أنه

استغل زواجه بها لصالحه وصالحهم "

ثم أردف بسخرية مؤلمة " البعض هنا ممن علموا عن وجود

غسق في توز من فترة بدئوا يتناقلون الشائعات بأنها تجولت

في الحقول وأنه رآها عند الحدود وافتتن بها ولم يستطع

مقاومتها فتحايل بالمهادنة كي يتزوجها رغما عنا "

ضربت كفيها ببعض هازة رأسها بأسى وقالت " ولما تزوجها إذا

إن كانت جميع تخميناتنا عن السبب مستحيلة وإن كان لن يجلب

له هذا الزواج إلا القيل والقال وهو يدرك ذلك جيدا بالتأكيد ؟؟ "

ابتسم حينها بسخرية معلقا " اتركي الأيام تخبرنا كما لمح

هو يا جويرية "

تنهدت بعجز وتمتمت مغادرة من عنده " بت أنا الآن التي تتمنى

أن يتحقق باقي رؤيا قطاط ذاك وأن تكون رؤيا فعلا لعل هزيمته

النكراء تكون على يد امرأة منهم ونصفها من صنوان أيضا "

وغابت بعيدا بكلماتها التي لا يسمعها أحد سواها تاركة إياه خلفها

ولازال نظره معانقا ذاك الأفق وصورة تلك الطفلة التي رباها

على يديه حتى كبرت لا تفارقه لحظة , ولولا شرط المهادنة

ذاك ومصلحة قبائلهم ما توانى لحظة عن الهجوم عليهم

فإما أن يعيدها أو أن يموت دون ذلك .


*

*

أرّقها كثرة تقلبه في السرير بل ومفارقة النوم لعينيه مما جعلها

تسهد أيضا فجلست أخيرا ونظرت لساعة هاتفها التي كانت تشير

لدنوا وقت الفجر لديهم فوضعت الهاتف ونظرت لظهره الذي

يوليه لها وقالت بهدوء " سلطان ما بك ؟ "

فاكتفى بالتنهد دون أن يجيب ، هي الأقرب إليه من بين زوجاته

الثلاثة بل هي الأفضل خلقا بينهن ولولا جنون والده بزيادة عدد

أحفاده ما تزوج غيرها بعد زوجته المتوفاة أم وقاص ، وليلته معها

تعد الليلة الساكنة الهادئة الوحيدة التي ينام فيها دون أن يسمع سيلا

من الشكاوي ألا مبررة ولا منطقية , لكنه الليلة ما كان ليرتاح ولا

لينام حتى هنا معها ، طال صمته ولاحظ أنها لازالت جالسة تنتظر

جوابه فهمس بصوت عميق كئيب " لا شيء يا رقية

نامي ولا تشغلي بالك "

لنور الخفيف بجانبها ونظرت له مجددا قائلة " كيف ا أضاءت

لا شيء وأنت لم تنم رغم شدة تعبك ! وتتقلب طوال الوقت

وكأنك تنام على الجمر "

همس مجددا وببرود " لن يعنيك ذلك حتى لو أخبرتك فنامي "

هزت رأسها بيأس منه وقالت " الهازان في الموضوع إذا ؟

هل أغار ابن شاهين على مدن جديدة ؟ "

لاذ بالصمت ولم يعلق فتأففت وقالت " سلطان إن أخبرك

أحدهم أني بلا قلب مطلقا فقد أخطأ "

قال ولازال موليا ظهره لها " وأنكري أنك تبتهجين بما يحدث

لهم هناك ؟ واطمئني فابن شاهين لم يغر عليهم ومن أين

سيجد لهم وقتا وزواجه الليلة "

قالت بضيق " ما أصاب عائلتي سببه ابن راكان هازان وقبيلة

كنعان وليس الهازان جميعها فلا تقسو عليا في حكمك وضع نفسك

مكاني وقبيلتك تسلم والدك وأخوتك وأبناء أعمامك لابن راكان بدم

بارد ليقتلوهم جهارا أمام العلن بتهمة هم أبعد عن التفكير فيها "

اكتفى بالصمت ولم يعلق فهزت رأسها بيأس وقالت

" حسنا أخبرني ما يؤرقك على الأقل ؟ "

قال هاربا من استجوابها " ابن خالي توفي في اقتتال بين

مجموعة , كانت رصاصة طائشة "

فتنهدت بحزن متمتمة بالدعاء له بالرحمة وما تجهله أنه توفي

منذ يومين وما كان ليفعل فيه ذاك الخبر ما يحدث معه الآن

وضع إحدى الوسائد على رأسه ممسكا لها يعصرها بقبضته

بقوة وهمس بخفوت من بين أسنانه " سحقا لسياستك يا

ابن راكان "


*

*

وبينما كانت قوات الحالك تقف عند أقرب نقطة من حدود خماصة

داخل الهازان كانت الخيام المنصوبة في وسط حوران تعج بأصوات

الرجال والطعام وركض الأطفال وقد نصبت غيرها وبعيدا قليلا عنها

واحدة كبيرة من أجل النساء , والجميع كان مدعوا تلك الليلة والجميع

مبتهج سواء من أيد ذاك الزواج ومن رفضه ومن تحفظ بشأنه , أما

ذاك المنزل الواسع وحسب الأوامر فقد اكتفوا بتنظيفه وتعطيره

وإخلائه من الجميع كما طلب منهم .

التفت برأسه ونظر من فوق كتفه لأحد أقرب رجاله حين أمسك كتفه

بيده وكان ممن اختاروا أن يكونوا معه الليلة وترك مثله جبهة القتال

قال له مبتسما " لما لا تترك عنك هذا الهاتف واعتمد عليهم فعمك

اقترب بالعروس من حوران وسيدخلون المدينة قريبا "

التفت له بجسده ووقف مقابلا له وأعاد الهاتف على أذنه مجددا

وقال لمن في الطرف الآخر " صلني ببشر حالا "

فابتسم المقابل له هازا رأسه بيأس منه وتمتم هامسا

" من الخطأ اختيارهم هذه الليلة لشن ذاك الهجوم "

وما أن أنهى كلامه حتى رن هاتفه فرفعه لأذنه واستمع لمن في

الطرف الآخر دون أن يجيب ثم عاد ووضعه في جيبه ومد يده

للهاتف الذي على أذن الواقف أمامه وسحبه من يده قائلا بابتسامة

" السيارات دخلت حوران ورجال المدينة جميعهم خرجوا فهيا

لنزفك وعروسك واترك عنك هذا الهاتف الليلة فلن أعطيه لك

قبل الصباح "

تركه يأخذه منه دون أن يعلق بشيء وتحرك أمامه جهة الخيام

المصفوفة وقد هب كل من كان فيها واقفا في الخارج ما أن سمعوا

باقتراب السيارات التي جاءت بالعروس من جهة الحدود حيث أنه

وحسب ظن الجميع أنها دخلت من توز في صنوان لقرية حجور

الحدودية لديهم فجر اليوم , وكما يتوقع الجميع فهم يعزون أن جميع

أفعال زعيمهم وقراراته لا يتخذها إلا لأنها تخدم مصالحهم ومستقبلهم

خاصة أنه لم يفصح عن السبب وراء كل هذا , ولأنها ليست عادته

أساسا , ولأنهم أعلم بغيرهم عن مدى تجلده اتجاه كل ما يخص النساء

ومنذ صغره وحتى حين صار فتيا رجحوا أن السبب تكتيك حربي وإن

على المدى البعيد وأعدوها صفقة حرب ناجحة وكأن كل فرد منهم

لا يريد أن يضع ذاك الزعيم موضعا أقل مما يرونه فيه ويلتمسوا

له الأعذار وإن لم يقدمها بنفسه ولم يهتم .

ودخلت السيارات العشرة شوارع حوران بأصوات أبواقها العالية

وأضواءها المتغيرة في ظلمة تلك الشوارع التي لا يزينها سوى الأضواء

الخفيفة للمنازل ليقف من لم يحظر هناك متفرجا من باب أو نافذة منزله

وتلك السيارات تعبر ببطء وكأنها ترقص فوق تلك الأرصفة على لحن

أبواقها حتى اقتربوا من تلك الخيام التي نصبت قريبا من منزل زعيمهم

وقد اصطف الرجال واقفين خارجها بمختلف أعمارهم يراقبون صاحب

الخطوات الواثقة الثابتة وهو يتوجه جهة السيارات التي لاحت لهم من

بعيد متقدمة نحوهم ببطء وثلاثة من أقرب رجاله يسيرون خلفه مثل ظله

خطواتهم تتسم أيضا بتك القوة والثقة ورغم ذلك لازال هو صاحب الهيبة

الأقوى والحركة الأشد ثقة وقد احتضن جسده القوي الصلب تلك البذلة

العاجية التي تميزه عن غيره في هذا اليوم وهو الزي الخاص بالزوج

لديهم بسترته المخصرة الطويلة بعض الشيء منقوشة الأطراف بطابع

رجولي فخم وباللون الأزرق الفاتح , قد عكس بياضها على لون شعره

الأسود اللامع ولحيته المشذبة بعناية وبياض عنقه وعظمة ترقوته التي

قد لفحها حر الشمس معطيا لها لونا متناغما مع شخصيته وصلابته

يسير وهم خلفه لتنقشع تماما صورة ذاك الزعيم وهو يتقدم من سيارة

عروسه في ليلة زواجه وحيدا لا أب لا أخوة لا أعمام ولا أبنائهم

ولا حتى جد , وقفوا أربعتهم دون أن يلحق بهم أحد ما أن وقفت

السيارات تتقدمهم سيارة عمه صقر الذي فتح بابها ونزل منه ونظر

لابن شقيقه مبتسما وقد سقط نظر المقابل له فورا على الجالسة في

الكرسي الخلفي لا يظهر منها شيء سوا الثوب الذي تلبسه مظهرا

هيئة جسدها الأنثوي وكان واضحا إنزالها لرأسها للأسفل من هيئة

جلوسها وإن كانت مستقيمة الظهر , ركز نظره على يديها وقد خانته

توقعاته فلم تكن تقبض أصابعها ببعض بقوة ولا تقبض على قماش

ثوبها بتوتر وخوف بل كانتا مفرودتان على فخذيها لاحظ ذلك واضحا

بانكشاف إحداهما من تحت كميها الطويلان وقد ظهرت أصابعها البيضاء

تزينها أزهار الحناء بلونها الأحمر الغامق في تناسق غريب بينهما , ولم

يفهم أهو مكابرة منها في هذا الوضع الذي تتوتر فيه أي فتاة وتخاف أم

أنها فعلا لا تأبه بشيء !! رفع نظره منها لعمه الواقف في الجانب الآخر

من السيارة ثم رفع يده في إشارة فهمها من حوله على الفور فتراجع

رجاله الثلاثة للخلف في خطوة واحدة وتراجعت معهم تلك السيارات

مسافة تكفي لإدخال سيارتين بينهم وتقدم حينها المسافة التي

كانت تفصله عن السيارة ومد يده للباب الخلفي وفتحه


المخرج ~

بقلم الغالية : انجوانا


على لسان جبران

قلبي بحبك يتغنى ....والان انكسر
من يجبر ذلك ويشفي جرحي ويعالج الضرر..
حلمت بكِ ليالي عمري والدهر . . ..
والان بعد كل شي بدات افقدك فهل من صبر ...
انصفوني من كل هذا يابشر.....
قلبي تحطم وانتهى الامر ....
مالي قدره للتحمل او الصبر ...
اعيدو بلسم روحي قبل ان انتحر ..
هكذا بكل بساطه يأتي غيري وينتصر
اريدك انتي لا غيرك من البشر .....
انا جبران وهو مطر ...من المنتصر . .

******

نهاية الفصل

موعدنا القادم مساء الأربعاء إن شاء الله



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:14 AM   #695

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



جنون المطر (( الجزء الأول ))

الفصل السابع عشر


المدخل ~

بقلم الغالية : همس الريح

وجعي انا وجع طفل تركته امه
و وقف في وسط الطريق
وجعي انا وجع الثكالي
حين يفقدن الرفيق
وجعي انا وجع الرجال
حين بجوفهم يشتعل الحريق
وجعي انا وجع وجع
لا مثله الم و لا حزن عميق
انا احبك يا غسق
و الان فرقنا الطريق
هل للدروب من التقاء
رفقا باحساسي الرقيق
ايا ابن شاهين هل
رايتها فهويت مبسمها الدقيق ؟؟
ام هل سمعت حديثها
الاحلي من عذب الرحيق
الاكيد انني ميت
بيد العدا و يد الصديق


جبران .....يا وجع الحب حين يفقد حبيبه

******


كانت الطريق بالنسبة لها أطول من رحلة مغادرتهم فجرا ليس

لأن الليل باغتهم وهم يسيرون بسرعة فوق تلك الطرق المعبدة

ولا لأن الجلوس هناك طوال النهار أرهقها بل لأنها غادرت وهي

تشعر بأنها نفسها بأنها حرة وابنة شراع وعادت وهي ملك لذلك

الرجل اسمها مرتبط بسمه وشعرت بالفعل أنها لم تعد تلك ولم تعد

ملك نفسها , كل ذاك الشعور وتلك الأحاسيس المتضاربة التي كانت

تعصف بها طوال تلك الرحلة جعلت مشاعرها تتحجر , شعرت بالفعل

أن كل شيء فيها مات حتى توترها ورهبتها من ذاك الرجل لم تشعر

بهم حين وقفت السيارة وعلمت أنهم وصلوا , وما أن انفتح باب السيارة

بجانبها ووصلتها رائحة العطر تلك ذاتها التي لازالت مختزنة في ذاكرتها

منذ ذاك اليوم حين أصيبت وغابت عن الوعي , ظنت للحظة أن قلبها سيقفز

من مكانه أنها ستتوتر وتخاف لكنها حقا لم تشعر بشيء حتى أنها هي نفسها

استغربت ذلك ! كان كل شيء يسير على تلك الوتيرة وكانت راضية

عن نفسها تماما حتى انتفض جسدها بقوة حين شعرت بملمس أصابعه

على أصابعها التي انكشفت من كمها دون أن تنتبه لها , تلك الأصابع

الدافئة أمام البرد الذي تشعر به , وسرعان ما تحولت تلك اللمسة الخفيفة

لالتفاف لتلك الأصابع الطويلة القوية حول أصابعها الرقيقة ممسكة بها بكل

تملك وقد أصبحت يدها ترتفع مع شده البطيء لها وعيناه تراقبان بتركيز

أي رد فعل ينجم عنها حتى أن تشدها منه بقوة وتغلق باب السيارة على

نفسها لتضعه في موقف سيء أمام الجميع هناك وإن كان أبعدهم عنهما

قليلا , لكن شيء من ذلك لم يحدث وهي تنحني فورا خارجة من السيارة

منصاعة لشده لها ليظهر شبح ابتسامة على طرف فمه الصلب القاسي

تشبه تماما ابتسامة انتصاره في إحدى معاركه وهو يراها تنقذ نفسها

من عقابه حال فكرت أن تتهور بأي فعل يتوقعه , وما استطاع أن يقرأه

فورا من تصرفها المذعن ذاك أنه ليس من أجل نفسها ولا خوفا منه

بل من أجل والدها فقط ليعترف لنفسه بأنها أذكى بكثير مما كان يتوقع

فيما حاولت هي أن تتمسك بباقي ما بقي لها من قوة وأن تمنع جسدها

من الارتجاف وهي تشعر بأصابعه تلتف متخللة أصابعها لتقبض على

كفها بكل تملك مخفيا ظهره المنقوش بالحناء عن الأنظار في جانب

جسده وسار بها جهة منزله وحيث تلك الخيام الكبيرة المنصوبة وتبعه

على الفور عمه حتى كان سائرا بجانبه وخلفه رجاله ومن نزلوا من

تلك السيارات التسع ليبدأ مهرجان إطلاق النار من رشاشات الواقفين

عند الخيام يملأ الأجواء وهم يراقبون اقتراب زعيمهم معلنين ابتهاجهم

بهذه الليلة وموافقتهم على ما قرر وفعل فشعر حينها بارتجاف يدها القوي

وقد قبضت على كفه بقوة دون شعور منها وهي التي تعمدت أن ترخي

من قبضتها , فهي لم تعتد هذا فسماع مثل هذه الأصوات يكون بعيدا

دائما خاصة بعدما منعوا في صنوان استخدامه في حفلات الزواج

بسبب الإصابات المتكررة في الناس من رصاصهم الطائش

قبض على كفها أكثر وهو يرفع يده ملتقطا السلاح الرشاش الذي رماه

له أحدهم ما أن وصلوا لجموع الرجال المصطفة ورفعه في مستوى كتفه

بيد واحدة بعدما توقفوا جميعهم وأنزلوا أسلحتهم فضغط على الزناد لتنطلق

تلك الرصاصات متتالية وسط صراخ الواقفين كمن انتصر في حرب

ضروس , وكان وقع ذلك على قلب السائرة بجانبه أكبر من أن تتحمله
والصوت أصبح في رأسها وأذنيها فارتفعت يدها الأخرى وقبضت بها

على كم سترته بقوة ولم يعد لديها أي تحكم بتصرفاتها وهي من كانت

تحاول جاهدة أن تتمسك بثباتها , وما أن شعر بيدها نظر فورا تحته

ليجدها تمسكت بذراعه بقوة وخوف فأبعد أصبعه وتوقف سيل تلك

الرصاصات الهادر قبل أن يفرغ المخزن كاملا كما يفعل أي رجل

لديهم في ليلة زواجه , ثم رماه من فوره ليلتقطه أول من وصل إليه

وارتخت قبضتها عن كم سترتها حتى أبعدت يدها سريعا وجسدها

الذي لاحظت أنه أصبح ملتصقا بجانب جسده وهي تعض شفتها بقوة

وإحراج ولا شيء تريده وقتها سوا البكاء , البكاء بشدة ونحيب

من كل ما يجري معها هناك


*

*

كان الليل الستار الأخير لهم لكنه لم يكن ستارا لأفعال غيرهم

فبعد مناوشات من بعيد بين قوات الحالك التي تمركزت في النقطة

الأقرب من حدود بلدة خماصة وبين رجال الهازان الذين تمركزوا

خلف حدودها بمسافة وبعدما لاحظ رجال ابن شاهين الثغره الكبيرة

بين صفوف خصومهم وضعف القيادة والتحكم بدأ التوجس يتسلل

بينهم فلم يكن قتالهم قتال جنود يغزوهم أحد مقتربا من حدودهم

ومحاولا اجتيازها , همس له وهما جاثيان على الأرض في أعلى

وأقرب نقطة وصلا إليها والمنظار في يده يراقبونهم من بعيد

" لا يبدوا لي الأمر طبيعيا انظر لحركتهم هناك !! "

قال الآخر بذات الهمس " لكنهم موجودين ولا خدعة تبدوا في الأمر

انزل فورا وأعلم السيد بشر بكل ما توصلنا له من مراقبتهم "

فزحف من فوره مبتعدا عنه حتى سمحت له الأرض الشبة منبسطة

بالوقوف دون أن يروه من تسللوا بالقرب منهم من دون أن يعلموا

ويكون مصيره القتل برصاصة لن تخطئه أبدا , وصل عند جنودهم

وبعد إشارتين من مصباحه اليدوي تأكدوا من أنه منهم فركض حتى

كان بينهم وقال لقائدهم الحالي وبنفس لاهث " لا فخاخ ظاهرة

وعددهم ليس بأكثر منا أبدا وصفوفهم غير منظمة أيضا "

نظر من فوره لباقي قادة المجموعات وكأنه يستشيرهم بصمت

عن الخطوة القادمة فقال أحدهم " لنبدأ بالإغارة عليهم لكن لن

نتسلل إلا بخطة محكمة كما كنا نفعل سابقا كي لا يكيدوا لنا "

هز الجميع رؤوسهم مؤيدين له فنظر بِشر للسماء فوقهم فورا وكأنه

يستجمع باقي أفكاره من رؤيا النجوم وهو يشعر اليوم فعلا بحجم

مسئولية أن تكون قائد القادة جميعهم وأن يكون الأمر بيدك وحدك

والنتائج أنت من ستتحمل تبعاتها حتى وإن بينك وبين نفسك فقط

ولن يلومك أحد , سار من بينهم متمتما بهمس " كم تحمل من

مسئولية على كتفك يا مطر يا ابن شاهين "

وتحرك الجميع حينها معطين فصائلهم الأوامر وترتيب سير الخطة

وخلال دقائق قليلة تقدمت دباباتهم وراجمات الصواريخ وبدأت

بضرب مواقع تجمعهم بعد نداء عال بمكبرات الصوت للتسليم سلما

أو إخلاء المدينة ولثلاث مرات متكررة ومتفرقة لم يصغوا لها

وفي وقت قصير أستغربه حتى رجالهم تراجعت تلك القوات بعد

محاولات بسيطة للدفاع وليس حتى الهجوم المضاد وتوقفت حينها

قواتهم على مداخل البلدة الشمالي حتى ينفذوا خطة التأكد من خلوها

منهم ومن أي فخاخ والتأكد من أنه لن تكون هناك أي التفافات منهم

*

*

وبعيدا عن تلك الأجواء المتوترة وأصوات المدافع كان الليل يمضي

ببطء شديد وسواد أقتم على أحدهم وهو يحترق بناره تحت أغطية

سريره في أحد مقرات الجنود لديهم هاربا من منزلهم وعائلته ومن كل

شيء حوله وهو يعيش كل ثانية من تلك الليلة يتخيل تلك الحبيبة مع

رجل آخر وهو الذي عاش يتمناها ويحلم بها ويحبها حبا يكبر معه كل

يوم منذ كانت طفلة تركض بينهم حتى كبرت وهو يعد الأيام والليالي

حتى انجلت لها حقيقة عائلتها ووافقت على أن ترتبط به لآخر العمر


ليأتي ذاك ويأخذها منه بكل بساطة وسهولة , لم يرى عدلا في كل ما

يجري ولم يرى ذاك الرجل يستحقها حتى إن كانت ابنة عمه وهو

الأولى بها وإن كان زعيما قويا وأخذها بالقوة رغما عن أنوفهم

لكم الوسادة بقبضته بقوة ولازال مختبئا تحت ذاك اللحاف يريد

أن يدمر كل شيء أن يحرق الأرض والسماء وأن يغير

واقعا يعلم أنه لن يغيره شيء ولا حتى الحرب .

" جبران انهض بسرعة "

خبأ رأسه في الوسادة أكثر رافضا النداء المستعجل الذي سمعه

من أحدهم في الغرفة فاقترب منه الآخر وسحب لحافه بقوة قائلا

بجزع " قم يا رجل الحالك هجمت على خماصة ودخلتها "

قفز حينها واقفا على طوله وصرخ به " تكذب !! كيف

يغيرون عليها وزعيمهم ليس معهم ؟ "

أشار له بإصبعه على الباب وقال " جاءنا اتصال الآن من حدودنا

مع الهازان وقد رأوا بأم أعينهم تقاذف القذائف بينهم وقد سقطت

كالمطر على خماصة ثم هدأ كل شيء فما معناه غير أنهم دخلوها "

دار جبران حول نفسه بتوتر وقال " المذياع , الأخبار ستكون تعج به "

خرج ذاك مسرعا وهو يقول " لم تبث الخبر أي قناة , الهازان

لم تنشر الخبر "

لبس حذائه بسرعة ولحق به راكضا متمتما " كيف لا تصدع

الهازان رؤوس الناس بخبر كهذا !! "

ثم ضرب الباب فاتحا له أكثر وخرج حيث الحديث الصاخب

هامسا من بين أسنانه " سحقا لذاك مريق الدماء "


*

*

وفي أجواء ذاك الليل الصاخب بالفرح في حوران حيث الاحتفال

في أوجه وبعد أن استقبلوا زعيمهم بالتهاني وهو يسير وسطهم

وما أن عبرا ذاك المكان مجتازين ذاك الحشد الكبير من الرجال

والأطفال ودخل بها الحديقة الواسعة تقلص عدد الموجدين برفقته

لعمه ورجاله الثلاثة فقط الذين ما أن أوصلوهما لباب المنزل حتى

التفت لهم محتضنا كتفيها بذراعه القوية فأشاروا له في حركة واحدة

بتحية عسكرية بأيديهم فقط مبتسمين فبادلهم تلك الابتسامة المداعبة

وغادروا من فورهم ولم يبقى سوا عمه الذي شد على كتفه بقوة

ثم ربت عليه قائلا بجدية ومركزا نظره على عينيه

" لا أوصيك عليها يا مطر "

وغادر بعد إيماءة الموافقة من رأس الذي تركه خلفه وقد استدار

بها فورا وأدخلها ولازالت يده تحضن كتفها بتملك تشعر به دون

أن تراه وقد غصت العبرة في حلقها ترفض أن تطلق لها العنان

وقد أثرت بها كلمات عمه التي أخذ بها مكان والدها الليلة فكل

ما فكرت فيه حينها أن هذا الرجل حرمها من أن تتزوج كغيرها

تزوجها مرغمة وكما يريد هو ويخطط ليتزوج الزواج الذي يليق

به وبمكانته كزعيم لقبائله وعوملت هي كنعجة تساق سوقا لمصيرها

وما أن أصبحا داخل المنزل حتى دخلت ضربات قلبها أولى مراحل

جنونها ورغم صراعها القوي مع نفسها لتتمسك بثباتها أكثر فقد بدأ

كل شيء يخونها ابتداء بكفيها اللذان تعرقا من شدة ما تقبضهما تحت

أكمام العباءة الطويلة متمسكة بصمتها لقدميها اللتان لم تعودا تحملانها

وكل ما تردد في عقلها حينها ( فلتهنأ بها يا ابن شاهين فقد

انهزم والدي وانتصرت أنت )

لكن الذي لازال يسير بها جهة السلالم الملاصق للباب لم يكن يعنيه

شيء من أفكارها تلك وهي تعلم ذلك جيدا , وقف فجأة وتوقفت

خطواتهما حين تذكر أمرا غفل عنه تماما , شيء وقّع عليه بنفسه

ولم يحققه ولن يحق له الصعود بها ما لم يتم وهو ... ( مهرها )

فقد وقع في العقد على أن يكون ما ستطلبه هي كما أخبر والدها

ولم يصله جوابها لا مع عمته ولا شقيقته والمهر شرط أساسي

لإكمال العقد , ولم يكلف نفسه عناء الاستدارة جهتها بل لفها

جهته بحركة رشيقة من ذراعه التي لازالت تحضن كتفيها

وتحركت هي مع حركته تلك بسرعة متماسكة بتوازنها ونجح

الأمر ولم تقع حتى أصبحت تقف أمامه مباشرة لا يفصلها عن

الالتصاق بجسده سوا نصف خطوة ورأسها لازال للأسفل وذاك

الجزء من العباءة يغطيه حتى نصف ذراعيها , لازالت تتمسك

بصمتها التام وانصياعها رغم أنهما ابتعدا عن أي أعين متطفلة

مد يده لذاك الغطاء ورفعه عن رأسها ببطء حتى كان أعلاه ثم

رماه للخلف لينكشف له حينها ذاك الشعر الأسود الحريري اللامع

وقد اختفى طوله تحت العباءة منسدلا على ما ظهر من كتفيها عبر

فتحة عنقها المستديرة الواسعة لتتناسب مع ذاك الغطاء , وقد تحركت

غرتها رغم انخفاض رأسها الشريد مع حركة الهواء المتسلل من الباب

خلفهما , مقصوصة بتدرج حرفي منابتها لا تظهر من كثرة كثافة

شعرها , ورغم أنه كان يحتاج لصوتها فقط ليسألها وتجيب ويعطيها

موافقته على ما أشارت من مال إلا أن أصابعه امتدت لما تحت تلك

الغرة التي تراقصت بعض خصلاتها كالريش مع دوران الهواء بين

جسديهما , وسرعان ما وصلت أطراف أصابعه لذقنها مرسلا بذلك

ارتعاشه في جسدها بأكمله شعر بها على الفور فأحكم إمساكه لذاك

الذقن الناعم الصغير وكأنه سينزلق من بينهم ورفع رأسها له للأعلى

في حركة واحدة حتى كان مرتفعا لأقصاه ليصبح مقابلا له تماما

فوقها يتفحصه ببطء وهي مغمضة العينين وقد علت خديها حمرة

سرعان ما التهبت كالدم الفاتر فوق الجليد , شفتيها الزهرية الرقيقة

بقيت محافظة على صلابتها ونعومتها رغم أن قلبها كان يحكي

قصصا أخرى من الجنون بضرباته المتسارعة لكنها تماسكت بعد

اقتتال عنيف بينها وبين حواسها وهي تقف أمام الرجل الذي لطالما

كانت ترهبه وتهابه وهو ليس أمامها فكيف بالآن ! وقد استحقت

حينها بالفعل أن تصفق لنفسها بحرارة على ذاك الدور المتقن الذي

أرسلت له به رسالة واضحة فهمها على الفور وهي تغمض عينيها

عنه بطريقة لم تعبر عن الخوف ولا عن الهروب والتوتر بل عن

الرفض التام للنظر له وهي تغمضهما عنه بهدوء تام دون حتى أن

تشد عليهما تاركة لذاك الكحل الأسود اللامع كل المجال ليصف

مدى اتساعهما مسدلة جفنيها على تلك الأحداق المهلكة بسوادها

واتساعها وقد لامست رموشها الكثيفة الطويلة أعلى وجنتيها

المرتفعتان تحكي حكاية خرافية عن الحسن , تاركة له المجال

ليتفرس ملامحها ببطء , المرأة التي احتل صيتها البلاد وتكرر

ذكرها حتى في وسط مجلسه حيث كبار رؤوس قبائله .

ولم يكن يعلم وقتها عن أظافرها التي كانت تخترق لحم كفيها من

قوة شدها لقبضتيها مفرغة فيهما كل انفعالاتها وتوترها وهي تشعر

بأنفاسه الدافئة الثابتة تلفح وجهها وقد التوى طرف فمه بابتسامة

متهكمة ولم يعد غرضه حينها سؤالها عن ذاك المهر بل كسر هذا

العناد والكبرياء اللذان عرفت ببراعة كيف ترميه بهما وما كانا

سيليقان بغيرها في مثل هذا الموقف , أجل ما كان له إلا أن

يعترف بذلك ولولا عنادها ذاك الذي أشغل عناده كالنار في

الفتيل لما ضمن دفاعاته التي تحولت لهشة في لمحة بصر .

حرك إبهامه ببطء معلنا بداية حربه مع تلك العينين ممررا له على

ذقنها تباعا نحو نهاية فكها وهو يختبر ملمس ذاك الشيء الذي لم

يختبره يوما ولم يعرفه , ولا يعلم عن حال التي تكاد تنصهر بسبب

لمسته تلك والأرض تتحول تحتها لهلام تكاد تنزلق فيه وهي تختبر

أيضا ذاك الشعور الذي لم تعرفه من لمسة أي رجل غيره حتى

جبران وجسدها يرسل ذبذبات غريبة عنها جعلت جفنيها يشتدا

بقوة وهي تغمضهما بشدة ومن دون شعور لتتسع ابتسامته الملتوية

وهو يترقب هزم عنادها الذي أدخلته به في حرب بأسلحة أنثوية

فتاكة ، وصل أصبعه لنهاية فكها حتى لامس شحمة أذنها ويده

تستشعر ملمس ذاك الشعر الحريري المحتضن لكتفيها , وما أن

نزل به لعنقها في خطوة يرى أنها الأخيرة التي سيهزمها بها

التفت التفاتة سريعة كالبرق للباب خلفه وقد التقطت أذنه صوتا

تأكد وقتها أنه حقيقة لارتداد خطوات أحدهم بعدما همّ بالدخول

فأبعد يده عنها ونظره ما يزال للخلف وتوجه هناك من فوره

واهبا لها أعظم فرصة لم تحلم بها وقتها وهي تسترجع أنفاسها

بقوة ويدها على صدرها وقد فتحت عينيها سريعا ونظرها على

ذاك الجسد الطويل بأكتافه العريضة مبتعدا عنها جهة الباب في

حركة سريعة ورشيقة ولا تفهم لما غادر وأين حتى ابتعد خارجا

وظهر له ظل الواقف في الخارج وبحركة سريعة وخاطفة كنمر

انقض على فريسته كانت ثيابه في قبضته وسحبه بسرعة بعيدا

جهة الإنارة الخارجية وغضن جبينه ما أن تبين ملامحه وترك

ثيابه هامسا باستغراب " ما بكم يا حيدر ؟ "

وهوا موقن تماما أن هذا الرجل لن يدخله هنا إلا أمر جلل ، عدل

ذاك ثيابه وتنفسه لازال يلهث بسبب ركضه وهمس أيضا " آسف

سيدي ظننت المنزل فارغا وكنت سأدخل وسطه وأناديك من الأسفل

لأن هاتفك عندي والسيد صقر اختفى ولم أجده وما كنت لأنزلك

في هذه الليلة لولا أن الأمر ... "

قاطعه بهمس حازم " انطق يا حيدر ما الذي حدث مع

الرجال في خماصة ؟ "

بلع ذاك ريقه وقال بصعوبة وشحوب " مصيبة سيدي "

ليتعكر سواد تلك العينين في غضب قاتم وشده من ياقته قائلا

" هل كادوا لهم ؟ هل كان فخا ؟ تكلم قبل أن أجهز عليك يا حيدر "

هز رأسه بلا ووجهه يزداد شحوبا وهمس " بل دخلوها وهم

متمركزين فيها الآن "

ترك ياقته بقوة وهمس بحدة " إذا ما هي المصيبة التي

تتحدث عنه ؟ "

مسح ذاك على عنقه وقال بصوت مهتز وقد اختفى الدم من وجهه

" وجدوا سبع عائلات مقتولة في منازلها ودمائهم لازالت تنزف "

ولم يشعر بنفسه إلا وهو قد طار في الجو واصطدم ظهره بالجدار

بقوة وعنقه في يد المقابل له وقال وهو يخنقه بشدة " من فعلها

يا حيدر تكلم ؟ هل ضربوا أوامري عرض الحائط ؟ "

سعل ذاك بقوة وروحه تكاد تخرج ولم يستطع الكلام فتركه وقد

انحنى مستندا بيديه على ركبتيه يحاول استرجاع أنفاسه ورأسه

للأسفل وقال بأنفاس متقطعة " الأمر مدبر سيدي وكانت

هذه هي مكيدتهم "

فركض حينها مطر من عنده بخطوات سريعة جهة باب المنزل

الخارجي مزمجرا من بين أسنانه " سحقا "

وركب سيارته أمام أنظار من بقي من الناس وغادر بسرعة

جنونية مثيرا الغبار حوله كالسحابة السوداء

*

*

تململت في جلستها وكأن ثمة كومة أشواك تحتها وهي تحاول

توزيع ابتسامات مغصوبة من حين لآخر في وجه الحاضرات

ممن قد ملئن تلك الخيمة الواسعة ، همست للجالسة بجانبها من

بين أسنانه مصطنعة ابتسامة صغيرة " لا يبدوا أن هؤلاء

النسوة يفكرن في المغادرة "

خرجت ضحكة صغيرة من عمتها وقالت ويدها على فمها

" ما بك ؟ ألست تريدين أن يتزوج شقيقك ! وما رأيك أن

تقفي وتطردي الناس ليدق لك عنقك "

تأففت هامسة بضيق " عمتي بالله عليك لا تزيديني على ما بي "

انحنت حينها إحدى خادماتهم وهمست لها شيئا في أذنها فنظرت

لها فوقها وقالت بصدمة " متى حدث ذلك !؟ "

قالت تلك من فورها " منذ قليل سيدتي وتبعته سيارات رجاله فورا "

وقفت حينها جوزاء من فورها ممسكة بفستانها الطويل ترفعه

بيديها وغادرت الخيمة جهة أقرب أبواب سور المنزل وكان

قريبا من مدخلها , دخلت مجتازة الحديقة حتى وصلت المنزل

متمنية أن يتحقق ما ترجوه وقد حدث فعلا ما أن دخلت ووجدت

التي وقفت من جلوسها على عتبات السلالم ما أن سمعت خطوات

تقترب من الباب وقد بقيت مكانها بعدما غادر وتركها دون حتى

أن يخبرها أو أن يدلها أين تذهب ولم يخرج لها أحد من المنزل

نظرت لها نظرة تخالط الانتصار مع الشماتة وابتسمت بسخرية

وهي تدقق على ملامحها الفاتنة التي زادها ذاك الكحل الأسود فتنة

لتلك العينين المبهرة وتلك الزينة المرتبطة بالعروس لديهم متمثلة

في النقاط البيضاء التي رسمتها لها تلك المرأة بحرفية أظهرتها

بصورة لم ترى لها مثيلا من قبل في غيرها وعلى امتداد سنوات

عمرها والعدد الكبير الذي رأته من النساء في مثل هذه الزينة وهذا

الثوب , ولم تتمنى لحظة أن يراها مطر إلا الآن قبل خروجه تاركا

لها هنا , اتسعت ابتسامتها الساخرة قائلة " مرحبا بالعروس ! لما

لا تخرجي لتراك النساء بدلا من البقاء واقفة مكانك هنا بعدما

غادر عريسك وتركك وحدك "

جاهدت غسق دموع قهرها وهي تضغط قبضتيها بقوة ورفعت

ذقنها ونظرت لها باستعلاء دون أن تجيب فتابعت تلك بانتصار

" مسكينة لو كنت مكانك ورأى الناس زوجي خارجا من عندي

ما أن أدخلني لقتلت نفسي فورا "

كم كرهت غسق نفسها تلك اللحظة وذاك الرجل ضعف ما كانت

تكرهه وهو يضع والدها قبلها في هذا الموقف أمام قبيلته جميعهم

سخر منه مجددا وصغره أمام الجميع , نظرت جوزاء حولها ثم

نظرت لها مجددا وقالت بضحكة " أم ندخلهم هنا ليروك وهم

ينتظرون رؤيتك فابقي واقفة مكانك "

خرجت حينها من صمتها وقالت بصوت جاف " لماذا تكرهينني ؟ "

ضحكت تلك بجهورية رافعة رأسها للأعلى ثم نظرت لها وقالت

بسخرية لاذعة " لما تهربين من موقفك المخزي بتحليلي "

تحركت حينها بخطوات غاضبة وتوجهت للممر الذي يحوي

غرفتها السابقة وضحكات تلك الساخرة تتبعها حتى اختفت

دخلت الغرفة وضربت بابها بقوة وقد عضت شفتها بقوة حتى

شعرت بطعم الدماء في فمها تكتم قهرها وغضبها وكلماتها

من الخروج , رفعت أصابعها المرتجفة من الغضب لمشابك

العباءة وفكتها بقوة وقهر حتى فتحتها وأزالتها عن جسدها

ورمتها على الكرسي بكل قوتها هامسة من بين أسنانها

" سحقا لك وله ولهم جميعا "

ثم ارتمت على السرير تدفن وجهها في وسائده وتقبض على

غطائه بيديها بقوة تجاهد دموعها كي لا تنزل فلم تتعرض حياتها

لإذلال كهذا ولم يهنها شخص من قبل كما أهانها ذاك وشقيقته

*

*

غطى الوجوم والكآبة على ذاك المكان حتى تحول لقطعة من الحزن

الشديد والرجال يتنقلون بين تلك المنازل كالتائهين في كل مرة يتولد

لديهم أمل في ناج منهم وبلا فائدة , غطوا أجسادهم بملاءات بيضاء

وابتعد الجميع للحدود عدا قادتهم حسب أوامر زعيمهم التي وصلتهم

بصوته الصارخ عبر الهاتف وهو يقود سيارته بسرعة لم يقدها بها

من قبل متوجها نحوهم يكاد يبلع الطريق من شدة غضبه وقهره ليصل

لهم في أسرع وقت , وعلى ذلك مضى الليل الأسود الحالك حتى كانت

ساعات الفجر الأولى وبزغ أول خيط من خيوطه الذهبية على تلك البلدة

الغارقة في الظلام والبؤس ليعكس ضوء النهار الأول بريقه على أشجارها

المتحركة بصمت قاتل وكأن أحدا لا يوجد فيها فلم يعد يسمع سوا أصوات

خطواتهم فوق تلك الأرض وأنفاسهم المتوترة الثائرة وبعض الهمس

الخافت بـ ( لا حول ولا قوة إلا بالله )

منظر يدمي حتى القلوب المتحجرة فكيف بقلوب تجمعها معهم هوية

الدم والوطن , مشهد أبكى عيون بعضهم وهم رجال لم تعرف عيونهم

الدموع ورغم قتالهم وقتلهم لمن اعترض طريقهم من الرجال لكن

الأرواح البريئة والنساء أمر لم يعتادوا فعله ولا رؤيته بهذا المنظر

وبتلك البشاعة , وصلتهم سحابة الغبار التي تراءت لهم من بعد

كعاصفة رملية حتى توقفت قربهم كاشفة عن السيارات الثلاث

التي توقفت بقوة مصدرة صوتا قويا لاحتكاك عجلاتها بالتراب

انفتحت أبوابها ونزلوا منها يترأسهم الذي ضرب باب سيارته

بقوة وتوجه نحوهم بخطوات سريعة ترسل في كل حركة

شرارات من قوة غضبه الذي تقدح به عينيه , لازال ببذلة

زواجه العاجية لم يعطي لنفسه وقتا ولا لتغييرها , توجه

من فوره لشخص معين منهم وأمسك بتلابيبه وصرخ هازا

له بقوة لم يقاومها أبدا " قسما يا بِشر إن كان هذا من فعلكم

أن تموت على يدي وهنا أمامهم لتكون عبرة لغيرك "

تحدث حينها بِشر بثبات لم يغيره الموقف المهين له أمام

الجميع وقال بصوت متزن لا يخلوا من الاحترام " مقتولين

بالرصاص سيدي وجميعها في الرأس حتى قذائفنا لم

تصل لهم حسب أوامرك "

تركه حينها مستغفرا الله بهمس حارق خرج من بين أسنانه ومرر

أصابعه في شعره الأسود المصفف بعناية وقد تجهم وجهه بشكل

لم يروه من قبل وتابع همسه المقهور " أي وحوش هؤلاء الذين

يفعلونها بدم بارد ؟ أي وحوش !! "

تكلم أحدهم بضيق " واضحة جدا سيدي يريدون لصق التهمة

بنا ليخبروا العالم أننا من فعلها وأننا نقتل الأبرياء "

تحدث الواقف خلفه من بين أسنانه " سحقا تلك هي سياسة الغرب

يطلبون منهم أدلة مشوهة عنا ليقفوا معهم وهم لن يقفوا مع أحد

ونخسر كلينا "

وقال آخر " سيشون بنا في العالم أجمع بفقد عائلات هنا "

وعلق آخر " لن يجدوا دليلا علينا فهم خرجوا قبل دخولنا "

عقب بِشر بسخرية " لن يلعبوها ناقصة أبدا "

صرخ حينها مطر فيهم مسكتا لتعليقاتهم " ترهات , ما يعنيني

ليس ما يفكر فيه كل واحد منكم "

ساد الصمت بينهم جميعا مطرقين برؤوسهم بصمت كئيب وتابع

هوا بحدة راميا بيده بغضب " كنت أريد أن نؤمن ممرات للعائلات

لترجع للمناطق التي سنأخذها ولا تبقى في العراء والخيام والجوع

كنت أريد أن يشعروا بالأمان معنا , أن لا يدفع الأبرياء العزل ثمن

هذه الحرب ويتشردوا في وطنهم , أما الآن فأصبحنا قاتلي الأبرياء

مريقي الدماء ولن يرجع أحد لمنزله ومدينته وأرضه خوفا على نفسه

وسيهربون منا وكأننا وباء مسموم ويعانون الويلات فوق معاناتهم "

نظروا لبعضهم بصمت واجم لا يستطيعون إنكار حقيقة ما يقول

وما لم يفكروا فيه لأن أنانيتهم جعلتهم يصبون جل تفكيرهم في

حربهم ورأي العالم ومساندته , شد مطر قبضته بقوة أمام صدره

وخرج صوته صلدا كسحب الحديد في النار مع بحته الواضحة

صاراً على أسنانه " حتى التسليم بالسلم من بعض القبائل فيهم

أصبح حلما الآن بعد بشاعة صورتنا القادمة "

هز بعضهم رؤوسهم بأسى للحقائق التي لم يفكروا فيها أبدا وقال

أحدهم بحذر " ولا حل لهذه المصيبة سيدي سوا أن ننكر بما أنه

لا دليل ملموس لديهم وسيعدّون أن العائلات مفقودة بعدما ينكر

كل جانب وجودها لديه فلا دليل لديهم أننا قتلناهم وأنهم

هنا أساسا "

مرر أصابعه في شعره مجددا حتى وصل لقفا عنقه وأمسكه

بقوة وقال بضيق " سيستجوبون من غادر من هنا ويشهدوا

على عدم خروجهم , ثم كما قال بِشر هم لن يحبكوا خطة

ناقصة أبدا ولابد وأن لها فصولا أخرى "

جال بعدها بنظره في المنازل ودماغه يعمل بسرعة خاطفة

وهمس محدثا نفسه " الدليل ! كيف سيجلبونه وهم ليسوا هنا ؟؟ "

وقبل أن يكمل باقي ربط أفكاره نظر بسرعة للمنطلق جهتهم

صارخا من بين المنازل وركض بعض الرجال نحوه وتبعوه

مختفيين خلف سور أحد المنازل المقابلة فأمسك مطر بالذي

تحرك من جانبه وقال " ما بكم ! ما قال ذاك الرجل ؟ "

قال المقابل له بسرعة " وضعنا حارسا على كل منزل

ويبدوا أنه وجد أحد الناجين بينهم "

أبعده حينها من كتفه بسرعة وركض في الجهة التي اختفى فيها

البقية واقترب من المنزل الذي يخرج منه صراخ هستيري لطفلة

فدفع باب سور المنزل بقدمه بقوة ووثب للداخل وركض جهة

أقربهم قائلا " ما بكم ؟ من هنا "

التفت له الذي عند الباب الداخلي للمنزل وقال " طفلة في الخزانة

ومذعورة وما أن لمسها السيد ضيغم حتى ازدادت ذعرا , امرأة

واحدة معها في المنزل ووجدناها مقتولة "

دفعه من أمامه ودخل وتوجه فورا لباب المطبخ المفتوح حيث ثلاثة

من قادة رجاله هناك وواحد داخل المطبخ فدخل مبعدا لهم ووقع نظره

على الجسد الملقى أرضا لامرأة متوسطة الوزن تغطيه ملاءة بيضاء

بأكمله ولا يظهر منه شيء فصر على أسنانه بقوة وحقد ثم رفع

نظره للخزانة المفتوحة في ذاك المطبخ الصغير وللجسد المنكمش

في عتمتها من الداخل فصرخ بعنف " أخرجوا هي خائفة من

ثيابكم وأسلحتكم ألم تفهوا ذلك "

تراجعوا جميعهم حتى كانوا خارج ذاك المطبخ فصرخ بأمر

" غادروا المنزل "

فانصاعوا من فورهم وتقدم هو ببطء حتى منتصف ذاك المطبخ


الصغير ونزل مستندا بقدميه ينظر للمنكمشة على نفسها داخل

الخزانة تخبئ وجهها في ركبتيها فبقا مكانه لوقت دون حراك

حتى هدأ بكائها وقد تحول ذاك البكاء المخيف والصراخ لأنين

متقطع وبكاء منخفض كقطة صغيرة جريحة تئن مما تشعر به

أخرج مفاتيحه من جيبه وحركها بعشوائية مصدرة صوتا رنانا

جراء اصطدامها ببعض فرفعت رأسها حينها ونظرت له لبرهة


وهوا يراقبها بتوجس يخشى أن تعود لها تلك النوبة من الهلع

لرؤيته رغم اختلاف ثيابه عنهم , لم يعتد التعامل مع الأطفال

ولا خبرة له في ذلك مطلقا لكن ما يعلمه من أحاديث متفرقة

من البعض أن أبنائهم مولعين بالسيارات فكيف في بلاد كبلادهم

يفتقر فيها أغلب الناس لوسائل التنقل تلك , أوقف حركة المفاتيح

وقال ونظره عليها " تعالي هل تريدين ركوب السيارة ؟ "

وكان جوابها الصمت محدقة به فأعاد مجددا " هيا لتركبي

سيارتي لديا سيارة هنا "

خرج حينها صوتها الرقيق من داخل الخزانة تخنقه العبرة

" سيارة !! "

حرك مفاتيحه مجددا ومد لها يده الأخرى وقال

" نعم سيارة تعالي هيا "

غص صوتها في بكاء مكتوم وقالت " جدتي "

شتم هامسا بكره ثم قال ويده ممدودة لها

" تعالي لآخذك لها "

رفعت إصبعها الصغير وأشارت برجفة للجسد المعانق

للأرض قد لطخت دمائه الأرضية تحته وهمست بعبرة

" جدتي "

فنظر للأسفل وأغمض عينيه بقوة ومرارة ثم نظر لها وقال

بصوت أجوف كئيب " هيا لنخرج من هنا يا صغيرة "

وجوابها كان الصمت ولم تتحرك من مكانها فوقف واقترب منها


حتى أصبح عند باب الخزانة ونزل مستندا بقدميه مجددا ومد يديه

لها فارتمت في حضنه من فورها فوقف وحملها وخرج بها من

هناك على الفور وذراعاها الصغيران تطوقان عنقه بقوة تنظر

جهة الباب الذي خرجا منه حتى كانا خارج سور المنزل وما

أن رأت الرجال خارجا بلباسهم وأسلحتهم حتى دست وجهها

في عنقه بقوة وارتجف جسدها ذعرا وعاد أنينها الباكي للخروج

فمسح على ظهرها وهمس لها سائرا بها جهة سيارته

" لن يقربك أحد اطمئني سنغادر من هنا "

وكان مشهدا التفتت له رؤوسهم جميعا حتى وصل سيارته فهذا

المشهد لم يروه لزعيمهم من قبل مهما زار مجالس كبار قبائله أو

زاروا مجلسه بأطفالهم فلم يحمل منهم طفلا قط ولم يلاعبه

فتح باب سيارته وأجلسها على الكرسي ليغيب نظرها فورا في

الأشياء التي لم تراها من قبل وهي تتلمس كل شيء أمامها ودمعتها

ما تزال معلقة في رموشها وشهقاتها تخرج بين الفينة والأخرى

وهوا ينظر لها بحيرة فيما سيفعله في أمرها وهي من الهازان ولا

يعرف أقارب لها ومع نزوح الناس وبقائها مع جدتها لن يكون

لها أحد بالتأكيد وقد رأت جدتها تموت أمامها .


*

*

وبالفعل وكما توقعوا فما أن تناصف النهار حتى كانت الصحف

وقنوات الأخبار تعج بما تكتمت عنه الهازان طوال الليل وهو إغارة

الحالك على مدينة جديدة من مدنهم , وجاءت الضربة القاسمة لظهره

حين عرضوا صورا لرجاله وهم يقلبون جثث الموتى وأسلحتهم في

أيديهم والدماء تنزف منهم وعجت بذلك حتى الإذاعات الصوتية

تتحدث عن تلك الحادثة وعن تلك الصور ودخلت البلاد في بلبلة

كبيرة كان للهازان الجزء الأكبر منها والناس هناك ركبها الذعر

والصدمة لما حدث وحتى من كان مؤيدا للسلم والتسليم وحفظ

الأرض والعرض والأرواح أخرسته تلك الأحداث تماما , وبدأ

الناس في البلدات المجاورة بالهرب مذعورين , ووجد أعدائه

الفرصة لإمساك تلك القضية عليه حتى أنهم طالبوا بمحاكمة

ابن شاهين وسجنه .

نظر لرفيقيه وقد خيم الصمت على الجميع ثم نظر للجالس خلف

الطاولة يفرك جبينه بيده ونظره للأسفل وغارق تماما في أفكاره

ثم حول نظره منه للواقفة بجانبه متمسكة بكم سترته بقوة ولا تفارقه

لحظة رغم أنهم نزعوا أسلحتهم وسترهم العسكرية كي تأمنهم لكن

مطر لازال أمانها الوحيد وترفض أن يتركها دقيقة , هز رأسه

بأسى ورفع نظره به وقال " سيدي علينا أن نتحرك "

رفع نظره به ونظر له تلك النظرة التي يفهمها جيدا فأخفض بصره

وقال بصوت أجوف بارد " علينا أن نفعل شيئا حيال ذلك ولو

الخروج والإنكار بدلا من أن تثبت التهمة علينا أكثر "

ضرب مطر بقبضته على الطاولة بقوة مزمجرا " وما نفع ذلك ؟

لو أعلم فقط ما الذي جعله يغدر بنا هكذا وهو أحد قادة رجالي

والمقربين مني !! لماذا ضيغم تحديدا لما ؟ "

وهذا ما لم يتوقعه ولم يجد له تفسيرا ولا مجالا ليفكر فيه حين أخبره

دماغه أن خطتهم لم تنتهي عند تلك النقطة وأنهم سيسعون للحصول

على دليل بعد دخولهم هم للبلدة لكن أن يختفي أحد رجاله ويغدر به

تلك التي لم يستوعبها عقله أبدا , نظر للتي دست وجهها في خصره

بقوة وذعر وقد نسي تماما وجودها بجانبه وأفزعها فمسح على شعرها

وتنهد بقهر فقال أحد الجالسين أمامه " سيدي أتركني آخذها لزوجتي

نحن لم يرزقنا الله بأبناء وستكون كابنتنا وأكثر "

نظر لها تحته لوقت لا يظهر منها سوا جسدها وشعرها البني

الفاتح جدا حد الاصفرار ثم رفع نظره به وقال " لكنك تعلم

جيدا عن الأوراق التي وجدناها في القطعة الجلدية في عنقها "

قال من فوره " عائلتها لن نتمكن من إيصالها لها سريعا وإن

عرفنا اسم جدها وعمها , فاتركها عندي حتى وقتها , وبالنسبة

لحالتها الصحية فهي ليست بالأمر الجلل وسترعاها زوجتي

تأكد من ذلك فهي الآن تحتاج فعلا لمن يقدّر وضعها

الصحي وحالتها النفسية بعدما رأته "

نظر لها مجددا ورفع يده عنها وقال " زيزفون "

فأبعدت وجهها عن خصره ورفعت رأسها ناظرة له بعينان

دامعة فقال بكلمات بطيئة متأنية " هل تريدين أما "

نظرت له باستغراب وعدم فهم فقال محركا شفتيه ببطء بعدما

فهم حالتها جيدا " ماما تنتظرك في المنزل "

نظرت له بطريقة من لم يفهم شيئا فتحرك الجالس هناك واقترب

منها قائلا ويده ممدودة لها " تعالي معي يا زيزفون لنذهب للمنزل "

تمسكت بمطر بكلى يديها فشدها ذاك من ذراعها الصغير وقال

ساحبا لها برفق " تعالي سأشتري لك أشياء جميلة وستعجبك "

لكنها لم تزدد سوا تعلقا بذراعه وقد انطلق صراخها الباكي مالئا

تلك الغرفة فترك ذراعها بسرعة واعتدل في وقفته ناظرا لمطر

وهز رأسه بيأس فوقف وحملها معه قائلا " أتركها لتهدأ قليلا

لا تنسى ما حدث معها "

وقف رجاله الآخرين وقال أحدهم " لكنها ستقيدك هكذا ! كيف

ستتحرك بها في كل مكان ؟ "

خرج بها من خلف الطاولة وتوجه للباب قائلا " سأغادر لحوران

وأنتم تؤمنون المنطقة هنا , لا فائدة من بقائي هنا فثمة مصائب

كثيرة عليا حلها بعد هذه المصيبة التي حلت علينا "

" سيدي "

أوقفه عند الباب صوت بِشر الذي تابع ناظرا لظهر الواقف هناك

والطفلة متمسكة بعنقه " ثق بنا ولا يدخلك الشك بعدما حدث من

ضيغم فقد يكونوا اشتروه بالمال لكننا لن نفعل "

فتح الباب وقال مغادرا دون أن يلتفت لهم " أثق بكم مثلما لا

أصدق أن يفعلها أحد اقرب رجالي "

وغادر تاركا لهم خلفه يحملون قهرا لم يخفيه وجه أي منهم وقال

أحدهم بحقد ضاربا قبضته على الطاولة بجانبه " كل هذا ولا

يصدق أن يفعلها ضيغم ؟ لا شيء ينقذه من تهمة الخيانة "

نظر له بِشر وقال بضيق " أرأيت أنت نفسك الآن ؟ لن تثق بنا

أبدا على هذا الحال , أما الزعيم مطر لن يستطيع أن يخوّن

ضغيم كي لا يشك بكل واحد منا , فقد يكونوا هددوا حياته

أو حياة عائلته "


*

*

نظر لوجه ابنه العابس وقال مبتسما بسخرية " ما بك يا وقاص ؟

أراك اليوم تشعل النيران من غير فتيل وعود ثقاب "

أبعد نظره عن والده ولم يجبه مكتفا يديه لصدره فضحك ذاك

بصوت مرتفع وقال " ألازال رواح يؤثر فيك بالأفكار التي

زرعتها والدته في دماغه "

قال وقاص ببرود ولم ينظر ناحية والده " ليس ذاك يعنيني "

وقف على طوله وقال بذات سخريته " أقسم لي الآن أنه ليس

السبب ما أضن "

نظر له نظرة قوية وقال بغضب قابضا أصابعه بقوة

" لن يفعلها ابن شاهين ورجاله لا أصدق "

هز رأسه بيأس منه ضاحكا بفتور ثم خرج من خلف مكتبه وغادره

وتوجه للباب الآخر بعدما حيا سكرتيرته بيده والهاتف فيها ثم وضعه

على أذنه مجتازا الممر وهو يتحدث من خلاله قائلا لمن في

الطرف الآخر " ضيغم كيف الأوضاع عندك ؟ "

قال الآخر بصوت منخفض حذر " وصلت طائرتي من نصف

ساعة أضن أنني مراقب سيدي وقد دخلني الخوف حقا "

دخل المصعد وضغط زر الطابق الأرضي وقال قبل أن يتحرك

به وينقطع الإرسال " لا تخف سيخرجك الحرس من هناك

ونفذ نصف الخطة الآخر الليلة بلا انتظار أكثر اتفقنا "

ثم وضع الهاتف في جيبه وهمس بابتسامة انتصار " حان

وقت اللعب الحقيقي يا ابن شاهين فتجهز "

المخرج ~

بقلم الغالية :آيفا رمضان

على لسان غسق :...

دعني اشفي لي جراحك مقتطف من زمن ......
وأعيد اليك فرحة اخذت كمن لوعة البشر .......
حلمت بي ليالي من دهر والله اختار لك قلبآ غيري حلم بك جمع دهر.
فلا تقفي لي وكأننك عاائق بين الشمس والقمر ....
وأنت تعلم بأنك في قلبي أخي أجمل ماعرفة ليالي دهري وشهد لهو القمر ......
فلا تتعجل من صبر قلبك الحريقة المشتعل ......
أم تريد ان اشفيك بقلب مثلي جارح غير ممبتسم ....
ولا تقل لي أنني لك ليس كمن عوضك بالبشر. ..
فلازلت تجهل يا أخي أن الله حرمك مني لي يغنيك ببملاك اجمل من كل البشر ويشفيك قلبك بي قلب يعطيك حب دهر زمن .....
فهداء يا أخي فالله عوضنا نحن بملائكة على هيئة بشر ......

******


نهاية الفصل

موعدنا القادم مساء السبت إن شاء الله




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:17 AM   #696

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



جنون المطر ( الجزء الأول)
الفصل الثامن عشر


المدخل ~


بقلم الغالية : حالمهه

مطر مطر مطر..
هآ قد أتى مطر..
غسق غسق غسق..
فتلهربي من الخطر..
مطر مطر مطر..
هآ قد أتى جنون المطر..
غسق غسق غسق..
ويلك من عذابه المنقهر..
مطر مطر مطر..
هآ قد جاء المنتصر..
غسق غسق غسق..
تمتمي بآيات الفلق..
مطر مطر مطر..
هآ قد جاء ورحل..
غسق غسق غسق..
جمالك الفتآن السبب..

*******

دفعت الباب ببطء ودخلت بكرسيها ليسقط نظرها فورا على الجالسة

على السرير منزلة رأسها وتنظر ليديها في حجرها في صمت ثم

سرعان ما حولته منها للكرسي الملقى عليه اللباس الخارجي الأبيض

لزواجها فتنهدت بعجز وتقدمت منها محركة عجلات كرسيها قائلة

" صباح الخير يا ابنتي "

فخرج لها همسها مجيبة عليها بحروف بالكاد سمعتها وصوت أبح

مخنوق ونظرها لازال على يديها , فاقتربت منها أكثر حتى وصلت

عند سريرها وقد عجز لسانها على أن تبارك لها زواجها بابن شقيقها

وهي نامت هنا وحيدة في غرفتها السابقة ولم يرى أحد ذاك الزوج

منذ أول ليلة أمس ولم يتصل بهم , قالت بهدوء مراقبة ملامحها

العابسة متمسكة بصامتة " ما كان عليك نزع الثوب بنفسك

يا غسق فذاك فأل سيء على العروس "

فأشاحت بنظرها بعيدا للجانب الأخر تمنع نفسها بقوة من الانفجار

فيها , فأي شؤم لم يصيبها غير الذي هي فيه وأي سوء هذا الذي لم

تراه بعد ! ظنت أن تلك الأفكار تختص بها عمتها فقط لكنها اكتشفت

الآن أنها متأصلة في جميع أقطار بلادها , شبكت تلك يديها ببعضهما

ونظرها لازال عليها وقالت بذات هدوئها " يحق لك أن تغضبي

وتستائي لكن مطر ما خرج إلا مرغما "

ثم تابعت مبتسمة " لا يوجد رجل يرى هذا الحسن ويخرج

ويتركه إلا مجبرا أو أنه فقد عقله "

أبعدت وجهها عنها أكثر وابتسمت بسخرية لا تريد أن تراها على

ملامحها وخرج صوتها باردا كالجليد " لست أهتم لكل هذا ولم

أختره راضية ليزعجني تركه لي فكلها سواء "

أرادت حقا أن تخفي جرح كرامتها أمامهم فمهما كانت تعلم أنه

لا يريدها ومهما كانت مجبرة عليه فتلك إهانة في حقها وقد

زادت شقيقته تلك الأمور سوءا بما رمتها به كالقذائف فنصف

تعكر مزاجها ليس بسبب ذاك بل بسبب شقيقته وسخريتها منها

ومما فعل بها , وقد اعترفت بعجز أنه إن كان غرضه إذلالها

فقد فعل وإن كان غرضه كسر صورة والدها شراع أمام قبائله

أكثر مما فعل فقد نجح وبجدارة , تنهدت العمة بعجز وقالت

" إذا اصعدي لغرفتك فبقائك هنا لا يجوز وغرفتك وزوجك

مجهزة وأنتي أصبحتِ إحدى سيدات هذا المنزل "

وجوابها طبعا كان الصمت وقد عضت شفتيها بقوة في عادتها الدائمة

لكتمان خروج الكلمات وهي على رأس لسانها فلا تريد أن تخطئ

في حق هذه العجوز الطيبة ولا أن تظهر انزعاجها الحانق مما حدث

بصراخها الغاضب المحتج , سمعت تنهيدتها القوية حين طال صمتها

وقالت " سأطلب من إحدى الخادمات إذا أن تنزل لك ثوبا بدل

هذا فهوا غير مريح ولا أعلم كيف نمتِ فيه "

وخرجت يتبعها الصوت الخفيف لصرير عجلات كرسيها تاركة

خلفها التي رفعت رأسها للأعلى تمنع دموع قهرها من النزول

الدموع التي أقسمت أن لا تنزل منها مهما حدث وسيحدث معها

تمتمت بأسى ساخر " وهل نمت أنا ليضايقني ! "

وقد ازداد حنقها فوق ما كان وشدت قبضتيها على الملاءة التي

تغطي بها نصف جسدها السفلي متمسكة بها منذ ليلة البارحة لتستر

فخذيها مع هذا القميص القصير الذي لم تجد له بديلا في هذه الغرفة

التي يبدوا أنهم أخلوها حتى من ثياب المنزل القليلة تلك التي جلبوها

لها لتلبسها فترة إقامتها هنا ، كما لم تجد لها مكانا سوا هذه الغرفة

الكئيبة التي كرهتها من كثرة ما كانت سجينة فيها .

انفتح الباب مجددا فتنفست بضيق من قبل أن ترى الداخل من يكون

فإن كانت المدعوة جوزاء فلن تعد نفسها أبدا بأن تمسك لسانها عنها

ولن تضع تربيتها ومبادئها في الواجهة لأنها الآن بالذات لا تستطيع

تحمل أي شيء من أي أحد ، لكن ولحسن حظ كليهما كانت إحدى

الخادمات التي دخلت مبتسمة تحمل شيئا في يديها وضعته عند طرف

السرير ثم استوت واقفة وقالت وابتسامتها لم تفارقها " صباح الخير

سيدتي ، السيدة الكبيرة طلبت جلب فستان لك وأنا اخترت هذا ، كما

وجلبت لك معه أيضا ملابس داخلية إن كنت ترغبين في الاستحمام

وإن كنت تريدين الصعود لغرفتك والسيد مطر فهي في ا.... "

قاطعتها بفظاظة " شكرا يمكنك المغادرة "

لكنها بدلا عن ذلك قالت بذات ابتسامتها " أتمنى أن تكون الثياب

على مقاسك وإلا سترمى قطعا كثيرة قد تم شرائها جهازا لك "

قبضت أصابعها على قماش الملاءة بقوة وقالت متمسكة بآخر ذرة

صبر لديها " أريد أن أنزل من السرير وهذا القميص قصير جدا "

ففهمت تلك فورا وأومأت برأسها باحترام وخرجت مغادرة وقد أغلقت

الباب خلفها فرمت الغطاء من عليها وغادرت السرير ودخلت الحمام

من فورها لعل المياه الباردة تخفف شيئا مما تشعر به ، وما أن وقفت

تحت رذاذ الماء المنساب على جسدها الناعم ومررت يدها برفق على

عنقها حتى شعرت بذاك الارتجاف يسري لجسدها وهي تتذكر لمسته

لها البارحة وحضوره المهيب المسيطر رغم أنها لم تراه , فحتى ملمس

أصابعه وكفه على بشرة يدها وهو يمسكها بكل تملك لازالت تشعر به

حتى الآن ، رفعت وجهها للأعلى مواجها لرذاذ الماء مغمضة العينين

تحاول طرد كل ذكرى ربطتهما البارحة وأولهم تركه لها عرضة للإهانة

من الجميع وعلى رأسهم شقيقته تلك ، وبعد وقت وجهد قضته في غسلها

لشعرها لفت جسدها بالمنشفة وخرجت تحمل ذاك القميص في يدها ورمته

بإهمال مع قطعته الأخرى فوق الكرسي متمتمة " لنرى أي شؤم هذا

الذي سيحل عليك يا ابن شاهين "

وتوجهت للسرير من فورها ورفعت ذاك الفستان الطويل المصنوع

من قماش الشيفون بلونه الأزرق الحبري وثلاث أزهار حمراء كبيرة

طبعت عليه و له كمان واسعان ثم يضيقان تحت المرفق ، وسقط نظرها

بعدها على الحزام الأحمر المرفق له ، تأكدت من إغلاق باب الغرفة جيدا

ثم ارتدت ملابسها وذهلت من أنه كان قياسها تماما وأجمل بكثير مما كان

قبل أن تلبسه ، كان بياقة بسيطة دائرية مزينة بمشبك فضي بسيط مرصع

بالفصوص ، وقد وصل طول ذاك الفستان للأرض مغطيا قدميها ومخصرا

عند منتصفه مناسبا لجسدها من الأعلى منسابا باتساع في الأسفل ، رفعت

الحزام العريض الأحمر المصنوع من الحرير الصناعي بلمعته الجميلة ولفته

حول خصرها وربطته في الخلف بعقدة بسيطة ثم مررت يديها بنعومة على

جسدها , هذا النوع من الفساتين لن يكونوا اشتروه من هنا فمن أين أحضروه

تحديدا ! وذوق من هذا في مثل هذه الثياب ؟ رمت تلك الأفكار من رأسها

بسرعة وجلست على طرف السرير وبدأت تمشط شعرها الرطب بروية

وتنهدت بحزن ، لكم تحتاج لعمتها الآن فهي من كانت تقوم بهذه المهمة

عنها ، فما أن تنهي حمامها ولبس ثيابها تنزل السلالم ركضا والمشط في

يدها بحثا عنها لتستقبلها تلك موبخة لها بابتسامة ( انزلي على مهل ولا

تكثري لي العقد في شعرك الطويل )

مسحت طرف عينها تمنع دمعتها من النزول وهي تكرر قسمها لنفسها

أن لا تبكي وأن لا تريهم دموعها متذكرة جملة والدها الدائمة لها منذ

كانت صغيرة ( البكاء يضعف الإنسان بنيتي والضعفاء يصعد الناس

على ظهورهم , مثلما أنهم لا يحترمون ولا يهابون إلا قوي العزيمة )

ووقفت سريعا قبل أن تجد نفسها تجهش في البكاء وهي تسبح أكثر

في تذكرها لذاك الرجل الأعظم في حياتها ، لبست الحذاء الذي جلبته

الخادمة مع باقي الأغراض ثم توجهت للنافذة أبعدت الستائر عنها

وفتحتها على اتساعها ليستقبلها نسيم الصباح برقته ورائحة الأزهار

والأشجار العبقة فجمعت شعرها كله جانبا ومررت أصابعها فيه

سامحة للهواء بتخلله ليجففه ببطء تستمتع بمنظر الحديقة الجميل

لعله يحسن من مزاجها قليلا ، فبالرغم من أنه الجزء الخلفي من

حديقة ذاك المنزل إلا أنه من الروعة ما يليق بأن يكون واجهته


*

*

سار بخطوات ثقيلة وبصعوبة حاملا سلة القمامة التي تكاد توازي

طوله حتى وصل بها للبرميل الحديدي الكبير المخصص لجمعها

في ذاك المقر الواسع لجنود الحدود ، حاول رفعها بكل جهده مسندا

لها على ركبته لكي يرفعها بعد ذلك على كتفه ثم يفرغها كما يفعل

يوميا , ففوجئ بها تطير من يده وينسكب ما فيها داخل ذاك البرميل

فنظر فوقه بسرعة للجسد الذي حجب عنه نور الشمس الساطع ثم مدها

له وقال مبتسما " حسنا يا تيم ألم تفكر في عرضي لك وتغير رأيك ؟ "

أخذ السلة الطويلة منه وسار قائلا " لا "

فتبعه ذاك سائرا خلفه يديه في جيوب بنطلونه العسكري وقال " أنا

أعرض عليك عرضا مغريا لن يحلم به فتى في سنك ووضعك

أبدا فوافق وسأعلمك جميع أنواع الأسلحة الخفيفة وسيكون سرنا "

وقف والتفت له ورفع رأسه ناظرا له تلك النظرة الحادة الباردة

وقال " ولماذا ؟ "

وضع ذاك يده على رأس الواقف أمامه ولعب بشعره الأسود

الكثيف وقال مبتسما " لأني أريد ذلك فقط "

تحرك حينها تيم من جديد قائلا بذات بروده " وأنا لا أريد "

تبعه ذاك الشاب بدون يأس وقال " حسنا سأخبرك أمرا "

فتابع تيم سيره جهة باب العيادة الصغيرة متجاهلا له وتابع ذاك

" والدتي من صنوان كما جدتي والدة والدي أيضا "

وقف تيم حينها والتفت له مجددا ونظر لبذلته العسكرية ثم لوجهه

فقال ذاك بعبوس " وأعلم معنى أن تكون نصف منتمي لمن

تعيش وسطهم "

قال تيم ناظرا له فوقه " لكنك من الحالك ، والدك من هنا "

بسط كفيه جانبا وقال ببرود " لكن الكثيرين لا يرون إلا ما يريدون

رؤيته ، حتى المدرسة أذكر كم كرهتها وأنا صغير وكنت أهرب

منها وأتلقى عقابا من والدي كلما وجدني مختبئ كي لا أذهب لها

حتى إخوتي من والدي لم يحبوني قط وكانوا ينادونني بابن

صنوان "

قال تيم من فوره " ألهذا أصبحت جنديا مقاتلا ؟ "

دس يديه في جيوبه مجددا وحرك كتفيه بلا مبالاة قائلا

" في البداية كان الأمر كذلك وكنت أريد أن اثبت لهم أني منهم

لكن الأمر تغير فيما بعد ولم أعد أهتم وأحببت فعلا ما صرت

عليه وزادت ثقتي بنفسي بعدما تدربت هنا "

سكت تيم لبرهة ثم قال " ماذا إن غارت الحالك على صنوان ؟

ألم تفكر في هذا ؟ "

هز ذاك رأسه بلا وقال " لا خوف من ذلك فأمثالك وأمثالي لا يقاتلون

من اشترك في الدم معهم هذا هو قانون الزعيم ابن شاهين أم نسيت "

حرك طرف شفته بتهكم وقال " تبقى أنت ابن الحالك ولست مثلي "

حرك ذاك رأسه برفض وقال " أعلم طريقة تفكيرك وأتفهم موقفك

لذلك عرضت عليك أن أدربك عليها سرا "

قال من مجددا " ولماذا ؟ "

ابتسم ذاك وقال " حتى إن استمر زحف الزعيم مطر على الهازان

وأخذ مدن أكثر وعدت لمدينتك بعد عودة أهلها لها فستستهجنك

الناس يا تيم وأنت أذكى من سنك ومن أن لا تفكر في ذلك ., لهذا

عليك أن تكون أقوى حين تكبر كي يهابك الناس وإن لم يحترموك "

قال له ببرود " لن أبقى هنا حين أكبر لتهينني الحالك أو الهازان "

هز ذاك الشاب رأسه بيأس منه وقال " وإن يكن فأنت تحتاج لهذا

ومتشوق له , كنت في مثل سنك وأعلم جيدا ما يعني لك إمساك

السلاح وتعلمه , وستحتاج لكل هذا حين تكبر يا تيم صدقني "

ثم ابتسم بانتصار وهو يرى علامات التردد على ملامحه وقال

" لن يعلم أحد أعدك وستشكرني مستقبلا يا تيم "

حرك عينيه قليلا بتفكير ثم نظر له وقال " سأفكر في الأمر "

لتنطلق ضحكة الواقف فوقه وقال " لا تقل بأنك ستسأل والدتك

أولاً لأنها لن تترك تأتي هنا مجددا "

تحولت ملامحه للضيق وقال " أنا لا آخذ رأي والدتي في

شيء أريده وأقتنع به ، لست طفلا "

لعبت أصابعه بشعر الواقف تحته وقال " وأنا متأكد من ذلك جيدا "

ثم مد يده له مصافحا وقال " أنا أسمي عمير وأريد أن نكون

أصدقاء أيضا "

نظر تيم ليده لبرهة ثم مد يده الصغيرة بالنسبة لتلك اليد وصافحه

ذاك بقوة ألمته ثم أرخى يده عنه وقال ضاحكا " وأول ما سنفعله

أن نجعل هذه اليد قوية جدا "

*

*

وضعها لها في حجرها برفق وهمس " داعبي شعرها

ووجهها الآن لتستيقظ "

نظرت لها بحزن وحنان وحب وقالت " ما أجملها وأصغرها

لا يبدوا عليها أبدا أنها في الرابعة من عمرها وكأنها لم

تجتز الثالثة بعد "

تحركت في حجرها متململة فهمس لها مجددا " هيا يا فاطمة الزعيم

مطر ينتظر في الخارج وهو ليس من طويلي الصبر "

هزت رأسها له بحسنا وبدلا من أن تداعب بشرتها برفق كما طلب

منها ضمتها لصدرها بقوة وحب ثم أبعدتها وقبلت خدها ففتحت

تلك عينيها سريعا فابتسمت تلك قائلة بذهول " أنظر يا عكرمة

للون عينيها ! وكأنه قطعة من السماء "

لكنه لم يكن منتبها لها ولا لما تقول بل للطفلة التي جلست تنظر

لهما باستغراب وحذر تتنقل بنظرها بينهما وكل ما يخشاه أن ترفض

وضعها الجديد هذا وتبكي طلبا لذاك الذي تعلقت به منذ يوم أمس لأنه

سيأخذها معه حينها وسيحرمان من تربيتها وهما اللذان لطالما شغفا

لطفل يركض ضاحكا في منزلهما , وقفت مبتعدة عن حجرها وتراجعت

خطوتين للخلف ونظرها لازال عليها , كانت فكرته أن يبعدوها عن مطر

وهي نائمة وحين تستيقظ قد تتقبل واقعا جديدا مختلفا , وهذا ما ظنه الآن

حين لم تبكي وهي تنظر للمرأة الجالسة تنظر لها بحزن لكن ما لم يعرفه

أن والدة هذه الطفلة لم تكن من خماصة لأنه وبحكم نكران جدها لوالدها

ونسبه لجده والد أمه لم يزوجه أحد من هناك وتزوج بامرأة من البلدة

المجاورة لهم وهي ( الحويصاء ) المتاخمة لحدود الحالك وقد كانت

بشعر أسود وعينان سوداء ووجه نحيل كالجالسة أمامها تماما , وقد

رعتها وربتها مع جدتها حتى كانت في عمر الثالثة تقريبا حين قررت

الزواج وتركها لتلك الجدة , تحركت شفتيها الزهرية الصغيرة

وقالت بهمس ونظرها لازال معلق بتك

" ماما !! "

فمدت يديها لها وقد ترقرقت الدموع في عينيها قائلة

" تعالي نعم أنا ماما "

لكنها بقيت مكانها ونظرها لم يفارق وجه المقابلة لها فهمس لها

زوجها " أسمها زيزفون وإدراكها بطيء يا فاطمة "

مسحت عينيها بقوة تمسح دموعها وقالت مبتسمة لها

" تعالي لماما يا زيزفون "

فركضت جهتها وارتمت في حضنها وضمتها تلك بقوة تقبل

رأسها قائلة بعبرة " لا بارك الله فيمن أذوك يا صغيرتي

لا وفقهم الله "

وخرج زوجها للخارج حيث الذي يقف أمام باب سيارته ينتظر أن


يخرج له صوت بكائها أو مَن أدخلها للداخل ليزيل عنه هم التفكير

في مصيرها , انفتح الباب وخرج له مبتسما وقال " نجحنا سيدي

ولقد ظنتها والدتها أيضا , فإما أنها كانت تشبهها أو أنها تحتاج

لأي امرأة لتكون أما لها "

هز رأسه بحسنا ونظر لساعته , أمامه وقت قليل ويصل لحوران

وفي رأسه ألف شيء عليه فعله , فتح باب سيارته ثم نظر له

وقال " لن أوصيك على الطفلة يا عكرمة وسأزورها حين أمر

من هنا وإن شعرت فقط أنها ليست مرتاحة معكما سآخذها "

قالت من فوره " كن مطمئنا سيدي "

وراقبه وهو يركب سيارته ويغادر وهمس ونظره يتبعها تبتعد

بسرعة " كم ظننا أن يوم أمس لن يكون له صباح "

ثم تمتم داخلا لمنزله " حمدا لله "

وما أن دخل حتى ابتسم لرؤيته للتي تحضن الصغيرة وتحدثها بحب

وروية كما تحتاج حالتها وتنهد بحزن ( هذه الطفلة تحتاج لنا أكثر مما

نحتاجها خاصة بعدما رأته وجدتها تقتل أمام عينيها ولولا أنهم لم يكتشفوا

وجودها داخل تلك الخزانة لقتلت أيضا ولولا أن أحد رجالهم وجدها

صدفة هناك لماتت في تلك الخزانة ولا يعلم عنها أحد )

اقترب منهما وجلس بجوارهما على الأرض يستمع لهما مبتسما

وزوجته تحاول أن تجد الطريقة للتواصل معها ولتتأقلم تلك مع

وضعها الجديد

*

*

أغلقت المصحف الذي قرأت فيه طوال فترة ما بعد الظهر ثم نظرت

للساعة على الجدار وفكرت هل ستبقى سجينة الغرفة هذه حتى تأكلها

الوحدة والكآبة ؟ هي لم تعد تلك الرهينة الهاربة التي تم القبض عليها

وسجنها هنا , ولم تصلها الأوامر أن سيدهم ذاك يمنع خروجها من

غرفتها , وضعت المصحف جانبا ووقفت وعدلت من ربطة حزام

الفستان التي ارتخت بسبب حركتها ثم توجهت جهة الباب تعدل من

شعرها خلف كتفيها وتدس من خصلات غرتها ما وصل طوله لخلف

أذنيها خلفهما ثم أدارت مقبض الباب وخرجت تسير في الممر بهدوء

وبدون صوت , لعلها تجد ولو خادمة تتسلى معها قليلا أو تخرج لتلك

الحديقة الواسعة فقد سمعت أصوات طيور فيها , وما أن وصلت وسط

المنزل حتى وقفت مكانها تنظر باستغراب لحركة الخادمات جهة باب

معين واسع فأوقفت التي مرت بجوارها مبتعدة عنهم وقالت

" ماذا يحدث هناك ؟ "

وقفت ونظرت لها وقالت باحترام " زوار سيدتي , نساء

بعض كبار القبيلة "

قالت مستغربة " هل هن مدعوات على الغداء هنا أم ماذا ! "

هزت تلك رأسها بلا وقالت " بل توافدن تباعا على المجلس منذ

الصباح فاليوم كما تعلمين يكون صباح زواج السيد مطر بك

وجئن من أجل المباركة "

نظرت لها بصدمة وقالت " المباركة !! لكن لم يخبرني أحد "

حمحمت تلك قليلا وقالت وعيناها أرضا " السيدة جوزاء قالت

أنك متعبة من يوم أمس ولا داعي ليزعجك أحد وهن جئن من

أجل أن يباركن لأي من العائلة "

نظرت جهة باب المجلس الواسع بحنق ( منذ متى تهتم تلك الجوزاء

بتعبي وراحتي ؟ هل تتعمد هذا لتنزل من قيمتي أمامهم أكثر ؟ )

" جيد أنك خرجتِ , الفستان عليك أروع مما كنت أتخيل

بكثير سيدتي "

عادت غسق بنظرها أماما لتكتشف أن تلك الخادمة اختفت وحلت

مكانها الأخرى التي جلبت لها الثياب صباحا وتابعت بحماس مبتسمة

" جيد أن تخرجي وتكوني مع الضيوف , هم يسألون عنك منذ

وصلوا والجميع يريد رؤية عروس زعيمهم "

صرّت على أسنانها بقوة تكتم غضبها فحتى تلك الخادمة لم تخبرها

أنهم يسألون عنها وأن قدومهم من أجلها , نظرت للواقفة أمامها

وقالت " سأنظم لهم إذاً وأخبريني دائما فأنا زوجة زعيمهم الآن

ووجودي مهم في جميع التجمعات النسائية "

هزت تلك رأسها بحسنا بسعادة وأمسكت بذراعها قائلة

" انتظري هنا قليلا سيدتي هناك شيء سأحضره لك "

وغابت في لمح البصر مسرعة ولم تترك لها المجال لمنعها أو سؤالها

وما هي إلا لحظات وكانت قادمة نحوها بذات السرعة التي غابت

بها حتى وصلت لها ومدت لها يدها قائلة " هذا سيناسب الفستان "

نظرت ليدها مستغربة ولأحمر الشفاه فيها فقالت تلك " لونه يتماشى

مع لون الحزام والأزهار فيه , أنتي رائعة من دونه لكنه سيكون

أجمل به , كما أنه جديد سيدتي لم يستخدمه أحد "

كانت تود الرفض لكنها ما أن رفعت نظرها بوجه تلك الخادمة

المبتسمة كرهت أن تحرجها وتشعرها بأنها أقل منها فرفعت يدها

وأمسكته بأصابعها فأمسكت تلك برسغها وقالت ساحبة لها معها

" توجد هنا مرآة بقرب الباب سيدتي لتساعدك "

تبعتها منصاعة حتى أوقفتها أمامها ونظرت لأحمر الشفاه في يدها

ثم للواقفة بجانبها فهزت رأسها لها مبتسمة ففتحت غطائه وما أن

لامس شفتيها حتى انزلق منه لون أحمر دمي عكس لون الفستان

وكان كما قالت متناسب معه تماما وقد أضفى عليها سحرا خاصا

فوق جمالها به , أغلقت غطائه ومدته لها شاكرة فدفعت لها يدها

قائلة " هو لك سيدتي ستحتاجينه , أنا لا حاجة لي به فزوجي ميت

وأنا في حداد حاليا على زوج ابنتي الذي توفي في آخر معركة "

نظرت للأرض بحزن وقالت " يرحمه الله , لقد تعبنا من الموت حقا "

تنهدت تلك بأسى وقالت " لا شيء يكون بدون مقابل سيدتي , المهم

أن لا ندفع أثمان بلا نتيجة , ونحن نثق في سيدي مطر كثيرا "

رفعت نظرها لها وكانت ستقول شيئا لكنها تراجعت فهذه تبقى امرأة

غريبة عنها ولا تعرفها ومن الطبيعي أن تشجع ما يفعل ذاك الرجل

وهو زعيم قبائلهم , لكن ما لم تتوقعه أنه حتى بعد خسارتهم للأرواح

لازالوا في صفه !! غادرت تلك الخادمة لعملها ونظرت غسق لنفسها

مجددا في المرآة ذات الأدراج الخشبية والأعمدة الخشبية العريضة من

جانبيها والمصنوعة من خشب الزان الثقيل , كانت راضية عن نفسها

تماما ولا ترى أنها يمكن أن تكون أجمل من هكذا , سارت بخطوات

ثابتة واثقة نحو ذاك الباب المفتوح حتى دخلت منه لتجد المكان الواسع

يعج بالنسوة من مختلف الأعمار , هي معتادة على التواجد في مثل

هذه الأجواء وحضور المجالس المشابهة منذ صغرها لذلك لم يوترها

أبدا وقوفها في مكان يعج بنساء لكبار رجال قبيلتهم ولا نظراتهم لها

ما أن ظهرت لهم , نظرات بعضها كانت مصدومة وبعضها مبهورة

ولا تنكر أن بعضا منها كانت نظرات كارهة مستهجنة فبالتأكيد لن

يرضى الأغلبية بزواج زعيم قبيلتهم من ابنة زعيم صنوان , كانت

مسالة واحدة قد تسبب توجسا وتوترا لها وهي خروجه البارحة لكنها

لن تختبئ كالفأر كما يتوقع الجميع وكما خططت شقيقته ولن تعطيهم

الفرصة ليسخروا منها في غيابها أو يشفقوا عليها ظنا منهم أنها هاربة

من مواجهة الجميع , دخلت بخطوات ثابتة ورأس مرفوع لكن بطريقة

متواضعة وحيتهم بنبرة رقيقة وعبارات راقية كما عاشت وتعلمت وهي

تبتسم لهم برقي متجاهلة كل تلك الأشياء التي سببت لها الألم ولازالت

تؤلمها ثم أضافت والجميع منتبه لها بصمت أسكن المجلس وكأنه لا

أحد فيه " لم يخبرني أحد أنكم هنا من أجلي لقمت بواجبكم

كما يليق بكم "

ونظرت من فورها لجوزاء التي بادلتها نظرات حاقدة غاضبة من

الموقف الذي وضعتها فيه أمامهم ككاذبة , تحدثت عمتها قائلة قبلها

" أرسلت جوزاء لك الخادمة وقالت بأنها وجدتك نائمة فلم نرد

إزعاجك ونعلم أنك متعبة "


ابتسمت لها غسق بتقبل لكلامها فهي تعلم الآن أنه ضُحك عليها مثلها

من قِبل ابنة شقيقها وخادمتها , اقتربت فورا من الجالسات على طول

المجلس فوقفن من فورهن وبدأت بمصافحتهن وهن يهنئنها والجميع

مبهور من حسنها ورقي ثيابها ومنطقها وفخامة تعاملها معهم وكأنها

تعرفهم من أعوام واعتادت تبادل الكلام معهم , أمور اعترفوا بها بين

أنفسهم ومتهامسين بين بعض من أحب وجودها بينهم ومن كرهه

جلست بعدها في صدر المجلس وقد أفسحوا لها مكانا حيث عمة

زعيمهم وشقيقته وعادوا لحواراتهم ونقاشاتهم ، لم تكن الأجواء

تختلف كثيرا عن تلك التي في مجلس منزل والدها شراع , ذات

المشاكل والنقاط التي تدور حولها أحاديث نسوة كبار رجالهم

الاختلاف الوحيد الذي لاحظته هنا هو صمت جوزاء وعمتها التام

سوا من مشاركات قليلة في الرأي ليس كما اعتادت في منزل والدها

حيث كانت عمتها تتحاور معهم وتناقشهم ويحاولون معا إيجاد طرق

للمساهمة النسائية في أي شيء يخدم مصلحة قبائلهم , وكانت تعدهم

بطرح أفكارهم على زعيمهم ومناقشتها معه وذلك ما كان يحدث فعلا

أما هنا فتراه مجرد مجلس للفضفضة والترويح عن النفس رغم أهمية

المحاور التي يتحدثون حولها لكن لا يبدوا أن ثمة من يهتم لكل ما يقال

ويناقشهم فيه ويعدهم بشيء ولو أن يحاول !! أما هي فقد اكتفت بالصمت

والاستماع فكل ما يتحدثون عنه أمور تخص مدن ومناطق هي لا تعرف

عنها شيئا ولا عن مشاكلها رغم أن وضعها هنا يختلف عن صنوان كثيرا

فهناك كانت ابنة الزعيم التي لم تبلغ العشرين عاما بعد وتوجد شقيقته التي

تتولى مسئولية مجلس منزله أما هنا فهي زوجة زعيم قبائلهم وتهميشها أمر

لن ترضاه طبعا , لكن وضعها الآن لا يقتضي منها إلا صمت وخاصة أنها

لاحظت أن بعضهن يتوقفن عن الحديث فجأة وكأنها تذكرت وجود واحدة من

صنوان بينهم , وليست أي امرأة فهي ابنة زعيمهم هناك وستعمل على نقل

المعلومات إليه كما يضنون , وما لا يعلمنه أنها منذ أصبحت هنا لم تراه ولم

تسمع صوته فحتى الهاتف في المنزل يخضع للتحكم التام من جوزاء التي

تغلقه بمفتاح خاص به ما أن صارت سجينة لدى شقيقها , وما استغربته

أيضا أن أي واحدة منهن لم تلمح وتسخر من موقف البارحة وقد ترك

زعيمهم المنزل ليلة زواجه ولم يرجع , لكن سرعان ما أتاها الجواب

حين عاد الحديث لدفته الأساسية التي كانت تعج به وقالت إحداهن

" لو كان رجل آهر غير الزعيم مطر ما ترك عروسه ليلة

زواجه ليعالج مشاكل الحرب في خماصة "

نظرت لها مجاهدة نفسها كي تخفي صدمتها فما تعلمه أن خماصة

لم تكن لهم إلا إن أخذها وقت وجودها هنا فهي كانت منعزلة عن

العالم تماما ولا تعلم ما حدث طوال تلك الفترة !! فتحت فمها لتسأل

لكنها سرعان ما أغلقته حين تذكرت أن الجميع يضن أنها دخلت

الحالك يوم أمس فقط , لكن شعور التمزق داخلها لم تخفيه بسهولة

وهي تفكر كم أن هذا الرجل دموي ولا يبدوا أنه سيتوقف أبدا

تحدثت أخرى وقالت مبتسمة ونظرها على غسق " ما كان عليهم

دخولها ليلة زواجه وحرمان عروسه منه , رجاله كانوا أنانيين

جدا وجلبوا مشكلة تسببت في تركه لكل شيء والذهاب لهم "

وهناك كانت الضربة الأقوى من سابقتها ورغم أن تلك الفتاة الشابة

قالت ما قالته بلهجة مرحة بشوشة لا تنم عن سخرية ولا بغض إلا

أن غسق كرهت موضعها هذا وهي لا تعلم عن شيء حولها فحتى

عمته لم تخبرها بشيء سوا أنه كان مرغما على المغادرة , إن هي

تحدثت الآن وسألت سيعلمون فورا أنه خرج ولم يخبرها بشيء لا

هوا ولا غيره , وإن لاذت بالصمت ستظهر بمظهر الحمقاء لذلك

داست على مشاعرها وقلبها وكأنها تعصره بحدائها وقالت بثقة

" ما كنت لأرضى أن تطلع عليه شمس الصباح نائما بجانبي

وهناك من يحتاجه بشدة هناك "

لتطفوا على السطح تلك النظرات المستغربة لردة فعلها وقالت أخرى

" كان الأمر مأساويا ولن يكون الزعيم مطر إن لم يترك كل شيء

ويذهب فخبر العائلات المقتولة هناك بأطفالها كان فاجعة للجميع "

نظرت لها بصدمة لم تستطع لا إخفائها ولا محاربتها وقد بدءا جفنيها

بالاحتراق من بشاعة ما سمعت وكادت تنفجر فيهم بغضب باكي وتشتم

زعيمهم ورجاله أمامهم دون اكتراث لأحد لتخفف من اشتعالها للكارثة

التي لم تشهد مثلها منذ كبرت وعرفت سوا قصصا عن فعلة الهازان منذ

أكثر من عشرين عام لولا قالت عمته بحزن " كان غرضهم تشويه صورة

مطر ولو كان الثمن قتلهم لكن عدالة الله كانت أقوى وخرجت تلك الصور

الأخرى التي دمرت كل ما فعلوه وهو يحمل تلك الطفلة المتعلقة به

والناجية الوحيدة وصورة اثنين من رجاله يبكون من بشاعة ما رأوه "

وعند هنا كانت طاقة احتمالها للأمر وصلت للصفر وإن بقيت دقيقة

أخرى ستنفجر لهم باكية وهي تتخيل فقط تلك الوحشية والقتل فوقفت

وغادرت من هناك بخطوات جاهدت حدها كي لا يلاحظ أحد أنها

خطوات امرأة ميتة تسير على الأرض وصوت واحدة أخرى

من خلفها قائلة " تكذيب ما كان أمس وفي نفس

الليلة كان لصالحنا حقا "

تمنت أن تصرخ بها أن تصل للباب الذي وجدته بعيدا جدا عما

كان , وما أن كانت خارجه حتى أسرعت الخطى تمسح طرف

جفنها تريد أن تصل لغرفتها سريعا وتفرغ كل هذا هناك وحدها

لكن تلك الخطوات السريعة والغشاوة التي سببتها دموعها الحبيسة

منعتها من رؤية الشيء الذي اصطدمت به بقوة وهي تسير مسرعة

ورأسها شبه للأسفل فارتدت بقوة للخلف ولولا أنها لم تكن تركض

لكانت وقعت فورا لكن اليد التي أمسكت رسغها بقوة منعتها حتى

من الابتعاد لخطوات أخرى وشعرها الذي تناثر أمامها منعها

من رؤية أي شيء وشهقتها الرقيقة خرجت من صدمتها بالموقف

رفعت شعرها عن وجهها سريعا ممره أصابع يدها الأخرى فيه

للأعلى لتعود غرتها للتساقط تباعا متدرجة على جانبي شعرها

وجبينها وانفتحت عيناها بصدمة حين وجدت أماها من لم تعرفه

سوا ببذلته العاجية وكانت سترتها مفتوحة يلبس تحتها قميص أزرق

كلون النقوش في السترة تماما وكانت مرفقة لها , ووجدت نفسها

محدقة بملامحه دون أن ترمش فلم ترى سابقا رجلا تجتمع فيه كل

ما ترى أمامها الآن , شعره الأسود الحريري المقصوص ولحيته

المشذبة بعناية لتزيده من تلك الفخامة الرجولية , عينان سوداء شديدة

السواد واسعة بنظرة حادة مسيطرة تؤكد للناظر لها أنها نظرة قائد لا

يضيع من يده أي حق , يحفانهما حاجبان طويلان مستقيمان , أنف

حاد وفم قاسي زاد ملامحه جمودا فوق جمودها , وزادها هي ذعرا

فوق هيبته وصلابة شخصيته وبروز عضلات جسده من تحت ذاك

القميص والسترة تلك النظرة التي ينظر بها لها بل لعينيها بتركيز

لتبدءا بالزحف تباعا لشفتيها فعنقها فجسدها , تلك النظرة الجامدة

الصلبة التي كانت تشعر بها تحرقها كالنيران فأغمضت عينيها

لتعطي نفسها مجالا لتأخذ نفسا ولو لجزء من الثانية وتبعد عن

عقلها فكرة تنقل نظراته على جسدها بكل ثقة وأريحية كحق من

حقوقه وحده , ثم سرعان ما فتحتهما واستلت رسغها من قبضته

في حركة لم تكن عنيفة كارهة ورافضة لكنها كانت تحمل كل

معنى الاستقلالية للذات وأنها شيء لا يحق له إمساكه كما يريد

ولم تصدق نفسها وهي تبتعد بخطواتها عنه ولم تفقد وعيها بعد

وقد راقبتها نظراته ينظر جانبا حيث سارت مبتعدة تجمع شعرها

للأمام بإحدى يديها التي كشف كم فستانها ساعدها الأبيض

حتى اختفت خلف الممر الذي توجهت إليه

" مطر !! حمدا لله على سلامتك "

عاد بنظره من هناك للواقفة بجانبه الآخر وقال بجمود

" سلمك الله , هل عاد عمي من فزقين ؟ "

هزت رأسها بلا وقالت " هل أجلب لك شيئا تأكله فقد

رفعنا الغداء للتو "

قال متوجها جهة السلالم " حسنا ولا تتأخري "

ثم صعد ووصل لغرفته فتح الباب ودخل ليفاجئ بالتغيير الجذري

فيها من أثاثها لملاءات السرير ووسائده لسجاد الأرضية وحتى

الستائر فهز رأسه بيأس من عمه وتقدم من طاولة التزيين رمى

مفاتيحه هناك وأفرغ ما في جيوبه ثم توجه للنافذة وفتح ستائرها

بقوة ليدخل النور الطبيعي ووقف مكانه يشاهد الأفق وقد غاب تفكيره

مع ما حدث صباح اليوم والأخبار الجديدة التي كان لها مفعول

الصاعقة عليه أكثر من سابقتها , فبعد ساعات طويلة من ضج

القنوات بالصور التي عرضت فجر اليوم والأخبار والتكهنات

التي تناقلتها والتهم التي تلقاها ورجاله رغم أن أغلبها انصبت

عليهم لأنه لم يكن معهم ظهرت صورا أخرى اليوم لتثبت للعالم

الجانب الآخر من الحقيقة والمذنب الأساسي فيها , وأصبحت

أغلب أصابع الاتهام موجهة للهازان ولابن راكان بدلا عنهم

لكن خبر مقتل ضيغم أحد رجاله المقربين ومن سرب كل تلك

الصور لم يترك لانتصارهم أي لذة , مرر أصابعه في شعره

ونظرته تتحول للعبوس وهو يتذكر مكالمته له اليوم وفور نشر

الصور الأخرى وهو يقول له بصوت وجس خائف لم تخفى عنه

رنة الحزن فيه ( ما كنت لأغدر بك سيدي وأنا أحد أذرعك لكنهم

كانوا يريدون فعلها بأي طريقة كانت وإن لم أرضخ لهم أنا كانوا

سيبحثون عن غيري لذلك قبلت وهيئت لهم الأمر على أنه يسير في

المنحى الذي يريدون وأني رحبت بعرضهم المغري بسعادة لكي أقلب

خطتهم عليهم , أفضل من أن يغروا غيري بالمال ويفعلها ولا أحد

يعلم عنه ويقتلوني أنا ليموت السر معي , سامحني سيدي فقد لا

تطلع عليا شمس صباح غد , وحقق كل ما كنا نحلم به ونصبوا

له , عدني بوطن واحد موحد يعيش فيه أبنائي بسلام أرجوك )

شد مؤخرة عنقه بقوة يصر على أسنانه بغيظ وهمس بقهر

" لن يضيع دمك هذرا يا ضيغم ولن تذهب تضحيتك أدراج

الرياح يا بطل , أعدك وأنا ابن شاهين "

أغمض بعدها عينيه بقهر وغضب من نفسه لأنه لم يدرك أنهم قد

يفكرون على هذا النحو ويخسروه ثقة الناس في الهازان بأن يرجع

لهم أراضيهم ومدنهم حتى دفع أحد رجاله المقربين الثمن وفكر بذكاء

لطالما رآه في رجاله , بدأ يشعر بذهنه يبتعد عن تلك الموجة من

الأفكار وهو يستنشق العبير الغريب الذي ينبعث من ماذا لا

يعلم !! ثم سرعان ما تذكر أين ومتى استنشقه من قبل إنه ...

فتح عينيه وأبعد يده عن عنقه وفردها أمام وجهه فهي كانت مصدر

تلك الرائحة بسبب إمساكه لرسغها منذ قليل , ظهرت صورتها أمامه

فجأة وطريقة ابتعادها عنه بكل عنفوان أنثوي رقيق ورفض لاذع

مدجج باللباقة في ذات الوقت وعناد بطرق جديدة , وعادت صورتها

أمامه من جديد وعيناها المحتقنتان بالدموع ولم تخفيهما عنه هذه

المرة .... ليقطع حبل أفكاره فتح باب الغرفة ودخول جوزاء بصينية

الطعام الكبيرة ووضعتها على الطاولة فاستدار وتقدم منها وجلس

قائلا " أخبري عمتي تنتظرني في غرفتها سأستحم ثم أنزل لها

أريد أن أتحدث معها "

نظرت له باستغراب وكان يأكل ولا يعلم عنها في أي

أرض تكون فتنهد بعجز وخرجت من عنده

*

*
عادت للوقوف أمام النافذة ثم سرعان ما أغلقتها وعادت مجددا

جهة سريرها وجلست فوقه تحضن ركبتيها ولازالت تشعر بقلبها

ينبض بقوة وساقاها ترتجفان وصورة وجهه لا تفارق مخيلتها أبدا

تخيلته بأي صورة إلا تلك والرجولة تنضح منه وكأنها بركان ثائر

لم تشعر من قبل أن ثمة رجل يملك تلك الهالة القوية حوله وذاك

الطول والجسد الصلب , حتى تلك النظرة لم تعرف مثيلة لها من

قبل وكأنها لقائد حربي عاد من القرون الوسطى , دست وجهها

في ركبتيها تحضن نفسها أكثر وتلملم ارتجافها فبالرغم من كل

ذلك هي لازالت تراه مخيفا ولازالت تتهمه بالغطرسة والأنانية

وبأنه تسبب لها بالأذى الكثير منذ دخلت أراضيه وأمسك بها

ورجاله , هزت رأسها بقوة متأففة ثم رفعته للأعلى مسندة له

للجدار خلفها وقد مرت بها ذكرى كل ما سمعته عن خماصة

في ذاك المجلس لتنساب دموعها رغما عنها هذه المرة فأمسكت

فمها بيدها تمسك شهقتها الباكية فهي لن تفكر في منع نفسها

من البكاء على أبناء بلادها , على أطفال أبرياء ونساء اتخذوا

لعبة حرب ودفعوا ثمنا غاليا فقط من أجل مآرب سياسية

وحربية لا يد لهم فيها

*

*


أوصلتها جوزاء لغرفتها وما أن دخلتا من الباب حتى نظرت

لها فوقها وقالت " هل أخبرك ما الذي يريده ؟ "

هزت رأسها بلا وقالت وهي تساعدها لتجلس على سريرها

" قال أنه يريد التحدث معك فقط , ويبدوا أنه سيستحم ويغادر "

قالت ناظرة لها وهي تغطي ساقيها باللحاف " إذاً لما لم تتركيني

على الكرسي لأرجع للضيوف ؟ "

وقفت على طولها وقالت " ستتعبك قدماك ليلا عمتي فأنتي جالسة

منذ الصباح تستقبلين النسوة , سأقوم أنا بذلك فأغلبهن غادرن "

هزت رأسها بحسنا دون تعليق وخرجت تلك من فورها لحظة دخول

مطر واقترب من عمته التي قالت مبتسمة تراقب اقترابه منها

" حمدا لله على سلامتك بني وعلى تخطيكم لتلك المصيبة "

وصل عندها وقبل رأسها هامسا " شكرا عمتي "

ثم جلس في الكرسي الذي كان بجانب السرير وتفصله عنه عدة

خطوات , شعره الرطب لازال يبرق بسبب تأثير الماء على

لمعته السوداء مرتديا بنطلون كحلي وقميص قطني مريح بياقة

مفتوحة , قالت المقابلة له بذات ابتسامتها " مبارك لك بني رغم

أني أردتها مباركة كاملة وأنت تنام البارحة مع زوجتك "

هز رأسه هزة خفيفة وتمتم مبعدا نظره عنها " بارك

الله لنا في عمرك عمتي "

ثم عاد بنظره لها وقال بجدية " أخبريني عن أمر تلك العجوز

عزيرة فأمر إرجاعها هنا قد يكون مستحيلا حاليا وورائها

سر عليا أن أعرفه "

تمسكت بثباتها لأنها تعرف أنه سيلحظ أي ارتباك في ملامحها

وقالت " كما أخبرتك سابقا يا مطر هي كانت تولد نساء كثيرات

في تلك الحدود ولابد وأن أحدهم يبحث عنها لسبب ما يتعلق

بأحد الأطفال فهربت "

نظر لها بشك وقال " ألا يكون أنتي ذاك الشخص لذلك

هربت من هنا ؟ "

شهقت بقوة ليس لصدمتها من كلامه بل من تفكيره بهذا الشكل وقالت

" ومن أين ستعلم ؟ وما كانت معرفتها لذلك ستجعلها تهرب فكل ما

كنت أريد معرفته منها عن مولود المرأة التي سألتني عنه إحداهن

وتصر وتلح علي , ثم هي لن تخفي شيء عنك وتعلم أنك لن تضرها

فهي مجرد قابلة ليست كاتب عقود ولا ممن يأخذون أجورا

على تهريب الناس من حدودنا لتخاف "

قالت كلامها ذاك ثم سرعان ما غاص ذهنها فيما قال وفكرت هل

صدق تخمينه وتكون علمت عن بحثها عنها وصحيح أن أميمه

تلك ولدت مولودا لشقيقها دجى !! حسنا ذلك لن يجعلها تفر بجلدها

كانت لتقول ما لديها فقط ولن يمسها أحد بسوء , فما السر وراء

ذلك إن كان كلام مطر صحيحا ! أما أفكار الجالس أمامها فغابت

لأبعد من ذلك , قال بنبرة متزنة " إن ماتت تلك العجوز مات

معها الكثير وهذا ما لا أريده "

فتحت تلك فمها ثم سرعان ما عادت وأغلقته , أمور كثيرة تمنعها

من قول شكوكها تلك له , ثم هي لم تتأكد بعد من الأمر , لكن كما

قال خروجها وهروبها أمر يثير الكثير من الشكوك حولها , وهي

لن تضمن أن لا يسير ابن شقيقها على الاتفاق القديم ذاك مع تلك

القبيلة , ولا تريد لأي زعزعة للأوضاع مع صنوان في هذا

الوقت الحساس وابنته بينهم وزوجة له أيضا , تنهدت بعجز

وقالت " لا يوجد سر يموت للأبد بني تأكد من ذلك "

فتنفس بقوة واستسلم لصمتها رغم أن الشك بدأ يساوره من أن عمته

تخفي أمرا , وفكر أنه قد يكون فعلا يخص امرأة هنا لا تريد قول

اسمها لذلك تجاهل الأمر تماما , بينما نظرت هي له بتوجس وخيفة

من تحقيقه وذكائه وهي من تعرفه جيدا , وظنت أنه سيقف مغادرا

بعدما أنهى حديثه كعادته دائما لكنه نظر جانبا لبرهة وبصمت ثم

نظر للأرض تحته وكان مسندا مرفقيه لركبتيه ومرر أصابعه في

شعره الرطب القصير المصفف ثم شبك أصابعه ببعض ونظره

عليهم وقال " اسألي الفتاة عن مهرها فهي لم تحدد شيئا

والعقد لا يكتمل إلا به "

فابتسمت تمسك ضحكتها وهي تراقبه فرفع رأسه ونظر لها

وعبس متجهما من طريقة ابتسامتها تلك وما تخفي ثم وقف

وقال بجمود " سأغادر وقد أرجع متأخرا لذلك سأترك

الأمر لعمي وسأتحدث معه "

ثم غادر من فوره دون أن ينتظر تعليقا منها وعيناها تراقبه

وعلى شفتيها تتراقص تلك الابتسامة ذاتها وتمتمت بضحكة

صغيرة ما أن خرج " قل أنك تريدها الليلة في غرفتك

واختصر الطريق على نفسك يا ابن والدك "


المخرج ~


بقلم الغالية : همس الريح

مطر .......
انامطر ..امطرت نار
لاجل بلادي نفثت الشرار
لو ان لي وحدي القرار
لوحدت كل هاذي الديار
و انهيت هذا الدمار
وطني انا وطن الفخار
سهل تلال حتي القفار

********


نهاية الفصل .....
موعدنا القادم مساء الأربعاء إن شاء الله



أحداث الفصل كانت قصيرة وأكيد ما أروتكم وكان ودي أنزل فصلين

لكن الفصول المكتوبة عندي ثلاث فصول ونصف وصعب أنزل غير

فصل فلازم تساعدوني وأساعدكم عشان ما توقف الرواية ولأني

أنزل فصلين أسبوعيا يعتبر فصل واحد طويل في الأسبوع أي إننا

للآن نعد في الفصل التاسع واخترت فصلين عشان ما تبعد الأحداث

عنكم ولولا وعدي لتنزيلها لكم في العيد ما كنت نزلتها إلا الآن لأن

ظروفي أبدا ما ساعدتني على الكتابة فلازم توسعوا صدوركم وأنا

أعمل جهدي حتى ما توقف , أعتذر طبعا كل الاعتذار لفترة غيابي

كان عندي شوي ظروف وما دخلت إلا لما راسلت فيتامين سي

وأهملت تواصلي معكم والكتابة يمكن تبعدني عنكم هالفترة لكن

بناقش معاكم أهم النقاط الي بتطرحوها وكل سؤال إن شاء الله فلا

تحرموني من ردودكم الحلوة وتوقعاتكم بسبب تغيبي لأنها أكبر

دافع وداعم لي للكتابة وبكون معاكم قدر الإمكان والسلام عليكم

ورحمة الله وبركاته .... أختكم المحبة لكم برد المشاعر


Msamo likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:21 AM   #697

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعزائي متابعي روايتي من شرفني بالتعرف عليه ورؤية حروفه ومن لازال يتابع من خلف الكواليس أسعد الله مساءكم وكل أوقاتكم وأنار أيامكم برضاه وطاعته

طال غيابي عنكم والشوق للتواصل والتفاعل معكم يضنيني لكن ظروفي كانت أقوى مني وألتمس من قلوبكم الطيبة كل عذر , كنت متابعة ردودكم وتعليقاتكم وكم تسعدوني في كل حرف تكتبوه , أشعار من شاعرات ومواهب رائعة متعتني حد الإشباع حفظ الله لكم مواهبكم الرائعة , وتعليقات ممتعة مشبعة وتوقعات جميلة بعضها كان صائبا كما لاحظتم وستلاحظون مستقبلا .

سعدت جدا بانضمام كل جديدة لمركبنا المسافر رغم علو الأمواج أحيانا وكلما زاد عددكم زاد حماسي

وحبي للرواية , كما واشتقت وافتقدت كل من غابت أسمائهم ولم أراها أسأل الله أن يحفظهم ويرجعوا لنا سالمين .

أوجه شكرا عميقا وكبيرا للغالية لامارا من
فاجأتني مفاجأة لن أنسى تأثيرها على نفسي أبدا وأنا أرى أسمها وتعليقها على روايتي وأنها من متابعيها , وحين غصت في كلماتها دهشت للمنطق والرقة
والتفنن في التعبير وللخيال الخصب الذي تملكه .
لامارا إنسانة غالية على قلبي

كما يحبها الجميع وأحببتها أضعافا من حب فيتامين سي لها وذكرها الدائم والطيب في رسائلها لي .
إنسانة متفانية صادقة صبورة واكتشفت الآن أنها كنز خسره الكثيرمن الكاتبات في ردودها وتعليقاتها الرائعة

أسأل الله أن يحفظك غاليتي للمنتدى وأن لا أحرم من رؤية أسمك فيه ومن متابعتك لروايتي وأن تكون عند حسن ظنك للنهاية

وأعتذر عن رأيي في صورة غسق لأني أنا عن نفسي بحثت ولم أجد مثل التي أرسمها في مخيلتي إلا واحدة لا تنفع لتضم في غلاف حسب اعتقادي لذلك أعذرك والتقصيرلم يكن منك أبدا ,

هناك بعض النقاط التي أثرتموها وحسب ما أذكر سأحاول توضيحها ....

بالنسبة لعدد فصول الرواية والسؤال تكرر كثيرا فالجواب أنا لا أملكه ولا لنفسي لأنها قيد الكتابة ولم تحدد أبعاد النهاية بعد .

بالنسبة لجدة زيزفون هي ليست عزيرة نفسها وأسمها لم يذكر في الرواية سوا بأم إسحاق ابنها والد زيزفون.


هناك سؤال سبق وسمعته وتكرر وهوا عن أن جميع أبطال رواياتي من الشرطة وهذا بعيد عن الواقع فرواية ملامح أبطالها الثلاثة ليسوا من الشرطة والخمس أبطال في أشباه الظلال أيضا ورائد في منازل القمر أما في أوجاع فكانوا ثلاثة أساسيين كان من بينهم جابر وكان في الشرطة الجنائية والتحقيقات وكانت هذه الشخصية مترسخة في مخيلتي من فترة وكنت متخوفة من النجاح فيها وكانت بمثابة التحدي لنفسي أما في حصون
فكان فرضا أن يكون الأبطال من الشرطة بسبب قضية البطلات وإمساكهم وطريقة زواجهم بهن وطبعا الآن في جنون المطر نحن بعيدين عن الشرطة منغمسين أكثر في رجال الجيش وحتى في الجزء الثاني لن يكون أبطالنا من الشرطة إن شاء الله .

السؤال الآخر عن غسق ومطر في الجزء الثاني هما سيكونان محوره ولن يهملا أبدا وسنرى

تيم ومارية وزيزفون ووقاص وحتى رواح وساندرين وغيرهم من شخصيات المستقبل

كأبناء جوزاء واثنين آخرين لا أفضل ذكرهما ستتضح لنا شخصياتهم في هذا الجزء أما الوقائع ستكون مختلفة تماما عن هذا الجزء فلا تخشوا من الملل والتكرار ,

طول الفصل كان له نصيبه من الجدال الذي وصل للتجريح حاولت شرح ظروفي لكن الأمر لم ينجح
مع البعض لذلك ابتداء من فصل السبت إن شاء الله سيكون طول الفصل بما يساوي ثلاث فصول تقريبا وستتغير مواعيد التنزيل أيضا , أنا أحاول جهدي وأضغط على نفسي من أجل أن أرضيكم لكن إرضاء الناس غاية لا تدرك وأعتذر طبعا من اللواتي قدرن ظروفي برحابة صدر شاكرة لهن ذلك .

أما بالنسبة لمشاعر مطر أو الأبطال فهذا ما لن أغيره
حسب رغباتكم ولازلنا في البداية والفصول القادمة ستوضح لكم أكثر وأعتذر منكم لأني لن أغير في سير الأحداث أي شيء كما في طول الفصول , إن كان لكم أي أسئلة أو استفسارات إطرحوها وسأحاول جمعها والإجابة عنها .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .....
أحتكم المحبة لكم دائما برد المشاعر


جنون المطر ( الجزء الأول)

الفصل التاسع عشر


المدخل ~

بقلم الغالية : دندنة روح

رجفه بين الاضلاع وجسد مسجى بين قطرات الدماء
جدتي اهذه لحظه الوداع
اهكذا ستتركيني
جدتي لا تهذري معي
فانا انتظرك عند الباب
جدتي متى ستحضرين
ومن السواد وبركه الدماء ستنتشلين
جدتي ما عدت قادره على الوقوف
جمدت اطرافي من الانتظار
جدتي
طال الغياب
جدتي يا ابي وامي وكل الاحباب
عودي الي فانا لااحتمل التعذيب
جدتي هذا انا زيزفون الا تذكرين
ام ستتخلين عني كما الباقيين
شهقه ودمعه وانكسار السنين يقول لك
انا زيزفون الا تتذكرين

*******

ومن هناك دخلت تلك البلاد في موجة جديدة من الأحداث , وأصبحت

الهازان تغلي من الداخل وأحوالها في تردي مستمر وأصبح ذعر الناس

من ماذا لا يعلمون !! بعدما حتى زعيم قبائلهم ورجاله الذين يمثلون

الحكومة بالنسبة لهم لم يعودوا الظهر الحامي والملجأ الآمن , وكثر

الهرج والمرج والتصديق والتكذيب وقطعوا الكهرباء عنهم نهائيا كي

لا تستمع الناس لباقي الأخبار في المذياع ويكون تكذيب الخبر بالنسبة

لهم أمر أسهل وقد يتقبله الجميع , حتى بدأت بعض الأيدي الخفية بلعبتها

وسربت ولأول مرة صحف خارجية بطرق مجهولة وانتشرت في ذاك

الجزء من البلاد كانتشار الوباء مع أناس لم تكن عندهم صحف ودار نشر

يوما , ومع أخبار كتلك وصور كالتي عرضت فيها لابن شاهين يحمل

طفلة متعلقة بعنقه بقوة تدس وجهها فيه ولازال ببذلة زواجه وصورة

أخرى لاثنين من رجاله أحدهما يستند بذراعه للجدار ويبكي وآخر

يحاول إبعاده عنه ثم في الصورة الأخرى يتكئ ذاك على كتف رفيقه

من الخلف ويبكي مثله بدلا من إسكاته , انتشار تلك الصحف كان أمرا

لم يستطع أحد إيقافه أو الحد منه وفي كل منزل رميت صحيفة داخل

سوره في عمل منظم وخلال ساعات قليلة من ذاك الليل لينقلب

السحر على الساحر في غضون ساعات .

أبعد نظره عن التلفاز الضخم المسطح الذي حوت شاشته على صورة

مطر والطفلة المتعلقة بعنقه ونظر لوالده المتكئ بمرفقيه على طاولة

المكتب أمامه يسند ذقنه بيديه مخفيا فمه فيهما وينظر للتلفاز بتركيز

والصور تتغير لما نشرته الهازان عن جثث العائلات ورجال الحالك

حولها , قال بهدوء " هي ذات البلدة أليس كذلك ؟ "

هز ذاك رأسه بنعم دون كلام ودون أن يزيح نظره عن شاشة التلفاز

فتنفس بقوة وقال " قد لا تكونا من ضمنهم وخرجتا من البلدة

هل تقصيت عنهما ؟ "

أبعد يديه واتكأ للخلف على ظهر الكرسي الجلدي الطويل وقال

ونظره شاردا مكانه " بل جثتها ضمن تلك الصور "

فتح سلطان فمه من الصدمة وقال بعدم استيعاب " الطفلة أم

الجدة أم كليهما ؟ "

وقف ضرار من خلف مكتبه وقال " الجدة ولابد وأن تكون

الطفلة معها "

قال ابنه من فوره " وقد تكون تلك الناجية الوحيدة "

أطرق برأسه ولم يعلق فقال ذاك " هل تأكدت من هويتها ؟ "

هز رأسه بلا وقال " ابن شاهين يتكتم عن الأمر ورد على رسول

خفي أنه لو كان لها أهل ما تركوها هناك للموت , وأن عائلتها من

ماتت هناك وأنه لن يسلمها للهازان ولا على قطع عنقه ولم يفصح

عن أي شيء يخصها ولا حتى من وجدوا معها مقتولا وكيف

نجت هي "

هز سلطان رأسه بإحباط وقال " لن نعرف الآن حتى إن كانت

حية أم لا "

خرج ذاك من خلف مكتبه فقال سلطان ونظره يتبعه " كان عملهم

منظما , لقد انتشرت الصحف في الهازان بسرعة البرق , أرى

أن يكون ثمة حلقة وصل بينهم وبين ابن شاهين , سينجح الأمر

أكثر حينها "

التفت له عند الباب وقال " لا هذا مرفوض فالرجل لا يريد كشف

هويته الحقيقية ولا أنه لازال على قيد الحياة , ولا تنسى سرية

معاونه أيضا , لو أرادا الاتصال به لوجدا ألف طريقة , نحن قمنا

بواجبنا وإن لم نستطع حماية ضرغام منهم لكننا أحبطنا مخططهم

وعند هنا انتهت مهمتنا الحالية "

ثم خرج مغلقا الباب خلفه ونظرات ابنه تتبعه حائرا في تغير مزاجه

ولم يتوقع أن خبر موت تلك المرأة سيؤثر به هكذا ! ومن الطبيعي

أن يستغرب فهوا لا يعلم أنه افتتن بها حد الهوس قبل أن يتزوج بها

ورغم صغر سنها , وأنه لو كان يعلم أنه يمكنه إنجاب ابن من زوجة

أخرى وليس أمرا مستحيلا كما ظن أسلافه جميعهم لما كان فرط فيها

أبدا , ولولا كبريائه الغبي منعه من البحث عنها والعودة لها بعدما

اكتشف الأمر من إنجاب ابنه لمولود واحد من كل امرأة تزوجها

لكان أخرجها وحفيدته من تلك البلاد مثل باقي عائلته لكن

ندمه الآن لن ينفعه في شيء فقد خسرها للأبد

*

*

*

رمى الجريدة على المكتب فرفع شراع نظره للواقف فوقه

وقد قال بوجوم " من كثرتها تسربت لنا نحن هنا صنوان "

نظر للجريدة تحته ولصورة مطر والبذلة العاجية محتضنة جسده

مبرزة أكثر ذاك الجسد القوي والطفلة شبه شقراء الشعر لتثبت

انتمائها لتلك البلدة متعلقة به بقوة وكأنه آخر أمل لها في الحياة

قال الكاسر " قل شيئا يا أبي "

أبعد شراع الصحيفة جانبا وقال ببرود " وما الذي سأقوله

وفيما سيجدي ؟ "

قبض على يديه بقوة وقال من بين أسنانه " هذا لن يضر

الهازان وحدها , إنه يمسنا نحن أيضا "

رفع شراع نظره له للأعلى في صمت فأشار كاسر بأصابعه

وأضاف بضيق " ثلاث مدن في وسط الهازان تمردت وأغلقت

مداخلها ومخارجها على ابن راكان رافضين له ولحكمه لهم

مطالبين بتقديم التبرير أو ينشقون عنهم ويسلمون المدن

لابن شاهين ما أن يصل لهم "
ثم قبض أصابعه ورمى بيده جانبا وتابع بحنق " وليس ذلك فقط

بل أعلنوا بأنهم سيقاتلون مع ابن شاهين ضد رجال قبائلهم , وجل

ما أخشاه أن تحذوا باقي المدن حذوهم وأن يتسلل التمرد لصنوان

وأن يخشى الناس من أن نفعل كابن راكان أو يهابوا ابن شاهين

ويسلموا له , أو يكونوا يخططون لهذا من الآن ونحن في

غفلة عنهم "

أطرق شراع برأسه وقال بصوت عميق أجوف " إن كانت قبائل

صنوان ترفض حتى السلم مع ابن شاهين فكيف تسلم له وتنظم

لجيوشه !! قل شيئا يصدقه العقل يا كاسر , ثم لا تنسى أن ابن

راكان كان له سوابق دموية مع بعض أبناء قبائلهم فكم قتل منهم

بتهم الخيانة وكم تغاضى عن بعض العمليات الإرهابية التي راح

ضحيتها الكثيرين بإهمال متعمد منه , والبعض تمرد عليه وقتلهم

دون تراجع فمن الطبيعي أن يحدث هذا في قبائله خاصة بعد فعلته

الأخيرة هذه , لكن الوضع هنا مختلف وعناد الناس في عدم

التسليم للحالك لا يزداد إلا شدة "

" وغسق ؟ "

أغمض شراع عينيه بقوة ولم يجبه ولم يرفع رأسه فقال مجددا

" ماذا عنها يا أبي ..؟ قل شيئا "

فتح عينيه وتنفس بقوة وقال " أصبحت عند زوجها ولا

حق لنا في شيء بعدما عقد عليها "

انفجر حينها الواقف فوقه قائلا بغضب " نحن من تهاون حتى

أصبحت زوجته , أخبرني فقط لما لم تعطه أي عرض مغر

ليتركها وإن بتسليمك لبعض قرى الحدود له ؟ لما تركتها له

هكذا برخص التراب وكأن أمرها لا يعنيك !! "

نظر له فوقه وقال بحدة " غسق أخطأت وفعلت شيئا من رأسها

دون أن تحسب حسابا لأحد فدعها تدفع ثمن أخطائها وتتعلم منها "

هز الكاسر رأسه بقوة ورفض وقال ضاربا بيده على صدره

" إن كان أمر ابنتك التي ربيت لا يعنيك فأمر شقيقتي يعنيني

ولم يخفى عنا جميعا القهر حتى في ملامحك وتغيرك منذ

دخولها هناك "

وقف شراع على طوله وقال بضيق " توقف هيا عن النحيب

كالأطفال , شقيقتك أصبحت زوجته من يومين , أعد أنها

تزوجت من رجل في مدننا البعيدة , الأمران سيان "

صاح حينها بحدة " لا ليسا سيان فذاك من قبائلنا ولا أحد

سيعيّرها أو يهينها , ثم سيكون بإمكاني الوصول لها متى

أردت وسأحمل أطفالها على ذراعي "

تنفس شراع بقوة مهدأ نفسه وقال بجمود " البلاد مقبلة على مرحلة

حاسمة وظروف شديدة وشقيقتك لا ائتمن عليها مع أحد , وابن شاهين

وحده من يستطيع حمايتها وأضمن أنه سيدفع دمه ثمنا على أن يلمسها

أحد , وهو ابن عمها فإن أصابها مكروه لن يلوم غير نفسه حينها

ليس كما الوضع لو كانت هنا "

صفق الكاسر يديه ببعض وقال بسخرية ونبرة مقهور " وكأن الذي

يتكلم أمامي ليس والدي الذي أعرفه , يستأمن ابن شاهين على امرأة

يضنها ابنة شراع صنوان ولا يعلم أنها من دمه وابنة عمه "

صرخ فيه شراع بصرامة وأمر " أغلق الموضوع كم مرة سأعيد

وأكرر يا كاسر , وقسما وأنا شراع وها أنا أعيدها مجددا إن شممت

فقط أن واحد منكم تعرض لزوجها أو فعل أي شيء لا هو ابني ولا

أعرفه ومنزلي لا يرحب به ويدي لن تصافح يده حتى أموت "

قال الكاسر باعتراض " أبي توقف عن القسم هكذا , جبران وصلتني

أخبار عنه أنه يتتبع تحركات ابن شاهين وهو يصر على جنونه

فلا تشتت العائلة بسبب ذاك الرجل "

تحرك حينها شراع من خلف مكتبه وقال قاصدا الباب " فليفعلها فقط

وقسما أنه ليس ابني ولن أعترف به ومطرود من صنوان أيضا "

وخرج من فوره تاركا الذي يركل الكرسي بقدمه بقوة منفسا عن

غضبه فيه متمتما من بين أسنانه " سحقا لابن شاهين ولليوم

الذي عرفناه فيه وولدته فيه أمه "

*

*

وصل سيارته ولازال أحد الثلاثة السائرين خلفه يتابع حديثه

قائلا " تقدمنا الآن نحو الهازان سيكون خطوة ناجحة

بعد تلك الصحف التي انتشرت بينهم "

فتح باب السيارة والتفت لهم ووقف مسندا مرفقه بابها وقال بجدية

" بل ثمة خطوة أهم الآن وسنلتقي فجرا في حوران ومنها

سننطلق للحدود مجددا وسنناقش الأمر في الطريق "

قال أحد الواقفين " وماذا بشأن ذاك المبلغ الضخم والسلاح ؟ "

علق الثالث قائلا " مليار دولار وباخرة أسلحة تنزل في أحد سواحلنا

ومؤمن أيضا والجهة سرية أليس في الأمر خدعة ما !! "

قال مطر بنظرة ثابتة تتجول بين ثلاثتهم " بلغتهم بأمر واحد أني لن

أقدم أي مقابل مستقبلا لهذه الإمدادات مجهولة الهوية والمصدر فلا

يطمع صاحبها بأن أرفع له جميلا بهذا فيما بعد ويطلب ما يريد

وسنُخضع تلك الأسلحة للتجربة وسنستغل الأموال لتوفير المواد

الطبية وبعض الأطعمة ولن ندخر شيئا أو نرفضه فلا مطامع

سياسية لدينا ولا يعنينا من ذلك شيء وكل دعم مقبول

مادام المقابل مرفوض "

اشاروا برؤوسهم بالموافقة فركب كرسيه قائلا " أرجعوا الآن

لمنازلكم ستحتاجون لبعض الراحة قبل يوم غد "

ثم أغلق بابه وانطلق بالسيارة من فوره ليشق نورها القوي وهدير

محركها حلكة ذاك الليل وصمته المميت وعقله لازال مشوشا بأحداث

البلاد الأخيرة وصورة ضيغم لا تفارق مخيلته ولم يرتح له بال حتى

أمن رجوع عائلته للحالك سالمين , كره حقا أنه لم يخبره من البداية

عن نيتهم تلك لكان تصرف في الأمر بمعرفته وأحبط خطتهم لصالحه

وما كان الضحية أولائك العائلات البريئة لكن الأوان قد فات وكما قال

حارثة قبل قليل في نقاشهم للأمر أنه لن يخلوا رجالهم من الجواسيس

وهذا أمر طبيعي جدا وإن كان واحدا فقط ولابد وأن يشي بهم إن أخبره

ضيغم وخططوا للنيل منهم وكما قال ضيغم نفسه في مكالمته فهم إن لم

يستعينوا به سيجدون غيره وسيقتلونه في كل الأحوال , قبض بقوة

وغضب على المقود ثم رفع يده لشعره ممرا أصابعها فيه وتنفس

بتعب ثم نظر لساعته التي كانت تشير لمنتصف الليل ثم عاد

بنظره للطريق مركزا عليه فلم يعد يفصله عن حوران

ومنزله الكثير


*

*

" ها , ماذا قلتِ يا غسق ؟ "

نظرت ليديها في حجرها بصمت ولم تتحدث فتنهدت الجالسة

أمامها تراقبها وقد أخفت غرتها وجوانب شعرها ملامحها عنها

ابتسمت بحب وقالت " وهذا جواب لن يرضي زوجك

يا غسق "

خرج صوتها الرقيق الحزين قائلة " إذاً لماذا ؟ "

نظرت لها باستغراب فرفعت وجهها وقد احتقنت وجنتيها ولمعت

الدموع المسجونة في عينيها وقالت بأسى " لماذا أنا من يحدد مهري ؟ "

قالت العمة بهدوء " لأنك ابنة شراع ولأنه زعيم الحالك ومهرك

لن يكون كأي فتاة أخرى غيرك , والزواج بدون مهر لا يتم

يا غسق , هكذا هو الشرع "

ابتسمت بمرارة لتخرج نبرتها ساخرة تشبه الأنين " شرع !! "

وتابعت بحنق تجاهد دموعها أكثر " وإجبار البكر على الزواج

أيضا لا يجوز شرعا وأنا لم يأخذ رأيي أحد ولم أوافق "

مدت يدها وأمسكت كفها وحضنته بكلى يديها وقالت بحنان

" لقد أوصاني منذ الظهيرة أن أسألك وأنا نمت وقتها ثم كنتِ أنتي

نائمة حين أفقت بعد العصر , وقد يرجع الآن في أي لحظة ويريد

جوابك فلا تدخلي في مشاكل معه يا غسق فكل ما تقوليه لن يجدي

الآن في شيء ووالدك زوّجك به ومؤكد تثقين في قراراته "

خرجت عبرتها رغما عنها ورغم أن دمعتها لازالت متحجرة في

عينيها وقالت بحرقة " والدي !! أقسم ما كان ليزوجني ضد

رغبتي ولا أعلم ما حدث جعله وافق هكذا وهو من كان

سيزوجني قريبا "

نظرت لها تلك باستغراب وقالت " كان سيزوجك ؟ "

أشاحت غسق بوجهها جانبا وقالت ببرود " نعم كنت مخطوبة

وزواجي كان أقرب من موعد زواجنا هذا "

قالت الجالسة أمامها سريعا " ولم تكوني تريديه زوجا ؟ "

نظرت لها غسق بسرعة وقالت بصدمة " كيف علمتِ ! "

ضحكت وقالت " أنتي فضحتِ نفسك الآن , ثم الأمر ليس معقدا

كي لا أفهمه فمن تكون مخطوبة لرجل تحبه ويزوجوها لغيره

كانت ستقلب الدنيا على رؤوسنا ولن تتحلى بحكمتك تلك في

مواجهة الواقع مهما كنتِ ترفضينه "

قالت غسق بحنق " صمتي لا يعني أني راضية عن كل

هذا , لم أرد أن ... "

ثم سرعان ما مسحت عينيها حين رأت أنها تحدثت فيما أقسمت

أن لا تتحدث عنه مع أحد هنا وقالت " أخبريه إذا أنك لم

تسأليني لأني لن أجيب بشيء "

ضحكت رغما عنها وتركت يدها قائلة " وهل تظني أنه سيرضى

بهذا ؟ أقسم أن يشن هجومه على الغرفة ويخرجك الليلة مرغمة "

انفتحت عينا غسق على وسعهما وقد انطلق ضحكة الجالسة أمامها

على الصدمة التي علت وجهها وخداها اللذان توهجا بشدة وكانت

ستتحدث لولا أوقفها ذاك الصوت

" عمتي "

الصوت الذي تلته طرقات خفيفة على الباب النصف مفتوح , والكلمة

الوحيدة التي كانت كفيلة بجعل جسد الجالسة على السرير يرتعد بشدة

ما أن علمت من يكون صاحب ذاك الصوت العميق الخشن ببحته

الغريبة والحروف قد خرجت منه كسولة تدل على إرهاق وتعب

صاحبها فابتسمت تلك ناظرة لها وهمست " هل أناديه ليسمع

الرد منك مباشرة "

هزت غسق رأسها بقوة وأشارت لها بيدها هامسة

" أخرجي له بسرعة وأغلقي الباب خلفك "

لتخرج ضحكتها مجددا وتراجعت بكرسيها للخلف محركة عجلاته

حين عاد الطرق مجددا وقالت موجهة حديثها للتي تركتها خلفها

وهي تتوجه للباب " الموجودة زوجته لا أعلم لما لا يدخل

ويرحمني منكما ؟ "

وخرجت تاركة الباب بعدها مفتوحا فقفزت من السرير ما أن

سمعت عجلات كرسيها تبتعد وأغلقت الباب بسرعة وعادت

للداخل ولو كان الأمر بيدها لقفزت من النافدة هاربة فهي موقنة

من عودته ما أن تخبره عمته أنها لم تجب عن سؤاله بشأن مهرها

توجهت للنافذة ونظرت من خلالها للأسفل وتمتمت بعبوس

" ترى لو قفزت ألن تنكسر ساقي ؟؟ "

ثم أدخلت رأسها وأغلقتها بقوة وبدأت بالدوران في الغرفة كالتائهة

وتشعر بوهن قاتل في ساقيها ولم تعودا تقويان على حملها وفكرة

واحدة مجنونة تقول لها أهربي من هنا فسيرجع لا محالة وحينها

لن يجدك في الغرفة ويصعد لينام ويتركك


*

*

ما أن اقترب بكرسيها من ممر غرفتها حتى كسر الصمت بينهما

قائلا " يبدوا لم تتحدثي معها إلا الآن من وجودك هذا الوقت

في غرفتها ؟ "

مدت يدها لمقبض الباب الذي وصلته وقالت وهي تفتحه " نمت ما

أن غادرت أنت ثم وجدتها بعد العصر نائمة وعند المغيب كنت في

المجلس فالنسوة لم يتوقفن عن زيارتنا اليوم خاصة وأن من حضرن

نهارا رأوها وأصبح الجميع يريد إشباع فضوله برؤية الحسناء

التي سقطت علينا من السماء "

كانت تعلم أنه لن يعلق على نغزها له بكلماتها لكنه خان توقعاتها

وهو يحملها من الكرسي برفق ويضعها على سريرها وقال ببرود

" وهل جلبنا بضاعة ليفتشنها ؟ ما أسخف أفكار النساء "

عبست في وجهه مازحة وقالت " في وجهي يا ابن شقيقي ؟ "

ثم أضافت مبتسمة " معهن حق أنا العجوز لم أشبع من النظر لها

وهي تتعامل معهم كأميرة على بنات جيلها "

نظر لها نظرة تفهمها جيدا وقال بجمود " ما كان جوابها عمتي

لأني متعب وأريد أن أنام وسأغادر غدا باكرا "

عضت لسانها حين وصلا للذي تعلم بأنه لن يعجبه أبدا وقالت

" نم إذا وارتاح وغدا يوم جديد يكفي الفتاة ما حدث حتى الآن

فهي متوترة وتبدوا لي غير مقتنعة بكل هذا "

ونظرت له بتوجس وهي ترى الضيق على ملامحه وتعلم أنه

يمسك لسانه عنها بصعوبة وقد أمسك وسطه بيديه في نفاذ صبر

فتشهدت على نفسها وقالت " لم تجبني بشيء فاصبر عليها يا

مطر الفتاة أ..... "

قاطعها مغادرا " تصبحين على خير عمتي "

ونظراتها المصدومة تتبعه فلم تتوقع أن لا يزمجر غاصبا بأنها

تسخر منه وأنها لا تعلم من يكون ومن ذاك الكلام الغاضب وأن

يشتم والدها من حيث ولد , قالت بسرعة قبل أن يخرج

" مطر "

وقف ممسكا مقبض الباب الذي فتحه والتفت لها فقالت بهدوء

" بالرفق عليها بني النساء لسن كالحرب وكساحات القتال "

التوى طرف شفتيه بابتسامة باردة فقالت مبتسمة قبل أن يعلق

تعليقا لاذعا تعرفه جيدا " بعض الأمور تنفع في الحرب لكنها

لا تجدي مع النساء يا مطر "

فتح الباب أكثر قائلا ببرود " لا تقلقي عمتي فمجلسي رغم أهم

رجال الحرب فيه فثلاث أرباع حديثهم الممل عن النساء "

ثم خرج مغلقا الباب خلفه وسلك الممر ناظرا للساعة في معصمه

وسرعان ما وقف وأمسك جبينه متأففا بإحباط فقد نسي أن يوصيها

تخبر جوزاء توقظه فجرا إن لم يستيقظ على الأذان ، لف الممر الآخر

قاصدا غرفتها وما أن تخطى زاويته حتى أوقفه مكانه خيال التي

ظهرت عند آخر الممر تسير للأمام ورأسها للخلف لا تنظر لشيء

أمامها وقد انساب شعرها على كتفها بسبب التفاتها ورائها فدس يديه

في جيوبه واقفا مكانه ينظر لها حتى وصلت عنده ونظرت أمامها

لخياله الذي شعرت بوجوده فقفزت مكانها بشهقة المصدومة فلم تتخيل

أنها هربت منه إليه وكل غرضها كان اللجوء لغرفة أخرى فارغة

هربا ولو من هواجسها , وقفت مكانها وقد قابلت نظرتها المصدومة

نظرته الباردة الغامضة تلك مركزة على عينيها فتراجعت خطوة

للخلف وبلعت ريقها بصعوبة وقد ارتفعت أصابعها لأطراف غرتها

في حركة لا إرادية ودستهم خلف أذنيها وتنحت جانبا قليلا متجنبة

ذاك المغناطيس الذي يشدها للنظر لعينيه لتجد نفسها ملتصقة بالجدار

تماما وسرعان ما هربت بنظرها فورا للأرض لتنزل غرتها مغطية

لمعظم وجهها وزادها الشعر الذي تدلى على كتفيها حاجبا لها تماما

عنه مفسحة له الطريق فلم تجد لنفسها مفرا سوا أن تبتعد مدعية ذلك

ليكمل طريقه لكنه بقي واقفا مكانه وجال بنظره على جسدها نزولا

من الشعر الحريري الذي أخفى ملامحها عنه للفستان الصيفي قصير

الأكمام وقد كشف طوله جزء من ركبتيها نثرت عليه زهرات صغيرة

مغطية قماش أرضيته البيضاء الناصعة , وقد خبئت يديها خلفها على

الجدار ، التوت ابتسامة متهكمة على شفتيه وهو يتذكر كلام عمته

عن ردها فدار بجسده حتى وقف أمامها وسند يده بجانب رأسها على

الجدار خلفها وانحنى برأسه حتى أصبح تنفسه يحرك خصلات غرتها

وها هوا يعترف بأن هذه الفتاة حركت فيه فضولا قاتلا لاكتشاف صحة

كلام والدها من عدمه وهو يرى عنادها الأنثوي من لقاءين لهما فقط

فلم تستهوه النساء من قبل ولم تشده أي امرأة ولم يفكر بهن ولا يعرف

من عالمهن سوا الحديث الذي لا ينتهي من رجاله عنهن المتزوج منهم

والأعزب لكن أحدا منهم لم يذكر هذا في امرأة من قبل , امرأة تشن

ضده حربا بلا أسلحة وكأنها تتحداه سرا بهجوم من خلف جمالها

الفريد ورقتها الظاهرة للعيان وبدون أن تتحدث .

كل ذاك الوقت من تفرسه في معالم خوارجها ودواخلها وأصابعها

تقطع بعضها خلف جسدها وقد فقدت آخر درة للتماسك وأغمضت

عينيها بقوة فقد انهارت دفاعاتها أمام اقترابه منها هكذا ورائحة جسده

تعبر خلاياها مع أنفاسها وقد انحصر الهواء في محيطها في الفراغ

بينهما فقط ، ورغم إغماضها القوي لعينيها كان شعورها بوجوده قويا

وأقوى من أن تتجاهله وهو بهذا القرب منها وكأنه يختبر قوة تحملها

في صده مجددا وكأن الأمر تحول للعبة عناد بينهما ، كانت ضربات

قلبها تدوي في أذنيها والشيء الوحيد الذي استطاعت السيطرة عليه

هوا انتظام أنفاسها كي لا تخونها أمامه ويظهر له خوفها وتوترها

بينما كان اللعب أكثر سهولة مع من أسند ساعده ومرفقه أيضا على

الجدار وازداد بذلك اقترابه منها ومن رأسها المنحني للأسفل ليرسل

عقلها للجنون تكاد تصرخ هاربة منه وخرجت كلماته بصوت منخفض

وعيناه على الملامح المختبئة عنه وكأنه يراها من خلف ذاك الشعر

الحريري لتزداد بحة صوته وضوحا زاد من اتزان نبرته وميزها

أكثر قائلا ببرود جاف " ألم يخبرك أحد هنا أن ثمة رجل

يعيش في هذا المنزل غيري ؟ "

رطبت شفتيها بسرعة وغاص قلبها من سماع صوته وهو بهذا

القرب كما غاصت الكلمات في حلقها وبدأت تفقد دفاعاتها شيئا

فشيئا حتى وصلها صوته مجددا حين طال صمتها

" أسمعيني صوتك لأرى ؟ "

عضت شفتها بقوة وقهر من أسلوبه المتهكم الفض ومن ثقته

الزائدة بنفسه وتنفست بقوة وبطء لم يلحظه وأجابت بصوت

منخفض يكاد يكون همسا من رقته " بلى أخبروني "

فأنزل رأسه أكثر وكأنه يريد التأكد من ذاك الصوت الرقيق حد

ألامعقول إن كان خرج منها وليس لشيء آخر وإن كان صرير

الباب خلفه , ولو أن هذا الصوت لا يشبه صرير الأبواب أبدا

وسرعان ما جاءه اليقين حين تابعت كلامها بعد برهة استجمعت

فيها ما تبقى من قواها وقالت بذات صوتها المنخفض الناعم وجسدها

يكاد يسقط الجدار خلفها من كثرة ضغطها عليه محاولة الابتعاد أكثر

عن الواقف أمامها " أخبروني أنه يسكن جناحا مستقلا وأصبح يستخدم

بابه الخارجي ولا يدخل هنا أبدا لذلك لم أحتط لوجوده , ولا تنسى

أنه في عمر والدي أو يزيد "

شقت شفتيه القاسية ابتسامة ساخرة ملتوية ولازال يحرك رأسه ونظره

بحثا عن ثغرة من بين ذاك الشعر لعلها تظهر شيئا من ملامحها ليدرس

رد فعل تلك الملامح وهي تستخدم كلماتها كراجمة صواريخ ولازالت

تعتمد على أسلوب الأدب والرقة وهي تجيب سؤاله بينما وفي ذات

الوقت تذكره بأنه يتعدى حقوقه جهة عمه وكأنه يشك بأخلاقه , فإن

كان لا يعرفها هي فيفترض بأنه يعرف عمه جيدا وهذا ما رمته به

في ضربة مباشرة في نهاية كلامها وكأنها تضع أصبعها في عينه

كان بإمكانه وقتها طبعا أن يزمجر فيها بغضب بأنه يعرف عمه أكثر

منها وأن لا تتهمه واحدة مثلها ذاك الاتهام المبطن لكن ذلك ما كان

ليصدر من رجل مثله أكثر ما يتحلى به هو التروي وأكثر ما يثيره

ويعشق في الحياة هو المبارزة بأي شيء والمنتصر من يرفع يده

عاليا بسلاحه أي كان نوعه ولو كان حسيا , نزل بنظره حتى قدميها

وابتسم بانتصار حين وجد الرد المناسب لاتهامها فرفع قدمه وكان

ينتعل حداءا صيفيا جلديا مخططا تظهر منه تفاصيل قدميه وأصابعه

وأنزل طرفها ملامسا لأصابع قدمها الحافية وقال بسخرية وهو

يضغط عليها برفق " ولا الحذاء يا ابنة شراع ؟ "

فعضت شفتها بقوة وقد وصلها مغزى كلامه ولو أنها متيقنة من أنه

يعلم أن ما يقوله خاطئ ويعلم مثلها أيضا أن السبب الذي أخرجها من

غرفتها عكس ما رماها به وتمنت لحظتها لو كان بإمكانها ركله بقوة

وإيلامه ليعرف من تكون ابنة شراع التي سخر منها , لكنها اتبعت ذات

أسلوبها القديم فسحبت قدمها من تحت حدائه ورغم أنها لن تضمن غضبه

مرة أخرى بعدما تجاهل كلامها السابق ولو أنه انتقم منها بطريقة مغايرة

ثنت ركبتها قليلا ورفعت قدمها تلك على طرف أصابعها وقالت

" ليس ابن شاهين من تهزمه امرأة كما ليست ابنة شراع من

يكسرها رجل "

فأمسك ابتسامته بمهارة محركا لسانه على أسنانه العلوية ثم انحنى

برأسه أكثر حتى اتكأ جبينه على رأسها في حركة كانت حميمية

قاتلة بالنسبة لها وقد شعرت بساقيها لما تعودان تقويان على حملها

وبدأت بغرس أضافرها في صلابة الجدار خلفها ووصلها همسه

الرجولي المبحوح " أنتي متى تستيقظين فجرا ؟ هل تدركين

المؤذن ؟ "

" مطر "

رفع رأسه فورا ونظر جانبا لصاحبة الصوت الذي ظهرت فجأة في

الممر , أما الواقفة أمامه فلازالت على حالها رأسها للأسفل تصارع

ذاك الكم الهائل من المشاعر التي اجتاحتها فجئه وجلها متناقضة تماما

أبعد رأسه عن رأسها لكنه لم يبعد يده ولا مرفقه عن الجدار ولم يتراجع

للخلف ولا خطوة وبقي محافظا على المسافة بينهما غير مكترث ولا

بالتي تكاد تبكي خجلا مما وجدتهما شقيقته عليه , قال بجمود

ونظره عليها " نعم يا جوزاء ؟ "

وحافظت الواقفة هناك على مشاعر غضبها أن لا تخرج للسطح

من رؤيتهما هنا ووضعهما الحميمي ذاك رغم جهلها بالحديث

الذي كان يدور بينهما وقالت " هل قابلت عمي صقر ؟ "

قال باستغراب " لا , هاتفه معطل من أيام كما تعلمي , لماذا ؟ "

قالت من فورها " اتصل وقت المغرب من فزقين وطلب خمسون

رجلا مسلحا وأرسلوا له أربعون آخرين من أعيان القبائل في

حوران ولم يرجع حتى الآن "
أبعد حينها مرفقه ويده لازالت مستندة على الجدار بجانب رأس

الواقفة أمامه وابتعد جسده عنها أكثر سامحا للهواء بالمرور لرئتيها

وكأنه كان يحجبه عنها تماما وقال غاظنا جبينه ونظره لم يزحه

عن شقيقته " ما الذي حدث هناك ؟ "

علت نظرة الانتصار على ملامحها وقالت " قال أن المشاكل بين

القبيلتين تجددت هناك وأنه سيتحكم في الأمر وأن لا نخبرك

لكني قلقة عليه "

أبعد حينها يده وتحرك مسرعا ناحيتها واجتازها وهو يخرج هاتفه

وقد وصلهما صوته رغم اختفائه خلف الممر وهو يطلب من أحد

العمال أن يخرج له السيارة التي طلبها فرفعت حينها غسق رأسها

وكانت ستتحرك ففوجئت بالواقفة هناك لا تزال مكانها تنظر لها تلك

النظرة التي تفهمها جيدا وكأنها تقول لها ( لثاني مرة فضّل غيرك

على البقاء معك ولم يغره شيء فيك للبقاء ولا جمالك كامرأة

واحتياجه كرجل )

لكنها قابلت نظراتها تلك ببرود تام متمنية أن تفجر هذا المنزل على

رؤوس عائلته ليعلموا أنهم لا يلعبون مع أي امرأة , شقيقها ثم هي

وكأنها في ساحة قتال ( ستري أنتي وشقيقك من تكون غسق )

تحركت وبدلا من أن ترجع أدراجها جهة غرفتها اجتازتها حتى

كانت عند غرفة عمتهم وطرقت الباب طرقات خفيفة ثم دخلت

وأغلقته خلفها وأشعلت النور فنظرت لها النائمة على سريرها

باستغراب ثم جلست بمساعدة مرفقها تسحب نفسها ببعض الجهد

وقالت مبتسمة " ما بك أنتي وزوجك معي الليلة ؟ "

لكنها لم ترى الابتسامة على ملامح الواجمة الغاضبة الواقفة

هناك من مزحتها تلك ولا الخجل واحمرار خديها كالعادة

حين تتحدث عنه أمامها وقالت غسق كابحة غضبها بالقوة

" قررت ما أريد مهرا لي "

*

*

استيقظ على صوت ضحك طفلة من بعيد حتى خيل له أنه لازال

نائما ويحلم حتى عادت له ذكرى ما حدث البارحة والطفلة التي

جلبها معه فرمى اللحاف من عليه وغادر سريره وخرج من الغرفة

بملابس النوم ووقع نظره على زوجته الجالسة تدغدغ تلك الطفلة

الشقراء النائمة في حجرها وهي تضحك بهستيرية فابتسم واقترب

منهما حتى شعرت به وتوقفت عما تفعل ثم نظرت له وهو

يجلس أمامهما وقالت مبتسمة " لقد أيقظناك بأصواتنا , آسفة

كنت متعبا وبحاجة للراحة "

هز رأسه بتفهم وقال " كنت سأستيقظ على كل حال لأصلي

وسنغادر للحدود من جديد فسيجتمع الزعيم مطر بنا هناك "

ثم مد يديه للطفلة التي لازالت في حجر زوجته وقال مبتسما

بحنان " أين صباح الخير لبابا يا زيزفون "

نظرت له لبرهة ثم للأعلى حيث وجه الجالسة في حجرها

فقالت لها مبتسمة " صبحي على بابا هيا "

فنظرت له ومدت يدها ببعض التردد فأمسكها منها وسحبها حتى

وقفت وتقدمت منه الخطوتين ببطء فشدها لحضنه وقبل خدها

قائلا بابتسامة " حسنا أنا من سأقول صباح الخير

لزيزفون الجميلة "

تنهدت الجالسة أمامه بحزن وقالت " لم تنم البارحة نصف ساعة على

بعضه وكل حين والآخر تستفيق صارخة مذعورة وتبكي وتنادي

جدتها , وما زرعت الضحكة على شفتيها إلا بصعوبة بالغة "

مسح على شعرها وهي تتكئ برأسها على صدره العريض وقال

" ما رأته ليس بالأمر السهل خصوصا على من هي في حالتها "

مدت يدها ومسحت على طرف وجه النائمة في حضن الجالس أمامها

وقالت " أرى أن نعرضها على الأطباء ولو لففنا بها الحالك جميعها

فعلامات التوحد لا تظهر على حركاتها وتبدوا لي طبيعية

سوا في نقص الفهم لديها "

هز رأسه بنعم وقال " ورقة التقرير التي وجدناها مع أوراقها تبين

نسبة نقص التعلم والإدراك لديهما وهي لم تصل لتلك النسبة الخطيرة

وما أعلمه عن هذا المرض أنه لا يشفى منه الطفل بالعمليات الجراحية

وسأبحث عن متخصص ولو ملم بالأمر بشكل عام مع أن وضع البلاد

لا يساعد لكني سأحاول جهدي "

هزت رأسها بحسنا مبتسمة بتفاؤل ثم وقفت قائلة وهي تتوجه

بخطوات سريعة لمطبخ المنزل الصغير " سأعد لك شيئا تأكله

بعد أن تصلي , لا تغادر بدون طعام "

قال وهو يتبعها بنظره " أخرجي لي بذلة عسكرية للسيارة لا

أريد أن ألبسها أمامها وأخرج بها وتخاف مني "


*

*

دخل من الباب الجانبي للمقر مع بزوغ أول خيوط الفجر ليستغل

ذاك الوقت قبل أن يفتح الطبيب عيادته فقد أصبح يغادر غرفتهم

فجرا قاصدا مقر الجنود ، وصل حيث اتفقا ووجده هناك بالفعل

واقفا ينتظره وكم خشي أن يكون يسخر منه فقط ولن يجد أحدا

وسيجلس خلف المبنى وحيدا ينتظر وقت دوام الطبيب في

عيادته , ركض نحوه مسرعا وقال بنفس لاهث ما أن وصل

له " ضننت أني لن أجدك "

ضحك ذاك ثم شد له أذنه شدا خفيفا وقال بجد تمثيلي " لا يا تيم

على مدربك أن يعلمك الصدق والإيفاء بالوعود قبل كل شيء "

ثم ربت على رأسه قائلا " هيا سنأخذ كم دورة حول هذه الساحة

الصغيرة وندرب ساعديك قليلا , وهذه التمارين سنقوم بها

كل صباح ... اتفقنا ؟ "

هز رأسه له بالموافقة وعلى الفور انطلقا راكضين بجانب بعضهما

ورغم إعياء جسده النحيل أصر أن يكمل معه الخمسون دورة حول

الساحة الخلفية للمقر فبالرغم من صغرها مقارنة بساحاته الأخرى

إلا أنها كانت كبيرة جدا على فتى في عمره ، توقفا ما أن انتهت

دورتهما الأخيرة واستند تيم بيديه على ركبتيه منحني الظهر يتنفس

بقوة وسرعة فضحك الواقف فوقه وقال " بعد أيام سيصبح هذا

أمرا عاديا بالنسبة لك ولن تتعب منه "

ثم مد له قارورة ماء بارد صغيرة وقال " هيا اشرب وبلل

شعرت وسننتقل لتمارين اليدين كحصة يومية كما اتفقنا "

وراقبه بدهشة وإعجاب وهو يأخذ منه القارورة دون أسئلة ولا

تذمر وقد شرب الماء كله ثم قال وهو يغلق القارورة " أمي قالت

لي مرارا أن لا أسكب الماء البارد على رأسي الساخن ولا في

الصيف لأن ذلك سيضرني وإن على الأمد البعيد "

شعث له شعره الناعم الكثيف غير مكترث بانزعاجه وقال ضاحكا

" يبدوا أن والدتك تحبك كثير وترى مستقبلا زاهرا لك "

ثم تحرك بخطوات سريعة جانبا وهو يقول " تعال اتبعني

سنطبق كل تمرين عشر مرات فقط حتى تعتاد عليه "

*

*

كان واقفا يمسك وسطه بيديه ينظر جانبا ويستمع بانتباه للذي يشرح

له الوضع بدقة ولازال عاقدا بين حاجبيه بضيق ثم حول نظره

منه لعمه صقر الواقف أمامه وما أن وقع نظره عليه حتى قال

الآخر بضيق " هل ارتحت الآن وأشبعت فضولك ؟ "

نظر له ببرود ولم يعلق ثم تحرك متوجها لسيارته فتبعه قائلا بضيق

" لا أعلم تراني طفلا أمامك أم ماذا ؟ أم أنها المشكلة الأولى

التي أجد لها حلا وأنت في جبهات القتال ولست هنا "

قاطعه السائر أمامه قائلا بضيق أكبر " عمي أنت تعلم حساسية

الوضع وهنا بالذات وترسل بطلب رجال وتطوقون المنطقة

وتوقفونهم بقوة السلاح وتستخف بالأمر لهذا الحد !! "

تأفف عمه من خلفه وقد وقف ما أن وقف مطر عند باب سيارته

وقال ناظرا لقفاه أمامه " لا تتفاخر لأنك وجدت حلا لتعقد المشكلة

وسليطة اللسان جوزاء تلك أخبرتها من البداية وأصررت عليها أن

لا تخبرك وأن الأمور ستسير على ما يرام , كنت أعلم أنك سترجع

ليلا لتنام وترتاح لكنها كالمذياع تتكتم عن أي شيء "

فتح باب السيارة وركب وقال وهو يغلقه " هيا أم تريد أن تنام هنا ؟ "

هز صقر رأسه بيأس منه وتمتم وهو يلف حول السيارة

" أعان الله ابنة شراع عليك "

ثم ركب ونظر له وقال وقد انطلقا مسرعين " لن يحدث شيء

لو بقيت في المنزل البارحة ونمت مع عروسك يا رجل "

قال ببرود ونظره على الطريق الترابي أمامه " عروسي لن تطير "

هز رأسه بيأس مجددا وسوى جلسته ناظرا للأمام وقال ببرود أشد

" تعلّم من رجالك , من تزوج منهم لم نراه لأيام ولم يتزوجوا

من بنصف حسن زوجتك يا عديم الذوق "

رمقه بنظرة لاذعة بطرف عينه وعلق بسخرية " لماذا لا

تتزوج ؟ أراك بدأت تتوق للنساء فجأة!

نظر له صقر بصدمة ولجمود ملامحه وكأنه لم يقل شيئا فعض

شفته بقهر منه وقال بغيظ " أكبر خطأ ارتكبه شقيقي شاهين

أن أنجبك أنت "

وجوابه طبعا ابتسامة باردة ساخرة ولم يعلق جعلت الجالس بجانبه

يزداد اشتعالا وقال لينتقم منه " على الأقل لا تصل يدي لبنات

صنوان من كثرة ما أكره للنساء "

لكن الجالس خلف المقود يتحكم في حركته بخفة ومهارة لم يتأثر من

كلامه كالعادة وغير مجرى حديثهم عن خطوتهم القادمة وسرعان

ما انسجم عمه معه بحماس ناسيا ما كانا فيه فكلاهما يفهم الآخر جيدا

ولا يحمل في قلبه عليه أبدا ويحبه محبته لنفسه ويعلم مطر وجهة نظر

عمه من زواجه بابنة شراع والطريقة التي كانت عليها ورآه ظلما في

حق الفتاة , استمر حديثهما بطول الطريق التي سلكاها حتى كانا

عند مدخل حوران ونظر له عمه وقال " وها هي المشكلة انتهت

عليك الآن أن تستقر في المنزل وإن ليومين كأي رجل تزوج

حديثا "

غير يد السرعة ولف بالسيارة يمينا وقال " بل سأغادر فورا

للحدود مع الهازان وستستقبل أنت وفد أعيان القبيلتين "

صر الجالس بجانبه على أسنانه وقال بغيظ

" مطــــــر "

أوقف السيارة ما أن اجتازا البوابة الضخمة المفتوحة وقال ببرود

وهوا يفتح الباب بجانبه " ومطر هو مطر قبل أن يتزوج أو بعده "

ثم تابع وهو ينزل " هناك مسائل كثيرة تنتظرني هناك لها كل

الأولوية وعلى النساء أن لا يكن إلا في المرتبة الثانية "

نزل عمه وضرب الباب خلفه بقوة ووقف ويداه وسط جسده ينظر

له بضيق وهو ينزل سلاحه الرشاش من الكرسي الخلفي للسيارة

وقال ونظره عليه " لما لم تتركها لغيرك تزوجها مجنون نساء

حد قولك فعلى الأقل لا حدود ولا جبهات تحتاجه "

رشقه بنظرة باردة وهو يمسك سلاحه عاليا ويؤمنه بسحبة

سريعة وخفيفة بيده وبكل مهارة ثم أنزله ممسكا له من منتصفه

وقال سائرا جهة المنزل وذاك يتبعه " سمعت أنك أصبحت تستخدم

الباب الخارجي لجناحك في المنزل , هل طلب منك أحدهم

هذا أو ضايقك ؟ "
حرك السائر خلفه رأسه بضجر وقال ببرود " يالا ألسنة النساء

ألا يخفين في جعبتهن شيئا !! ومن أخبرك بهذه أيضا ؟ مؤكد

تلك الجوزاء "

لكن السائر أمامه لم يجبه بشيء وقد أعاد له سؤال عمه ذكرى ما

حدث البارحة فتمتم مكررا جملتها الأخيرة له " ليس ابن شاهين

من تهزمه امرأة كما ليست ابنة شراع من يكسرها رجل "

تمتم بها بهمس ساخر لم يصل للسائر خلفه وهو يفكر في خبايا

مضمونها ومتأكد جيدا من أن الشطر الأخير قصدت به شيئا لم

يحدث بعد وأنها تخبئ له مفاجأة معتبرة , ولولا يقينه بأنها لن

تفكر في الهرب من هنا لإثارة الشوشرة حوله وليس من أجلها

طبعا بل من أجل والدها شراع وما سيقال عنه لكان فسر

كلامها بأنها تفكر جديا في فعل ذلك مهما كلفها الأمر .

صعد الدرجات القليلة للمنزل في قفزات سريعة , اجتاز الباب بخطوات

واسعة حتى كان في داخل المنزل ونظر للخادمة التي توجهت نحوه

مسرعة تحمل أوراقا التقطتها بخفة من على أحدى الطاولات في أحد

الزوايا واقتربت منه قائلة " سيدي أحدهم جلب هذه الأوراق وقال أنه

عليك أن تطلع عليها ما أن ترجع فهوا لم يجدك ولا السيد صقر وقد

عاد لمرتين اليوم "

أخذها منها وثبت سلاحه على كتفه ليحرر يده الأخرى فقالت ونظرها

عليه وهو يورقها ومنشغل بها " السيدة الكبيرة تطلبك في غرفتها

وقالت أن نؤكد لك أن تذهب لها ما أن تأتي "

هز رأسه بحسنا دون تعليق وقال وهو يقلب إحدى الأوراق

لأنها كانت مقلوبة " نادي لي غسق بسرعة "

*

*

تأففت بحنق ورمت المشط بقوة فقد أصبحت تكره الاستحمام

بسبب شعرها وتشابكه فرغم نعومته إلا أنه يتحول لمجموعة من

العقد ما أن تغسله وهي ليست مهمة صعبة لكنها لم تعتد على فعلها

رفعت نظرها للباب الذي صدر منه صوت طرقات خفيفة وما أن

تكرر الطرق مجددا حتى قالت " تفضلي "

فانفتح ببطء وظهرت من خلفه الخادمة التي قالت مبتسمة

" السيد يطلبك "

نظرت لها ببلاهة لوقت ثم قالت " من ؟ "

أجابت تلك وقد اتسعت ابتسامتها " السيد مطر طبعا "

رطبت شفتيها سريعا تخفي تلك الرجفة التي سرت كالصاعقة

في جسدها كي لا تلحظ الواقفة هناك توترها وقالت بنفس قوي

" متى عاد ؟ "

قالت الخادمة سريعا " الآن من دقيقة فقط وهو في بهو المنزل "

مررت يدها على صدرها نزولا وكأنها تتأكد من أن قلبها لازال

في مكانه وقالت بصوت كئيب " لم يرى عمته ؟ "

هزت تلك رأسها بلا وقالت " أخبرته أنها تريده لكنه لم

يذهب لها بعد "

رطبت شفتيها مجددا وقد انتابها بعض الارتياح فهذا يعني

أنها لم تخبره بعد , وقفت قائلة " حسنا "

فغادرت تلك من فورها ورفعت هي يديها بسرعة وتأكدت من

شعرها حيث كان مجموعا في جانب واحد وكان ما يزال رطبا

لأنها أنهت حمامها للتو , أخذت نفسا قويا تردد لنفسها أنها لن

تخاف منه ولن تهابه مجددا لكن عقلها كان يقفز بين نقطتي الجنون

والخوف وهي تحاول أن تجد جوابا عما يريد منها يرسل الخادمة

لها إن لم يكن تحدث مع عمته وأخبرته بما قالت !! ولما لم يأت

بنفسه ولازال حتى الآن يعتبر غرفتها مكانا محرما عليه ؟!

مررت أطراف أصابعها يدها تحت جفنيها ثم تحركت من مكانها

وخرجت من الباب بخطوات ثابتة حتى اجتزت الممر وظهر لها

من بعيد واقفا يقلب أوراقا في يديه وتلك الخادمة تقف جانبا منتظرة

عضت شفتها بقوة وقد أصبحت خطواتها وجلة بطيئة ما أن وقع

نظرها عليه وحضوره المهيب ملأ المكان رغم اتساعه حتى كانت

تكاد تشعر بالاختناق وعيناها تتنقلان في تفاصيله , كان ما يزال

بملابسه البارحة البنطلون الكحلي والقميص القطني بأكمامه الطويلة

حتى ذاك الحداء الجلدي الصيفي ذاته لم يغيره , ارتجفت أوصالها

ما أن وقع نظرها على السلاح الذي يحمله على كتفه وضغطت

قبضتيها بقوة وانفلتت منها تنهيدة قوية ما أن رفع نظره شاعرا

باقترابها حيث أن حدائها كان ارضيا لا يصدر عنه أي صوت

ورغم أنها لم تصل عنده بعد فقد علم بوصولها , ضيقت عينيها

بضيق وهي تلاحظ نظرته لها ذاتها كلما رآها , نظرة من أعلى

رأسها حتى أخمص قدميها ولم تفهم أيقيمها في كل مرة أو يتعمد

أن يوقعها فيما هي فيه الآن وهي تسترجع تفاصيلها لتتأكد أنه لا

خطأ فيها من فستانها الأسود الطويل بحملاته العريضة يمسكهما

زران أبيضان كبيران ومدوران عند الصدر , وتحته بلوزة حريرية

بيضاء بدون أكمام وحذاء أبيض خفيف , أبعدت نظرها عنه ما أن

ارتفع نظره لوجهها مجددا وكانت قد وصلت لهما لا تفصلها عنه

سوا خطوتين ووقفت في صمت تنظر لكل شيء حولها عدا
الواقف أمامها فمد الأوراق للخادمة الواقفة بجانبه وقال ونظره
على الوجه ذو العينان الواسعتان والخدان المتوردان أمامه " جهزي لي الحمام

أريد المياه باردة , والبذلة العسكرية الرمادية في آخر الخزانة

والملابس الداخلية والجوارب أيضا "

كانت تضنه يتحدث للخادمة التي أخذت منه الأوراق ولازالت

واقفة مكانها حتى رفعت نظرها بصدمة ما أن قال وهو يرفع حزام

سلاحه مبعدا له عن كتفه ومده لها قائلا ببرود " وخذي هذا معك

للأعلى ولا تلمس الخادمات شيئا أو تصعد إحداهن للغرفة "

نقلت نظرها منه للخادمة بجانبه ثم للسلاح في يده ومدت يدها له

فلا تريد للخادمة أن تسمع كلاما أو ترى شيئا لا يفترض أن تراه

ما أن أمسكت أصابعها الطويلة الرقيقة بطرفه الأمامي عند فوهته

حتى تركه فهوت يدها بسبب ثقله حتى ارتكز أرضا ولازالت

تمسكه وقد خرجت منها شهقة رقيقة مصدومة فلم تتوقعه ثقيلا

هكذا فهي كانت تراه دائما لكنها لم تحمله يوما ولم تفكر في

فعلها , قال مغادرا من فوره " لا تعبثي به , لقد أمنته لكن

الفضول يقتل أحيانا "

وغادر مبتعدا وهي ترمقه بنظرة غاضبة حانقة ( يا لا بروده

وتعجرفه ما يقصد بهذا ؟ هل يراني طفلة أمامه ! أم أني لا أعيش

مثله في بلاد حروب ورأيت هذا وغيره الكثير وأعلم مدى

خطورة العبث بهم )

أعادت نظرها للخادمة التي تحدثت فجأة " لقد أعطاني مفتاح الغرفة

لأعطيه لك فإن كان ثمة أغراض للسيد تحتاج الغسيل والكي أنزليها

لنا سيدتي فدخول غرفته ممنوع عنا منذ كانت له وحده "

نظرت لها باستغراب وقالت " ولماذا ؟ "

رفعت تلك كتفيها وقالت " لا علم لي فقد عملنا جميعنا حديثا وما

فهمته أنه تم تغيير جميع الخادمات في المنزل ولم يكن يدخلها سوا

السيدة جوزاء وهي من تهتم ببعض ما يحتاج حتى أخذ الطعام له

واغلب الأمور يفعلها لنفسه بنفسه ويغلقها طوال فترة تغيبه عن

المنزل وإن لساعات "

لوت شفتيها وودت أن تقول ( ولما الآن أنا من عليه فعلها وليس

هو ؟ ) لكنها هزت رأسها بحسنا وأخذت المفتاح منها وغادرت

تسحب ذاك السلاح من حزامه بطريقة لو رآها تفعلها لما أنقذها

من لسانه اللاذع شيء , صعدت السلالم وجل تفكيرها في سبب

منعه للخادمات دخول غرفته ؟ ثم سرعان ما فكرت في أن جميعهن

كبيرات في السن نسبيا ! تأففت تطرد تلك الأفكار من رأسها وصعدت

باقي العتبات بسرعة كي لا يرجع ويجدها هناك ومؤكد سيكون تحدث

مع عمته وهي لا تريد أن تستقبل ردة فعله الآن على ما طلبت مهرا لها

فتحت باب الغرفة التي علمت سابقا أنها غرفتهما ودخلت وأغلقت

الباب خلفها ووقع نظرها فورا على السرير الواسع المحاذي للنافدة

الطويلة وكان بأعمدة عريضة من الخشب الثقيل تتدلى من جوانبه

ستائر من قماش الشيفون الناعم من أجل الخصوصية المطلقة فيه

وضعت يدها على جبينها المشتعل من حرارته وهي تتخيل أنها

غرفتهما كما هوا مخطط لها وأنه عليها أن تنام مع ذاك الرجل على

هذا السرير , شعرت بجسدها يتعرق بشدة تحت ذاك الفستان من

مجرد الفكرة وحمدت الله أنه يربط كل شيء بتحديدها لمهرها وما

أن يعلم ما طلبت سيطول تجنبه لها فترة أطول , عضت طرف

شفتها تمسك ابتسامتها وهي تنظر لأطراف الستائر من الجهة

المقابلة التي يبدوا أنه رماها للأعلى مبعدا لها ثم تقدمت من

السرير تسحب سلاحه وتمتمت بشبه ضحكة " يالا الرجل

الخالي من الرومانسية "

رفعت السلاح ورمته على السرير ثم وقفت مكانها تنظر له بتركيز

ومررت أناملها على أخمصه المصنوع من الخشب برفق متتبعة

الحروف المحفورة عليه بخط أنيق وقرأتها بسهولة

( كلنا فداء للوطن )

ظنت للوهلة أنها كتابة نقشت حين صنعوا هذا السلاح لكن ما أن

مررت أصابعها على الكلمة الرقيقة المتداخلة تحتها بطريقة

فنية رائعة ولم تفهم ترابط حروفها إلا بعد وقت لتكتشف أنها

عبارة عن حروف متداخلة لأسمه ( مطر )

أبعدت يدها حينها بسرعة خاطفة وضمتها لصدرها فقد شعرت

بأن تلك الأحرف لسعتها وكأنها نار أحرقت أطراف أناملها

وشعور غريب تولد بدخلها وهي تقرأ الأحرف مجددا

( كلنا فداء للوطن )

هزت رأسها بقوة تطرد منه تلك الأفكار الغبية التي تحاول طرد

صورة الرجل الهمجي التي رسمتها له في عقلها فيكفيها فقط أن

تتذكر أنه على استعداد لقتل والدها وأشقائها وقبيلة والدتها جميعهم

إذا ما وقفوا في وجه مخططه وهذا وحده يبعث ألما لا يطاق منه

في داخلها ويؤجج نار شوقها لهم التي لم تنطفئ لحظة وهو السبب

الوحيد فيها وفي إبعادها عنهم .

عادت لتحريك السلاح وعدلته بالطريقة التي خططت لها مبتسمة بمكر

ثم نزلت من السرير قبل أن تسيطر عليها رائحته العالقة فيه , فأكثر

ما باتت تكره سيطرة تفاصيله على حواسها رغما عنها ودون شعور

فتحت الخزانة وأخرجت ثيابه وتوجهت بها أيضا للسرير

*

*


كانت يديه في جيوبه يقف متكأ على أحد أرفف المكتبة التي تغطي أغلب

جدران مكتب جده في شركته عدا ذاك الجانب الذي كان عبارة عن خلفية

زجاجية تكشف منظر الخارج وأضواء مدينة الضباب الليلية المتلألئة

وكانت عيناه تنظر بتركيز للشاشة المسطحة الكبيرة المعلقة على

الجدار ملتفت برأسه جانبا ليقابلها مسندا إحدى قدميه للخلف

كان المعروض عليها فيلما أجنبيا وبدون صوت تراقب عيناه حركات

بطل الفيلم وطريقة تحدثه وهو يأخذ وحده كامل الشاشة ولا يظهر

من يحدثه في الجانب الآخر حتى ابتعدت الصورة برفعه ليديه

وأمسك وجه فتاة شقراء فاتنة كانت تقف أمامه وسرعان ما تبادلا

قبلات شغوفة فأبعد نظره سريعا عن هناك ونظر جهة مكتب جده

واحمر وجهه حين وجده ينظر له وهو من توقع أنه لازال منغمسا

في أوراقه وحساباته , خرجت ضحكة الجالس هناك وقال مبتسما

" أصبحت تنضج بسرعة يا وقاص فلم يثبت لي شاربك

الأسود الخفيف ذلك سابقا "

أبعد وقاص نظره عنه ونقله لحدائه في الأسفل وقال بإحراج

" حدث الأمر فجأة ولم أتعمده "

عاد جده للضحك مجددا وقال " أعلم ورأيت انتفاض جسدك مما

رأيت وهكذا أريدك يا حفيدي ولا تنسى أننا مسلمين "

نظر لجده بصمت ولم يعلق فابتسم له ذاك وقال " حين تصبح

يافعا سأزوجك بنفسي ممن تستحقك "

ابتسم له وقاص ولم يزعجه أبدا ما سمع ولم يراه تحكما في مصيره

فهوا يحب جده ويثق بكل ما يختاره له وما يريده أن يكون عليه

قال ضرار بمكر " ولا تفرح بهذا فذاك لن يكون قريبا حتى تصبح

رجلا كاملا ناضجا فلا حفيد عندي سيتزوج قبل أن يشارف

الثلاثين من عمره "

خرجت ضحكة وقاص رغما عنه وقال " لو سمعك رواح لفقد

عقله وقال بأن الشقراوات سيرينه عجوزا حينها "

ضحك ضرار بصوت مرتفع دوى في أرجاء ذاك المكتب الفخم

وقال " لا تحتك به كثيرا فتصبح زير نساء بسببه "

قال وقاص مبتسما " أراه جيدا ولن يكون كما تتوقع "

هز ذاك رأسه بنعم وقال " بالطبع فرواح له مميزات كثيرة وأخطط

له لأمر سيعجبه ويخدمه مستقبلا , فقط ليصبح أكبر من الآن بعامين

أو ثلاثة فلن أقبل استهتارا أو ضياع مستقبل لأي واحد من أحفادي "

ابتسم وقاص برضا تام ابتسامة سرعان ما ماتت ما أن تذكر ذاك

الحديث الذي سمعه وتلك الحفيدة التي يخفون أمرها عنهم وقال

بتوجس حذر وهو نفسه لم يتخيل أن تخرج منه تلك الكلمات

" وحفيدتك يا جدي ؟ "

توجم وجه ضرار بشكل مخيف وكانت ملامحه مكفهرة أقرب

منها للصدمة وقال بجمود " من أخبرك عنها ؟ "

نظر وقاص للأسفل متجنبا النظر لعيني جده وقال " سمعتك

ووالدي مصادفة تتحدثان عنها وغادرت سريعا حين أدركت

أن الأمر سريا ولا يخصني "

ثم رفع نظره به مجددا وقال " لما هي ليست معنا ؟ "

نظر له جده بقسوة نظرة لم يعرفها وقاص منه سابقا وقال

" أنت بنفسك قلت أن الأمر لا يخصك "

لاذ بالصمت ولم يعلق ولم يزح نظره عنه أيضا فوقف ضرار

وقال " هي من قتلى بلدة خماصة ولا تتحدث عن الأمر مجددا "

وخرج من هناك ونظرات الواقف مكانه تتبعه بصدمة حتى غادر المكتب

ثم تحرك جهة مكتب جده ونظر للصحيفة التي لاحظ أنها لم تفارق طاولته

منذ يومين ونظر لها ليفاجئ أنها كانت مفتوحة على الصفحة التي تعرض

صورة مطر يحمل الطفلة الناجية من عائلات تلك البلدة ونظر سريعا لباب

المكتب الذي خرج منه جده للتو ثم عاد بنظره للصورة من جديد مركزا

على تلك الطفلة التي لا يظهر منها سوا شعرها المائل للشقار وذراعاها

الأبيضان المتمسكان بقوة بعنق ذاك الرجل يكشفهما فستانها الزهري

الذي لا أكمام له فمد يده ورفع تلك الصحيفة متفحصا لصورتها أكثر

ودهنه يسافر لما سمعه من جده ووالده عنها وقد انتابه الشك في أمرها

من وجود هذه الصحيفة ليومين هنا ومن عادة جده أن يغير الصحف

اليومية دائما وسكرتيرته حريصة على ذلك جيدا , رمى الجريدة على

المكتب حيث كانت وتمتم مغادرا جهة الباب " إن كانت هي فلا

أضن أنه ثمة مجنونة يخرجونها من تلك المذبحة وتتعلق بعنق

رجل هكذا ! "

*

*


طرق باب غرفتها المفتوح ودفعه برفق حتى ظهرت له من خلفه

جالسة على كرسيها وفي يدها مسبحتها فهذه عادتها بعد كل صلاة

خاصة الفجر والعشاء , دخل ملقيا عليها السلام بصوت شبه هامس

فقابلته بابتسامتها المحبة كالعادة كلما رأته وقالت بحنان " أقسمت

عليك بني أن تنام ولو لساعتين وترحم نفسك فيبدوا لي

أنك لم تنم لأيام "

وصل عندها قبّل رأسها ثم جلس على الكرسي أمامها وقال

" رجالي ينتظرونني وسنغادر الآن , الأمر مهم عمتي وسأجد

وقتا بعدها لأنام وارتاح لا تقلقي علي "

تنهدت بيأس منه وقالت بهدوء " لنفسك عليك حق يا مطر ولزوجـ... "

قاطعها ببرود " لا تستلميني أنتي أيضا يكفيني شقيقك أوجع

لي رأسي طوال الطريق "

خرجت ضحكتها رغما عنها وقالت " معه حق يضربك عليه أيضا "

حرك طرف شفته بامتعاض وقال " أخبرتني الخادمة أنك

تريدين رؤيتي "
هزت رأسها بنعم وقالت " أجل أعلم وتريد أن تستحم وتغادر

رجالك ينتظرونك , لذلك لن أطيل عليك "

نظر لها بهدوء وترقب لتتابع كلامها فتنهدت بعجز تجهز العبارات

التي كانت ترتبها منذ البارحة وها قد طارت جميعها فقالت بإحباط

" قسما أنك وزوجتك ستتسببان لي بعقد نفسية لن أشفى منها أبدا "

نظر لها باستغراب وقال " وما علاقة زوجتي ؟ "

أخذت نفسا قويا وزفرت الهواء من رئتيها وقالت دون مقدمات

ودفعة واحدة " لقد طلبت العمران مهرا لها "


المخرج ~

بقلم الغالية : نجـ"ـمـ"ـة المسـ☆ـاء

على لسان مطر..

اخبريني يا ابنة العم..
ان الحقيقة لم تنـمْ..
ان الروابط تجمع الدم..
اخبريني يا ابنة العم..
***
اخبريني يا جمال الليل..
ان السدود تقهر السيل..
انكِ الحب وللقلب ويـل..
اخبريني يا جمال الليل..
***
اخبريني انتي يا غسق..
اجعلي قلبي يـدقْ..
وانثري عطر العبق..
واكسري هذا الجليد..وامنحي روحي الالقْ..
اخبريني انتي يا غسق..

*******

نهاية الفصل ....
موعدنا القادم مساء السبت إن شاء الله



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:24 AM   #698

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته / أسعد الله أوقاتكم بكل حب جميع متابعي ( جنون المطر(

أصحاب أطيب وأنقى قلوب ومهما شرحت لا أوفيكم

حقكم ، شكرا لتقديركم لظروفي ولسعة صدركم ونعم

الأخوات حقا



الغالية دودي المزيونة تشائمت من نفسها لكن الحقيقة بعيدة عنك حبيبتي وإن شاء الله أرجع للتواصل مع ردودكم ولو بالجزء الثاني


اللماحة توباز كانت أول من لاحظ وأثار نقطة الشخصيتين المبهمتين في حديث ضرار وسلطان وطبعا كشفهم بعيد شوي


الغالية نهاوند نبهتني على أمرين مهمين أحدهما عطر غسق وانه ما تغير والحقيقة إن مطر كان يتحدث عن عطرها في ذالك اليوم نفسه وقت اصتدامها به

أما النقطة الأخرى هي موسم الرمان وهوا الصيف والرواية أحداثها حاليا في الصيف ومعاك حق يا عمري أنا غفلت عن هالنقطة


بالنسبة لغسق فهي مسجلة بإسم شراع كإبنة له لأن
تساؤلات عديدة تكررت عن معرفة مطر لوالدها من اسمها في العقد وهوا كان أساسا غسق شراع
بالنسبة للعمران الي كانت محور التعليقات ولمن لا يذكرها أو لم يلحظها هي منظقة ربط بين أجزاء البلاد الثلاثة وأصلها لصنوان استولت عليها الهازان من زمن بحجة أنها تشكل خطر عليها وسقطت في يد مطر بكل سهولة بعد مفاوضاتهم عليها ، أما كيف تطلبها غسق وكيف ممكن يعطيها مطر ليها

هذا نعرفه بفصل اليوم إن شاء الله ، وهناك نقطة أثارت تساؤل البعض وهي حديث مطر عن حذاء غسق ومقصده من كلامه وكان يقصد خروجها حافية معناه أنها خرجت مسرعة دون تفكير ورماها بشيئين إما أنها خرجت خلفهم أو إنها خرجت هاربة


بالنسبة للسؤال حول دجى فهو والد غسق وتعرفوا عنه أكثر قريبا إن شاء الله

وطبعا كانت أغلب الردود رائعة وسعدت جدا إن لقائهم وحوارهم أعجبكم وفصل اليوم سيحمل لكم المزيد ،

استمتعت جدا بكل كلمة كتبتوها وكل توقع وتعليق الله لا يحرمني منكم وايطمنا عن كل غايب

اعتذر عن الإطالةواترككم مع فصل اليوم وأتمنى يكون مشبع لكم ويستحق انتظاركم



جنون المطر ( الجزء الأول)


الفصل العشرون


المدخل ~

بقلم الغالية : همس الريح

وجعي وجع ..
وجع الطفولة حين تقتلها القلوب القاسيه
وجعي وجع
وجع الامومة حين تذرفها دموعا خاويه
وجعي وجع
وجع الوطن الذي تغتاله الذئاب العاويه
وجعي غسق ...

******


أخذت نفسا قويا وزفرت الهواء من رئتيها وقالت دون مقدمات

ودفعة واحدة " طلبت العمران مهرا لها "

نظر لها لبرهة وكأنه لم يسمع ما قالت أو لم يفهمه ثم رمى رأسه

للخلف ودوت ضحكته الجهورية المرتفعة برنة بحته المميزة أرجاء

الغرفة الواسعة , والجالسة أمامه تنظر له بصدمة واستغراب فلأول

مرة تراه يضحك هكذا أمامها فجل ما كان يخرج منه ابتسامة أو ضحكة

خفيفة مكتومة , راقبته بعينين مفتوحتين على اتساعهما وكأنه مخلوق

غريب عنها وحارت ما المضحك فيما قالته !! نظر لها بعدما أنهى

ضحكه ممررا لسانه على شفته السفلى وكأنه يمسك نفسه عن

الضحك مجددا وقال مبتسما بسخرية " كذب والدها وهو

شراع صنوان فيما قال عن طباعها "

نظرت له ببلاهة وقالت " كذب في ماذا ؟ "

قال متجاهلا سؤالها " لا يخبر تلك الفتاة عقلها أني سأعطي

العمران لوالدها , ولا على دق عنقي يحدث ذلك "

قالت مباشرة " ولا هي طلبت أن يأخذها والدها "

نظر لها بجمود وقال " وماذا إذا ؟ "

قالت مبتسمة وكأنها باتت تتسلى باللعب معهما

" تريدها لها هي "

نظر لها بعدم فهم وكان سيعلق لكنها سبقته قائلة " لا أعلم بما أخبرك

شراع صنوان عنها لكنها كسرت قاعدة أن كل جميلة حمقاء ساذجة

فهي طلبت أن تقسم العمران لقطع أراضي كبيرة وتسجلها باسمها

بتوقيع منك وشهود من الحالك مهرا لها , ولا تنسى أنك كتبت

في العقد بأنه سيكون ما تشير هي عليه "

وقف على طوله وقال بضيق " قصدتُ مالا وليس أرضا "

وتابع باستهزاء " وليس أي أرض ولا أي مساحة !! جنّت

تلك الفتاة بالتأكيد "

حركت كتفيها وقالت ببرود " أنت اخترت هذا فتحمل يا

ابن شاهين "

ضغط فكيه بقوة حتى برز عظماهما من الغيظ وقال من بين

أسنانه " نجوم السماء اقرب لها من العمران "

قالت عمته بتوجس حذر مما ستقول " ورفضك سيعني لها أنك

تخشى من كلام الناس عن أنك سلمت العمران لابنة شراع بعد

أيام قليلة من زواجكما "

خرجت منه ضحكة صغيرة جافة ساخرة خالية من أي تعبير

وقال " وموافقتي ما ستعني ؟ "

تنهدت الجالسة تحته بحيرة منهما وقالت " تعني أن تعيشا

حياتكما كزوجين أو سيبقى كل واحد منكما في غرفة وطابق

حتى تتفقا "

قال مغادرا " إذا لتبقى في غرفتها تلك حتى تتحول لعجوز "

قالت تدركه قبل أن يختفي " أوصل كلامك لها أنا لن أقول شيئا "

وخرج مغلقا الباب خلفه بقوة تاركا لها خلفه تزفر الهواء متنهدة

بعجز وتمتمت وهي تتقدم من الباب بكرسيها " إذا اختبر قوة

صبرك عليها يا ابن شقيقي لأنها من سيربح في النهاية "


*

*

*

خرج من عند عمته يحرك رأسه بسخرية وكأن عقله لم يستوعب
حتى الآن ما سمع منها أو بالأحرى لم يصدقه فهذا أبعد من خياله

ولم يتصور أن تستخدم تلك النقطة للعب لصالحها , تمتم صاعدا

الدرجات بخطوات سريعة يقفزها مختصرا لها " هذه التي قلت

عنها أنها أرق من أن ندخلها بيننا يا شراع !! "

وصل الغرفة وفتح بابها ودخل فوجد ملابسه التي طلبها منها على

السرير جهته مرتبة بعناية فوق بعضها وبجنبها المناشف البيضاء

النظيفة , أمسك خصره بيديه ونظر مضيقا عينيه للسلاح الممدد

على السرير في منتصفه بالطول وكأنه حد فاصل بين جانبه

والجانب الآخر من السرير وفهم فورا مقصدها من ذلك وأن

الحرب الفاصل بينهما فهمس بغيظ وهو يتوجه نحوه ويرفعه

" هذه تفكر في أبعد من أن تكون العمران بيننا "

رماه في الجهة التي يفترض أنها جهتها من السرير ثم وقف خارجه


ونزع ملابسه يرمي كل قطعة منها ما أن ينزعها فوق ذاك السلاح

ثم توجه للخزانة أخرج شيئا معينا أراده خصيصا ورماه معهم ثم حمل

مناشف الحمام وتمتم وهو يدخله " في خيالك يا ابنة شراع أن

أترك الحرب والقتال من أجلك "

وبعد حمام سريع خرج بالمنشفة لبس ثيابه وبذلته العسكرية ووضع

جميع حاجياته البسيطة في جيوبها ثم توجه لخزانة أخرى جانبية فتحها

بأحد مفاتيحه التي لا تفارقه وأخرج منها سلاحا آخر ثم أغلقها

وخرج مغادرا الغرفة وما أن وصل للأسفل نادى بصوت مرتفع

" حبيبة "

فركضت تلك الخادمة خارجة بسرعة من أحد الأبواب ترتجف خوفا

فهو ومنذ عملت هنا لا ينادي سوا شقيقته جوزاء كلما أراد شيئا وهي

تقوم به أو تخبرهم عنه إلا إن كان أمرا طارئا توجب منها أن تحدثه

كما في الأوراق التي سلمتها له اليوم وطلب الرجل أن لا يراها أحد

غيره ولا من عائلته , وصلت عنده فقال من قبل أن تتحدث


" أخبري غسق تنزل لكم الثياب وتعطي مفتاح الغرفة لعمتي "

ثم خرج من فوره من باب المنزل فتنفست تلك ويدها على
صدرها وتمتمت مغادرة " هذا فقط !! لقد أوقع لي قلبي "

وتوجهت فورا حيث أوصاها أن تذهب وما أن فتحت الباب الذي


طرقته مرة واحدة حتى قفزت الجالسة على السرير واقفة دون
شعور وقالت مندفعة " أخبريه أني نائمة "


ضحكت الخادمة الوحيدة المقربة لها ودون شعور منها وقالت
" غادر للتو من حوران بأكملها "


عضت غسق شفتها بقوة وإحراج ولم تعلق فكل ما كانت تنتظره

قدومه مزمجرا فيها بغضب لأحد السببين وأقواهما ما طلبته مهرها

قالت الخادمة بعد برهة " قال أن أخبرك تنزلي لي ثيابه لأغسلها "

خرج من صدرها زفيرا قويا وتحركت قائلة " وقف الأمر على

دخولك الغرفة فقط !! "

قالت تلك سائرة أمامها " يرفض أن ندخلها تحت أي سبب كان "

ثم تباطأت في خطواتها حتى أصبحت تسير بجانبها وهمست لها

وهما تصعدان السلالم " أخبرتني حفصة وهي الوحيدة التي لم

يتم طردها من الخادمات السابقات أن ثمة خادمة شابة جميلة

كانت تحاول إغوائه "

نظرت لها غسق بصدمة وتابعت تلك همسها وهما تجتازان الممر

للغرفة " قالت أنها كانت تدس له قطعا من ثيابها بين ملابسه دون

أن يعلم ممن تكون لتمهد الأمر وكانت تغرقها بعطر دفعت ثمنه

راتبها لشهر كامل وهو يتعمد الصمت عن الأمر حتى قامت

بخطوتها التالية , وقالت أنه أنزلها من غرفته تلك الليلة يجرها

جرا على الأرض وعلى عتبات السلالم حتى رماها خارجا

ومن حينها منع الخادمات صغيرات السن بعدها وأن تتدخل

أي واحدة في أي أمر يخصه وأن تدخل غرفته "

نظرت لها غسق وهما تقفان عند باب الغرفة وقالت

" وكانت جميلة جدا ؟ "

قالت المقابلة لها مبتسمة " لم أراها لكن حفصة كانت تمدح

حسنها دائما "

لوت غسق شفتيها بعدم رضا فضحكت حبيبة وقالت " وحفصة

قالت ما أن رأتك أنها لن تقول مجددا أن تلك الخادمة أجمل من

رأت من النساء لأنك فقتها بكثير , ثم هي رماها خارجا

وأنتي زوجته "

قالت غسق ببرود " ليس هذا أعني وما فهمته يا حبيبة "

نظرت لها باستغراب فقالت وهي تفتح مقبض الباب

" انسي الأمر "

ودخلت متمتمة بقهر " سحقا له هل هو متحجر أمام النساء هكذا ! "

وشهقت بقوة ما أن كانت في الداخل وظهر لها ما كان فوق السرير

واشتعلت خداها احمرارا وتوهجا وهي ترى ملابسه وسلاحه في

الجهة الأخرى منه وفوقها ملابس داخلية جديدة لها , أمسكت خديها

وشعرت بإحراج لم تشعر به في حياتها وبوهن قاتل في ساقيها وشعور

لم تعرف بما تصفه يمزق أحشائها , ركضت للجهة الأخرى من

السرير وسحبت ملابسها متمتمة برجفة " ما أوقحه من رجل !

هل هذا رجل الحروب عدو النساء "

رمت الملابس في الخزانة سريعا وعادت لملابسه وحملتها موبخة

نفسها على فعلتها تلك فها قد رد لها الرسالة بأقوى منها وبأنها

هي والحرب ملكه وسينتهيان له

*

*

رغم الغبار المتصاعد بسبب سرعة السيارة على الطريق الترابي

إلا أن وجهتهم كانت واضحة له والسيارتان اللتان تتبعان سيارته

تظهر بوضوح رغم زوبعة الأتربة التي يثيرونها بسرعتهم الكبيرة

وكانت الأحاديث في تلك السيارة في أوجها بينه وثلاثة من رجاله

الذين اختار أن يكونوا معه ويتناقشوا حول أهم ما سيقدمون عليه ما

أن يصلوا لحدودهم الجديدة مع الهازان , قال الجالس في الكرسي

الخلفي " وكيف سيتم ذلك والكهرباء مقطوعة عنهم من مدة

وابن راكان يمنع تواصلهم مع العالم الخارجي ؟ "

قال الجالس بجانبه " اتفقنا مع أحدهم وهذا ما كنا نسعى له من

أيام وسيعدون الكهرباء لهم رغم أنفه حتى ننفذ خطوتنا القادمة

ثم ليقطعوها كما يشاءون "

قال الجالس أمامه وهو ينظر لمطر " صحيح أنه في حوزتنا ثلاثة

عشرة منطقة مؤمنة من حدود الهازان لكن ذلك لا يعني أن يقتنعوا

بالدخول لها وهي تحت حكمك وأن يرجعوا لمنازلهم وأراضيهم

هذا أمر أراه صعبا جدا "

قال بِشر من خلفه " لو يفعلها واحد منهم فقط وتتبعه مجموعة

عائلات ستتوافد الناس على المناطق فبعضهم فقد الأمل في أملاكه

تلك التي سلبها منه الإرهابيين من زمن أو التي خرجوا منها

جراء حربنا معهم "

هز تميم رأسه وقال بشك " لن يسمح ابن راكان ورجاله بذلك

وإن قتل من يفكر فقط في فعلها "

علق حيدر " لا أضنهم سيقدمون على فعلها مجددا بعد فضيحتهم

تلك فحتى بعض الدول سحبت بساطها من تحتهم بسبب قتلهم

لتلك العائلات "

تحدث الجالس خلف المقود يتحكم بحركته بأصابعه الطويلة بكل

إتقان ويستمع لهم أكثر مما يتحدث كعادته " على الناس أن تأمن

وترجع لمنازلها ليس من أجل أي شيء ولا أي غرض فقط كي

ينتهي تشردهم الذي قد يطول "

قال تميم من خلفه " اجلب لنا من يقنعهم بهذا , ولن يلومهم

أحد إن شككوا بصدق نوايانا "

قال حيدر " جل ما أخشاه من كل هذا أن تحدث نزاعات بينهم

بسبب المؤيد للفكرة والمعارض لها "

عقب بِشر " لا أعتقد ذلك ولا تنسى أنه ثمة مناطق تمردت

حتى الآن والشائعات تقول أنهم ينتظرون فقط وصولنا لهم "

نهاية 2
قاطعة مطر بجدية " لن نبني أمرا على فرضيات وتكهنات وأخبار

لم نتأكد من صحتها بعد , وسأفعل ما خططت له ولن نتحرك شبرا

آخر على حدود الهازان حتى نفتح ممرا آمنا للناس وتبدأ بالعودة

لمدنها أو تفشل جميع محاولاتنا "

هز تميم رأسه بيأس وقال " لو كنت مكانهم ما وافقت "

خرجت ضحكة مكتومة من بِشر وقال " لو كان زعيمي ابن

راكان لفعلتها دون تفكير , فلا تقس وضعك بوضعهم "

علق مطر بصوته الجهوري المبحوح " لو كنتم مشردين خارج

منازلكم ومدنكم لكان تفكيركم مختلفا , ثم نحن سنحاول ولن

نخسر شيئا في كل الأحوال "

قال تميم من فوره " مادام ثمة دعم دولي لفكرتك وسيؤمنون

دخول من أراد ذلك فقد ينجح الأمر , وكما قلت منذ قليل

لن نخسر شيئا إن حاولنا "

عم الصمت السيارة لبرهة قبل أن يلتفت تميم للخلف حيث السيارتين

اللتان تتبعانهما في ذات الوجهة والسرعة ووقع نظره على السلاح

الموضوع في الخلف وهو يعلم جيدا لمن يكون وقال ونظره لازال

عليه " لن تكون فقدت سلاحك سيدي بالتأكيد ؟ "

قال مطر ونظره على الطريق " ومن قال لك أني فقدته ؟ "

عاد ذاك لجلوسه ناظرا للأمام وقال " استغربت فقط أنه ليس

السلاح الذي لم يفارقك في أي مشوار لك للحدود فلم تغيره

سابقا !! "

أجاب ببرود " ذاك تركته لمهمة أخرى "

ضحك ذاك بصمت وغمز له بِشر فورا فنظر له نظرة يفهمها جيدا

وقال بمكر موجها كلامه للجالس أمامه خلف مقود السيارة " بِشر

في خاطره شيء يود قوله وأخاف أن يقتله أو أن تقتله أنت "

نظر له الجالس في الطرف الآخر لمقعده نظرة تهديد بينما نظر

له مطر في المرآة ببرود وتابع تميم يمسك ضحكته " ظن فقط

أن ابنة شراع صنوان أنستك أي سلاح ستأخذه معك "

نظر له بشر بصدمة بينما علت ضحكة حيدر في الأمام مالئة

أجواء السيارة وصد تميم بيده الرصاصة التي رماه بها بِشر وكان

قد أخرجها من جيبه وعلق من يخصه الأمر ناظرا للطريق وبجمود

" إن كان ثمة واحد منكما مشتاق لزوجته فليتكلم لنوقف له

السيارة وينزل "

ووجه نظرة لتميم من خلال المرآة فهمها جيدا لتنطلق ضحكة بِشر

هذه المرة وقال ضاحكا " فعلها وهو ابن شاهين "

رماه تميم بنظرة باردة بطرف عينه وقال بامتعاض " ليقسم لي

كل واحد منكم الآن أنه لم يخرج من منزله صباحا وعقله مع

التي تركها فيه "

ماتت ابتسامة بِشر وقال ببرود " أصمت فزوجتك شقيقتي يا

قليل المروءة "

ضحك تميم وقال يغيظه " قسما أني أعشقها "

ليشتعل الجالس بجانبه غضبا يشتمه بكل ما جاء على لسانه على

صوت ضحك حيدر في الأمام وابتسامة الجالس خلف مقود سيارته

فها قد وصلوا للجزء الذي لطالما اعتبره مملا من حديثهم , قال مقاطعا

لهما " دعونا في حديثنا السابق يكفيكم من هذا فالنساء ينتظرن لكن

ما سنقدم عليه لا "

وعلموا حينها أن وقت الترويح عن النفس قد انتهى بأمر ممن لا

يستطيع أحد منهم رد أوامره , ولم يكن الملل من ذاك الحديث ما

أنطقه هذه المرة فهوا لم يكن له زوجة سابقا ولا حبيبة ولا يجذبه في

تلك الترهات كما يسميها شيء أما الآن فقد تحول ملله من حديثهم

لما يشبه الخوف منه ومن أن يسوقه لما لا يريد أن يجد نفسه فيه

وهوا التفكير في تلك العنيدة الجامحة , التي لم يحسب حسابا أن

تكون بتلك المراوغة كما حسب حسابه لأن تكون بذاك الحسن

من البداية كي لا يؤثر فيه وكان أكبر من حجم مخيلته

*

*


" وما دورنا الآن من كل هذا ؟ "

لم يكن ذاك السؤال الأول بذات تلك الصيغة ولا الشخص الأول

والوحيد الذي سأله في ذاك المجلس الذي عج بكبار قبائل صنوان

في اجتماعهم الخامس من ذات الأسبوع لمناقشة كل ما هوا جديد

وطارئ ومهم خاصة بعد الأحداث الأخيرة في الهازان .

تحدث من اختلط سواد لحيته ببياضها ممسكا مسبحته بقوة

" فتح ممرات لأهالي الهازان ضرب من الجنون إن رآها أي شخص

بعين واقعنا وستكون كذلك إن كانت من أي رجل غير ابن شاهين ذاك

فهو لا يقدم على شيء إلا وقد درسه جيدا ويعلم أنه له وسيحصل عليه

ومدعوم بأيدي قوية , وإن تحقق ذلك فعلا فستكون الضربة القاسمة

للهازان , فلا هم يستطيعون منع أهالي قبائلهم من الدخول لتلك

المناطق بعد تلك الفضيحة ولا أن يستطيعوا إخافة الناس

بعدما حدث "

ثم اشتدت نبرته وهوا يصرح كارها وبغيظ " سحقا له من

رجل حرب كل شيء يستغله لصالحه وكل المياه تصب

في مجراه دون عناء منه "

علق آخر بسخرية مقهور " ألا ترون أن كل ما يفعله هناك يوجه

به رسائل واضحة لنا ونحن ننعم في السلام معه ومصدقين تماما

أنها هدنة للأبد وهوا من حددها بعام قابل للتمديد وحسب

أوامره طبعا "

قال آخر بتعصب " سنرضى بأن نقسم البلاد بيننا ويأخذوا ثلثيها

على أن نرضخ له ونكون تحت حكم رجالهم يدوسوننا بنعالهم

كالكلاب ولا أحد يستطيع الاعتراض ولا التحدث أمام

أكابرهم الذين سيصبحون فوقنا "

صرح آخر بغضب " أهون عليا أن أموت وأنا أقاتلهم على

أن يحكموني ويتحكموا بي "

قاطع شراع الحديث الذي تحول لتعصب قبلي قائلا

" هذا الكلام ليس وقته ولن يجدي في شيء علينا أن نوحد كلمتنا

ورأينا قبل أن نوحد صفوفنا كي لا نصبح نقاتل بعضنا بدلا

من قتال أي معتد علينا "

وكان إقناع شراع لأهل قبائله وخاصة كبارهم بما يفكر فيه ويريد يراه

ضربا من المحال يوما بعد يوم وجل ما يخشاه أن يتقاتلوا على اختلاف

أرائهم كما يحدث الآن في الهازان ولم يجد حلا سوا التروي والانفراد

بكل واحد منهم لمعرفة رأيه وفيما يفكر فيه , تحدث من لاحظ شراع

صمته طوال جلستهم تلك وانتظر أن يتحدث بما في عينيه

وقال ببرود " لما لا تجد حلا مع نسيبك يا شراع

أم تصاهرتما هباءً ؟ "

نبرة السخرية اللاذعة في كلماته تلك قتلت آخر أمل لشراع فيما

يفكر ويريد أن يقنعهم به , وها قد أعاده لتلك الدوامة من الأفكار

فلم يستطع حتى الآن أن يجد مبررا واحدا يذكره للناس هناك عن

سبب تزويج ابن شاهين من ابنته ولم يجد حتى لنفسه مبررا لما أقدم

عليه مطر إن كان أبعد ما قد يفكر فيه هوا اتخاذ تلك الابنة كورقة

ضغط عليه وهو واثق من أن رجولة ذاك الرجل لن تسمح له بفعلها

تحت أي ظرف كان , وظلت الأسئلة تدور في رأس شراع الواحدة

تلو الأخرى ( لما تزوجها ؟ ما غرضه وأسبابه ودوافعه ؟ ماذا حقق

من كل هذا ؟ هل علم منها أنها ليست أبنته وأنها تبحث عن عائلتها ؟؟

لكن ذاك لا يضطره للزواج بها إلا إن كان ثمة حقائق أخرى مخفية

حتى عني أنا شراع ولم تبح بها والدتها حين جاءت حاملا بها !! )

رفع نظره ووجد أن العيون جميعها محدقة به تنتظر جوابه

فقال ببرود " هو نسيبي في كل شيء إلا في الحرب فابعدوا ابنتي

عن تفكيركم وأعدوها ماتت لأنه حتى هو زوجها لن يربط شيء

بها فلا يأخذكم خوفكم من هذه النقطة لأبعاد لا تحمد عقباها لأنه

لن يمارس ضغطه عليا بها ولن اسمح أنا بذلك "

أسكتت كلماته تلك الجميع وبددت بعض نظرات الشك منهم قبل

أن تتسع الفجوة بينه وبين رجاله أكثر مما حدث وأصبح يلحظه

جيدا ويكرهه , فما يمسكه الآن عن ترك الزعامة نهائيا هوا وضع

البلاد الحالي لكان تركها دون تراجع رغم أنه متأكد من أن ما يخيفهم

لن يحدث وإن اضطر أن يخبر ابن شاهين أنها ليست ابنته وأنها ابنة

عمه المتوفى دجى إن انحرف يوما عما عرف به وحاول التلاعب

معه بها


*

*

غادرت غرفتها تعدل شعرها للخلف وتدس خصلاته خلف أذنيها

وسارت جهة الممر الغربي بعدما أخبرتها إحدى الخادمات أن عمة

زوجها تنتظرها هناك فهي لم تغادر الغرفة منذ الصباح فحتى الطعام

لازالت تتناوله في غرفتها وقد علمت من الخادمة أنه كل شخص في

هذا المنزل يأكل لوحده من عمهم الذي يتناوله في جناحه الحالي للعمة

التي لا تتناوله أساسا بسبب السكر والخوف من زيادة الوزن لجوزاء

التي تأكله في غرفتها وحيدة , وطبعا ذاك الغائب طوال الوقت إن عاد

فجأة لا يطلب شيئا معينا ويأكل الموجود طبعا لأنه هو الغير موجود

دائما , فتحت الباب ببطء ودخلت ملقية التحية على الجالسة وحدها

في تلك الغرفة الواسعة التي خمنت فورا أنها غرفة ضيوف غير ذاك

المجلس الكبير حيث كانت هذه أصغر منه مساحة , أغلقت الباب

خلفها وتوجهت نحوها فورا وقبلت رأسها وجلست بجوارها على

كلماتها الحنونة قائلة " ما بك تسجنين نفسك في غرفتك يا غسق

ولم تأتي ولا لاستقبال الضيوف معنا اليوم ؟ "

نظرت لها باستغراب وقالت " ضيوف !! لا علم لي بهم "

قالت العمة مستغربة أكثر " ألم تخبرك عزيزة ؟ لقد أرسلتها

لك جوزاء أمامي "

ضغطت قبضتها بقوة تكتم غيظها وقالت " يبدوا أني لم أنتبه لما

قالته لي , أنا آسفة عمتي "

وأشاحت بوجهها جانبا تخفي معالم ملامحها عنها وهي تكاد تنفجر

غضبا ( حتى متى تريد تلك المرأة إظهاري في صورة الفأر الخائف

المختبئ وزوجة الزعيم البعيدة عن كل شيء حولها !! )

أعادها من شرودها ذاك صوت الجالسة بجوارها وقد انسجمت معها

في حديث طويل لم تراه مملا أبدا وهي تحكي لها عن بعض مدن

الحالك وعاداتهم وبعض الأحداث التي جعلتهما تتشاركان الضحك

باستمتاع دون أن تتطرق إي منهما للموضوع الذي يشغل كليهما

منذ ساعات النهار , استغلت غسق الفرصة حين انخرطا في الحديث

مجددا عن الزواج عبر الحدود والأنساب المختلطة فقالت " وكيف

تحل مسألة هذه الأمور ومن سيصدق أن الطفل ابن ذاك وهذا ؟ "

قالت نصيرة من فورها " القابلة تعلم وهي بئر أسرار لا

يفتحه أحد إلا الزعيم هنا "

تحولت ملامحها للصدمة وقالت " زعيم القبائل !!! "

هزت تلك رأسها بنعم وقالت " تلك هي القوانين هنا وقد قلصت

الكثير من المشاكل منذ أصدر هذا القانون العرفي القبلي "

شعرت غسق بأن ماءا باردا سكب عليها فهي ورغم كل شيء حدث

ووصلت له بصيص ذاك الأمل الذي لم تفقده وتمسكت به طوال

الوقت وباتت تراه الآن يتحول لبقعة مظلمة شيئا فشيئا فحتى إن

وصلت للمدعوة عزيرة تحت أي ظرف كان وفي أي يوم فلن

تنطق إلا أمام زعيم قبيلتها , تنهدت بأسى وقالت بشحوب

" كم الأمور معقدة هنا لديكم !! "

ضحكت المقابلة لها وقالت " يجب أن تكون ثمة قوانين تنظمنا

يا غسق أو لن نستطيع العيش معا "

هزت رأسها بحيرة فقالت تلك وقد تغيرت نبرتها المرحة

للتوجس فجأة " هل زارك مطر قبل مغادرته وتحدثتما ؟ "

فشحبت ملامح الجالسة بجانبها فجأة وهزت رأسها بلا دون كلام

وقد ترددت منذ جلوسها هنا في سؤالها عن هذا وعن رد فعله
عما نقلته له وعن رده عليها وهي تراها لم تفتح الموضوع معها

حتى الآن , ليس فقط لأن فضولها يكاد يدمرها لتعرف ما قال

ولما لم يشرفها بزيارته قبل أن يغادر بل لأنها متأكدة من أن ما

طلبته لن يعجبه أبدا ولن يوافق عليه وأن ثمة عواقب وخيمة عليها

أن تتحملها جراء ذلك وكلها عزم على أن لا تتراجع ولا تلين أو

تخاف , نظرت لأصابعها وهي تلعب بهم ببعض في حجرها

وقالت بنعومة كالحرير ظهرت في صوتها " ماذا قال ؟ "

تنهدت العمة بحيرة وقالت " غسق ما غرضك أساسا

من العمران مهرا لك ؟ "

رفعت رأسها سريعا ونظرت لها وقالت " رفض إذا ؟ "

قالت تلك بتوجس حذر " لن أنقل أي من كلامكما مجددا وعليكما

مناقشة هذا الأمر معا وحدكما والخروج بحل "

وقفت غسق على طولها وقالت بضيق " هوا سأل ما أريد مهرا

لي وأنا طلبت ما أريد فلا كلام آخر بيننا وإن كان رفض فتلك

مشكلته وليست مشكلتي "

قالت تلك بجدية " بل مشكلة كليكما فلا تجعلي الأمر يكبر في

دماغه ويبقيك معلقة هكذا أو يجلب زوجة أخرى يعيش

معها هنا أمامك "

شعرت بمرارة بلعتها كغصة مع ريقها وهي تستقبل كلماتها

كالسم وقالت بصعوبة " لن أتنازل عن مهري ولن أغيره "

هزت الجالسة تحتها رأسها بيأس وقالت " لذلك قلت عليكما

أن تناقشا الأمر معا دون وسيط "

قالت غسق بسرعة وخوف " لا هكذا لن أخرج منه بشيء سوا

بخد أزرق بسبب ضربة من قبضته "

ضحكت العمة فورا وقالت من بين ضحكاتها " أراهن على

العكس وسلاحك في وجودك أقوى يا ابنة شراع "

وابتسمت للنظرة المصدومة للواقفة فوقها ثم أضافت مستغربة

" أخبريني يا غسق كيف أخذتِ حسن والدتك فقط وكسرتِ

قاعدة ملامح صنوان !! وكيف تكون والدتك تلك ؟ "

أخفت ارتباكها من سؤالها وقالت " لم أرى والدتي لأنها توفيت

وعمري عام فقط لكن خالاتي مبهرات في حسنهن فقبيلة غزير

تنحدر جذورها من الحالك جنوبا قبل التقسيم الوهمي للبلاد وما

أعرفه أن بعض النساء تغلب الجينات الوراثية لديهم على الرجال

ويظهر ذلك واضحا في النسل خاصة عند الأحفاد "

وعضت لسانه مجددا لاستعانتها بالمعلومات التي كانت تقرأها في

كتب مكتبة والدها وليست تقرب لواقعها بأي وجه من وجوه الصحة

فهزت الجالسة رأسها وقالت بعدم استيعاب " لم أفهم كثيرا ! المهم

الآن مطر قد يغيب لأيام عند الحدود وعليك مراجعة عقبات قرارك

يا غسق فلا أحد يعلم طريقة تفكيره ولا قراراته حتى نحن

عائلته ومن تربى وسطنا "

غمغمت بعبوس " ما به نصيبي هكذا !! "

فعادت الجالسة على كرسيها للضحك مجددا فغادرت غسق جهة

الباب متمتمة بضيق وقهر " لن أغير رأيي ولن أخافه أبداً "

وتوجهت لغرفتها من فورها غيرت ثيابها وغسلت أسنانها واندست

في فراشها تستعيد كل الحديث الذي دار بينهما والذي فهمت منه

أنه صرح برفضه لطلبها وأنه أيضا هدد بإبقائها معلقة هكذا أو

الزواج من غيرها , أغمضت عينيها بقوة تطرد أي أفكار

تأخذها له حتى تغلب النوم عليها


*

*

ضرب الحجر بطرف مقدمة حدائه العسكري ولازال يدور في

نفس المكان ناظرا للأرض تحته ممسكا لخصره بيديه وعقله يفكر

ويعيد ويحلل في البدائل الأخرى وما ستكون الخطوة القادمة حال

فشل مخططهم هذا , وقف مكانه ورفع نظره للطريق الطويل الممتد

للبعيد الذي يشق وسط بلدة خماصة ويعد المخرج الرئيسي لها .

طريق خال لم تعبر منه ولا حتى أحد الحيوانات البرية منذ أربعة أيام

ومن وقت تمركزهم بقربه , نظر للذي وقف بجانه فقال ذاك هازا

رأسه بيأس " هذا هوا اليوم الخامس طلعت شمس فجره ولا أحد

نظر لنا ولا مجرد النظر من نهاية ذاك الطريق الكئيب "

ربت مطر على كتفه وقال بصوت جهوري وصل لجميع رجاله

الواقفين حوله " لا تيأسوا يا رجال من مجرد بضعة أيام "

قال تميم من خلفه " الخبر وصل للهازان جميعهم وإن كان ثمة

من يريد العودة لمدينته ومنزله لعاد , ليتهم فقط يفكرون في

الأمر بمنطق "

ابتعد عنهم على صوت رنين هاتفه وصوت أحد من ترك خلفه

قائلا " لقد درسنا جميع الاحتمالات ولن يضرنا إن لم يتحقق هذا "

أخذ مكانا متطرفا عنهم وأجاب على هاتفه فقال من في الطرف

الآخر من فوره " عمير معك سيدي "

نظر لرجاله المجتمعين مكانهم وقال " نعم ماذا حدث معك يا عمير ؟ "

جاءه صوت ذاك مبتسما " هذا الفتى معجزة سيدي إنه يتعلم بسرعة

البرق , لقد قمنا ببعض التدريبات وعلمته بعض الأمور عن أهم

الأسلحة نظريا فقط ولاحظت سرعة بديهته فلم ينسى شيئا

مما قلت له "

رفع مطر رأسه ونظر للسماء في شرود وقال بهدوء

" هل اشتكى لك من شيء أو طلب شيئا ؟ "

قال ذاك بسرعة " أبدا كثلة من الصمت كما يقال عنه ولا معلومات

حتى لدى طبيب المقر ولم يقل سببا غير الذي قاله الفتى بأنه يساعده

وقت العطلة بطلب منه ويعلمه من مهنته وهما متفقان على ذلك

وهذا ما يعرفه الجميع هنا "

نزل بنظره للأرض وقال " إن اشتكى أو طلب شيئا فأخبرني فورا "

وما أن تحدث من في الطرف الآخر حتى أبعد مطر الهاتف سريعا

ونظر بسرعة للصوت الذي صرخ قادما من أحد رجاله

" يا زعييييييم "

وظهر شبح ابتسامة على شفتيه وقد علت نبضات قلبه تدريجيا وقد

فقدت توازنها وثباتها وهوا ينظر للشاحنة الصغيرة التي ظهرت

بعيدة من نهاية ذاك الطريق مع صرخات الحماس من رجاله وهم

يضربون كفوفهم ببعض في أول بصيص أمل وأول شخص تقدم

منهم بعدما أعلنوا من أربعة أيام وعلى جميع قنوات المذياع عن فتح

ممرات آمنة للناس وبمراقبة دولية وحضور صحفي كبير وبعدما

بدأ يفقد الأمل في نجاحهم ها هوا أول الوافدين يقترب منهم

فصل الخط واقترب من ذاك الطريق بخطوات سريعة واسعة حتى

تقدمهم وهم يقتربون من تلك المركبة المحملة بأغراض منزل مكومة

فوقها ومشدودة جيدا بالحبال حتى وقفت بينهم وأعينهم تراقب بنهم

الراكب الوحيد فيها وكان رجل فيما يقارب الخمسين عاما فتح

باب شاحنته وقفز منها ليجد نفسه بينهم مقابلا لصاحب تلك الهيبة

والقيادة التي ظهرت عليه بوضوح دون أن يستعلم عنه وقال ناظرا

لعينيه السوداء الواسعة مباشرة " هل أستأمن على نفسي وأهلي

بينكم لأرجع وأجلبهم ؟ أريدها كلمة منك تحديدا يا ابن شاهين "

رفع مطر يده فورا وشد بها كتف الرجل وجدبه لصدره مباشرة

وقال ضاربا براحة يده على ظهره " مرحبا بك في أرضك ووطنك

أقسم إن مسك أحد رجالي وعائلتك بسوء أن أقتله بسلاحي "


*

*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:26 AM   #699

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



*

*

ومن هناك دخلت البلاد في نقطة محورية جديدة والصحف والقنوات

الإخبارية المرئية والمسموعة تعج بأخبار وفود البعض للدخول تحت

لواء ابن شاهين وفي أراضيهم , كان الدعم له قويا بسبب ما حدث في

خماصة خاصة من داخل الهازان وحيث أن من قرر الخروج واللجوء

له حياته مؤمنة بتلك المراقبة الدولية المكثفة حتى يصل رغم أن البعض

تم منعه بتهديد السلاح من قبل قبائله لأنه عند البعض يبقى التعصب

القبلي حاجزا إما أن يخضع لهم أو يُقتل بدم بارد .

أشار بإصبعه على الخارطة المعقدة التقسيم على الطاولة تحته وقال

" هذا هوا الرسم الذي طلبته للمدن الخمس سيدي ورسوم للمنازل

والمساجد فيها , وما كانت مدارس ومنارات تعليمية سابقا

كلها هنا وعيادة واحدة لكل مدينة منها "

قال مطر ونظره على الخارطة " هل جهزتم إحصائيات للمباني

وتقارير عنها كما طلبت ؟ "

قال الآخر من فوره " أجل سيدي وقدرنا الأضرار وقيمنا حالة

المنازل جميعها فأولئك الإرهابيين اتخذوا سياسة الأرض المحروقة

في أحد المدن الخمس وأحرقوا حتى الحقول قبل خروجهم منها "

رفع نظره بهما فوقه مكتفا ذراعيه على الطاولة تحته وقال

" المدارس في كل منطقة سيتم تجهيزها قدر المستطاع لتكون صالحة

للسكن مؤقتا وأريد ثلاث منازل في كل منطقة أن تستثنى وتجهز لتكون

مدارس مؤقتة وأريد عيادة متنقلة في كل منطقة من الأربع مناطق واتركوا

المدمرة حتى نرى ما يمكن فعله فيها , وفروا بعض الضروريات في تلك

المدن كما دونتها لكم في الأوراق فمن المحتمل أن تتوافد بعض العائلات

من مناطق غير التي في حوزتنا سنسلم لهم منازلا منها للعيش فيها ولو

مؤقتا حتى يرجعوا لمدنهم ومنازلهم ما أن نأخذها , ولا تنسوا أريد

تقييما وتقارير عن كل شيء يحدث بعدي هنا "

هزوا رؤوسهم بالطاعة وعادوا لمناقشة مشاكل تلك الخارطة ومنازلها

فبعد توافد سبعة عشر عائلة خلال يومين خمنوا زيادة عددهم خاصة

أن ما بحوزتهم الآن ثلاثة عشرة منطقة كاملة والدعم الدولي لهم قوي

من ناحية فتح الممرات للناس رغم استبعاد الكثيرين لنجاح الأمر لكن

ما يجهلونه أن بعضهم ذاق الويلات ولا تؤثر فيه جملة ( هل تذهب

وتضع نفسك تحت رحمة وحكم الحالك ؟ ) فهوا رأى أكثر

من ذلك بكثير .

وقف مطر وقال وهوا يطوي الخارطة " هذه سآخذها معي لحوران

لا تنسوا تدوين كل شيء وإعلامي بأي طارئ وستستقبلون أولئك

الصحفيين فما سينقل عن طريقهم من هنا ولقاءاتهم بالعائلات سيكون

له صدا كبيرا في الهازان خاصة في المناطق التي ستكون في خط

حربنا القادمة , أريد للناس أن تلجأ للدخول إلى هنا بدلا من أن تتوغل

في الهازان أكثر فرارا من القتال , لا أريد للناس أن تشرد بسببنا قدر

المستطاع وأعتمد عليكم في هذه الحملة وسأغادر مطمئنا فلا تخذلوني "

هزوا رؤوسهم له بكل ثقة وعزم على إرضائه فقال وهوا يخرج من

خلف الطاولة " سأرى بعض المشاكل هناك والأمور المستعصية التي

تستلزم وجودي وأرجع , كلها يومين أو ثلاثة فعليا أن أكون هنا

خلال وصول اللجنة الدولية "

وما أن وصل للباب حتى سمع أصوات من الخارج ففتحه وخرج

ووجد رجلا غريبا يقف عند مكتب من المكاتب التي خصصها

هنا لتسيير أمور ومشاكل المدن , نظر لهم وقال وهوا يغلق

الباب خلفه " ما الأمر ؟ "

قال الجالس خلف الطاولة مشيرا بالقلم في يده على مطر

" هذا هوا الزعيم ابن شاهين أمامك "

نظر له ذاك الرجل وقال " أنا من بلدة خضماء في شرق الهازان "

هز مطر رأسه بنعم مقتربا منه وتابع ذاك " شقيقي كان له أرض

في دَغانين في جبال أرياح قبل أن يستولي عليها الإرهابيين وشقيقي

توفي من عامين وهوا ليس متزوج ولا أبناء له ووالدي متوفى ووالدتي

عجوز كبيرة ولي شقيقتان غير متزوجات , لا أريد شيئا سوا إرجاع

الأرض بمنزلها لأعيش فيه "

نظر مطر للجالس خلف الطاولة وقال " ألم ندرس جميع هذه

النقاط وكيف تقومون بمعالجتها ؟ "

قال ذاك بقلة حيلة " أخبرته سيدي لكنه يصر على رؤيتك "

قال الرجل مقاطعا ونظره على مطر " لا أريد أن تعطوها لي مؤقتا

أو تعدوني بحل مؤجل أريد صك ملكية لها فمعي أوراق ملكية

شقيقي رحمه الله "

هز مطر رأسه بحسنا ونظر للجالس وقال " أخبره بما لديك من أوامر

بفعله في مثل حالته هذه لنرى إن أعجبه ذلك أم لا "

هز ذاك رأسه بحسنا ونظر للرجل فوقه وقال " سيد جرير لدينا هنا

لائحة قوانين كاملة بخط الزعيم مطر وتوقيعه واستمع بنفسك كما

كنت أطلب منك , بما أن الأرض ورث لمتوفى ليس له ابن ولا زوجة

ولا والد ستكون ورثا بين والدتك وأنت وأخواتك ولن أسجل ملكيتها

باسمك ما لم يتم بيعها وتقسيم ثمنها شرعا ولكم حق الانتفاع بها لا

نقاش لأحد في ذلك حتى يشتريها أحد الورثة من الباقين أو يتنازلون

له عليها بحضورهم شخصيا , عليك أن تعلم كل هذا ويمكنكم

الانتقال لها فورا "

تحدث مطر ناظرا له وهوا منتبه لما يقول ذاك " هل يرضيك هذا

وهوا حكم الله قبل حكمي أو نجد حلا يرضي الجميع "

هز ذاك رأسه بحسنا وقال " لا نقاش في صحة ما قال وسأرى مع

عائلتي ما يريدون وسأجلبهم وننتقل هناك "

ثم غادر ذاك الرجل شاكرا لهما ونظر مطر للذي هز رأسه بيأس

قائلا " جربت إقناعه بسماعي فقط لكنه رفض إلا أن يراك

ويتحدث معك "

أمسك مطر خصره بيديه وتنفس بضيق قائلا " لن أستطيع التواجد

هنا دائما عليكم إيجاد حل لمثل هذه المشاكل كي لا تتفاقم "



*

*


شحب لون وجهه وكأن الدم اختفى منه ونزلت يده والسلاح لازال

فيها وهوا ينظر بصدمة ووجه مصفر للجالس على التراب بجانبه

فانقلب ذاك على ظهره للخلف في ضحك هستيري فنظر له بضيق

وهوا يستند بمرفقه على الأرض ثم رمى السلاح على معدته فقال

ذاك وهوا يمسكه " علمت أن صوته سيرعبك لكني لم أتخيل أن

تصمد هكذا ولا ترميه أرضا أو تركض باكيا "

قال تيم بضيق " أنت من كان عليك أن تنبهني لأستعد لكل

هذا الصوت وارتعاش يدي بسبب قوته , يبدوا أنك تريد

السخرية مني والضحك ليس إلا "

سوا عمير جلسته متربعا وقال وهوا يسحب مخزن السلاح

" بل تعمدت هذا فلن تخاف صوته بعد الآن فلو أني نبهتك من

البداية لخفت من توقع الأمر ولبقيت تخاف صوته حتى

تصبح عجوزا "

وتابع وهوا يضيف رصاصة جديدة واحدة كما في المرة السابقة

لضمان سلامتهما " كان بإمكاني جلب خوذة لك أو سماعات أذن

لكن ذلك سلوك هواة الرماية وليس رجال الحروب والمهمات

الصعبة "

وأضاف بجدية وهوا يسند يده الممسكة للسلاح على يده الأخرى

ينظر بين واحدة من خلال عين التصويب للجدار البعيد "عليك أن

تتعايش مع صوته وكأنه ذبابة تمر بجنب أذنك ثم سنتعلم على رماية

الأهداف بعدما اجتزنا شوطا جيدا في أخذ نبذة مبسطة عن

أهم أنواع الأسلحة وكيفية استخدامها "

قال تيم ببرود " في المرة القادمة أنت من سيرمي أولا "

فعاد ذاك الشاب للضحك مجددا فرمقه بنظرة قاسية ووقف وأمسك

خصره بيديه وقال ناظرا له تحته " أنت أين تكون والجنود يتدربون

صباحا فلم أراك معهم ولا مرة واحدة !! كيف يسمحون لك بالنوم

وغيرك يتدرب ؟ سأشي بك لرئيسك فورا "

حاول إمساك ضحكته لكنه لم ينجح وقال برجاء تمثيلي

" لا أرجوك لا تشي بي فأعاقب عقابا عسكريا مميتا "

قال تيم بحدة " إذا أين تكون وقتها إن كنت جنديا كما ادعيت ؟ "

وقف ذاك وبدأ بنفض يديه وبذلته العسكرية من التراب الذي

علق بهم قائلا " لأني لست جنديا هنا ولا تسأل سؤالا آخر

أو قصصت لك لسانك "

قال تيم بصدمة " وما تكون إذا !! وماذا تفعل هنا ؟ "

أمسك عمير بخصره أيضا وقال ناظرا له بابتسامة " هل تعرف

ما تكون القوات الخاصة التي تقوم بعمليات لا يقدر عليها

أحد غيرها مهما تدرب "

هز تيم رأسه بلا ونظرته ملئها استغراب وعدم فهم فنكش له ذاك

شعره الأسود الكثيف قائلا " ستعرفها مستقبلا بل وستكون

فردا مميزا فيها لن تنسى الناس أسمه بسهولة "

*

*

كان ضحكهم وضجيجهم يملأ تلك الغرفة في ذاك المقر كعادتهم في

هذا الوقت من النهار يتبادلون أكواب الشاي بعد غداء تبع ساعات

شاقة من التدريب والتنقل , حرك الجالس على الأرض كوبه

وقال ساخرا " نخب من هذا ؟ "

ضحك آخر وقال " لم يتزوج أحد منا ولم يقع جديد في سحر امرأة

إذا هوا نخب انتصار ابن شاهين الأخير على ابن راكان "

قال الذي بجانبه ببرود " وتحتفل بذلك يا مسخرة قبيلتك ؟

قد تكون مكانهم قريبا "

رمقه بنظرة لاذعة وقال بنزق " هل ستنكر أنه سدد لكمة للجميع

وصدمة بقرار فتح ممرات للناس في الهازان لترجع لمدنها

ومنازلها "

جاء التعقيب الساخر من الجالس بعيدا يسند ظهره للباب المفتوح

" ذاك الرجل غبي , من هذا الذي يدخل مدينة قد ترجع لها الحروب

في أي وقت وتزحف الهازان عليهم ويرمونهم للحالك متشردين ؟

أو من هذا الذي يدخل في حمى رجل سيقاتل أهله وأقاربه

وعشيرته قريبا !! "

كان الصمت رد الجميع قبل أن يكسره الكاسر قائلا " لا تستهن

بالوضع في الهازان فأنت لم تجربه فحتى المناطق التي في

حوزتهم لم تعد آمنة والناس تفر من كل مكان وكل شيء "
غمز الجالس بجانبه بعينه وقال مبتسما " لا أحد يقترب من

نسيبه فيبدوا أنه بات في صفه "

نظر له الكاسر ببرود وذاك كان كل جوابه وعلق آخر ضاحكا

" أقسمت عليك أن تسأل شقيقتك ما أن تتصل بها إن كانت أجهزت

عليه وسلبت عقله أم ليس بعد لنكمل باقي الخطة ونهزمه في ليلة "

ضرب حينها الكاسر بيديه على ركبتيه ووقف قائلا ببرود " أبعد

سيرة شقيقتي عن لسانك أو نكهت باقي الحديث بشقيقتك أنت "

قال ذاك واجما " كنت أمزح يا رجل ما بك ؟ "

توجه جهة النافذة الوحيدة في تلك الغرفة قائلا " لم أمنعك من

الحديث عنه هو ولم يعنيني الأمر لكن شقيقتي عرضي فدس

لسانك في فمك أو قطعته لك "

وقف أمام تلك النافدة ورفع يديه مسندا لهما بجانبي إطارها ينظر

للسماء الزرقاء الصافية , هوا يعلم جيدا أن كلامهم ذاك مجرد مزاح

ويعرف تفكيرهم كما يعرف نفسه ويعلم أكثر أن انجرار الحديث ليصل

لشقيقته سينتهي بأن يمسها هي وهذا ما لن يرضاه أبدا ولو كان فيها موته

غاب بنظره في تلك الزرقة وذكرياته تأخذ لأبعاد كثيرة حتى نسى نفسه

وأين يكون وما يحدث خلفه حتى شعر بتلك اليد التي أمسكت كتفه

وصوت جعفر صديقه المقرب قائلا بابتسامة

" أين وصل ابن الزعيم شراع ؟ "

نزل بنظره وقال بجمود " باق هنا لم أصل لأي مكان "

ضحك ذاك ووقف متكأ على جدار بظهره مقابلا للواقف أمام

النافدة وقال مبتسما " قلها لغيري وليس أنا "

تنهد الكاسر بقوة وقال بضيق وقد غاب نظره للأفق البعيد " كل ما

وضعه المدعو ابن شاهين من شروط للمهادنة في كفة وشرطه

بإخلاء حقولهم وحقولنا من العاملين فيها في كفة لوحده , كدت

حينها أن أقفز عليه وأقطع لحمه بأسناني "

ضحك المقابل له وهمس كي لا يسمعه أحد " هل اشتقنا يا كاسر ؟

أتركها تشتاق لك قليلا يا رجل وستجد حلا بانقضاء العام "

أنزل يديه ودسهما في جيوبه وقال مغادر من عنده

" لن تفهم ما أعني مهما شرحت "

سار ذاك خلفه هامسا له جهة أذنه بمكر " أفهم أمرا واحدا هوا

أن نساء الحالك ذهبن بعقولكن يا جنود صنوان , وابن شاهين

عرف كيف يعاقبكم بالحرمان "

فأبعد الكاسر وجه صديقه بيده بضحكة صغيرة من كليهما وخرجا

معا منتقلان للغرفة التي تحوي الأسرة المخصصة للنوم لأخذ

راحة فترة ما بعد الظهر


*

*

رفعت غطاء الإبريق لما يقارب المرة العاشرة وهوا فوق النار

وقالت مغمضة العينين وهي تستنشق رائحة بخاره المتصاعد

" ياااااه على هذه الرائحة ! ما الذي وضعته فيه سيدتي "

ضحكت غسق رغما عنها وقالت " من يسمعك لا يصدق

أنك كنت معي خطوة بخطوة "

أعادت الغطاء مكانه ونظرت لنار لموقد تتأكد من أنها لم تنطفئ

أو ترتفع وقالت " رأيت بعيني لكني لم أصدق أن هذه ستكون

النتيجة ضننت أننا سنشم رائحة شيء يحترق أو أن

تغمر المطبخ رائحة القرنفل القوية "

قالت غسق مبتسمة " وهنا يكمن السر في هذا الشاي يا حبيبة

التناسق في وضع المكونات بين العطرية وغيرها وبين القوية

وضعيفة العبق لتكون النتيجة النهائية تناسق واضح جدا في

النكهات , هكذا تكون طريقته وقد احتجت لوقت طويل لأتعلم

وضعها بمقاييس متساوية عن طريق العين فقط "

حركت الواقفة أمامها يدها بعشوائية وقالت بلهفة " عليا تذوقه

بسرعة قبل أن أجن فمعدتي تصرخ منادية "

ضحكت غسق مجددا وقالت بصوتها الرقيق الناعم

" هذا على أساس أنك لم تعتادي شربه هذا الوقت "

جلبت تلك منشفة وقالت وهي تنظف البقع الصغيرة المتناثرة فوق

الموقد " نحن نعتمد على شرب القهوة أكثر ونحتسيها في أي وقت

من اليوم أما الشاي فيقتصر على وجبات الإفطار أو في لقاءات

التسامر ليلا بين الرجال "

ثم رفعت نظرها بها وسألت " هل لديكم في صنوان تشربون

الشاي كثيرا ؟ "

نظرت غسق للأسفل ومررت إصبعها على حافة الموقد وقالت بشيء

من الحنين والحزن " أجل هناك يحبون الشاي كثيرا وعمتي من علمتني

طريقته الصحيحة بإضافة جميع هذه المكونات فالمرأة لدينا هناك تُعرف

بطريقة إتقانها له , وفي منزلنا لم يكن أحد يهتم لشرب القهوة سوا

شقيقي رعد ومنذ كان صغيرا "

هزت تلك رأسها بتفهم قبل الفهم وقالت في محاولة لتبديد ذاك الجو

الكئيب الحزين الذي كانت هي السبب فيه " على هذا الحال سيصبح

ساكني هذا المنزل أيضا من عشاق الشاي وسيتبعون عادات صنوان "

رفعت غسق رأسها ومسحت بطرف يدها جفنيها والدموع التي ما

كانت لتسمح لها أن تنزل وقالت وهي تتوجه لأرفف الخزانة الخشبية

" ساعديني إذا في جلب الأكواب , أنا لا أعرف سوا مكان أكواب

الماء وصينية التقديم "

تحركت حبيبة خلفها قائلة بابتسامة " أتركي تلك المهمة لي فثمة

طقم فاخر ورائع للشاي كان هدية من أحدهم للزعيم مطر ولم

نستخدمه لأننا نقدم القهوة للضيوف دائما "

وخرجت لبرهة ثم رجعت تحمل صندوقا أزالت من عليه الغبار ثم

فتحته وأخرجت طقم الكريستال الموجود به فأبدت غسق إعجابها

الفوري به وهي ترفع كل قطعة على حدا فلم ترى طقما في روعته

رغم أنهم كانوا يملكون أطقم فاخرة وعديدة في منزل والدها شراع

قامت حبيبة بغسله بحذر وحرفية وسكبت غسق الشاي الذي حضرته

فيه ببطء ثم سكبت منه في كوب وقالت " هيا أعطني رأيك به يا حبيبة "
شهقت تلك من فورها مبتسمة وقالت " بالتأكيد فهذه اللحظة

كنت أنتظرها منذ البداية "

ورفعت الكوب على ضحكة غسق المنخفضة الرقيقة وشربت منه

رشفة كبيرة ثم أغمضت عينيها بقوة وتجعدت ملامحها فقالت

غسق بخوف " إنه ساخن ما كان عليك شرب الكثير منه

اشربي الماء بسرعة "

هزت تلك رأسها بلا ولازالت ملامحها كما كانت عليه فقالت

الواقفة بجانبها بتوجس " هل هوا سيء ؟ أنا أصنعه من

أعوام وأجيده جيدا !! "

فتحت حبيبة عينيها أخيرا وصفقت بيديها أمام وجهها وقالت

بحماس ودهشة " بل رائع ولم أتذوق حياتي شايا مثله ولم

أتخيل أن يتغير طعمه بهذا الشكل "

ابتسمت غسق برضا ثم نظرت للخادمتين الأخريين الواقفتان جهة

باب المطبخ الواسع تراقبان منذ وقت وقالت " هل أسكب لكما منه ؟ "

قالت حفصة من فورها مبتسمة " شكرا سيدتي أنا لا أحب الشاي

ولم أتذوقه حياتي "

فنقلت نظرها لعزيزة التي قالت ببرود ناظرة للإبريق في يدها

" لا أشعر برغبة في شربه شكرا لك سيدتي "

ففهمت غسق فورا نظرتها وسبب ما قالت فسكبت منه لربع الكوب

ورفعته لشفتيها وشربت منه رشفة صغيرة ثم وضعتها في الصينية

وحملتها جميعها وقالت ما أن وصلت لهما " خذي القليل وجربيه

إذا ولا تحكمي عليه دون أن تتذوقيه "

وقد فهمت تلك الخادمة فورا أن الواقفة أمامها قد فهمت ما عنته

بحركتها تلك وأنها لا تتق فيما قد وضعته في ذاك الشاي وهي لم

تشرب منه ولم تتذوقه أبدا فأخذت الكوب منها هامسة لها بالشكر

وممتنة ذات الوقت في قرارة نفسها أنها لم تتلقى عقابا منها على

ما فهمته من كلامها وتصرفها , خرجت من المطبخ تحمل

الصينية قائلة " حبيبة أجلبي الماء لغرفة عمتي "

ففعلت ذلك على الفور وقالت وهي تمر بهما عند الباب ناظرة

لعزيزة بمكر " ستندمين لأنك لم تحصلي من ذاك الشاي سوا

على ربع فنجان صغير يا بلهاء "

وخرجت ضاحكة على نظرات عزيزة الغاضبة وأدركت السائرة

أمامها وهي تنظر لشعرها المنسدل على كتفيها حريريا لامعا قد

ربطت وسطه بشريطه صغيرة ناعمة ولجسدها المتناسق في الثوب

الخمري اللون القصير نسبيا يكشف بعضا من ساقيها الناعمة البيضاء

وبأكمامه الطويلة الضيقة ( لن تليق بسيدي مطر إلا واحدة مثلك في

رقتك وحسنك ولباقتك مثلما لن يستحقك أي رجل غيره على وجه هذه

الأرض بما يحمل من معاني للرجولة والقوة , فكل واحد منكما مكمل

للآخر تماما ) كانت تلك الأفكار التي تدور في رأسها وهي تتبعها

متفرسة في كل تفاصيلها وفي أدق حركة لها حتى رفعها لطرف

شعرها بعيدا عن وجهها حتى كانتا عند باب الغرفة وفتحته غسق

ودخلت ملقية السلام بشبه همس ناعم وهي تتبعها فاستقبلتهما الجالسة

على كرسيها أمام الطاولة الدائرية في غرفتها حيث طلبت منها غسق

أن تنتظرها حتى ترجع لها , قالت مبتسمة وناظرة لما في يدي

المقتربة منها " ما سر هذه الرائحة العبقة الجميلة والغريبة ؟ "

وضعت غسق الصينية على الطاولة مبتسمة وقالت حبيبة مندفعة

وهي تضع إبريق الماء والكئوس " شاي لم ولن تتذوقي مثيلا

له سيدتي , أعدته السيدة غسق بنفسها "

ثم سوت وقفتها وتابعت بحماس ودون انقطاع وهي تشرح بيديها

عن كل ما تقوله " لقد طحنا أوراق النعناع والحبق والريحان وحتى

أعواد القرنفل والزعتر وعشبة الليمون وحتى إكليل لجبل وأضافت

المليساء .... "

وانطلقت تشرح وهما تضحكان عليها حتى قالت نصيرة " ما كان

عليك أن تصنعيه أمامها فتسرق منك فكرته "

ماتت ابتسامة حبيبة وقالت بإحباط " مستحيل لن أعرف قياسات

الأشياء ولو كتبتها في ورقة "

نظرت تلك لغسق فوقها وقالت مبتسمة " إذا دعاني أتذوق هذا

الشاي الذي ذهب بعقل حبيبة "

ضحكت حبيبة وقالت مغادرة جهة الباب " ستري بنفسك فمذاقه

لازال في فمي حتى الآن "

وخرجت وصوتها يصلهم وهي تردد " لا أعرف ما النكهة

الأقوى بينها فجميعها أتذوقها معا .... "

ضحكت غسق وقالت " كم هي طيبة هذه المرأة "

هزت نصيرة رأسها بنعم وقالت " تنشر السرور حولها دائما

رغم كل ما مرت به من أحزان في حياتها "

رفعت غسق الإبريق وقالت بحزن وهي تسكب منه في الكوب

" أجل سبق وأخبرتني أن زوجها ميت وزوج ابنتها

توفي من مدة قصيرة عند الحدود "

ثم سحبت الكرسي وجلست فرفعت الجالسة أمامها الكوب قائلة

" أسأل الله أن يعجل باليوم الذي تهنأ فيه بلادنا كغيرها "

ثم سمت بالله ورشفت منه رشفة صغيرة ثم نظرت للتي تنظر

لها مبتسمة تنتظر رأيها فيه وقالت بابتسامة عريضة

" أممممم ما هذا يا غسق !! "

ثم رشفت منه أخرى وابتسامة الجالسة أمامها تزداد سرورا

وقالت وهي تحرك الكوب ونظرها عليه " أين أنت يا ابن

شقيقي ليفوتك سحر يدا زوجتك هذا ؟ "

فماتت الابتسامة فورا على شفتي الجالسة أمامها وقد شعرت بقلبها

وقع من بين ضلوعها فضحكت نصيرة وقالت مدركة سبب كل

ذلك " كله أسبوع ويزيد قليلا فقط فلا تغضبي منه "

تحولت ملامح غسق للصدمة وقد علا ذاك الاحمرار خديها وقالت

ببرود " لو كان شخصا غيرك لصدقت أن يشك في تضايقي من غيابه "

قالت تلك باسمة " قد تكوني على الأقل منشغلة على سلامته فأنا لم

أخبرك أنه اتصل بالأمس وأنه بخير , ويبدوا أنك لم تستمعي

للأخبار لكنتِ عرفتِ السبب "
أبعدت نظرها عنها وقالت بلمحة حزن يشوبها الكثير من القهر

" لا أريد أبدا سماعها وأكرهها منذ صغري والآن أكثر "

ثم وقفت لتنهي ذاك الحديث فهي لا تريد حقا سماع أي أخبار عنه

وعن غزواته وانتصاراته ولا عن أي قطر من البلاد وهي في غمرة

حنينها لعائلتها التي ربتها وشوقها الجارف لهم , من حرمت حتى من

سماع أخبارهم ولو عبر الهاتف , توجهت للنافذة القريبة منهما وقالت

وهي تفتحها " لماذا تحرمين نفسك من هذه المناظر ومن رائحة

الزهور والنباتات ونوافذ الغرفة واسعة وطويلة "

ثم أخرجت رأسها ونظرت للخارج مستمتعة بأصوات العصافير

المغردة وسط ذاك الهدوء وما أن أدخلت رأسها والتفتت لها وفتحت

فمها لتتكلم حتى جمدت مكانها وهي تنظر للواقف أمام الباب وقد

وقعت عينيها على نظراته المحدقة بعينيها فورا فشعرت بذاك الزلزال

يضربها مجددا وهي تقاوم بشراسة لتبقى هادئة وثابتة في الحضور القوي

لتلك العينين السوداء وتحت تلك النظرات الغامضة المسيطرة , خرج

تنفسها أخيرا متحررا من الاحتباس في رئتيها حين غير نظره منها

لعمته التي التفتت ما أن لاحظت جمود نظرات الواقفة عند النافذة

لشيء ما خلفها فتقدم منها حينها وقبّل رأسها هامسا " مساء

الخير عمتي , كيف حالك "

نظرت له فوقها وقالت مبتسمة " حمدا لله على سلامتك بني

متى عدت ولم يشعر بك أحد !! "

قال ولازال ناظرا لها وبصوت منخفض النبرة والبحة " منذ قليل

أخبرتني جوزاء بالأمس أنك تعبت اليومين الماضيين فكيف

تشعرين الآن ؟ "

قالت بضيق ونظراتها لازالت معلقة به للأعلى " جوزاء الثرثارة

تلك , لم أخبرك أنا فأسرعت هي لفعلها ! أنا بخير وما كان

عليها أن تقلقك وأنت بعيد عنا "

وانخرط معها في الحديث عن مرضها المفاجئ منهمك فيه تماما وكأنهما

نسيا وجود الواقفة هناك تحترق غيظا من تجاهله لها وهو من لم يكلف

نفسه حتى أن يحييها ويسأل عنها أيضا أو حتى أن يلقي السلام عليهما

معا ما أن دخل بل خصص كلامه كله مع عمته , وباستثناء تلك النظرة

عند الباب لم ينظر ناحيتها قط ورغم غيظها وغضبها كانت تخفي يديها

خلفها كي لا يظهر ارتجافهما وعيناها تتنقلان في تفاصيله من شعره

المبلل المسرح بإتقان وقطرة ماء تنساب منه على عنقه ببطء , وكما


هوا حاله دائما عندما ينزل من حمامه مباشرة قميصه مهمل التفاصيل

وزراه العلويان مفتوحان وكان يرفع أحد طرفيه بيده التي يضعها في

جيب بنطلونه ينظر لعمته تحته معطيا جانبه فقط لها , أبعدت نظرها

عنه وعضت شفتها بقوة تكتم غيظها وكل تلك المشاعر المتضاربة

( لما هوا بارد هكذا وجاف وقاسي وخالي حتى من المشاعر ولم

يتصدق ولا بابتسامة على عمته التي استقبلته بحب وحبور , بل

ولما هوا وسيم هكذا وشديد الثقة والرجولة , حضوره لا يمكن

لأحد تجاهله وكأنه يملأ المكان باتساعه ... )

شحبت ملامحها وقد أشاحت بها جانبا تنظر للنافذة المفتوحة حين

اكتشفت المسار الذي أخذته أفكارها وكرهته حقا , ارتجف جسدها

ارتجافه بسيطة ونظرت لهما فورا ما أن سمعت صوت عمته قائلة

" اجلس هيا وتذوق شاي زوجتك فلن تشرب مثيلا له ما حييت

ولابد وأن رائحته العبقة وصلتك ما أن دخلت من باب المنزل "

اشتدت حينها ضربات قلبها وهي تراقب ملامحه ونظره على إبريق

الشاي والصينية الموضوعة على الطاولة تنتظر تعليقه عليه ما أن

يشرب منه فرفع نظره من الإبريق لها فجأة فأبعدت نظرها عنه فورا

ترسم ملامح جامدة شديدة البرود كتلك التي يقابلها بها دائما وخصلات

شعرها تتطاير مع النسيم الداخل من تلك النافذة وقد تناغم لون خديها

المتوهجان مع لون شفتيها وذاك اللون الزهري في فستانها رغم

التفاوت الكبير في درجة اللون بينهم , قال ونظره لازال مركزا على

وجهها وانسدال رموشها الطويلة الكثيفة مخفيه حدقتيها بعيدا عنه

" تعلمي بأني لا أشرب وآكل شيئا إلا إن كان ساخنا جدا عمتي

وهذا الشاي يبدوا أنه برد ولم يشربه أحد "

رفعت نظرها به فورا وحدقتيها تقدح شررا غاضبا لتجده ينظر لها

بتهكم بارد وكأنه لم يقل شيئا بل وكأن البخار لا يتصاعد من ذاك

الإبريق حتى الآن فتحركت حينها تلعن نفسها لأنها ببقائها عرّضت

نفسها لكل هذا وأنه كان عليها تجاهله والخروج ومعاملته كما عاملها

كجدار , ما أن مرت بهما حتى وقفت مكانها بسبب اليد التي أمسكت

برسغها لترسل موجات من القشعريرة في كامل ذراعها منتقلة لباقي

جسدها فرفعت نظرها به فكان لازال ينظر لعمته قائلا " سأطلب من

الطبيب المجيء لرؤيتك , ما كان على عمي أن يستمع لكلامك

ولا يجلبه "

كانت ستعترض فسبقها قائلا بحزم آمر " لا نقاش في هذا عمتي "

فتنهدت باستسلام قائلة " كما تريد بني رغم أنه لم يعد يلزم ذلك

وأشعر بأنني بخير "

شدت حينها يده أكثر على رسغها وكأنه يقول لها لم أنسى وجوده في

يدي إن فكرت فقط أن تسحبه منها , وكادت تخرج شهقتها للعلن حين

شعرت بإبهام يده يمر وسط كفها وقد نقله من رسغها في حركة ولمسة

خفيفة ثم ضغط به على باطنه فأنزلت رأسها للأسفل تخفي ملامحها

المشدودة والمتوترة فهي لم تجتز بعد ملمس أصابعه القوية على بشرتها

الناعمة ليجهز عليها تماما بالعبث ببشرة كفها في حركة لم تفهم مراده

ومقصده منها ؟ ثم عاد وأرخى من ضغط إبهامه عليه وعاد لتحريكه

ملامسا كفها بنعومة قائلا " لا بأس في أن نطمئن لن يحدث

شيء عمتي "

ثم تحرك وخرج من الغرفة ساحبا لها خلفه , ليس لأن خطواته

سريعة لكنها تعمدت فعلا أن تتخلف عنه فقال وهوا يجتاز بها

الممر الطويل " سخني الشاي حتى يغلي واجلبيه لي في مكتبي "

فزمت شفتيها بقوة تكتم غيظها وغضبها منه وهوا يطلبه بعدما

انتقده عمدا , وما أن وصلا نهاية الممر حتى ترك رسغها وتابع

سيره دون أن ينظر لها قائلا " أنا لا أشربه إلا من ناره للإبريق

لكوبي مباشرة لا تنسي ذلك "
وسار مبتعدا تاركا إياها مكانها تنظر له وتفرك باطن كفها بيدها

الأخرى ولم تزح نظرها عنه تستشعر نبضات قلبها المجنونة في

أوردة يدها جميعها تراقب قفاه وخطواته المتزنة حتى رفع يده

بجانب رأسه وقال ملوحا بسبابته " لا أريد أن أرى الخادمة

داخلة به عليا هناك "

واختفى عنها خلف الممر الغربي فأنزلت يديها وصرت على

أسنانها بقوة وهمست بغيظ " يالك من متعجرف "

ثم استدارت بقوة عائدة أدراجها متمتمة بغضب " ولما يخرجني

إلى هنا ؟ كان طلبها مني هناك وغادر , ثم ما في الأمر إن أخذته

له إحدى الخادمات لمكتبه وأصغرهن سنا تكبره بما يقارب

السبع سنين ؟ "

ثم دخلت الغرفة وتوجهت من فورها للطاولة بملامح واجمة من

القهر ورفعت الصينية قائلة بجمود بارد " عمتي إن كنت تريدين

كوبا آخر أسكبه لك قبل أن آخذه "

قالت تلك ونظراتها معلقة بها فوقها وبابتسامة " لا يحتاج يا غسق

فبالكاد سيكفيه لأنه لن يتوقف عن شربه حتى يفرغ "

نظرت لها بصدمة وقالت " وما أدراك أني سآخذه له ! "

خرجت منها ضحكة صغيرة وقالت وهي تتراجع بكرسيها حتى

قابلتها وقالت مبتسمة " متأكدة من ذلك من قبل خروجه بك من

هنا فهوا لم يرد قول ذلك أمامي مخافة أني لازلت أريد شرب

المزيد منه ومن اللباقة أن يتركك تأخذيه دون علمي "

شعرت بحجر كبير وقع على رأسها وتمتمت بعبوس

" لم أفكر هكذا !! "

ابتسمت لها بحب وقالت " أفهم موقفك يا غسق فأنتي لم

تعيشي معه لكني أعرف تفكيره جيدا "

ثم أضافت بمكر ونظرها على عينيها " كما أعلم أنه الآن

لا يريدك من أجل الشاي فقط "

نظرت لها غسق بصدمة ورغم توقعها للمواجهة معه إلا أنها

كانت تتمنى حدوث العكس وأن يتجاهلها تماما فضحكت نصيرة

وقالت " عليك أن تعلمي أمرا يا غسق بأن جميع الرجال لا يقبلون

بالهزيمة ومطر تحديدا لا يحب أن يخرج خاسرا وإن في جانب

واحد من الأمر يكسبه وبجدارة "

رفعت غسق يدها ومررت أصابعها في طرف شعرها قائلة بتوتر

" عمتي هل تتعمدين إخافتي منه أم ماذا ؟ "

ابتسمت لها بتفهم وقالت " لا يبدوا لي أنك تحتاجين من يخيفك منه

ومعلومة أخرى عليك تسجيلها عنه أنه أكثر الرجال نافذا للصبر

فخذي الشاي وسخنيه جيدا واحمليه له بسرعة "

تحركت من فورها متوجهة جهة الباب ومتمتمة بعبوس

" لما لا تذكري لي عيوبه دفعة واحدة لأجمعها في دفتر واحد "


*

*

فتح الباب بعد طرقتين خفيفتين ودخل يحملها بذراعه تلتف إحدى

ذراعيها الصغيرتان حول عنقه والأخرى تمسك بها قطعة الحلوى

الكبيرة التي أحضرها لها معه وقت عودته فجرا من الحدود فمنذ

أصبحت هذه الطفلة في منزلهما تعلقا بها بجنون وقد غادر للحدود

تاركا قلبه معهما هناك وما أن عاد اليوم قرر أن يزوره بها قبل أن

تأتيه أي أوامر من مطر ويغادر مجددا , توجه نحو طاولة الذي كان

ينظر لهما مبتسما وأجلس زيزفون فوق الطاولة أمام الطبيب وقال

" ها هي ذي التي أخبرتك عنها وما أن علمت أنك أفضل الأطباء

في الأطفال حتى وثقت بخبرتك فأنت قد أفلحت حتى في

التخصصات الأخرى "

وقف ذاك مبتسما ولف حول الطاولة ناظرا للتي تنظر له بحيرة

وتوجس وقد قبضت بيدها الصغيرة على كم قميص من أصبحت

تناديه ( بابا ) من أيام فمسح عكرمة شعرها وقال مطمئنا لها
" لا تخافي يا زيزفون لن يؤذيك "

قال الطبيب هامسا ولم يلمسها " ما بها ! مما مذعورة ؟ "

نظر له وهمس بحزن " كما تعلم فقد شهدت منظرا مأساويا

ومن حينها وهي تخاف وترتعب حتى في نومها ليلا "

اقترب منها الطبيب بحذر ومد يده ماسحا على شعرها يراقب

عينيها الزرقاء الواسعة الوجلة وقد ترقرقت الدموع فيها منذرة

ببكائها الوشيك فتصرف سريعا بخبرة طبيب غزا الشيب رأسه

في تلك المهنة ممرا إبهامه على العرق النابض المتوتر في

عنقها وقال مبتسما لها " كم أنتي فتاة جميلة ومطيعة "

وسرعان ما هدأ تنفسها واتزن وتدحرجت تلك الدمعة اليتيمة من

رموشها ولازالت محدقة فيه بصمت فعدل جلستها على الطاولة

وقال " جميل اجتزنا مرحلة الخطر "

قال عكرمة وأصابعه عادت لتمسح على شعرها الحريري القصير

" أريدك أن تشخص حالتها مقارنة بالأوراق التي أعطيتها لك "

عاد لطاولته وقال وهوا يفتح الدرج " انقلها لسرير الكشف إذا

سيساعدني أكثر , وأبقها جالسة "

حملها من فوره وأجلسها هناك يطمئنها بكلمات يكرر ويعيد لفضها

حتى ابتسمت له فقبل خدها بحنان وقال مبتسما " الطبيب راض

عنك وقال أنك فتاة مطيعة فلا تثبتي له العكس "

فاقترب منهما الطبيب ضاحكا وقال ما أن وصل عندهما

" أتمنى ذلك حقا "

وأخرج مصباحا صغيرا من جيبه فحص به نظرها ثم اختبر سمعها

بثلاث أجراس صغيرة بمقاسات مختلفة ومن دون علمها ثم كشف

يدويا على حلقها ورقبتها ثم غادر الغرفة لغرفة مشتركة مع غرفته

وعاد بعد قليل يحمل صندوقا صغيرا وضعه على الطاولة بجانب

السرير وقال " سنجري لها اختبارا سريعا بالأدوات البسيطة

التي لدي فأنت تعرف حال البلاد ووضع الطب فيها لكن

هذا الاختبار سيساعدنا كثيرا "

هز عكرمة رأسه موافقا وتنحى جانبا فأخرج الطبيب من الصندوق

ثلاثة أوراق تحمل رسومات أحدها لفتاة صغيرة والأخرى لكرة

والثالثة لشجرة كبيرة خضراء وعرضها أمامها على الطاولة

قائلا " أين صورة الكرة يا زيزفون ؟ "

وكرر عكرمة بعده وبعد محاولة أخرى من الطبيب رفعت

أصبعها الصغير وأشارت لصورة الكرة فقال الطبيب بحماس

" جيد يالك من فتاة ذكية "

فأعلنت عن أولى ابتسامة له لحماسه الذي أكد لها أنها أصابت

في اختيارها , أبعد صورتي الشجرة والكرة وترك صورة الفتاة

ووضع معها ثلاث أوراق أخرى كل ورقة تحمل لونا وقال ناظرا

لعينيها المركزة على الأوراق أمامها على الطاولة

" ما لون فستانها يا زيزفون "

طرق عكرمة على الطاولة بأصابعه فرفعت رأسها له فكرر عليها

السؤال لتركز على شفتيه فنظرت للأوراق ثم رفعت رأسها له

مجددا فكرر السؤال لها فنظرت لهم من جديد لوقت كان يطول

تدريجيا حتى رفعت إصبعها وأشرت به على الورقة الصفراء

فصفق لها عكرمة بحماس وسرعان ما خبأت وجهها في خصره

تحضنه بقوة فمسح الطبيب على شعرها وقال ناظرا له

" أجري حديثا وإن قصيرا معها أريد أن أرى نطقها "

*

*


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:28 AM   #700

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*

*

توجهت للمطبخ من فورها وسكبت الشاي في أبريق حديدي من

أجل تسخينه ووقفت تنتظره قليلا حتى عاد للغليان مجددا تنظر

له بعبوس وكل تفكيرها في كلام عمته عن أنه لا يريدها من أجل

الشاي فقط وأنه لن يقبل بالهزيمة , سكبت الشاي في الإبريق مجددا

وأبعدت الأكواب تاركة واحدا نظيفا فقط وحملت الصينية وخرجت

بها متمتمة " ولا أنا سأقبل بالهزيمة ولنرى يا ابن شاهين "

وسارت بخطوات بطيئة متوجسة جهة غرفة المكتب التي أخبرتها

حبيبة أين ستجدها وأدركت حينها أن محاولاتها المستميتة لشد عزم

قلبها بدأت تبوء بالفشل وهي تقترب من ذاك الباب المغلق فتنهدت

بإحباط متابعة سيرها ( ما بك يا غسق وكأنك تقتربين من نهايتك

المحتمة ! كم أنتي مدعاة للشفقة وحمقاء , ومتأكدة من أنه يموت

ضحكا عليك في قرارة نفسه فكل ما تفعلينه محاولات ضعيفة لتحديه

بطرق غير مباشرة يفهمها فورا ويجعلها تتلاشى بلمسة صغيرة

لها بطرف أصبعه وكأنه يفجر فقاعة صابون )

وقفت عند باب المكتب وتنفست بقوة معززة نفسها مجددا ( لن يكسب

شيئا مادام الأمر في يدي ولن أتراجع وإن هددني بحياة والدي شراع

لأنه لن يفعلها ولن تكون شيمته أبدا وهوا يرى نفسه بكل هذا الكبرياء

والعظمة , كل ما عليك فعله يا غسق إيجاد ثغرة لاتخاذها ضده بما

أن عمته لم تخبره شيئا وقررت أن لا تكون وسيطا بينكما )

رفعت يدها لتطرق الباب لكنها سرعان ما تراجعت ومدتها لمقبضه

فقد وجدت أنه من السخف أن تطرق بابا وهي تعلم أن الذي خلفه

زوجها ووحده أيضا فلن تعطيه الفرصة للسخرية منها ما أن تدخل

فتحت الباب ببطء ودخلت وما أن وقع نظرها على الجالس خلف

المكتب منكبا على الأوراق تحته والقلم في يده اليسرى يكتب به

دون توقف ولم يرفع رأسه عنهم ولا بعد دخولها حتى فقدت آخر

دفاعاتها فقبضت على الصينية بقوة وتقدمت هامسة لنفسها

( سامحك الله يا عمتي هل ينقصني رعبا من مواجهته هذه !! )

وما أن وصلت الطاولة حتى وقفت لبرهة تفكر هل تضع الصينية

حيث وصلت وتفر بجلدها أم عليها الالتفاف حولها ووضعها بجانبه ؟

وذاك كان المنطق السليم لشخص جالس لوحده خلف الطاولة لكنها كانت

تبحث عن أي خيار للهرب , وما أن مدت يديها قليلا حتى توقفت مكانها

بإشارة من القلم في يده على الطاولة بجانبه قائلا دون أن يرفع رأسه

" ضعيها هنا "

فأطلقت نفسا قويا لم يسمعه غيرها وتحركت من هناك شاكرة لله

أنه اكتفى بذلك فقط ولم ينتهز الفرصة ليرميها بتعليق لاذع على الأمر

لفت حول الطاولة وما أن كانت بجانبه ورغم انشغاله التام بالكتابة

في تلك الورقة إلا أنها شعرت وكأن جسده مليء بالعيون التي تراقبها

بذات تلك النظرة الثاقبة المتهكمة في عينيه , وضعت الصينية بجانب

مرفقه الأيمن فوق الطاولة فور أن وصلت وعادت ولفت حولها مجددا

تزم شفتيها بقهر منه وهو لم يحاول ولا شكرها من باب الذوق واللباقة

وتمتمت لنفسها متوجهة للباب ( ماذا تتوقعين منه مثلا أن يقبل يدك

شاكرا لك ؟ فري بجلدك بما أنه لم يكترث ولا لوقوفك قربه

ليرميك بإحدى إهاناته )

" غسق "

تصلب جسدها ووقفت مكانها وفرحتها بفرارها لم تكتمل , تنفست

مالئة رئتيها بالهواء مغمضة عينيها لا تعلم تبكي أم تفر هاربة وتلك

الحروف لازالت ترن في أذنيها وهي تسمع أسمها منه لأول مرة

ورغم أنه قاله بصوت منخفض ناعم إلا أن نبرته لم تخلو من الحزم

والجدية بل وكأنه يأمرها به بالوقوف أمرا , لم تتخيل أبدا أن يتخذ

اسمها لإيقافها !! توقعت أن يقول ( انتظري ) أو حتى ( هيه أنتي )

مستنقصا لها لكنه خان جميع توقعاتها , أخرجت الهواء منفسه عن

أضلعها ورئتيها واستدارت مجددا وقد كانت تكاد تصل للباب ووقفت

مكانها وكان على حالته تلك لم يرفع رأسه ولم يوقف حركته السريعة

في الكتابة ولاحظت أنه أعسر من كتابته بتلك اليد , رفع الختم الخشبي

الموجود بجانب أوراقه بيده اليمنى وختم به على الورقة وهي تعرف جيدا

ما يكون فهي رأت شبيهات له عند والدها شراع وهي أختام يستخدمها

زعيم القبائل لديهم للختم على أي قرار يصدره أو يوافق عليه ليكون

معلوما لدى الجميع أنها صادرة منه أو أنه موافقا عليها , قال وهوا

يضرب بذاك الختم على الورقة مجددا ونظره عليه

" هل أفهم ما هذا الرد الذي قلته لعمتي ؟ "

فنظرت له بصدمة وهوا يوقع الورقة بحركة سريعة ولم تفهم هل أخبرته

عمته وتحدثا عند اتصاله بالأمس وهي التي قالت أنها لن تتدخل في الأمر

وأن عليهما مناقشته معا أم أنه قال ذلك من نفسه ليعلم ما قالت لها دون أن

يضطر لمس كرامته وهوا يسألها !! نظرت له مضيقة عينيها وهوا يوقع
على أسفل الورقة مجددا ( مخادع وسيكون الرابح في كلى الحالتين وأنا

من عليها الجواب الآن وتوضيح ما قلت لها دون أن يسألني مباشرة فإن

تمنعت عن الجواب سيتهمني بالضعف وإن أجبته أكون أنا من طرح

الأمر من نفسي في حال أنها لم تخبره , هل تفعلها وتقف مع ابن

شقيقها وتخبره ولا تخبرني عن رده !! )

رفع رأسه ونظره عما كان يفعل ناظرا لها وهوا يبعد الورقة جانبا

قالبا لها بعيدا عن باقي الأوراق وهي لازالت متمسكة بصمتها وقد

جمعت كل شجاعتها وأبقت نظرها ثابتا على عينيه رغم اضطرابها

القوي وحبسها لأنفاسها حد الاختناق البطيء لأنها الخاسرة في كل

الحالات إن تحدثت وقد لعبها بنجاح وحاصرها في الزاوية ولن

ينجح الأمر حتى إن قالت ( واشرح لي أنت أولا ما قلت لها )

لأنها ستُعرض نفسها لسخرية أكيدة منه لذلك اختارت الصمت وقررت

أنها لن تتحدث حتى يسألها مباشرة عن طلبها ذاك المهر ومؤكد يعلم

بأنها تجهل رده لو أنه كان متأكدا من أن عمته لم تخبرها بشيء أيضا

رفع يده مسندا لمرفقه بالطاولة وحرك طرف القلم على لحيته السوداء

المشذبة وعيناه لم تنزاحا عن عينيها وكأنه يختبر قوة صمودها وهي

تكاد تغمضها هربا من عينيه وقد فهمت حينها فقط حديث عمتها جويرية

حين قالت ( العينين السوداء تملك سحرا لا تملكه باقي الأعين وهي

ترميك بحبالها مباشرة بتلك الأحداق الحالكة ويمكنها الفتك بك دون قتال

فهي منبع الفتنة عند النساء والقوة عند الرجال وكلما زاد دكون لوها

واتساعها وسواد رموشها زادت قوة تأثيرها أكثر )

وفهمت حينها فقط صدق حديثها ذاك وهي تواجه تلك العينين التي تصرخ

قوة , نزل بالقلم لأسفل ذقنه وقال مسندا رأسه به وقد لاح شبح ابتسامة

ساخرة على شفتيه " حسنا يبدوا أنه عليا قولها في كل مرة "

وازدادت ابتسامته تهكما وهوا يراقب نظرة الاستغراب في عينيها

وتابع " هلا أسمعتني صوتك الجميل ولو بعبارة قصيرة قبل

خروجك يا ابنة شراع "

فزمت شفتيها بحنق وسرعان ما تحولت نظرته الساخرة تلك لنظرة تهديد

ووعيد لها وقد فهم جيدا ما تفكر فيه وستقدم عليه من تحول ملامحها

وابتسامتها الماكرة وقد خرج صوتها الرقيق الناعم ما أن تحركت

شفتيها وقالت متراجعة خطوة للوراء " أجل نسيت أن أقول لك ..

حمدا لله على سلامتك "

وكما توقع في لمحة عين لم يعد يرى سوا شعرها الأسود الطويل المجموع

بشريط زهري يختفي خلفها فوقف من فوره ولف حول المكتب مسندا

يده على طاولته ليختصر المسافة قافزا وهامسا من بين أسنانه

" المحتالة ! "

وخرج فورا متوجها للباب ليوقفه رنين هاتفه ملتفتا له من هناك وسرعان

ما قرر تجاهله وخرج للممر وسار يمينا من فوره وبخطوات واسعة مستغربا

كيف اختفت منه هكذا بسرعة !! وما أن وصل نهايته حتى توقف فجأة وهو

يكاد يصطدم بالخادمة التي وقفت أمامه مصدومة ثم تراجعت بسرعة للخلف

خطوتين وقالت ما أن أخذت نفسها المذعور " سيدي السيد صقر يريد

رؤيتك "

قال وهوا ينظر حوله حيث وسط المنزل الواسع باحثا عن مكانها

" أين هوا الآن ؟ "

قالت تلك من فورها " في جناحه سيدي "

هز رأسه بحسنا ثم قال وهوا يرجع أدراجه " أخبري غسق ثم

أخبريه يدخل لي في مكتبي "


*

*

كان الطبيب الجالس على كرسي بقربهما منتبه بتركيز لحديثها

وطريقة نطقها للكلمات حتى أوقفه وسأله عن بعض الأطعمة

وتأثيرها عليها وإن كان ثمة حساسية تصيبها بسب تناولها لها ثم

وقف وجلس خلف مكتبه مجددا فحمل عكرمة زيزفون وجلس في

الكرسي المقابل لطاولة الطبيب مجلسا لها في حجره وأعاد لها قطعة

الحلوى التي انشغلت بها وقال الطبيب ناظرا للأوراق التي وجدوها

معها " في هذه الأوراق شرحت جدتها عن الكلام الذي قاله لهم

الطبيب الذي شخص حالتها ولست أعلم على أي أساس فرض

عليها تلك الحمية ونصح بإطعامها المأكولات التي تحوي

على المعادن وهي لا تحتاجها "

نظر له عكرمة بعدم فهم وقال " ماذا يعني بأنها لا تحتاجها ؟ "

وضع الطبيب الورقتين ونظر له وقال " يعني أني مستعد لترك

مهنة الطب بأكملها إن كانت هذه الطفلة مصابة بالتوحد "

ظهرت الصدمة بوضوح على ملامح الجالس أمامه تمسك يده

بقوة خصر الجالسة في حجره وقال بعدم تصديق " ما تعاني

منه ليس توحد ونقص تعلم !! "

هز الطبيب رأسه بنعم وقال " طبيبها السابق شخص حالتها على

أنها الدرجة المنخفضة منه لكنها ليست علامات توحد أبدا

الأمر واضح كالشمس "

قال عكرمة والصدمة لم تفارقه بعد " وهذا كان رأي زوجتي فشقيقتها

ابنها يعاني من ذاك المرض وهي تبقى معهم دائما وقت غيابي الطويل

عن المنزل في الجبهات وقد عايشت حالته جيدا واستنكرت أن

تكون زيزفون مصابة بذات مرضه "

هز الطبيب رأسه موافقا له وقال " ثمة فرق شاسع بين تأخر التعلم

عن أقرانها في سنها أو ما يعرف بالتوحد وبين البطء الذي تعاني منه

هذه الطفلة وكأنها جهاز كهربائي لا يتلقى الأوامر منك بسهولة

لكنه يفعلها بعد جهد ووقت "

هز عكرمة رأسه بحيرة وقال هامسا " ما بها إذا !! "

أنزل الطبيب نظارته حتى منتصف أنفه ومسح عينيه مغمضا

لهما ثم ضغط عليهما قائلا " تحتاج لصورة أشعة مقطعية

ورسم للمخ لنتأكد من السبب "

ثم أعاد نظارته رافعا لها بسبابته وتابع " ثمة شيء ما في دماغ هذه

الصغيرة والأرجح الجهة السيرى الخلفية من الدماغ وهي تضغط

على أعصابه وبالتالي ظهرت عليها هذه الأعراض "

تنقل عكرمة بنظره في ملامحه لوقت ثم قال " مثل ماذا مثلا !!

أنا لم أفهم بعد ما تعني "
ضم الطبيب يديه لبعضهما فوق الطاولة أمامه وقال بهدوء

" الأكياس المائية على الدماغ أو الأورام هذه هي الأمور

التي مرجح أنها ستسببها "

قال بصدمة " ورم !! "

ابتسم الطبيب وقال " لا تخف فأنا أستبعد هذا الأمر فحتى الأورام

الحميدة تؤثر على الحواس خاصة النظر والسمع وهذه الطفلة لا

تعاني منها حتى الآن ومن كلام جدتها أنها أعراض لازمتها من بعد

عامها الأول حيث كان مرضها ملاحظا وقتها أما قبله فما كان لأحد

أن يلاحظه حتى إن كان موجودا وذلك بسبب صغر سنها وعدم

بروز مهاراتها كالنطق والتعلم "

قال عكرمة " هوا الكيس المائي إذا ؟ "

رفع الطبيب كتفيه وقال " هذا افتراض وقد يكون ثمة ضمور في

منطقة في الدماغ أو مشكلة في أحد الأعصاب , ودون الأشعة

والرسم لا يمكنني تحديد أي شيء "

تجهمت ملامحه وضمها لصدره أكثر وقال " والحل الآن ؟ "

رفع ذاك يديه وقال بعجز " أنت تعرف الحال والوضع ولا حل سوا

بأمرين إما إخراجها لإحدى الدول وتشخيص حالتها وإن كانت تحتاج

لعملية جراحية أم علاج فقط أو مجرد تكثيف لنشاطاتها العامة في حال

الكيس المائي الخلقي , والحل الآخر هوا انتظار اللجنة الطبية الدولية

التي تدخل البلاد وتمر بجميع المناطق والمدن كل عام أو عامين وهم

سيتمكنون بأجهزتهم ومعداتهم الحديثة من تشخيص حالتها وتقرير

علاجها "

هز عكرمة رأسه بيأس وقال " سنحتاج لعام أو أكثر في وضع البلاد

الحالي المتذبذب لتدخل تلك اللجان فهم يخافون حتى من ظلهم "

ثم تابع بغيظ صارا على أسنانه " لا أعلم لما تهمل الهازان ذلك وهم

يدخلونها أيضا والدليل أننا لم نجد أوراق أو صور معها تدل على أنه

تم عرضها عليهم سوا ذاك الطبيب المحلي الجاهل "

تنفس الطبيب بقوة وهز رأسه بتفهم وقال " سأعطيكم برنامجا غذائيا

تتبعونه يرتكز على الـ omega 3 لتحسين معدلات النشاط الذهني لديها

وعليكم إشراكها أكثر في النشاطات الاجتماعية والتحدث معها كثيرا

وحثها على التعلم حتى تجد حلا لها "

هز رأسه بحسنا دون تعليق فضم ذاك الطبيب يديه مجددا فوق طاولته

وقال بهدوء حذر " أنت وحسب علمي أحد رجال الزعيم ابن شاهين

المقربين وأحد قادة جنود الحالك فلما لا تعرض أمرها عليه فقد

يساعد في شيء وإن إخراجها خارج البلاد "

وقف عكرمة حاملا زيزفون وقال مبتسما بسخرية " يبدوا أنه رغم

معرفة جميع الحالك بابن شاهين لازلتم تجهلونه فهوا رفض حتى أن

يخرج عمته للعلاج ولإجراء عملية لها كي لا يميز نفسه على كل

محتاج وعاجز في هذه الجزء من البلاد , وقد تلقت كغيرها العلاج

والتشخيص من اللجنات الطبية الدولية والأطباء المحليين , وحين

ناقشناه في أمرها أقسم أمامي وبعظمة لسانه أنه هوا نفسه إن كان

محتاجا لذلك ما فضلها على أبناء وطنه ولبقي ليعاني كما يعانون

حتى يأتي الله بفرجه على الجميع , فما ستتوقع منه حين سأذهب

له طالبا مساعدته من أجلها رغم يقيني بأهمية الطفلة لديه لكنها

لن تكون أهم وأقرب له من عمته "

ثم خرج على نظرات ذاك الطبيب المصدومة مما سمع

*

*



تقدمت من جهة المطبخ تنظر في الجانب الآخر وقالت مقتربة من

الواقفتان خارجه عند الباب " ما بكم ! ما هذه الجلبة هنا وصوت

عمي صقر في الداخل ؟ "

قالت حبيبة تمسك ضحكتها بصعوبة " يبدوا أن السيد صقر تشاجر

والسيد مطر وطبعا لا صوت غير لعمك ومن خارج باب المكتب "

نظرت لها جوزاء باستغراب من أسلوبها وطريقة إمساكها لضحكتها

وقالت بضيق " ويتشاجران وتضحكين من ماذا ؟؟ وما هذا

الذي يغضب عمي هكذا ! "

ظهر حينها المعني بالأمر من الممر الغربي يسير نحوهم راميا

يديه بغضب ووقف ما أن وصل لهم وقال موجها كلامه لحبيبة

" هل بقي من ذاك الشاي هنا ؟ "

هزت رأسها بلا وقالت بتوجس حذر " لقد سكبته السيدة كله

في الإبريق ولم تبقي إلا ما شربناه أنا وعزيزة "

عبس في وجهها مكشرا وقال مهددا ومتوعدا بسبابته " أخبري

غسق في المرة القادمة تعطيه كوبا فقط والإبريق لي مفهوم "

هزت رأسها بحسنا تمسك ضحكتها وغادر هوا جهة باب جناحه

متمتما لنفسه بصوت مرتفع حانق " لم يعطني سوا كوب واحد فقط

عديم الشهامة والمروءة ذاك وحين طالبت بغيره طردني , ما يقهرني

أنه لا يمكنك استفزازه مهما حاولت وقلت ابن الميتة ذاك "

أمسكت حبيبة فمها بيدها تكتم ضحكتها أكثر وقالت

" وكأن والدته هوا حية ! "

ثم نظرت لحفصة التي كانت تضحك بصمت جهة باب المطبخ

فقالت جوزاء بضيق " عودا لعملكما بسرعة "

فتحركتا فورا وراقبتهما هامسة بضيق تضغط قبضتيها بقوة

" كل هذا من أجل شاي أعدته سيدة الحسن !! ماذا سيحدث

إن طبخت قدر طعام ؟ "

*

*


أنهت حمامها سريعا ولفت المنشفة على جسدها لتزيل منها رائحة

أعشاب ذاك الشاي العطرية التي علقت بها , فما علمته أنه ثمة تجمع

اليوم لبعض نساء القبيلة ولن تدع الأمر يفوتها مجددا , وكما وجدت

نفسها مجبرة في هذا الموضع كزوجة لزعيمهم عليهم أن يرضوا بها

مجبرين أيضا في مكانها المخصص لها , أحكمت لف المنشفة حول

جسدها ورفعت رأسها لمرآة الحمام وعادت لتجفيف شعرها بالمنشفة

مجددا من الأعلى وانتقالا حتى الأسفل وهي تنظر لوجهها في المرأة

وعضت شفتها تكتم ابتسامتها وهي تتذكر هروبها منذ قليل , فها هي

أخذت بنصيحة عمته بحذافيرها وفرت من مواجهته , وتستبعد طبعا

أن يلحق بها فكما تراه ورسمت أبعاد شخصيته بأنه ذاك الرجل الذي

لا ينزل من عليائه أبدا , فقد ينتهز أي فرصة أخرى وإن بتقابلهما

مصادفة في أحد الممرات على أن يطرق بابها ويدخل غرفتها خاصة

في موضوع مثل هذا , وضعت المنشفة من يديها ثم رمت شعرها

الرطب للخلف وفتحت الخزانة الصغيرة بجانب المرآة وأخرجت

كريما مرطبا ليلفت نظرها أحمر الشفاه ذاك الذي أهدته لها حبيبة

سابقا ولم تستخدمه بعد تلك المرة فمدت أصابعها له وأخرجته

وفتحته وفي حركة سريعة من يدها انزلق على شفتيها تاركا لونا

أحمرا متوهجا عليهما بلمعة جميلة , وضحكت على نفسها وهي

تضعه قبل أن ترتدي ملابسها فتمتمت وهي تغلقه وتعيده مكانه

" لا بأس في هذا سألبس شيئا يغلق من الأمام ولا يدخل من

الرأس "

أغلقت الدرج وبدأت بمسح ذاك الكريم المرطب المعطر على ساعديها

وذراعيها وكتفيها العاريان قبل أن تجلس على طرف الحوض وتقوم

بذات الخطوة على ساقيها حتى ركبتيها عند حدود تلك المنشفة الملتفة

حول جسدها ثم وقفت وأعادت العلبة في الدرج وما أن وصلت لباب

الحمام حتى وقفت مكانها متسمرة وهي ترعي سمعها للباب الذي

انفتح خارجا وهوا باب غرفتها بالتأكيد فاضطرب تنفسها بشدة متبعا

ضربات قلبها العنيفة وخمنت سريعا من سيكون هذا الذي سيفتحه

دون أن يطرقه , رفعت أصابعها ودست بهم خصلات غرتها الرطبة

خلف أذنيها وهي تسمع خطواته الثقيلة في الغرفة وتأكدت حينها أن

هذا الشخص لن يكون امرأة ولا حتى شقيقته تلك , ما شعرت به

وقتها لم يشبه خيبة الأمل أبدا ولا حتى السعادة بأنه خان توقعاتها

بل درجة مرتفعة جدا من التوجس الحذر فمجيئه أكد لها أمرا واحدا

أنه مصمم تماما على الخوض في ذاك الأمر والخروج منه رابحا

كما قالت عمته , تلك الفكرة جعلت ظهرها يستقيم وضغطت أسنانها

هامسة " لذلك لن أتراجع أبد يا ابن شاهين فأرني خياراتك جميعها "

وصممت على أن لا تخرج له حتى ييأس ويغادر , عادت للوراء بخطوات

خافتة كي لا يسمع حركتها وقررت أن تفتح صنبور المياه ليضن أنها بدأت

حمامها للتو لكنها أعادت يدها من عليه سريعا وتنفست بارتياح نفسا طويلا

حين سمعت باب الغرفة أغلق مجددا , لكن هواجسها لم تغادرها ولم تثق

به لذلك جلست على طرف حوض الاستحمام واضعة ساق على الأخرى

تحركها بتوتر ولا تريد الخروج حتى تطمئن أنه غادر بالفعل , وبقت على

ذلك الوضع لوقت حتى شعرت بعظامها بدأت بالتنمل من جلوسها ذاك

فوقفت تعدل المنشفة على جسدها أكثر متوجهة للباب فحسب ما قالت

عمته هو عديم صبر ويستحيل أن ينتظر هنا كل هذا الوقت , فتحت الباب

بتوجس وتنفست بارتياح حين لم تجد سوا رائحته التي بقت هناك بعد

خروجه فأغلقت باب الحمام وتوجهت من فورها للخزانة القريبة منه فتحتها

وأخرجت ملابس داخلية ثم أنزلت المنشفة عن جسدها ولبستهم سريعا ثم

الفستان الذي كانت تبحث عنه مزررا من الأمام وكان من القماش السميك

يشبه شكله قماش الجينز أما ملمسه فمختلف وأخف منه مناسبا لجميع

المواسم حاله حال أقمشة الجينز تماما , كان الفستان مخصرا ويرسم الجسد

وطوله يصل للركبتين به أزرار تمتد على طوله من الأمام حديدية منقوشة

ومتوسطة الحجم وله جيبان عند الوركين وآخران جهة الصدر وياقته مفتوحة

ومقصوصة وله فتحة صغيرة في الخلف وهوا بدون أكمام , ياجوري اللون

أظهر أكثر صفاء وبياض بشرتها وسواد شعرها وعينيها , بدأت بتزريره

من الأسفل انتقالا للأعلى بحركة سريعة فالضيوف سيصلون عصرا

وأمامها تمشيط شعرها وتجفيفه بالهواء الطلق كعادتها أي أن الوقت

بالكاد سيكفيها لتصلي قبل وصولهم

" كل هذا استحمام ؟ "

قفزت صارخة من ذعرها وتفاجئها وليست تعلم كيف وجدت نفسها فجأة

ملتفتة للخلف تاركة الخزانة وراء ظهرها وهي تمسك ياقة الفستان بقوة

فهي لم تغلق آخر زرين فيه بعد , نظرت بارتجاف وملامح شاحبة مذعورة

وقلبها يكاد يخرج من مكانه للنافدة المفتوحة وستائرها الطويلة المتطايرة مع

الهواء وكانت تخفي الواقف خلفها الذي يتكئ على إطار النافذة ينظر للخارج

وقت خروجها من الحمام لذلك تنتبه له , عادت خطوتين للخلف فالتصقت

بباب الخزانة المغلق وكأنها تستشعر الحماية من خشبه البارد , إحدى يديها

لازالت تمسك ياقة فستانها بقوة والأخرى تضعها على قلبها تحاول تنظيم

تنفسها القوي وهوا يخرج مندفعا من صدرها الذي يعلو ويهبط بسرعة

كبيرة , سوا من وقفته وأغلق النافذة لتهدأ حركة الستائر منسدلة فوقها

بنعومة ولازالت الواقفة محتمية بالتصاقها بالخزانة تنظر لجانب وجهه

المقابل لها بصدمة لم تجتزها بعد ثم قررت أن تبدأ الهجوم أولاً رغم

ارتجاف جسدها الذي بالكاد تخفيه وقالت بلهجة قاسية استجمعتها قدر

الإمكان مع صوتها الضعيف المرتجف " لما لم تنبهني لوجودك

قبل أن ألبس ثيابي ؟ "

دار مقابلا لها ينظر لها تلك النظرة التقييمية من شعرها لقدميها الحافية

ووجهه محافظا على جمود ملامحه حتى عاد بنظره لوجهها وقال وقد

علت شفتيه ابتسامة ساخرة " واطرديني من الغرفة أيضا وأنا

زوجك ! "

قبضت على الياقة بقوة أكبر وقالت بصوت لم تخفي التوتر فيه

" وإن يكن زوجتك نبهني "

دس يديه في جيوبه وتحرك متوجها نحوها قائلا ببرود " كنت

أنظر للخارج ولم أراك , هل يريحك هذا ؟ "
لمست السخرية سريعا في كلماته ومقصده فرفعت ذقنها ورأسها

في نظرة تحدي حتى وقف أمامها مباشرة لا تفصله عنها إلا خطوة

واحدة وقال ناظرا لعينيها " فكي يدك عن ياقتك على الأقل فأنا

لن آكلك يا ابنة شراع "

أرخت يدها ببطء وقالت منقذة نفسها " كانت حركة عفوية لقد

أفزعتني فما ستتوقع مني ؟ "

ثم أنزلت نظرها حين لم يعلق وفكت يدها عن ياقتها ورفعت الأخرى

تحاول إغلاق الزرين بأصابع عجزت عن إخفاء الرجفة فيهما تحاول

قدر الإمكان أن تغلقهما دون أن يظهر شيء من جسدها لكن محاولاتها

لإدخال ذاك الزر في فتحة القماش الغير قابل للتمدد بيدين مرتجفتين

كانت جميعها تبوء بالفشل فأنزلت كفيها اللذان تعرقا بشدة تمسحهما

في خصرها وكأنها بتلك الحركة تخفي ارتجافهما وخرجت كلمات

الواقف أمامها ساخرا " يبدوا لي لن ينجح الأمر أبدا "

فصرخت حين رأت يديه ترتفع لفستانها " لا مطر لا تفعلها أنت "

لتتسع ابتسامته وهو يراقب احمرار خديها الذي ازداد توهجا وهي

تتجنب النظر له ودس يديه في جيوبه قائلا " حسنا ها قد أبعدتهما

فأنهي الأمر سريعا أو اتركيهما لأعرف كيف أتحدث معك "

رفعت يديها مجددا ونجحت هذه المرة في إغلاقهما قائله بهمس

" لا شيء نتحدث عنه "

تحرك طرف شفتيه بسخرية وقال ونظره يتنقل على شعرها من

أعلى رأسها المنحني للأسفل " أعتقد أنه كان بيننا حديث في

مكتبي لم نكمله "

وتابع وقد انتقل نظره لانسدال ذاك الشعر على كتفها وذراعها

" لأنه ثمة جبانة فرت هاربة "

هذا ما كانت تتوقعه منه تماما وصفها بالجبن , رفعت رأسها ونظرت

له بتحد فوجدته ينظر لها بتحد مماثل وكان على استعداد لخوض

معركة وهذا ما لا تريده , قالت بجمود " لست جبانة أنت من لم

تسأل شيئا واضحا "

تنقل بنظره في عينيها وركز حدقتيه على أحداقها السوداء اللامعة

بقوة وقال " أعتقد أن سؤالي كان واضحا "

قالت من فورها " لا لم يكن واضحا فابدأ من صلب الموضوع

بدلا من الدوران حول النتائج المترتبة عنه "

تركت نظراته عينيها لتتنقل في باقي تقاسيم وجهها وقد أغراه تبدلها

المفاجئ للدفاع المستميت بعدما كانت ترتجف منذ قليل , ها هوا يراها

كلبؤة تقاتل عن نفسها بشراسة , الوجه الآخر لتلك الفتاة الحسناء الرقيقة

أخرج إحدى يده من جيبه وقال ممرا لها على قفا عنقه وأصابعه تداعب

مؤخرة شعره " نرجع لصلب الموضوع ؟ جيد فكرة جيدة لا مانع لدي "

شعرت برغبة كبيرة في لكمه بقوة فها قد أنقذ نفسه وهي من ضنت

بأنه سيتهرب ووجدت ثغرة لتهزمه بها لكنه كالوحش في جميع أنواع

القتال ويدرس أفكار خصمه جيدا وهذا ما باتت موقنة منه ومن أنه علم

بسهولة أنها كانت ستستغل تلك النقطة , أنزل يده ناقلا لها من شعره

لباب الخزانة خلف رأسها مسندا كفه عليه وانحنى برأسه ليقترب من

وجهها أكثر وقال بجمود ناظرا لها " العمران لن تكون مهرا

لك يا ابنة شراع "

لم يكن كلامه مفاجأ لها وكانت تتوقعه فرفعت ذقنها أكثر وقالت

بإصرار ناظرة لعينيه التي تحدق بعينيها " وأنا لا أريد شيئا

غيرها يا ابن شاهين "

عادت السخرية المتهكمة لصوته قائلا " منذ قليل كنت

مطر ما تغير الآن ؟ "

زمت شفتيها بغضب منه , أيسخر منها لأنها قلدته في مناداته لها ؟

قالت متعمدة العودة لحديثها الأخير " أنت أعطيت وأنا اخترت "

أبعد يده وأعادها لجيبه مجددا منتصبا في وقفته وقال " أعطني سببا

واحد لطلبك لها وأنتي لا تريدين تسليمها لوالدك ؟ "

وتابع بسخرية " ولن أصدق طبعا بأن شراع البطل في أعين

صنوان جميعهم سيحتاج لامرأة لتوفر لأراضيه الحماية "

أحست كلماته طعنتها كخنجر في قلبها وهوا ينتقل بتهكمه الساخر

منها لوالدها فشمخت برأسها لتنظر له من عليائه فوقها وقالت

" أريدها لنفسي وليس له , هي مهري أنا "

" ولماذا ؟ "

جاء سؤاله مفاجأ لها رغم توقعها له لكن سرعة لفضه للكلمة وطريقته

أرعبتها وأسكنت التوجس في قلبها , هذه هي حربها معه هوا اختار

وقتها وقوانينها ولن تخسرها مهما حاول ومهما كانت أوصالها حاليا

ترتعد وأطرافها ترتجف من اقترابه وشدة ثقته بنفسه وقوته المتفجرة

من كل شيء فيه حتى صوته ذاك برنته المبحوحة ووسامته الرجولية

وإن كرهت قولها , أعاد مجددا ونظره لازال يسبح في ذاك السواد

الواسع محاطا بتلك الرموش الكثيفة " لماذا تريدين العمران إذاً

يا غسق "

عادت تلك الرجفة التي تكره لتسري في أوصالها من طريقة نطقه لاسمها

وخروجه من بين شفتيه وهوا يهمس حرف السين فيه همسا كالصفير

طريقة لم ينادها بها أحد قبله , علمت فورا أنه متمكن من أحكام تجويد

القرآن ولابد وأن له مسيرة لا بأس بها في حفظه ليتعمق في أحكامه

درجة أن يسيطر الصفير على نطقه للحرف , شدت على قبضتها أكثر

تشعر بأظافرها تخترق نعومة كفها وضاقت حنجرتها حتى أن الكلمات

خرجت منها مليئة بالحذر قائلة " ولماذا وضعت أنت مهري في

يدي ؟ "
ومضت عينيه بشكل سريع ومفاجئ رغم سرعة إعادته للجمود

فيها وكأن كلماتها أصابت فيه شيئا فتابعت " هل ثمة رجل يضع

مهر امرأة في يدها ؟ لا أعتقد ! وحتى إن وجد لن يكون أنت أبداً

فأخبرني لما فعلتها ؟ "

سكت لبرهة كم شعرت بأنها طويلة ومنهكة لحواسها ودفاعاتها

ونظرته تتنقل بين عينيها وكأنها تبحث في أعماقها قبل أن

يخرج صوته قائلا " لا أعلم فأنتي تملكين عقلا ناضجا

وبعد نظر مخيف "

طريقته الساخرة في قولها جعلت الدماء تفور في رأسها غضبا , ها

هوا يسخر منها مجددا ويتحداها بضربة قاسية وكأنه يذكرها بهفوتها

تلك حين دخلت أراضيه وأصبحت سجينة لديه يتحكم في مصيرها كيف

يشاء , فلو كانت تملك بعد نظر لما كانت دخلت أراضيه مسلمة نفسها

لحظها وفرضيات عقلها بالخروج سالمة , أخذ النبض في شرايينها

يزداد قوة ولم يعد مجرد نبض عادي بل صار وجعا عميقا وقررت

أن تشن حربها عليه مجددا وعلى سخريته المبطنة منها فقالت ترميه

بكلماتها بقسوة " أنت اخترت أن يكون المهر في يدي كي لا تكون

أمام الخيار الآخر وهوا أن يختاره والدي ويكسب جولة ضدك يا

ابن شاهين , أردت أن تخرج رابحا في كل شيء ولم تعطها له

ليلوي ذراعك بما سيختار وأنت موقن من أنه سيستخدم عقله

بجدارة في اختياره ذاك ففكرت بمكر وقلت لأعطي الخيار لابنته

امرأة لا تستهويها في الحياة سوا الأموال والمجوهرات فلن

يتطرق خيالها لطلب شيء أكبر منها "

ضلت الابتسامة الساخرة تتراقص فوق شفتيه ونظره يتنقل بين ملامحها

فقد أصبح يتوقع منها الكثير وتفاجئه في كل مرة , فتاة ذكية تعرف متى

تهاجم ومتى تناور وحتى متى تهرب وعلى المرء أن لا يسخر من قدراتها

المدفونة خلف حسنها وضعفها الناعم , حقيقة كان عليه الاعتراف بها

وإن بينه وبين نفسه , وإن أنكر بعضها فهوا يقر ببعضها الآخر .

أخرج يديه من جيوبه وكتفهما لصدره قائلا " أجبتِ عن

سؤالي بسؤال لذلك لن أجيب وهذا من حقي "

رفعت أصابعها وفي حركة كانت رقيقة رغم سرعتها دست خصلات

غرتها خلف أذنيها وكأنها تسرق وقتا لجمع أفكارها وما تشتت من

دفاعاتها وقالت " أجبت عن سؤالك إن كنت نسيت وأخبرتك

أني أريدها لنفسي فقط ليس من أجل والدي ولا لحمايته "

خرج صوته عميقا وكأن الصدى يلفه " لم أقتنع ! جواب لا يصلح

للسؤال فلما تريديها لنفسك ؟ أرض تساوي مئة ألف متر مربع

مقدرة بإحدى عشرة كيلوا مترا ما تفعل بها امرأة ؟ وزد عليها

أنها مجرد طبيعة لا عمران ولا مساكن فيها "

قالت بإصرار " أريدها ... تعجبني وأريدها لنفسي لا جواب

لدي غيره لكنت قلته فورا "

حرك رأسه بعدم تصديق وقال بسخرية " إن كنت تفكرين في

تأمين نفسك في حال طلقتك فأبعدي الفكرة من رأسك لأني لن

أطلقك أبدا وتحت أي ظرف كان "

قالت بضيق " أعطها لي إذا أو افسخ العقد لأنه سيكون باطلا "

هز رأسه بلا بثقة كالإعصار وهمس " ثمة حل غيره وهوا

أن تنسي فكرة العمران "

" لماذا تزوجتني إذاً ؟ "

اندفع السؤال من شفتيها بسرعة هي لم تتوقعها فحرك كتفيه ببرود

وقال " هذا السؤال يفترض أن يكون في بداية الحديث وليس

الآن وفي كلا الحالتين لن أجيب عليه "

قالت بجمود تحبس دمعتها قدر الإمكان " غرضك كان كسر

شراع صنوان أليس كذلك ؟ "

قال ساخرا " لو أردت ذلك لما تزوجتك "

زمت شفتيها بحنق فقد كان كلامه صحيحا , فتحت فمها لتتحدث

فقال بحزم مسكتا لها " أوقفي سيل اتهاماتك اللاذعة أو عاقبت

هذه الشفتين وعقابي لن يعجبك "

شعرت بالدماء جفت في عروقها حتى أنها شعرت ببشرتها تجمدت .

طرقات خفيفة على باب الغرفة جعلت نظره يتحول له سريعا فيما

أخذت هي نفسا قويا تحمد الله أنه ثمة من فكر أن ينقذها أخيرا , لكن

ذاك الأمل مات في مهده حين تحدث الواقف أمامها بصوت مرتفع

ونظره لازال هناك " انتظر قليلا "

لتتحول ملامحها للصدمة وهي تنظر له فأعاد نظره لها وقال
مبتسما بمكر والتسلية تتراقص في عينيه " ما جوابك هل

ستغيرين قرارك أم ماذا ؟ "

نظرت للباب بطرف عينيها وهي تسمع حديثا من الواقفتين خلفه

وعلمت فورا أن أحداهما عمته واستغربت لما لم تغادر حين علمت

بأنه هنا فهي تعرفها جيدا ستفعلها فورا ! حتى ظهرت لها صاحبة

الصوت الآخر التي كانت .... جوزاء ! وهذا ما لم تتوقع أبدا لكنها

الآن باتت لا تستبعده فلن تزورها تلك لأي سبب كان وخمنت فورا

أنها ستكون علمت بوجود مطر هنا وكان عليها أن تكسب جولة

أخرى ضدها بإظهار عدم أهميتها بالنسبة له وأمامها لذلك شرفتها

بهذه الزيارة وعمتها هي العذر طبعا , والواقف أمامها الآن استغل

الوضع .. فما ستفكران فيه وهوا يطلب عدم دخولهما عليهما ؟

موقف محرج هي من ستتحمل تبعاته ويبدوا أن لديه المزيد , طرقات

من أصابعه على باب الخزانة خلفها أعادت نظرها له مجددا ليوصل

لها رسالة مفادها أنه لازال ينتظر جوابها وقد انتقلت حربهما لمضمار

آخر الآن وكثر عدد الأشخاص في الساحة وبات واضحا لها أنه

مستمتع كثيرا بإضعاف كفتها وإرجاح كفته , ركزت نظرها على

عينيه وقالت بجدية " مهري هوا العمران "

توقعت منه أي ردة فعل عنيفة غير التي صدرت عنه حين لاحت

ابتسامة انتصار لم تفهمها على شفتيه ورفع يده لذقنها ممسكا له

وهمس " أنتي فقط المسئولة عما سيحدث , تذكري هذا جيدا "

لم تفهم ما يعني ولازالت أصوات من في الخارج تصل لها , وما

الرابط بين ما يقول وبينهما ؟!! مرر إبهامه على شفتها السفلى بقوة

آلمتها ثم أبعد يده وعيناها تراقبه باستغراب ليصعقها وقد رفعه لطرف

عنقه وضغط به عليه ثم ممرره فوق بشرته ببطء ليظهر ذاك اللون

الأحمر فيه بوضوح فشهقت بصدمة دون شعور منها وعجزت عن

نطق الحروف وهي تنظر له بعينان متسعتان فتراجع للوراء

خطوتين وأدار ظهره لها وسار جهة الباب قائلا " ابقي بعد

الآن أمام الجميع متمسكة بذاك المهر "

فلم تشعر بنفسها إلا وهي تركض نحوه وأمسكت بذراعه موقفة

له ولفته جهتها وهمست بغضب ناظرة لعينيه " هل جننت !

ألست متضررا مثلي من هذا وأنت تخرج لهما ؟ "

نهاية الفصل ....

المخرج ~

بقلم الغاليه: Reeo

من مطر إلى غسق.......

ايا إمرأة وصفتني بصاحب الغرور والبرود
إسمعيني فانا لست إلا رجلا تربى على البارود
من أجل حماية وطني من شر الحاسد الحسود
ولست أهتم إن كانت روحي هي ثمن الخلود
خلود الامن وتوحيد البلاد بإذن الواحد الودود
وابعد كل من اراد شرا من امام الحدود
ولا اريد شهرة او أن يكون الناس عليا شهود
فانا أرتجي الخير لبلادي وفك عنها كل القيود
فتصبح حرة ابية في حماية الصمد المعبود
أنا إبن شاهين الذي شبهت حربي بالجنون من عدوي اللدود
عهدي لك يا وطن باني لن اقف ولن اعود
حتى تكون مثل غيرك من الوفود
وبإذن الله سافي بالعهود

******

موعدنا القادم مساء الخميس إن شاء الله وسيتغير
تنزيل الفصول ليوم بعد أربعة أيام تباعا أي كل خمسة أيام فصل
بطول فصل اليوم وسنعلن عن موعد التنزيل في نهاية كل فصل
وأعتذر من حبيبتي فيتامين سي لأن هذا الأمر سيتعبها بسبب
عدم تتبيث أيام معينة للتنزيل وأعتذر منكم جميعا لأنه الخمس
فصول الموجودة عندي أصبحت فصلين طويلان لا أملك غيرهما لذلك يجب أن يبتعد موعد التنزيل ليكون لدي متسع أكبر للكتابة
ودمتم في حفظ الرحمن




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:56 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.