آخر 10 مشاركات
جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          عطر القسوة- قلوب احلام الزائرة- للكاتبة المبدعة :داليا الكومي *مكتملة مع الروابط (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          ومنك اكتفيت -ج2 من سلسلة عشق من نار-قلوب زائرة- للكاتبة : داليا الكومى(كاملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          415 - لن أعود إليه - ماغي كوكس (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          442 - وضاعت الكلمات - آن ميثر ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree66Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-09-16, 02:34 AM   #701

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



جنون المطر ) الجزء الأول)


الفصل الواحد والعشرون


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنار الله أيامكم بذكره وشكره وحسن عبادته وجعلني وإياكم من المقربين له ليوم نلقاه , أسعد الله مسائكم متابعات روايتي أينما وجدتم وأشكركم جزيل الشكر على كل كلمة وحرف وعبارة كتبتموها , كانت ردودكم أكبر من داعم لي كانت تعليقات رائعة أرضتني حد الشبع وتمنيت أكون معاكم حرف بحرف وكلمة بكلمة لكن الكتابة أخذت كل وقتي خاصة مع طول الفصل يحتاج لخمس أيام لأنه صار بطول خمسين صفحة على الوورد وأتمنى ما أقصر في سرد الأحداث وما تفقد الرواية روعتها وحبكم لها .

أشكر من توجوا الردود بأشعارهم الحلوة وهذي أجمل مفاجأة لي لأني أحب الشعر وكنت أحب كتابته وعارفة الجهد والتعب فيها ومهما كانت الكلمات فهي رائعة لأنه متعوب عليها .
واتفاجأت بالغالية لمارا شاعرة متعددة المواهب الله يحفظك يا عمري وكل أشعار البنات كانت رائعة وشرف ليا ولروايتي إني أتوج فصولها بكلماتكم وأسمائكم .
وأشكر حبيبتي فيتامين سي لتعبها في جمع الأشعار وإضافتها للفصل ومهما شكرت وقلت في حقها قليل .

وأرحب طبعا بالجدد الي شرفوا روايتي بكلماتهم شكرا لكم من صميم أعماق قلبي .

وبالنسبة لتعليقات الفصل حاولت أجمع أهم النقاط فيه وعارفة إني مقصرة جدا معاكم لكن أملي كبير في قلوبكم الطيبة الرحبة وتابعت ردودكم أول بأول ابتسمت معاكم وضحكت معاكم الله لا يفرقنا ولا يحرمني تواجدكم الرائع.

الغالية نداء الحق حبيت أوضح لك إن ضرار وسلطان كانوا يساعدوا مطر أو جسر لشخصين خفيين

آيفا رمضان حبيبتي أثارت نقطة جدا مهمة وهي جمال المرأة ونظرة أغلب الناس لأنها المرأة الحائزة على كل شيء السعيدة دائما والجميع تحت أمرتها وهذا خطأ كبير يقع فيه الكثيرين فكم من جميلة تعيسة وكم من كره الناس جمالها بسبب أفعالها وكل إنسان تحركه أقدار الله وطبعا كما ذكرتي جمال المرأة نابع من اهتمامها بنفسها كامرأة

حبيبتي الزوري عندك توقع رهيب ما بقوله طبعا

مطر وغسق طبعا الي توقع إن وضعهم بيستمر على هالمنوال لنهاية الجزء فلازم ينسى الفكرة لأن الأحداث بتاخد منحى مختلف جدا وما بطول عليكم في الشد والرد بينهم لتوصلوا لمرحلة الملل ولأن الجزء الثاني مختلف جدا فهالجزء جسر ليه ولازم تختلف الأحداث تباعا

مارية الجميع افتقدها وسأل عنها بتشوفوها اليوم إن شاء الله وأطفال الرواية وجودهم شيء عرضي بيقوى في فصول وابيضعف في فصول لأنهم بهالجزء مجرد تجهيز للجزء الثاني عشان ما يكون بدايته رجوع للماضي لفهم الشخصيات فتكون واضحة عرفتوها وعشتوا معاها وحبيتوها ولازال ينتظرهم أحداث وتغيرات في هالجزء وفيه أبطال قريبا تعرفوهم ولو بذكرهم فقط

الغالية ليلة طويلة شكرا لتوضيحك بالنسبة لمسألة الصفير في أحكام التجويد وأشوف البنات ماشاء الله فهمو الطريقة جعلنا الله جميعا من حملة كتابه وأعن كل من شد العزم عليه .

الحلوة روح هاربة كانت أول وأفضل من فسر حركة مطر ووضعه لأحمر الشفاه على رقبته ما أحتاج مع كلامك لتوضيح أبدا .

حبيبتي لامارا حركت أهم نقطة وهي حكم زواج مطر بغسق والمهر المؤجل وكلامها كان سليم جدا وأتمنى ما تثار هالنقطة لأن في حقائق بتظهر قريبا وتتوضح لكم الأمور فرجاءا الاكتفاء بكلام لامارا حاليا لأنها فتوى سليمة جدا أفتى بها الإمام إبن تيمية والشيخين ابن عثيمين وابن باز رحمهم الله جميعا وغسق لا تعد ولي نفسها طبعا

ريوو الحلوة ما فهمت القوات الخاصة وهي عبارة عن مجموعة أشخاص مدربين تدريب مميز يقوموا بأي مهمة توكل لهم من دون رفض أو اعتراض أو عجز ومهامهم سرية دائما أتمنى تكون وضحت الفكرة يا قمر وربي يمد في عمرك وتشوفي أولاد أحفادك , طبعا شاي غسق من بنات أفكاري ما سبق وجربته هههه لكن كل الأعشاب الي ذكرت تستخدم مع الشاي

فيه نقطة أخرى لحبيبتي لمارا وهي إلمام الكاتبة بالشيء الي تكتبه وتعذر بعض الكاتبات بالخيال في الكتابة وهذا خطأ كبير فكلنا بشر والبشر يخطئ وماهو عيب يعترف بخطأه وإنه سها عن الأمر مثلما سهيت أنا عن الرمان طبعا هههه لكن إن تكون حجتنا هي الخيال في الرواية فهذا ينفر القارىء المنسجم مع الأحداث لأنه يتصورها واقع أمامه

ومرض التوحد أنا ما سبق وشفت طفل مصاب بيه لكن حاولت أعرف عنه قبل أكتبه وأسأل الله إنه يضاعف أجر كل أم تعاني مع طفلها بسببه

أصابع مطر الست لهم نصيب من الأحداث كما سؤاله عن سبب دخول غسق للحالك وكل شيء في وقته حلو يا حلوات وأشكر وأثني على قوة انتباهكم

طبعا الحلوات هموس والزوري وكل الي يتقاسموا الأبطال أصبروا للجزء الثاني يمكن تغيروا رأيكم مع تغير الأحداث وانضمام الأبطال الجدد لأنه في بطلين مهمين ما بيظهروا إلا وقتها رغم وجودهم بهذا الجزء وفيه أحداث بتتحكم ببعض الشخصيات فخليكم على مطر بس

ههههه , لي لي لازم تنسي فكرة التفاحة لأنها ما بتاكلها , أما الي بتصيبه الرصاصة ففيه وحدة توقعته برافوا عليها بنعرفها اليوم وشكرا لكم جميعا أطلت عليكم ومع ذلك قصرت جدا في حقكم

وختاما أركش أركش يا حلوات ههههه ريوو هذي أجمل كلمة مقلوبة استعملتها .... وأترككم مع الفصل وصدمتكم من مقتطفات فيتو المختارة بعناية أنا انصدمت بيها هههه ربي يحفظك لينا يا عسل


المدخل ~

بقلم الغالية: نجـ"ـمـ"ـة المسـ☆ـاء

كلمات متواضعة بمناسبة وسام التميز..اعتذر عن بساطتها فهي تعبير اللحظة..

مبارك لاجلك يا برد..
مبارك نقشته بالورد..
ولن ابارك المحبة..
فانت من اغلى الاحبة..
ففكرك كم داعب الخيالا..
وحط في رحالنا وجالا..
خيالك بظله قد عمنا..
ورقة،تواضع كم شفنا..
وكم اذكيتي عنبرا وعودا..
فازهرت حروفك ورودا..
وشكرنا موصولة به الجمل..
لكل من رد وكل من نقل..

*****


أمسكت بذراعه موقفة له ولفته جهتها وهمست بغضب ناظرة لعينيه

" هل جننت ! ألست متضررا مثلي من هذا وأنت تخرج لهما ؟ "

نزل بنظره لذراعه وليدها الممسكة به بقوة فسحبت يدها سريعا

ولازالت نظراتها معلقة به , هي لا تصدق ما يحدث أمامها ولم

تكن لتتخيل أن يفكر هكذا ( ياله من داهية ما هذا الرجل ! هل هذا

من قيل عنه أنه لا يعرف النساء ! قسما أنهم كذبوا , سحقا يريد

أن يربح مهما كانت النتائج , هذا ما يسمى بجنون العظمة بالتأكيد )

لم تكن لتتوقع ذلك منه أبدا وبأن يناور بأي شيء ولا يفكر على

حساب من سيكون ذلك وإن كانت نفسه ؟ أم أنه يعلم بأنها ستضعف

ولن تسمح له بأن يضعها في ذاك الموضع وهي موقنة من أن التي

في الخارج لن تغادر حتى يخرج لها أو تدخل عليهما ؟ كان عليها أن

تفكر وتقرر وتحصي تبعات قرارها في وقت قياسي وهذا ما عجزت

عنه أمام صدمتها , خرج صوتها وكأنه يخترق أشواكا منغرسة في

حنجرتها " لا تلعب بالنار يا ابن شاهين وكن نزيها أو أخرجت

أنا أيضا أسلحتي وحاربتك من نفس المستوى "

ابتسامة لعوب كانت جوابه الوحيد ورفع يده ناظرا للساعة الجلدية

في ساعده وقال ببرود " هذه أطول مدة عرف فيها الوقت صبر

ابن شاهين فقرري الآن ولآخر مرة سأسألك ؟ "

ثم عاد بنظره لها متابعا " ماذا تريدين بدلا عن الأرض

والحرب مهرا لك ؟ "

صرت على أسنانها بقوة ونظرت لعنقه ولأحمر الشفاه البارز

بوضوح في بياض بشرته وكرهت حينها نفسها وكرهته أضعافا

وهي تفكر ما الذي سيتوقعه من سيراه عليه , وبدأ عقلها يصنع

أبعادا ثلاثية للمشهد الذي سيتخيلونه , أغمضت عينيها بقوة

لبرهة ثم فتحتهما مجددا وقالت بهمس غاضب

" العمران "

وبنت أملا ضئيلا يحتضر في داخلها بأنه يستخدم هذا كضغط عليها

فقط ولن يقدم على فعله ويضع نفسه في ذاك الموقف المحرج

أمامهم وفكرت بأنه لن يفعلها إلا إن كان هذا الرجل على استعداد

لأن يخسر أي شيء في أي حرب يدخلها مقابل أن يخرج كاسبا

ومنتصرا على خصمه , أم ما هذا الذي يجعله متمسكا

بعقد زواجه بها لهذا الحد !!

أولاها ظهره وتحرك مجددا وفي كل خطوة كان يخطوها جهة الباب

كانت تشعر بأنها تدوس كرامتها التي ستتحول لسجادة ما أن يخرج

وسيدوسها الجميع وهم يتصورون أنها السبب في ذاك اللون الأحمر

في عنقه , حاربت باستماتة أي أفكار تثنيها عن عزمها فيما تريد

وهي ترى يده ترتفع لمقبض الباب ( لا تضعفي يا غسق وكوني

مثله يجازف في حربه متجاهلا عواقب ذاك الأمر ولا يعنيه

سوا النتائج المترتبة عنها )

كان صوت ضربات قلبها يدوي في أذنيها ولم تعش حياتها مثل هذا

النوع من العبث بالأعصاب وهي تفقد أملها الضئيل ذاك شيئا فشيئا

بأن يكون يضغط عليها ليس إلا وهي ترى مقبض الباب يدور في

يده وكادت تهوي على الأرض تحتها فاقدة للوعي حين فتح الباب

على اتساعه لتظهرا الواقفتان خلفه ولم تتبين سوا وجه شقيقته التي

سرعان ما سقط نظرها على عنقه ويبست مكانها مصدومة فأنزلت

رأسها للأسفل وأغمضت عينيها بقوة تلعنه وتلعن كل شيء حولها

حتى الهواء الذي تتنفسه ولم يتركها تموت , وما زاد الأمر سوءا

خروجه من أمامهما دون أن يقول شيئا ولا حتى أن يعتذر من عمته

رفعت رأسها ما أن سمعت صوت تحرك عجلات الكرسي ليقع

نظرها على العينين التي كانت تنظر لها باشمئزاز واحتقار فها قد

أعطاها لها مجددا لتستصغرها شقيقته الكارهة لها بدون سبب كما

ترى هي , لقد وضعها في موقف لا تحسد عليه وهي من بات الجميع

هناك يعلم أنها وضعت العمران مهرا لها وتصر عليها , أنقدت العمة

الوضع أخيرا وقالت ناظرة لجوزاء فوقها " ألم تقولي أنك تريدينه

في أمر مهم ؟ "

فتحركت حينها جوزاء قائلة ببرود ووجهتها الباب الذي دخلت منه

" أجل وما كنت أعرف أنه ثمة من يمسكه "

وخرجت تاركة خلفها أعصابا تكاد تحترق داخل التي طفح بها

الكيل وخرجت الحروف من بين أسنانها بغيظ وهي تقبض

يديها جانبي جسدها " يا صبر أيوب "

والجواب كان ضحكة صغيرة من الجالسة على الكرسي وتقدمت

منها به قائلة بابتسامة " لا تهتمي لكل ما يحدث حولك يا غسق

يبدوا أنكما توصلتما لاتفاق وانتهينا من المشكلة ؟ "

أبعدت نظرها ووجهها عنها فكل ما كانت تتمناه وقتها أن تنشق الأرض

وتبتلعها , كانت تعلم أن عمته لن تقتنص الفرصة لترميها بأي تعليق لاذع

وإن كان غرضها شريفا وأرادت تنبيهها على أن لا تغفل عن أحمر شفاهها

مجددا وتتركه يخرج هكذا لأنه لا يراه إنما تراه هي , فكت يديها عندما

آلمها كفاها وأولتها ظهرها سريعا هربا من مواجهتها لما تشعر به

من إحراج أمامها وقالت ببرود " لا يبدوا أنه ثمة حلول أبدا "

وأضافت بنبرة قهر أكثر من كونها سخرية " لكني عملت بكلامك

عنه وخرجت رابحة وإن في جانب واحد بعيدا عن التفكير

في كم الخسائر "

لم تفهم الجالسة خلفها شيئا سوا أن مشكلة المهر لم تحل بينهما

فتنهدت بعجز وقالت مغيرة مجرى الحديث " يبدوا أنك جهزت

نفسك لاستقبال الضيوف معنا هذه المرة أم أنك ستغيرين

رأيك بسبب المزاج المشتعل هذا ؟ "

مررت أصابعها في غرتها للأعلى وزفرت نفسا قويا وقالت

" بالتأكيد سأكون هناك ومزاجي المشتعل سأحاول أن أتركه

هنا , لا تقلقي سينجح الأمر ولن أزعج ضيوفكم عمتي "

تحركت تلك بكرسيها للوراء لتخرج وقالت وهي عند الباب

" جيد , أنا أريد فعلا أن تستقبلي الضيوف معنا يا غسق وآسفة حقا

لما حدث فجوزاء كانت مارة بي من هنا وقالت أنها تريد مطر في

أمر ضروري ورغم إصراري رفضت الرضوخ حتى كدت أتشاجر

معها عند الباب ولم تسمح لي ولا بالمغادرة وتركها , كان تطفلا

منا ويحق لك أن تتضايقي "

أنزلت رأسها وعضت شفتيها بقوة تمنع ما تريد قوله من الخروج

وسب ابنة شقيقها أمامها بما تستحق , ثم حررتهما بعدما أقنعت نفسها

بالعذل عن ذلك وقالت بشيء من الهدوء " لا عليك عمتي , غضبي

لم يكن منك أبدا وأعذرك تأكدي من ذلك "

فلم تسمع بعدها سوا صوت الباب الذي أغلقته خلفها فتوجهت للمرآة

أخذت المشط وجلست على السرير وبدأت بتمشيط شعرها بقوة

تفرغ غضبها فيه وتمتمت بغيظ " سحقا له ولشقيقته معه "

*

*

ما أن اقترب من المنزل حتى ركض جهته وعقله يكاد يقفز من مكانه

وقلبه يرتجف من قوة نبضاته صارخا " لا ليس والدتي "

وركض جهته كالمجنون وهو يرى النسوة الداخلات من باب سوره

تباعا وصوت بكاء ونواح لأخريات من الداخل , وصل الباب بسرعة

البرق ودخل فورا لغرفته ووالدته وسقط على ركبتيه مصعوقا وهوا

يرى سريرها فارغا فوقف من فوره وخرج راكضا جهة باب ذاك

المنزل الذي يخرج منه بكاء من فيه ووقف متسمرا مكانه وهوا يرى

والدته تخرج من باب المنزل وماريه تمسك يدها فتوجه نحوها راكضا

لا يصدق أن ما يراه أمامه حقيقة وهوا من ضن أنه فقد في لحظة آخر

شيء يربطه بالحياة ، حضن خصرها بقوة مخفيا وجهه فيه وقال بعبرة

لم تسمع في صوته من قبل " أمي حمدا لله ظننتك تركتني وحيدا "

مسحت دمعتها بطرف يدها وقالت بحزن ماسحة على شعره

" لا تبكي يا تيم أريدك رجلا لن يكسره رحيلي "

هز رأسه بلا ولازال يدفن وجهه في خصرها فخرج صوت

ماريه المختلط بعبرتها " ما بك يا تيم ؟ لا تبكي "

ودخلت في نوبة بكاء فضحكت والدته بتعب وقالت " ها قد

أبكيتها معك , أسكتا هيا وخذاني للغرفة لا يمكنني

الوقوف أكثر من هذا "

ابتعد عنها يمسح دموعه وسار بها تسند يدها على كتفه وتبعتهم

تلك تمسح عينيها بكفها الصغير قائلة " ظافر مات يا تيم "

نظر لها خلفه بصدمة ثم لوالدته التي هزت رأسها بنعم بحزن وهم

يجتازون باب الغرفة ثم أجلسها على السرير قائلا " كيف ولا

حروب مع الهازان حاليا ! "

عدلت والدته ساقيها وقالت وهي تساعده في تغطيته لهما

" أصابته رصاصة خاطئة حين كان أحدهم ينظف سلاحه "

قالت ماريه من فورها " والدته قالت ليثه مات يقاتل وأنها شر

قتلة فما معنى هذا ؟ "

نظر لها وقال ببرود " معناه أن جل ما يفكرون فيه أن يموت

ابنهم بطلا في أعين الجميع "

قالت والدته بضيق " تيم توقف عن قول هذا وترحم عليه

الموت خسارة للجميع "

ابتسم بمرارة ابتسامة قهر وقال " نعم معك حق يا أمي فأنا

أيضا سأخسر ثيابه التي ألبسها بعده "

هزت تلك رأسها بيأس متنهدة بأسى ثم نظرت لماريه التي

أمسكت رسغ تيم وقالت مستغربة " انظر تيم لقد جرحت

يدك مرة أخرى !! هذا غير الحرق "

فسحبها منها ونظر لوالدته التي قالت ناظرة له موجة كلامها

للواقفة بجانبه " ماريه عليك الرجوع للمنزل كي لا تعاقبك

زوجة عمك فهي منهارة وقد تبحث عمن تنفس فيه حرقتها "

هزت تلك رأسها بحسنا وشدت كم قميص الواقف بجانبها حتى

انحنى لها قليلا وهمست له في أذنه " تعالى تيم أريدك وحدنا "

فتبعها من فوره وما أن كانا في الخارج وقفت مقابلة له مضيقة

عينيها بسبب نور شمس بعد الظهر القوية وقالت تبعد شعرها

عن وجهها " امرأة أخبرت والدتك أنها رأتك عند عيادة

الطبيب في المقر ويبدوا أنها غاضبة منك "

أمسك وسطه بيديه ونظر جهة المنزل وشتم هامسا

" سحقا للثرثارة "

ثم عاد بنظره لها وقال " وما أخبرتها أيضا "

هزت تلك رأسها بلا وقالت " هذا فقط , هل هناك شيء آخر ؟ "

استدار عائدا للغرفة وقال " لا شيء اذهبي أنتي الآن "

ودخل الغرفة ووقف عند الباب يديه في جيوبه يتوقع ما سيسمع منها

وقد قالت مباشرة " مؤكد أخبرتك ماريه , هي لا تخفي عنك شيئا

بينما أنا أراها كل يوم وتسمع بذلك من الجميع ولم تقله لي "

تنفس بقوة وقال " أنا من أخبرتها أن لا تفعل "

قالت بجدية " تساعده كما يقول الجميع أم تعمل عنده يا تيم ؟ "

آثر الصمت ولم يعلق فقالت بحزم " قل الحقيقة فوالدك لم يربيك

على الكذب , هل هذا سبب إحضار الدواء لي دائما "

أبعد نظره عنها وأشاح بوجهه جانبا وقال ببرود " نعم "

قالت بضيق " لماذا يا تيم ؟ أنت صغير على كل هذا بني لـ .... "

قاطعها بحرقة راميا يده " لن أرضى أن يعطيه لي مجانا , أنتي

لا تحتاجين لصدقات من أحد يا أمي "

قالت بغضب " من هم في سنك يركضون بين الأشجار ويلعبون

الكرة وينامون ولا يشغلهم شيء , لا تعطي عمرك أكبر من طاقته

وتقتل مشاعرك وأحلامك , لا تجعلني أتمنى موتي وخلاصك

مني يا تيم "

ركض جهتها ورمى نصف جسده في حجرها صارخا " توقفي

عن قولها , لن تتركيني أنتي وعدتني "

وضعت يدها على رأسه وغرست أصابعها في شعره الكثيف الناعم

وقالت بمرارة " لا أحد يعد أنه يعيش للأبد يا تيم فلا تحرق قلبي

عليك أكثر بني , أريدك أن تكون كما أراد لك والدك بني فقد

زرع كل أماله وأحلامه فيك "

ابتعد عنها وقال بضيق " وهذا ما أرادنا عليه يتحقق الآن "

قالت بحدة " يكفي يا تيم يكفيك لوما له "

ضرب قدمه على الأرض وقال بحرقة " لا ليس يكفي , أنا لست

ألومه على فراره من الهازان ودخوله تحت حمى ابن شاهين لكن

ما كان عليه أن يربطك به وأن يتركنا بعده نعاني , لو أن زوجك

رجلا من الحالك ما كانوا يعاملونك هكذا , ما كانوا استطاعوا أخذ

أرضك منك وطردك في هذه الغرفة والمنزل لوالدك مثلهم , هل

لك أن تخبريني لما ليست إحدى النسوة من أحضرتك لغرفتك

تساعدك على السير وليس ماريه الطفلة الصغيرة "

جرت نفسا متعبا وهي تعجز عن الرد عليه فمعه حق في كل ما

يقول حتى أن موت ظافر إن كان على يد رجال الهازان لما رحمتها

تلك ولقالت بأن أهل زوجها قتلوه وسيؤذون ابنها أكثر , توجه نحوها

مسرعا ووضع يده على صدرها وقال بخوف " أمي ما بك تنفسي

أرجوك , أنا آسف لن أقول هذا مجددا أقسم لك "

ضمته لصدرها وقبلت رأسه وقالت بصوت متعب " الله لن ينساك

يا تيم لن ينساك بني ودعائي لك كل صلاة لن يضيع أبدا "


*

*

مرت بقرب الخادمة التي همست لها " كل شيء جاهز كما

طلبت سيدتي "

أشارت لها غسق برأسها مبتسمة برضا فعادت حبيبة للهمس

سائرة بجانبها " وأنا لست المسئولة طبعا لأن السيدة جوزاء

قد تطردنا بسبب هذا "

وقفت فوقفت تلك لوقوفها ونظرت جهتها مبعدة شعرها للخلف

بعد نزوله من كتفها وقالت بابتسامة رقيقة " لا تخافي يا حبيبة لن

تقول شيئا وإن تحدثت فأخبروها أني من أمر بفعل ذلك , كلها

ضيافة لم أجرم في شيء وحقي هنا مثلها "

بادلتها حبيبة الابتسام دون أن تعلق وكانت سترجع أدراجها

لولا أوقفتها هامسة " حبيبة "

فالتفتت لها تنتظر ما تقول فقالت غسق بعد تردد وإصبعها

يصنع دوائر عشوائية على جانب فخذها حيث تستقر يدها

" هل خرج مطر ؟ "

نظرت لها حبيبة بصمت مفكرة لوقت ثم قالت " لم أره منذ كدت

أصطدم به خارجا من ممر مكتبه لكن السيدة جوزاء أخذت له

طعاما لغرفته وجلبت ثيابه لنغسلها فسيكون صعد ليأكل والمؤكد

أنه ليس هنا لكان في مكتبه أو أنه في مجلسه يستقبل الضيوف

مع عمه "

هزت رأسها بحسنا تأخذ نفسا بقوة وقالت وهي تخرج ذاك

النفس زفيرا " شكرا لك يا حبيبة "

ثم أولتها ظهرها متابعة طريقها حيث كانت قد اقتربت من صالون

الضيوف الداخلي وعلمت من استقبالهم لهم هناك أنهم كما قالت عنهم

حفصة نساء لكبار قبائل ليسوا من حوران وليست أي عائلات , ما أن

وصلت الباب حتى دخلت دون أن تقف وتشجع نفسها أو تملأ رئتيها

شهيقا وزفيرا لتبدد توترها لما اعتادته من هذه الأجواء وكما علمتها

عمتها لسنين أن تكون واثقة من نفسها في أي وضع ووقت , أن

تصنع من كلامها نسيجا لعمق تربيتها ولباقتها ومن صمتها سورا

لا يستطيع تسلقه من حاول أن يتملق عليها .

ما أن دخلت حتى انتقلت الأنظار جميعها للداخلة من الباب وعلى

محياها تلك الابتسامة الجميلة الواثقة لم تنقل نظرها بين الجميع

بوقاحة الفضوليين أو تنظر لشقيقة زوجها وعمته كمن تحاول أن

تستمد القوة أو الثقة ممن تعرفهم بين تلك النسوة الآتي يزيد عددهن

عن العشر نساء بقليل في أعمار تتفاوت بين من هم في سنها إلى سن

الستين عاما وكأنهم أقارب من عائلة واحدة , وقوف كبيرات السن

بينهن جعل الباقيات يقفن فورا فمن المعلوم أنه لن تدخل واحدة غريبة

عن العائلة إلا الزوجة التي لم يراها أحد في ذاك الجزء من البلاد منذ

ولدتها أمها إلى أن صارت زوجة زعيمهم , تقدمت منهم مبتسمة برحابة

وسلمت على الجميع مقبلة رأس من كانوا في سن عمة زوجها وينقص

قليلا والأعين جميعها تتبعها أينما انتقلت وكأن كل واحدة منهن قادمة

لخطبتها لقريبها , ولأنها اعتادت كونها محط أنظار وهمس النسوة لم

يوترها ذلك وتصرفت كعادتها وكأن ذلك لا يحدث أمامها , لكن الأمر

الذي لازالت تستصعبه نفسها هوا نظرة الناس لها على أنها ابنة صنوان

أصبحت زوجة لزعيمهم ! أمران لا ينسجمان أبدا لا تعلم عقل ذاك الرجل

ما أخبره وهوا يقرر هذا ويضع نفسه ويضعها وقبيلته في موقف يصعب

وصفه ! فلها أن تتخيل أن والدها شراع مثلا يتزوج من جوزاء ويأخذها

لصنوان ما ستكون نظرة الناس له ولها وما ستعانيه هي ؟ بددت أفكارها

تلك التي ما أن جلست بجانبها حتى قالت " وهذه زوجة الزعيم مطر

التي تسألن عنها "

ثم تابعت وقد نظرت لها مبتسمة " بارك الله فيمن رباها , امرأة عقلها

يزن دولة بأكملها ولا تليق إلا أن تكون زوجة لزعيم في البلاد "

ابتسمت لها غسق وعيناها تكادان تدمعان وهما تنطقان تقديرا وامتنانا

لهذه المرأة التي شهدت لها وهي تعيش وسطهم وإن ظن الجميع أنها

أيام معدودة لم تصل الشهر , شهادتها تلك كانت داعما كبيرا لها وكانت

تحتاجه من أجل جميع هواجسها تلك وكأنها قرأت أفكارها ومؤكد ستعلم

فيما تفكر وما يقلقها من مقابلة الناس هنا وإن كانت لم تتجنبهم ولم يظهر

عليها شيء من أي ذلك ولم يروا سوا حسناء كما وصلهم وصفها ويزيد

قد توجت ذاك الحسن بلباقتها وثقتها العالية بنفسها وحسن تعاملها مع

من تراهم للتو , انحنت جهة نصيرة قليلا فقربت تلك لها رأسها

وهمست لها غسق مبتسمة " لو أنهم رأوا شجاري وابن شقيقك

قبل قليل لاتهموك بالخرف "

فخرجت ضحكة نصيرة رغما عنها واستوت في جلستها قائلة

" وجه أبيك أبيض من اللبن إن قاسوه بتربيته لك "

ولم يخفى عن غسق نظرة جوزاء التي رمتها بها حينها دون أن

ينتبه لها أحد , ما يحيرها واستحسنته فيها أنها لم تتعمد إهانتها أمام

النساء رغم أن الفرصة كانت سانحة لها في أكثر من موقف سواء

الآن أو في ذاك المجمع ثاني يوم زفافها بشقيقها , وهي تعلم وموقنة

من أنها تفعل ذلك لأجل مظهرها أمام نساء قبائلهم ليس إلا كي لا

تمثل المرأة الوقحة التي تعيش وسط عائلة زعيم قبيلتهم .

عاد الجميع لحواراتهم السابقة مستمتعين بأحاديثهم عن بعض الأمور

التي تحدث معهم وقد فهمت أنهم من أقصى جنوب الحالك بعيدا عن

هنا , واكتفت بالصمت أيضا هذه المرة وفضلت الاستماع مبتسمة

برحابة لكل متحدثة فهي لا تزال تحتاج وقتا لتعرف أكثر عن مدنهم

وعاداتهم فجلساتها القصيرة مع العمة لم تأخذ منها سوا رؤيا هيكليا

مبسطة لأبعاد حياتهم , بعد قليل وقفت وتوجهت للمطبخ وما أن

كانت عند الباب حتى قالت مبتسمة " ماذا حدث معكن ؟ هل

كل شيء جاهز ؟ "

هزتا حبيبة وعزيزة رأسيهما بنعم وقالت حفصة تمسك ضحكتها

" أخشى أن حبيبة أفسدت الشاي سيدتي فهي أضافت له السكر

ثلاث مرات "

نظرت لها غسق بصدمة فقالت تلك مدافعة عن نفسها " هي من

اقترحت ذلك لأن الناس هنا يفضلون القهوة حلوة خاصة في جنوب

الحالك هم يشربونها وكأنها شراب عسل من كثرة السكر فيها "

قالت مبتسمة " حسنا إذا سيعجبهم الشاي مع زيادة في السكر

هيا اتبعاني بأكواب العصير "

وخرجت وهما خلفها بصينيات مليئة بأكواب عصير قد تم عصره

من فواكه قطفت من أشجارها مباشرة , صنف منه مزجوا فيه التفاح

مع بعض العنب والآخر مع الفراولة وبعض أوراق النعناع والثالث

مزجوا فيه الخوخ والموز وقد اعتادوا هم على تقديم العصائر في

نهاية ضيافتهم وبدون مزج ومع بعض الكعك المخبوز لكنها غيرت

ذاك النظام كما قرأت عنه وبما سيتماشى مع صحة البعض .

دخلت المجلس لتنزلق الأعين لها مجددا هي تشرف بنفسها على

تقديم العصائر لهن حسب ذوق كل واحدة فيهن ومن يفضل السكر

المضاف لها أو أن تكون بسكرها الطبيعي , وبعد حوالي الساعتين

دخلت الخادمات بالشاي المنكه بالقرنفل ونبتة المليساء مع أطباق من

فطائر اللحم المقدد وبعض المخبوزات وقد أشبعوا فضول من استغربوا

توزيع طاولات بينهم حيث امتلأت بتلك الأطباق وأكواب الشاي والأعين

تتبع تلك الحسناء التي تشرف على كل شيء ولأذواق ضيوفهم , شعرها

الحريري الطويل يتمايل مع حركتها من يراها يحار من منهما أكثر نعومة

من الآخر ! واثقة فاتنة عروس هكذا ولدت وهكذا تموت دون الحاجة لرباط

مقدس بأي رجل ليعطيها ذاك الشرف , كانت تمثل بالفعل سيدة تلك الجلسة

وسيدة ذاك المنزل ابنة ذاك الزعيم التي تنطق كل حركاتها حتى طريقة

إبعادها لشعرها بأصابعها عن أصل ذاك المنزل وتلك الحياة التي

نعمت بها , حتى أن وجودها الغريب بينهم لم يؤثر على كمالها .

كانت ثمة أعين حاسدة كما تلك المعجبة تتبعها فهناك من يغبط كمالها

وكيف أنه لامرأة أن تكون هكذا جمعت كل شيء في آن واحد وزاد

على كل ذلك أنها حازت على ذاك وأنها امتلكته ليصبح زوجها , الرجل

الذي يهز ذكره مجالس رجالهم وقلوب العذارى من نسائهم , من حلمت

كل شابة رأته أو سمعت عنه لو فقط يلامس كفه وأصابعه خصرها .

وكان النصيب الأكبر من الحقد والبغض لمن لم تحسدها على ذاك الرجل

بل من رأتها تأخذ مكانها بكل قوة وهي من كانت تمثل سيدة هذه الجلسات

شقيقة الزعيم والأقرب له في أعين الجميع وكان مصدرا لفخرها وعزها

وها هي ترى الآن هذه الغريبة تسلبها كل شيء حتى قربها منه فهذه ومهما

كان أصلها ومن أين أتت هي باتت في أعين الجميع المرأة التي تنام

بجواره وفي حضنه وأقرب له من أنفاسه مهما اختلف الواقع .

جلست بعد مغادرة الخادمات ووجدت نفسها شيئا فشيئا تشارك في

بعض المواضيع الجانبية وكانت تلفت انتباه كبيرات السن أكثر من

الشابات في سنها والأكبر منها بقليل وذلك متوقع منهن ولم تستغربه

فكلما أثبتت مكانها أكثر كلما نفرت النساء منها أكثر واحترامهن

لها أمر هن مرغمات عليه كما تلاحظ , انتبهت بسرعة للتي

قالت تحادث نصيرة " قالوا أنها خرجت لصنوان هل

صحيح ذلك ؟ "

هزت نصيرة رأسها بنعم وقالت " أجل تلك العجوز عزيرة

فرت في ليلة مظلمة ولا يعلم أحد لما !! "

قالت المرأة بجدية متأكد " ابني قال أنه كان موجودا تلك الليلة

حين جاءتهم الأوامر بتطويق المنطقة منتصف الليل لكنهم لم

يمسكوها وكل ما تحصلوا عليه فتى كان مجتازا للحدود على

ظهر حصان وقع جريحا وفرت هي "

شعرت بالأرض تدور بها وعينيها بدأ يغشوها الدموع , هل فعلت

كل ما فعلته ووضعت نفسها ووالدها وأخوتها في كل هذا وتلك المرأة

دخلت صنوان ليلة خروجها هي منها بحثا عنها ! كل ما هي فيه الآن

سببه امرأة كانت ستكون عندها هناك ! وقفت تكاد تتهاوى من رجفة

ساقيها وصدمتها وابتعدت فورا كي لا يلحظ أحد شحوب وجهها

واغروراق عينيها بالدموع وغادرت مجلسهم شاقة طريقها عبر بهو

المنزل الواسع تمسح عينها بيدها لم تجب الخادمة التي كانت تحدثها

ولم تنتبه للذي عاد بخطواته الواسعة خلفها وغير مساره حتى كانت

في ممر غرفتها ورسغها في قبضة يده ولفها بقوة جهته ورأسها

للأسفل تحجب وجهها عنه بشعرها فمد يده الأخرى ومررها بين

طيات ذاك الشعر الحريري حتى لامست أصابعه أذنها وبشرة رأسها

من بين ذاك الشعر ورفع وجهها له ليشاهد من جديد ذاك المشهد الذي

رسخ في ذاكرته لأيام وعينيها محتقنتان من حبس الدموع التي تلمع

على سطحها وكأنها قطعة من زجاج , شد يده الممسكة لرسغها مقربا

لها خطوة أخرى منه وقد هربت بعينيها للأسفل حين حرك إبهامه

على خدها وكأنه يختبر ملمس النعومة التي لم يعرفها سابقا وقال

هامسا " ما الذي يخرجك شبه باكية من مجلس الضيوف في

كل مرة "

أشاحت بوجهها جانبا ولازالت تحاول تنظيم أنفاسها وضربات قلبها

المتسارعة من لمسته التي لن تستطيع الإفلات منها وخرجت

منها الحروف مبحوحة هامسة بالكاد تسمع " لا شيء "

أنزل إبهامه لتحث ذقنها ممسكا له بإحكام ورفع وجهها له أكثر

حتى أعاد نظرها لعينيه وقال بجدية " هل يضايقونك هنا ؟

هل قالت إحداهن شيئا ؟ "

زمت شفتيها حتى كانتا خطا واحدا ثم أفلتتها قائلة بحزم أنثوي

" لا ولن يؤثر بي ذلك حتى إن حدث ولن يعنيني "

انتقلت نظراته في تقاسيم وجهها بشبه ابتسامة , لبوته القوية التي

ترفض الضعف تحت أي ضغط كان وهو يصدقها لكن ثمة ما كان

سيبكيها وعليه معرفته , حاولت الإفلات منه مبتعدة لكنه عاد لشدها

ناحيته وقد أدار يدها لخلف ظهرها ولازال يمسك برسغها وأصبح

جسدها ملتصقا بجسده فأبعدت وجهها للأسفل ونفسها القوي يلفح

صدره من بين زر القميص المفتوح وأحشائها جميعها تتقلص حتى

كادت تشعر بأنها ستتحول لقطعة واحدة , أغمضت عينيها بقوة عن

النظر لجسده لكن الشعور به هو ما لم تستطع الهرب منه ولا تخطيه

خرجت منها أنة صغيرة رقيقة محتجة حين ضغط جسدها عليه أكثر

بمساعدة يده الأخرى فقالت وقد لامست شفتيها قميصه الصيفي

الأزرق المزرر " مطر أتركني هل تريد أن يرانا أحد

ويتأكد له مشهد الصباح أكثر "

شد ذراعه عليها أكثر يستشعر جسها الغض بصلابة جسده ويده

تتحرك على ظهرها وقد دفن وجهه في شعرها وهمس من بين

أسنانه بخفوت لم يصلها " سحقا لمطر "

بينما قاومت هي مشاعرها باستماتة مصدرة أنينا محتجا آخر أقوى

من سابقه جعل شده لها يزداد قوة وهمس في أذنها وبحة صوته قد

رافقتها رجفة خفيفة " ما الذي أخرجك باكية يا ابنة شراع ؟ "

حاولت التحدث من بين أنفاسها المطربة وجسدها تشعر به يُسحق

بين ذراعيه " خبر سمعته عن صنوان أقسم لك فاتركني "

أفلتها مبعدا يداه بسرعة عنها ومرر إحداهما على صدره ونظره

على بداية الممر حيث الخطوات المقتربة من هناك لحداء امرأة

ولولاها ما كان ليجزم أنه سيفعلها , تحرك مبتعدا عنها وعائدا

من حيت جاء مارا بالخادمة التي كانت تنظر لوجهه المتوتر

باستغراب فلم ترى هذا الوجه ضمن وجوهه سابقا , همس

مجتازا لها " أخبري عمتي أني أريد رؤيتها حالا "

وتابع طريقه وتلك تنظر له بعدم فهم فها هوا لثاني مرة يطلب

منها هي شيئا وليس شقيقته جوزاء ! رفعت كتفيها وتابعت سيرها

حتى كانت عند باب غرفة غسق النصف مفتوح وأطلت برأسها

منه ونظرت للجالسة على السرير تحضن نفسها بذراعيها بقوة

ورأسها للأسفل يخفي وجهها الشعر الطويل المنسدل عليه فأصدر

ذاك الباب صريرا بسيطا خافتا جعل الجالسة هناك ترفع رأسها

مفزوعة فدخلت حبيبة وقالت بصدمة " ما بك سيدتي وجهك

مخطوف وكأن الموت دخلته ؟ "

رفعت شعرها عن وجهها بيديها وشدته بكفيها خلف رأسها

وقالت برجفة " لا شيء يا حبيبة , هل غادر مطر المنزل ؟ "

وقفت تنظر لها باستغراب وقالت " لا , قال أن أخبر السيدة الكبيرة

أنه يريدها وملامح وجهه لا يمكن وصفها , ما بكما هل تشاجرتما ؟ "

مسحت أنفها بظهر كفها المرتجف ووقفت قائلة " لا لم نتشاجر

سأستحم ولا أريد رؤية أحد ولا الضيوف قبل مغادرتهم "

وبعد حمام طويل هدأ قليلا من روعها وارتجاف أطرافها خرجت

بالمنشفة الملتفة على جسدها وتوجهت فورا للباب الذي نسيت أن

تغلقه بالمفتاح قبل دخولها الحمام وما أن وصلت عنده حتى صعقت

حين لم تجده فيه وهي لم تنزعه أبدا ومتأكدة من ذلك ! توجهت للخزانة

لتخرج ثيابا تلبسها وشهقت بصدمة حين فتحتها وكانت فارغة تماما لا

شيء فيها ولا حتى منديل صغير , أغلقت الباب بقوة هامسة من

بين أسنانها " مطر شاهين ... هذا فوق احتمالي منك "

لبست ثيابها التي خلعتها فلا حل غيرها حاليا وخرجت من الغرفة

وشعرها لازال مبللا وقطرات الماء تنزل منه فهي لم تجففه جيدا بعد

سارت جهة المطبخ ونادت حبيبة التي خرجت لها فورا تنشف يديها

لأنها كانت تغسل الأطباق مع حفصة , وقفتا جانبا وقالت لها هامسة

" من دخل غرفتي وأنا في الحمام يا حبيبة هل رأيت ذلك ؟ "

هزت رأسها بلا فهمست غسق بضيق " ومطر أين كان ؟ "

قالت حبيبة من فورها " تحدث مع السيدة نصيرة ثم

خرج فورا رأيته بعيني سيدتي "

قالت بصدمة " من سيكون إذا ! "

قالت حبيبة مستغربة " من سيكون من ! "

همست غسق من بين أسنانها " ماذا عن جوزاء ؟ "

غابت تلك بنظرها مفكرة قليلا ثم نظرت لها وقالت " منذ قليل نادت

عزيزة وخرجت تلك خلفها ورأيتهما يتجهان للممر الشرقي حيث

غرفتك وبعدها لم أراهما وانشغلت وحفصة في تنظيف مجلس

الضيوف فور مغادرتهم "

مررت أصابعها في غرتها المبللة وهمست بغضب

" سحقا , علمت الآن من ولما "

نظرت جهة السلالم خلفها بعيدا ثم نظرت لحبيبة وقالت

" عليا الصعود لغرفة مطر , هو ليس فيها أليس كذلك ؟

هناك غرض عليا جلبه من هناك "

قالت تلك من فورها " خرج من حوران وسمعته يقول للسيدة

الكبيرة أنه لن يرجع قبل منتصف الليل وغرفته ستكون مغلقة

بالتأكيد فهوا لا يتركها مفتوحة فترة غيابه عن المنزل "

حركت يدها بحنق متمتمة " والحل في هذا الآن "

قالت حبيبة مستغربة " الحل في ماذا ! السيدة جوزاء تملك

مفتاحا للغرفة يمكنه أخذه منها "

غادرت من عندها متمتمة بحنق " يالا طيبتك يا حبيبة "

وعادت جهة غرفتها تكاد تشتعل غضبا فتلك المرأة عرفت كيف

تنتقم منها على دخولها المجلس وتغيير نظام ضيافتهم اليوم فقد أخذت

ثيابها ووضعتها في غرفة شقيقها في الأعلى وهي تعلم أنها لن تستطيع

جلبهم إلا في وجوده وهوا سيفسر الأمر فورا على أنه متعمد منها وأنها

وضعتهم وقت وجوده في المكتب لترجع فيما بعد وتأخذهم متحججة

بأنها ليست من أخذها هناك ولن يصدقها أبدا وتكون في موقف سيئ

أمامه , رفعت المنشفة وبدأت بتجفيف شعرها بعنف مفرغة غضبها

وحنقها فيه حامدة الله أن تلك الجوزاء لا تستخدم لسانها أيضا لكانت

علمت كيف تجعلها تكره حياتها فهي لاحظت أنها تتمسك ولو

بذرة من أصول عائلة زعيم القبائل

*

*




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:37 AM   #702

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*

*

مسحت على خصرها بقوة وملامح متألمة بعد سقوط الحجر للأرض

ونظرت للخلف بعينين دامعة تزم شفتيها الصغيرة تنظر للواقف هناك

يتوعدها بأصابع يده ثم سرعان ما أبعدت نظرها عنه ورفعت رأسها

مجددا للواقفين بجانبها يتحدثان بانسجام وسرعان ما أصاب الحجر التالي

قدمها التي رفعتها عن الأرض دون أي ردة فعل متجاهلة الواقف هناك

عند الشرفة الأرضية الواسعة يضحك عليها بصمت حتى قفز مذعورا

حين شعر بالشيء الذي ضرب عنقه بقوة فقال بضيق ماسحا عليه

" أحمق لقد أفزعتني "

انحنى وقاص متكأ بساعديه على حافة الشرفة وقال ناظرا له بابتسامة

ساخرة " وتضايق تلك الصغيرة لا بأس أما أنت فلا ؟ "

دفع له كتفه قائلا بامتعاض " رفقا بنا يا جمعية حقوق الطفل "

انطلقت ضحكة وقاص وقال " والشقراوات تحديدا يا دبور "

عبست ملامح رواح وقال متوعدا إياه " قلها مجددا وسأقتلع عينيك "

لم تتغير ملامحه ألا مبالية وقال بابتسامة مائلة " حتى تترك

النحلات الشقراء أولا "

تجاهله تماما وقلده في وقفته ناظران كليهما للطفلة ذات الشعر الأشقر

والعينان الخضراء تمسك بنطال والدها الواقف بجانبها بقوة تسرق

نظرها الخائف لهما كل حين وكأنها تترجى والدها بصمت أن يغادرا

وهوا منهمك تماما مع سلطان ولا يبدوا أنه يفكر في المغادرة

قال رواح ناظرا لها " انظر لتلك القشة الصغيرة إنها عربية "

نظر له وقاص بصدمة قبل أن ينفجر ضاحكا فقال رواح بضيق

" ما يضحكك يا أبله ؟ "

لكز مرفق الواقف بجانبه بمرفقه وهما فوق تلك الحافة وقال

" لذلك أنت معشش هنا من وقت "

كشر في وجهه ثم عاد بنظره لها وقال ببرود " تلك الحمقاء ملتصقة

بأبيها كالذبابة ولم تبتعد عنه ولا سنتيمترا واحدا , كان غرضي شريفا

وأريد أخذها في نزهة صغيرة في الحديقة فقط واريها العصافير لكن

العربيات جبانات دائما , لو كانت بريطانية لقفزت ناحيتي ما أن

رأتني أناديها من بعيد "

هز وقاص رأسه بيأس منه وقال ناظرا لها " وما أدراك أنها عربية ؟

حتى لون عينيها يبدوا لي أخضرا أو رماديا , ثم أنا سمعت الواقف

معها وهوا ينزلها من السيارة عند وصولنا أنا وأبي وكان يناديها

( ساندرين ) "

أشار رواح برأسه للذي تمسك يدها الصغيرة به بقوة وقال

" ذاك والدها وهوا قريب لزوجة خالي شاهر رحمه الله "

نظر له وقاص وقال مستغربا " تعني خالك الذي دخل للحالك

وتزوج هناك من امرأة منهم !! "

هز رأسه بنعم وقال " هذا يكون عم زوجته ويعيش هنا من زمن بعيد كما

أخبرتني والدتي وتلك الشقراء الصغيرة ابنته التي أخذت سمات والدتها

على ما يبدوا فهي ليست عربية , أما هذه فهي عربية منتمية لوالدها "

سوى وقاص وقفته قائلا " أتركها وشأنها إذا المدينة مليئة بالشقراوات

الصغيرات فلا يشعر بك والدي ويغضب منك "

أخرج رواح من جيب بنطلونه الجينز حجرا آخر وقال وهوا يرميه

جهتها مجددا " هذه مختلفة إنها بنكهة عربية جبانة وجميلة "

رفع وقاص كتفيه وقال " إذا بما أنها كما قلت بنكهة عربية فحاذر

من جبنها ذاك كما جميع العربيات "

أخرج حجرا جديدا لأن ذاك لم يصل لها قائلا " وما ستفعله برأيك !

هي لم تفكر حتى أن تبتعد للجانب الأخر خلف والدها "

ورمى الحجر وأصابها هذه المرة فنظرت له مجددا فرفع سبابتيه يسخر

منها بثنيهما بجانب رأسه مخرجا لسانه قائلا " جبانة عربية صغيرة "

وفوجئ حينها بنزولها للأرض ورفعت حجرا من الحصى المرصوفة

تحتهم كممر فقال ساخرا ومحدثا للواقف بجانبه " أنظر قررت أن

ترسل ردا صغيرا , حمقاء لن يصل ذاك الحجر ولا لأسفل الشرفة "

وما أن أنهى جملته حتى شهق مصدوما حين ضربت تلك الطفلة ساق

والدها بالحجر بقوة حتى نظر خلفه ثم لها تحته وفي حديث لم يصل

لسمعهما دار بينه وبينها وسلطان يراقبها رفعت إصبعها وأشارت

للشرفة ليرتفع نظر والدها وسلطان معا للواقفين فيها فانطلقت ضحكة

وقاص وأشار بأصبعه على رواح الذي ما أن التفت ليشير لوقاص

حتى وجد سبابته في وجهه فهوا أكثر من يفهمه فركض فورا جهة

باب الشرفة قائلا " الحمقاء الغبية ما أخبثها "

*

*

مسح قفا عنقه بيده مثبتا مرفق يده الأخرى على باب السيارة المفتوح

الذي نزل منه للتو وقال مخاطبا الواقفان أمامه " إن تعقدت الأمور

مجددا اتصلا بي سأكون عندكما في أقرب وقت "

قال أحدهما بضيق " وهل سنجلبك لـ ( بينبان ) في كل مرة لحل

مشاكل الميناء التي لا تنتهي ؟ علينا إيجاد حل لتلك المجموعات فورا "

أبعد يده عن عنقه ومررها في شعره قائلا " لقد حللتم الكثير من المشاكل

أنا أعتمد عليكم وإلا ما كنت وضعتكم هناك , صحيح أنه على الموثوق بهم

تسيير بعض الأمور لأجد وقتا لغيرها لكني سأكون هناك كلما دعت الحاجة

فذاك الميناء هوا متنفسنا الحيوي ولا أريد له أن يدمر ويغلق فبالرغم من

مشاكله التي لا تنتهي هو يتحرك وإن قل استخدامنا له بسبب نفور

الدول من المشاكل لدينا لكنه المدخل الشبه آمن للسلاح "

هزا رأسيهما بالموافقة فأغلق باب السيارة وقال " غدا ستجتمعان

بالرجلين اللذان سيصلان صباحا وأريد نتائج ذلك حين عودتي

لحوران مجددا ومن ثم ترجعا لبينبان مجددا أما الآن فيمكنكما

المغادرة بما أنكما ترفضان المبيت هنا الليلة في ضيافتي "

ودعاه مغادران ونظر هوا لساعته التي كانت تشير للواحدة ليلا ثم

دخل من باب المنزل وأغلقه خلفه ونظر يمينا لذاك الممر وهوا

يضع مفاتيحه في الجيب الخلفي لبنطلونه الجينز ثم صعد السلالم

وما أن كان أعلاها حتى نظر مستغربا للواقفة بجانب باب غرفته

متكئة على الجدار بكتفها مكتفة يديها لصدرها بفستانها الذي تركها

به نهارا , وما أن وقعت عينيها عليه حتى هربت بهما من مواجهة

عينيه المحدقة بها وهوا يقترب منها بخطوات واسعة واثقة يعدل

حواف قميصه القطني المغلق بعدما تبعثر بسبب وضع مفاتيحه في

جيبه , مدققا النظر فيها وهي تشيح بوجهها عنه وقد امتزج

الضيق والغضب والخجل في قسماته .

أمال تلك الابتسامة التي ظهرت على طرف شفتيه وقد تذكر آخر

لقاء لهما قبل أن يغادر حوران من ساعات , أفقدته عقله هذه

الصغيرة الجامحة ليفعل ما فعل في ذاك الممر دون أن يحسب

حسابا للمكان ولولا صوت الخطوات القوية لتلك الخادمة دونا

عن غيرها لا يعرف ما فعل أيضا وما الذي ستجدهما عليه ؟

لكن ما يعرفه الآن وموقن منه هوا أن دخوله للمنزل لم يعد بذاك

السوء السابق فقد أصبح يشبه جبهات القتال واجتماعاته برجاله

المحاربين لا يخلوا من التشويق فهوا يعلم بأنها لن تكون هنا

إلا لتهاجم بشراسة مغلفة بتلك الرقة .

ما أن وصل الباب حتى سوت هي وقفتها مبعدة كتفها عن الجدار

وكان هو في الطرف الآخر ومقابلا لها , كم كرهت نفسها حينها

وأضعاف ما كان فهي السبب في وجودها في هذا المنزل وتحت

رحمة شقيقته تلك , ففوق كرهها لمواجهته بعد ذاك الموقف

المخزي مع عمته وشقيقته نهارا ثم ما حدث في ممر غرفتها

هي مضطرة الآن أن تكون هنا بحجة أمر لا تستطيع تبريره

وستكون المدانة الوحيدة به , غرس مفتاح الغرفة في الباب

وقال ونظره عليه " هل غيرتِ رأيك أخيرا "

صرت على أسنانها غيظا منه وقالت ببرود " بعدما حدث

أمامهما نهارا لن أخسر شيئا ولن أغير قراري أبدا "

فتح الباب وقال وهوا يدخل " إذا أفهم من وجودك هنا أنك

قررتِ ... "

قاطعته وهي تدخل خلفه قائلة بغضب أنساها حتى أنها تدخل

الغرفة وقد أغلقت الباب خلفها ضاربة له بقوة

" لم آتي لأنام معك طبعا "

لتدرك ذلك حين التفت لها ووجدت نفسها مجددا مع هذا الرجل

الذي يملأ وجوده الأماكن المفتوحة فكيف بالمغلقة ؟ وجه لها

نظرة قاسية وقال " لا ترفعي صوتك يا ابنة شراع "

بلعت غصة أحستها كالجمر ورفعت رأسها وقالت بكل شموخ

" لم يربني شراع على رفع صوتي لكني ومنذ صرت هنا لم

أعامل كما يعاملني شراع وأخوتي "

توجه لطاولة التزيين وقال وهوا يفرغ جيوبه متجاهلا ما قالت

" أجلبي لي أي شيء يؤكل من الأسفل "

تمنت تلك اللحظة أن قفزت عليه وغرست أنيابها في لحمه على

بروده وتعجرفه ذاك لكنه بدد كل ذلك وبحركة واحدة حين أمسك

أطراف قميصه ونزعه والقميص الداخلي معه راميا لهما على السرير

جعلها ذلك تجد نفسها خارج الغرفة دون أن تشعر وحرارة جسدها تصل

للاحتراق , وصلت المطبخ وتنفسها الغاضب لا يساوي شيئا أمام أنفاسها

المتوترة من رؤيته عاري الصدر , هذا فوق احتمالها حقا ... هي لم ترى

رجلا بهذا المظهر سابقا لتكون مشاهدتها الأولى لهذا الرجل بالتحديد

أغمضت عينيها بقوة تحاول طرد صورته تلك وجسده الذي فاق جسد

شقيقها الكاسر بالقميص الداخلي الضيق حين كان يتفاخر به أمامها

ممازحا , نزلت للخزانة تخرج إناء الزيتون الكبير متمتمة

" تعالى لتكسر غرورك بنفسك يا كاسر "

وسرعان ما وقفت تمسح طرف عينها لتطمر تلك الدمعة الحزينة

في محجرها , وضعت في صحن أطباق حوت على ما تركت له

الخادمات بأوامر منها من عشائهم رغم أنها ليست عادتهم لأنه لا

أحد يستطيع تخمين إن كان سيرجع أم سيبات خارج المنزل أو يتناول

عشائه عند أحد من زارهم , سكبت له من الشاي الذي تم تحضيره

للضيوف نهارا وعصير فواكه تم حملت الصينية هامسة ببرود

" يكفيه هذا فلم يحلم به سابقا "

وأخذتها للأعلى وما أن دخلت حتى ضغطت قبضتيها على الصينية

بقوة وهي تراه جالسا على طرف السرير لازال ببنطلونه الجينز

الضيق فقط وحمدت الله أنه كان مشغولا بالسلاح الذي يثبته على

الأرض ويسحب الرصاصات منه بحركة سريعة واحدة وتسمرت

مكانها حين قال ولازال مشغولا بسحب باقي الرصاصات

" أغلقي الباب خلفك "

فعضت طرف شفتها بقوة تثبت يديها أكثر كي لا تقع الصينية منها

للأرض ( ما يخبر هذا الرجل عقله ؟ ولما إغلاق الباب ! سحقا

لشقيقته تلك هي السبب في كل هذا , أقسم أنها انتقمت لنفسها

وبجدارة )

دفعت الباب بطرف مرفقها مغلقة له والتفتت لتقول أنها هنا لتأخذ

ما تريد وتغادر ففوجئت به يرفع سلاحه نحوها ينظر لها من خلال

عين التصويب فيه مغمضا العين الأخرى مدمرا بذلك جميع حواسها

وتماسكها , قال دون أن يكترث لما يفعل " تعالي ضعيها هنا "

فشدت ظهرها متمالكة لأعصابها وقالت وقد تحركت نحوه

" لا يحتاج الأمر لترفع سلاحك نحوي سأحضره بدون أوامر "

قال وهوا يضعه جانبا ونظره عليها وهي تضع الصينية على

الطاولة أمامه " كنت أعدله فقط , هل ستعتقدين بأني سأقتلك

كلما رأيته في يدي "

استوت في وقفتها وتنفست بقوة عبرت فيها عن كل استيائها من

سخريته منها وقالت تتجنب النظر له وهوا بذاك المنظر المعذب

لأي امرأة فكيف إن كانت مربكة أيضا " ثيابي في الخزانة هنا

أريد أخذها فالغرفة لا تكون مفتوحة إلا في وجودك "

رفع نظره المستغرب سريعا لها وتابعت هي قبل أن يسأل

" يبدوا أن أحدهم خمن أني سأنتقل هنا ونقل الثياب دون

أن يأخذ رأيي "

واتخذت بذلك أسلوبا هجوميا وكأنها تضعه أيضا ضمن حلقة

المتهمين وكأنها لا تعرف الفاعل الأساسي , وظنت وقتها بأنه

سيتهمها بفعلها كما خططت شقيقته لكنه اكتفى بابتسامته ملتوية

وهوا يرى تجنبها النظر جهته وقال ببرود " ضننت أنك

ستفضلين النوم عارية على القدوم هنا "

ليسرق نظره ذاك اللون القرمزي الذي طغى على وجنتيها

خجلا قبل أن تقول بضيق " كنت أفضل النوم بفستاني طبعا

لولا أني وجدت مفتاح غرفتي مختف مع ثيابي "

سحب قطعة لحم ونظر لوجهها للأعلى ورماها في فمه وقال

وهوا يمضغها " أفهم أنك لا تريدين المفتاح "

صرت على أسنانها بقهر فها هوا يلعب مجددا بغير نزاهة ويجرها

للتحدث دون تفكير , رفعت نظرها له وأرخت ملامحها المشدودة

لتجاريه وقالت ببرود " إن كنت ستساوم عليه فأعطني ثيابي

وخذه بعدما تجلبه ممن أخذه طبعا "

تراقصت السخرية في عينيه وهوا يراقب ملامحها وقال

" إذا ستنامين على غير عادتك والغرفة بابها مقفل

دون مفتاح "

نظرت له بصدمة لم تخفها ( من أين علم أني أغلقها على نفسي ليلا

بل ومنذ متى يعلم ! ) قالت بحنق وهي تنظر له منشغلا بالطعام

أمامه " لن نمضي الوقت نتنافس من يكسر رأي الآخر لأني

سأرضى أن أبقى بهذا الفستان للأبد ولن أرضى

مجددا باللعب بغير نزاهة "

رفع نظره لها سريعا فشعرت بذاك الشعور الغريزي الذي يقول لها

أهربي لكنها ثبتت قدميها مكانهما تنظر لعينيه هربا من رؤية جسده

وقد قال ساخرا " أنا لم أذكر شيئا من ذلك يا ابنة شراع وأنتي

من ذكره أم نسيتِ ؟ "

كتمت غيظها وحنقهما منه لأنه على حق وقالت ببرود

" ما معنى كلامك إذا ؟ "

استقام في جلسته مظهرا عضلات صدره العاري بوضوح وكأنه

يدعوها للارتماء فيه وأدخل يده في جيبه وأخرج المفتاح منه وفي

حركة سريعة رماه مطيرا يده للأعلى مع صوت شهقتها المرتفعة

وهي تنظر له لامعا في الظلام يعكس نور المصابيح الجانبية للغرفة

وقد حلق عاليا ليستقر على الثريا الزجاجية الصغيرة المرتفعة التي

تزين السقف وقال ناظرا لوجهها المصدوم تنظر للأعلى " إذا ها

هوا ابتعد عن ساحة المعركة كما اخترتِ "

قبضت يديها جانبا بقوة وقالت " كيف وجدته ؟ "

عاد بنظره لطعامه مجددا وقال ببرود " انظري لنفسك أين

تركته لتجده جوزاء وتحظره لي "

شعرت بالأرض تحتها تتحول لنار مشتعلة فتلك المرأة يبدوا أنها

تلعب على مستويات مرتفعة جدا , فلا هي تستطيع اتهامها أمامه

لأنه لم يسأل من جلبها وهذا ما تستغربه ! ولن تستطيع إخباره في

كل الأحوال , ولا أن تسأله أين وجدته لأنها مؤكد صاغت كذبة

جيدة لتعطيه له وليس لها , نظرت جانبا جهة الخزانة الواسعة

متعددة الأبواب وقالت بجمود " سآخذ ثيابي وأنزل أم

لديك طلبات أخرى ؟ "

أشار لها برأسه على الخزانة ودفع الصينية دون كلام فتحركت من

فورها وفتحت أبواب الخزانة بالتتابع تشعر بتوترها يتضاعف من

وجودها معه هنا تحديدا حتى وصلت للتي حوت على ثيابها جميعها

وكادت تحترق وهي تراها مرمية في كومة واحدة لتوضح للرائي

فورا أن من وضعها هنا قد رماها على عجل وقت وجود

صاحب الغرفة هنا وغادر ولتتجه أصابع الاتهام لها طبعا .

رفعت نظرها للخيال الذي ملأ المكان أمامها يقف في الجانب الآخر

من باب الخزانة المفتوح مكتفا ذراعيه القويتان لصدره العريض

العاري ومتكئ على باب الخزانة الأخرى ينظر لها بصمت

فنظرت لداخل الخزانة فورا وقالت " لا تنظر لي هكذا

فلست من وضعها هنا "

قال من فوره " من أحضرها ؟ "

نظرت له مجددا وقالت " لست أنا ولم أكذب "

نقل نظره منها لثيابها المبعثرة داخلها وقال " أعلم "

لم تستطع سؤاله كيف علم ولما قال ذلك لأنها تعلمت شيئا مهما

وهوا أن هذا الرجل كلما حاولت فهمه تدثر برداء غموضه أكثر

نظرت ليده التي امتدت لها وللمفتاح وسط كفها ثم رفعت نظرها

لعينيه فقال ناظرا لعينيها " هذا مفتاح الغرفة وسآخذ الذي لدى

جوزاء ولا تسلميه لأحد مهما كان ولا لها هي "

نظرت للمفتاح في يده ثم لعينيه مجددا وقالت بهمس حذر

" لم أعني بكلامي أني أتهمها "

هز رأسه هزة خفيفة وقال بنعومة ظهرت في خشونة صوته

الأبح " أعلم ما الذي لا تريدين قوله "

أطلقت نفسا قويا متوترا لم يعبر أبدا عن راحتها بأنه يصدق براءتها

من هذا بل كان مشحونا بالخوف من عقل هذا الرجل الداهية , مدت

يدها ببطء لكفه المفرود أمامها وهي تشعر بالارتجاف فقط من فكرة

أن تلمس أصابعها ذاك الكف وهي تأخذ شيئا مسطحا من فوقه .

شكرت الله سرا حين أدار يده في حركة خاطفة رشيقة ليصبح المفتاح

بين سبابته وإبهامه ومده ليدها قبل أن تصل لكفه ففتحتها له سريعا

ووضعه فيه فقبضت أصابعها الرقيقة عليه دون أن ترفع نظرها

له ومدت يدها للخزانة وسحبت فستانا لتنام فيه ووقفت متسمرة مكانها

وهي ترى أنه لا يفكر في الابتعاد فكيف ستخرج ملابسها الداخلية ! لن

تستطيع النوم بثيابها ذاتها التي تلبسها منذ الظهيرة وقد لا يغادر غدا

مبكرا لترجع وتأخذها , كورت الفستان في يديها وقالت بارتباك

ناظرة للخزانة " حسنا أريد إخراج ثيابي "

جاءها تعليقه الساخر دون أن يتحرك من مكانه " ومن منعك ؟ "

نظرت له بضيق ازداد أكثر بسبب تلك السخرية في عينيه وقد

خالطتها التسلية فقالت بحنق " ابتعد هناك عند السرير "

انزلقت نظراته على جسدها ثم انتقلت للخزانة وقال وكأنه

يفتشها بعينيه " لا شيء يستدعي مني الابتعاد "

ثم عاد بنظره لعينيها وقال مميلا ابتسامته " أليس كذلك ؟ "

احترقا خديها بوهج حرارة الإحراج وشعورها بالرغبة في لكم هذا

الرجل يتعاظم أكثر فهل كان يسخر منها حين قال أنه يصدقها !!

نظرت له وقد حولت إحراجها لنظرة حانقة وقالت " ظننتك صادقا

ولست تسخر مني , لست من جلبها هنا وما كنت لأفعلها "

قال بنبرة متزنة متفحصا ملامحها " قلت لك أعلم , فلن تكذب

ابنة رباها زعيم قبائل أبدا , إن ابنتي كذبت أقتلع عينيها "

شعرت بمشاعرها تتهاوى للصفر وهربت بنظرها منه

وقالت بجفاء " ابتعد إذا "

ظهرت الابتسامة اللعوب في بحة صوته وهوا يقول وقد أحنى

رأسه ليتفرس ملامحها التي تهرب بها منه " يبدوا أني أريد شيئا

من أعلى الخزانة وعليا انتظارك لتخرجي ثيابك أولا "

علمت فورا أنه يتعمد إحراجها وكانت ستبتعد مغادرة وتتركها له

وستتحمل البقاء حتى بفستانها هذا على أن تترك له الفرصة لينال

منها لكنها موقنة من أنه يتوقع منها هذا وسيسخر منها كما في المرة

السابقة وينعتها بالجبانة الهاربة , رفعت رأسها ونظرها المتحدي

لعينيه وقالت " لن تربح أبدا حين سأتبع أسلوبك الغير نزيه في

اللعب يا ابن شاهين فاحذرني "

وما لا تعلمه أنها بذلك أشعلت نار التحدي التي يعشق داخله فمرر

لسانه على شفته السفلى في حركة سريعة وعفوية وقال يمسك

ابتسامته اللعوب " أرني ماذا صنع شراع صنوان من هذه

المرأة الواقفة أمامي قبل أن تتنازلي عن العمران طوعا "

لمع التحدي في عينيها وقد رفعت رأسها له وقالت " تذكر

فقط أنك من بدأ صباحا وجاء وقت رد الدين "

ضاعت نظرته المستغربة في عينيها وليس يعلم أن قلبها يكاد يتفجر

من ضغطها عليه وأوردتها ستتهتك وهي تجبر نفسها على فعل

ما تفكر فيه وقد مدت يدها لداخل الخزانة وأخرجت حمالة الصدر

ورفعتها تمسك طرفها لتتدلى على طولها وهي ترفع يدها عاليا

أمامه وقالت " هذه ليست مريحة للنوم "

ورمتها في حركة سريعة على كتفه لتستقر عليه وأخرجت

أخرى وقالت وهي ترفعها أيضا " هذه نزعتها صباحا "

وألحقتها بالأولى فلم تشعر بنفسها إلا وهي ترتفع عن الأرض

صارخة بذعر قبل أن ترتمي على السرير بقوة وشعرها قد

تناثر حولها على همسه الرجولي من بين أسنانه

" سحقا للنساء "

وتبت يديها بقبضتيه جانبي رأسها بقوة منحني فوقها لتبدأ عضلاتها

بالتقلص مجددا وأغمضت عينيها بقوة وهي تشعر بأصابعه تتخلل

أصابع يديها وكفاه القويان تسحقان كفيها ضاغطا عليهما وخرجت

شهقتها مرتجفة لا إراديا ما أن شعرت بانخفاض السرير بجانب

فخذها بسبب ضغط ركبته عليه وفتحت عينيها لتشهق شهقة

أخرى وهي ترى وجهه مقابلا لوجهها فقالت بنفس لاهث

" مطر ابتعد ، أنت تكسر قواعد لعبتك إن نسيت "

أصبح نفسه يلفح خدها بقوة وهوا يدير رأسه وانقبضت أحشائها

غريزيا وعضت طرف شفتها ما أن لامست شفتاه ذاك الخد الناعم

وهي تشعر بخشونة لحيته وشاربه رغم لمسته الخفيفة وقال هامسا

" أنتي من عبث بالقواعد يا نزيهة "

أشاحت وجهها جانبا تبعده عنه وأغمضت عينيها مجددا فيبدوا أنها

بالفعل لعبت لعبة لن تستطيع مجاراته فيها وباتت الطرف الأضعف

رغم موقفها القوي , وكرهت نفسها التي تاقت إليه الآن بل يبدوا أن

ذلك حدث منذ رأته بدون قميص ، خرجت الكلمات من حنجرتها

متقطعة مبحوحة وهي تحاول سحب يديها " لن تستطيع فعل

هذا ، أنت لم توافق على المهر "

وخرجت أنتها مرتفعه في شهقة مكتومة خالطها أنين عميق حين

شعرت بشفتيه على عنقها وأصابعه تقبض على كفيها أكثر

فقالت برجاء هامس " ابتعد مطر أرجوك "

لكنه لم يستجيب لرجائها المخنوق ذاك وانتقلت قبلاته الخفيفة

لأعلى عنقها فأذنها مدمرا جميع حصونها وهمس فيها

" استرخي ولا تفسدي ما أردته بنفسك "

أدارت وجهها له وتحركت بعنف وإن لم تستطع الإفلات منه

قائلة بضيق " لم أرد هذا , أنت السبب وحذرتك منذ البداية

فاتركني أو كانت العمران الثمن ولا تنسى ذلك صباحا "

نظر لعينيها وقال مبتسما بسخرية " يمكن اعتباره مهرا

مؤجلا يا ابنة شراع "

همست تشعر بقلبها يرتجف بقوة " لكن الطرف الآخر لم

يوافق على التأجيل "

ثم رطبت شفتيها بلسانها بسبب شعورها بذاك الجفاف في حلقها

فأمال رأسه هامسا من بين أسنانه " سحقا توقفي عن هذا العبث "

فانفتحت عينيها بصدمة من جملته ولم يترك لها مجالا للدفاع عن

نفسها وقد قبلها بعنف ضاغطا شفتيه على شفتيها في قبلة تحولت

للرقة تدريجيا حتى أبعد شفتيه وعيناها لازالتا متسعتان من صدمتها

ولم تفهم نظرته تلك لها وكأنه مصدوم مثلها أو ضائع في تفكير ما

وأنفاسهما القوية تسابق بعضها ، من صدرها الذي يعلو ويهبط

بانفعال شديد لصدره العريض الذي يتسع بقوة متناغمة مع إعصار

أنفاسه , انزلقت نظراته مجددا لشفتيها الممتلئة بشكل مغري رغم

صغرها وبدأ ضغطه على كفيها يزداد فأغمضت عينيها وقد

تحركت تلك الشفتين المرتجفة بهمس ضعيف محتج بوهن

" لاااا "

لكنه تجاهل ذاك الرفض وانحنى طالبا الارتواء منهما مجددا وكانت

قبلة أرق من رقة سابقتها وقد أرخى قبضتيه عن كفيها وأخرج أصابعه

المتشابكة مع أصابعها وعاد لتمريرهم فوق تلك اليدين الرقيقة الناعمة

في حركة بطيئة تناغمت مع قبلته التي بدأت بهتك دفاعاتها وتدميرها

وهي تشعر بعزيمتها تتلاشى شيئا فشيئا درجة الا وعي ، كانت لتصمد

لو أن تلك القبلة كانت بعنف سابقتها ولو أنه اختارها كعقاب لها , لكن

هكذا رقة وهكذا أسلوب ومن شفتي كهذا الرجل فالمقاومة عبثا ستجدي

خاصة ويداه تترك يديها وقد حضن بهما وجهها وانغرست أصابعه في

شعرها يعزز قبلته تلك أكثر فما كان أمامها من حل سوا الاستسلام ومن

أول مرة عرفت فيها هذا الأمر واختبرته ، ابتعد عنها أخيرا قاطعا ذاك

الوصال المفعم بالشغف ووقف على طوله وقال بهمس لاهث

" غادري يا غسق "

استندت بمرفقها ويدها الأخرى ورفعت جسدها الذي لم تشعر به متهالكا

كما الآن وخرج منها أنين متألم وهي تحاول إبعاد شعرها الطويل من

تحت مرفقها فابتعد عنها خطوتين وأولاها ظهره وهمس من بين

أسنانه " أخرجي بسرعة أو جعلتك تتنازلين مرغمة عن

مهرك الأخرق ذاك .... غادري الآن "

فابتعدت عن السرير ومرت بالفستان وحملته معها وخرجت من الغرفة

راكضة حتى وصلت لغرفتها وأغلقت الباب خفها واتكأت عليه وخبأت

وجهها في الفستان في يديها تمتمت بكلمات هامسة متقطعة وغير مفهومة

ولازالت تشعر بقلبها يرتجف وكأنه نافذة مكسورة تصفقها الريح في كل

اتجاه , رمت الفستان على السرير ودخلت الحمام تكرر عبارات شتمها

لنفسها ولحماقتها , فتحت المياه على أقواها ورمت ثيابها ووقفت تحت

ذاك الماء المتدفق ترتجف وكأنه ينزل عليها قطعا من الجليد , مررت

ظهر يدها المرتجفة على شفتيها وأغمضت عينيها بقوة تسترجع ما حدث

ولازالت تشعر بملمس شفتيه عليهما ثم مررت يديها على رأسها ممسكة

شعرها والماء يتدفق عليه وهمست برجفة " تبا له من رجل مختلف

في كل شيء يفرض سيطرته على كل الأمور "

وليست تعلم كيف أنهت حمامها ذاك وغسلت شعرها وجسدها فلم

تكن واعية لشيء حولها , لفت المنشفة حول جسدها وخرجت ووقفت

مكانها عند باب الحمام وعضت شفتها بقوة وهي ترى ثيابا لها على

طرف السرير فمؤكد هوا من أحضرها هنا فجميع ساكني المنزل

نيام , توجهت نحوهم ورفعت المفتاحان المجموعين في حلقة حديدية

وكانا فوق الثياب وكان أحدهما مفتاح غرفتها والآخر مفتاح غرفته

الذي وقع منها هناك ولا تدري متى أو أين , خبأتهما جيدا ليبتعدا

عن شقيقته ثم لبست ملابسها واندست في فراشها تحاول فقط

النوم وبأي طريقة لكن ذلك كان أبعد من مناها

*

*

رفع سلاح القنص عاليا وقال وهوا ينظر من عينه " اسمع

سأعطيك معلومة مهمة تذكرها دائما "

ثم أنزله ونظر للجالس بجانبه يستمع له بانتباه وتابع " أهم ما يرتكز

عليه القناص هوا طريقة تعديله لإحداثيات ومعدل سلاحه , كلما كان

تعديله دقيقا كلما كان أمهر وأصاب أهدافه بسهولة , ولا تعتمد على

خبرة غيرك لأنك ستحتاج لفعلها بنفسك في أي وقت "

عد تيم بأصابعه ونظره عليها وقال بعبوس " كلامك يعني أني

فشلت في تعديله للمرة الرابعة "

أزال عمير جهاز التصويب من فوق السلاح وقال

" لا تيأس يا فتى فالأمر لن يكون سهلا "

تنفس بضيق وضم ركبتيه مشبكا يديه حولهما وقال " لم أنجح في

تعديله فما سيحدث في التصويب ! لقد يئست "

ضحك ذاك وقال " التصويب أسهل مئة مرة "

نظر له تيم بصدمة فتابع بجدية " التصويب يحتاج ليدين ثابتة ونفس

منتظم ودهن صاف مها كان صاحبه معرضا للضغوط ثم أخيرا والأهم

قدرة الرامي على تركيز نظره في نقطة واحدة وهذه جميعها أجزم أنها

لديك وبتمارين بسيطة فقط ستتقنه أما تعديل التصويب فليس الجميع ملما

به وحتى بعض المهرة في الرماية يلجئون لغيرهم في فعلها ، ثم أنا

لم أخبرك عن الأمر المهم في تعديل مثل هذه الأسلحة "

هز له رأسه بنعم منتبه بشدة معه وتابع ذاك وهوا يرفع السلاح مشير

به لهدفهم المثبت بعيدا " اختر هدفا يوترك ، أكثر شخص يستطيع

أن يشوش انتباهك وهذا عليه أن يكون أمامك وليس أن تتخيله كما

في التصويب حين تتخيل هدفك أكثر شخص تكرهه , هل

فهمت هذه النقطة "

حرك تيم عينيه بتفكير وقال " ما فهمته أنك تستطيع تثبيت

إحداثيات سلاحك على شخص يوترك وجوده "

فرقع ذاك بإصبعيه قائلا بضحكة " هوا كذلك "

نظر للفراغ وقال بتفكير عابس " ماريه هي أكثر شخص يوترني

بسبب ثرثرتها التي لا تتوقف فلا أركز على شيء "

ضحك عمير ضحكة عالية جعلت الجالس بجانبه ينظر له بضيق

وقال " لو أعلم لما تضحك دائما دون سبب "

أخذ عمير نفسا قويا قبل أن يعود للضحك قائلا

" لم أتخيل أبدا أنه لك حبيبة "

وقف تيم على طوله وركل الأرض بحدائه مثير الغبار حول قدمه

وقال بغضب " ما هذا التعبير الأحمق ؟ أنا لم أقل أن لي حبيبة "

حرك ذاك يده قائلا ببرود " لما الغضب هكذا ؟ وأنا لدي حبيبة

أراها كلما كنت في إجازة "

تحرك حينها تيم مبتعدا يتمتم بغضب وصوت عمير يتبعه صارخا

من خلفه " قد لا تكون ثرثرتها التي توترك يا أحمق , أنا

أريد أن نكون أصدقاء مقربين جدا "

فالتفت له من بعيد وانحنى للأرض ورفع حجرا ورماه به وهو في

ضحكة واحدة على شكله الغاضب ثم وقف ينفض ثيابه متمتما

بابتسامة " فتى أحمق لو يعلم كم من رجال أدربهم

يحترمون مركزي ليرميني هوا بالحجارة "


*

*

طرقت باب الغرفة ودخلت وقالت بابتسامة مرتبكة

" صباح الخير عمتي "

بادلتها تلك الابتسام قائلة " صباح النور , إن لم أرسل لك

الخادمة لا تأتين ؟ هل غاضبة مني ابنة شراع ولا أعلم ؟ "

اقتربت منها تبعد خصلات شعرها خلف أذنيها وقالت

" أبدا ومن يغضب من قلبك الطيب ؟ "

ثم جلست على طرف السرير وقالت ناظرة ليديها في حجرها

" نمت فقط لأني لم أنم إلا فجرا "

قالت تلك مدققة على ملامحها " بعد مغادرة الضيوف لم أراك

وخمنت بأنك متعبة واستغربت أن لا تخرجي من غرفتك

صباح اليوم "

وتابعت تكتم ضحكتها " حتى ضننت أنك ستنزلين لنا من

غرفتكما في الأعلى "

نضرت لها بجزع قالت " من قال ذلك ؟ "

قالت نصيرة مستغربة " قلت أني ضننت فما بك يا غسق ؟ "

وقفت وقالت " لا شيء عمتي "

ثم نظرت خلفها وعادت بنظرها لها وقالت بتوجس

" هل غادر مطر ؟ "

قالت مستغربة " حد علمي سيغادر صباح اليوم للحدود إن لم

يجد شيء يجعله يؤجلها قليلا , هل تريدينه في أمر ما ؟ "

هزت رأسها بلا بسرعة وقالت مغيرة مجرى الحديث " حكت لي

حبيبة عن أعشاش الدجاج في الحديقة هل تخرجين معنا ؟ "

قالت بضحكة " حبيبة والدجاج قصة لا تنتهي وكرسيي لا يساعد

في التنقل في تلك الجهة , اجلسي نتسلى قليلا قبل ذهابك "

هزت رأسها بحسنا وعادت للجلوس تنتظر منها ما تتوقعه جيدا بعد

زيارة ابن شقيقها لها يوم أمس , قالت محاولة تبديد ذاك التوتر

" لاحظت أنه لا أحد غير الموجودين في المنزل أقارب لكم ! "

هزت تلك رأسها بنعم بحزن وقالت " زوجي توفي منذ زمن بعيد

وابني اختفى منذ أكثر من سبعة أعوام ولا أحد يعلم حيا هو أو ميتا

ولم نجده رغم محاولات مطر الجادة , أما عمك صقر فقد توفيت

زوجته وهي تلد ابنه ومنذ ذاك الوقت لم يتزوج ولم يفكر فيه أبدا

مهما حاولنا معه "

اجتازت غسق صدمتها بصعوبة وقالت وكأنها تحدث نفسها

" لكم أبناء !! "

ضحكت تلك رغم حزنها وذكرى ابنها الشاب وقالت " نعم ألسنا

بشرا نتزوج وننجب الأبناء ؟ "

قالت بتلعثم " لكني ظننت ... "

ثم رفعت خصلاتها خلف أذنيها مجددا وقالت " ظننت أنه كما

حكي وسمعت .... "

قاطعتها نصيرة مبتسمة " ما يحكى عن شقيقي شاهين طبعا ؟ "

قالت غسق بصدمة " أليس حقيقيا ؟ "

خرجت ضحكة صغيرة منها وقالت " نصفه ونصفه الآخر مجرد

كذب وافتراء فهل انعدمت الإنسانية لديه درجة أن يقتل أبناء عائلته "

همست بخفوت ناظرة لعينيها " ما الحقيقي في الرواية إذا ؟ "

قالت تلك بهدوء " الحقيقي هوا الابن الذي سيحكم البلاد وانتظار شاهين

رحمه الله له بفارغ الصبر وتربيته له بنفسه فقط والباقي لا صحة له

وما كان ليقتل عائلته من أجل باقي كلام الرجل ذاك "

قالت غسق مستغربة " لكنه صدق نصفها الأول ؟ "

هزت رأسها بنعم وقالت " وابني اختفى بعد وفاة شقيقي شاهين وولد

قبلها وصقر ولدت زوجته وتوفت وابنها وشقيقي شاهين حي أيضا

وقد زوج جوزاء وأنجبت طفليها في وجوده يا غسق "

فتحت فمها لتسأل لكن تلك سبقتها قائلة بحزن " وشقيقي دجى

توفي قبل وفاته وقد حاول شاهين جهده أن لا نفقده "

قالت غسق مستغربة " لك شقيق ميت ؟ "

هزت رأسها بنعم وقالت " كان شقيقا لنا من والدي رحمه الله

ولم نرى والدته أبدا فقد أحضره طفلا رضيعا ولولا الشبه

القوي بينه وبين والدي لما صدقنا أنه ابنه "

قالت غسق وقد شعرت بالفضول أكثر لمعرفة قصص هذه العائلة

" وكيف لم ترو والدته أبدا ؟ ... أعني لماذا ؟ "

تنهدت نصيرة بحزن وقالت وقد غابت بنظرها للفراغ " والدته من

الهازان كما أخبرنا والدي وأنها كانت من أجمل أجمل نسائهم , وفي

ذاك اليوم الذي اكتشف فيه جدي الأمر هدده بطرده من القبيلة وإبعاده

عن الحدود معهم فطلقها كما أخبرنا وأحضر ابنه منها وربته والدتي "

هزت رأسها بحيرة وقالت " غريبة قصته ! تربى بعيدا عن

والدته وهي على قيد الحياة ثم مات و .... "

قالت مندفعة " لما قلت أن شقيقك شاهين حاول جهده كي لا

يموت شقيقه دجى ! ماذا حدث ؟ "

خيم الحزن على ملامح نصيرة وقالت " مات في محاولة

للفرار خارج الحدود "

ثم رفعت نظراتها بالجالسة أمامها تنظر لها بصدمة وقالت مبتسمة

" يكفينا من الحديث عن البؤس والمآسي وأخبريني ما الجديد بينك

وبين زوجك فقد جاء يسألني بالأمس إن كان ثمة من يضايقك

من الضيوف "

رطبت شفتيها بلسانها فها قد وصلا للب الموضوع وجل ما تخشاه أن

تكون أخبرته عن الحديث الذي خرجت بعده رغم كثرة الأحاديث وقتها

وهوا من الدهاء أن يكتشف بسرعة صلتها بالعجوز تلك ودخولها إلى

أراضيه من أجلها , مررت أطراف أناملها على خصلات شعرها

وقالت بحذر " أخبرته أنه لم يضايقني أحد لكنه يبدوا مصرا

ثم أنتي تعلمين أنه زعيمهم ولن يرضى أن تهان زوجته

مهما كانت مكانتها لديه "

هزت تلك رأسها بنعم وقالت " وهذا ما سيحدث فلن يتجرأ أحد

على قول شيء في وجهك أو أمامنا أنا وجوزاء وما سيقال من

وراء ظهرك لا تكترثي له "

انفتح الباب حينها وأطلت منه حبيبة برأسها وقالت مبتسمة

" يبدوا أنك نسيت موعدنا سيدتي ؟ "

وقفت وقالت مبتسمة " لا لم أنسى وقادمة حالا "

ثم ودعت الجالسة على السرير بحركة من يدها مبتسمة لها وبادلتها

تلك نفس الحركة تراقبها مبتسمة حتى اختفت خلف الباب الذي أغلقته

ورائها وتمتمت بخفوت باسم " من التي قد تقتل مطر الذي صنعه

شاهين إن لم تكن هذه ! سبحان من كملها في كل شيء "

وما لبث أن انفتح الباب مجددا ودخلت منه جوزاء بوجه عابس

محتقن من الغضب فقالت نصيرة مبتسمة " بسم الله عليك

ما بك وكأن وجهك قطعة من نار ؟ "

قالت تلك بحنق تمسك وسطها بيديها " ليس وقت مزاحك عمتي "

تنهدت العمة بضجر وقالت " ولأنه ليس وقت مزاح أردت أن

أغير من هذا الوجه المكفهر "

قالت جوزاء وبدون مقدمات " مطر أخذ مفتاح غرفته مني "

قالت نصيرة بلامبالاة " وإن يكن ؟ مفتاح غرفته ويخصه "

ازداد غضب تلك من برود عمتها وقالت بضيق

" وأعطاه لتلك "

هزت نصيرة رأسها بيأس وقالت " تلك زوجته ومن الطبيعي

أن تهتم بأموره , ألست من كان يريد زواجه وأن تكون له

زوجة تهتم به "

نفخت جوزاء بقوة وغضب وقالت " سحرته تلك الصنوانية بجمالها

الزائف , سحقا للنساء ... لا أصدق أن الذي أمامي مطر "

لم تستطع تلك إمساك ضحكتها وقالت تستعيد نفسها " أضحكك الله

يا جوزاء من أين جئت بالصنوانية هذه ؟ ثم لا أرى شقيقك تغير

أبدا ولولا صبر ابنة شراع عليه لفرت هاربة مجنونة "

حركت جوزاء يدها في حركة غاضبة قائلة " لا تبدي جهدا أبدا تضع

العمران مهرا لها تلك البلهاء ورأيتِ معي بعينك ما تفعل لتجعله

يستسلم , حركات سوقيات لعينات ! لا أعلم لما مطر يجهل

حقيقتها حتى الآن وهي واضحة أمامه كالشمس "

ظهر الضيق جليا على وجه نصيرة وقالت حانقة من الواقفة

أمامها " جوزاء ما يحدث خلف الأبواب المغلقة لا أنتي ولا أنا

نعلم ما يكون وليس لنا حق الحكم عليه , حياة شقيقك هوا الذي

يقرر فيها فتوقفي عن حركاتك أنتي التي لا أريد نعتها

بالسوقية مثلك يا شقيقة زعيم الحالك "

قالت جوزاء بصدمة " حركاتي أنا ؟ "

علقت نصيرة بغضب " نعم ولا تضني أني عجوز خرفه لا

أرى وألاحظ تعمدك إبعادها عن مجالس النساء "

خرجت ضحكة ساخرة خالية من المرح من ثغر الواقفة عند

الباب وقالت " لعبت بعقلك أيضا , لا أستغرب ذلك "

تنفست نصيرة بضيق ويئس من حقد ابنة شقيقها الا مبرر وقالت

" هي لم تخبرني بشيء وأجزم أنها لن تفعلها أبدا "

ضربت جوزاء بكفيها ثم أشارت بأحدهما وقالت ساخرة " نعم

والواقع أمامك فها هي جعلت مطر يأخذ مفتاح غرفته مني

وهوا لم يفعلها سابقا "

همست تلك مستغفرة الله وقالت " أقطع ذراعي إن فعلتها , أقسم أن

تربية أسرة الزعماء متأصلة فيها لنخاع عظامها ولن تتحدث لا أمامه

ولا أمامي , ولن يحتاج مطر لتخبره ليعرف بنفسه وأنتي تعرفيه

جيدا كما هوا يعرف حقدك المبالغ فيه جهة صنوان جميعهم "

كتفت جوزاء يديها لصدرها وقالت " ما معنى كلامك عمتي ؟

هل أنا التي تخليت عن أصول تربيتي في أسرة زعيم الحالك "

قالت عمتها ببرود " الجواب لديك وليس لدي واتركي شقيقك وشأنه

لتثبتي لنفسك قبلي أنه معك حق يا شقيقة زعيم الحالك , وإن كان

لديك اعتراض على أخذه منك لقلته له بنفسك وأجزم أنك سلمته

له دون حتى سؤال "

أنزلت يديها وشدت قبضتيها قائلة بضيق " بلى سألته وقال بكل

صراحة أنه أعطى مفتاحه لها , لا يهتم بأن ما يفعله

يجرحني أنا شقيقته "

هزت نصيرة رأسها بيأس ولم تعلق فتركتها تلك وغادرت

متمتمة بغضب " أنا المخطئة جئت أتحدث معك "

*

*

Msamo and اطلانتس like this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:39 AM   #703

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*

*

دخل الغرفة يزرر قميص بذلته العسكرية وهمس للمضجعة على

الفراش على الأرض تحضن جسد تلك الطفلة النائمة بسلام

" نامت أخيرا ؟ "

هزت تلك رأسها بنعم ثم استوت جالسة وقالت ناظرة له

" هل قررتم الرحيل للحدود ؟ "

هز رأسه بنعم وقال " اتصل الزعيم مطر وسنخرج بعد قليل ما

أن يصلوا هنا فتجمعنا كالعادة من بلدتنا هذه ولولا ضرورة

الأمر ما تركني أتيت "

هزت رأسها بحسنا وقالت " هل أخبرته انك ستأخذها للطبيب ؟ "

هز رأسه بلا وقال " لم أجد داع لذلك فلا شيء بيده يفعله لها

مثلي تماما لكان فضل عمته على الجميع "

نظرت بحزن للنائمة تحتها تحضن دمية قماشية مصنوعة باليد

وقالت " ضننت أنها لن تنام أبد , لا زالت تذكر جدتها وتطلبها

خاصة وقت نومها وطعامها , مسكينة هذه الصغيرة رأت

ما لم يراه الكبار "

تنهد ذاك بحزن مماثل وقال وهوا يدس قميصه في بنطلون بذلته

" ستكبر وتشفى وتكون امرأة قوية وتأخذ بحقها من كل من تسبب

لها بذلك تأكدي من ذلك يا فاطمة فالظروف هي من تصنع الإنسان

ولن يذهب ضرار سلطان ذاك بذنبها هباءً وستكبر له

يوما وستري بعينك "

وقفت وتوجهت نحوه وأمسكت يده وخرجت به من هناك قائلة

بابتسامة " الله أكبر هذه لن تكون امرأة بل دبابة ! أبعد أفكار

المحاربين هذه عن الصغيرة ولا تؤثر عليها , أريدها شابة

جميلة رقيقة فلا تفقدها سحر جمالها الإلهي "

ضحك وحضن كتفيها وقبل رأسها قائلا سائرين جهة غرفتهما

" من سيخرج بحقها من عائلة والدها إن كانت كما تريدين

رقيقة دقيقة ؟ "

ضحكت تمسك فمها بيدها وقالت " من أين جئت بكلمة دقيقة تلك ؟

ثم طبع الإنسان لا يؤثر عليه شيء فهل تقارن أنت بالزعيم مطر

وأنتما تدربتما معا وخضتما المعارك سويا ؟ "

وقف فوقفت ونظرت له وقد أمسك وسطه بيديه وقال بضيق مازح

" ما قصدك بهذا ؟ ألا أعجبك مثلا تقارنيني بالزعيم ابن شاهين "

ضحكت وحضنته من خصره بقوة مخبئة وجهها في صدره العريض

وقالت " لا حرمني الله منك يا عكرمة , قصدت أنك ألين منه بكثير

وما كنت لأتمنى أن تكون مثله فلست أتحمل قسوتك أبدا "


مسح بيده على شعرها وقبل رأسها قائلا " لا يعرف أحدا الزعيم

مطر مثلنا ورغم قسوته وقوته وشدته يحمل قلبا يحوي الجميع

هوا فقط يحتاج من يفهمه ويعرف كيف يتعامل معه "

*

*


كان صوت ضحكاتها الرقيقة وصرخاتها تملأ ذاك الجزء من الحديقة

خلف المنزل الواسع وهي تحاول مع حبيبة جمع الدجاج بركضهما

خلفهم لمحاصرتهم في مكان واحد وكلما تحرك أحد الديكين جهتها

بالخطأ صرخت هاربة على ضحكات حبيبة عليها , وقد لبست هذه

المرة بنطلونا وقميصا طويلا نسبيا يساعدانها كما اقترحت عليها

وأخذت حجابها معها تحسبا لوجود أحد العمال وإن كان دخولهم

وحسب أوامر مطر لا يكون إلا للضرورة , اقتربت من حبيبة

مبعدة يديها عن جسدها قدر الإمكان وقالت " ها قد أمسكته خذيه "

ضحكت تلك وأخذت منها الصوص الصغير قائلة " لا تقدرين

إلا على أفراخها , أمسكي دجاجة لأرى "

ضحكت وقالت مبتعدة " لا أستطيع ولا لمسها بيدي "

وبعدما جمعوها جميعها داخل القن المخصص لها أغلقت حبيبة

الباب وقالت غسق وهي تمسح يديها ببعض ونظرها عليهما

" لما تدخلينهم ؟ فحسب علمي الدجاج يحب حرية الحركة

طوال النهار "

رفعت حبيبة سلة البيض المجموع وقالت " ثمة طبيب سيأتي

من أجل مرض أصاب بعضهن "

وانتقلت تبحث في كل مكان عن أي بيضة تأخذها أيضا وتلك تسير

خلفها تتبادلان أطراف الحديث حتى قالت ناظرة لساقيها وذراعيها

" أين يمكنني غسلهم قبل أن أدخل المنزل فقدماي مليئتان بالأتربة "

أشارت لها بإصبعها وهي تحاول الدخول لمكان ضيق مادة يدها

الأخرى فيه " الخرطوم موصول بصنبور المياه من أجل سقاية

الأشجار تتبعيه وستجدينه مفتوحا "

فتحركت من هناك من فورها تنفض طرف بنطلونها عند الركبة

وسارت تتبع الخرطوم الطويل الممتد الذي أوصلها لمقدمة الحديقة

فوقفت مكانها وعضت طرف شفتها بقوة تنظر للواقف هناك عند

سيارته المتوقفة جهة المنزل رافعا بنطلونه مثنيا حتى نصف ساقيه

وقميص قطني ضيق بأكمام قصيرة وكان شبه يوليها ظهره ينظف

السيارة بقطعة إسفنجه كبيرة مليئة بالماء في يده , فوقفت تراقبه

بصمت وشعره الأسود يتوهج تحت أشعة الشمس ولازال في حركة

واحدة سريعة ينحني قليلا ثارة وهوا ينظف كل ما تمر به يده منها

ويستوي في وقفته تارة أخرى , وحارت لما يقوم بذلك بنفسه ولديهم

عددا لا بأس به من العمال !! أم أن هذا الرجل يهوى التفتن بجسده

وبقوامه المختلف عن غيره ؟ ضحكت بصمت من أفكارها تلك

وغابت عيناها مجددا في حركات جسده وتقاسيمه وبدأت تشعر

بالحرارة تتسرب لجسدها وهي تتذكر ما حدث بينهما البارحة فقد

هربت اليوم من الجميع ولم تخرج من غرفتها كي لا تلتقي به

وكانت تضن بأنه غادر وليس هنا حتى الآن ووقت الظهيرة

بات يقترب , رفعت إبهامها ومررته على شفتها السفلى ثم عضت

طرفها ولازالت تراقبه وفكرت ما كان سيحدث لو لم يطلب منها

أن تغادر ؟ ماذا إن لم تطاوعه وكانت أشجع مما تضن بنفسها ؟

هل كانت ستخرج كاسبة وستصبح العمران لها أحب ذلك أم

كرهه ؟ ارتجف قلبها من مجرد الفكرة فهزت رأسها بقوة

متمتمة " ما كنت لأفعلها ولو شنقوني وما ضننت أن

الأمر سيصل لذلك "

أبعدت نظرها عنه وانحنت وأمسكت الخرطوم بيدها ورفعته وبدأت

بغسل قدميها وساقيها ثم يديها ووجهها ثم رفعت رأسها باتجاهه فكان

ما يزال على حالته تلك منسجم تماما فيما يفعل فعادت بنظرها للخرطوم

في يدها ثم سوت وقفتها وبدأت بتحريكه في الحوض الواسع النصف

ممتلئ بالماء مستمتعة بمنظر تمايله وهوا ينسكب من فم الخرطوم يعكس

أشعة الشمس وكأنه عقد من ألماس , حرّكته بشكل دائري تراقبه مبتسمة

بانسجام وسرعان ما ماتت تلك الابتسامة حين وصلها صوته من هناك

" لا تتركيه خارج الحوض ويملئ المكان بالمياه , وتوقفي

عن اللعب به كالأطفال "

رمت الخرطوم من يدها في الحوض ونظرت له بحنق وهوا ينظف

زجاج سيارته وكأنه لم يقل شيئا ولم تتخيل أنه كان يراها وهو لم

يلتفت جهتها أبدا ! أخرجت لسانها لظهره وتركت المكان وتوجهت

للجهة التي ستُدخلها لباب المنزل وما أن خطت خطوات قليلة حتى

انزلق كعب قدمها من مؤخرة شبشبها المنزلي البلاستيكي وشعرت

بشيء اخترق لحمها فصرخت قافزة ورافعة قدمها عن الأرض وثنتها

بتألم تنظر ما حدث لها وسط تلك الأتربة التي علقت بها وسرعان ما

أمسكت يد بأصابع طويلة قوية معصمها ووصلها صوته الحازم

المنخفض بنبرته المبحوحة " ما بها ؟ أرني إياها "

أنزلتها فورا ودستها في شبشبها وسحبت يدها منه وتحركت

قائلة ببرود " لا شيء قد يكون مـ.... "

وصرخت رافعة لها مجددا حين شعرت بذاك الوخز القوي فيها

ولم تشعر بنفسها إلا وهي ترتفع عن الأرض وقد أصبحت بين

ذراعيه وقد حملها بخفة قائلا " عنيدة وعنادك هوا الذي يفسد

حياتك دائما "

زمت شفتيها بغضب من تعليقه اللاذع وهي تحاول إبعاد وجهها

عنه وحمدت الله أنه لن يسير بها كل تلك المسافة للمنزل بل أخذها

جهة سيارته التي باتت قريبة وأنزلها عند مقدمتها قائلا

" لا تضعي قدمك على الأرض "

رفعت رأسها ونظرت له وكانت ستتحدث لكن الكلمات علقت في

حنجرتها حين أمسك خصرها ناظرا له ورفعها في حركة واحدة خفيفة

وأجلسها على مقدمة السيارة المرتفعة ثم رفع قدمها يتفحصها بعينيه ثم

تركها وتوجه لباب السيارة وهي جامدة كالتمثال لازالت تشعر بضغط

أصابعه على خصرها تحاول استجماع طاقتها مجددا , أخرج من سيارته

قارورة ماء وما أن وصل عندها حتى فتحها وسكب ما فيها على قدمها

فنزلت الأتربة من عليها ثم رمى القارورة جانبا ورفع قدمها مجددا

ونظر فورا للبقعة الحمراء الصغيرة بسبب تسرب الدماء الفاترة بسبب

امتزاجه مع الماء , حرك إبهام يده الأخرى عليها فصرخت الجالسة

فوق السيارة بتألم ممسكة ساقها " آآآآي "

فقال ونظره على إبهامه الذي لازال يحركه عليها برفق

" تحملي قليلا إنها شوكة لازالت داخل قدمك "

ثم تركها مجددا وتوجه لباب سيارته التي جلس في كرسيها وفتح

الدرج يفتشه لوقت ثم عاد يحمل في يده ما يشبه ملقط الجراحين

ورفع قدمها مجددا ونظر لوجهها وقال " لقد انكسرت فيها لكن

رأسها ما يزال خارجا وهذا جيد , سأحاول نزعه فلا تتحركي "

نظرت له بملامح متألمة وعينان مغرورقة بالدموع بسبب تألمها

السابق منها وقالت تمسك فخذها بقوة " بالرفق رجاء "

عاد بنظره لقدمها وقد خرجت منه ضحكة صغيرة مكتومة

وقال وهوا يرفعها أكثر لمستوى وجهه " تخافين من شوكة !

لا أصدق ذلك "

عضت شفتها قهرا من سخريته وقالت بنعومة مدمرة

" بل أخاف من يدك القاسية "

رفع نظره لوجهها سريعا وعلى طرف شفتيه ابتسامة غامضة لم

تفهمها ثم عاد بنظره لقدمها وعلق بجفاف " لا تخافي لن تكون

مهمة أصعب من إصلاح بندقية معطلة "

صرت على أسنانها بغيظ منه وقالت بضيق " لكني لست

سلاحا ولا جماد تقارنني بها "

قال وهوا يحرك الملقط حول تلك البقعة الحمراء في بياض كعب

قدمها " لم أتحدث عنك بل عن عملي أنا , هلا توقفتِ عن

اتهامك الدائم لي "

سندت كفيها للخلف على السيارة وهمست بصوت كئيب رقيق

" أنا من باتت تتهمك ؟ "

قال بسخرية " لا تحلمي بأن أعتذر عما حدث صباح أمس

لقد حذرتك من البداية وبأنك ستكونين المسئولة عما سيجري "

قالت مندفعة بضيق " لم أتخيل أن تفعلها , ظننتك تهددني فقط

لا يمكنك تصور الموقف الذي وضعتني فيه أمامهما "

أنزل قدمها ورفع نظره لوجهها قائلا بابتسامة ماكرة " ولا أنا

كنت لأتخيل أن تفعليها وتتركيني أخرج لهما بينما كان

الخيار في يدك "

هربت بنظرها من مواجهة عينيه وعاد صوتها للانخفاض

مجددا وهمست بقهر " لا رحمة في قلبك أبدا "

أمسك خصرها وقال وهوا ينزلها " لا بأس فها قد علمنا أننا

نلعب من نفس المستوى "

لم تعلق تنظر لقدميها وقد قال " دوسي عليها الآن فوق الحداء

لابد وأن الألم قد زال "

وضعتها عليه وحركتها قائلة باستغراب " اختفت ! كيف ؟ "

ثم رفعت نظرها لوجهه القريب جدا منها وقد قال مبتسما

بسخرية " نزعتها طبعا "

خرجت شهقتها الرقيقة مصدومة وقالت وقد نزلت بنظرها لها

وهي ترفعها لتراها " لم أشعر بأنك نزعتها ! "

اقترب من جسدها دافعا له ليلتصق بالسيارة خلفها وحاصرها بيديه

اللتان وضعهما على الحديد خلفها يراقب نظراتها المصدومة مبتسما

بمكر وهمس " الم أقل أنها مهمة سهلة جدا "

تنفست بقوة تحاول الهرب بنظرها عنه وقالت تدفع صدره بكفها

" شكرا لك هلا تركتني أغادر "

خرجت منه ضحكة صغيرة وابتعد عنها قائلا

" جبانة "

نظرت له بحنق وقالت " لست جبانة ولا أسمع منك هذا مجددا

أو تحمل التبعات "

قال بمكر مركزا نظره على عينيها المدججة بالغضب الفاتن

" أريني قدراتك إذا "

لعنت لسانها الأحمق على ما قال وقد توهجت خديها بسرعة البرق

وقالت بخفوت أبح " أنا لست مثلك أستغل ضوء الشمس والأماكن

المكشوفة "

ونظرت بصدمة لوجهه حين رفعه للأعلى وملأت ضحكته أذنيها

الضحكة التي لم تسمعها سابقا منه بل ولا حتى من غيره ! ضحكة

رجولية عميقة مختلطة بتلك البحة الغريبة , أنزل رأسه ونظر لها

وقال وابتسامته بسبب ضحكه ذاك ما تزال تزين شفتيه

" أجل فأنتي لا تلعبين إلا في الليل وفي الغرف المغلقة "

تصلبت ملامحها وكأن ثمة من حنطها فجأة وكادت تنفجر عيناها

دموعا فدفعته من صدره وتحركت قائلة بنبرة انكسار عجزت عن

إخفائها رغم محاولاتها " أعز الله والدي الذي لم يربني

لأكون ذليلة أو ليذلني أحد "

أوقفتها يده التي أمسكت ذراعها تمنعها من الابتعاد وهمس من

خلف أذنها " أنتي من حدني على هذا , كنت أريد حقا الاعتذار

عما حدث البارحة وأنسيتني ذلك "

شعرت بالاحتراق من صدى كلماته بسبب ذكره لما حدث بينهما أكثر

من احتراق خدها وجانب وجهها من أنفاسه الساخنة , ومر ذاك الموقف

أمامها وكأنه حدث الآن وهي من هربت من مواجهتها له بسببه , لم تتمنى

حياتها أن تنقشع من الوجود كما تمنتها تلك اللحظة وحمدت الله في سرها

أنه لم يذكّرها بأنها السبب فيما حدث منذ البداية أو أن يتهمها بالرغبة

فيه , سحبت يدها من ذراعه وتحركت في صمت وبخطوات

سريعة وجهتها باب المنزل البعيد قليلا عن نظرها

" غسق "

وقفت مكانها ودون شعور منها ما أن وصلت تلك الحروف لمسمعها

وأسمها الذي قد ميزه بطريقة لم يتقنها أحد غيره وقبله , وقفت لكنها

لم تلتفت له فوصلها صوته مع صوت فتحه لباب سيارته " جهزي

لي غيارين مريحين وبذلة عسكرية في حقيبة والحمام لأستحم "

تحركت مجددا وقد وجدت الفرصة لرد الدين وكرامتها المهدورة

فلوحت بيدها وهي تسير بخطوات بطيئة متمايلة وقالت بنبرة

رقيقة ساخرة " ولا تدخل الخادمات أبدا لعرين الأسد "

فعض شفته بغيظ منها وقد فرت بخطوات سريعة جهة المنزل

ضاحكة فأغلق الباب بقوة بعدما رمى الملقط على الكرسي

وتحرك خلفها هامسا بابتسامة " تلك الجنية سترى "

*

*

راقبته من بعيد وقد ضرب سماعة الهاتف بقوة معيدا لها مكانها

ثم دفن رأسه بين يديه فاقتربت منه حتى وصلت عنده قائلة

بتوجس " ماذا حدث يا شراع ؟ لا تقل أنها مصيبة جديدة "

رفع رأسه وتأفف قائلا " ذاك المجنون جبران كلما علم أني

أرسلت شخصا لمكانه فر مني ذاك الطفل "

جلست وقالت بحزن " هوا أكبر أبنائك وكم كان أقربهم لك وتمدح

رجاحة عقله فلما تناديه بالطفل الآن ؟ هوا يحتاج فقط لدعمنا جميعا

وللصبر وبعض الوقت حتى يتخطى صدمته وجرح مشاعره "

قال بضيق صارخا فيها " توقفي عن الدفاع عنه , طفل وألف طفل

وحكمي عليه كان خاطئا وظهر على حقيقته ما أن مر بموقف اختبر

فيه نفسه وقوة تحمله , ولن يرتاح ذاك الولد حتى يفعل شيئا

نندم عليه جميعنا "

قالت بتوجس وخوف " ما هذا الكلام يا شراع ؟ هو مهما حدث

لن يقدم على شيء يضرها أو يضرك أنا أكيدة من ذلك

وسيحسب حسابا لكـ ..... "

قاطعها بضيق " ذاك الأحمق يتتبع جميع أخبار وتحركات ابن شاهين

ولن تكون نواياه حسنة أبدا وعليه أن لا يصله ويتحدث معه "

قالت بصدمة " تعني أنه قد يخبره عن حقيقة غسق وأنها ابنة عمه ؟ "

وقف شراع على طوله قائلا " لن تفهمي أبدا مهما شرحت "

ثم نظر لها ونظرها معلق بوجهه فوقها باستغراب وقال بجدية

" علمت ما السبب وراء ابن شاهين , علمت ومن غبائي

لم أفكر به إلا متأخرا "

قالت بصدمة " علمت ماذا ؟ "

مسح وجهه بكفه مستغفرا الله بهمس ثم قال بصوت أجوف كئيب

" هوا يعلم أنها ابنة عمه , يعلم ومن قبل أن تصل له هناك "


المخرج ~


بقلم الغالية : لامارا


غسق


لـ طالما عشقت النوافذ
عند الفجر والغروب والمساء
وفي فصل الربيع والخريف والشتاء
ففي الصيف تدخل أشعة الشمس بلا استحياء

***


لكن هذا المطر هادم الملذات
مفرق الجماعات لا يأتي وحيداً
بل تأتي معه الصواعق والغارات
والرعد والبرق كلٌ مرعبات

***


أما أنا أتيت لأرضه لا لضير
فقط أدرت معرفة الأنساب
لكن شاء الله مسبب الأسباب
أن يجدني مفرق الأحباب

***


فأخذني لبيته مصابة جريحة
قلبي مجروح وفي ساقي جبيرة
فأنا ابنة الصوان في حكم أسيرة
وأعلم أنا أحبابي في ألف حيرة

***


وتحايل ابن شاهين على أبي
فاتخذ مني زوجة بالخدعة والحيلة
ولم يملك أبي لخلاصي أي وسيلة
فقد حسبها ابن الحالك بمعادلةٍ طويلة

***


عرسي بلا فرحة ولا دفوف تزفني
نقوش حناء وشمت على جسدي
تحكي حكايات سبيي وقهري
فاللباس لباس عرسٍ وعروسٌ لا أجدني


***

ودخلت لبيته كعروس بلا مهر
فأين المهر يا ابن الحالك مطر
فأنت حتى في مهري تحتال
وحتي في حقي تراوغ وتختال

***


لا أريد ذهب وجواهر أو مال
أريد فقط أرض العمران
ولن أتنازل وأنا ابنة الصوان
فادفعها لي أو تسريحٌ باحسان


***

قلت لي كانت من كانت
لا امرأة هذا مهرها على مر الأزمان
فأجبت كانت من كانت غيري
فأنا غسق حسناء الصوان

***



أنا ابنة شراع إن كنت جاهله
أنا ابنة كريم عُرفت خصاله
أنا أنا ومن بعدي الطوفان
وأنت اخترت فتحمل الأوزان


***


الحرب خدعة لكن الزواج استقرار
بيت هانيء وسكن وأطفال
وحب ومودة كما ذكر في القرآن
أختم كلامي بامضائي أنا

غسق شراع آل صوان

***



نهاية الفصل ....موعدنا القادم مساء الثلاثاء إن شاء الله



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:43 AM   #704

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




السلام عليكم ورحم الله وبركاته

كل عام وأنتم بألف خير وعافية وسعادة جميع متابعي روايتي الأعزاء
اسأل الله أن يجعل جميع أيامكم أعيادا وأن يجعل عيدنا في جنته وأن يتقبل منا ومنكم ويغفر لنا ولكم .

أرحب بكل الجدد الذين انضموا لركبنا وخرجوا من خلف الكواليس كان انضمامهم وكلامهم شرف كبير لي

وأرحب بعودة الغاليات أغاني الوفاء ووردة علي والأميرة البيضاء والحمد لله أنكم بخير
وكل من غاب ورجع لنا سالم وأساله الكريم أن يطمئنا عن كل من غاب أسمه عن روايتنا

كانت الردود رائعة بدون منازع والفصل حاز على رضاكم فوق توقعاتي وهذا كرم كبير منكم وأسال الله أن أكون عند حسن ظنكم دائما

طبعا من أهم النقاط التي تم مناقشتها هي تسليم العمران لغسق وهي أساسا ليست ملك لمطر وطبعا حسب ما أعرف في بلادي أن جميع المناطق تقسم وتملك للمواطنين بيعا وشراء ولا توجد منطقة كلها ملك للدولة وبالنسبة للعمران كانت منطقة متغيرة الملكية ومتنقلة بينهم ولم يتم تقسيمهاوتمليكها كما في باقي مناطقهم لذلك من الطبيعي أن تقسم وتملك ولا ننسى أن غسق تعد من صنوان في نظر أهل صنوان وأن مطر سلم حتى مناطق الهازان لأهلها وهذا ما استغلته غسق أكثر

النقطة الثانية هي تحذير مطر لغسق من وجود صقر وهذا أمر طبيعي بما إنها ليست على دراية بقرابته لها

والنقطة الثالثة هي عدة أميمه وهذا أمر طبيعي جدا ويمكن العقد عليها فور انتهائها بولادتها لأنه تزوجها بالفعل وباقي خبايا القصة ستعرفونه قريبا إن شاء الله

بالنسبة لدراسة غسق فهي سبق وذكرت أنها ستتقدم للامتحانات في صنوان قبل نهاية العام والجامعات طبعا لا وجود لها عندهم ومن يتعلم يخرج خارج البلاد

سبب ذكر غسق لعرين الأسد فكان مجرد سخرية من إسدائه للأوامر وفي فصل اليوم تفهموا أكثر إن شاء الله

بالنسبة لأعمار الأبطال فغسق 21 ومطر 34

الغالية ساريتا ميشيل تسأل عن زيزفون وساندرين وخلطها بينهم
زيزفون هي حفيدة ضرار تعيش حاليا في الحالك وهي الطفلة المريضة
أما ساندرين فهي ابنة عم والدة تيم وتعيش في بريطانيا أتمنى وضحت الفكرة

الغالية لامارا صورة ماريه كانت رائعة أصبتي كل شيء فيها إلا شعرها في مخيلتي أقصر ولون العيون ما كان واضح لكن ماريه لونهم عسلي باقي الملامح أصبتيها

لي لي حرام عليك ضيعت شخصية مطر بصورتك ههههه
بالنسبة لمعرفة مطر لأصل غسق فما أصابه أي أحد منكم لحد الآن

ولي لي وزارا توقعكم فشنك والرواية محمية بحقوق النشر هههه


أترككم مع الفصل وكل عام وأنتم بخير مرة أخرى


جنون المطر ) الجزء الأول )


الفصل الثاني والعشرون


المدخل ~

بقلم الغالية : دندنة روح

حبيبي انا وانا حبيبك
وما بين انا وانا
حب وعشق وله وأمل
حبيبي اسقني من عشقك
حتى الثمل
ولا تبعدني عنك مهما حصل
وارأف بحالي
فلا تراني كما الجبل
فانا احبك كما يحب
الزهر المطر
فكن لحبيبك حنونا كما المطر
ولا تكن قاسيا كألسنه كثير من البشر
من غسق الى مطر


*****


أبعدت خصلات غرتها عن وجهها بعدما بعثرتها الرياح الرطبة

التي كانت تدخل من النافذة المطلة على الحديقة الخلفية في غرفتها

تجلس تسند ساعديها على حافتها ومتكئة بذقنها عليهما تراقب أشجار

الحديقة التي بدأ يظهر عليها اكتئاب بداية الخريف رغم أنها لم تفقد

لونها الأخضر البراق بعد لكن الحزن كان باديا على ملامح كل وريقة

فيها وكأنها تودع خضرتها مبكرا , تنهدت بحزن عكسه تفكيرها في

تلك الأشجار ثم عدت بأصابعها وعبست بأسى مفكرة ( أيعقل

أني هنا منذ بداية الصيف !! )

دست وجهها في ذراعيها وأغمضت عينيها برفق تخفي الدمعة التي

سقطت من بين تلك الرموش ليرتشفها قماش فستانها بعطش , لكم

تشتاق لعائلتها ... لوالدها الذي رباها لإخوتها ولعمتها , لعائلة والدتها

جميعهم وخصوصا صديقتها جليلة , لم تتخيل يوما أن تفصلها المسافات

والحدود عنهم , كم تتوق لسماع ولو أصواتهم ورؤيتهم وإن من بعيد

رفعت رأسها ومسحت عينيها وسندت ذقنها بيدها ناصبه لمرفقها على

ساعدها الآخر وسافرت بنظرها للسماء الزرقاء التي عكر صفائها

بعض السحب البيضاء المتفرقة وتنهدت تخرج كل ذاك الهواء من

رئتيها وكأنها تعصرهما عصرا , كم تشعر بالممل أيضا في هذا

المنزل , سئمت من الوحدة ومن استقبال النساء والاستماع لهن فقط

دون حلول ولا نتائج , بل وحتى من زيارة غرفة ذاك الغائب منذ

أكثر من أسبوعين فهي مضطرة لتنظيفها وإن بمسح الغبار عن خشب

أثاثها فتجد نفسها في كل مرة منغمسة أكثر في تفاصيله ... حاجياته

البسيطة ملابسه وأحذيته وحتى الخزانة الزجاجية المغلقة التي يرتب

فيها أنواعا مختلفة من الأسلحة , عضت طرف شفتها بقهر وهي تتذكر

ذاك اليوم الذي غادر فيه حين استخدمت سلاح النساء الضعيف دائما

لكنه المفضل وهوا السخرية من طريقة الرجل في إسداء الأوامر على

من حوله وفرت هاربة منه للمنزل وراقبته من بعيد كي تتجنب الصعود

لغرفته إن رأته قادما كي لا يمسكها هناك وينتقم من سخريتها منه لكنه

توجه يسارا في تلك الحديقة ولم يقترب من المنزل بتاتا وخدعها بدخوله

من باب المطبخ الذي علمت من حبيبة سابقا أنه لا يستخدمه أبدا ولا

يدخل منه طبعا لأن أي مسلك يؤدي لهن يعتبره وباء لا يقترب منه

لذلك اطمأنت وضنت أنه توجه لمكان ما في تلك الحديقة الضخمة

المحيطة بكامل المنزل تحوي أماكن لا تعرفها , ولم تتخيل أنه صعد

بعدها بقليل ولم تشعر ولا بخطواته وهوا يدخل الغرفة وهي مختفية

عنه خلف باب الخزانة التي كانت تخرج منها ثيابه تمتمت بسخرية محدثة

نفسها وغافلة تماما عن أنه يستمع لكل حرف من كلماتها وهي تنتقده

ساخرة " لا أعلم ما يفعل بهذه الثياب جميعها ! ولما سيأخذ غير البذل

العسكرية ؟ هه لابد وأنه يستعرض بها أمام النساء , هذا إن لم يكن

نصف جيشه منهن "

ولم تعي للواقف وراء ذالك الباب المفتوح يسند يده على باب الخزانة

المجاورة لها حتى أغلقت الباب وفي يدها كومة ثياب لتشهق بقوة ما

أن رأته واقفا هناك ينظر لها بملامح رسمها بحرفية لتكون جادة جامدة

يخفي بها ابتسامته من طريقة تفكيرها به , ودون أدنى تفكير أو انتظار

رمت الثياب وفرت هاربة رغم أنها تعي جيدا أن محاولتها تلك فاشلة

ولا أمل فيها , ووجدت نفسها في قبضته بل خصرها النحيل في قبضة

ذراعيه القويتان مرتفعة عن الأرض وظهرها ملتصق بصدره وقد

صرخت بخوف " مطر أنزلني أو قسما ملأت المنزل بصراخي "

رماها على السرير دون اكتراث لتهديدها وما أن حاولت النهوض

من عليه حتى وجدت وجهها مقابلا لوجهه وقد أحكم قبضتيه على

ذراعيها منحن فوقها وكأن ليلة البارحة تعيد نفسها من جديد فقالت

بنفس منقطع تحاول التحرك وإفلات ذراعيها " أنت من بدأ

بالسخرية مني لا تنسى ذالك "

قال بكلمات متأنية زادت من فتنة ذالك الصوت الأبح ناظرا

لعينيها بمكر " لذلك عليك أن تعاقبي كي لا تعيديها مجددا "

أغمضت عينيها بقوة وكأنها تتوقع ما يرمي له وقالت

تجاهد ارتجافها " أعتقد أنه من يعتذر عن شيء يفترض

بأن لا يكرره كتوثيق لاعتذاره ذاك "

اتسعت ابتسامته وهمس وهوا يضغط على ذراعيها أكثر " ليس

مع واحدة مثلك , يبدوا أنه عليا أن أحذر ممن رباهم شراع

إن كانت الفتاة هكذا ودخلت الحدود وحدها فكيف بالرجال ! "

فتحت عينيها فجأة ليسرق نظره ذاك اللمعان الزجاجي الذي ظهر

فيهما مجددا وقالت بلمحة حزن " لا تدخل والدي في أي

حديث بيننا رجاءا وأبعده عن كل هذا "

غاب نظره في تلك العينين الفاتنة اللامعة فها هوا يرى لحظات ضعف

تلك الأحداق التي لا ترسل إلا القوة والفتنة , وطبعا لأن الأمر وصل

لوالدها الذي رباها ويعلم بأنها على استعداد لفعل أي شيء من أجله

ونسف كل شيء إن وصل الأمر لشراع صنوان , تركت يداه ذراعيها

وأمسك بهما وجهها وأنزل وجهه مقربا له لوجهها حتى بات لا يفصله

عنه سوا القليل وأنفاسها المتوترة تلفح بشرة وجهه وهمس مركزا نظره

على عينيها " قد أغيب لوقت لذلك أريدك أن تفكري مجددا وجيدا

في قرارك المجنون ذاك وتطلبي مهرا كغيرك ما أن أرجع "

تحولت ملامحها للضيق وقالت بجمود وإن ظاهريا فقط

" أنــ .... "

وقطع كلماتها تلك بقبلة مباغتة لشفتيها لم تستطع صده عن فعلها

رغم رفعها ليديها وإمساك كمي قميصه القصير بهما , ولا منع

أصابعه التي كانت تتحرك على جانبي وجهها وعنقها بكل أريحية

وكأنه يرسم حدوده وينسخها في دماغه حتى ابتعد من نفسه تاركا

تلك الشفاه ترتجف ارتجافا خفيفا ويداها لازالتا تمسكان كمي قميصه

بقبضتين قويتان وقد قال مميلا ابتسامة ساخرة " قلت لا حديث حتى

أرجع وتفكري جيدا , ولاحظي فقط أني لم أحارب مجددا لتغيير

رأيك بالقوة "

لم تستطع قول شيء لأنها تعلم النتيجة جيدا , انفكت قبضتاها عن

قميصه حين استوى واقفا مبتعدا عنها وقال وهوا يتوجه لحمام الغرفة

" ولن أعتذر عن هذه طبعا لأنك السبب فيها "

ودخل مغلقا الباب خلفه تاركا المرمية على سريره تقذفه بكل ما

جاء على لسانها بهمس لم يصله ولن يصله وهي تعي ذلك جيدا .

أغمضت عينيها وأخذت نفسا قويا وهي تعود من أفكارها تلك فها قد

مر عشرون يوما على غيابه عن المنزل ولم تقرر شيئا ولن تفعلها

رغم خوفها من تهديده الصريح بالضغط عليها مجددا لتغير قرارها

فهي ليست على استعداد لخوض تجربة أخرى كتلك التي أمام عمته

وشقيقته ولا تستبعد أن تكون القادمة أقوى وأمام عمه , وقفت وجمعت

شعرها وأمسكته بمشبك وإن كانت تفشل في جمعه به جيدا كما كانت

تفعل لها عمتها بسبب كثافته وطوله , خرجت من الغرفة بحثا عن
عمة زوجها فهي وإن كانا خاضا جميع أنواع الأحاديث تعدها مصدر
تسليتها الوحيد

بعد بحث طويل عنها أخبرتها حفصة أنها في الحديقة كعادتها

وجوزاء أغلب الأيام في وقت مغيب الشمس فقررت هذه المرة الخروج

لهما فهي رغم تجنب كل واحدة منهما للأخرى لا تنكر رغبتها في

محاولة فتح مجال للحديث الودي بينهما عل تلك الفجوة تتقلص ولو

قليلا فهي رغم أنها لا تؤذيها بلسانها إلا أنها تكره الجفاء الكبير

بينهما وهي شقيقة زوجها والله وحده يعلم كم ستعيشان معا

, فكرت وهي تخرج من باب المنزل ( ترى ما قصة أبنائها وأين هم ؟

فعمتها لم تتطرق للحديث عنهم بعد تلك المرة وأنا

لا أريد التدخل والتطفل وسؤالها فقد يكونوا متوفين وإلا ما ابتعدوا عنها

أو أن زوجها طلقها وأخذهما منها ) وصلت للطاولة القابعة تحت تجمع

الأشجار الخضراء المتشابكة بشكل رائع وهي لا تنكر ذكاء من جهز هذا

المكان واختاره لوفرة الظل فيه وقربه من أحواض نباتات النعناع والحبق

العطرية , ما أن وصلت عندهما حتى قالت مبتسمة وهي تسحب

الكرسي الثالث حول الطاولة الرخامية الثقيلة " مساء الخير "

فرفعت نصيرة وجهها لها مبتسمة وقالت " مساء النور , اجلسي

لتشربي القهوة فهي ما تزال ساخنة "

جلست تراقب بحزن وخيبة أمل التي وقفت مغادرة دون أن تتحدث

بشيء فتنهدت بيأس ثم نظرت للجالسة أمامها وقالت تحاول خلق

ابتسامة صغيرة " المكان هنا رائع , عيبه الوحيد أنه في ممر

باب المنزل وكل داخل لكم سيطل عليه "

ضحكت نصيرة وقالت وهي تسكب لها القهوة " بل ميزته أنه

برج مراقبة لا يفوت الجالس فيه شيء "

شاركتها الضحك وهي تأخذ فنجان القهوة منها وقالت بعدما رشفت

منه رشفة صغيرة ووضعته على الطاولة تحتها " يبدوا أن عمي

صقر لم يرجع حتى الآن , هل ثمة مكروه أصاب بلدة ما ؟ "

هزت نصيرة رأسها بلا وقالت " تحركه هذه الفترة ضروري

بسبب ما يحدث خلال هذه الأيام ومطر يعتمد عليه كثيرا "

نظرت لها لبرهة وقد علا التردد ملامحها قبل أن يخرج صوتها

حذرا وكأنها تجبر الأحرف على الخروج " وما هذا الذي يحدث

مع مطر ؟ "

لطالما كانت تتجنب السؤال أو الحديث عنه ولا تهتم لأخبار قتاله

ورجاله وحدوده ولا تعلم ما أفلت ذاك السؤال وتلك الكلمات من

شفتيها المرتبكة وتمنت أنها بلعت الحروف قبل أن تخرج وما

وجدت نفسها تواجه سؤالا قاسيا وجهه لها عقلها ( هل سؤالك

شوقا له أم افتقاد ! لأنه لن يكون فضولا أبدا )

هزت رأسها هزة خفيفة تمنع تلك الأفكار من التسرب له على

نظرات تلك المبتسمة تراقب تغير ملامح الجالسة أمامها وقد هربت

بنظرها عنها وشردت به بعيدا وتلك الحمرة التي تطفو على وجنتيها

الناعمتين تفضح مكنون أفكارها , فتجنبت إحراجها أكثر وقالت مبتسمة

" لو أنك لا تكرهين سماع المذياع لعلمتِ فهو طوال الأيام الماضية كان

يؤمن ممرات للناس في الهازان للعودة أو اللجوء للمدن التي أخذها

من ابن راكان , وتسيير الأمور هناك لن يكون بالأمر السهل "

رفعت نظرها المصدوم لها وأبعدت بضع خصلات طارت من غرتها

على عينيها وقالت " يؤمن دخول الناس من الهازان !! "

هزت تلك رأسها بنعم وقالت بابتسامة واسعة " وكثر دخلوا المناطق

من قبل زيارته السابقة لحوران هنا وهم في تزايد حسب الأخبار

ومطر ورجاله يسيّرون الأمور هناك من أجلهم وعملهم يبلي

حسنا حتى الآن "

لم تستوعب بعد ما سمعته ولم تصدقه فلم يخطر على بالها أن

يفكر هكذا وأن ينجح فيه حتى إن أقدم عليه !! قالت دون

تفكير " وحقا تركوا الهازان ودخلوا هناك ؟!! "

خرجت ضحكة طويلة من الجالسة أمامها وقالت وهي تضع فنجانها

في الصينية " بل خرجوا من مناطقهم لمناطقهم ومطر ورجاله يعاملوهم

كما يعاملون الناس في الحالك , وبأذني سمعت لقاءات كثيرة أجريت مع

البعض ممن انتقلوا هناك وما فهمته من صقر أن مطر كان ينتظر أمراً

مهما هذه الأيام جعله مرابطا هناك مع رجاله , والناس في وضع

استعداد لحرب جديدة وشيكة "

وقفت دون شعور منها وقالت بصوت مخنوق وعينان تبرق بوهج

الدموع الحبيسة " حرب من جديد ؟ هل سيغير على الهازان

مجددا أم هم من سيهاجمون ؟ "

أجابت تلك بتوجس من ملامح الواقفة فوقها " لما تسميها

بأنها إغارة ؟ "

قبضت قبضتيها بقوة وقالت بعبرة مكتومة " وبما

أسميها إذا ؟ فتوحات !! "

تنهدت الجالسة أمامها بعجز وقالت بهدوء " هذا كان سيحدث

يا غسق إن الآن أو في المستقبل وإن منا نحن أو من غيرنا

والهازان تحتاج بالفعل لتنقية ممن يفسدونها وغيرها "
صاحت باعتراض وقد سقطت أولى دمعاتها التي تمردت عليها

" ليس هكذا عمتي ليس بهذه الطريقة , ألا حلول أقل دموية وأكثر

سلما ؟ لما يشوه ابن شقيقك أفعاله الحسنة بأخرى تنسفها "

قالت نصيرة باستغراب " غسق !! "

لكنها لم تتوقف بل مسحت خدها وأنفها بظهر يدها بقوة وقالت بغيظ

وحقد " وماذا بعدها ؟ صنوان طبعا ؟ فهل ستبررون بأنه هناك

أيضا عليكم تخليصهم من شراع ورجاله المقربين "

لم تعلق تلك فخرجت عبرتها بشهقة وقالت مغادرة من هناك

" هل تزوجني لأرى ذلك يحدث أمامي ؟ هل لأجل هذا

اختار ابنة صنوان عن نساء الحالك ؟ "

وابتعدت بخطوات غاضبة فهزت نصيرة رأسها بأسى وحزن

وتمتمت محركة عجلات كرسيها " ولا أنا أفهم سبب زواجه

بك وهوا لم يفكر في ذاك اليوم أبدا كما يبدوا "

*

*


أمسك كتف الواقف جانبه بقوة وهوا يقبض على الأوراق مبتسما

بنصر وقال تميم بابتسامة واسعة " وصلت أخيرا "

أخذ بِشر الأوراق من يد مطر وقال وهوا يقلبها " أشعر بأني إن

بقيت أقرأها حتى يوم غد لن أصدق عيناي , ثلاث مناطق ترسل

خطابا بالتسليم السلمي والتأييد الكامل ما أن نصل لها !! "

قال مطر بذهن شارد " وعلينا التحرك سريعا فهم وحسب كلامهم

محاصرون تماما وممنوع عنهم كل شيء ولا تفصلنا عنهم

سوا منطقتين شمالا "

قال حيدر ناظرا لمطر " ألا تخشى أن يكون فخا منهم ؟ "

هز رأسه بلا وقال " لم أقرر الحراك إلا وأنا متيقن من صحة الأمر

وكنت أنتظره ومستعد للبقاء حتى الشتاء منتظرا له , هذه خطوة

مهمة في حربنا لهم يا رجال وعلينا استغلالها "

ثم توجه للباب خارجا بخطوات واسعة ببذلته العسكرية وهم خلفه

وقال وهوا يتوجه للمبنى الآخر " أطلبوا لي باقي القادة فورا سنجتمع

لوقت قد يطول فثمة أفكار كثيرة سأشرحها لكم قبل أن نحققها

على أرض الواقع "

تفرق اثنان عنهم وتبعهما ثلاثة آخرين لتنفيذ الأوامر بينما دخل هو

ومن تبقي منهم لغرفة معينة في ذاك المقر الواسع والتي كانت تحوي

على تلك الخارطة الكبيرة المشتملة لكل تفصيل دقيق في تلك البلاد

موضحا في خطوطها وتقاسيمها , ومن تلك الغرفة وذاك المكان بدأت

أولى خطواتهم بعدما أعطى كافة أوامره بتجهيز الفصائل والمعدات

للقتال , وهبت الحالك لمساندة أبنائها وجيوشها ككل مرة تقدم الأرواح

والأرزاق آملين في الغد الموعود الذي يرونه أكثر إشراقا وزهوا ولا

يريدون لأي شيء أن يؤخره أو يوقفه , ومن هناك دخل ذاك الليل حاملا

معه أحداث جدية تصرخ معبرة عن نفسها , أسوارا جديدة تدك وأرواح

جديدة تفارق الحياة ودماء تسفك من أجل قضية كم تمنى الجميع

أن تنتهي بسلام أبدي وليس بدماء لن تتوقف وستراق للأبد.


*

*

جلست متأففة ثم نزلت من السرير وليس لأنها دخلته مبكرا من بعد

صلاة العشاء جافاها النوم بل لأن ثمة أمر يشغل بالها ولن ترتاح قبل

أن تزيل همه من على كاهلها ولن تنتظر حتى الصباح كما كانت قد

قررت , خرجت من الغرفة ومشت وسط ممرات المنزل الشبه خالي

من كثرة السكون فيه , بفستانها القصير الواسع بزهراته الصغيرة

المنتشرة على طوله وشعرها الحريري الطويل يغطي كتفيها

وذراعيها كطفلة هربت من غرفة نومها .

وصلت باب الغرفة التي قصدتها تحديدا وطرقته طرقات خفيفة

لتتأكد من أن الموجودة خلفه لازالت مستيقظة , وتأكد لها ذلك حين

وصلها صوتها آذنة لها بالدخول ففتحت الباب ببطء ودفعته للداخل

فانفتح كاشفا عن الجالسة على سريرها والمصحف في يدها ومظهرا

الواقفة عند إطاره وقد اتكأت على حافته بيدها وأرخت خدها وجانب

وجهها عليه ناظرة للجالسة هناك بحزن وقالت بنبرة رقيقة بائسة

وحزينة " عمتي أنا آسفة , هلا سامحتني ؟ "

ابتسمت لها تلك من فورها وقالت " هل تتبعين هذه الطريقة مع كل

من تريدين الاعتذار منه ؟ أجزم أنه هكذا لن يغضب منك أحد

ولن يستطيع إلا مسامحتك "

كررت غسق وقد أبعدت وجهها عن يدها " ما كان عليا قول

ما قلته , اعذريني عمتي أنا آسفة حقا "

وضعت تلك المصحف جانبا بعدما أغلقته وقالت " تعالي يا

غسق ادخلي وأغلقي الباب خلفك "

قالت ولم تتحرك من مكانها " لن أدخل حتى تسامحيني "

ابتسمت لها نصيرة بحب وقالت " لم أغضب منك يا غسق

لأسامحك فأدخلي "

أطاعتها من فورها ودخلت وأغلقت الباب خلفها وتوجهت نحوها

وقبلت رأسها قائلة " أستحق قطع لساني فاعذري ما بقلبي

لأنه لا يشعر به أحد "

نظرت لها فوقها وقالت بتفهم " أفهمك يا غسق وأعذرك فاجلسي هيا "

جلست على الكرسي القريب جدا من سريرها فقالت نصيرة من فورها

" اسمعيني للنهاية يا غسق واحتفظي بما سأقوله لك واعملي به يا

ابنتي كي لا تندمي مجددا كما اليوم وقد يكون الأوان حينها قد

فات على الندم ولن يجدي شيء ولا الاعتذار "
نظرت لها باستغراب تمسح بأطراف أنامل يدها اليمنى على ذراعها

الأيسر وتابعت تلك بجدية " لا مقارنة بين الهازان وصنوان يا غسق

ولا بين ابن راكان ووالدك شراع فشراع لا يستطيع أحد قول شيء

سيء عنه ولا وسط الحالك تأكدي من ذلك ومطر نفسه قد صرح مرة

بإعجابه بعقل والدك وحسن تدبيره للأمور وترويه وتفكيره فيما فيه

صالح قبائله فلا تستعجلي الحكم على أي شيء قبل أوانه , لا تنهاري

وتخرجي غضبك في وجه أي أحد وأولهم زوجك بسبب أمر قد يحتاج

لوقت طويل ليحدث , اصبري حتى يحدث ذلك ثم أبدي رأيك فيه فقد

لا يحدث أبدا فلا تخلقي فجوات أكبر بينك وبين مطر فهوا متريث

وحكيم في كل شيء إلا الحرب ولا يحب أن ينتقده أو يناقشه فيها

أحد أو يتهمه بشيء خاصة إن لم يكن قد قرر أو فكر في فعله

ولا مجرد التفكير "

سكتت قليلا فعلمت الجالسة أمامها أن حديثها انتهى فهمست بحزن

" لكنه صرح في خطابه أنه من أرادها سلما أو كانت الحرب "

تنهدت تلك بحيرة وقالت " وإن يكن فالمستقبل سيحكم وحديث صقر

كان عن أن مطر لم يذكر يوما أفكاره حول صنوان فلا تسبقي

الأحداث يا ابنتي وحاذري من مناقشة الأمر معه "

غابت غسق بنظرها للأرض وشعرت بأن ذلك مستحيل , كيف تنسى

الأمر الذي يشغلها طوال الوقت ؟ كيف تنسى كوابيسها كل ليلة بأنهم

قتلوا والدها وأخوتها وقبائلهم هناك وكل من عرفته ؟ كيف تتجاهل أن

يكون زوجها ومن قد يكون والد أبنائها هوا قاتلهم وعليها أن تصمت

وتصبر وكأن الأمر لم يكن !! وقفت دون أن تعلق بشيء فقالت نصيرة

ناظرة لها وبرجاء " فكري جيدا في كلامي يا غسق ولا تدمري

حياتك قبل قبائل أهلك التي قد لا يحدث لها شيء وتخرجي

أنتي وحدك الخاسرة "

لا تعلم لما شعرت حينها بقلبها يعتصر بقوة من تفكيرها فيما

قالت فهزت رأسها هامسة " سأحاول "

وخرجت من هناك بهم جديد جاثم على قلبها وعادت لغرفتها

واندست تحت اللحاف تفكر في كل ما قالته لها متسائلة ( ترى

أأخسر أنا وتكسب صنوان ؟ هل يضعني مطر في خيار بينه

وبينهم قبل أن أضعه أنا في الخيار بينهم وبيني ؟؟ أم كما

قالت عمته قد لا يحدث من ذلك أي شيء !! )

وعلى تلك الأفكار غلبها النعاس ونامت

*

*


فتح باب الغرفة بقوة ودون طرق وتوجه من فوره للمذياع المغلق

على النظرات المستغربة للجالس على السرير يمسك كتابا في يده

شغّل رعد المذياع فورا قائلا بصوت مرتبك لاهث " انفجرت

حدود الهازان من جديد يا كاسر "

رمى الكاسر الكتاب من يده وقفز خارج السرير وتوجه جهة المذياع

حيث الجاثي على ركبتيه أمامه وعلقت نظراتهما ببعض , نظرات

مصدومة من الكاسر تقابلها تلك الضائعة من رعد وهما يستمعان

للنقل المباشر من أرض المعركة حيث صوت القذائف المدوي

وصراخ الرجال بالتكبير والحماس ، همس الكاسر بصوت

مصدوم " شنوا هجومهم على ماذا تحديدا ؟ "

خرجت الكلمات من حنجرة رعد جوفاء جافة قائلا بخفوت

" من ريسوان ومنها لثَرْوان ثم لمدن قبائل جيروان الثلاثة وهم

في انتظارهم وقد صرحوا بولائهم التام والتسليم لابن شاهين

ولا تستغرب أن يقوموا بالتفاف عليهم مساندين له في حربه "

هز الكاسر رأسه بلا وهمس مرعيا سمعه للمذياع " مستحيل أنت


تعرف سياسة ابن شاهين جيدا , هو لا يقحم أحدا في حرب ضد


قبائله مهما كانت الظروف "

ثم جلس على طرف السرير ودوي تلك الأصوات بدأ يخف مدموجا

مع صوت أحد المحللين العسكريين موصولا بالقناة عن طريق الأقمار

الاصطناعية قائلا بصوت جهوري واثق مما يدلي به " الحرب حرب

قوة والتكتيك الحربي لابن شاهين ورجاله أصبح أمرا مسلما به فمن

كان سيتخيل طريقة التفافه على جنود ابن راكان وهم ينتظرون

أن يهاجم من بلدة الريسوان , هذا إن بقي لابن راكان ما يسمى

بجنود بعد تخلي الكثيرين عنه ومن لم يقف ضده أصبح يقف

في حياد "

قاطعه المذيع قائلا " لكن ثمة أخبار عن استعانة الهازان بقوات

خارجية ولا تنسى أنه مثلما لابن شاهين مناصرين فله أعداء أيضا "

قال ذاك من فوره " وعود كاذبة وسترى ذلك بأم عينك , والحقائق ها

هي أمام الجميع من التواجد الصحفي الضخم في جبهات القتال في قطر

ابن شاهين ، وابن راكان لن يحصل على أكثر من دعم لوجيستي

ضعيف قد يضره أكثر مما ينفعه , والمدن الخمس ستكون في حوزة

مطر شاهين خلال ساعات وهي مسألة وقت ليس إلا "

مررا الكاسر أصابعه في شعره دافنا رأسه بين يديه وهمس من

بين أسنانه " أين يريد أن يصل ذاك الرجل بالتحديد ؟ "

وقف رعد على طوله بعدما أخفض صوت المذياع وقال ناظرا للجالس

أمامه " أهالي منطقتي ريسوان وثروان فروا من الممر الآمن لريهوة

وصولا للحويصاء ثم لمدن جبال أرياح ليكونوا تحت حمى ذاك الرجل

فتخيل كيف يلجئون لعدو يشن حربا على مدنهم ويتركون زعيمهم

وقبائلهم !! "

رفع الكاسر رأسه وقال مكرها على الاعتراف " فروا لمن وعدهم

بالأمان وحققه لغيرهم أمام أعينهم أم تريدهم أن يفروا لحمى ابن

راكان بعد فعلته في خماصة ليضحي بهم من أجل حربه ؟ وزد عليه

يقينهم من أن ابن شاهين سيسلمهم مناطقهم ومنازلهم ما أن يؤمنها

أي أنهم الكاسبون في صفه الخاسرين المشردين في صف

ابن راكان فما ستتوقع منهم ؟ "


ثم وقف وقال متوجها للخزانة ليخرج ثيابه " على أحدنا أن يكون

مع والدي سألحق أنا به وأنت اتصل برماح لينتقل جهة حدود

الهازان والحق به أيضا "


*

*


ومن تلك الليلة السوداء الغائمة المنذرة بدنو فصل الشتاء منذ بداية

أيام ذاك الخريف اشتعلت الحرب محرقة كل شيء أمامها , ورغم

أن الكفتان كانتا غير متساويتان ولا متكافئتان لكن الدماء كانت كثيرة

الصراخ والبكاء والنحيب , حتى من فروا منها فروا وجلين خائفين

اختلط صوت بكاء بعض نسائهم ببكاء الأطفال المذعورين وبعضهن

صرخن بعويل ( أوقفوا الدماء والنار ) فالحرب تشبه الحب تماما

تدخلها الناس طوعا أغلب الأحيان ثم يصرخوا رافضين لها

طالبين الغوث منها .

مر يومان تقدمت فيهما جيوش الحالك ببطء متعمد سامحين لمن

لم يوفقه الحظ للهروب بأن ينجوا بنفسه , وكي لا تتكرر مذبحة

خماصة درسوا تحركهم هذه المرة دراسة شاملة وقد ساعدهم من

خرج من هناك لاجئ لهم بمعلومات مهمة عن مدنهم أفادتهم كثيرا

فلا أحد يعرف القرى كساكنيها خاصة في بلاد قسمت لأقطار من

أجيال بعيدة لا أحد زار قطر غيره ولا يعرف عنه سوا ما رسم

على تلك الخرائط التي صنعتها أساسا أيادي الغرب , وخلال يومان

آخران سقطت ريسوان لتلحقها ثروان ووصلت جيوشهم لمدن قبائل

جيروان الثلاثة ولم يدخلوها بأوامر من قائدهم الأعلى بل وقفوا على

تخومها كي لا يرعبوا أهلها الذين سلموهم مدنهم وأنفسهم , طوقوها

لحمايتها من الخارج فكما توقع حاولت جيوش الهازان شن هجومها

عليها وهي التي لم تفعلها طوال حصارهم لها لكن بعد وقوعها في

قبضة ابن شاهين استباحوها أيضا ومن فيها , لكن هجومهم ذاك لم

يفلح في شيء ولا في إرعاب الناس كي لا يسلم له غيرهم كما كانوا

يخططون ولم تسقط ولا قذيفة في أراضيهم , ضمن لهم مطر سلامتهم

وسلموا هم سلاحهم وعتادهم الخفيف الذي اشتروه من مالهم لحماية

أنفسهم حال قرر ابن راكان الانتقام منهم وقت قرروا السلم والتسليم

ولولا المراقبة الدولية التي خنقته لكان فعلها دون تراجع فهم في

حسبة الخونة لديه والخائن عقابه الموت كما عرف عنه سابقا

*

*

وضعت صينية الطعام أمامه وجلست مقابلة له وقالت بهدوء

" أين أنتم يا شراع ؟ يومين لا تفكرون ولا في الاتصال لأطمئن

عليكم , قلبي كان يشتعل ولم أجد حلا لأعلم "

رفع الملعقة لفمه قائلا " كنت عند حدودنا مع الهازان وفوجئت

برعد والكاسر وحتى رماح لحقوا بي "

ثم تابع وهوا يمضغ الأرز " هناك كانت الأوضاع تحتاج

وجودي وكان رأيهم سليما في اللحاق بي "

شعرت بنبضات قلبها تتوتر بخوف خاصة مع وجوم الجالس

أمامها وقالت بتوجس " هل ساءت الأمور جهتنا هكذا ؟ "

شرب دفعة كبيرة من العصير ووضع الكوب قائلا " حدودنا مع

الهازان هشة جدا هذه الفترة فالهازان تتحطم من الداخل شيئا فشيئا

خاصة بعد دخول بعضهم لحمى ابن شاهين وتسليم قبائل جيروان

له , ثمة أشخاص دخلوا لحدودنا طالبين العون يريدون أن يعبروا

للحالك وثمة أسر وأطفال فالأخبار داخل الهازان لا تسر أبدا

وبعضهم تحدث عن أن ابن راكان قام بإجبار بعض الرجال

للقتال وبعضهم هددوه بعائلته , والناس جزعة من

الحقيقة ومن غيرها "

هزت رأسها بحيرة وقالت بضياع " ولما لم يدخلوا الحالك

وجاءوا هنا ؟ أليس أمرا غريبا !! "

مسح يديه بالمنديل حامدا الله بهمس وقال " البعض قد لا يتوفر له معبر

غيرنا , سنحاول احتواء العائلات ومن أراد الذهاب للحالك ذاك خياره

سنوصله للحدود ويدخلونه هناك فابن شاهين يملك مناطقهم ومنازلهم

وأراضيهم ما سيفعلون لدينا هنا ونحن نستعين بمنازل بعض العائلات

الصغيرة لتضمهم لها أو مخيمات مؤقتة لا توفر أي عناية للأطفال

وكبار السن , إن استمر ابن شاهين في زحفه على الهازان

سيستمر توافد العائلات علينا والحدود تحتاج

لتكثيف جهود منا "

نظرت له وهو يقف وقالت " هل وافق أهالي صنوان على كل هذا ؟

هل يرضوا بأن يكونوا ممرا لابن شاهين لينفذ باقي مخططه "

قال وهوا ينزع سترته الخريفية الخفيفة " رغما عنهم فلن أترك

العائلات تشرد على الحدود أو أرفض إدخالها , فإما أن يوافقوا

هذا أو سأترك لهم الزعامة برمتها فأولئك الناس أبناء وطننا من

دمنا ولحمنا مهما حدث بيننا في الماضي , ولن يلجأ لنا إلا

من لم يكن له أي ضلع في تلك الحرب "

وقفت أيضا وقالت " وغسق يا شراع ؟ أنت لم توضح لي معنى

ما قلته يومها وتركت الأفكار تنهشني , كيف علمت أنه يعلم

عنها وكيف يصمت هكذا إن كان يعلم فعلا ؟! "

فك أزرار قميصه قائلا بعبوس واجم " علمت منه هوا نفسه "

انفتحت عيناها بصدمة عجزت عن التحكم بها وشهقتها تخرج

مرافقة لها وهي تضع كفها على فمها وتابع شراع متوجها

للخزانة يخرج ثيابه منها " أما لما سكت عن ذلك كل هذه

السنوات فهذا ما لا أملك ولا أنا جوابا عنه "

خرجت الكلمات منها جوفاء وكأن ثمة صاعقة ضربت

أحرفها " ألم يخبرك شيئا ؟ "

هز رأسه بلا موليا ظهره لها واقفا أما باب الخزانة المفتوح وقال

" كان اتصالا هاتفيا مختصرا كل ما قاله ( أحفظ سر ابنة عمي

وعزيرة إن لم تكن تضمن صمتها فأعدها لي وأنا أضمن لها حياتها

ولن يمسها أحد ولا أنا ) ثم ختم محادثته بـ ( وداعا ) وأنهى الاتصال

دون أن يترك لي مجالا حتى لأفكر أن أسأل وما كان هناك شيء لأسأل

عنه فكل شيء واضح , هو استغل دخولها وحدث كل شيء بعده كما

يخطط له ويريد موهما لي بأني أخفي الأمر عنه وأحميها وأحمي

نفسي بالكتمان وإطاعة أوامره وكان غرضه أن تصبح لديه دون

أي شوشرة أو أن تفتضح حقيقتها "

جلست تلك من وهن ساقيها اللتان لم تعودا تقويان على حملها

وقالت بصدمة " أتعني أنه هوا نفسه لا يريد أن يعلم أحد أنها

ابنة عمه "

أغلق باب الخزانة وقال متوجها جهة حمام الغرفة " أجل ويبدوا

أن ثمة حقائق لم تخبر عنها والدتها وكتمتها عن الجميع "


*

*


شعرت بقماش الوسادة يعيدها من خلف أحلامها وعالمها الغيبي

وشعرت بذاك الانفصال ما بين الوعي وألا وعي حين يبدأ جسدها

باستقبال إشارات دماغها للاستيقاظ فحركت كفها على اللحاف فوق

جسدها لتسحبه لشعور غريب تسلل لعظامها بسبب البرد الذي

لا تعرف من أين أتى وهي في غرفة مغلقة الباب والنوافذ

وهم في استقبال بداية الخريف !!

قفزت جالسة فجأة حين شعرت بثقل ما تحرك على السرير خلفها

ولم تصدق نفسها وهي ترى الجسد الممدد بجانبها ببذلته العسكرية

وبجوارب دون حذاء , عيناه مغمضتان يضع إحدى يديه على صدره

وتنفسه لم يبدوا لها منتظما , مررت أناملها الرقيقة في غرتها مبعدة
لها عن وجهها ونظرت جهة النافذة التي كانت مفتوحة على اتساعها
وعلمت فورا من فتحها لكنه لم يدخل منها طبعا لأنها تفتح وتغلق من
الداخل فقط

لذلك سيكون دخل من الباب فمتى عاد ولا أحد يعلم ! أخرجها من
أفكارها تلك وأعاد نظرها له تنفسه الذي خرج قويا وكأنه يحبسه في
صدره من أعوام وأخلى سبيله الآن , شهقت بقوة ولم تشعر بنفسها إلا
وهي تقف خارج السرير وقد دارت حوله حتى كانت عند رأس النائم
عليه ونظرت للضمادة التي كانت تغطي جسده تظهر من تحت سترته
المفتوحة

وما أن مدت يدها المرتجفة وأبعدت طرفها ببطء حتى انفتحت عيناها

بصدمة وأمسكت فمها تخفي شهقتها وهي ترى الضمادات التي التفت

حول كامل ذراعه وكتفه وصدره لتثبيتها وبقعة الدم الكبيرة التي كانت

تغطيها وشعرت حينها بساقيها لم تعودا تقويان على حملها وبالأرض

تدور تحتها , مدت يدها المرتجفة لجسده لا تعلم توقظه أم تخرج

وتنادي له أحدا ؟ وإن كان حقيقة ما تراه أم أنها نائمة وتحلم

" عودي للنوم يا غسق "

كلماته العميقة المنخفضة تلك جعلتها تجفل للخلف فلم تتوقع أنه كان

مستيقظا !! قالت بشفاه مرتجفة ونظرها على وجهه وهوا ما يزال

مغمضا عينيه " مطر كتفك ينزف بشدة "

خرج صوته المرتخي مجددا وكأنه يحارب للبقاء في وعيه

" نامي قلت لك ولا تفكري فيه "

مسحت عينيها بقوة قبل أن تنزل دموعها بسبب المشهد الذي لم

تراه سابقا فحتى في منزل والدها شراع كانت آخر من يخبروه

إن حدث مكروه لأي شخص منهم , ركضت جهة باب الغرفة الذي

وجدته مفتوحا وعلمت فورا أنه استخدم مفتاحا آخر لفتحه وخرجت

تركض في الممر حافية القدمين حتى وصلت المطبخ وخرجت سريعا

بحقيبة الإسعافات الأولية التي لا تخلوا منها منازلهم وعادت لغرفتها

لتجد زائر آخر الليل ذاك جالسا هذه المرة قدماه خارج السرير ورأسه

للأسفل مسندا يداه عليه وكأنه ينوي الوقوف فتحركت جهته مسرعة

ورمت الحقيبة على السرير وأمسكت ذراعه قائلة " عليك تغيير

الضمادات وإيقاف نزيف الجرح قبل أن يقضي عليك "

رفع يده ومرر أصابعها في شعره الكث وقال بصوت خدر

" أتعرفين أنتي هذا أم أفعله بنفسي ؟ "

أبعدت شعرها للخلف كي لا يضايقها ووقفت على ركبتيها فوق

السرير وقالت وهي تمسك طرف ياقة سترته لتنزعها منه

" بلى أعرف ذلك وأتقنه "

طاوعها فورا وهي تنزعها عنه برفق حتى أصبح لا يغطي نصف

جسده سوا ذاك الشاش فدارت خلف ظهره تحاول تثبيت نفسها وتنفيذ

ما تعلمته دائما وهي تبحث عن نهاية ذاك الشاش الملفوف لتفتحه حتى

وجدتها بين كتفيه , وبيدين مرتجفة بدأت بفكه ويكاد يغمى عليها

بسبب رائحة دمائه وقبلها رائحة جسده ووجوده وذاك الوضع الذي

هما فيه تشعر بأنفاسها وهي ترتد عليها بعد اصطدامها ببشرة جسده

القوي , فكت الشاش عنه وكانت مضطرة في بعض المرات لأن تمرر

يدها أمام صدره وعنقه لتفكه دون أن يتحرك وهوا كان يساعدها بيده

الأخرى وفي صمت تام منهما سوا من أنفاسها القوية المتوترة وأنفاسه

القصيرة المتعبة , أزالت الشاش وقطع القطن الغارقة في الدماء حتى

كان لا يظهر من بياضها شيء ونظرت بقلب مرتجف للغرز في كتفه

والجرح الذي كان ينزف واللحم يظهر لونه منه , وضعت عليه قطعة

كبيرة من القطن وقالت " أمسكها حتى أرجع "

ثم نزلت من السرير ما أن تبثها بيده الأخرى وخرجت من الغرفة راكضة

مجددا ودخلت المطبخ تبحث في جميع الأدراج عن التي رأتها هنا سابقا

وكانت تنتقل من واحد للآخر للخزانات حتى وجدتها أخيرا وتوجهت بها

للموقد وأشعلته ثم قربتها منه وما أن اشتعلت تلك الأعواد وضعتها في

صحن حديدي ثم وضعته على الطاولة وتركتها تحترق فيه وتوجهت

للخزانة وأخرجت قنينة الخل وسكبت منها قليلا في إناء وما أن انطفأت

تلك النار مخلفة خلفها رمادا لأعواد ذاك الحصير مزجته مع الخل سريعا

ثم خرجت بالإناء مسرعة وعادت للغرفة لتفاجئ بقطع القطن التي تنتشر

حول قدميه على الأرض حيث كان يرميها الواحدة بعد الأخرى ملطخة

بالدماء فتوجهت نحو الكرسي وسحبته حتى جلست مقابلة له فأبعد يده

ورفعت هي ذاك المزيج بأصابعها المرتجفة وسمت بالله هامسة وبدأت

بوضعه على الجرح ببطء ورفق ولاحظت تغير أنفاسه فهي تعلم أن

الخل السبب لأنه يولد شعورا مؤلما على الجروح وما كانت لتتخيل من

رجل وخصوصا صاحب هذا الجسد القوي الصلب المليء بالعضلات

أن يصرخ بتألم أو حتى أن يخرج منه أنينا بسيطا , كانت تضع المزيج

وتكرر حتى كان طبقة فوق الجرح فمسحت بظهر كفها على جبينها

وأخرجت زفيرا قويا وقالت ناظرة للجرح في كتفه " سيتوقف

النزيف خلال دقيقتين فقط فلا تحرك كتفك "

امتدت يده الأخرى وأمسكت يدها النظيفة في حركة كانت مفاجأة

ومجفلة لها فنظرت له بصدمة وكان ينظر لأصابعها البيضاء الرقيقة

في يده وقال هامسا وهوا يفركها بأصابعه الطويلة " يدك ترتجف

لقد أفزعتك "

سحبت يدها منه تنقذ المتبقي من مشاعرها المضطربة وقالت وهي

ترفع بها خصلات غرتها التي بدأ بعضها بالالتصاق بجبينها

" هذا فقط لأنها المرة الأولى التي أطبق فيها الأمر عمليا "

ثم هربت بعينيها ونظرت لكتفه مجددا وقالت " كيف أصبت ؟ "

نظر لكتفه أيضا وقال بصوت منخفض " رصاصة وأخرجوها "

وقفت وعادت لتنظيف الدماء التي تسربت وأخرجت لفافة شاش

كبيرة وبدأت بلف كتفه به بطريق متقنة تشعر بتلك القشعريرة

الغريبة كلما لامست أصابعها بشرته فقال وهوا يراقب حركتها

السريعة " من أين تعلمت كل هذا ؟ "

قالت وهي تلف الشاش حول صدره متجنبة النظر لعينيه

" في المدرسة فهذا منهج أساسي يتعلمه الجميع في صنوان "

قال ونظره لازال على ملامحها " أحسن شراع في قراره "

لم تعلق ولم تنظر لوجهه أبدا حتى ربطت الشاش وأنهت مهمتها

ولازالت تجاهد لتبقى ثابتة رغم أن كل شيء فيها كان يرتجف وبدأ

يخذلها ما أن أنهت لفه له فأمسك ذراعها بيده السليمة رغم جلوسها

جهة يد الكتف المصاب وقال " هيا غسق كنتي شجاعة طوال

الوقت لا تنهاري الآن "

وكانت كلماته تلك كمن أعطاها الضوء الأخضر مصرحا فأخفت عينيها

في كف يدها فورا وانهارت باكية وجسدها قد زاد ارتجافه فمد يده

لوجهها ومسح على يدها وأبعد شعرها ممررا أصابعه فيه وهمس

وتنفسه لازال يخرج متقطعا " يكفي يا غسق .... ما الذي

يبكيك الآن ومنذ قليل كنت ممرضة ناجحة "

قال ذلك وهوا موقن من انهيارها هذا في أي لحظة وإمساكها لنفسها

كان فقط لتنهي عملها بقلب ثابت ولا تتوتر , وقفت تمسح عينيها في

صمت فوقف أيضا وقال وهوا يرفع قميص بذلته من فوق سريرها

" آسف ما كان عليا إزعاجك وإخافتك "

نظرت له ولوجهه المصفر الشاحب رغم ملامحه الصامدة المحتفظة

بقوتها وقالت " هل قدت السيارة بنفسك إلى هنا ؟ "

قال وهو يرمي السترة على كتفيه دون إدخال يديه في كميها

" نعم "

قالت بضيق وهي تساعده في تغطية جسده بها " لهذا نزف جرحك

هكذا , أي طبيب غبي هذا الذي تركك تفعلها ؟ "

قال وهوا يدخل يده السليمة في كم السترة " أنا من قرر ذلك

وليس الطبيب "

همست بضيق وهي تفتح زر كم السترة لتساعده في

إدخال يده " متهور دائما "

فخرجت منه ضحكة صغيرة مكتومة ومتعبة وهمس مثلها

" وأنتي جبانة دائما "

نظرت له بحنق وقالت " ما جاء بك للجبانة إذاً ؟ هل

جئت لتخيفها ؟ "

رفع يده ومررها خلف رأسها ملامسا لشعرها الحريري وقال ناظرا

لعينيها " بل جئت لأن ثمة دراسة تقول أن الرجل إن دنى من الموت

في لحظة ما أول من يفكر فيه هو أكثر شخص يحتاجه "

زمت شفتيها بحنق وقالت من فورها محاولة تجاهل أصابعه التي

تتحرك في شعرها كي لا يظهر ارتباكها " أنا لا أحتاجك "

ظهرت ابتسامة مائلة على طرف شفتيه القاسية وقال " بلى أنتي فقط

من يحتاجني وأنتي وحدك من لو مت لن أموت مطمئنا عليها "

نظرت له باستغراب من معنى كلامه ومن غموضه الذي لم تفهم

منه شيء , ولم يترك لها مجالا للتحدث ولا السؤال رغم يقينها

من أنه لن يجيب فقد شدها ناحيته وقبل خدها قبلة صغيرة رقيقة

وهمس بخفوت " شكرا على كل هذا "

ثم غادر من أمامها خارجا من باب الغرفة بخطوات ثابتة رغم بطئها

حتى كان خارجه فانهارت حينها جالسة على السرير وزفرت هواء

حارا من رئتيها متمتمة بعبوس " لو فقط أفهم هذا الرجل !! "

ثم مسحت عينيها سريعا هامسة بضيق " توقفي عن البكاء

يا حمقاء ما بك ؟ "

لكن دموعها لم تزدد إلا انهمارا فارتمت على السرير تخفي وجهها

وبكائها فيه فالموقف كان أقوى من تحملها مهما كانت قوية أو أقنعت

نفسها بذلك , سحبت اللحاف على جسدها وفكرت أن النوم قد يغزوا

جفنيها مجددا لكنها كانت كمن يحارب الريح ويركض خلف السراب

والدقيقة تلحق الأخرى وهي على حالتها تلك تتقلب في سريرها

كالسمكة في المقلاة وكأنه أشواك تحتها فلم تشعر بنفسها إلا وهي

خارج السرير وخارج غرفتها تسلك الممر بخطوات وجلة وصعدت

السلالم ستوافق عقلها فورا إن قال لها ( ارجعي ) لكنه لم يفعل بل

أقنعها بأنها ستطمئن فقط إن لم يسبب له الجرح أي حمى أو عاد

للنزيف مجددا رغم يقينها من أن رماد أعواد الحصير ومفعول

الخل سيكون لهما تأثير كبير وإن كان يستخدم للجروح السطحية

التي تقطع فيها الشعيرات الدموية فقط لكن بما أن الجرح مخاط

والكمية التي وضعتها لم تكن قليلة فقد ينجح ما تعلمته سابقا وتدربت

عليه ، وصلت باب الغرفة ثم أرعت سمعها جيدا فلم يكن يخرج من

داخلها أي صوت فمدت يدها لمقبض الباب وفتحته ببطء حتى ظهر

لها السرير الواسع والنائم فوقه ببنطلون بذلته العسكرية فقط ينصب

أحد قدميه وإحدى يديه مرمية جانبا والأخرى يريحها فوق صدره

تنفسه يبدوا قويا لكنه ليس متقطعا كالسابق وكانت عيناه مغمضتان

وخمنت أن يكون نائما لكان شعر بها ، اقتربت منه بحذر حتى كانت

عند رأسه ومدت يدها لجبينه متجاهلة ضربات قلبها المجنونة حتى

لامسته أطراف أصابعها وسرعان ما أبعدتها وضمت قبضتها


لصدرها هامسة " يا إلهي إنه مشتعل "

نظرت لذراعه المفرود فور وبحثت فيه على طوله حتى وقع نظرها

على مكانين لوخز حقن فعلمت أن الطبيب الذي خاط له جرحه حقنه

بمسكن للآلام وخافض حرارة لكن الحمى تبدوا تغلبت عليه ، غادرت

الغرفة ونزلت السلالم وسرعان ما عادت تحمل تلك الحقيبة وحمدت الله

أن خافضات الحرارة موجودة لديهم رغم انعدام الحقن المسكنة ، حقنته

بسرعة وخفة بالجرعة الخفيفة التي وجدتها وهوا لا يشعر بشيء حوله

وحمدت الله في سرها أنها تعلمت كل هذا وكم دعت وقتها لوالدها شراع

أنزلت الحقيبة وعادت له وقد أحضرت معها ماء بارد وفوط صغيرة

نظيفة وجلست على الأرض عند سريره وبدأت بوضعها تباعا على

جبينه وذراعه وكتفه السليم وكانت تغيرها كلما تغيرت حرارتها حتى

كادت تنام جالسه على طرف السرير فوقفت كي لا يغلبها النعاس لأن

حرارته بدأت بالانخفاض تدريجيا ، جلست في الجانب الآخر من السرير

واتكأت على ظهره الخشبي تنظر لوجه النائم تحتها واضطربت نبضات

قلبها وهي تنقل نظرها من رموشه الكثيفة لأنفه المستقيم للحيته وشفتيه

وفي حركة مجنونة منها رفعت أصبعها ومررته على طرف لحيته

المشذبة بعناية وكأنها ترسمها به ( ما به هذا الرجل مختلف في كل

شيء ! حتى وهو متعب ونائم تشعر بهالة السيطرة حوله وقوته

المتفجرة حتى من أنفاسه )

ثم سرعان ما أعادت يدها لحجرها وعادت من أفكارها وتأملها

وأبعدت نظرها عن وجهه وعضت طرف شفتها وكأنها توبخ نفسها

ثم رفعت الكمدات عنه وأعادت تبريدها بالماء ووضعت واحدة على

جبينه واثنتين على قدميه اللتان يبدوا أنه نزع الجوارب منهما فور

صعوده , حضنت نفسها بذراعيها وشعرت بأن عظامها بدأت تخونها

ولم تعد تقوى ولا على الجلوس فاتكأت ببطء وحذر بجانبه لترتاح

لوقت قصير قبل أن تغير الكمدات مجددا لكن عقلها غاب سريعا

عما حولها وعيناها سافرتا في سواد قاتم ما أن وضعت رأسها

على الوسادة وكأنها تنتظر تلك اللحظة التي تسترخي فيها

*

*


Msamo likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:45 AM   #705

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



*

*

نزل السلم العريض المغطى بالبساط الأحمر الفاخر وهو ينظر

لوالدته وضيفتها زوجة قريب زوجة شقيقها شاهر ذات الشعر الأشقر

الذي يكاد يكون أبيضا من قوة صفرته ، من لاحظ فرحة والدته الغامرة

بانتقالهم للعيش في لندن من وقت قريب تاركة هذه الأمريكية بلادها

هناك ، وسرعان ما ظهرت له الجالسة بجوارها ما أن وصل نهاية

السلالم , الشقراء الصغيرة ببنطلونها الجينز الصغير مثلها وقميص

أبيض مزين ببعض القطع الملونة ، أرسل لها نظرة متوعدة مبتسما

بمكر فاختبأت من فورها خلف والدتها لا يظهر من وجهها سوا

العين التي تراقبه بها وتوجه هو ناحيتهم من فوره حتى وقف خلف

الأريكة الجلسة عليها والدته التي نظرت له للخلف وقالت مبتسمة

" وهذا الفتى ابني رواح الذي أخبرتك عنه "

قالت تلك مبتسمة وبعربية متقنة " قولي رجل ، مشاء الله أخذ

لون شعرك وعينيك "

لكز والدته من ظهرها وهمس " تعلمي منها ليست مثلك

لازلت تعاملينني كطفل "

ضحكت رقية وقالت " بل رجل وها قد وجدنا لك عروسا "

ثم تابعت ناظرة للجالسة بجانب والدتها " عليكم تزويجنا

ابنتكم بما أننا عائلة "

وضحكت للكز رواح لها مجددا وضحكت تلك لانكماش ابنتها

خلفها تشد قميص والدتها بقوة فقال رواح بضيق " أمي لو

تتوقفي عن توزيعي على بنات صديقاتك ؟ "

فضحكت رقية وقالت " لا هذه المرة اتفقنا "

وضحكت هي وإيمليا التي انحنت لابنتها حين شدت لها كم قميصها

الحريري بقوة وحدثتها تلك في أذنها فقالت ضاحكة " لا تخافي

لن يتركك أحد هنا وأولهم والدك يا مدللته "

نظر لها رواح ببرود وقال مستفزا " ولا أنا أريد عربية ومن

الحالك أيضا يع ، سأتزوج من بريطانية نحيلة طويلة وشقراء "

وغادر على ضحكهما عليه وما أن كان خلف الأريكة التي تجلسان

عليها همس مارا من خلفها وقد انحنى جهتها " عربية شقراء جبانة "

وتابع طريقه حتى وصل أحد الأبواب والتفت جهتهم وكانت تنظر له

من خلف ظهر الأريكة لا يظهر منها سوا عينيها وشعرها الأشقر ويديها

الممسكة بالأريكة فنظر لوالدته وتأكد من انشغالها مع ضيفتها ثم عاد سريعا

بنظره لها وأرسل لها قبلة بشفتيه ليحرجها وينتقم منها لكنها رفعت وجهها

قليلا فوق ظهر الأريكة وأخرجت له لسانها ساخرة فصر على أسنانه

بغيظ يتوعدها بأصابعه وغادر متمتما " من يراها لا يتخيل أنها

بكل هذا الخبث "


*

*

توجه جهة الضحكات الصغيرة المختلطة الخارجة من خلف أشجار

وشجيرات حديقة المنزل الذي يعيش فيه حتى وصل لذاك المصدر

ووقف فوقهما يحجب ضوء الشمس عنهما وقال مزمجرا ويداه

وسط جسده " ماريه ما الذي تفعلينه هنا ؟ "

وقفت من فورها ترتعد خوفا من ملامحه وغضبه بينما بقى تيم جالسا

على الأرض مستندا بيديه عليها في وضع السجود حيث كانا يراقبان

ما تحت الألواح الخشبية المصفوفة نهاية تلك الحديقة , قالت بخوف

وكلمات رقيقة تضم يديها الصغيرتان ببعض عند صدرها

" كنا نراقب السلحفاة من تحت الأخشاب "

خرجت منه ضحكة هازئة خالية من أي مشاعر ونظر جهة تيم

نظرة فهم ذاك معناها فورا ( لماذا يموت ابني الوحيد وتبقى أنت )

أمسكها من يدها بقوة وقسوة مزمجرا فيها وقد نفضها كقطعة

ثياب " لا أراك معه في أماكن كهذه بعيدة عن الأنظار أو

حرمتك من الخروج من المنزل أتفهمين ؟ "

ولم يكن ردها سوا كلمات متقطعة من بين بكائها لا يفهم منها سوا

كلمة ( حاضر ) ونقل نظره بعدها للجالس على الأرض وقال بحقد

" وأنت ما أن يبدأ الزعيم مطر بزحفه على مدن وقرى صنوان

ستنظم لجيوشه بما أنك ممنوع من القتال الآن , فلعلك تفعل

شيئا ينفع غيرك "

وتحرك من هناك يجر معه تلك الطفلة وكأنها دمية لم يرف جفنه

ولا لبكائها الموجع تاركا خلفه تلك العينين التي تنظران له بحقد وكره

لو وزع على أهل الأرض لكفاهم , وقف ينفض التراب عن يديه

هامسا بحنق " هل هذا ما تريده أن يأخذ فتى في الحادية عشرة

للقتال ؟ ألم تجد غيرها ليكون مصيري كابنك ؟ "

وتحرك من هناك عائدا جهة غرفة والدته فبما أن اليوم جمعة لم

يكن لديه أي التزامات في مقر الجنود وهوا يوم إجازة بالنسبة له

دخل الغرفة بملامح عابسة واجمة ونظر للجالسة على سريرها

وقال بضيق " لما لا نغادر الآن لعمك أو عمي أو عمتي رقية ؟

لماذا نبقى هنا تحت رحمة هؤلاء الناس "

تنهدت بعجز وقالت " وكيف يا تيم ؟ فحتى إن أرسلوا لنا المال

فلن أستطيع مغادرة الغرفة , اذهب أنت يا تيم مادمت تريد

ذلك وتحدثت عنه أخيرا "

هز رأسه بلا من فوره وقال " وأتركك هنا ؟ أموت ولا أفعلها

يا أمي , ما نفع حياتي من دونك , ثم لا أستطيع المغادرة وحدي"

ابتسمت بحب وقالت " أنا لا مستقبل لي يضيعه أحد لكن أنت لا و... "

قاطعها منهيا النقاش في الأمر " لا أريد الذهاب فانسي الأمر

برمته أمي أرجوك "

*

*

وخز أشعة الشمس القوي على عينيها وبشرة خدها الناعمة كانت

كفيلة بإرجاعها لعالم الواقع الذي فارقته من ساعات ففتحتهما ترمش

بهما بقوة ثم وضعت كفها عليهما تسترجع ما حدث شيئا فشيئا وأين

هي الآن وما تفعل ثم سرعان ما قفزت جالسه تسحب فستانها الذي

وصل لأعلى فخذيها من حركتها وهي نائمة ونظرت فورا للشيء

الذي وقع من يدها لتنتبه وقتها لطرف السرير الآخر الفارغ تماما

ولا وجود لمن كان عليه ليلة البارحة ولا شيء سوا الوسائد المبعثرة

والملاءة المجعدة , مدت طرف أناملها للورقة التي سقطت من كفها

وقت جلوسها السريع ذاك وفتحتها حيث كانت قصاصة مطوية على

اثنتين وكان مكتوبا فيها ( لنا حديث حين أعود ) ولم تحتج لأن تنظر

للاسم المرسوم تحتها بحرفية مشابها لذاك النقش على سلاحه لمعرفة

صاحب الورقة فقد علمت قبلها من وجودها في يدها وفي غرفته ومن

سياق الحديث فيها , وقفت وجعدتها في قبضتها وكأنها تحاول إخفاء

توترها من الموضوع الذي كانت تتهرب من التفكير فيه طوال المدة

الماضية وها هوا يتطرق له ما أن عاد ورغم إصابته , فتحتها مجددا

ونظرت للحروف فيها وكأنها لم تقرأها ثم سرعان ما عبست ملامحها

مكشرة فبالرغم من أن إصابته كانت في كتفه الأيسر خطه منسق وكأنه

لم يكتبها بيده اليسرى , تحركت من مكانها جهة الباب مسرعة متمتمة

" أحمق ما يعني بحين أعود ! "

نزلت السلالم راكضة شعرها يتطاير مع خطواتها حتى كانت أسفله

ووجدت جوزاء تقف قرب الكرسي الذي تجلس عليه عمتها وهما

تنظران لها باستغراب وهي تتقدم نحوهما وقالت ناظرة للجالسة

" أين مطر ؟ هل غادر ؟ "

ابتسمت لها قائلة " اسألي نفسك قبلنا فنحن لم نراه ولم ننم

معه في غرفته "

شعرت بأنها تقلصت حتى تحولت لقزم تحتهما وخطفت نظرها

سريعا لجوزاء التي كانت تنظر لها بنظرة لم تفهم أهي نظرة عدم

فهم أم استغراب أم استهجان تام لما فكرن فيه , خرجت الحروف منها

متوترة وكأن ثمة موجات مغناطيسية اعترضت طريقها أمام

شفتيها " لقد كان مصابا كيف يغادر هكذا ؟ "

شهقت جوزاء بينما قالت نصيرة بجزع " مصاب ؟ "

قالت من فورها وهي ترى الخوف على ملامحهما " كانت الإصابة

في كتفه لكن الجرح كان ينزف بشدة وتمكنت من إيقافه لكن الحمى

لم تتركه طوال الليل ولم أتخيل أن يغادر ما أن يستيقظ فجرا فقد

غلبني النعاس ولم أشعر به "

تحركت حينها جوزاء قائلة بضيق " لا يتوقف عن التهور والجنون

أبدا , ظننا أنه ما أن يتزوج سيتغير لكن نساء هذا الوقت لا

نفع منهن "

وتوجهت جهة باب جناح عمها بينما نظرات غسق المصدومة تتبعها

ثم نظرت للجالسة أمامها وقالت بعبوس " لماذا تكرهني ابنة

شقيقك فلست أفهم ؟ "

هزت تلك رأسها بحزن وقالت " هي لا تكرهك يا غسق ثقي من ذلك "

كانت ستتحدث لولا رجوع جوزاء التي قالت بضيق مقتربة من عمتها

" لقد خرج من حوران وذهب لبزاخة وعمي يقول بكل برود ( هوا أعلم

بحالته وصحته فابتعدن عنه أنتن النساء ) لا أسوء منه سوا عمه "

تحركت غسق حينها وتركت المكان قاصدة غرفتها فلا تريد سماع إهانة

أخرى من المدعوة جوزاء فيكفيها ما سمعته منها فهي لا تضمن صبرها

عليها ولا تريد رد كلامها فهي لم تتربى على ذلك وتبقى جوزاء شقيقة

زوجها وأكبر منها بكثير , دخلت الغرفة وفتحت درج طاولة التزيين

ورمت الورقة فيه متمتمة " معه حق هوا أدرى بنفسه فليسافر حتى

للمريخ ما علاقتي أنا بهم ؟ والأحمق لم يوقظني ولا لصلاة الفجر

جيد أني لا أصلي وإلا ضاعت عليا طبعا "

وكانت تعلم أنها مجرد خدعة تخدع بها عقلها فقد وجدت نفسها مرارا

تنساق للتفكير فيه وفي لو أنه قاد السيارة بنفسه كالبارحة وانفتح جرحه

ونزف مجددا ولم تستطع نسيان ذلك وتجاهله رغم مرور الساعات

الواحدة تلحق الأخرى ولم ينجح إشغالها لنفسها بالاستحمام وتجفيف

شعرها وتمشيطه وقراءة الكتاب الذي أحضرته من مكتبته كما غيره

بعدما استأذنت عمه فهي أصبحت تمضي وقت فراغها الطويل في

هوايتها المحببة تقرأ كل ما تجده باستمتاع مادام بعيدا عن السياسة

والحروب , خرجت من الغرفة بعد العصر بقليل ووجدت الجميع

يستعدون لاستقبال ضيوف بعد المغرب لكنها لم تحب المشاركة

في شيء ولا تفكر حتى في التواجد معهم , بحثت عن عمتها

فوحدها ستجد لديها جوابا لسؤالها , وجدتها سريعا لأنها قصدت

غرفتها أولا وكانت كما توقعت تقرأ في المصحف ولازالت

بلباس الصلاة وقد أغلقته ما أن دخلت عليها وقالت غسق من

فورها " هل اتصل مطر أو اتصلتم به ؟ "

وأردفت من قبل أن تعلق تلك " قد يكون قاد السيارة بنفسه

وسينزف جرحه مجددا بالتأكيد "

هزت نصيرة رأسها بلا وقالت " لم يتصل وليست عادته أبدا إلا

إن أراد شيئا من عمال المنزل أو عمه حال تعطل هاتفه فهذه

طباعه التي عرفناه عليها "

قالت غسق باستغراب وهي تدخل وتغلق الباب خلفها

" ولا حتى حين يكون مصابا !! "

قالت وهي تنزع رداء الصلاة من رأسها " لم يصب سابقا رغم

تواجده الدائم في الخطوط الأمامية للقتال ويبدوا أن طباعه

لن تتغير فها هوا يتمسك بطبعه القديم "

لوت شفتيها بعبوس وتمتمت وهي تجلس على الكرسي قرب

السرير " هل يضن نفسه يعيش لوحده أم ماذا ؟ "

ضحكت نصيرة وقالت " ستعتادين على طباعه فيبدوا

أن حياتك في عائلة والدك لم تكن هكذا "

تنهدت غسق بحزن فقد نكأت تلك جرحها المفتوح وقالت " كنا

مقربين لبعضنا كثيرا , كنت أتصل بأخوتي يوميا وهم في الحدود

ولا يمكنني أن أنام دون أن أرى والدي أو أحدثه إن كان سيبات

خارج المنزل , نتناول الطعام معا أغلب الأحيان وإن أنا وعمتي

نجلس ونتسامر ونتحدث وحتى حديثهم عن الحروب وخطط

القبائل هناك لا أكون غائبة عنها إلا إن أردت أنا ذلك , كنت

جزءا من تلك العائلة ولست منبوذة كما هنا "

ابتسمت نصيرة وقالت ببعض الضيق ممازحة " في وجهي تقوليها

يا غسق ؟ أقسم أن يومي أصبح كئيبا إن لم أراك فيه "

قفزت من فورها وقبلت رأسها قائلة " لم أقصدك عمتي أقسم لك "

قالت تلك مبتسمة " أعلم وأنا ما كنت إلا أمازحك "

عادت للجلوس على الكرسي وقالت ناظرة لها بهدوء " أخبريني

عن ابنك عمتي , كيف اختفى ولما لم تجدوه حتى الآن ؟ إن

كان الحديث لا يزعجك طبعا "

هزت تلك رأسها بلا وقالت " لن يزعجني يا غسق فإن كان حيا

سيرجع وإن كان ميتا فلست أول أم ثكلى فقدت وحيدها "

ثم تنهدت بحزن وقالت " أرأيت ضيوف الجنوب الذين

زارونا من قرابة الشهر "

هزت غسق رأسها بنعم فورا وقالت " أذكرهم جيدا فهم كانوا

من مجموعة أكابر من استقبلتموهم "

هزت نصيرة رأسها وقالت " أولئك يكونون عائلة زوجي رحمه

الله وبعض نساء رجال في عائلته "

قالت غسق بصدمة " تزوجت من هناك ؟ تلك البلدة بعيدة

جدا كما فهمت منهم "

قالت نصيرة وقد شردت بنظرها بعيدا وكأنها تبحث في صندوق

ذكرياتها المنسي " بل كان يعيش هنا وقتما خطبني وتزوجنا ولم

نرزق بأبناء لسنوات حتى أنجبت أبني ( قاسم ) وتوفي زوجي في

كمين للهازان عند الحدود وابني عمره عشر سنين وحين كان

في الخامسة عشرة اختفى بشكل مفاجئ ومريب لم يستطع

أحد تفسيره وإيجاد سبب له ولم نجده رغم محاولات

مطر الحثيثة "

قالت غسق بصدمة " اختفى صغيرا في السن ! كيف ذلك ؟ "

هزت تلك رأسها بنعم وقالت ونظرها لازال شاردا مع عقلها " كثر

اختفوا يا غسق , كم من رجال وأطفال لم يجدهم ذويهم حتى الآن

واغلبهم جاءتهم جثثهم أو خبر عن أسرهم عند الحدود بسبب أو

بدونه , لكن قاسم لم يكن هناك حين اختفى , لم يكن عند الحدود

ولم يكن له ولا أعداء , حتى والده كان رجلا عظيما

يحبه كل من كان يعرفه "

تهدرج صوتها وهي تتابع بحزن " إن كان حيا سيكون في الثانية

والعشرين الآن , ليثهم فقط يأتوني ولو بخبر موته ليرتاح قلبي

من التفكير في مكانه وما يحدث معه "

وقفت غسق من فورها والدموع وجدت من عينيها مسلكا وجلست

بجانبها على السرير وضمت كتفيها بقوة قائلة بعبرة " لابد أن يرجع

يوما بما أن خبر موته لم يصلكم فالأموات وحدهم من لا يرجعون "

مسحت تلك دموعا خانتها على أعتاب عينيها وقالت مبتسمة تمسح

على خدي الجالسة بجوارها وقد احتقنتا بحمرة شديدة " أرأيت ؟

الحديث أتعبك أكثر مني لذلك علينا تغييره "
هزت رأسها بنعم ونامت به على كتف عمتها قائلة بحزن

" أتمنى من الله أن أراه هنا عندك قريبا "

مسحت تلك على شعرها الحريري الذي تمسكه في الخلف بشريطه

طويلة قليلا وقالت بحنان " الله لا ينسى أحدا يا غسق ولا يختار

لنا إلا ما فيه خيرنا وصالحنا "


*

*

رفع هاتفه مجددا وهوا يرفع يده وذراعه الأيسر للطبيب الذي كان

يفتح الشاش عنها وقال مخاطبا من في الطرف الآخر " أعطوني

بضع ساعات فقط , لا تفعلوا شيئا حتى آتي وسأراهم بنفسي

كما يطلبون "

" أجل أعلم , أمنوا انتم حدودهم جيدا ولا أريد أن يتدخل أحد منهم

في شيء ولا أن يحمل سلاحا ولا يحرس شيئا أكثر من منزله "

اشتدت نبرته حدة وهوا يقول " أعلم أن الوضع يحتاج وجودي يا

تميم ولا يؤخرني عنكم سوا أمر يكاد يكون أهم منه فثمة تغر كثيرة

يجب تغطيتها قبل فعل أي شيء هناك , أمنوا الحدود ودافعوا عنها

بأرواحك كما طلبت ولنا حديث ما أن أصل لكم ولن يكون فجر

يوم غد إلا وأنا عندكم إن شاء الله "

ثم أنهى الاتصال ونظر للذي بدأ بتنظيف الجرح من بقايا ذاك

المزيج الذي لم يزله من عليه منذ ليلة البارحة وقال ذاك مبتسما

" هلا أبعدت هاتفك قليلا يا زعيم لنتحدث عن جرحك , فهم لا

يتركونك أبدا وإن نسوك لحظة اتصلت أنت بغيرهم "

وضع الهاتف جانبا وقال " ها قد أبعدته وأعطيك عشر

دقائق فقط لا غير "

ضحك وقال وهوا يعيد تنظيف الجرح بالمطهر الطبي للمرة

الرابعة " حسنا تكفيني ويزيد "

وتابع بجدية " الجرح حالته جيدة نسبيا رغم أنه في موضع خطير ولو

انحرف قليلا لأصاب أحد الأربطة أو القلب , كان تهورا منك أن تقود

به وأنت حديث إصابة , من وضع لك هذا المزيج يستحق منك وساما

فرماد أعواد الحصير أقوى شيء ممكن أن يوقف نزيف جرح مخاط

بدون وجود طبيب أما الخل فقد عمل معه على تطهير الجرح لذلك لم

يصبه أي التهاب وأنت تأتيني بعد نصف يوم من وضعه لك , أي أنه

لولاه بعد الله لالتهب جرحك ولاحتجنا لفك الخياطة والعناية المكثفة به "

حرك رأسها للأعلى ثم جانبا وكأنه يمرن عظامه المتعبة وقال " كنت

على يقين من مفعول ذاك المزيج لذلك لم أزر أي طبيب حتى الآن فكل

ما أريده منك أي شيء لا يجعله يعيقني فأمامي أمور كثيرة , سأتحمل

ألمه ووخزه القوي ذاك المهم لا يعرقل تحركاتي "

خرجت ضحكة صغيرة من ذاك الطبيب وقال وقد بدأ بلف الشاش

حول كتفه وصدره " أنت تطلب ذلك من مارد مصباح وليس طبيبا

الجرح يحتاج للراحة ليومين على الأقل أو حافظ على إبقاء يدك في

وضع مسترخي ولا تحركها قدر الإمكان ولا تقد السيارة حتى يندمل

لحم الجرح على الأقل ثم يمكنك تحريكها للضرورة فقط وبذلك

يمكنك التحرك أو لن تضر إلا نفسك سيدي وقد تخسر

ذراعك للأبد "

هز رأسه بحسنا وهوا يراقب حركته السريعة المتقنة في لف

الشاش وهمس " سأحاول جهدي "

ثم وقف بعدما أنهى له تثبيته جيدا وبدأ بارتداء قميصه المزرر من

الأمام وقال الطبيب " عليك أخذ المضادات الحيوية أيضا وبانتظام

كبسولة واحدة كل ست أو ثمان ساعات كحد أقصى ولا تنسى

أهم شيء أن لا تحركها كثيرا "

هز رأسه بحسنا دون تعليق ثم خرج من عنده وهاتفه على أدنه

اليمنى كما دخل له فجسده هنا وقلبه هناك مع المدن الخمس التي

انضمت لحدوده مؤخرا فعليهم أن لا يخسروها ويضروا أهالي

قبائل جيروان اللذين سلموا أنفسهم ومدنهم لهم طوعا


*

*

أنهت ظفر شعرها كجديلة منتهية عند خاصرتها ثم رفعت خصلات

غرتها خلف أذنها وقد لبست بيجامة نوم خريفية جمعت الدفء مع

خفة القماش والبساطة مع أناقة المظهر حيث كانت بأكمام طويلة

وبنطلون طويل مزررة من الأمام بأرضية بيضاء وحواف عنبرية

وقد ملأتها رسومات صغيرة جدا بالكاد ترى تفاصيلها بذات ذاك

اللون العنبري الزاهي , طرقات خفيفة على الباب جعلتها تخرج من

بحر الأفكار التي كانت تسافر بها مترنحة في الأيام التي قضتها في

هذا المنزل حتى أنها شعرت للحظة بأنها لازالت في صنوان وأنها

ليست هنا ولا زوجة لذاك , تنهدت تنهيدة طوية وقالت بصوت

واضح " تفضلي "

فانفتح الباب ودخلت منه حبيبة مبتسمة تلك الابتسامة الودود التي

تنسيها جزئا من همومها وأغلقته خلفها فسألتها من فورها

" هل غادر الضيوف ؟ "
هزت تلك رأسها إيجابا وقالت " منذ أكثر من ساعة , والسيد

مطر عاد من لحظات "

شعرت بذاك الناقوس يدق أجراسه في قلبها حتى رن في أذنيها

فشدت أناملها على تلك الضفيرة الطويلة بلا شعور منها وهمست

" عاد ؟ "

هزت حبيبة رأسها بنعم وقالت " والسيدة جوزاء صعدت خلفه

لغرفته وسمعتها تقول للسيدة نصيرة بأنه سيغادر ما أن يغير

ثيابه عائدا للحدود وكانت متضايقة من ذلك جدا "

أرخت قبضة أصابعها عن جديلتها وقالت وهي تمسح بكفها

عليها نزلا وبنعومة " أمازال متعبا لتتضايق هكذا ؟ "

رفعت حبيبة كتفيها وقالت " لا علم لي سيدتي , رأيته من مسافة

بعيدة ولم يبدوا لي يشتكي شيئا , مشيته وحركته طبيعيه حتى

أنه صعد السلالم مسرعا كعادته "

هزت غسق رأسها بحسنا وأراحت يديها في حجرها دون تعليق

فقالت تلك مبتسمة " لما لا تذهبي للاطمئنان عليه بنفسك سيدتي ؟

هوا زوجك ويحق لك ذلك أكثر من أي شخص "

أرخت نظرها للأسفل ولاذت بالصمت لوقت حتى كانت الواقفة هناك

قد قررت أن تغادر ورأت أنها أحرجتها بكلامها وهي كعادتها تفضل

الصمت كاتمة لجرحها على أن تجرح غيرها لكن الرد جاء منها بشبه

همس خافت ولازالت عيناها السوداء الواسعة تعانق الأرض مسدلة

جفنيها ورموشها للأسفل " لو أراد أن نطمئن عليه لاتصل , قد يكون

ممن يزعجهم الاهتمام الزائد فهكذا هم الرجال من نوعه لذلك أفضل

أن لا أراه , شكرا لك يا حبيبة "

هزت تلك رأسها بتفهم وغادرت مغلقة الباب خلفها دون تعقيب

على كلامها بينما راقبت الجالسة في الداخل الباب بملامح عابسة

وهمست " هذا الرجل ليس بغبي وسيفسر صعودي له

بألف تفسير وأغلبها صحيحة "

رتبت وسادتها تضع عليها الأخرى متأففة بحنق وليست تعلم ما

سبب انزعاجها الحقيقي ! هل هوا عدم تفكيره بهم وبأن يطمئنهم

عليه خاصة هي التي سهرت الليل بجواره ؟ أم من تجاهله الدائم

لها وكأنها شيء غير موجود إلا إن وجده أمامه ؟ أم الحقيقة الأفظع

وهي أن تكون منزعجة لغيابه مجددا لوقت لن يعلمه أحد وفي مصير

لا يعلمه أحد أيضا ؟ وطبعا لا يحق لهم ولا الاتصال والسؤال عنه

ولن يفكر هوا في فعلها , اضطجعت على السرير تخفي وجهها في

الوسادة تنام على بطنها ويداها تحتها ولا تعلم سببا واضحا لكل ما

يخالجها ! ما يضايقها وما يزعجها هكذا !! تحاول الهرب من تفسير

أي شيء وعقلها لا يفعل شيئا سوا تحليل تلك الأشياء وكأنه يتمرد

على سيطرتها , قفزت جالسة حين انفتح باب الغرفة بعد طرقتين

متتاليتين وكاد الهواء ينعدم حولها وانتفض قلبها وتوقف عن الخفقان

للحظة طويلة قبل أن ينبض من جديد بسرعة مضاعفة وهي ترى

صاحب الطول والأكتاف العريضة الذي ملئه يقف ببذلته العسكرية

وسلاحه على كتفه الأيمن , ذاك الوسيم حد دنوه من الكمال وكأنه

خرج من أحلام جميع الفتيات متجسدا في واقع هذا الرجل وتلك

الطاقة المنبعثة من داخله متمثلة في تلك الهالة المسيطرة حوله .

أدارت إصبعها السبابة خلف الوسطى وشدته به بقوة وكأنها تريد

كسره وهي تعاقب نفسها على انجرارها في تلك الأفكار فما أن

يظهر هذا الرجل أمامها حتى يبدأ عقلها بمقارنة جميع رجال

الأرض به لينتصر عليهم وبكل سهولة .

أما رد فعل الواقف هناك على تلك النظرة الباردة في عينيها

والتي عكست له أمورا لا تحكي أبدا عما يحدث في داخلها وهي

تستعل كالنار في الهشيم , كان ذاك الرد ابتسامة بطيئة مثيرة كانت

كفيلة بتدمر أي امرأة وإن كانت تمثالا من الجليد فكيف بمن لم تكن

تحتاج إلا لأن يخطو خطوة للداخل ليطفوا ذاك الاشتعال على

ملامحها ووجنتيها , تنهيدة طويلة خرجت منها وقد أرخت كتفيها

كقطة أمسكوا بها تسرق شيئا ودفنت وجهها في يدها مفرودة

الأصابع منزلة لرأسها للأسفل وقالت بعبوس " لا مطر لن

نتحدث الآن أرجوك "

كانت تعلم أنها هشة تلك اللحظة أنها سهلة العطب بشكل لم تتخيله

من قبل وكل ذرة في جسدها تصرخ مستنكرة ( لا يا إلهي لا تدع

هذا يحدث لي ) لن تحبه أبدا ليس هذا الرجل الخالي من المشاعر

ليس كثلة الصخر ذاك , ليس الدموي الذي قد يقتل عائلتها دون أن

يرف له جفن , صوت اقتراب خطواته الثقيلة في تلك اللحظة بحدائه

العسكري الأسود الطويل كان كفيلا بجعلها ترتد مجفلة حتى تلتصق

بأقرب جدار لها لكن قبضته القوية على ذراعا ما كانت لتسمح لها بأن

تفكر في ذلك ولا مجرد التفكير , رفعت رأسها ونظرها له ورسمت

على ملاحها وتلك العينين الفاتنة نظرة مستجدية حزينة كانت كفيلة

بتدمير جيش بأكمله فكيف برجل وقالت بذاك الصوت الرقيق

الناعم " أنت ذاهب الآن ولن نتشاجر مطر أرجوك "

ابتسامة أخرى كسولة ساحرة على طرف شفتيه كانت الجواب هذه

المرة ويده تنتقل من ذراعها ليدها وأمسك بأصابعها وهمس ساحبا

لها لتخرج من السرير " تعالي هنا أيتها الساحرة الصغيرة "

زمت شفتيها بضيق وهي تطاوعه منزلة قدميها على الأرض حتى

وقفت على طولها وكادت تفقد وعيها حين وجدت نفسها محاصرة

بين ذراعيه فجأة مدفونة في صدره وهمسه الساخن يلفح أذنها في

نعومة مغرية لصوت له تلك البحة والرنين الأجش " من أخبرك

أني جئت لنتشاجر أو نتحدث عن ذاك المهر الغبي "

لم تكن استعادت سيطرتها على نفسها بعد , لم ترجع نبضات قلبها

التي تبعثرت عند قدميه لمكانها لتستطيع التنفس واستجماع أفكارها

من جديد , كان ذلك أقوى من تحمل جسدها الرقيق الطري , وبعد

جهاد مستميت مع نفسها استطاعت أن تستجمع قواها رغم أن صوتها

خرج ضعيفا كحفيف أوراق شجرة صغيرة حركها الريح الخفيف

" لماذا جئت إذا ؟ "
والجواب كان شده لجسدها بقوة بيده وذراع اليمنى على ذاك الجسد

الصلب ثم ابتعد عنها مبعدا لها لكن يده كانت ترتاح على كتفها بينما

كان يبقي الأخرى بجانب جسده وهمس وقد صعدت أصابعه لعنقها

وجانب وجهها " قد أكون جئت لأشكرك على ما فعلته البارحة "

الابتسامة الماكرة على شفتيه والنظرة اللعوب في تلك العينين الساحرة

المسيطرة أكدت لها أنه كان يريد الهرب من جواب كانت تنتظره منه

عن سبب أكثر حميميه معززا لغرورها كأنثى لذلك ناور وهرب بحرفية

جعلت دفاعاتها الخامدة منذ دخل عليها تتنبه وتستيقظ من سباتها مخرجا

تلك اللبوة الشرسة مجددا وقد قالت ببرود محركة عينيها وحدقتيها

السوداء عاليا " آه أجل يبدوا أنك نسيت بأنك شكرتني

البارحة "

خرجت منه ضحكة صغيرة وكأنها لم تستأذنه وقال وأصابعه

تتغلغل أكثر في شعرها المجموع في تلك الجديلة جانبا

" لم أقصد الشكر بالكلمات يا ابنة شراع "

حقيقة ما جعلتها تجفل جديا هذه المرة فأبعدت يده مرتدة خطوة

للوراء وقالت بنبرة تحذير وكأنها تهدده بفعل ما يفكر فيه وأوضحه

بكلامه " شكرتني بالطريقتين أم أن ذاكرتك أصابها شيء "

ثم سرعان ما نقلت نظرها لكتفه وقالت قبل أن يعلق على كلامها

" كيف هوا جرحك ؟ هل زرت طبيبا ؟ "

لمس كتفه بأصابعه ونظره لازال يتفرس ملامحها قائلا

" نعم قبل عودتي لحوران "

نقلت نظرها لعينيه وقالت بتشكيك " ماذا قال عنه ؟ "

تحولت لهجته للسخرية وقال مبعدا يده عن كتفه

" هل يعنيك حقا ما قال ؟ "

عبست ملامحها الجميلة بطريقة رقيقة لم تزدها إلا فتنة وهمست

برقة " من أخبرك أنه لا مشاعر إنسانية لدي ؟ "

أخفى شفتيه ما بين شاربه ولحيته وكأنه يخفي انفعالا ما فيهما

وهوا يزممهما للداخل ثم سرعان ما أخلى سبيلهما وقال ببرود

" لا شيء مهم , أعطاني لائحة طويلة من التوصيات وقال

إن لم ألتزم بها سأخسر ذراعي "

كادت تخرج منها شهقة مستنكرة لولا أنها كبحت جماح نفسها

لكنها لم تستطع إخفاء الصدمة من ملامحها وعينيها السوداء

الواسعة وقالت وقد تحولت لهجتها للجدية " وقدت السيارة

إلى هنا بنفسك ؟ "

هزة خفيفة بلا من رأسه كانت جوابه فقالت مضيقة عينيها

" لا أصدقك , لما لا تريني كتفك إن كان جرحك نزف أم لا ؟ "

حرك رأسه للأعلى في حركة خاطفة واثقة وقال " اسمعي يا ابنة شراع

فأنا لا أحب كثرة الاستجواب والإجابة عن أي شيء ولقد أشعرتني

بأني في محكمة منذ دخلت , ولأني لا أحب أن يكذبني أحد ... "

وتابع وهوا يفتح الأزرار العلوية لسترته بأصابع يده اليمنى فقط

" أنظري بنفسك وتأكدي "

أبعد ياقته بعدما فتح نصف الأزرار تقريبا ونظرت هي من مكانها

للشاش النظيف تماما ثم نقلت نظرها لعينيه دون تعليق متجنبة النظر

لأي تفاصيل أخرى غير ذاك الشاش الأبيض , وتركت أصابعه ياقته

قائلا بجدية " أخبرتني جوزاء أنها تريد استئناف خروجها في بعض

الزيارات فهي وعمتي لم تخرجا منذ تزوجنا فإن أردت الخروج أيضا

لك ذلك وإن أردت البقاء في المنزل فلا تبقي وحدك فيه إلا إن كان

معك عمي أو حتى عمتي فهي لا تخرج اغلب الأحيان , وحين تخرجين

للحديقة أخبري إحدى الخادمات تخبر العمال كي لا يدخل أحد ولا

للضرورة , لا أريدهم أن يتجمعوا كالدبابير حول مكانك وهم

يسمعون ضحكاتك وأنتي تطاردين الدجاج "

عضت شفتها السفلى في حركة حانقة ولا إرادية فها قد ظهر

سبب الزيارة المفاجئة , حررت شفتها وقالت ببرود " حاضر

هل من أوامر أخرى ؟ "

قال بتهكم واضح " نعم "

وتابع بجدية مركزا نظره على عينيها " في حال موتي سيأخذك

عمي من هنا ويدخلك صنوان وترجعي لأبيك من قبل دفني

ومن دون نقاش ولا سؤال "

نظرت له باستغراب ونبضاتها ترجع للرفع من مستوياتها ولم

تستطع سؤاله لأنها تعلم جيدا بأنه لن يجيب , تحرك حين لم

يصدر عنها أي تعليق ووجهته باب الغرفة فقفزت راكضة

جهته " مطر توقف "

وقف والتفت لها فوقفت مكانها على بعد خطوتين فقط منه وقالت

" أغلق أزرار سترتك فورا , هل تريد الخروج بها هكذا ؟ "

النظرة اللعوب التي أرسلتها عينيه جعلتها تتراجع خطوة للوراء

وقد اشتد وهج خديها وقالت وقد فرت بنظرها بعيدا عن وجهه

وجسده " لا ينقصني إحراج آخر رجاءا , ولن تفكر هذه المرة

في الضغط عليا بها بالتأكيد فأنت لا تستخدم ذات السلاح

مرتين كما أضن "

نظرة إعجاب واضحة كانت تلك التي مسح بها تفاصيل وجهها الناعم

حتى كاد يشعر بأنه يلمسه دون أن يرفع يده له , يعجبه في هذه المرأة

أنها تفاجئه دائما .. تعرف متى تتحداه ومتى تناوره وأيضا متى تتلاعب

به , نظر لسترته ولأزرارها المفتوحة ثم رفع نظره وكانت تنظر لعينيه

هذه المرة فرفع يده اليمنى جانبا وقال " ما لا تعلميه أني أعسر ويدي

اليمنى لا تفلح في شيء وحدها سوا الأكل أما باقي الأعمال فتقوم بها

بضعفي مجهود تلك , ولن أجلس هنا نصف ساعة أحاول إدخال كل

زر لمكانه فكما تعلمين إغلاق الأزرار ليس كفتحها خاصة هذا النوع

من الثياب المتقنة الصنع سميكة الخيوط , ولن أضيع مزيدا من الوقت

وبعض رجالي ينتظرونني في الخارج , فقد كنت سأقوم بذاك

العمل في الطريق لأني لن أقود طبعا "
قالت بعبوس العاجز عن إيجاد حل وعن الرضا بالواقع المرير

" والحل الآن ؟ "

أمال ابتسامة صغيرة على طرف شفتيه وقال " سأخرج طبعا فأنا لا

يعنيني رأي أحد فأنتي زوجتي , أو أغلقيها أنتي بما أن الأمر يقلقك "

أنزلت رأسها وغرست أصابع يدها اليمنى في غرتها وكأنها تخفي

وجهها عنه وعضت طرف شفتها بقوة متنهدة بعجز فلن تتركه

يخرج هكذا من جهة ممر غرفتها , هذه فضيحة أسوء من سابقتها

( الحق عليك يا حمقاء هل كان عليك أن تطلبي منه أن يريك إياه ؟

صحته وهوا أعلم بها يقود السيارة أو طيارة ينزف جرحه أو

حتى يتفجر تلك مشكلته )

رفعت رأسها سريعا حين سمعت خطواته تتحرك مبتعدة وتوجت

نحوه دون شعور منادية " هيه أين ستذهب ؟ انتظر سأغلقها

وأمري لله "

وقف واستدار جهتها وقال بابتسامة ساخرة " لا أفهمك حقا ! هل

إغلاق أزرار سترة زوجك عمل يحتاج كل هذا التردد والخوف ؟

سبق وأخبرتك أني لن آكلك "

اقتربت منه حتى وقفت أمامه تكاد تكون ملتصقة به وقالت بحنق

ناظرة للسترة التي رفعت لها يديها ببطء " لما لا تتوقف عن

السخرية مني طوال الوقت ؟ "

اكتفى بالنظر لملاحها في صمت وهي تغلق تلك الأزرار وكأنها تدخل

حبلا في خرم إبرة من تصلب أصابعها وارتباك أنفاسها التي كان يشعر

بها ساخنة على بشرته , أمسك ابتسامته وهوا يراقبها ومدركا بأنها لا

تره مدققا على ملامحها ويديها المرتجفة فهوا يعلم أن خجل الأنثى كان

سيلعب دوره مهما كانت تتسلح بالقوة , لم يستطع مقاومة تلك الفكرة في

إزعاجها وهوا يمرر أصابع يده فوق خصرها في لمسة خفيفة جعلتها

تبتعد عنه مجفلة كضبيه شعرت بالخطر فجأة , فهو إن لم يفعل ذلك

لتبتعد ما كان ليضمن نفسه , نظرت له بعبوس قابله بضحكة صغيرة

وتوجه للباب من فوره , فتحه وخرج قائلا وهوا يسحبه خلفه

" اعتني بنفسك جيدا "

وسار مجتازا الممر بخطوات ثابتة واسعة وما أن كان خارجه حتى

مد يده وأخذ الحقيبة الموضوعة على أحد الأرائك وتوجهت جوزاء

جهته وهو متابعا طريقه للباب على صوتها من خلفه وهي تتبعه

" اعتني بنفسك يا مطر واتصل بنا "

همس دون أن يتوقف " حسنا ، استودعتكم الله "

وخرج من فوره واجتاز تلك الحديقة الواسعة حتى كان خارج

سورها وركب السيارة التي كانت في انتظاره ملقيا السلام على

الجالسان فيها ورفع يده يغلق الزر الذي تركته تلك ونظر بطرف

عينه للجالس بجانبه خلف المقود ينظر له مبتسما ويعلم أنه لا يفوت

شيئا وإلا قتله كتمانه له , قال بذات تلك الابتسامة الشيطانية

" تأخرت ثلث ساعة وليست عادتك "

هوا يعلم بأنه لن ينجى من تعليقاته فبِشر يهوى استفزازهم دائما

وهم اعتادوا على كونه واحد منهم وليس زعيمهم أو قائدهم الحربي

بينما فصل معهم وقت الجد لوحده ووقت الهزل لوحده فكانوا بذلك قرابة

الثلاثون رجلا بكلمة واحدة ورأي واحد وعقول راجحة تفكر في مصلحة

غيرها قبل نفسها , نظر تحته ورفع الحقيبة ورماها في الكرسي خلفه

حيث كان شاغر وألحقها السلاح وقال ببرود " تحرك بلا كثرة

حديث , وإن واحد منكما تحدث في هذه الرحلة الطويلة المملة

عن النساء رميته خارج النافدة أتفهما ؟ "

ضحك بِشر وقال وقد انطق بالسيارة " أوامرك سيدي ، رأيت

فقط مزاجك أفضل من يوم أمس فأردت أن ألطف الجو أكثر "

قال الجالس خلفهما " تحدث معي حيدر منذ قليل وقال أن مشكلة

خزان المياه في ريسوان يوشكون على حلها "

وانخرطوا في حديث طويل بطول طريقهم ذاك عن مستجدات ما

حدث وعن أكثر المشاكل تعقيدا حتى طغى الظلام على رحلتهم

كاشفا أضواء سيارتهم وهي تشق الطرق التي كان أغلبها ترابيا

فالجنوب كان الأقل حظا في أعمار ذاك المستعمر لتلك للبلاد .

وما أن وصلوا هناك حتى وجد مئات المسائل والمشاكل العالقة في

انتظاره , فرغم تكثيف رجاله لجهودهم وربطهم لليل بالنهار لكنهم

لم يستلموا قبلا مناطق سلمت نفسها طوعا فالوضع أكثر حساسية

وكان يحتاج لوجوده بالفعل كداعم قوي لأي أمر يقرروه مع أهالي

تلك البلدات ففي البداية سيحتاج الناس رؤيته وهم يتفقون على

كل شيء ومن الطبيعي أن يطالبوا بالاتفاق معه تحديدا

*

*

دخلت تدفع عجلات كرسيها من باب الغرفة المفتوح فرمت غسق

الكتاب من يدها جانبا وتوجهت نحوها قائلة " عمتي لو أرسلت لي

إحدى الخادمات لأتيتك بنفسي "

رفعت نظرها لها فوقها وهي تسحب بها الكرسي جهة الطاولة

المستديرة نهاية الغرفة عند تلاقي النافذتين الطويلتين في الزاوية

وقالت مبتسمة " فكرت أن أزورك أنا فأنتي لا تخرجين من

غرفتك إلا قليلا وقد تكوني تعتقدين أنك تزعجينني "

جلست مقابلة لها على الكرسي وراء الطاولة وقالت تبادلها ابتسامة

أصدق وألطف منها " أنا معتادة على هذا عمتي فقد كنت الفتاة الوحيدة

في منزل والدي وعمتي كانت مشغولة أغلب الوقت أو في زيارة خارج

المنزل وأخوتي ذكور منذ كبروا وأصبحوا شبانا لم نعد نلعب ونمرح

معا وأصبح أغلب وقتهم خارج المدينة وكنت أتسلى بالكتب وحدي "
هزت تلك رأسها بتفهم وقالت " الرجال دائما نصف موجودين

وإن عاتبت المرأة اتهموها بالنكران "

ضحكت المقابلة لها وقالت " عمتي جويرية كانت تقول ذلك دائما "

انطلقت ضحكة نصيرة وقالت " وأكبر دليل لديك هنا طبعا "

لم تستطع مشاركتها الضحك ولا بابتسامة صغيرة مهما جاهدت نفسها

فالأيام القليلة لغيابه لم تبدد مخاوفها ولم تستطع فيها فهم نفسها فلازالت

كلما تذكرت قبلاته تلك تشعر بملمس شفتيه على شفتيها وكأن الأمر

يحدث الآن , باتت تكره تلك الذكرى بمقدار ما تحرقها وتشعل

مشاعرها وكرهت أكثر قوته المسيطرة وخروجه الكاسب

دائما لتبقى وحدها تغوص في دوامة فهم ألغازه ودواخله

" غسق أين وصلت ؟ "

صوت عمتها المبتسم أعادها من أفكارها التي لم تتركها منذ غادر

فأطلقت تنهيدة حارة بائسة وقالت " شردت قليلا آسفة عمتي "

قالت تلك بذات ابتسامتها " لقد اتصل بالأمس وهو بخير وسأل

عنك أيضا "

رفعت نظرها وعلى وجهها ملامح استنكار واضح فسبقتها عمتها

قائلة بعد ضحكة صغيرة " أعلم أنك لا تفكرين فيه ولا تريدين سماع

أخباره لكني خمنت أن تكوني على الأقل تريدين الاطمئنان على

صحته ولتعلمي أنه لا يدخل هناك ناسيا كل شيء خلفه هنا "

لعبت بأصابعها تحت الطاولة ونظرها عليها وقالت بكلمات حذرة

وكأنها تخرجها من أوردتها مرغمة " وسأل عني لماذا فلم يفعلها

سابقا ؟ "

قالت تلك من فورها " هو لم يتصل قبل هذه المرة ، أما لماذا فلا

أعلم فكل ما قاله ( كيف حال غسق ) "

شعرت بقشعريرة تسري في بدنها وقد صور لها عقلها صوته

الجهوري ونبرته المبحوحة وهو يقولها وكان وكأنه أمامها فانتفضت

واقفة تطرد تلك الأفكار من السيطرة عليها ووقفت أمام النافذة قائلة

" ما أجمل نوافذكم هنا فهي طويلة وواسعة تشعرك بأن الطبيعة

موجودة حولك "

لكن الجالسة خلفها يبدوا أنها لم تحب انسحابها من حديثهم السابق

فقد قالت " غسق ألم تتفقا على شيء أبدا حين كان هنا ؟ "

تنفست بعجز وقلة حيلة فلن يجدي إغلاقها لموضوعه أبدا على ما

يبدوا ، التفتت لها واستندت بحافة النافدة خلفها وقالت بتوجس

" هل تحدثتما عن الأمر وقت اتصاله ؟ "

قالت بجدية " سألته فقط حتى متى سيهمل وجود زوجة في حياته

وأنه لم يعد حرا كما في السابق وحين ضغطت عليه كثيرا بتوبيخي

قال باختصار ( لتقبل بي هي في حياتها أولا ثم عاتبيني عليها )

فأسكتني بذلك ولم أستطع قول شيء "

كانت ستتحدث لكنها سبقتها قائلة " أعلم ما تريدين قوله يا غسق

وبأن الاختيار في يده مثلك لكن ألا تري معي أنه يسكت عن الأمر

بإرادته وليس المهر ما يمسكه عنك ؟ بل شهامته كرجل لا يريد

الدخول بامرأة لم يعطها حقها "

حركت رأسها باستنكار وقالت وهي تبعد خصلات غرتها المتطايرة

عن وجهها " المهر من حقي عمتي وشرط أساسي لتحقق العقد

فلما يكون شهامة منه ؟ "

تنهدت نصيرة بصبر وقالت " لأن الأمر ليس كله بيدك يا غسق فكل

ما تستطيعيه تحديد مهرك وغفلت عن أنه ثمة شيء يسمى شرعا بالمهر

المؤجل ويكون برضا الولي أي والدك جدك عمك أو خالك أقربهم حيا

وأنتي لك والد وحتى إن لم يكن فلابد لك عم أو خال والعقد صحيح

وأنتي زوجته أو ما كان ليختلي بك ولا لدقيقتين وأنتي لا

تحلين له وهو ابن شقيقي وأعرفه "

لم تستطع استيعاب تلك الحقيقة ولا تصدق أن والدها شراع قد يوافق

أن يترك مهرها مؤجلا حتى يتفقا وإن بعد عشرة أعوام ليتبجح عليها

ذاك الرجل بأنه يتركها تقرر شهامة منه ليس إلا ! همست باستياء

واضح " لا هذا ليس عدلا أبدا "

قالت عمتها بتأنيب " هذا شرع الله يا غسق هل ستعترضين عليه ؟

ثم لا تنسي أنك بمنع نفسك عنه تخالفين حدوده "

أولتها ظهرها مجددا تنظر لتلك الأشجار التي غطى أوراقها اللون

النحاسي المائل للاصفرار وقالت بضيق " لما أنتي في صفه عمتي ؟

هل لأنه ابن شقيقك وأنا ابنة شراع ؟ لما ينسى الجميع أن هذا الزواج

حدث رغما عني وعن والدي ؟ بأني أجبرت على أن أعيش وسط

قبائل تستنكرني وأنه عليا أن أصفق لهم بحرارة يوم تغزوا جيوشهم

ودباباتهم أهلي هناك ؟ أقليل في حقي أن أطلب مهرا يساوي

نصف ما لقيت وسألقى ؟ "

هزت تلك من خلفها رأسها بيأس وقالت " أنا لا أقف في صفه ضدك

يا غسق وإلا ما كنت عاتبته عليك , أنا أفكر في مصلحتك قبله لأنك

ستكونين الخاسر الوحيد إن أبقى الزواج معلقا هكذا أو تزوج بغيرك

أو أرجعك لوالدك مطلقة ففكري فيه وفي أخوتك على الأقل وحاولي

التفاهم معه على ما يرضي كليكما , وأؤكد لك أنه لن يظلمك أبدا لا

بزواجه منك ولا بمهرك ولا أي شيء فلم نعرفه ظالما يوما وكان

يعطي كل ذي حق حقه حتى إن كان لا يعرفه ، فحتى ورثتي من

والدي يحفظها رغم تنازلي عنها وقال أنها حق ابني وإن لن نجده

أبدا ، وكذلك أرض جوزاء شقيقته وقد صرح بأنه حتى إن ماتت

فلن يلمسها أحد وهي لأبنائها من بعدها وهم ليسوا منا ، بل حتى

أرض دجى رحمه الله وماله لم يقربه أحد ولم يقسمه على الورثة

ومؤكد يضع احتمالات لأن يظهر له زوجة أو ابن لا نعلم عنه

ولا يريد أكل حقه ، فأخبريني كيف لرجل مثله أن يظلمك يا

غسق وينكر حقك ؟ "

مررت أصابعها في شعرها ونظرت للأعلى ثم تنهدت قائلة بعجز

" أعدك أن أفكر في الأمر وأن أتناقش معه فيه عمتي فلا تغضبي

من كلامي ولنترك هذا الحديث برمته أرجوك "
ثم مدت رأسها ونصف جسدها خارج النافذة وقالت مبتسمة

" هذا صوت حبيبة تتشاجر مع الدجاج , جربي أن تخرجي

لتلك الجهة عمتي ستحبينها بالتأكيد "

ابتسمت تلك بود ناظرة للجسد الذي تدلى الشعر مغطي نصفه تحار

في قلب هذه الفتاة الذي لا يحمل شيئا على أحد وقد نست في لحظة

كل حديثهما الذي بدت فيه مستاءة جدا وحانقة من كل شيء حولها

وهذا ما لاحظته عليها إن غضبت لا تغضب من أجل نفسها وسرعان

ما تعتذر , وإن جرحتها الكلمة لا تردها على صاحبها أبدا وسرعان

ما تنساها له , حركت عجلات كرسيها ما أن التفتت لها تلك وقالت

" اذهبي أنتي وغيري من مزاج الصباح , أنا سأذهب لجوزاء

ستمشط لي شعري وتظفره بما أنه جف أخيرا "

تحركت من فورها تساعدها بسحب الكرسي لها وقالت وهما

تخرجان من الغرفة " شعرك محتفظ بجماله عمتي وطريقة

ظفر جوزاء له تجعله أكثر تميزا "

قالت مبتسمة وهما تسلكان الممر وتدخلان تقاطعه مع الممر الغربي

" الشعر من سمات قبيلتنا وبسببه سميت الحالك "

قالت غسق وقد وصلتا باب الغرفة " قبيلة والدتي أيضا تميزت

بالشعر الطويل الكثيف لذلك سميت بقبيلة غزير "

مدت نصيرة يدها لمقبض الباب قائلة " أجل سمعت عنها وهي

كما قلتِ سابقا تنحدر جذورها من الحالك "

وما أن أدارت مقبض الباب حتى قبّلت تلك خدها وهي لازالت

تقف خلفها وقالت مغادرة " سأخرج لحبيبة وأراك لاحقا عمتي "

وغادرت تتحاشى ملاقاة جوزاء تجنبا لتجنب تلك لها وخرجت للحديقة

من باب المطبخ الخلفي قريبا من قن الدجاج الواسع هناك وجلست على

حافة مقعد حجري قد وضع مع بناء المنزل , جلست على ظهره وقدماها

على مقعده تراقبها مبتسمة حتى انتبهت تلك لوجودها وقالت تحدثها

من بعيد وبصوت مرتفع " لقد فقصت بيضات الدجاجة الحمراء "

قفزت من الكرسي قائلة بحماس " حقا !! أرني إياها فكم

أعشق أفراخها الصغيرة جدا "

وتوجهت نحوها تراقبانها في المكان الوعر الذي كانت تنام فيه

فوق البيض وقالت حبيبة " أنظري لرأسه من تحت جناحها

يبدوا أنهم أربعة أو خمسه من انتفاخ جناحيها "

قالت بحماس وهي تراقبهما " متى ستخرج بهم ؟ أريد

رؤيتهم وهم يركضون خلفها "

سوت حبيبة وقفتها قائلة " يوم أو يومين وستخرج بهم "

ابتعدت عنها ووقفت عند جذع شجرة السنديان التي لم تفقد خضرتها

ولونها الزاهي مع تقدم أيام الخريف تراقب حبيبة وتتشاركان الأحاديث

فهي تعرف كيف تصوغ الجملة العادية بحيث تصبح مضحكة واعتادتا

على ممازحة بعضهما وكأنهما صديقتان وليس خادمة وزوجة سيدها

" حبيبااااا "

كان ذاك الصوت الرجولي الصارخ الغاضب القادم من خلفها قد

جعلها تبتعد عن الجذع منتصبة في وقفتها ولم تتجرأ على الالتفات

للخلف وهي ترى نظرة الرعب في عيني تلك الخادمة وقد وضعت

يدها على رأسها متمتمة " يا مصيبتي لقد نسيته "

قالت غسق بتوجس وهي تسمع الخطوات المقتربة منهما

" ما هوا الذي نسيته ؟ "

بلعت تلك ريقها وقالت منزلة يدها " خرطوم المياه ولابد وأنه غمر

المكان , وهو أكثر ما يكرهه إهداره هكذا وسأسمع منه الآن

محاضرة أعرفها جيدا "

وما هي إلا لحظات ومر ذاك الجسد الطويل بجانبها بذات تلك المشية

الواثقة الثقيلة والرشيقة في ذات الوقت حتى وقف على بعد خطوات

بينها وبين تلك التي تكاد تقطع شفتها من عضها تنظر للواقف أمامها

وقد أمسك خصره بيديه صارخا فيها " إن كنا لا نحتاج الماء فغيرنا

لا يجده , كنت تركت أحد العمال تولى المهمة مادام عقلك

ليس معك "

همست تلك بلا حيلة " آسفة سيدي ولن أتولى ذلك مجددا , أنا

فقط أردت أن ... "

قاطعها بحدة " لا عذر يشفع لك أبدا "

وعاد يذكرها بأنها تهدر شيئا إن فقدوه ما استطاعوا العيش بدونه وكانت

هي تتلقى التعنيف بصمت بينهما الواقفة خلفه قد تاهت عينها في شعره

المبلل وكان يرتدي بنطلونا من الجينز وقميصا أبيض وسترة سوداء

خفيفة مخصرة ولم تكن تفكر سوا في متى جاء واستحم ولا تعلم عنه !

عضت طرف شفتها وهربت بنظرها بعيدا عنه موبخة نفسها ( سحقا

لك يا غسق ما الذي تركته عيناك فيه أيضا ؟ كادتا تدخلان تحت ثيابه )

عادت بنظرها لشعره الأسود الرطب اللامع المصفف بعناية كعادته

يحف ياقة قميصه الأبيض من تحت السترة ثم أغمضت عينيها متأففة

من نفسها ( بماذا تسمين هذا يا حمقاء ؟ أتشتاقين له لهذا الحد وهوا

من لا يهتم حتى لوجودك في هذا العالم !! )

ولم تنتبه أن حديثه الغاضب ذاك توقف وأن الواقفة هناك اختفت أيضا

حتى فتحت عينيها وتيبست مكانها وقد وجدته أمامها بعد أن دار بجسده

لها تنظر لعينيه قاتمة السواد من الغضب ولازال يمسك خصره بيديه

فرفعت كفيها بجانبي وجهها وقالت ببراءة " لم أفعل شيئا طبعا "

اقترب منها عدة خطوات حتى كان أمامها مباشرة وقد تحولت

نظرته من الغضب للجمود التام فعضت طرف شفتها وأنزلت

رأسها للأسفل وقالت بصوت منخفض ناعم " آه نعم هي تولت

مهمة السقاية لأني سأخرج معها هنا , لكن لا تصرخ بي

بتلك الطريقة أخشى أن لا أتحمل مثلها "

خرج صوته صلدا وكأنه يسحب فوق قطعة حديد

" لماذا تغمضين عينيك ؟ أتكرهين رؤيتي لهذا الحد ؟ "

رفعت نظرها له بسرعة وقد انفتح فمها من الصدمة ولم تعرف بما

تعلق فلم تتخيل أن يكون هذا السبب وأن يفسر الأمر هكذا ! شعرت

بأنها في مأزق حقيقي فإن قالت الحقيقة فضحت نفسها وذلك ما لن

تفعله أبدا فهل ستعترف بأنها أغمضتهما لأن مشاعرها تغلبت عليها

وخشيت أن تركض جهته وتحضنه من ظهره ! هزت رأسها بلا بقوة

رافضة الفكرة فقرب حاجبيه وغضن جبينه وقال بحزم

" لماذا إذا ... هل لي أن أفهم ؟ "

عضت شفتها مجددا فحتى تلك الإشارة برأسها لم تقصد بها جوابا

لسؤاله , قربت مثله حاجبيها الرقيقان لكن في نظرة عابسة صغيرة

ورقيقة زادت عينيها طولا مقربة صفي الرموش الحالكة الكثيفة

وهمست برقة " لا تفرغ باقي غضبك بي مطر أقسم لم

أقصد ما فهمت "

مد يده وسندها على الجذع خلف رأسها وأحنى رأسه ناظرا لعينيها

( عابثة ) .... تلك كانت الكلمة التي لفضها ولم تخرجها شفتيه وهو

ينظر لوجهها الدائري الجميل وعيناها السوداء والواسعة وخداها

المتوردان وتلك الخصلات التي طارت متمردة على الوشاح الذي

وضعته على رأسها , عابثة صغيرة فاتنة وخطر على أي رجل

ذاك ما اعترف به وإن لم يقله لأنه قال بدلا عنه وبصوت متزن

لم يحمل الغضب هذه المرة لكنه لم يعبر عن أي شيء غيره

" أنتي أتتبعين هذه السياسة كلما كنت في مأزق يا لعوب ؟ "

نظرت لعينيه بصدمة لبرهة ثم رفعت حدقتيها للسماء وقالت بتفكير

" حين كنت صغيرة وكان والدي يعاقب أحد أشقائي كنت

أستلم أنا عنهم مهمة البكاء "

ظهرت ابتسامة ساخرة على طرف شفتيه من تهربها من السؤال

وقال ببرود ساخر " لم أراك بكيت الآن ؟ "

نظرت لعينيه مجددا وخشيت فورا على نفسها من سحرهما فأبعدت

نظرها مرخية له للأسفل وقالت " لأنك لم تضربها طبعا فأنا لم

أكن أبكي إلا حين يضرب أحدهم "

أبعد يده مسويا وقفته وقال ببرود " من هذا الكاذب الذي

أخبرك أني أضرب النساء ؟ "

ولم يعطها مجالا للرد لأنه غادر مجتازا لها قائلا " لفي وشاحك

جيدا والحقي بي عند السيارة "

المخرج ~

بقلم الغالية : سما 23

غسق الدجى الخجولة* بها لا تستهين
لن ترضخ لك بسهولة*يا مطر شاهين
فهي تربية شراع* ذاك الرجل الأمين
وهي امرأة ذكية* رغم الحسن المبين
وهي امرأة قوية* رغم ظلم السنين
جاءت ديار الحالك* لكشف السر الدفين
فصارت سيدة القصر* وعاشت كالسجين
متى تفك قيدها * وتعاملها بلين
متى نراكما معاً * يا أجمل عاشقين

*****




نهاية الفصل ..... موعدنا القادم مساء الأحد إن شاء الله





فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:49 AM   #706

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


طابت أوقاتكم بكل حب أعزائي متابعي جنون المطر في كل أرض

وبلاد ومنتدى


النقاط التي ثم إثارتها هذه المرة قليل وانحصرت في موضوعات

معينة , كان النقاش محتد بين الحلوات عن معرفة مطر لغسق

وقرابتها منه وهالشيء بتعرفوه في البارت القادم إن شاء الله

أما سبب هروب أميمة وإخفائها الحقيقة عن شراع وزواج دجى

بيها بيتضح أيضا في الفصل وتعرفون من مطر تحديدا حل ألغاز

الحكاية المتشابكة وطبعا قربتوا منها في لحظات كثيرة لكن ترجعوا

تبتعدوا وما شاء الله عليكم ما تركتوا توقع ما قلتوه وأصبتوا في

بعض النقاط لكن الأغلب كان خطأ , بالنسبة لسؤال غسق أو طلبها

من مطر تشوف والدها وأخوانها فهي عارفة استحالة هذا الشيء مع

التنازعات والعاداوات القبلية وإنقطاع أخبار الجميع عن بعض ورسم

حدود مغلقة وبعدهم عنها ولا ننسى إن غسق تخشى من إمساك مطر

ليدها الي توجعها في مسألة العمران

الأخت الغالية أيلول تسأل ليش أهملت شراع وأبنائه في الأحداث

والفصول الأخيرة وطبعا غاليتي لأن غسق كانت بينهم فهل المطلوب

مني الآن نقل حي ومباشر لحياتهم اليومية في سيناريوا ممل ؟؟؟

بالتأكيد ما حد منكم بيحب يقرأ هالخربشات وقتها وابتعرفوا في

الجزء الثاني إن شاء الله ليش ما كان لرعد ورماح وحتى جبران

قصص في هالجزء وبطلات

بالنسبة لتيم وسبب إهتمام مطر بيه نعرف جوابه في الجزء الثاني

الي بيكشف لكم أسرار كثيرة , لي لي حبيبتي تستحقي تاج على تفاعلك

القوي حبيت جدا كل ردودك , وأشكركم جميعا على ردودكم وتعليقاتكم

الرائعة وتوقعاتكم كل حبيباتي إلي يسعدني رؤية أسمائهم في كل

فصل وكل الجدد الي شرفوني برؤية حروفهم ورايهم في روايتي

المتواضعة .... أحبكم في الله جميعا



جنون المطر ) الجزء الأول )



الفصل الثالث والعشرون

المدخل ~

بقلم الغالية : همس الريح

فديتني و كنت تتلهف لرؤيتي
و في يوم افترقنا و صار سلوتي بكائي
اهذا حبك لي ام انني احلم
ففراقك اصعب من حرب باوطاني
حلمت بان اكون لك عشا فيه تحتمي
و لكن بيوم حبست في مكاني
لن تنساني ابدا وعدتني
و قلت ستكتب في قلبك عنواني
اذا ضاقت بك الدنيا لحظةً
تاتي لحقلي كي تشكو حرماني
لن اغفر لمطر جرح قلبي
يا ليتني استطيع كيه بنيراني


من حبيبة / زوجة الكاسر


*****


تحركت من تحت تلك الشجرة ولازالت تحاول استيعاب ما قال !

نظرت لثيابها لبنطلونها الجينز الأنثوي وللقميص الأبيض المغلق

مع فتحات جانبية بسيطة وبه نقوش تحف حوافه جميعا وبذات

اللون وكان طوله لنصف فخذيها تقريبا , حمدت الله أنها لبست

هذه الثياب فيبدوا أنه جلب شيئا يريد أن تنزله هي تحديدا أو لعله

سيستخدمها كعامل لديه لذلك طلب أن تلف حجابها لوجود العمال

هناك ، كشرت بعبوس من تلك الفكرة وتخيلت أن يذلها بالفعل

أمام عمالهم , لكن ما أن اقتربت من السيارة المتوقفة في الباحة

الأمامية الواسعة اكتشفت أنه لا وجود ولا لعامل واحد أو لظله

حتى ولم يكن هناك سوا ذاك الرجل الذي يقف منحنيا على سيارته

فاتحا باب صندوقها الأمامي يتفقد شيئا ما فيها وكان بالقميص دون

السترة ، أبعدت نظرها عنه وتنفست بقوة فلم تفهم حتى الآن السبب

وراء وجودها هنا , وكم أصبحت تكره مواجهة هذا الرجل المنتصر

عليها دائما وإن بسخريته ، عدت بأصابعها ونظرها عليهم وهي

تقترب من جهته ثم فكرت بعبوس ... مرت عشرة أيام على

غيابه الأخير ولا تعلم ما قررت وما ستقول ولم تنجح في أي

شيء ولا في إقناع نفسها أن هذا الرجل آخر من قد تجرها

عاطفتها نحوه وأنها تكره وجودها في حياته .

وصلت السيارة وكان منشغلا تماما بها فاتكأت بظهرها على بابها

مكتفة يديها لصدرها تنظر لقدميها على الأرض وللحذاء المسطح

الذي تلبسه , كانت جميع حواسها منتبهة لوجوده لصوت تحريكه

لأي شيء ولذاك الهواء الذي ينفخه من شفتيه منظفا به جزء ما

من تلك القطع المعقدة في سيارته , قد تتجاهل أي شيء حتى

تفكيرها فيما قد يصلان له بسبب خلافهما لكن تجاهل حضور هذا

الرجل في وجوده ذاك ما لن تحلم بتحقيقه , عضت طرف شفتها

تنظر للجانب الآخر حيث الحديقة الواسعة ولعنت نفسها مئة

مرة على أفكارها السخيفة تلك , بعد وقت قصير قالت ونظرها

على حركة قدمها على الأرض " كيف أصبح جرحك الآن ؟ "

لم يصلها رده حتى خيل لها أنه لم يسمعها ثم قال وهوا يغلق

صندوق السيارة بضربة واحدة قوية " أفضل بكثير "

وتابع وقد تحرك نحوها " أم تريدين التأكد بنفسك ؟ "

نظرت له بغيظ من سخريته منها ولم تعلق لأنه لم ينظر لها بل مد

يده لمقبض الباب فابتعدت عنه حينها ففتحه ومد يده لرسغها وأمسكها

منه وسحبها جهته وهي تتحرك نحوه مستغربه فأمسك خصرها ورفعها

مجلسا لها على كرسي تلك السيارة المرتفعة وأغلق الباب بعدما عدلت

ساقيها تنظر له باستغراب فلم تتوقع أن يخرجا من المنزل ! لف هو

للكرسي الآخر وركبه مغلقا الباب خلفه قائلا " لم تأخذي

من صنوان سوا قصر قامتهم "

رمقته بنظرة جانبية حانقة وهوا يدير مفتاح السيارة وقالت بضيق

" دماء صنوان تجري في عروقي بأكملها , ثم لو أنك رأيت

قصر قامة نسائهم عني ما قلت هذا "

وضع يده وذراعه على ظهر كرسيها ينظر للخلف متراجعا

بالسيارة للوراء وقال " حسنا فقط لا تغضبي يا ابنة صنوان "

فتنفست بقوة ولم تعلق فهي ليست بمزاج شجار مع هذا الرجل

تحديدا , خرج بالسيارة حتى كانا خارج سور المنزل المرتفع وأدار

المقود بقوة في حركة سريعة ودار بالسيارة وانطلق جانبا وهمس

مسميا بالله ولم يفتها همسه بعدها بدعاء تعرفه جيدا وكم سمعت والدها

شراع يقوله كلما خرجا بالسيارة لمكان بعيد وعلمت فورا أنه دعاء

السفر رغم أنه كان يتمتم به بهمس خافت وهوا يعدل الكرسي وطريقة

جلوسه عليه ثم المرآة أمامه لكن حواسها المنتبهة له جيدا استطاعت

فهم تلك التمتمة الهامسة , نظرت جانبا حيت نافذتها المغلقة تفكر أين

يريد هذا الرجل أخذها ! وأين سيذهبان لمسافة بعيدة وهوا عاد من

حدودهم مع الهازان للتو ! بل لما هي تحديدا معه وإلى أين ؟

وما كانت طبعا لتوجه له هذا السؤال وهي تعلم جيدا رد الرجال عليه

فكم كانت تسمع تلك الردود من الكاسر ورماح كلما سألت ( أين

سنذهب ؟ ) ويكون الجواب دائما ( ستعلمين حين نصل أو اصبري

وستعرفين بنفسك ) لذلك فضلت الصمت على سماع إجابة مشابهة

منه , أو لعل قلبها الصغير المشتاق تمنى أن يكون فكر بأن يعيدها

لأهلها ولصنوان لأنه ذاق ذرعا منها ومن مهرها , قبضت أصابعها

دون شعور منها وهي تفكر أن يكون فكر فعلا في فعلها , أن يرميها

لهم لتتقاذف الألسن والدها وأشقائها هناك ولن يرحمهم أحد ولن يرحمها

هي , عبست مفكرة بوجوم ( هل هذا هوا سبب قلقك حقا يا غبية ؟ )

هزت رأسها تطرد منه تلك الأفكار وغابت بنظرها في مدينة حوران

وشوارعها التي لم تراها سابقا فهي قد جيء بها هنا لا تعي شيئا حولها

وخروجها الوحيد من ذاك المنزل كان يوم زواجها وقد أخرجها عمه

قبل بزوغ الفجر ودخلتها في الظلام ولا تذكر أنها رأت في ذلك

اليوم شيئا سوا ذاك الكابوس الذي أفاقت عليه .

سرقت نظرة سريعة جهته وكان نظره على الطريق أمامه فعادت

بنظرها للنافذة من جديد وبسبب احتكاكها بأشقائها الرجال هي تعلم

جيدا كم يبغضون ثرثرة النساء في السيارة وهي لا تحتاج لتوبيخ منه

أو لسخرية لاذعة يعرف كيف يرميها بها كالرصاصة الموجهة للقلب

مباشرة لذلك قررت الصمت والتمتع بمناظر الأشجار التي تحولت لما

يشبه قبب من الذهب المتوهج تحت الشمس وتلك الحمرة النحاسية ليعطيا

معا منظرا لا تنساه العقول بسهولة فالحالك رغم أنها كانت الأقل عمرانا

إلا أنها الأكثر خضرة والأوفر مياها في تلك البلاد بأكملها , أنزلت زجاج

النافذة سامحة للهواء بالدخول ولعينيها بالسفر في تلك المناظر الخلابة

دون عائق بما أن الطريق أصبح خال من المباني وقد خرجا من حوران

ومن مدينتين بعدها تشبهانها كثيرا وكأن يداً واحدة تلك التي بنت المنازل

جميعها , ورغم أن الحركة كانت شبه معدومة لأن الوقت كان مبكرا

جدا فقد فضلت أن لا تنزله حتى يخرجوا منها .

أما الجالس خلف ذاك المقود يسلك الطرق بمهارة من حفظها شبرا

شبرا وحتى الحفر فيها يتخطاها بمهارة لمعرفته لأمكنتها فقد كانت

تسبح أفكاره في ذات السياق وإن بشكل مختف فلم يتوقع صمتها

وأن لا تسأل عن وجهتهما وهما يجتازان حوران ومجاوراتها دون

توقف أو تخفيف في سرعة السيارة ولا شيء يصدر عنها سوا حركتها

الخفيفة وهي تثبت طرف وشاحها الذي كانت تتلاعب به الريح القوية

الداخلة من النافذة وهي في ذات الجلسة منذ وقت تنظر للخارج ولا

صوت ولا لأنفاسها مع ضجيج تلك الرياح في محيط السيارة .

لا ينكر أنه يعشق الصمت وهوا يقود وكم كان يسلك الطرق مجتازا

المناطق الواحدة تلو الأخرى ولا يمل من صمته وصمت كل شيء

حوله إلا إن كان معه أحد رجاله أو مجموعة منهم وكان حديثهم

طوال رحلاتهم تلك يدور حول مشاكل القبائل والحروب وخطط

المستقبل ولم يكن يرى ذاك الوضع مختلفا عن جلوسه وحيدا صامتا

خلف مقود السيارة فحتى في ذاك الوقت يستغل الهدوء والوحدة للتفكير

في أمور كثيرة ودراسة الخطط ومستجدات الأمور أما الآن ورغما

عنه لم يشعر بحاجته لذاك الهدوء والصمت لا يريد رفقة امرأة تثرثر

طوال الطريق بما يفيد ولا يفيد لكن صمتها المميت هذا لم يجده مريحا

ولم يعد يتخيل أن تستمر رحلتهما هكذا كل تلك المسافة مثلما لا يريد

أن يمضيها معها يتشاجران ويتعاندان في الرأي ... فما يريد إذا ؟

سؤال طرحه عليه عقله ولم يجد له جوابا فما سيتوقع من عنيدة جامحة

مثلها سوا أن تخالفه في رأيه وإن قال لها بأن الشمس تشرق من جهة

الشرق , أرخى مرفقه على حافة النافذة مخللا أصابعه في شعره ثم

حركهم فيه بعشوائية مشعتا له ثم سرعان ما عاد وسرحه بهم معيدا له

كما كان وأنزل يده مع الأخرى تمسكان المقود بقوة وثبات وما أن

لف يمينا حتى قال " المدينة التي سندخلها الآن تسمى في

مثل هذا العام بالمحرقة "

نظرت له باستغراب ليس بسبب ما قال بل لأنه قال شيئا أساسا

وهو من آثر الصمت طوال ذاك الوقت حتى شعرت وكأنها وحدها

في السيارة , تابع ونظره ما يزال على الطريق " ستري مساحات

شاسعة من حقول الشعير المحترقة "

وما هي إلا لحظات وشهقت بصدمة وهي تنظر من النافذة لما شرح

عنه منذ قليل وقد فاق ما وصف وهي ترى أرضا تمتد على طول النظر

وكلها سوداء متفحمة وكأنها قطعة من الليل , قالت بصدمة تمسك

إطار النافذة بيديها " كل هذا كان حقولا ؟ "

ظهرت ابتسامة صغيرة على طرف شفتيه فكما توقع هي تعلم بإحراق

الحقول بعد حصادها وقطع السيقان وما فاجأها فقط هوا تلك المساحة

الممتدة لكيلوا مترات طولا وعرضا , قال بنبرته المتزنة " نعم كل هذا

كان حقولا للشعير والقمح فهذه القرى هي رئة الحالك وهي الداعم

الأساسي لها لإنتاج الشعير والدقيق ونحن نستعد الآن لحرثها

وغرسها من جديد مع بداية الشتاء "

همست ونظرها لازال على تلك الأرض السوداء التي لم تنتهي بعد

" يا الله ما أوسعها ! كيف ستكون في الربيع ؟ "

نظر جانبا حيث تنظر ثم عاد بنظره للطريق وقال " تكون بساطا

أخضر يتمايل مع الريح ومشهدا رائعا "

كانت لتسأل ملايين الأسئلة كيف يزرعونها كلها وكيف يجنونها وكم

يكلفهم ذلك ولمن ترجع ملكيتها ؟ ووووو .... لكنها لن تفرح بمبادرته

بالحديث لتنطلق كالمذياع فلازالت تجهل هذا الرجل تجهل أغلب طباعه

ولازال يمثل ذاك الغامض بالنسبة لها ففضلت أن تكتفي بذاك القدر من

الأسئلة وتسبح في خيالها لمشهدها وكيف ستبدو فهي سبق ورأت مثل

ذاك المشهد لكن في مساحات معينة ومحدودة من الأراضي في طريق

مدرستها لكنها لم تكن بهذا القدر من الاتساع ولم يتم ضمها هكذا في

مدن كبيرة , أراحت ذراعها على النافذة المفتوحة واتكأت بذقنها عليها

وهامت بنظرها في تلك الحقول المحترقة وأولئك الأشخاص البعيدين

هناك حيث أنها لم تكن تستطيع تمييز ما يفعلونه من كبر المساحة

وسرعة السيارة , بعد مسافة كانا يشقان طريق ترابي لمنطقة أخرى

وقد مرا بمبنى لم يتبقى منه سوا نصفه وكان من الارتفاع والغرابة أن

رفعت نظرها له عاليا فوصلها صوته قائلا " هذا ما تبقى من قصر بني

بالطوب وهوا يعود للعهد العثماني وقد شيد منذ أكثر من أربعة قرون

وكان يسكن فيه فوق الثلاثة آلاف شخص يحوي حتى مستشفا بداخله

لكن ما تبقى منه مجرد أعمدة وهذا الجزء الذي لم يأكله الزمن "

نقلت نظرها من ذاك المبنى الطيني المغمور نصفه بالتراب للجالس

بجانبها حين تغيرت نبرته للسخرية المفعمة بالقهر ونظره على الطريق

أمامه قائلا " لو كان في بلاد غير بلادنا هذه لتم ترميمه منذ عقود ولم

يكن ليتهاوى هكذا مع مرور الزمن كحال الكثير من الآثار خاصة

مدن الساحل ولاجتذب السياح من كل مكان لكن لأننا أرض موبوءة

يرفضون حتى حماية هذه المباني التي أنشأوا جمعية خاصة من أجلها "

لم تعلم ما تقول وبما تعلق فهي لم تطلع كثيرا عن الحكم العثماني وتلك

الدولة الإسلامية العظيمة التي صمدت لقرون قبل أن تنهار , كانت

تتجنب كتب التاريخ والسياسة لبغضها للقراءة عن الدماء والحروب

ولا تعلم عنها إلا القليل ونبرة الأسى في صوته وحدها ما جعتها

تتأمل جانب وجهه في صمت كصمته وقد لاحظت اشتداد قبضتيه

على المقود بتلك اليدين القوية والأصابع الطويلة وكانا ساعداه مكشوفان

لأن كمي قميصه كانا مثنيان لمرفقيه , عادت بنظرها لأصابعه وقد

جمدت مكانها من الصدمة وهي تنظر لما في الأصبع البنصر ليده اليمنى

وكانت دبلة زواج رجالية من الفضة ! شيء لم تراه في يده سابقا ولا في

ذاك اليوم الذي عاد فيه مصابا ولا قبله ! وبدأ عقلها يتقاذف الأفكار , هل

تزوج ليلبسه الآن تحديدا أم تذكر الآن فقط أنه تزوج أم ما السبب ؟ رفعت

نظرها من يده لوجهه وكان لازال نظره على الطريق وقد عاد لصمته

اتكأت بظهرها على زاوية الكرسي بينه وبين باب السيارة بحيث كانت

جالسة وجانبه مقابلا لها تماما وكأنها تواجهه بنظراتها فخطف نظره

لها ثم عاد به للطريق وعلق بسخرية " هل مللت من مشاهدة

الطبيعة أخيرا ؟ "

لم تعلق على سخريته اللاذعة تلك حين عاد بنظره لها بل مدت يدها

اليسرى ليده الممسكة بالمقود ونظرها عليها وحركت الخاتم بسبابتها

ونقلت نظرها له وكان حينها ينظر لها لأن الطريق الممتد أمامهم كان

ترابيا مستقيما تقريبا , همست وهي تحركه بإصبعها للأمام والخلف

في مكانه " هل تزوجت أم تضعه للزينة فقط ؟ "

نقل نظره من وجهها ليده ولإصبعها الذي لازال على خاتمه الفضي

ثم نظر للطريق قائلا بسخرية " قد يكون لأحمي به نفسي من

نصف جيشي الأنثوي ذاك "

زمت شفتيها قهرا منه وقد أبعدت يدها تنظر له بحنق ( كم أتمنى

أن أخرج منه بجواب واحد مرة واحدة ويبعد كلمة قد هذه التي

يتهرب بها دائما وها هوا يسخر من كلامي يومها فهوا لن ينساها

لي أبدا ) عدلت جلستها وكتفت يديها لصدرها ونظرت جهة النافذة

قائلة ببرود صقيعي " أعتقد أنه لم يبقى شخص في الحالك لم يعلم

بزواجك الغريب من ابنة زعيم صنوان ولست بحاجة لخاتم لتؤكده "

قال متجاهلا كل ما كانت تقول " سندخل الآن لأحليل وهي إحدى

أكبر مدن الحالك فأغلقي النافذة "

عضت شفتها غيظا منه وأغلقتها بعنف متمتمة بصوت لم يصله

" ما أروعه من مرشد سياحي "

وغابت بنظرها تراقب المباني وحركة الناس رغم أن غبار السيارة

لم يتركها تستمتع بشيء وهي تسرع على ذاك الطريق الترابي الذي

يشق منتصف البلدة لكنها سرعان ما عادت تسرق نظرها ليده ولذاك

الخاتم الفضي المدور وأخذها عقلها لأفكار أخرى أشد فتكا من سابقتها

سافر بها ( للهزان ) للعائلات التي عادت لتدخل تحت حماه , لكل

الأحاديث التي سمعتها من النسوة اللاتي زرن مجلسهم وحديثهن

عما يفعل من أجل تلك المدن واللاجئين إليها وصيته الذي أصبح

يرن وسط تلك المدن كقطعة النقود على الأرضية الرخامية

عضت طرف شفتها بقوة وعينيها على ذاك الخاتم وتذكرت كلام

عمته عن زواجه بأخرى فماذا إن فعلها الآن وتركها هي لا زوج

ولا العمران وزد على ذلك كلام الناس حين يتزوج على ابنة شراع

فكيف إن كانت تلك الزوجة واحدة من الهازان وزواج شهامة !

حاولت كبت مشاعرها والسيطرة عليها مجددا فعليها أن لا تبالي

أن لا تعطيها له وأن لا تفرحه بذلها وانكسارها وانكسار والدها

لكن ذلك كان يذهب أدراج الرياح كمن شيد قصرا من رماد في

مواجهة الريح القوية , كانت تشعر به وكأنه خاتم من نار

يتدحرج في حجرات قلبها حتى سقط في قعر كبدها

" لا تفكري فيه كثيرا "

رفعت نظرها لوجهه بسرعة وصدمة فكان نظره على الطريق لم

يزحه أبدا وشعره يتمايل مع الريح رغم قصره بسبب النافذة النصف

مفتوحة , نظرت جهة نافذتها مجددا وقالت ببرود " لا أفكر فيه "

وغيرت سريعا مجرى الحديث قبل أن يرميها بتعليق لاذع

" حفظت المصحف في المدرسة أم في المنزل ؟ "

ابتسم ينظر للمرآة الجانبية قبل أن يعود بنظره للطريق قائلا

" ومن هذا الذي أخبرك أني أحفظه ؟ "

حركت كتفيها قائلة " لاحظت وحدي "

ففهم فورا أنه لم تخبرها عمته ولا شقيقته وكانت حركة واضحة

لتهرب من حديثهم السابق , همس لنفسه ( لا بأس بها كفكرة للخروج

من صمتها المميت ) قال باختصار " في الكتاتيب ثم والدي "

نظرت له وقالت باستغراب " هل كانت لديكم كتاتيب !

لما ألغيتها إذا ؟! "

قال بعد صمت برهة " لأني حرمت من الدراسة بسببها

واعتمدها والدي لأتعلم بدلا عنها "

فتحت فمها بصدمة ثم عادت وأغلقته حين عجزت عن الكلام

قبل أن تهمس " لم تدرس !! لا يبدوا لي ذلك "

خطف نظره لها ثم عاد به للطريق وقال " لم أدرس كثيرا كان

والدي يرى أني لا أحتاجها فاعتمدت مثلك السباحة في عالم

الكتب "

رمقته بنظرة باردة وقالت " فعلها عمك إذا ؟ "

فانطلقت ضحكته الجهورية المبحوحة مالئة السيارة فصرت أسنانها

بغيظ ثم قالت ببرود تنظر له بطرف عينها " أعتقد أن تفكيرك صائب

في أن تجنب الأطفال ما عانيته أنت لكن أن تحرم كبار السن من

حفظ القرآن أمر خاطئ "

نظر لها وقال بابتسامة جانبية " لن تنتقمي مني بهذه أبدا "

التفتت جهته بجسدها وقالت " ومن قال أنه انتقام , أنت لا تستمع

لمشاكل النساء ولا أحد يوصلها لك إنك منقطع تماما عن نصف

شعب قبائلك ولم تسمع حديثهن وهن يتمنين أن يدرسن في دور

تحفيظ القرآن فأين هذه المدرسة التي ستقبل بهن من أجل

تعلمه ؟ "

قال ونظره للطريق " رأي هذا أم أعتبره انتقادا لي ؟ "

تنهدت بضيق من سخريته وعادت لجلوسها السابق وقالت ناظرة

جهة النافذة " الحق علي أخبرتك "


*

*

فتحت باب الخزانة وأخرجت الصندوق من تحت الأغراض

المرتبة فوقه وفتحته ببطء بأصابع مرتجفة وكأنها لم تعرفه من

قبل ولم تحفظ تفاصيله التي تسكن حتى أحلامها رغم أنها لم تفتحه

منذ عام كامل .. منذ اثنا عشر شهرا بأيامها ولياليها , أخرجت منه

قطع الثياب التي لم تبلى مع مرور السنين وظلت مثل ذكراها تتجدد

كل عام , الجوارب الصغيرة والقفازات وتلك البذل ناعمة الملمس

ضمتهم لصدرها بقوة ونزلت تلك الدموع الواحدة تلحق الأخرى وهي

تدس وجهها فيهم وتكتم عبراتها بهم تستنشق رائحة ابنيها اللذان حرمت

منهما لإحدى عشر عاما وقد انتشلوهما من حضنها ليأخذوا معهما كل

شيء حتى ابتسامتها الصادقة وضحكتها النابعة من القلب , إحدى عشر

عاما لم ترى أو تسمع شيئا أو شخصا يبرد نار جوفها وإن بخبر عنهما

إحدى عشر عاما من الحرمان وقد أخذوهما وأحدهما حديث ولادة

والآخر تعلم المشي للتو , لا تعلم تبكي فقدها لهم أطفالا أم نموهما

بعيدا عنها , تتخيل كل ليلة كيف أصبحا ... ؟ كل عام تتساءل كيف

أصبح طولهما وشكلهما ؟ مسحت عينيها سريعا بتلك القطع الناعمة

الباردة كقلبها الذي تحول لقطعة جليد منذ فقدتهم وأعادتهم مكانهم

حين انفتح باب الغرفة دون طرق فوقفت تغلق باب الخزانة وتعلم

جيدا من الذي فتحه دون أن تلتفت للباب ولا أن تراه

" علمت أنك لن تنسي تعذيب نفسك بهم اليوم , ارحمي قلبك

يا جوزاء فما كتبه الله لنا لا مفر منه "

أغلقت الباب واتكأت عليه بيديها مرخية جبينها عليهما وقالت بعبرة

تساقطت معها دموعها مجددا " قلبي نار عليهما لا تزداد إلا اشتعالا

عاما بعد عام فكيف تريدين مني نسيانهما عمتي ؟ هل تنسي أنتي قاسم

وأنتي التي لا تعلمين إن كان حيا أو ميتا ؟ ما ستتوقعينه مني وأنا أعلم

أنهما موجودان في هذه الحياة ومحرومة حتى من سماع صوتهما وإن

من بعيد وإن كلمة واحدة فقط "

مسحت تلك عينيها والدموع التي غلبتها وقالت ببحة لم تستطع

إخفائها في صوتها " وكلي أمرك لله هو لن ينساك يا ابنتي "

حضنت وجهها بكفيها ولم تزدد إلا بكاء وعبرات وقد خرجت الكلمات

منها متقطعة بسبب بكائها الموجع " مثل اليوم عمتي .. مثل هذا اليوم

أخذوهم مني فلذة كبدي , قد أنسى أي شيء قد أتناسهم في أي وقت إلا

هذا , لما لم يراعوا تضحيتي بالزواج من ابنهم ؟ كانوا تركوني معهم

على الأقل وكنت سأعيش وأتحمل ذل صنوان جميعها ولا يبتعدا عن

حضني , كانوا راعوا قلب الأم لكنهم كالجدران وكالصوان "

تقدمت تلك بكرسيها وقد كرهت عجزها عن مواساتها على الأقل

عن احتضنها وتخفيف دموعها التي تحجبها عنهم دائما , قالت

بصوت مكسور كئيب ونظرها معلق بابنة شقيقها الباكية

" حلفتك بالله يكفي يا جوزاء أنتي تعذبين نفسك

وتعذبيني معك وبلا نتيجة "

مسحت عيناها وأنفها بكميها بقوة وتوجهت جهتها قبلت رأسها

وقالت بحزن " آسفة عمتي أعذري كلامي وما قلت لك "

مسحت نصيرة على يدها التي تمسك بها كتفها وقالت بحنان

" لا شيء تعتذري عنه يا جوزاء وأنا لست غاضبة منك

وأعلم شعورك جيدا وأقدره "

قالت متوجهة جهة سريرها وقد جلست على طرفه " لأنك

تعلمين شعوري وسبق وجربته مثلي ما كان عليا قول

ذلك فمصابنا واحد "

هزت عمتها رأسها متنهدة بحزن وقالت " أحمدي الله أنهما على

قيد الحياة والله قادر على جمعكما مجددا ولا أحد يعلم الغد

ما فيه يا ابنتي "

قالت وقد عادت دموعها للنزول رغما عنها " حتى إن مات

أحدهما فمن سيخبرنا ؟ الله وحده يعلم ما حدث معهما ولابد

وأن جدتهما لم تبقي جهدا لتكرههما بي هي لم تحبني يوما

ولم توافق زواج ابنها مني "

تقدمت نصيرة بكرسيها جهتها قائلة " وكنت تركت مطر تفاوض

معهم حين استلم الزعامة , لماذا عارضته في ذلك يا جوزاء ؟ "

مسحت تلك عينيها وهزت رأسها بأسى وقالت " ما كان سيكون

حلا عمتي أنتي تعلمي أن مطر لا يمكنه تفضيل شخص من أهله

على أي أحد في نفس وضعه من الحالك وكان سيفاوض على جميع

الأسر التي تعاني كمعاناتي ليكون عادلا بين الجميع وذاك يعني مقابلا

كبيرا جدا فلن يرضيهم أرضا أو أسرى مقابل ذلك وسيستغلون

الأمر وأعلم ما ستكون النتائج "

هزت نصيرة رأسها بتفهم وهمست " لنا الله يا ابنتي لنا الله "

فكت تلك شعرها وعادت لجمعها قائلة " عزيزة أخبرتني أن

مطر عاد , هل أخذت له زوجته فطوره أم أذهب لأراه ؟ "

قالت عمتها بهدوء " بل غادر ما أن استحم فقد زارني قبل ذهابه "

أنزلت جوزاء يديها من شعرها وقالت " تجدين أمورا عدة هنا في

انتظاره فهوا غائب عن حوران من أكثر من شهر "

هزت عمتها رأسها بلا وقالت " بل خرج خارجها وأخذ زوجته معه "

نظرت لها باستغراب وصدمة قائلة " خرج أين وأخذها لما ؟ "

حركت تلك كتفيها قائلة بلامبالاة " وما علاقتنا بذلك ؟ هوا قال لي

فقط أنهما خارجان من حوران ولن يعودا قبل يوم غد "

تنهدت تلك بضيق قائلة " ويخرج بها وهوا عاد للتو من

الحدود ومتعب ولم يأكل شيئا ؟ "

واجهتها نصيرة بذات ضيقها قائلة " زوجان ويفعلان ما يحلو

لهما ومن حقهما الخلو ببعض متى أرادا , جوزاء عليك أن

لا تنفثي نيران حقدك بالفتاة فهي لا ذنب لها لتكرهيها "

نفضت يديها قائلة بحنق " لست أكرهها عمتي فارحميني "

ثم تابعت بقهر وهي تمسك ياقة قميصها بقبضتها بقوة " اشعروا بي

وأنا أحترق أقسم أن جرحي ينفتح كلما رأيت أحدا من صنوان أمامي

تخيلي أن يقتل أحدا من الهازان ابنك قاسم أو تكتشفي أنهم

سبب اختفائه ما سيكون شعورك نحوهم ؟ "

تنهدت المقابلة لها بيأس منها وقالت " لن ألقي لومي على

الجميع مهما كان الأمر "

علقت تلك بحرقة " كلام عمتي ... مجرد كلام وأقسم أن يتغلب

عليك ذاك الشعور الحارق واسألي كل من فقدت لها شخصا

بسبب أي قبيلة كانت وإن في ذات بلدتهم "

تحركت بكرسيها للخلف قائلة " لكنها أصبحت زوجته عليك تقبلها

من أجله على الأقل فهي لا ذنب لها فيما حدث ولا تعلم حتى من

يكونا ابنيك أو أنك تزوجت من صنوان "

وخرجت مغادرة من حيث أتت تاركة خلفها التي تمسح وجهها

بكفيها ومررتهما على شعرها الأسود الحريري المجموع للخلف

متمتمة بأسى " ليتني أقدر عمتي يا ليت "


*

*


آخر ما تذكره تلك الطريق المعبدة المحفوفة بأشجار السرو والبلوط

والبساتين التي تخفيها على جانبيها وتلك المكالمات التي وردته ولم

يجب عن بعضها والبعض أخبرهم أنه خارج حوران ولن يرجع قبل

صباح الغد فعلمت أنها رحلة ستطول ليوم وليلة كاملة لا تعلم حتى إن

كانا سيقضيانها يسيران هكذا أم لا ؟ فقد سحبها النوم إليه بقوة ولم تفق

إلا على توقف السيارة وفتحت عينيها مبعدة رأسها عن زجاج النافذة

الذي كانت تتكئ عليها لتجد أن السيارة توقفت في مكان لم يمرا بمثله

في طريقهما الطويل ذاك وكانت تلفه الأشجار من كل جانب , لا طرق

ولا حتى ترابية لا مباني ولا بشر !! نظرت للجالس بجانبها وهو

يطفئ محرك السيارة وقد قال وهوا يفتح بابه " تنزلين وحدك

أم تحتاجين لمساعدة ؟ "

نظرت حولها وقالت " أين نحن ؟ "

أنزل إحدى قدميه في الهواء ونظر لها وقال مبتسما بسخرية

" هذا السؤال يفترض أنه كان منذ ست ساعات وليس الآن "

وتابع وهوا ينزل " انزلي وستعرفين بنفسك "

فتحت الباب ولا تفهم شيئا مما يجري حولها وأين هما وما يفعلان

هنا !! وفكرت أنها ست ساعات سيرا بالسيارة أي أن الوقت الآن

تجاوز الظهيرة بكثير , نظرت للأسفل ولارتفاع السيارة ثم بحثت

بنظرها عنه وكان في الجانب الآخر يبدوا يتفقد إحدى إطارات

سيارته منشغلا تماما عنها فعادت بنظرها للأرض وعضت طرف

شفتها , عليها أن تقفز الآن لن تطلب مساعدته أبدا فأقل ما قد يفعله

أن يسخر من قامتها التي كانت تحسدها عليها نساء صنوان وهو

يراها مثلهم !! ولن تتخيل أن يفكر أنها تتعمد فعل ذلك كي ينزلها

أغمضت عينيها وقفزت ووجدت نفسها أخيرا على الأرض وبسلام

فنظرت حولها وهي تغلق باب السيارة وقالت وصوت خطواته

تقترب من خلفها " لا أفهم أين نحن وما سر هذه الرحلة الطويلة ؟ "

كاد قلبها يقع من مكانه حين وضع كفيه على كتفيها وسار بها بضع

خطوات للأمام بين تلك الجذوع العالية للأشجار وقرب رأسه من

رأسها وهمس وطرف جبينه يتكأ على صدغها " أغمضي عينيك

وأصغي جيدا وستعلمين أين نحن "

أغمضت عينيها وبلعت ريقها بصعوبة لكن ليس لأجل ما طلب منها فلم

يكن بإمكانها سماع شيء سوا نبضات قلبها المجنونة تضرب في أذنيها

من اقترابه منها ومن ملامسة جبينه لها وهمسه الذي داعب أطراف خدها

أخذت نفسا طويلا وحاولت أن تسترخي وتتجاهل وجوده وأنفاسه وجسده

القريب من جسدها لتفعل ما طلب منها وتجنب نفسها كشفه لتوترها بقربها

منه , فتحت عينيها فجئه حين استطاعت سماع ذاك الخرير الرقيق

المنتظم للمياه وصرخت غير مصدقة وهي تلتفت جهته

" العمران !! "

هز رأسه هزة خفيفة بنعم وعلى طرف شفتيه ابتسامة صغيرة

ناظرا لعينيها فدارت حول نفسها تنظر لما حولها قائلة بغير

تصديق " قل قسما أنها العمران مطر وأني فيها الآن ؟ "

جاءها جوابه من خلفها قائلا بهدوء " بلى أنتي في العمران الآن "

ركضت دون شعور منها حيث كان يتناهى لها صوت خرير المياه

وتوقفت فجأة ثم التفتت للذي كان واقفا مكانه فقال وقد اتكأ بظهره

على السيارة خلفه مكتفا يديه لصدره " لا أحد هنا غيرنا , الجنود

جميعهم على حدودها جهة صنوان منذ البارحة "

ابتسمت له دون تعليق ولقراءته أفكارها وما خشيت ثم أولته ظهرها

وتقدمت مجددا تجتاز تلك الأشجار والشجيرات تتبع صوت الماء

القادم من جهة الشرق ويطمئنها صوت الخطوات التي كانت خلفها

وعلى مبعدة منها أي أنه هنا ولن تضيع وسط الأشجار ... العمران

حلم كم تمنت أن تراه حقيقة مجددا فهي لم تراها منذ تلك المرة

الوحيدة حين كانت في السادسة من عموها قبل أن تأخذها الهازان

لا تتذكر جميع تفاصيلها لكنها تذكر جيدا جمالها وروعتها وجداول

الماء العذب التي تشقها لتجتمع في تلك البحيرة التي تتلألأ تحت

ضوء الشمس كالألماس , تذكر أنها خضراء جميلة لم تعبث بجمالها

أيدي البشر وأنها تصلح لكل شيء كما كان يخبرها والدها فيمكن أن

تكون أراض زراعية في مساحات كبيرة منها حيث الخصوبة ويمكن

تحويلها لمدينة سكنية من حيت انبساط الأرض في أكثر من نصف

مساحتها , ولن يفسد جمالها حال بقيت كما هي هكذا , وصلت أخيرا

لذاك الجدول الصغير وابتسمت بسعادة ما أن وقعت عيناها على الماء

الذي يشق طريقه من بين الصخور المحفوف بها وعلمت من ارتفاعه

أن الأمطار زارتها لأكثر من مرة في بداية هذا الخريف فرش المطر

الخفيف بالكاد لا يتركها طوال العام وشتائها شديد الأمطار والضباب

رائعة بجمالها كما يعرفها جميع من في تلك البلاد فهي أجمل مدنها

على الإطلاق , اقتربت من المياه البيضاء النقية التي تظهر تفاصيل

الصخور المنحوتة من تحتها ثم التفتت للخلف حيث الواقف على بعد

خطوات منها يديه في جيوب بنطلونه وينظر لها بصمت وقال هذه

المرة أيضا وبدون أن تتحدث " يمكنك دخولها حافية لكن

حاذري فبعض الصخور زلقة "

ابتسامة أخرى صادقة نقية ما أهدتها له دون أن تتحرك شفتيها مطلقة

أي كلمة ورفعت يديها لوشاحها أولا ونزعته بما أنه لا أحد هنا كما قال

ومؤكد بأوامر منه أخلى الجميع المكان , فكت شعرها الذي كانت تجمعه

تحت ذاك الوشاح الحريري الناعم لينسدل على ظهرها ثم مررته من تحته

بينه وبين عنقها وعقدته به في الخلف تحت مؤخرة رقبتها ولم يبقى للريح

سوا خصلات غرتها تتلاعب بها بكل رقة , انحنت وخلعت حدائها فلم تعد

تستطيع مقاومة إغراء تلك المياه النقية التي لا يشوهها سوا بعض الوريقات

الصفراء التي تتراقص مع جريانها وكم من حكايات سمعتها عن مصادر

تجمع هذه المياه نقية هكذا عذبة تجري فوق أرض صخرية , أنزلت قدمها

وشعرت بدفء ذاك الماء بسبب شمس الظهيرة رغم أن الصخور كانت

باردة ترسل قشعريرة في الجسد تزيد الأمر روعة , سارت مع تيار الماء

ثم عكسه ونسيت كل شيء حولها تستمتع بصوته وغناء العصافير من

حولها , نزلت وغرفت من مياهه بيديها ورفعتها لوجهها ورشتها عليه

مبتسمة لن تبالي إن سخر منها مجددا بلعبها به ولم تتساءل حتى الآن

لما أحضرها هنا , ما تعلمه فقط ومتأكدة منه أنه إن أراد بهذا أن تغير

رأيها فهي برؤيتها لها لم تزدد إلا تعلقا بها , رفعت جسدها واستقامت

في وقفتها تنظر له حيث نزل مستندا بقدميه عند طرف الجدول على بعد

خطوات عديدة منها وبدأ بالوضوء بمياهه فتذكرت حينها أنهما لم يصليا

الظهر , تذكر أنه أوقف السيارة ونزل في طريقهما لكنها لم تنزل طوال

تلك الرحلة ولم تدخل الحمام , نظرت خلفها لامتداد جدول الماء واختفائه

بين الأشجار ثم عادت بنظرها له وكان يمسح رأسه فقالت " مطر "

نظر جهاتها فأبعدت نظرها عنه وقالت " سأبتعد قليلا فقط وأرجع

لأتوضأ ونصلي معا "

قال وهو ينزع فردة حدائه اليمنى " لا تبتعدي كثيرا ولا تتأخري أو

لحقت بك "

تحركت من فورها تكتم ابتسامتها وتلك الشهقة المصدومه وهي

تتخيل أن يلحق بها فعلا


*

*


جلس على مقدمة السيارة التي قربها من مكانهما بعدما أخرج سلاحه

ووضعه بجانبه يراقب التي لازالت لم تكتفي من تلك المياه تجلس

على حافة إحدى الصخور العالية وقدماها في الماء مولية ظهرها

له متكئة للخلف قليلا مسندة نفسها بيديها خلفها على الصخرة تراقب

كل شيء حولها ثم رفعت رأسها عليا ليظهر أنفها المستقيم الصغير

وجبينها ورموشها الكثيفة وأعلى جفنيها حين طارت غرتها للخلف

بسبب رفعها لرأسها تراقب حتى السماء التي رسمت فيها السحب

البيضاء مسارات طويلة مخفية أشعة الشمس القوية خلفها لتعطيها

جوا خريفيا معتدلا ورائعا , انزلق نظره نزولا من وجهها وغرتها

الحريرية المتطايرة لخصرها النحيل وشعرها الذي تلاعبت الريح

ببضع خصلات منه رغم أنها تربطه بوشاحها وقد تذكر حديث عمته

حين سألها عن سبب خروجها من مجلس الضيوف في تلك الحالة وقد

قالت له (( " الأحاديث كانت كثيرة ولا أعلم السبب الحقيقي فقد كنت

منشغلة مع شقيقة زوجي رحمه الله وهي تحكي لي عن وجود سليمان

مع من طوقوا حدود حجور ليلة هربت تلك العجوز ووجدتم فتى

مصاب هناك "

هز رأسه بحسنا دون أن يعلق وها قد علم ما يكون ذاك الخبر الذي

تحدثت عنه وتابعت عمته تنظر له بحيرة " هل من مشكلة يا مطر ؟ "

هز رأسه بلا ولم يعلق فتنهدت بحزن وقالت " هي سبق وخرجت فجأة

صباح زواجكما من مجلس الضيوف حين سمعت لأول مرة عن مذبحة

خماصة , الفتاة كتومة جدا ورقيقة لحد لا يمكنك تخيله يا مطر وأرى أن

ظروف زواجكما تؤثر عليها سلبا وإن لم تكن تظهر ذلك , هي بحاجة

لبعض الرقة والرفق مثلما بحاجة لبعض الوقت ولا تنخدع أنت مطر

الرجل بقوتها وعنادها فالمرأة تبقى امرأة مع بعض اللين تحصل

منها على ما تريد فراعي غربتها وبعدها عن أهلها بني " ))

أبعد نظره عنها وهز رأسه هزة خفيفة وكأنه يطرد فكرة ما من

رأسه وهمس بضيق " النساء النساء .... بل هذه تحديدا ! "

رفع سلاحه ومرر الرصاصة من المخزن بدفعة واحدة ورفعه متمتما

" شراع صنوان لو أنك لم تتهور في رعايتها منذ عامين ما كانت هنا

الآن وما اضطررتني لما فعلت وكنت أمسك نفسي عنه من أعوام "

ثم تأفف قافزا من فوق مقدمة السيارة واقفا وأعاد السلاح مكانه عليها

ثم اقترب منها حتى وقف بجانبها يديه في جيوبه ينظر جانبا لجريان

الماء وقد سوت هي جلستها تنظر للجانب الآخر وكأن كل واحد منهما

يتهرب من قول شيء ما , هي تخشى من فتحه للموضوع الذي لازالت

تتهرب منه وتخشاه وهو يفكر في شيء آخر مختلف تماما , خرج صوته

أخيرا منهيا ذاك الصمت وقال وقد عاد بنظره للجدول تحتهما ولقدميها

البيضاء الناعمة وسط مياهه " هذا المكان يشعرك بأنك بعيد

عن كل مشاكل البلاد ونزاعاتها "

رفعت نظرها له وعيناه لازالت شاردة مكانها فنظرت للأسفل أيضا

وهمست " نعم معك حق "

ثم عادت لرفع رأسها مجددا والنظر له فكان هذه المرة ينظر لذاك الجانب

مجددا فأبعدت نظراتها عنه تفكر في هذا الرجل الشديد الصمت والغموض

لا أحد ولا عائلته يعلمون شيئا عن خصوصياته ! ما يريد ؟ فيما يفكر ما هي

أحلامه الشخصية وطموحاته ؟ ما يقرر لأجل الغد ؟ ومن هو مطر القلب

والمشاعر وليس مطر العقل ؟ مررت أصابعها في غرتها ترفعها

للأعلى ثم أعادت يدها في حجرها وقالت ونظرها على

الماء تحتها " مطر "

جاءها رده في همهمة خافتة دلت على انخراط عقله في أفكار ما

فقالت ولم ترفع نظرها عن الأسفل " هل أسألك سؤالا وتجيبني عليه ؟ "

نظر لها تحته فكانت على حالها ذاك تنظر للماء تحتها فجلس أيضا

وكان لا يفصلهما سوا مسافة بسيطة جدا ناصبا إحدى ركبتيه ومنزلا

قدمه الأخرى للأسفل وقال بهدوء " إن كان لما تزوجتك فلا جواب

عندي عليه وغيره اسألي "

نظرت لجانب وجهه مستغربة وكان ينظر أماما للأشجار البعيدة قليلا في

الجانب الآخر يريح ذراعه على ركبته المنصوبة أما الأخرى التي في جهتها

فيسندها على الحجر الكبير الذي يجلسان عليه ولم تفهم لما هو على استعداد

للجواب عن أي سؤال دون خوف أو تردد بينما ذاك السؤال لا !!

قالت " لن أسأل عن ذلك لأني أعلم بأنك لن تجيب "

ثم أبعدت نظرها عنه ناظرة للأمام مثله عندما لم يعلق وقالت بهدوء

حذر " إلى من تحن أكثر ؟ لمنزلك وأنت في جبهات القتال أم

للجبهات وأنت في منزلك وسط عائلتك "

هو من نظر لجانب وجهها هذه المرة وكأنه يحاول فك رموز سؤالها ذاك

ومغزاها من طرحه فحركت قدميها في الماء بعشوائية ونظرها عليهما

وقالت " ليس لأي غاية في نفسي أطرح هذا السؤال يا مطر ولست

أعني الوقت الحاضر أيضا فلا تلعب الظنون بك "

أبعد نظره عنها وقد أراحته من نصف استنتاجاته عن سؤالها

ثم قال مبتسما " هوا الفضول إذا ؟ "

نظرت للجانب الآخر بعيدا عنه وقالت مبعدة خصلات غرتها لخلف

أذنيها " لما لا تسميه تعارف بين شخصين لا يعرفان بعضهما وهما

زوجان من أكثر من شهرين "

نظر مبتسما لجانب وجهها الذي لا يظهر منه إلا القليل لإبعاده عنه

وقال " ولن نلعب لعبة سؤال بمثله طبعا لأن سؤالي سيكون

لما دخلت أراضي متسللة ؟ "

شعرت بجسدها تيبس وتنفسها توقف وفكر عقلها بسرعة البرق بأنه

لم يطرح هذا السؤال سابقا رغم أنها كانت تتوقع أنه أول ما سيقوله

ما أن يراها ويتحدث معها , نظرت ليديها في حجرها ما أن اجتازت

صدمتها تلك وقالت بهدوء " لا فأنا لا أحب تلك اللعبة ولن أجيب

عن السؤال أيضا "

عض طرف شفته يمسك ابتسامته ورفع يده من على الصخرة وأمسك

بها يدها من حجرها متجاهلا ارتجافها من حركته المفاجئة وقال ناظرا

لأصابعها وهو يحركها بين أصابعه وكلاهما على فخذها " حين أكون

في منزلي أو في جبهات القتال , في نومي ويقظتي وفي أي مكان أكون

فيه لا أحن إلا لوطن واحد لبلاد لها حريتها وسيادتها ولشعب يعيش

فوق أرضه بكرامة وينام مرتاح البال , لا أحن إلا لمستقبل أفضل

لأبنائي لأهلي ولأبناء وطني , لا أحن يا غسق إلا لليوم الذي

أعيش فيه على هذه الأرض لا أسمع أخبارا عن الموت

والحروب والنزاعات القبلية "

ثم رفع نظره لوجهها ولعينيها التي لازالت معلقة بوجهه ولنظرة الحيرة

والضياع فيهما وقد تشابكت نظراتهما في حديث مبهم طويل وغامض

فرفع يده التي يرخيها على ركبته المنصوبة لوجهها مبعدا خصلات

غرتها جانبا وأصابعه قد لامست جانب خدها وصدغها ويده الأخرى

لازالت تمسك أطراف أصابعها ليبدأ قلبها بعزف سيمفونيته المعهودة

حين قرب وجهه من وجهها حتى اتكأ بجبينه على جبينها وتلامست

أنوفهما وأصابعه تتغلغل في شعرها تشعر بدفء كفه على خدها

وقد همس برقة " آسف يا غسق أعلم أنه جواب ما كانت لتحبه أي

امرأة من زوجها لكني لا أعرف قول غير الحقيقة ويوم تتوحد بلادي

ويعيش أهلها عليها بكرامة سأحن لأمور أعلم أنها أهم بكثير لدى

غيري من الحروب أما قبل ذلك فلا أستطيع مهما عاندتني نفسي "

أنزلت نظرها مرخية جفنيها للأسفل رغم أن وجهها ما يزال ملاصقا

لوجهه حتى أغمضتهما برفق وهمست " إذا أنت ملك للجميع إلا

أهلك يا مطر "

لم تفتح عينيها ولم تشعر سوا بأنفاسه على شفتيها حين همس مثلها

" لا تقارني يا غسق فلكل ذي حقٍ حقه "

فتحت عينيها ونظرت لعينيه مجددا فابتسم هامسا بخفوت أكثر

" مثلما من حقك أنتي وحدك أن أقول لك بأنك أجمل امرأة رأتها

عيني في هذه البلاد وخارجها "

هربت بنظرها منه مجددا وقالت مبتسمة " ألانها الحقيقة أم لأني

الأحق بسبب عقد الزواج والحلال والحرام يا ابن شاهين ؟ "

خرجت ضحكة صغيرة رغما عنه ورفع يده الأخرى تاركا أصابع

يدها وحضن بها وجهها أيضا وقال ضاغطا أنفه على أنفها مقربا

وجهيهما أكثر من قربهما القريب ذاك وقال مبتسما " الجواب

لديك طالما تنظرين للمرأة كل يوم يا ابنة شراع "

لم تستطع السيطرة على مشاعرها أكثر , كان قربه معذبا وموجعا والشعور

بأنفاسه كان يحرقها مهما هربت من النظر له , كانت تنجرف للهاوية ولا

يعلم ما يحدثه فيها بكل هذا , رفعت نظرها له مجددا ورفعت يدها في حركة

بطيئة ونظراتهما المتشابكة تحكي قصصا كثيرة من الصمت , لامست بها

جانب وجهه وما أن شعرت بملمس بشرته ولحيته نزلت سريعا بأصابعها

حتى عنقه وكأنها استفاقت لنفسها ولما فعلت ولم تكن من قرر فعله ولا

وافق عليه , أمال رأسه قليلا وأصبح أنفه ملامسا لخدها بدل أنفها وحركه

عليه برقة مقربا شفتيه من شفتيها وأشعرها ذاك التلامس الخفيف بينهما من

حركته تلك بتقلص أحشائها وقد نزلت يدها من عنقه ممسكة لياقة قميصه

بقوة وكأنها الشيء الوحيد الذي قد يساندها وقد تجد فيها العون والشجاعة

ارتخت يداه فجأة وأخرج أصابعه من شعرها وابتعد عنها حاملا معه أنفاسه

التي كانت ترتشفها حد الخدر ووقف فجأة وابتعدت خطواته عنها تاركا

جسدها يتلاشى من تلاطم مشاعرها المتقدة تلك وهي تصطدم بجدار هروبه

المفاجئ تتنفس بقوة ممررة يدها على عنقها تحت شعرها متمنية أن ترتفع

تلك المياه حتى تأخذها معها , لم تفهم لما فعل ذلك ! كانت تعلم ما كان يريد

فعله ولم ترفضه بل شجعته منساقة خلف ذاك الهيجان في مشاعرها , هو

لم يتراجع عن فعلها سابقا بل كان يقبلها دون حتى تردد فما حدث الآن !

ذات الأسئلة تلك التي كانت تدور في رأسها لحظتها حتى شعرت بأنه

يغلي كالبركان الذي لا تجد حممه فوهة تخرج منها , انحنت للماء فورا

وغرفت منه بيديها ورمت ذاك الماء على وجهها ومسحت بيديها على

شعرها للأعلى وأخرجت قدميها من الماء هامسة بسخرية قهر

" شرحها لك منذ قليل يا حمقاء لا تعنيه في شيء "

" غسق "

التفتت له من فورها برأسها فقط فكان عند مقدمة السيارة يمسك

سلاحه في يده وقال وهوا يصوبه جهة أعلى الأشجار " تعالي "

عادت برأسها للأمام مثبتة نفسها لتتصرف مثله وكأن ما كان قبل

قليل لم يكن ووقفت تمسح يديها ببعض ثم لبست حدائها دون أن تنزل

بنطلونها المثني لنصف ساقيها كي لا يتبلل بالماء منهما وتوجهت

نحوه فقال ولازال ينظر بعين واحدة من عين التصويب في سلاحه

للأعلى " الجو أصبح يبرد هنا والماء كذلك وبقاء قدميك

فيه سيمرضك "

هزت رأسها بحسنا وكأنه يراها وسرعان ما دوى صوت الرصاصة

في الأجواء ودون شعور منها أغلقت أذنيها صارخة بذعر فنظر

لوجهها الذي شحب وكأن الماء تجمد في عروقها ومد لها السلاح

قائلا " ستعتادين صوته هيا دورك سأريك كيف تستخدمينه "

نظرت له بصدمة ولازالت تغلق أذنيها بكفيها ثم هزت رأسها بلا

وقالت متراجعة خطوة للخلف " لا أستطيع ذلك ولا تفعلها

مجددا مطر أرجوك "

عقد حاجبيه وقال بضيق " هيا لا تكوني جبانة عليك أن تتعلميه "

حركت يدها أمام وجهها قائلة " لا ليس عليا ذلك أنا لا أحب تعلمه

ولا أريده ولست أحتاجه أيضا , أليس الرجال من يحمون النساء ؟ "

ولم تكن تستطيع شرح سبب خوفها منه , سبب كرهها لكل ما يربط

له بصلة وأنها أضعف ما يكون أمام الموت والقتل والدماء التي

تنزف من الناس فهل سيتخيل بأن تفعلها هي يوما !

تحرك ناحيتها وأمسك ذراعها قائلا بحزم " ليس عليك استخدامه

بل تعلمه للضرورة يا غسق فلا تعاندي وتغضبيني منك "

حاولت إفلات ذراعها منه قائلة بضيق " لا أريد , هل جلبتني

هنا من أجل هذا ؟ لو سألتني ما تركتك تتعب نفسك "

أفلت ذراعها بقوة وقال بغضب " لم أجلبك لأجله فالفضاء واسع

في مدن الحالك فاتركي عنادك جانبا يا امرأة "

شعرت بكلمته كالخنجر في صدرها رغم أنها ليست كلمة تهان بها

أي امرأة لكنها شعرت بها من فمه وكأنه يصفعها

بالنكرة وهوا من لم ينادها يوما إلا باسمها أو بابنة شراع , كم

كرهت ذاك الشعور وتلك المشاعر الخانقة فهل وصل بها الحال

أن تتضايق من نطقه لأي كلمة قد لا تعجبها وإن كانت عادية ؟

هل انجرفت خلف مشاعرها لهذا الحد ! سؤال لم تجد أي جواب

عليه ليتحول لعبرة تجمعت في حلقها وكأنها كتلة متحجرة كتمها

لها كان يكاد يفجر الدموع من عينيها وهي ترى نظرته الغاضبة

فخرج صوتها الناعم يائسا منخفضا تجاهد ملامحها التي تنذر

لوشوك انفجارها " مطر لا أستطيع "

حرك رأسه بقوة برفض قاطع وهوا يمد لها السلاح وقال بحزم

" لن تجدي معي هذه المرة نظرتك الساحرة هذه يا غسق

وستفعلينها وإن مرغمة "

صاحت باعتراض وقد ضربت قدمها بالأرض " ولما تجبرني على

ما لا أريد ؟ هل على كل امرأة في منزلك أن تحمل السلاح مثلك "

صر على أسنانه يستغفر الله هامسا وكانت تدرك أنه يمسك نفسه بصعوبة

عن ضربها بأخمس ذاك الرشاش أو رميها به وقد علا تنفسه الغاضب من

حركة أضلع صدره العريض من تحت ذاك القميص الأبيض الحريري

وخرجت الحروف من بين أسنانه " أنتي شيء آخر وعليك أن تتعلمي

الدفاع عن نفسك بأي طريقة ولا أفضل من السلاح في مثل هذه البلاد "

تراجعت خطوة أخرى للوراء تهز رأسها برفض وبدأت الدموع بالتجمع

في عينيها ولم تستطع فهم إصراره القوي لتتعلم هذا الشيء ومعنى كلامه

عن حاجتها للدفاع عن نفسها !! قالت بعناد أقوى " الله يدافع عني

دون قتل أو دماء , هو من يحمي البشر "

" غســـــــــــــق "

تلك الصرخة الغاضبة باسمها فجرت آخر حاجز وضعته لتلك الدموع

كي لا تتسرب من عينيها فتساقطت تباعا كحبات اللؤلؤ وقد زمت شفتيها

المرتجفة بسبب بكائها ذاك وقد لاحظت من خلال تلك الغشاوة والدموع

ملامحه التي بدأت تلين ببطء , ولم ترفع ولا يدها لمسح تلك الدموع

المتناثرة على وجنتيها وهمست بصوت ضعيف مرتجف " كنت أثق

في حماية والدي وأشقائي لي والآن أثق من أنه لن يمسني ظفر

إنسان وأنا تحت حمايتك فلما أتعلم هذا الشيء ؟ "

مرر أصابعه في شعره ناظرا للسماء وأخرج زفيرا قويا ثم أغمض

عينيه بقوة يتذكر كلام عمته مجددا عن اللين في التعامل معها لكنه

لم يعتد ذلك لم يعتد مخالفة ما يأمر به ولم يعرف بديلا أبدا عن

إلقاء الأوامر لكن هذه المرأة تعرف جيدا كيف تتسلل للنخاع حين

تريد شيئا أو ترفض شيئا ويعلم أن دموعها لا تنزل سدا فهي بالكاد

تتغلب عليها لتملأ محاجرها دون نزول , وضع السلاح على السيارة

وتوجه نحوها وهي تمسح دموعها بطرف كم قميصها , وهذا أمر

آخر يعجز عن التصرف فيه ... المرأة الباكية التي قد لا يسكتها

شيء , أمسك يدها وأبعدها عن وجهها هامسا " أش يكفي الآن "

ثم مسح بيده الأخرى على خدها مبعدا غرتها عنه وهي لازالت تسدل

رموشها للأسفل مبعدة نظرها عنه وقال مبعدا خصلات غرتها خلف

أذنها " ما السبب يا غسق ؟ أعتقد كان عليك ذكره من البداية "

أشاحت بوجهها جانبا فابتعدت يده عنه وقالت ببحة ووجنتين مشتعلتان

احمرارا " حين كان عمري سبع سنين استوقفتنا مجموعة مسلحة , كنا

في السيارة أنا ورماح والكاسر ووثاب وخالي وزوج خالتي , كنا صغارا

وقتها وكانوا رجالا مخيفين وبيدهم أسلحة , كانوا مجموعة وتشاجروا

أمامنا ورفعوا السلاح على خالي وكانوا سيقتلونه أمام أعيننا دون

اكتراث لصراخنا وبكائنا الهستيري "

ارتجفت يدها بوضوح شعر به من معصمها الذي لازال في قبضته

وتابعت وقد عادت دموعها للجريان على خديها تمسحها بيدها الأخرى

" اعترضهم مجموعة أخرى في الوقت المناسب لكانوا قتلوه لكن الأبشع

أنهم قتلوا رجلين منهم أمام عيني وبدم بارد ونجونا منهم بأعجوبة وقد

أصيب زوج خالتي ونزف طوال الطريق حتى كاد يموت , كان ذاك

الحدث سببا لكوابيسي لأعوام وأصبت بحالة هلع من أي موقف يستخدم

فيه السلاح وإن كان سلميا , وقد حرص والدي لأعوام أن لا أراه

في منزلنا حتى كبرت لكن خوفي منهم ومن القتل والدماء

لم أتخطاه لليوم "

تنفس حينها بتفهم وهز رأسه بحسنا وإن لم تكن تراه , ها قد علم

الآن سبب تلك النظرة حين رأت السلاح على كتفه وحين مده لها

لتحمله لغرفته , سار بها جهة السيارة يسحبها من رسغها قائلا

" لا بأس لن أطلب منك ذلك مجددا "

وتابع وهوا يفتح لها الباب " كان عليك إخباري من البداية

بدلا من أن تعاندي وتغضبيني "

لم تعلق وهذا ما توقعه منها فهي كانت ترفض إظهار ضعفها أمام

أي كان وكانت ستكتفي بالرفض فقط وما كانت لتتحدث لولا دموعها

التي استغرب حتى أن سمحت لها بالنزول أمامه , رفعها من خصرها

مجلسا لها على الكرسي وأخرج قارورة الماء من تحته ومدها لها

وأغلق الباب ما أن أخذتها منه ودار حولها وركب في كرسيه

وأدار مفتاحها فوصله همسها المبحوح قائلة

" أنا آسفة "

نظر لها وكان نظرها على القارورة في حجرها تقبض عليها بيديها

بقوة وقد أخفت غرتها أغلب ملامحها فتراجع بالسيارة للخلف قائلا

" كنت أريد ذلك من أجل مصلحتك يا غسق ولو أخبرتني بحالة

الخوف تلك ما عرضت عليك الأمر "

وتابع وقد انطلق بالسيارة في الطريق الذي شقته إطارات السيارات قبلها

في المكان " لن أتوانى عن حمايتك أبدا ولن يمسك أحد بسوء وأنا حي

أتنفس لكن المستقبل لا يضمنه أحد ولاحظت من ليلة زواجنا أنك لا

تتقنين استخدام السلاح وأنا من ضن أنك ستكونين تدربت

عليه جيدا في منزل والدك "

نظرت جهة النافذة وخرج صوتها خفيضا لازال يؤثر عليه بكائها

السابق وسجنها لعبرتها كل ذلك الوقت " علمني عليه الكاسر نظريا

وفي يديه هو دون أن ألمسه وقال أن الضرورة قد تجعلني أستخدمه

متغلبة على خوفي لكني لم أستطع إمساكه والرمي به مهما حاولت "

خطف نظره لها ثم عاد به للطريق الترابي الذي وصلاه أمامه وقال

" لكنك تصرفت بشجاعة وثبات يوم أصبت , ألم يذكرك ذلك بذاك

الموقف ؟ "

نظرت له سريعا فقال من قبل أن تتحدث " لا أقصد تكذيبك ولا

تستعجلي الحكم على كلامي فهذا مجرد سؤال "

نظرت ليديها في حجرها وهمست ببحة " قد يكون مما حكا عنه

الكاسر وكانت شجاعة لحظية فقط "

أغمض عينيه لبرهة متنفسها بضيق فكلامها يدل على أمر واحد أنها

قضت تلك الليلة تبكي , وصله صوتها مجددا " في منزل والدي لم

يكونوا يخبروني عن أي إصابة لأحد أشقائي ولا أراه إلا وجرحه

مضمد منذ حالات الهلع تلك في طفولتي , وأنا نفسي لم أتخيل أن

أتحمل منظر الدماء ورائحتها تلك الليلة "

وتابعت بهمس حزين " أنا أثق في حمايتك لي يا مطر وإن عجزت

أنت فالله يحميني وإن كنت أجهل سبب خوفك هذا "

لم يتحدث ولم يعلق على كلامها وقال وقد أوقف السيارة مجددا

" لننسى كل ذلك الآن فلم أجلبك هنا لأجله أنا فقط رأيت أن

المكان والوقت مناسبين "

وتابع وهو يفتح بابه " هيا انزلي أريد أن ريك شيئا مهما "

ونزل ونظرها يتبعه مستغربة ثم نظرت حولها وكانت تعلم أنهما لازالا

في العمران ولم يغادراها , فتحت الباب وقفزت مجددا تثبت نفسها بالتمسك

بحافة الباب ثم أغلقته ودارت حول السيارة حيث كان واقفا ينتظرها فأمسك

بيدها وقال يسحبها منها " لن تكرريها مجددا يا غسق وستخبرينني حين

يكون لديك مخاوف من أمر ما اتفقنا "

نظرت له سائرا أمامها ... لظهره وأكتافه العريضة لشعره الأسود

اللامع وتنهدت بأسى ( أعظم مخاوفي منك أنت يا مطر شاهين

فكيف أخبرك عنها بالله عليك ؟؟ )

صعد بها ذاك المرتفع الذي ظنته جبلا صغيرا لكنهما ما أن بدأ بتسلقه

حتى اكتشفت أنه ضخم ولن يصلا لنهايته , كانا يصعدان برفق ممسكا

بيدها ينظر كل حين لقدميها وحركتهما كي لا تنزلق , وما أن كانا

أعلاه ووقفت بجانبه حتى نظرت حولها بدهشة فاغرة فاها الصغير

الممتلئ وهمست بدهشة " ما هذا ؟ "

حيث كان بإمكانها رؤية تلك المنطقة من أعلاه وكأنها تركب طائرة

مروحية تطير بها فوقها , جلس حيث وصلا وقال ناظرا لها فوقه

" اجلسي لتستمتعي بالمشهد مسترخية فمن هنا يمكنك مشاهدة

كل شبر في العمران "

نظرت تحتها وجلست برفق لتكتشف أنها كانت تكاد تلتصق به ولم

تكن تستطيع الزحف بعيدا ستكون حركة سخيفة ومكشوفة , ضمت

ساقيها مطوقة لهما بذراعيها ونظرها يهيم في كل شيء أمامه وخصلات

شعرها وغرتها تتطاير مع ذاك الهواء الذي اشتد بسبب وجودهما على

ذاك الارتفاع , لم تستطع منع عينيها من التنقل في كل اتجاه انبهارا بما

ترى أمامها فحتى بحيرة رقراق كانت تراها من مكانها هناك , وبينما كان

نظرها يتنقل في كل شبر من المكان كان الجالس بجانبها يستند بإحدى يديه

خلفه مدققا النظر على ردة فعلها وملامحها من بين ذاك الشعر الحريري

الذي كان يعزف على وتر الرياح وهي تكاد تنسى كل شيء حولها وحتى

وجوده , نظر أمامه ثم عاد بنظره لها وقال " هذا الجبل يسميه البعض

بجبل غضنفر فقد اكتشف هذه النقطة فيه رجل كان يلقبه الناس بالغضنفر

لما يحكى عن شجاعته ومبارزته للحيوانات المفترسة حيث كان يرجع

في كل رحلة بحيوان منها مطعون بسكينه وكان يعشق حياة البراري "

أشارت بإصبعها لنقطة بعيدة وقالت هامسة " أنظر مطر تلك

المساحة جميعها منبسطة وكأنها بساط "

ابتسم لطريقتها الطفولية في وصف المشهد ورفع يده وأدارها حول

رأسها وسند مرفقه بكتفها وأشار بإصبعه على كل تلك المساحة قائلا

" تلك تسمى عينقوق إنها أرض خصبة بشكل لا يمكنك تصوره حتى

أن الأعشاب البرية الضارة والسامة لا تنبت فيها "

ثم حرك أصبعه يمينا وتابع " أما تلك الجهة المرتفعة قليلا فصخرية لا

تنفع إلا لتكون عمرانية وقد كانت الهازان تريد بناء مستعمرة عسكرية

في كل تلك المساحات حتى حيث الأشجار بمسح تلك الأرض أيضا

لتكون نقطة قوة لها لا يقهرها فيها أحد , كانوا يخططون لسحب حتى

مياه البحيرة ولإنشاء سد للمياه "

كانت تريد قول الكثير كانت لتعلق على كل ما قال لكن جسدها بأكمله

خانها وهو بهذا القرب منها بعدما وضع ذراعه على كتفها وأصبحت

شبه محتجزة في جسده , كانت تشعر بنبضاتها تتسرب في عروقها

حتى قدميها اللتان لم تعد تشعر بهما , لم تشعر سوا بجسده وبرائحته

وبأنفاسه وصوته القريب من أذنها , كانت تشعر بقربه فقط بقربه حد

الوجع المؤلم , وخشيت من تكرار موقف الجدول ذاك ومن ضعفها

وخيانة مشاعرها لها مجددا ومن هروبه وتركها تتهاوى للقاع مرة

أخرى , رطبت شفتيها التي جففتهما الرياح تحاول تنظيم ضربات

قلبها بالتحكم في أنفاسها المتوترة وخرجت منها تلك الكلمات

بصعوبة بالغة " كانوا يريدون تدمير هذه الطبيعة الخلابة ! "

أبعد ذراعه عن كتفها وأمسك ذراعها برفق مطوقا لكتفيها بذراعه قائلا

بهدوء " نعم كان مشروع قرار يتم مناقشته جديا لولا الطعن القوي الذي

قدمه شراع صنوان ولم أترك ذراعا لي في تلك البلاد لم أحركها لتساند

طعنه ذاك ليوقفوا جنون ابن راكان الذي يريد أن يطبقه على هذه

المنطقة منقطعة النظير والتي لا مثيل لها في كل بلادنا "

نظرت لوجهه القريب منها وقد تابع ونظره لازال هناك " هذا المكان

لن يكون جبهة قتال وأنا حي أتنفس ولن يفعلها رجالي من بعدي , لن

تراق الدماء فيها ولن تدمرها المدافع والصواريخ ولن تفسد تربتها تلك

السموم التي تنبعث من الأسلحة , العمران سقطت في يد الهازان سلما من

أعوام طويلة وأخذناها منهم دون إراقة نقطة دم واحدة منذ أشهر وستكون

هكذا دائما حتى تتوحد هذه البلاد وتتحول لمدينة تكون من أجمل مدنها "

كانت نظراتها تتعمق في عينيه ونظرته الحانية لتلك المروج والجداول

والأشجار , لم تتخيل أن يتشابه تفكيرهما هكذا ! هي كانت تعلم جيدا أن

العمران ليست سبيله الوحيد لصنوان فإن أراد الهجوم عليهم فسيكون

لديه حدود واسعة تجمعه بهم من جهة الحالك والهازان ولن يؤثر أخذها

منه في فعلها أبدا إن أراد لكنها أرادت ما قاله الآن أرادت حمايتها من

الجميع حتى من صنوان , تمنت أن تبقى محتفظة بجمالها ولا تشوهها

الحروب وتتحول لمستعمرات ولأرض بور وطبيعة محترقة وأسلاك

شائكة في كل مكان وأرض مليئة بالألغام لذلك أرادت أن تخرج من

ملكيته المؤقتة لها فلن تعترض صنوان إن أخذتها وهي ابنة زعيمهم

ولن تعارض الحالك لأنها أساسا ليست لهم وهو من أعطى الهازان

مدنهم مسلما لها لأهلها ما أن دخولها وهي تحت قبضته .

لم تفهم هل قال هذا عفويا أم أراد أن يوصل لها رسالة واضحة على

أن ما تخشاه لن يحدث أبدا وأنه قرأ أفكرها ككل مرة وعلم السبب وراء

اختيارها للعمران وإصرارها عليها ؟ فكرت في كل ما قال لها وكل ما

سمعته عنه من نساء قبائله , عن أهل مدن الهازان وما يفعل من أجلهم

رفعت نظرها لوجهه وهو ينظر للبعيد في صمت وترقرقت تلك

الدموع في عينيها وهي تراقب ملامحه الوسيمة التي تنطق رجولة

وحزما وصلابة وتمنت من كل قلبها أنه لا يحمل فكرة توحيد البلاد

في رأسه حد أنها تجري في شرايينه لتراه يقتل أهلها وقبائلها وأولهم

قبيلة والدتها التي تسكن مدينتين من حدوده , تمنت رجلا آخر غيره

من ينفذ ذلك فهي أيضا تريد للبلاد أن توحد لكنها لا تنكر أنها لا تريد

أن يكون ذلك على يدي هذا الرجل , أن لا يكسر صورته في أعماقها

تمنت أن كان رجلا عاديا يزرع الأرض ويرعى الأغنام لكانت ارتمت

الآن في حضنه تشكره على كل ما قال , لكنها وفي ذات الوقت لم

تستطع نكران إعجابها بما يقول , هو لم ينكر أن الطعن كان من والدها

وهو سانده فيه فقط , لم يفكر كابن راكان في تحويلها لمنشئة عسكرية

لحمايته ولتنفيذ هجماته , بل لا يفكر حتى في إنشاء مقر عسكري ولو

صغيرا على الحدود وترك جنوده يحمونها هكذا في الخيام وفي العراء

أبعدت نظرها عنه ومسحت عينيها بظهر كفها بقوة تشعر بتلك العبرة

تتجمع في حنجرتها مجددا لكنها لن تخرجها أبدا فلا عذر تقدمه له الآن

مسحت تلك الدموع ومسحت معها تلك الأفكار الغبية التي سمحت لها

أن تصل لعمق أن تتخيل حياتهما كزوجين طبيعيين , أن تجلس بجانبه

الآن ذراعيها حول خصره متكئة برأسها على كتفه ويتمازحان ويتبادلان

الكلام العاطفي , ضحكت على نفسها وأفكارها فذاك أبعد ما قد يفعله

هذا الرجل أو ما تتخيله .

شعرت بأصابعه ترتخي عن ذراعها حتى ابتعدت ذراعه عنها فأنزلت

يدها وسندت بها نفسها على الأرض وكأنها تحمي نفسها من الانهيار

وسؤال واحد يتكرر في ذهنها ( ما عذرك الآن لطلب العمران ؟ فها

قد قد سقط المهر يا غسق , المهر الذي تركك من نفسه تتمسكين به

وتضعيه حاجزا بينكما فهل ستتصرفين الآن كالأطفال وتعجزيه

بغيره ؟ )

علمت أنه لم يعد ذلك بإمكانها وأنها من ليلة غد ستكون لهذا الرجل

كاملة لتسلمه جسدها أيضا وطوعا ليمتلكها جميعها وهي من لا تملك

منه شيئا سوا أسمه بجانب اسمها في عقد زواجهما , رجل قد يسرقه

منها أي شيء وأولها الحروب والموت , انتفض جسدها بقوة حين

شعرت بملمس أصابعه على خدها ووصلها صوته منخفضا

" ما بك يا غسق ؟ هل تشعرين بشيء ؟ "

هزت رأسها بلا منزلة له للأسفل فلم تتخيل أن شحوب ملامحها

وتجهمها كان واضحا هكذا ! خرجت الكلمات منها بصعوبة وأصابعه

تبعد خصلات غرتها عن عينيها وقالت بهمس " أشعر ببعض

الدوار وقد يكون بسبب الريح "

وقف حينها موقفا لها من يدها قائلا " لننزل إذا فالهواء قوي وتنفسه

بدفعات كبيرة يسبب مثل هذه الحالة "

وقفت دون أن تعترض على كلامه أو تعلق عليه وسارا نزولا حيث كان

الأمر أسهل من الصعود وما أن كانا في الأسفل حتى ترك يدها وسبقها

جهة السيارة قائلا " لا تتعبي نفسك بالتفكير يا غسق أنا لم أقل ما قلت

لأقيدك وأحاصرك تأكدي من ذلك "

وقفت مكانها وعضت شفتها بقوة تخفي ملامحها في الأسفل تناشد المساندة

من غرتها لتخفيهم عنه فها هو علم فورا فيما كانت تفكر وسبب ردة فعلها تلك

وكما توقعت هو قال ما قاله ليبدد مخاوفها بشأن هذه المنطقة ويعلم بأن حجتها

ستسقط ما أن تعلم بكل ذلك وقد جلبها لترى الأمر بأم عينها وتتأكد من أنه

مصمم عليه وينفذه من الآن , تحركت حين سمعت صوت محرك السيارة

ووصلت لها تتجنب النظر له وهو يلف حولها وقد فتح لها الباب وساعدها

على صعودها ككل مرة لارتفاع بابها ولم تكن ثمة عتبة حديدية تساعد

على الصعود لها كما في سيارات أشقائها وهذه قد فاقتهم ارتفاعا بإطاراتها

المخيفة , ركب كرسيه وتحركا قائلا " كنت أود أن أصطاد أرنبا لتتناولي

شيئا لكني أعلم الآن أن ذلك مستحيل فهل يمكنك التحمل قليلا حتى وقت

العشاء لأنه ينتظرنا عشاء ضخم سيغنينا عن أكل باقي اليوم "

نظرت له مستغربة وهوا ينظر أمامه وفكرت ( هل سيغادران العمران

لمكان آخر قبل عودتهما أم ماذا ؟ ) قال والسيارة بدأت تتحول سرعتها

للجنونية " هل سبق وسمعت عن قبائل تنان الحدودية ؟ "

نظرت له بصدمة وهمست " التنانيون !! "


*

*
يتبــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــع


Msamo likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:52 AM   #707

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*

*

أغلق باب غرفته خلف الخادمة المزعجة التي تكرر ذات العبارة
من ساعة وتوجه لسريره جلس عليه متربعا وفتح جهاز الكمبيوتر

المحمول واضعا له في حجره وفتح بريده ليجد ما كان ينتظره من

أسابيع وهي رسالة ابن خالته الذي خرج من الهازان ومن البلاد لأجل

الدراسة وأخبره بأن لديه شخص يعرفه من الحالك ومقرب له كثيرا

ووعده أن يتقصى لهما عن أمر الطفلة التي نجت من مذبحة خماصة

رغم أن كلمات الرسالة كانت مختصرة لكنه قرأها أكثر من مرة وكأنه

يبحث بين أسطرها (( كل ما تحصل لي صديقي عليه أن أسمها زيزفون

وأنها تعيش حاليا مع أحد رجال ابن شاهين المقربين وتحت حمايته هو

شخصيا وهناك معلومة تقول بأنها مريضة ولا تفاصيل أكثر لديه ))

أغلق حاسوبه متمتما باسمها بهمس ثم غادر سريره والغرفة بذهن شارد

يفكر إن كان مرضها ذاك ما سمعه عنها من جده ووالده أم غيره وإن

كانت هي بالفعل فهما لم يذكرا أسمها ؟ طرق بأصابعه على الباب الذي

وقف عنده ثم فتحه ودخل مغلقا له خلفه واقترب من الجالس خلف

طاولة المكتب يجري مكالمة جعلته يجلس لأكثر من ربع ساعة

ينتظر حتى أغلق جده سماعة الهاتف الأرضي وقال ناظرا له

وبابتسامة واسعة " سيبدأ دوامك في أفضل مدرسة ثانوية

اخترتها لك , إنها بريطانية وستحصل على جميع

امتيازاتهم , وأريدك متفوقا كما عهدتك "

لم يبدوا الحماس على ملامح المقابل له وقد قال بوجوم " لو كانت

مدرسة عربية كان أفضل جدي , أنت تعلم ما يحدث في مدارسهم

إنها ملهى ليلي وموزع للمخدرات ذات الوقت ، لا أحب

الاحتكاك بتلك الفتيات ولا الشبان أيضا "

هز ضرار رأسه برفض قاطع وقال " العناية بالتعليم فيها أفضل

والفتيات لن يجبرك أحد على الاحتكاك بهن أما المخدرات فلا أراك

غبيا بل ناضجا ذكيا تعلم أنه عليك أن لا تأخذ من أحد شيئا ولا

كوب ماء "

نظر وقاص لأصابعه على طاولة المكتب بجانبه وقال ببعض التردد

" وتخصصي بعد أن أنهيها ؟ أنت لم تطرح هذا من قبل "

قال ضرار من فوره " لك ما تختار يا وقاص أنا أثق في اختياراتك "

نظر له بتفاؤل وحماس وقال " حقا يمكنني الاختيار بنفسي ! "

ما كان ليخالف جده وكان سيرضى بما سيختاره له عن طيب نفس

لأنه يعلم بأنه لن يختار له إلا ما سيكون فيه مصلحة مستقبله لكن

طموحه يبقى حلما لا يمكنه تجاهله أبدا ، قال ضرار مبتسما

" أجل إن لم يكن فنانا أو أديبا طبعا "

وضحكا معا وقد علق وقاص " لا موهبة لدي في أي منهما

كما تعلم "

قال ضرار " إذا ما يكون اختيارك ذاك ؟ "

قال بحماس " محامي ... أريد أن أكون محاميا ولم أتمنى

حياتي إلا أن أكون واحدا منهم "

هز ضرار رأسه بتفهم وقال " كنت أتمنى أن تختار الاقتصاد

ليساعدك فيما أريدك أن تمسكه مستقبلا لكن لا بأس فالقضاء

يساعد أيضا ولا أضنك ستختاره وحده على أعمالنا وتجارتنا "

هز رأسه بنعم مؤكدا وقال " بالتأكيد جدي أنا سأكون يمينك كما

والدي الآن أما المحاماة فهي الشيء الذي سأجد نفسي فيه وإن

فقدتها قد أفقد أي رغبات وطموحات أخرى "

هز ضرار رأسه وقال " أنهي الثانوية أولا ثم لكل حادث حديث "

ورفع سماعة الهاتف ليجري اتصالا آخر فقال وقاص مندفعا قبل

أن ينشغل عنه " جدي ما أسم حفيدتك تلك ؟ "

نظر له ضرار نظرة فهم وقاص معناها من دون أن يتكلم ولولا خوفه

من انشغال جده بالمكالمات ما ضن أنه سيستطيع نطقها وسؤاله ذاك

السؤال , قال بتوجس حذر خوفا من ملامح الجالس خلف الطاولة

" هوا مجرد سؤال جدي لا علاقة له بشيء "

ضغط ذاك أرقام الهاتف ونظره على أصبعه وقال ببرود وهو يضع

السماعة على أذنه " دراستك ستبدأ الأسبوع القادم فكن جاهزا "

فوقف منصاعا وتنهد بيأس مغادرا من هناك في صمت وخرج مغلقا

الباب خلفه متمتما " علمت أني لن أخرج منه بجواب ولم يبقى

سوى والدي "


*

*


احتاجت لوقت لترجع للحديث مجددا والسيارة تشق بهما تلك

الطريق الوعرة بسرعة وقالت ناظرة للجالس بجانبها

" هل هم قريبون من هنا ؟ "

قال دون أن ينظر لها " ليس بعيدا سنصلها مقربة العشاء

إنها عند حدودنا الغربية "

ثم خطف نظره لها قبل أن يرجع به للطريق الترابي المليء

بالصخور قائلا " هل سبق وسمعت عنهم ؟ "

همست من فورها " نعم .. قليلا "

قال ونظره لازال للأمام " هم يعيشون على حدودنا وحدود الدولتين

المجاورة لنا إنهم من الشعوب التي لم تعترف بهم أي دولة وعاشوا

مهمشين عند الحدود لا هوية لهم ولا بلاد , إنها معاناة يلقاها

البعض ودون أن يجدوا لها حلا "

هزت رأسا بحيرة وقالت " كيف يكونون هكذا ؟ هذا ظلم في حقهم "

هز رأسه بنعم قائلا " تلك القبائل تكونت عند الحدود وتجمعت لتكون

ثقافة وعادات وحدها وأقصت نفسها حتى نبذها العرب , إنهم لا

يدينون بالإسلام يا غسق ومن اعتنقه دخل المدن وعاش فيها

وإن كان دون هوية أو مجنسا فقط "

نظرت له من جديد وقالت بفضول " أتقصد أنهم مختلفون عنا

في كل شيء ؟ "

حرك كتفه قائلا " تقريبا فهم يسكنون منازل مصنوعة من القصب والطين

لكنها متينة ومبهرة ومن الروعة أن تشعري بنفسك أنك في منزل من طوب

عاداتهم مختلفة وأطعمتهم أيضا , يتحدثون العربية بطلاقة مع لغتهم الأم

عاداتهم تختلف عنا في كل شيء تقريبا وستري بعينك اليوم فزواج ابن

زعيم قبائلهم الليلة ونحن مدعوان "

نظرت له بصدمة وقالت " أليسوا تحت حكمك ومن ضمن الحالك ! "

هز رأسه بنعم وقال " بلى لكن ليس كما في باقي الحالك , هذه القبائل

مستقلة بنفسها والدول الأخرى حاربتها لرفضها الرضوخ لأحكامهم وهم

لا يعترفون بانتمائهم لهم أما هنا فالأمور تسير بعقد الهدن والاتفاقيات بيننا

ولهم زعيمهم يدير شؤونهم جميعها لكن لا يخالف قوانيني والاتفاق بيننا

عليها أي لهم السيادة والحرية فيما يريدون الحرية فيه ووجدت أني بذلك

أكسب السلم معهم وأحفظ لهم دمائهم ومن أراد أن يدخل الحالك شرطي

الإسلام وأنا أدعمهم كما أدعم باقي المدن خاصة وأن المبالغ التي يقدمها

البنك الدولي من عائدات البلاد لا يحسبون فيها فنحن نوفر لهم حاجاتهم

الأساسية وأبحث مع زعيمهم سبل المساعدة دوما ليتمكنوا من العيش

بسلام وأمان ولتتوفر لهم سبل العيش تلك دون أن ننبذهم كما أنهم

يعترفون بي زعيما لهم وفوق زعيمهم "

غابت بنظرها في الأفق الذي بدأ يشوبه حمرة الشفق مفكرة في كل ما قال

( هو يعني الأمان لهذه القبائل المنبوذة فكر في كل شيء لمصلحتهم ولسلام

دائم معهم ولابد وأن الكثيرين أمثالهم من الدول المجاورة انضموا لهم هنا

هذا الرجل لم يترك حقا أي شيء لم يفكر فيه , لقد تجنب أن يظلم أي أحد

بينما كان يمكنه محاربتهم أو رسم حدود وهمية بينهم أو محاولة طردهم

من المناطق التي يعدها الجميع ليست لهم وليست من حقهم )

خرج صوتها هامسا أجوفا حين قالت " وهل أرضاهم أن تمنعهم من

تخطي مناطقهم إلا معتنقي الإسلام ؟ "

قال بعد برهة " لا يحق لهم الاعتراض فهم أيضا يرفضون عيش غيرهم

بينهم وأنا لا أريد أن تتسرب ديانتهم بيننا وأن تكثر المشاكل بسبب تعصب

البعض فمن حقهم العيش في الأرض التي ولدوا فيها من أجيال ومن حقي

فرض الإسلام على من أراد أن يكون منسوبا لنا ليعيش بيننا فحتى جيشي

بينه عدد كبير منهم , هم جزء من هذه البلاد يا غسق لا أنا ولا

غيري يحق له نكران ذلك "

هزت رأسها بالموافقة في صمت فهي تعلم بأن قضية تلك القبائل معقدة

جدا ولا يمكن فهم ومناقشة جميع أبعادها فكم عانى أمثالهم ونبذوا لمناطق

الصحراء والعراء حيث لا تستفيد تلك الدول منها وليست بحاجتها وعاشوا

بلا أرض ولا هوية ولا جنسية تقريبا , توقفا قليلا من أجل صلاة المغرب

وبعدما أنهت الصلاة خلعت العباءة التي وجدتها هنا في السيارة بعدما انطلقا

صباحا ولم تستغرب أن أحضرها بنفسه فهوا خطط لكل هذا , تركت الحجاب

وأحكمت لفه بما أنهما سيدخلان مدن تلك القبائل قريبا فقد بدأ ابيضاض الشفق

والظلام يلتف حول كل شيء حاضنا له معطيا لسكون ذاك البر الواسع صمتا

مخيفا ما أن تنظر الظلام حولك وكأنك رميت في الفراغ , واصلا السير سريعا

وبدأ نور السيارة القوي الطويل يشق تلك الطرق الترابية الوعرة ملقيا نوره

على الأشجار لترسم ظلالا تشبه الأشباح ولولا وجود الجالس بجانبها ممثلا

كل معنى للأمان بالنسبة لها ذاك الوقت لفقدت عقلها رعبا من ذاك المكان

الموحش المنقطع , التفتت للخلف بريبة ثم نظرت له وقالت

" مطر ثمة سيارات خلفنا ! "

قال دون أن ينظر لها ولا في المرآة " نعم تلك لبعض رجالي سيرافقوننا

حتى نصل ويرجعوا فلن نغادر من هناك قبل الفجر , لو كنت وحدي ما

احتجت وجدهم لكن بوجودك معي عليا أن أوفر حماية أكبر فالمكان خال

وقطاع الطرق لا أحد يستطيع إيقاف شرهم في بلاد تعاني كبلادنا "

عادت للجلوس مستوية ولاذت بالصمت فلن تستطيع أن تقول بأن وجوده

يكفي لأمانها وهي موقنة من أنه لن يتوانى عن الدفاع عنها لكن وكما قال

الأمر لا يمكن الاستهانة به في بلاد كبلادهم , رفعت نظرها للسماء التي

هجرها ضوء القمر آخذا لمعان النجوم معه وتمنت من الله أن يعم الأمان

بلادها , أن تصبح كغيرها من البلدان وأن يحقن دماء أبنائها وأن يكون

ذلك بأقل خسائر في البشر , أمنية لطالما أرسلتها للسماء بكل أمل .

بعد مسافة لا بأس بها تراءت لها أضواء تلألأت من بعيد في الظلام

وأصبح عددها يزداد كلما اقتربا حتى فتحت فمها مندهشة لرؤية تلك

الأسراب المضيئة التي التفت حول المنازل البعيدة وفي كل مكان لتعبر

عن بهجتهم بالمناسبة التي يحتفلون بها ولتحول واجهة تلك القرية لأشبه

بمهرجان ضخم , ما أن وقفت سيارتهم ونزلا منها حتى تقدم منهما

أربعة رجال يترأسهم رجل يبدوا تجاوز الستين من عمره , كانوا بثياب

عادية كالتي تراها وتعرفها فكادت تضحك أمامهم على أفكارها حين

ظنت أنها سترى أناسا بملابس تشبه تلك التي يلبسونها في العصور

الوسطى , صافح الرجل مطر بحرارة وفهمت من حديثهما أنه ذاك

الزعيم الذي تحدث عنه ولفت نظرها فورا الحراسة حول القريبة

وركض الأطفال من بعيد , شد مطر يدها من خلفه لتقف بجنبه

وقال " وهذه زوجتي وأسمها غسق "

قال ذاك مبتسما وبإيماءة بسيطة من رأسه " مرحبا بزوجة

الزعيم مطر "

ابتسمت له هامسة " سررت بمعرفتك "

حدّث ذاك الزعيم مطر بلغته الأم ونظرت له بصدمة حين أجابه بذات تلك

اللهجة وضحكا معا وقد نظرا لها وسار حينها ذاك وهما بجانبه ورجاله

خلفهم فشدت يده وهمست بخفوت لا يسمعه غيره " ماذا قلتما عني ؟ "

خرجت ضحكة صغيرة مكتومة منه وهمس " يالا فضول النساء

من قال أننا تحدثنا عنك "

قالت من بين أسنانها " مطــــر "

قال مبتسما " خشي فقط أن يغير ابنه رأيه بعروسه لأنه يراها أجمل

نساء البلاد "

بقي نظرها معلقا به فقال ناظرا لها " لا أضنك تكذبينني "

هزت رأسها بلا وهمست " وما كان ردك أنت ؟ "

شد يدها أكثر مقربا لها منه وقال ونظره على الطريق الذي شقاه

بين المنازل " من غير اللائق أن نتهامس أمامهم كما أعتقد ؟ "

صرت أسنانها بغيض منه ونقلت نظرها لكل شيء حولها , كانت المنازل

كما قال عنها قوية وكبيرة ومتماسكة لا يمكنك أن تصدق أنها بنيت من

القصب !! نظرت لثيابها وعبست مفكرة في مظهرها فلم يكن يليق أبدا

بحضور حفل زواج ( لو أنه أخبرني لأحضر شيئا ألبسه ؟ هل كانت

جريمة تلك كي لا يفعلها وأنا لا أعلم ما يلبسون هنا !! )

وانفتحت عيناها بصدمة ما أن رفعت نظرها وكانوا وسط ساحة واسعة لم

تساوي تلك الزينة التي كانت حول البلدة شيئا أمام الموجودة والمعلقة هناك

وحركة الناس في تجهيز تلك المنصة المرصعة بالورود والمقاعد على صفين

أمامها ! لكن ذلك لم يكن وحده ما صدمها بل النساء اللاتي كن يتحركن هناك

من تربط الزينة ومن تجز الأقمشة المصنوعة من الشيفون , لا ليس ذلك

ما صدمها بل لباسهن !! كان عبارة عن فساتين من الشيفون الثقيل طويلة

مخصرة بدون أكمام مفتوحة الرقبة , جميعها ذات الطراز مع اختلاف

التفصيلات وطرق تزيينها , من تمسك شعرها ذيل حصان ومن تتركه

مفتوحا متموجا على كتفيها وظهرها ومن ترفعه للأعلى وكل واحدة

تنافس الأخرى في بياض بشرتها وقوامها الممشوق وأناقتها وتذكرت

وقتها أنه أخبرها أنهم لا يدينون بالإسلام ولباس نسائهم هذا سيكون

طبيعيا لكنها لم تتخيل أن يكون موحدا رغم اختلاف الألوان والأشكال

وأن لا يكون محافظا هكذا !! تمتمت لنفسها بعبوس ( نقص فقط أن

يقصصنه من الأسفل لأعلى الركبتين ليكتمل مهرجان الحسن ذاك )

وعلمت حينها لما لم يخبرها لتجهز نفسها فالزواج هنا كما يظهر عليه

مختلط بين الرجال والنساء , نظرت له فسرعان ما سحب نظره ممن

كان يحدثه ونظر لها فقالت تجاهد ملامحها المشدودة لتكون طبيعية

" هل تحظر حفلات زواجهم دائما وتزورهم باستمرار ؟ "

وتابعت بضيق قبل أن ترى تلك السخرية ترتسم على ملامحه

وهو يجيب " مطر أجب دون أن تسخر مني رجاءا "

شعرت بالارتياح حين ابتسم دون أن تعلوا شفتيه تلك الابتسامة الساخرة

القاتلة وقال " لا فهذا الثالث منذ توليت زعامة الحالك لأنه لثالث أبناء

زعيمهم , ومرات معدودة جدا تلك التي زرتهم فيها فزعيمهم من

يزورني في حوران كلما أراد شيئا , هل ثمة سؤال آخر ؟ "

أبعدت نظرها عنه وقالت ببرود " ضننت فقط أنك تشاركهم هذا

الاستهتار دائما "

ضحكة عالية كانت ردة فعله فلم يزدها ذاك إلا احتراقا وهوا يلفت نظر

الفتيات القريبات منهم بضحكته الجهورية المبحوحة تلك ليبدأ التهامس

هناك وكل واحدة تكز الأخرى لتنظر لهم تحديدا , تمنت لو عادت أدراجها

تجره خلفها رغما عنه ويغادرا هذا المكان ففوق مظهرها الذي لم يساويهن

رغم أنها ما كانت لتلبس مثلهم أمام الرجال ها هي عليها مواجهة كل تلك

الأعين الواسعة الجميلة المحدقة به وهذا ما لم تحتمله ولن تستطيع نكران

ذلك مهما حاولت , تفرق الرجال من حولهما ما أن اقتربت منهم امرأة قد

قاربت الخمسين من عمرها تتبعها فتاتين إحداهما تبدوا لم تتجاوز الخامسة

عشرة والأخرى تبدوا حاملا , اقتربت مبتسمة بحبور وقالت مخاطبة مطر

" شرف كبير لنا أن تحضر زواج ابني سيدي فنحن لم نراك منذ

حفل زواج ساجي منذ ثلاث سنين "

رد عليها بأدب مبتسما " وأنا أتشرف بحضوري هنا "

ثم أحاط كتفي الواقف بجانبه بذراعه وقال " أقدم لكن زوجتي غسق "

نظرت لها تلك من فورها بينما الفتاتان لم تفارقها عيناهما منذ وقفن

أمامهما وقالت والدتهما مبتسمة " زيارتك شرف لناسيدتي , أنتي

إذا ابنة شراع صنوان ؟ "

نظرت لمطر من فورها وكان ينظر لها فعادت بنظرها لتلك سريعا

وقالت مبتسمة قدر استطاعتها " وأنا كان لي عظيم الشرف , أجل

أنا هي ابنة شراع "

هزت تلك رأسها بحسنا مبتسمة وقالت " كما قيل عنك ويزيد "

ثم نقلت نظرها لمطر وأعادت حركة زوجها بان حدثته بلغتهم تلك وهو

أجابها ضاحكا ولم يزدها ذاك إلا اشتعالا متمتمة لنفسها ( هذا كيف تعلم

لغتهم المعقدة وهوا لا يزورهم كما يبدوا !! ) كم تمنت وقتها أن بحثت

عن هذه الطلاسم من قبل وحفظتها عن ظهر قلب لتفهم ما يقال عنها هنا

وهذا يرفض القول , نظر لها وقال " يمكنك الذهاب معهن للجلوس

في مقاعد النساء "

نقلت نظرها منه لهن وتمتمت بدون أن يسمعها أحد متحركة من مكانها

تسحب نفسها من ذراعه " جيد على الأقل لن يجلسوك وسطهن "

وسارت معهن حيث تلك المقاعد المنظمة كالمدرجات على جانبي تلك المنصة

كل جهة مكونة من ثلاث صفوف من المقاعد وكل صف أعلى من سابقه قليلا

ليتسنى للجميع رؤية كل شيء , ولاحظت تجمع الناس يزداد ما أن تقدم زعيمهم

برفقته مطر وزوجته وابنتيها وهي برفقتهم جهة تلك المقاعد الكثيرة المتراصة

على الجانبين , وبعد رفض قاطع منها جلست في الصف الثاني من المقاعد

رافضة بكل أدب الجلوس بجوار زوجة الزعيم في المقدمة فلا تريد أن تكون

مقابلة للرجال تماما , بينما جلس مطر بجوار زعيمهم في أول مقعدين جهة

المنصة في الصف الأول وأبنائه بجانبه وامتلأت تلك المقاعد بسرعة بالناس

أطفالا ونساء ورجال وجلس الصبية جهة الرجال بينما الطفلات جهة النساء

وانطلقت تلك المعازف والتصفيق الحار ما أن اقترب ابن زعيمهم وزوجته

التي كانت تلبس فستانا يشبه فساتينهن لكنه كان باللون الأبيض , اللون الذي

لم تراه على أي واحدة منهن وخمنت أنه محتكر للعروس وحدها في أعرافهم

وكانت ترفع شعرها الذي زين بأزهار بيضاء جميلة وتضع على رأسها طرحة

شفافة مزينة ببعض الأحجار الملونة والنفيسة , كانت مميزة بثوبها وبجمالها

وقد سرقت نظر الجميع وهي تمسك بذراع الشاب الطويل بني الشعر السائر

بجانبها مبتسمان حتى جلسا أعلى تلك المنصة المزينة بإتقان مبهر تأخذ شكل

أقواس من الأزهار تتدلى أقمشة الشيفون الخفيف الملونة من جوانبها

لتعقد في مجموعات تمسكها باقات من الزهور الملونة .

نقلت نظرها لمطر وكان منشغلا بالحديث مع والد العريس وابنه الجالس في

الطرف الآخر ويضحكون باستمتاع وبدأن بعض الفتيات بتوزيع أكواب مليئة

بشراب أحمر اللون فنظرت لمطر فورا إن أخذ منه أولا فهي لا تعرف ما

يحويه شرابهم هذا وما المباح في ديانتهم , لكنها لاحظت أنه أخذ الكوب فورا

دون أن يسأل عنه فأخذته هي أيضا لأنهم قدموا لها لوحدها ولم تنتظر دورها

مع البقية , وما أن شربت منه قليلا اكتشفت أنه مجرد شراب رمان بارد محلى

بالسكر , غابت بنظرها عن كل ما حولها للأضواء الملتفة حولهم في كل مكان

جاعلا من تلك الساحة وكأنها تحت ضوء الشمس وليسوا في ليلة سوداء مظلة

لا وجود ولا للقمر فيها واستغربت حياة هؤلاء القبائل وكأنهم منفصلين عن العالم

حتى أنها لاحظت عند وصولهم أنهم يعتمدون على الخيول ولم ترى سوا عددا

قليلا جدا من السيارات بالكاد يعد على الأصابع , نزلت بنظرها سريعا حين وقفن

ثلاث نساء من بين الجلوس ودخلن تلك المساحة بين صفي المقاعد وبدأن بالرقص

بفساتينهن الطويلة المكشوفة في حركات متمايلة مع الأنغام التي تعزف من نهاية

تلك الساحة ليلحق بهن اثنان أخريات وعلا تصفيق وتصفير الرجال والشبان في

الجهة الأخرى ففغرت فاها تشعر بأنها في حلم وليس في شيء يحدث واقعا

أمامها فإن ألفت كتابا عن هذه القبائل للقي رواجا كبيرا كما ترى أمامها الآن

نقلت نظرها سريعا للجالس هناك بجانب زعيمهم وعضت طرف شفتها بقوة

وغيظ وهي ترى كيف يجلس ناصبا ساق على الأخرى يتكئ بمرفقه عليهما

مسندا ذقنه على قبضته ناظرا لما سرق أعين جميع الرجال في تلك الجهة

وهن تلك النسوة الراقصات بمهارة على تلك الأنغام المتناسقة وقد تقدمت

عليهن واحدة تلتف حول نفسها وشعرها الطويل المموج يتطاير حولها

مع حركتها الدائرية المتقنة والمغرية ذات الوقت , عادت بنظرها له

وكان على حالته تلك ينظر لهن فشعرت بتلك الجمرة تشتعل في قلبها

مجددا وتمنت أن صفعته ليبعد نظره عنهن ويحترم زوجته الجالسة في

الطرف الآخر ترى كل شيء يجري أمامها , تأففت من نفسها وأفكارها

وأبعدت نظرها عنه مستغفرة الله بهمس وحاولت أن تشغل تفكيرها بالنظر

لهن لكن ذلك لم يزدها إلا اشتعالا وهي ترى ما هي موقنة من أنه

يراه الآن ونسي كل شيء حوله فلم يبتعد نظره عنهن لحظة .

ضربت بطرف حدائها على الخشب المثبت به مقاعد ذاك الصف لرفعها

عن التي أمامها في حركة متوترة تحاول بها الحفاظ على أعصابها

وليست تعلم ما بها ولما لا تتحمل نظرة منه لغيرها ! فكيف إن تزوج

حقا !! وليست تعلم أن تفكيره كان بعيدا عنهن تماما يفكر ما الطريقة

لجمع هذه القبائل وثقافتهم ضمن مدن الحالك وحتى صنوان والهازان

كيف يمكن دمجهم وإقناعهم بالتخلي عما لا يتماشى مع القبائل في تلك

البلاد فهم من إحدى أهم الأمور التي تشغل ذهنه في توحيد البلاد

كي لا يعانوا الظلم مجددا ومهما طال الزمن .

زفرت الهواء بعنف ونظرت ليديها في حجرها متمتمة " لا تكترثي

يا حمقاء أنتي أجمل من خمستهن بما فيهن المتقدمة عليهن وأجملهن

فإن لم يشبعه حسنك فلن يشبعه شيء فلا تكترثي له "

تنفست بارتياح قليلا حين قدمت لنفسها تلك الدفعة من الثقة التي ما أن

رفعت رأسها حتى تلاشت في لحظة وهي ترى جلوس الفتيات الأربع لتبقى

تلك وحدها تنظر جهة الرجال المصفقين لها بحرارة وكل واحد يشير لها

رافعا يده للأعلى وكأنه يطلب أن تختاره هو , وما فهمته أنها ستختار شريكا

للرقص بما أنها ترأست مجموعة الراقصات تلك وأنها كما لاحظت ذات

جمال نافست به جميع النساء في قبيلتهم , وما دمرها نهائيا كان اقترابها

بخطوات واثقة دون أن تلتفت لتلك الأيدي الملوحة لها متوجهة للجالس

هناك عنوة وقد مدت يدها له تحديدا وسط تصفيق النساء وصراخ الرجال

الغليظ الجهوري , كانت تعلم أمرا واحدا فقط أنه إن فعلها الآن سيدمر

آخر ما تبقى من أعصابها التالفة , كانت تتمنى أن ينظر لها قبل أن يقرر

وما كانت لتوافق ذلك أبدا وليفهم ما يحلوا له من رفضها وإن اضطرها

الأمر أن تنزل من كرسيها وتسحبه من هناك مبتعدة به لتعلم تلك الوقحة

التي اختارته من بين رجال قبيلتها أنه ملك لأخرى لن تتركه لها

تيبس عمودها الفقري مشدودا بتوتر وخرجت شهقتها رغما عنها وقد

غطتها الموسيقى والهتاف المرتفع من الوصول لمسامع الجالسين بقربها

حين رفع يده وأمسك بيدها ووقف يتبعها وهي تسحبه لوسط تلك المساحة

وعلى شفتيها ابتسامة واسعة , ابتسامة يفهم كل من يراها أنها تنم عن

الانتصار وعن الرضا بل وعن البهجة وكأنها حققت حلما عظيما

أغمضت عينيها من شدة إحساسها بالألم قبل أن تفتحهما مجددا وقد عاد

الجميع للصمت تاركين صوت الموسيقى وحده يعبر عن ذاك المشهد وتلك

ترقص حوله وعيناها لا تفارق عينيه تلمس يدها صدره كلما سمحت لها

الفرصة بذلك وهوا واقف مكانه ينظر لها وابتسامة خفيفة تعلوا شفتيه يعبر

بوقفته تلك وثقته وجسده عما يحمله من صفات الرجل الذي ستتمنى أن

تكون كل واحدة من ذاك الحضور مكان تلك التي بدأت تتعمد الاقتراب

منه أكثر في رقصها ذاك متجاهلة أن له زوجة تجلس هناك تحترق

بصمت كتلك الشموع التي زينوا بها أطراف منصة عروسيهم وتكاد

تتفجر الدموع المسجونة في عينيها وهي تراقب عبث تلك المرأة بما

هوا حق لها وحدها لا يفترض بأي أنثى أن تشاركها فيه , كانت تفهم

جيدا تلك النظرات التي ترميه بها فلم تكن نظرات امرأة تراقص رجلا

عابرا , ولا تعمدها الاحتكاك بجسده وإن كانت لمسات طفيفة عابرة

ولم يؤثر بها أنه لا يشاركها رقصها ذاك سوى بنظراته التي تتبعها

وكانت كافية لامرأة لم تطمع بأكثر من موافقته على عرضها

للرقص وكافية أكثر لقتل قلب الجالسة هناك وعليها فقط

أن تراقب بصمت وتحترق .

وكانت الضربة القاسمة لقلبها المرتجف كسعف نخيل حين ألصقت تلك

ظهرها بصدره مواصلة رقصها المتمايل رافعة رأسها للأعلى ناظرة لعينيه

فنزلت تلك الدمعة التي جمدتها بكل قواها عن النزول ولم تستطع رفع نظرها

عنهما وتلك تحرك شفتيها في أول حديث بينهما جعله رفع نظره جهتها من

فوره وعلمت حينها أن ما قالته تلك يخصها هي تحديدا , ثم تحدث لا ترى

سوا حركة شفتيه ونظره على عينيها الدامعة المحطمة التي لا يراها من

هناك ولاحظت تصلب جسد تلك وتوقفها عن الرقص وتجمد ملامحها

الذي سرعان ما نجحت في إعادته كما كان , وعلمت أن ما قاله سبب

حالتها تلك وقد عاد بنظره لها تحته , فوقفت حين فقدت آخر ذرة

للتماسك فلن تسمح بأن تشهد نساء هذه القبيلة دموعها وتحطمها

على يد امرأة منهم .

اجتازت المقاعد وأرجل الجالسات بخطوات سريعة متعثرة أحيانا بسبب

اصطدامها بأقدام بعضهن حتى كانت خارج ذاك الصف الطويل وتحركت

بخطوات سريعة غاضبة للجهة التي جاءوا منها تحاول سجن الدموع التي

ترفض الرضوخ وجل ما تتمناه أن تصل للسيارة بسرعة لكن اليد التي

أمسكت ذراعها منعتها من التقدم أكثر وقد لفها جهته قائلا

" غسق ما بك ؟ أين تنوين الذهاب ؟ "

رفعت نظرها له وعيناها المحمرة ترسل ذاك الشرر الغاضب المتطاير

وقالت بضيق " للسيارة طبعا فهل لديك أي اعتراض "

سحبها جهته يراقب تلك الدموع التي تعرف كيف تسجنها بالقوة رافضة

نزولها أمام أي أحد , أمسك وجهها بكفيه وقال " ما يبكيك يا حمقاء ؟ "

أبعدت يديه عنها بعنف وقالت " لا شيء طبعا فعد لذاك الحفل وللرقص

وحين ينتهي تذكر أني في السيارة لترجعني من حيث جئت بي "

مسح على طرف وجهه بكفه ثم مرره على قفا عنقه ممررا أصابعه في

نهاية شعره الأسود وكأنه يهدئ نفسه وكلام عمته عاد يطرق في رأسه

مسببا ألما طفيفا جهة صدغيه فها هو يبكيها لثاني مرة خلال يوم واحد

اجتمعا فيه وحدهما , أمسك أطراف أصابع يدها وقال باتزانه المعهود

" عودي هناك هيا ولا تصنعي مشكلة من أمر تافه فتلك

مجرد عادات لديهم "

كادت تضربه بكل قواها على لامبالاته وبروده وتجاهله لجرحه الغائر

لمشاعرها , خرجت منها الحروف بصعوبة وهي تقول بسخرية

معذبة " أنا أصنع مشكلة من أمر تافه ؟ "

ثم أشارت بيدها الحرة حيث المكان الذي تركاه خلف تلك المنازل فيما

تكسر صوتها بشكل مؤلم وهي تتكلم " كنت تركتها نامت في حضنك

أكثر وبعد قليل كانت ستقبلك أمام الجميع حسب أعرافهم أليس كذلك ؟ "

شد على أصابعها أكثر وهمس بخفوت " غسق يكفي "

لكن ذلك لم يزدها إلا اشتعالا وتحول كل إمساكها لصوتها عن الارتفاع

لحدة وقد صاحت بعنف ساحبة يدها منه " لا لا يكفي فقل أني أحلم أو

أتخيل ما كانت تفعل , أقسم لولا مكانتك كزعيم لهم لكنت جررتها

من شعرها لتبتعد وتفكر ألف مرة قبل أن تفعلها مجددا "

كان يرى أمامه وجها آخر لتلك الفاتنة الجامحة الغاضبة بعينان تكاد

تحرق كل شيء ولبوة تخرج من أعماقها مجددا مدافعة عن ممتلكاتها

وعلم حينها ما كان يقوله رجاله عن عجز الرجال مجتمعين في فهم

امرأة واحدة , شدها من ذراعيها مقربا لها منه حتى كان وجهه في

وجهها وهمس " توقفي عن إيذاء نفسك فتلك المرأة لا تعنيني "


علا صدرها وهبط بقوة وقالت بحدة " ولا أنت تعنيني ففكر في

صورتي أمامهم على الأقل وأنت تبتسم لتلك الوضيعة مشجعا "

أمسك وجهها مجددا وقال مبتسما وكأنه يستمتع باشتعالها " قولي

أن كل ما يعنيك مظهرك أمامهم ولست تغارين يا كاذبة "

أنزلت نظرها تهرب من فضحه لعينيها ودفعت صدره بيدها بقوة

قائلة بغضب " من حقي أن أشعر بالتملك ناحية من يفترض بأنه

زوجي وأيا كان , أو اتركني ارقص الآن مع أحد الرجال هناك

وأمام الجميع "

رفع وجهها له للأعلى ليقابله مجددا وهمس من بين أسنانه

" أقتلك قبلها "

ابتعدت عنه قائلة بغضب أشد " وغيرة هذه أم حب تملك ؟ "

شدها من ذراعها مجددا ووجدت نفسها هذه المرة في حصنه وقد طوقها

بذراعيه بقوة, كانت يداه قويتان دافئتان وكانتا ستشعرانها بالطمأنينة

والمساندة في موقف غير هذا الموقف والمكان والزمان , قال هامسا

" توقفي عن الجنون هيا فتلك المرأة لا تعنيني يا غسق , أنتي زوجتي

وأنا ملكك فقط أتفهمين "

كانت ستحاول الإفلات منه أو لكم صدره بقوة تبرد بها قليلا من نار

غيرتها ومن بروده ولامبالاته بالأمر لكنها كانت أضعف من ذلك وقد

استنزفت كل طاقتها منذ بدأ مهرجان الرقص ذاك لكانت أحرقت لهم

الآن عرسهم ومن فيه , خرج صوتها ضعيفا يعبر عن احتراقها

ولازالت سجينة ذراعيه " لم تكن نظرات شخصين لا يعرفان

بعضهما يا مطر فلا تكذب في هذا "

أبعدها عن حضنه ممسكا لها من ذراعيها بقسوة وقال بحزم

" ما هذا الجنون ؟ لا شيء بيني وبين تلك المرأة قلتها مرارا "

اقتراب تلك الخطوات منهما حينها أنهى كل ذاك الجدال بينهما فأنزلت

رأسها تمسح عينيها بقوة بكم قميصها وقد وصل زعيم القبيلة وزوجته

الذي قال ما أن وصلا " ما بكما سيدي هل حدث لزوجتك شيء ؟ "
لم ترفع رأسها ولم تتحدث فسحبها لتتكئ على صدره وقال بهدوء

" لا شيء هي تضايقت من جوانا فقط وأنت تعرف تلك المرأة "

ضحك ذاك من فوره ضحكة عالية شاركته فيها زوجته وقالت تلك

" جوانا ... جوانا !! تلك المرأة لا تتوقف عن إثارة المشاكل أبدا

ويبدوا لم تتعلم الدرس من توبيخك لها أمام الملأ من ثلاث سنين "

وقال زوجها بعدها مباشرة " العربيات شرسات جدا ناحية

أزواجهن لكن ذلك عادي عندنا فلا تهتمي سيدتي "

أخفت وجهها في طيات صدره مديرة له جانبا فلا ينقصها أن تكون في

موقف محرج معهما أيضا ولن يفهما هما ولا تلك المرأة معنى ما كانت

تشعر به وتلك تتكئ عليه منحنية بظهرها وهو يشعر بجسدها على جسده

لن يفهموا هم ذلك .. فليس لأنها عربية ولا مسلمة بل لأنها امرأة تعلم أنها

تملك رجلا تمنته أغلب النساء , رجل علم كيف يتسرب في عروقها كالدماء

وكيف يكسر كل تلك الصور البشعة التي صورتها عنه في الماضي فكيف

لا تغضب وتثور وتحتج بل وتدمر لهم قريتهم بأكملها وتلك المرأة تقترب

منه بذاك الشكل , شعرت بيده وهي تمسح على رأسها يدس وجهها في

صدره أكثر وقد وصلتها كلماته الهادئة المبحوحة محدثا لهما " لم أكن

أريد أن أفسد زواج ابنكم بسببها كما حدث في زواج ساجي , هي ليلة

كان على الجميع تحملها لتمضي على خير ولا نفسدها على العروسين "

وصول خطوات أخرى جعلها تبتعد عنه تعدل حجابها وتهرب بنظرها

للأرض ولم تعلق بشيء على ما قيل ووصلت ابنتهم الكبرى وزوجة

ابنهم الأكبر فقالت زوجة الزعيم من فورها " سنقدم الطعام الآن

ولا رقص الليلة أكثر ومن أراد أن يسهر راقصا فالساحة شاغرة

له فلينتقل الجميع لمآدب الطعام "

أشارتا لها بالطاعة وعادتا من حيث جاءتا وقال الزعيم من فوره

" مآدب الطعام فصلنا فيها بين الرجال والنساء بسبب حضورك

ككل مرة وستتولى زوجتي ضيافة زوجتك بكل طيب خاطر "

قال مطر ناظرا للواقفة بجانبه تتجنب النظر لهم جميعا " أفضل أن

ترتاح زوجتي وتأكل لوحدها فهي لم تأكل شيئا منذ الصباح "

حمدت الله أن طلب منهم هذا فهي لا تريد أن ترى أحدا ولا تريد

شيئا وكل ما تمنته أن يخرجا من هذا المكان فورا , تحدثت زوجته

قائلة " تعالي معي سيدتي سيعجبك طعامنا كثيرا وسنوفر كل ما

سيريحكما الليلة "

سارت معها في صمت دون حتى أن تنظر للذي تبعتها نظراته حتى

اختفتا وشعر بيد على ظهره وذاك الزعيم يحثه على السير معه قائلا

" عشائنا على شرفك الليلة فعلينا أن لا ندع الرجال ينتظرون طويلا

وآسف حقا بشأن ما حدث بسبب جوانا "

*

*

نظرت حولها بدهشة واستغراب من المنزل الذي كان داخله مخالفا

لخارجه تماما حيث كان مصقولا بالطين ومطليا وقد اهتموا بتغطية

نوافذه بالستائر وتوزيع الأواني الفضية على طاولات متفرقة فيه

كان كما أخبرها منزلا حقيقيا قد دعموه بالقصب من أجل مناخهم

ولم تنقصه أيا من مقومات الحياة وكأنهم يقولون لمن حولهم نحن

نعيش على طريقتنا وإن استنكرتموها , نظرت للأبواب المغلقة

المطلة على تلك الصالة الواسعة ولم يكن عددها كبيرا فعلمت فورا

أنهم يستقبلون ضيوفهم في المجلس الأرضي الذي تقف فيه حاليا

قالت الواقفة بجانبها مشيرة لأحد الأبواب " ذاك الحمام سيدتي

يمكنك استخدامه وسنجلب لك العشاء فورا "

هزت رأسها بحسنا مبتسمة بامتنان وهمست " أريد أي شيء ساتر

أصلي به واتجاه شروق الشمس هنا ؟ "

قالت تلك مبتسمة ومشيرة بيدها " من هناك سيدتي , وستجدي

الثوب لديك هنا أيضا ما أن تخرجي "

همست شاكرة لها وتوجهت حيث أخبرتها وفتحت الباب المصنوع من

اللوح الخفيف ودخلت وأغلقته خلفها , كان حماما بسيطا لكنه متكامل

لا ينقصه شيء , توجهت للمغسلة وفكت حجابها ووضعته جانبا ثم

غسلت وجهها بالماء لمرات عديدة لم تكن تستطيع إحصائها وهي

تضربه به بقوة وكأنها تغسل قلبها وجوارحها من أحداث اليوم جميعها

من كل ما لازالت تشعر به يذبح روحها للآن فكم كان يوما قاسيا لم

تعش أصعب منه , نزلت دموعها رغما عنها مختلطة بتلك المياه ولم

تستطع لا إيقافها ولا التحكم فيها وقد سندت ذراعها ومرفقها بحوض

الغسيل وخبأت وجهها ودموعها وعبراتها فيهما تطلق العنان لضعفها

الذي ضلت تدفنه داخلها طوال ذاك الوقت حتى أفرغته تماما ثم وقفت

على طولها وتوضأت وغسلت وجهها مجددا بالماء ثم نظرت له في

المرآة المربعة المثبتة فوق المغسلة وكأنها ملصقة في الجدار بالغراء

نظرت لعينيها الذابلتين وخديها المتوهجان ، تشعر بأنها أفضل بكثير

بعدما أفرغت كل ذاك الكم من المشاعر الغاضبة التي كبتتها لتخرجها

على هيئة دموع ، كانت تحتاج ذلك فعلا تحتاج أن تختلي بنفسها وتفتح

الفوهة لذاك البركان لتتخلص من حممه العالقة بداخلها قبل أن يتفجر

أمام أي شخص وخاصة ذاك الرجل الذي ما كانت لتسامح نفسها لو

فعلتها أمامه ، قد تنفجر في وجهه غاضبة حانقة أو حتى بسبب غيرتها

القاتلة أما غيره فلا , سمحت لنفسها بالبكاء أمامه بسبب تلك القصة

المأساوية في طفولتها لكن أن يشهد ضعفها بسببه وأن تنهار من أجله

ذاك ما لن تسمح به ولن تسامح نفسها عليه ، جذبت المنشفة المعلقة

في مسمار على الجدار بجانب تلك المرآة ومسحت بها وجهها

متمتمة " هل تعني حقا ما تقولينه يا غسق ؟ "

أبعدت المنشفة عن وجهها ونظرت له في المرآة مجددا وهزت رأسها

برفض ويأس ، هي تعلم كم أصبح يربكها وجوده كم أصبحت هشة

وضعيفة أمام لمساته وما حدث نهارا عند جدول الماء كان أكبر دليل

ازداد شحوب وجهها وتوهج وجنتيها وهي تتذكر لمساتها تلك لوجهه

وعنقه ومشاعرها المتقدة التي كانت تطلب بلهفة أن يفعل ما كانت

تتوقعه ويصبوا إليه ، ثبتت المنشفة مكانها بعنف تطرد تلك الأفكار

البائسة من رأسها ثم رفعت المشط الموضوع على حافة المغسلة

ومشطت شعرها لترتبه ، رمته للخلف ما أن أنهت عملها وتنفست

تملأ صدرها بالهواء ناظرة لصورتها في المرآة وزفرته بقوة

هامسة " لم تفقدي يوما ثقتك بنفسك يا غسق فلا تتركي

أحدا يفعلها الآن "

رتبت ياقة قميصها ثم خرجت من الحمام لتستقبلها رائحة الطعام ما

أن فتحت الباب ووجدت أطباقا كثيرة ومتنوعة منه لا يمكنها أكلها

جميعها ولا في شهر كامل ، توجهت للرداء الموضوع على الفراش

أمامهم , كان طويلا بأكمام طويلة ولونه نيلي جميل لبسته ولبست

حجابها وصلت العشاء أولا ثم خلعتهما وجلست أمام تلك الأطعمة

المتنوعة ورغم رائحتها الشهية وجوعها الشديد شعرت بأن شهيتها

مسدودة وحلقها متيبس وكأنها ستبلع حجرا وليس طعاما , ورغم كل

ذلك أجبرت نفسها على تناول البعض منه كي لا تفقد وعيها وكي لا

يضن أهل ذاك المنزل أنها تنفر من طعامهم ، اضطجعت بعدها على

الفراش الذي كانت تجلس عليه ونامت على ظهرها وأراحت ذراعها

على عينيها تحجب عنهما نور الغرفة القوي وكم شعرت بأنها تحتاج

لتلك الراحة لعظامها المنهكة رغم أن الصورة الوحيدة التي تشكلت في

الظلام أمامها هي تلك المرأة بثوبها الأسود الطويل عاكسا لون بشرتها

وشعرها العسلي المموج وذراعاها وأكتافها العارية وهي ترمي بجسدها

على صدر ذاك الطويل ذو الرجولة المنهكة ببنطلونه الضيق وقميصه

الأبيض عاكسا بياض بشرته وسواد شعره ولحيته وتلك الوقفة التي لم

تزده إلا رجولة متفجرة كالإعصار ، شدت على عينيها بقوة أكبر تتمنى

أن تنقشع تلك الصورة من أمامها لتعطي المجال لمشاعرها وقلبها ليرتاحا

مع جسدها الذي سرعان ما رحمها وهوا يسلم نفسه للنوم ليأخذها

لعام آخر تماما بعيدا عن كل ما حدث وعانته


*

*


قفز جالسا من نومه ونظر يمينا حيث الطاولة التي يضع عليها

هاتفه الشخصي وفرك عينيها مستغفرا بهمس ورفع مجيبا عليه

فورا بتوجس وخيفة من وقت هذا الاتصال آخر الليل فلا يحمل

هذا الوقت إلا المصائب , ما أن فتح الخط حتى قال مباشرة

" من أنت ؟ ما بكم ؟ "

جاءه الصوت الأنثوي الرقيق الحزين المنخفض " كاسر "

مرر أصابعه في شعره وقال بصدمة " تيما !! "

كان الصمت جوابها حتى ضن أنها أغلقت الخط أو أنها مجرد

وهم واختفى وكان سيناديها باسمها لولا سبقه صوتها الرقيق

الحزين ذاك قائلة " اشتقت لك كاسر لما تفعل هذا بي ؟ "

رمى اللحاف عن جسده وغادر السرير متوجها للنافذة ووقف أمامها

وقال بلهفة " لم أفعل هذا يا تيما أنتي تعلمين جيدا أنها قوانين

زعيمكم أقسم أن قلبي يشتعل ولا أجد حلا "


وصله صوتها الذي اختلط بعبرة بكائها " أريد أن أراك كاسر

أن نكون معا , لم يعد يمكنني تحمل أكثر من هذه المدة ؟

لما يحدث معنا كل هذا "

اتكأ بجبينه على زجاج النافذة وأغمض عينيه بألم وعجز وأصابعه

تضغط على الهاتف في يده بقوة وهمس " سأجد حلا حبيبتي

تأكدي من ذلك ولن أتأخر عنك , هل ذهبت لعمك ؟ "

لم يعد يسمع سوا شهقاتها لا ردها ولا صوتها فقال مناديا

" تيما توقفي عن البكاء حبيبتي أخبرتك أني سأجد حلا

ألا تثقين بي ؟ "

قالت باكية " عمي قال زوجك يأخذك أو يجد لك حلا وأنت تعلم

أنه من يملك صك الزواج وأخشى أن ينكره يوما , لم أكن أعرف

كيف أصل لك ولا لهاتف منزلكم فالكهرباء إما مقطوعة لدينا أو

لديكم واتصالي به لهاتفك الآن دفعت ثمنه القلادة التي أهديتها

لي لأن العجوز ترفض أن تتحمل تكلفة المكالمة المرتفعة "

مرر أصابعه في شعره ينظر للسماء السوداء وهمس

" لا تقلقي حبيبتي وتوقفي عن البكاء سـ.... "

لكن صوتها اختفى عنه لانقطاع الخط ولن يجدي ما يقول نفعا ولن

يصلها , أبعد الهاتف عن أذنه ونظر له وكاد يحطمه في قبضته

القوية الغاضبة وتمتم بحقد " مطر شاهين لقد دمرت قلبي شر تدمير

وانتزعته من صدري مرتين , حرمتني من أغلى امرأتين في

الوجود غسق ويئست أن ترجع من قبضتك لكن هذه لن

تمنعني عنها قوانينك تأكد من ذلك "

*

*

سيطر عليها ذاك النوم تماما ولم تفق إلا بعد وقت وقد جلست مسرعة

تنظر من حولها وقد اختفت تلك الأطباق وحتى رائحة ذاك الطعام لم

يعد لها وجود ، رفعت غرتها بيدها للخلف ثم دست تلك الخصلات التي

تساقطت تباعا خلف أذنيها لحظة ما انفتح أحد تلك الأبواب وخرجت

منه ابنة الزعيم الصغرى وتوجهت نحوها مبتسمة وجلست بالقرب

منها قائلة " نمت لثلاث ساعات يا أميرة وكأنك ميتة , لو أننا

اختطفناك ما شعرت بنا "

ابتسمت لها قائلة " كنت متعبة وأشك أن زلزالا قد يوقظني "

ضحكت تلك تبعد خصلات شعرها الكستنائي الناعم للخلف وقالت

" أسمي آستريا ويناديني البعض آستي ، سعيدة جدا بزيارتك

لنا سيدتي "

ابتسمت لها غسق بود وقالت " وأنا سعيدة بالتعرف إليك آستي "

ثم نظرت حولها تستمع للموسيقى التي لازالت تعزف في الخارج

وقالت باستغراب " أمازال الحفل مقاما ؟ "

قالت تلك مبتسمة " من كان لازال يريد الرقص والسهر أما

العروسان فقد غادرا قبل أن تنتهي مأدبة العشاء "

شعرت بذاك النبض المتسارع في قلبها وقالت بتوجس

" ومطر أين هو الآن ؟ "

قالت تلك من فورها " مع والدي وبعض رجال القبيلة ففي

الزيجات التي يحظرها الزعيم مطر معنا نفصل بين الرجال

والنساء سوا في استقبال العروسين "

شعرت بموجة غامرة من الارتياح فلن تتخيل أن يكون مع مجموعة

الراقصين حول تلك الفرقة الموسيقية أو أن يكون حتى ضمن الحضور

وأن تكون تلك المرأة منهم ، أخرجها من أفكارها تلك صوت الجالسة

أمامها قائلة بابتسامة " لم تنزعجي من أنجوانا سيدتي بالتأكيد ؟ "

قالت غسق مستغربة " أهي جوانا ذاتها ؟ "

هزت رأسها بنعم مبتسمة قبل أن تتحول ملامحها للضيق وقالت

" نعم لكنها تحب أن يناديها الجميع جوانا ، هي متعجرفة كثيرا

أنتي أجمل منها فلا تزعجك تصرفاتها "

بلعت غسق غصتها واشتعال تلك الغيرة في قلبها وقالت تغير

سير ذاك الحديث " هل تدرسين يا ايستريا ؟ "

هزت تلك رأسها بنعم وقالت " أدرس الآن في المرحلة الإعدادية "

نظرت لها غسق باستغراب وقد تابعت تلك من قبل أن تسألها

" يفترض أني في بداية المرحلة الثانوية الآن لكني لم أدرس

إلا من ثمان سنين لأنه لم يكن هناك مدرسة لدينا ولا نتعلم "

قالت غسق بصدمة " لم يكن لديكم مدرسة ! "

هزت رأسها بنعم وقالت " لم يكن لدينا واحدة حتى استلم الزعيم مطر

زعامة الحالك من تسع سنين ، هو من بنا لنا المدرسة وحتى مستشفى

لقرانا ووفر لنا معلمين وأطباء وإن كانوا قلة وسعى جهده لتوثيق مدرستنا

إنه رجل رائع فمنذ تولى الزعامة ومشاكل كثيرة كنا نعانيها خلصنا منها

ويعاملنا كما يعامل الجميع في الحالك ، في الدول المجاورة من هم في مثل

وضعنا يعانون كثيرا حتى الماء والكهرباء لم توفرها لهم دولتهم ولم تمد

الخطوط لهم ولا بالمال ، لا دراسة لا هوية ولا شيء ، لا شيء سوا العمل

لديهم بأبخس الأثمان , حتى إن قُتل أحد منهم لا أحد يأخذ بحقه في أغلب

الأحيان ، نحن هنا نعامل كما الجميع وإن كنا ضمن حدود مناطقنا وهو

أفضل لنا حفظ دماء الكثيرين منا ، نزرع وننتج ونأخذ رواتب كغيرنا في

الحالك , حتى الأرامل والمطلقات لم ينساهم مثلهم ، وجميع القوانين سارية

علينا كما في باقي المناطق , ولم يذهب والدي مرة لحوران لملاقاته ورجع

خائبا أو مكسورا , كان دائما يحاول أن يجد معه أي سبل لحل مشاكلنا

كم أنتي محظوظة به زوجا سيدتي "

وأضافت مبتسمة " حين أكبر أريد زوج مثله في كل شيء وسأحبه

طوال حياتي وأخلص له "

نظرت ليديها في حجرها ولم تعلق بشيء وحديثها يدور في رأسها

كلامه سابقا عن العمران وعن أهل هذه القرى وثقة أهل الهازان

الفارين به وقد أدركت كم من أناس تحتاجه وأن غيابه سيزعزع

استقرارهم وحياتهم , انفتح باب المنزل حينها قاطعا على تلك

المراهقة الحالمة سيل أمنياتها وحديثها الذي لا ينتهي وقد دخلت

منه والدتها وشقيقتها التي قالت " استريا يكفيك ثرثرة وإزعاجا

لزوجة الزعيم ، أرسلناك لتري إن استفاقت لا لأن تصدعي

رأسها بثرثرتك "

وقفت تلك تتحلطم بلغتها وخرجت مستاءة على ضحكات والدتها

وشقيقتها وقالت غسق مبتسمة " ما كان عليكما إغضابها ، هي

لم تزعجني أبدا "

اقتربت زوجة الزعيم منها قائلة بإعجاب باسم " كم زادك شعرك

جمالا وكم هو رائع "

وعلقت ابنتها فورا " لو كنت مكانك ما أخفيته أبدا "

قالت غسق مبتسمة " ديننا لا يسمح بذلك ، على المرأة أن تستر

جسدها وشعرها أمام الرجال ، هي حق لزوجها وحده "

قالت تلك " زوجك سأل عنك وحين علم أنك نائمة طلب أن

لا نوقظك "

هربت بنظرها للأرض ولم تعلق فلم تترك لها مشاعرها المضطربة

المجال وقد قالت الابنة الكبرى بحماس " بما أنكما لم تتزوجا إلا

من قريب وستقضيان الليلة هنا سنجهزك كعروس منا ونريدها

مفاجأة للزعيم مطر "

نظرت لها بصدمة وفكرة واحدة لم تخطر على بالها أبدا وهي أنهما

سينامان معا ! فقد اعتقدت بأنه سينام مع مضيفه بيمنا ستمضي هي

ليلتها هنا ، خرجت الحروف منها بصعوبة قائلة " كعروسكم ! "

اقتربت تلك منها مبتسمة وشدتها من يدها قائلة " أجل سنلبسك

ونزينك كزوجة شقيقي التي رأيتها وتقضيا ليلتكما في خيمة

خاصة بالعرسان أيضا "

ولم تترك لها مجالا لتعترض لتناقش أو حتى تسأل بل سحبتها معها

تتحدث بحماس عما سيفعلونه حتى وجدت نفسها في منزل آخر

ومجموعة فتيات والكثير من الأمور التي عليها فعلها دون أي فرصة

للاعتراض ، كان عليها أن تستحم بماء الورد كما طلبن وتلبس ملابس

داخلية خاصة قدموها لها وثوب يشبه ثوب تلك العروس في كل شيء

حتى الأزهار التي تزين قماش حمالتيه العريضتان وتلتف حول ياقته

الواسعة التي كشفت جزءا من صدرها ، وما أن خرجت من الحمام

حتى استلمنها مجلسين لها على كرسي وقد أبهرتها حركتهن السريعة

في تمشيط شعرها ولفه للأعلى بتناسق وكأنها يد واحدة فعلت ذلك وقد

قمن بتثبيت أزهار بيضاء به كتلك التي رأتها في شعر العروس تماما

وضعوا لها كحلا في عينيها وقشرة شجرة السواك تلك التي طلبوا منها

مضغها وفرك لثتها وشفتيها بها لتعطيهم ذاك اللون الأحمر الغامق

وأنزلن تلك الطرحة على شعرها وجبينها في آخر خطوة وهي تسمع

هتاف الإعجاب منهن وقد أوقفتها ابنة زعيمهم وأخذتها للمرآة الطويلة

وما أن وقفت أمامها حتى فتحت فمها مصدومة فلم تتخيل أن تكون به

أجمل من تلك العروس وأن تتغير بهذا الشكل رغم بساطة زينته لكن

رفع شعرها للأعلى وتلك الطرحة والأحجار التي تزينها أضفت سحرا

خاصا لوجهها مع كحل العينين المتقن الوضع وذاك اللون الأحمر القاتم

الذي تعكسه شفتيها على لثتها ، كانت به عروسا لن ينسوها بسهولة

وسيقارنون بها كل من ستلبسه مستقبلا ، قفزت استريا جهة الباب

قائلة " سأنادي الباقيات ليرونك ، أقسم أن تفقد أنجوانا عقلها "

وخرجت على صوت شقيقتها الغاضب بتلك الكلمات التي لا يفهمها

أحد غيرهم ثم نظرت لغسق وقالت " تلك الثرثارة لا تهتمي كثيرا

لما تقول "

قالت إحدى الواقفات حولها " بل على جوانا تلك أن تعلم أنه ثمة

من أفضل وأجمل منها فلم يكفيها ما قاله لها الزعيم مطر في زواج

ساجي منذ ثلاث سنين ولازالت حتى الآن ترفض الزواج رغم كثرة

خاطبيها تنتظره بل وصرحت بدخولها الإسلام إن كان من أجله "

قالت أخرى بضيق " يكفي يا فيرا أنتي لا تحبينها فقط لأن

زوجك خطبها "

قالت تلك بقهر " لا يعنيني حتى إن تزوجها ، هي تحتاج من يكسر

أنفها وقد فعلها الزعيم مطر وسيزيدها رؤية زوجته الليلة أجمل منها

أضعاف المرات لعلها تتوقف عن إيقاع الرجال في حبالها ثم رفضهم

وإن كانت صادقة لقالت ما قاله لها الزعيم مطر وقت رقصها جعلها

توقف تلك الرقصة السامجة وتبتعد عنه "

تكلمت التي تقف عند آخر الجدار مكتفة يديها لصدرها " لما لا

توقفوا الحديث عنها ؟ هل علينا شغل أنفسنا بها في كل حفل زواج "

وعند هناك وقف حديثهن مضغنين لها تاركين عقل الواقفة بينهم يدور

في دوامة لا نهاية لها ( ما الذي قاله لها ؟ ) سؤال غرسوه في دماغها

دون أن تجد له إجابة وهي من كانت متأكدة من أن ذاك الحديث القصير

الذي دار بينهما كان عنها ، دخلت استريا من الباب وخلفها مجموعة

كبيرة من النسوة اللواتي لم يخفين دهشتهن والكلام الذي لم تفهم منه

شيئا وأعينهن لم تتركها ولا لحظة وهي واقفة أمامهم بذاك الفستان

الأبيض الطويل المخصر الذي أظهر نحول خصرها واستدارته

وتناسق جسدها وقد كشف تفصيله بياض تلك الأجزاء التي لم يراها

ولا زوجها وأبرز لون شعرها وجمال عينيها وسوادهما وتورد تلك

الوجنتين الناعمة وذاك الأحمر القاتم الذي زين شفتيها ليزيدهما فتنة

وإغراء , وليكتمل ذاك الحسن بتلك الطرحة الجميلة التي زينت حدود

وجهها الدائري وعنقها الناعم وكتفيها المستديران لتكون صورة تستحق

ذاك الذهول الذي ظهر على ملامحهن دون أن يخفينه ، واستطاعت

أن ترى من بينهن تلك الواقفة هناك عند الباب مكتفة يديها لصدرها تنظر

لها نظرة لم يصعب عليها فهمها أبدا فبادلتها بأخرى أشد منها وهي ترفع

ذقنها بكل كبرياء وثقة فهي من فازت به ولن يرى تلك بهذا التوب أبدا

وإن طالت النجوم ، ابتسامة ساخرة شامتة كانت رد الواقفة هناك عند

الباب وكأنها تذكرها بنظرتها لهما في ساحة الرقص ، نظرة امرأة

محطمة منهارة لا تملك ما في يديها وإن كان لها فتجاهلتها ونقلت

نظرها للتي تقدمت منها وألبستها أربع أساور صفراء لامعة في

معصميها زاداهما جمالا وزادوها حسنا ، أطلت إحدى الفتيات

برأسها من الباب وقالت بحماس " زوجة الزعيم قالت أن

الزعيم مطر يريد زوجته "

فذب ذاك الحماس في جميع الموجودات هناك وجميعهن يردن الخروج

لإيصالها بينما كان اضطرابا ودوارا لدى تلك الأميرة البيضاء كما

وصفتها إحداهن وهي في الثوب الأبيض المميز ذاك ، لا يمكنها التكهن

بردة فعله على كل هذا وقد صور لها عقلها ملايين الأمور حتى أن

ينتقدها أمامهن أو يطلب أن تنزعه ، أو يكون يريدها ليخبرها أنها

ستنام مع زوجة زعيمهم وابنته ويتركها ويغادر لتنهشها نظرات

أولئك النسوة ويضعها أمامهن في موقف لن تنساه ما عاشت

اقتربت منها استريا وأمسكت بيدها وسحبتها معها جهة الباب

هامسة لها " لقد أصبحت تلك المغرورة بثوبها الأسود ذاك

بجانبك كغراب يقف قرب حمامة "

لم تستطع غسق إمساك ضحكتها وهما تتقدمان جمع الفتيات الذي

خرج خلفهما حتى كانوا في الخارج جميعهن وتقدمت بها استريا

بضع خطوات عنهن ثم تركتها هناك وركضت متقدمة تمسك فستانها

بيديها لترفعه كي لا يوقعها واختفت خلف أحد البيوت للحظة ثم

عادت راكضة وقالت بحماس " ها قد جاء ، لن أتحرك من

مكاني حتى إن طردني "

وانضمت لهن على ضحكهن على ما قالت ليعم بعدها المكان صمت

مميت حتى لم تعد تسمع معه الواقفة أمامهن إلا صوت ضربات قلبها

وخطواته القادمة من خلف ذاك الجدار فأغمضت عينيها لبرهة تأخذ

نفسها ثم فتحتهما لحظة خروجه من هناك والتصفيق الحار من الواقفات

خلفها , ورغم أنه لم يوقف خطواته الثابتة الواثقة فقد استطاعت أن ترى

المفاجأة في عينيه من الموقف وتلك الابتسامة التي كانت آخر ما توقعته

منه وهو يتقدم نحوها ، أجل نحوها هي نظراته لم تفارقها وعيناه لم

تنزاح أبدا عن وجهها وقد شعرت بقلبها بدأ يرقص بين ضلوعها وهي

ترى تلك النظرة والابتسامة التي خصها بها وحدها ... لم ينظر لأي

من الموجودات على مبعدة منها ولا لتلك التي اختارت مكانا متطرفا

بارزا وكأنها تتعمد الوقوف فيه ... لم ينظر لغيرها ولم يقترب من

غيرها ... الرجل الذي يساوي ذكره الكثير عند جميع أهل تلك

القرى وتراه فتياتها مقياسا لرجل أحلامهن .

وصل عندها ووقف أمامها تماما لا يفصلها عنه شيء وهي ترفع

رأسها ناظرة له تبادله تلك الابتسامة بأجمل وأصدق منها ، رفع

يديه ملامسا بهما ذراعيها العاريان من تحت القماش الخفيف لتلك

الطرحة الطويلة في لمسة خفيفة وهمس وقد خف وهج ابتسامته

قليلا " من صاحب هذه الفكرة ؟ "

فشعرت حينها بقلبها هوى للقاع وظهرها تيبس فأنزلت رأسها قليلا

حتى اتكأت بجبينها على ذقنه هامسة برجاء " مطر إن كان لديك

أي انتقاد فاتركه حتى نكون وحدنا أرجوك وعاقبني بما تريد "

والرد منه كان أن رفع يديه عن ذراعيها وأمسك بهما وجهها وقبّل

جبينها قبله عميقة طويلة علا معها تصفيق وحماس الموجودات

هناك وهي تجاهد دموعها كي لا تنزل من فرط تأثرها وخرجت

شهقتها رغما عنها حين شعرت بقدميها تبتعدان عن الأرض وقد

أصبحت بين ذراعيه فتعلقت بعنقه تلف ذراعيها حوله تدس

وجهها فيه تخفي تلك المفاجأة والفرحة في ملامحها وعينيها

وقد وصلها همسه الرجولي الفخم وهو يولي بها ظهره لهن

" لا تنسي بأنك رضيت بأي عقاب ما أن نكون وحدنا "


المخرج ~

بقلم الغالية : missliilam

سألت يوما عن المطر قالوا ويحك كل الخطر
دمار وحرب وشعب هجر وقتل وفقد بكل الصور
دماء تجري كجري النهر إثبات نفوذ وإلحاق ضرر
قد عانى الشعب لألف دهر غياب الأمان ونشر القهر
ومضى الأمل في درب سفر وضاع فيه وفقدنا الأثر
فسحقا لمطر سحقا لمطر فؤادا بكى حين انفطر


وقفت مكاني و زاغ النظر هولا بوصف الناس المطر
عجبا لقومي وقول عبر لمرهف سمعي وفيه استقر
اصدقا احقا هذا الخبر محال تكونوا عرفتم مطر
ماء تبخر وترك البحر وطار تكثف لسحب تمر
غيوما تصير لارض تفر محملة بغيث بخير كثر
ليهطل باذن الله المطر مطهرا مخلصا من شر ظهر
وارتوت التربة وفرح البشر وازدان الزهر ونمى الشجر
وبعدها يعود لأبيه البحر محملا بشوقه يعطيه الخبر
في رحلة شهدها العمر وسجلها التاريخ بكل الفخر
وتعود تتكرر ابد الدهر تحيل الارض ربيعا نضر
تعيد للأذهان قولا درر قد جاء الفرج بعد الصبر
لو لم يكن خير في المطر ما طلبه الناس من رب قدر
صلاة استسقاء لجفاف وحر وقرابين و رقصات من زمن غبر
وقل للأعادي موتوا غيظا وقهر فإن الوطن يريد المطر

*****


نهاية الفصل .... موعدنا القادم مساء الجمعة إن شاء الله

وبعدها تكون الفصول كل جمعة كفصل واحد أسبوعيا

لطول الفصل وضيق وقتي ودمتم بكل حب




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 03:03 AM   #708

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




شكرا أخواتي العزيزات على ألتماسكم العذر لي , كانت المدة من الأحد للجمعة ضيقة جدا ومع انقطاع الكهرباء وكثرة الواجبات اليومية وطول الفصل فشلت في إدراك الجمعة رغم كل جهدي في الكتابة .
خاصة وإنه لازم أرسله لفيتامين سي قبله على الأقل بيوم لأنها تجمعه من قرابة العشرين رسالة وتراجعه بعدي وتعدل بعض الأخطاء الإملائية الي أغفل عنها فكان الوقت جدا ضيق وزعلت عشان انتظاركم وأملكم بي وفرحت لما شفت تفهمكم وقرأت كلماتكم الرائعة .

إن شاء الله أحاول أتدارك هالخطأ وما نتعرض له مجددا ولو أنزل الفصل أقل من طوله المعتاد

وشكرا طبعا لكل ردودكم الحلوة وتعليقاتكم سعدت جدا إن الفصل حاز على رضاكم وما ضاع تعبي عليه , شكرا لأشعاركم الرائعة والجميلة شاعرات مبدعات استمتعت جدا بقراءة كل كلمة فيها وكان لي عظيم الشرف ذكر أسمي في بعض أشعاركم وصلت هداياكم الرائعة غالياتي

وكانت من أروع المفاجآت , الغالية طعون نبهتني لنقطة مهمة غفلت عنها وهي عمر غسق لما زارت العمران أنا ذكرت في البداية عمر العشرة سنين ثم كتبت ستة كنت شاكة في الرقم وبراجعه لكن نسيت وغفلت عنه والتعديل أصبح مستحيل فاعتبروه ست سنوات .
وحدة ثانية من البنات غاب عني اسمها رغم إني حرصت على تذكره نبهت

عن دبلة مطر في اليد اليمين وهذا كان خطأ آخر مني ما انتبهت له والمفروض كانت في اليد اليسار فشكرا للغوالي على دقة ملاحظتهم وتنبيهي .

صور الأبطال كانت جميلة من صورة مطر للأمير غزلان

الي أول مرة أعرف عنه هههه لصورة غسق كانت جدا رائعة وأتمنى تساعدوني والأخت الغالية لامارا في صور أبطال الجزء الثاني بعدما أصبح لديكم خلفية عن ملامح أغلبهم ( مارية , تيم , وقاص , زيزفون قاسم وبطلة حلوة ليه أعتذر عن ذكرها هههه(


وأحب أهنئ الأخوات من السعودية والشعب السعودي باليوم الوطني أدام الله عليكم أمنه وأمانه واستقرار بلادكم ولا حرمكم ذاك النعيم وأبعد عنكم أيدي المفسدين أعداء الدين .


فصل اليوم أطول فصل كتبته للآن وأتمنى ينال إعجابكم


جنون المطر ( الجزء الأول )


الفصل الرابع والعشرون



المدخل ~

بقلم الغالية : نداء الحق


غسق


ياايها الرجل القريب البعيد
قلي بالله عليك ماذا تريد؟
تحاكيني وتناورني بكل دهاء
وتدور حولي كأنني فريسة
تدفعها بكل هدوء نحو ماتريد
ألا تعلم انني ابنة شيوخ
ورضعت منذ الصغر
اصول ومفاهيم حروب الكلام
تعبت من الحلم بغدَجميل
وفرحة تملء جوانح روحي
بدل هذا الترقب المخيف
فالعمر يمضي ولانعلم
الى اين المصير
جئتكم ابحث عن اسرار
اصلي ونشأتي
لاكتشف انني مازلت
ادور في سلسلة من
متاهات الغازِ
فيا ظلام الكون متى الرحيل
متى تشرق شمس الاصيل
متى تزور البسمة اركان قلوب
المتألمين
سيبقى سؤال مبهم دون جواب
لان قومي قد قرروا ان يكونوا
اخوة يوسف الى أبد الابدين
دون توبة او ذرة ندم

*****


أنزلها وسط الخيمة الدائرية الواسعة المغطى داخلها بستائر شفافة ملونة قد وزعت فيها الزينة والأضواءالخفيفة والشموع وباقات الزهور لكن كل تلك الروعة ما كانت لتجد لها حيزا في اهتمامهما ولا انتباههما ولا حتى ذاك السرير الواسع الذي نثرت أوراق الأزهار الحمراء بنعومةعلى أغطيته البيضاء الحريرية , فما كانت صورتها في ذاك الثوب وتلك الحلة المميزة تسمح لأي جمال غيرها أن يغريه للتمعن فيه وتقييمه ولا رائحته وقربه من جسدها ونظرة الرضا والذهول في عينيه كانت لتكون أقل تأثيرا في قلبها من تلك الأشياء الجامدة .

لم تكن تشعر سوا بوجوده بقربه منها كل ذاك الحد وبجريان الدماء متدفقة في عروقها وقد حرص أن تكون في حصار ذراعيه الملتفتان حول خصرها وجسدها ملاصق لجسده
ويداها ترتاحان على صدره .

ولم تستطع رفع نظرها له حتى تلك اللحظة وأول ما وصلها كان همسه الدافئ " هل أحدد العقاب إذا ؟ "

عضت طرف شفتها بقوة ودفنت وجهها في صدره ماسحة بكفيها صعودا لكتفيه وهمست برقة " هل أستطيع تخمين ما سيكون ؟ "

خرجت ضحكته مرتخية مبحوحة كسولة وقال يشدها لجسده أكثر " لم نختلف في أفكارنا يوما "

عضت شفتها مجددا محرجة مما فهمه ويفهمه كل واحد منهما وطوقت عنقه بذراعيها وقد شعرت بشفتيه تقبل
رأسها .... ( هي له ) حكم كلاهما بذلك الآن ، هو أوضح ما يريد أن تفهمه وهي فهمت ما كان يريد إيصاله لها ولم يعد من جدوى للمماطلة والتأجيل ، رفعت رأسها ونظرت لعينيه
التي كانت تنظر لها بدفء ووهج خاص لم تراه فيهما سابقا ولا أي امرأة غيرها , قالت وأصابع يدها تتحرك بنعومة على عنقه " لن تأخذني لقبائلك مرة أخرى اتفقنا "

خرجت منه ضحكة صغيرة وقرب أنفه من أنفها ورفع ذراعيه من خصرها لظهرها يشدها له أكثر وهمس " هل بدأنا بشروط التنازل يا غسق ؟ "

أرخت نظرها عن عينيه قليلا وهمست بحياء " اعتبرها ما تريد "

قال مبتسما بنشوة من شعوره بقربها واستسلامها أخيرا وحرارة دمائها الغيورة المتملكة " ضننت أنك تريدين أن يكون للنساء رأي وأنك قد تفكري في زيارة مدن الهازان معي "

رفعت نظرها له سريعا وخرجت منها تلك الكلمة دون شعور

" لا قطعا "

وسرعان ما عضت طرف شفتها محرجة من نفسها ومن وقوعها فريسة لعبته الخبيثة تلك فعادت لتطويق عنقه متعلقة به بقوة وهمست " لا تختبر غيرة امرأة يا مطر لأنها قد تصبح مؤذية جدا صدقني "

ضمها له أكثر متنهدا وقبّل خدها عدة قبلات وكأنه يرسم حدوده عليه

بنعومة وهمس في أذنها وهي تستسلم بين ذراعيه " لا مجال للتراجع

الآن يا غسق , لن أعدك أن أسيطر على نفسي كالسابق وأكتفي بقبلة

عطشه وأبتعد ، اليوم تحديدا لن أستطيع فلا تجعلي الأمر يتحول

لقسوة تؤذيك حسنا "

دست وجهها في عنقه أكثر تلعن غبائه الذي لم يترك له مجالا ليفهم

أنها لن تتراجع ولن تقوى على ذلك وبأنه أضعفها حد الاستسلام

ولعنت غبائها أيضا حين لم تفهم سبب هروبه وابتعاده عنها وهما

عند جدول الماء حتى أوضحه لها الآن ، أبعدت وجهها عن عنقه

تتجنب النظر لعينيه المنتظرة بترقب جوابها الذي لم يكن يتصور

أنه لن يكون لفظيا حتى عبثت أصابعها الرقيقة بنهاية شعر عنقه

الناعم المقصوص تشعر بملمس بشرته من بينه وأصابع يدها

الأخرى تتحرك بنعومة على شعرات لحية فكه وأعلى نحره وقد

قربت وجهها ببطء وطبعت قبلة صغيرة رقيقة مترددة وخجولة

على طرف شفتيه لتنزل بالأخرى على ذقنه قبل أن تدس وجهها

في صدره بعدما أوصلت تلك الرسالة القصيرة المدمرة لدفاعاته

مطلقة العنان لتلك العاطفة المشبوبة وخرجت صرختها المنخفضة

مختلطة بضحكتها حين شعرت بوخز أسنانه الخفيف على عنقها

ضاحكا وقد همس بخشونة متوعدا " ويلك مني يا ابنة شراع "

رفعت وجهها لوجهه وقالت مبتسمة لابتسامته تلك " لا ترفع

راية التحدي الليلة يا ابن شاهين ... ها قد حذرتك "

إيماءة خفيفة منه كانت الجواب وهو يشدها له مجددا منحن لها مقربا

وجهه لوجهها , كانت قبلته طويلة بطيئة متمهلة وناعمة وعرف كيف

يسلب ذلك منها ، كيف يجعلها تشاركه فيه وتطلبه أيضا ، رفع رأسه

ونظر لها يسترجعان أنفاسهما القوية المختلطة قبل أن يعودا مجددا

لتلك القبلات المتعطشة وهي تشعر بسحاب الفستان يفتح من الخلف

تحت لمسات يديه فتعلقت به أكثر خشية ذاك الدوار الذي قد أرهق

حواسها ويده تتسلل بنعومة من ظهرها العاري لخصرها تحت القماش

الناعم لذاك الفستان حتى شعرت بضغط أصابعه عليه مرسلا ذبذبات

قوية في كامل جسدها تزيدها ضعفا وتعلقا به واليد الأخرى تنزل

إحدى حمالتيه ببطء , كان كل شيء فيها يطاوعه متغلبا على

حيائها وترددها وذراعاها ملتفتان حول عنقه بقوة حتى انتفضت

مبعدة شفتيها عن شفتيه مرخية ذراعيها ما أن رن الهاتف المثبت

في حزام بنطلونه بضجيج مرتفع مزعج وسمعت تلك الشتيمة

الهامسة التي خرجت من شفتيه وأصابعه تنسل ببطء ونعومة

عن بشرة خصرها لتخرج من فستانها وقد ابتعدت عنه تحاول

تثبيته من الأمام بيديها كي لا ينزل عن جسدها بسبب سحابه

الطويل المفتوح ناظرة للأسفل مدركة أن هذا الوقت المتأخر لن

يتجاهل فيه هاتفه ولا من أجلها أو بسببها .

رفعت نظرها لوجهه وهو يجيب عليه وقد رفع يده وأمسك حمالة

الفستان يعيدها لمكانها ونظره عليهما قبل أن يبتعد عنها لطرف

الخيمة موليا ظهره لها وكل تلك اللهجة القلقة الحذرة تحولت لحدة

وهو يصرخ بمن في الطرف الآخر " ما الذي أدخلها حوران ؟

بل من الذي سمح بمغادرتها من هناك "

" أفهم يا عمر فافهمني أنت الآن ، تلك المرأة لا تتحرك من

مكانها هي تريدني وسأتفاهم معها "

شدت قبضتها على الفستان أكثر تنظر لقفاه بضياع وهو يصرخ

بقسوة " أرجعوها حالا , الطفلة ليست من حقها وسبق وقلت ذلك

ولن أغفر استهتاركم لإدخالها حوران وإعطائها تلك المعلومات

ضننت أني أعتمد على رجال "

صرخ فيه بغضب " أخبرها أن مطر يأمرها بالعودة حتى أراها

أولا يا عمر وما رضخت لضغطه لتركها عنده ليسلمها لها وكنت

سآخذها لمنزلي لولا فكرته تلك , فلا ترى الطفلة أو رأيتم

مطر آخر لن يعجبكم أبدا "

ثم أنهى الاتصال شاتما بحنق واستدار وتحرك جهتها دون أن ينظر

إليها ورفع سترته وسلاحه الذي تبثه على كتفه وهي تراقب ملامحه

الغاضبة المتوترة بحيرة ، مر من خلفها ووقف وأغلق سحاب الفستان

في حركة واحدة سريعة وعنيفة ووضع سترته على كتفيها وتحرك

جهة باب الخيمة قائلا " البسيها واتبعيني للسيارة "

كانت كلمات حازمة جافة وكأن الذي كان معها منذ قليل تبخر وكأنه

شخص آخر واختفى !! أدخلت يديها في كميها الطويلان بحركة عنيفة

ولم تترك شيء فيها وحولها لم تلعنه هامسة حتى هو ثم خرجت خلفه

تراه من بعيد وهو يتحرك بخطوات واسعة ثابتة وغاضبة ولم تفهم

من تكون هذه المرأة التي تدخل حوران آخر الليل تريد رؤيته والطفلة

التي يمنعها عنها وكان سيحضرها للمنزل ! ركبت السيارة بمساعدته

ككل مرة وفي صمت من كليهما رغم أن كل واحد منهما عبر عن

دواخله بطريقته ... من أنفاسه الغاضبة وتأففه حتى ركب كرسيه

وغادرا المكان لفركها ليديها بقوة من النار التي عادت لتشتعل داخلها

وهي تحاول أن تجد تفسيرا قد يريح قلبها وعقلها الذي يكاد يجن

مكالمة أخرى وصلته لم تزد الأمر إلا غموضا وهو يقول لمن

في الطرف الآخر " جيد لتنتظر حتى أصل ، كلها ثلاث

ساعات وأكون هناك "

وأنهى المكالمة دون أن يعطيها أي تفسير ، أن يفكر أنه ثمة إنسانة

تجلس بجانبه تنهشها الظنون نهشا وعقلها يؤلف ملايين القصص

عن سر تلك المرأة ولم يرحمها بأي شيء ، رفعت يدها ومررت

أصابعها المرتجفة على عنقها وكأنها تستجدي هواءً نقيا أكثر وقد

اختنقت لا تعلم من أنفاسه الغاضبة وتوتره الذي حبس الهواء كله

جهته أم بسبب هواجسها هي وظنونها ، أنزلت زجاج النافذة قليلا

فاندفع الهواء الخريفي البارد بقوة بسبب سرعة السيارة على

الطريق المعبدة مخرجا له من صمته مجددا وقد قال بذات

ذاك الحزم الرجولي " الجو بارد ليلا ولباسك خفيف أغلقيها "

كانت تكاد تجن من لهجته الآمرة دائما فلم يكن ينقصها الآن إلا هذا

خرجت الكلمات منها بصعوبة وقلبها يخفق بسرعة بين ضلوعها

وأنفاسها المتلاحقة تكاد تخنقها " أشعر بالحر .. أكاد أختنق "

فنقل نظره لقبضتيه المشدودتان على المقود وعاد لصمته المبهم الذي

لم يخفي شيئا من تأثير غضبه على ذاك المحيط حوله وكأنه ينبعث

من جسده كموجات قوية نسفت كل شيء ، أشاحت بوجهها جانبا متكئة

برأسها للخلف على مسند الكرسي تراقب الظلام الأسود الذي لم يزد

أفكارها إلا اسودادا وكآبة وقد مرت أمامها كل تلك اللحظات التي كانا

فيها معا منذ دقائق فقط وتلاشت من بين يديها وكأنها كانت تمسك بشعاع

نور وتسلل من بين أصابع واختفى ، أغمضت عينيها بقوة تطرد ذاك

الشعور بتلك المشاعر المحمومة التي عاشتها معه ، لا تريد أن تصف

نفسها بالغباء مجددا وبانسياقها خلف الاستسلام للمساته من جديد فما

حدث لا شيء سيغيره الآن ، أمسكت قبضتيها على قماش الفستان عند

فخذيها بقوة فلثاني مرة تعيش ذات الشعور بالقهر ، ثاني فستان زواج

يتحول فوق بشرتها الناعمة لأشواك وليلة أخرى لها مع هذا الرجل

يفترض أن تكون فيها عروسا تتحول لكابوس قاتل , بل كانت هذه

مختلفة كل الاختلاف عن تلك كانت مشاعرها اتجاهه أعمق وشعورها

بخذلانه أقوى وأشد بل حتى سببه مؤلم حد الوجع ( امرأة أخرى ) من

أبعدته عنها ، حقيقة قاسية ومجحفة في حق قلبها ولم تعد تتحمل المزيد

فهي لم تتخطى ضربة أنجوانا تلك لها بعد لتخرج لها أخرى ، فكرت

بمرارة أن تكون تلك المرأة سبب وجود ذاك الخاتم في أصبعه ، لكن

ماذا بشأن الطفلة ! عاد عقلها لنسج تلك الصور البشعة عنه (زير

نساء يتزوج من كل منطقة يستقر فيها لأجل حروبه وثمة قائمة طويلة

لمن عرفهن قبلها ) وطرد عقلها نهائيا حديث عمتها جويرية عن أنه لم

يعرف الفتيات ولا في صغره ولم يهتم للنساء ( كلها كذب ) مثلما ظهر

أن اتهامات الناس لوالده بقتل أقربائه كان كاذبا ، اشتدتا قبضتاها على

القماش أكثر وهي تتخيل أنها زوجته وتلك الطفلة ابنته منها , هذا إن

كانت وحدها من مرت في حياته ، رن هاتفه مجددا وتمنت لحظتها

أن يرميه من النافذة وهو يخرجه متأففا وأجاب عليه دون أن يتحدث

لبرهة قبل أن يزيد من رميها بتلك الرصاصات القاتلة وصوته

الجهوري الحانق يملأ صمت وسكون تلك السيارة

" نعم لتبقى هناك "

واشتدت نبرته مجددا بحدة " ومن يكون هذا وما يفعل معها ؟ "

" أجل أجل فهمت وداعا "

وأنهى المكالمة بعاصفة جديدة من تأففه الغاضب راميا بالهاتف

فأغمضت عينيها ببطء ولم تغير وضعيتها تلك أو تتحرك طوال

الساعتين التاليتين وليست تعلم يضنها نائمة أو لا يهتم أساسا إن

كانت موجودة أو حتى إن فتحت باب السيارة وقفزت منها , ولم

تتحرك إلا حين وقفت السيارة أمام باب المنزل ففتحت بابها فورا

وقفزت خارجها وأغلقته خلفها بقوة متجهة جهة المنزل لتوقفها

قبضة يده القوية على معصمها وقد سحبها معه للداخل تستغرب أن

تذكر وجودها أساسا ! صعد بها السلالم تتبعه محاولة سحب يدها

منه فهي كانت ستتوجه لغرفتها فورا , لا تريد أن تقدم له خدمات

الزوجة الخادمة ولا أن تسمع تبريرا عما حدث هناك وتشك أن يقدمه

لها أساسا أو أن يشرح أسبابه ، وصلا الغرفة وترك حينها يدها

وصوت أذان الفجر قد ملأ صمتها وبرود جدرانها المميت ، تبعته

بنظراتها وهوا يتوجه لمرآة التزيين وقد أخرج أوراقا من أحد

أدرجها ولازالت ملامحه مشدودة غاضبة ومتوترة وفمه القاسي

مزموم بحزم ، فتح زرين من أعلى قميصه الأبيض بيده الأخرى

وكأنه يحتاج لتنفس هواء أكثر ثم توجه نحوها حتى وقف أمامها

وهي تتجنب النظر له ظهرها مستقيم ومرخية جفنيها للأسفل

تتجنبه أمسك وجهها بيديه وانحنى له برأسه وقبل خدها برقة

هامسا بهدوء لم يخفي نبرة الحزم فيه " لن أتأخر كثيرا

غيري أنتي ثيابك ونامي "

أبعدت يديه مبتعدة عنه ونزعت السترة عنها ورمتها على

طرف السرير قائلة بشبه همس " سأنزل لغرفتي "

شعرت بأصابعه تقبض على ذراعها وقد أدارها جهته

قائلا بحزم " غسق ما بك ؟ "

أمسكت رسغه تبعد يده وشدت ذراعها منه حتى أفلتها وقالت بحنق

" لا شيء بي سأنزل لغرفتي ولن أنام هنا طبعا "

تحولت ملامحه للقسوة وكانت ترى جديا علامات انفجاره الوشيك

فسبقته وقد رفعت كفها أمام وجهه قائلة بحنق " وفر كلماتك أعلم ما

ستقول وسبق وشرحته لي ... أنا في المرتبة الثانية أمام أي شيء

آخر فغادر لأولوياتك الآن "

مرر يده في شعره مستغفر الله همسا من بين أسنانه مهدئا لنفسه

وقال بتروي حازم " قلت أني سأعود بعد قليل والوقت أمامنا

ولن يفرق الأمر إن كان في خيمة تنانية أو هنا "

شعرت بذل معنى كلامه أكثر من شرحه لمقصده فصرخت فيه

رامية يدها جانبا " توقف عن قول الحماقات يا مطر ما هذا

الذي أخبرك عقلك به ؟ أنا لا أهتم لما ترمي إليه "

صرخ فيها بغضب أكبر " توقفي عن رفع صوتك في وجهي

لن أحذرك في كل مرة يا غسق "


سحبت نفسا قويا ارتفع معه صدرها الذي كشف ذاك الفستان جزءا

كبيرا منه وأخرجته ساخنا محترقا يعكس توهج وجنتيها الشديد ولمعان

القهر في عينيها وهمست بحروف بطيئة ناظرة لعينيه الغاضبة " غادر

ولا تتركها تنتظرك طويلا ولا تستعجل فلن تجدني أنتظرك هنا "

مد يده للأخرى وفي حركة سريعة غاضبة أخرج ذاك الخاتم الفضي

منها وخرجت الحروف من بين أسنانه قائلا بقسوة " معك حق

فأنا أضيع وقتي ليس إلا "

ثم رماه بطول يده جانبا ليضرب في زجاج مرآة التزيين مصدرا

رنينا قويا ارتجف له قلبها قبل أن يرتد متدحرجا على الأرض مع

صوت كلماته الهامسة بحنق وهوا يستدير " هذا هوا ثمن الزواج

بالنساء وإنزال النفس لهن "

وغادر من هناك ضاربا الباب بقوة وهو يفتحه مخلفا بقايا زلزاله

خلفه ... امرأة تحولت لآلاف القطع المتناثرة في الأرجاء وإن كانت

تقف كاملة مكانها فهي مجرد خيال حي ، تحركت بعد برهة ترفض

الحقيقة التي صارت عليها تمسح تحت جفنيها بظهر كفها بقوة تمنع

دموعها من مجرد التفكير في النزول , نزلت السلالم على صوت

ضربه القوي لباب المنزل تشعر به صفعة أخرى على وجهها كتلك

حين ضرب باب الغرفة ، وصلت للأسفل وليست تعلم كيف كانت

قدماها تقودانها فلم تكن تشعر بجسدها إلا قطعة واحدة متحجرة

يحتاج لشاحنة لتسحبه , وقفت مكانها لبرهة وهي تنظر للجالسة

على كرسيها المتحرك تنظر لها بصدمة يبدوا لم تجتازها بعد من

رؤية النازل قبلها وحالته متنقلة بنظرها من فستانها لشعرها

لوجهها المحتقن من الغضب والقهر وقد قالت باستغراب

" غسق ما بكما ؟ "

لكن تلك لم تجب عليها بل ركضت مسرعة جهة ممر غرفتها حتى

دخلتها ضاربة الباب خلفها فلم يكن ينقصها إلا أن يشهد أحدهم على

مأساتها الأخرى , وحمدت الله أنها لم تكن جوزاء وأسمعتها موشحها

الطويل ذاك لكانت أفرغت فيها الآن غضبها من كل شيء وأولهم

شقيقها , توجهت جهة السرير وبدأت بفك تلك الأزهار البيضاء عن

شعرها والمشابك السوداء الرقيقة التي ثبتوها بها
, تنزعهم بغضب

وترميهم بعشوائية حتى سمعت صوت الباب فتح من خلفها وعجلات

كرسي عمتها وهذا ما لم تكن تتمناه , لم تكن تريد رؤية أحد ولا
الحديث مع أحد أيضا

مع أحد أيضا , بينما أوقفت تلك كرسيها خلفها تنظر لشعرها الذي نزل

مموجا على ظهرها بسبب تلك اللفات المثبتة له سابقا وللأزهار المرمية

تحتها وقد رفعت شعرها من الأمام بيديها وأصابعها تمسك رأسها بقوة

وكأنه يوشك على الانفجار وحركة كتفيها تدل على تنفسها القوي الهائج

فقالت بهدوء ناظرة لها " غسق تكلمي ما بكما ؟ ما هذا الذي جلبكما

الآن وما حدث بينكما كل واحد وجهه أسوء من الآخر ؟ "

التفتت لها ناظرة لوجهها بتلك العينين المجهدة المحمرة من حبس

الدموع وقالت بحدة " ما بنا عمتي برأيك ؟ لقد فعلها مجددا

وتركني خلفه "

قالت تلك تتمسك بهدوئها علها تخفف من غضب الواقفة أمامها

" غسق عليك أن تراعي ظروفه ومكانته ومشاكله , لا أحد

يترك خلفه هذا الحسن الذي يزداد في كل مرة إلا إن ابتلي

بمصيبة أبعدته ولعنها ألف لعنة "

حاولت التحدث قول أي شيء لكن العبرات تجمعت في حلقها وكأن

ما ستقوله يخرج من عروق قلبها وأوردته مستلا لها معه , تساقطت

من عينيها تلك الدموع التي صارعتها طويلا وهي تشهق الهواء وكأنها
ستموت ثم ركضت جهة الجالسة على ذاك الكرسي وارتمت أمامها

ودفنت وجهها في حجرها تصرخ باكية " خرج من أجل امرأة

أخرى عمتي , لقد تركني ليذهب لها بل وقطع كل تلك المسافة

في هذا الوقت لأنها تنتظره هنا "

وانطلق كل ما كانت تسجنه في صدرها تبكي وتنحب وتصرخ وتخرج

كل ما في قلبها وتلك تمسح بيدها على شعرها بحزن تاركة لها المجال

لتفرغ كل ما تكبته أمام الجميع تتحدث عما كسرها منذ دخلت أراضيهم

حتى اللحظة وحتى تنازلها عن مهرها من أجله , وكل عبارة تقطعها

شهقاتها لقِطع إلى أن قاطعتها ماسحة على شعرها بحنان

" هوني عليك بنيتي وسيأتي وأتحدث معه بنفسي "

وقفت من فورها مبتعدة عنها تمسح دموعها بكفيها وقالت

" لا عمتي حلفتك بالله لا يعلم عن شيء من كل هذا أرجوك "

هزت تلك رأسها بحسنا وقالت " أعلم ما الذي لا تريديني أن

أخبره عنه لكن لي حديث معه ما أن يرجع فاستحمي أنتي

الآن وصلي الفجر ونامي قليلا "

وخرجت وتركتها جالسة على طرف السرير تمسح بقايا

الدموع التي ترفض التوقف


*

*




ما أن خرج من المسجد توجه للمكتب الذي كان مخصصا لتسجيل

الأنفس والمولودين الجدد ولولا خوفه من أن تختفي تلك المرأة أو

تذهب لمنزل عكرمة مجددا وتحاول رؤية الصغيرة لما جاء وهو

بهذا المزاج الذي قد يحرقهم جميعا , دخل المكان الضيق المختصر

وأول من نفث به نيرانه كان الواقفان في الخارج وقد صرخ بهما

ما أن وصل " هل أقول كلاما لنش الذباب فقط أم تسخرون مني

وأنتم تضربونه عرض الحائط ؟ قلت لا أحد يخرج من

مدن الهازان هنا أم لم أقل ذلك ؟ "


قال أحدهما باحترام وتوجس " قلت سيدي ونحن نعمل على ذلك بكل

جهدنا لكن ما أن أخبرتنا المرأة بأنها والدة الطفلة وأن عليها رؤيتك

سريعا ورؤيتها ضننا أنك قد تغضب إن رفضنا طلبها وإلحاحها

خاصة مع حرصك الشديد على أمر تلك الطفلة "

كانت تلك كل ما يملك من التبريرات التي لاحظ أنها لم تخفف من

غضب الواقف أمامهما شيئا وقد صرخ مجددا " حمقى وتأخذونها

لرؤية الطفلة في منزل عكرمة لماذا ؟ ألم يخبركم عقلكم المريض

أن الطفلة مريضة وتلقت صدمة كبيرة قد تخلف لها عقدا مدى الحياة

وأنها تضن زوجة عكرمة والدتها وأن حضور هذه المرأة قد يسبب

لها أمورا الله وحده يعلم ما تكون ونحن لم نعلم بعد طبيعة مرضها

ذاك ؟ كيف سمحتم لأنفسكم أن تفعلوا ذلك من دون أخذ موافقتي

ولولا اتصال عمر بي أضنكم ما كنتم لتخبروني أبدا أليس كذلك ؟ "

تحدث الآخر قائلا " آسف سيدي لم نفكر في الأمر من هذه الناحية

والسيد عكرمة ما أن تحدثنا معه قال لا أحد يمنع الوالدة من

طفلتها وضن أنك لن تعترض "

هز رأسه بسخرية قائلا " عجبا حقا ! إن كانت تعنيها ابنتها ما

تركتها ولكانت عاشت الأمر معها كجدتها تلك فهل أخبرها

قلبها الآن أن لها طفلة عليها رؤيتها ؟ "

نظرا لبعضهما ولم يعلقا بشيء فاجتازهما قائلا " ستعودان بهما

ما أن أنتهي من لقائهما ولا يخرجان من مدنهم هناك ولا أحد

غيرهم أو نزل عقابي بكما "

توجه لباب معين من الثلاث أبواب الموجودة في ذاك الممر الضيق

وفتحه ودخل فوقف له الموجودين فيها من فورهم وكانوا عمر وهو

المسئول عن ذاك المكتب والجالس خلف طاولة وقد خرج من خلفها

فورا ما أن دخل عليهم وامرأة في الثلاثين من عمرها تضع وشاحا

أسودا شفافا على شعرها ومقدمته تظهر من تحته يقف بجانبها رجل

فيما يقارب الخامسة والأربعين من العمر بقامة طويلة وبنية نحيلة

ألقى السلام بكلمات جامدة وهوا يتوجه للكرسي خلف تلك الطاولة

وقد أجابوا عليه ثلاثتهم وجلس مشيرا لهما بيده ليجلسا قائلا

" عمر يمكنك تركنا لوحدنا قليلا ولا تبتعد عن هنا أريدك في أمر "

هز ذاك رأسه بالطاعة وخرج من فوره مغلقا الباب خلفه وكتف

مطر ساعديه فوق الطاولة ناظرا لهما بثبات وقال " وصلني أنكما

جئتما من أجل رؤيتي فما الذي أخذكما لرؤية الطفلة ؟ "

كان زوجها سيتحدث فسبقته هي قائلة " هي ابنتي يا زعيم ولا

أعتقد مما سمعناه عنك أنك تحرم والدة من ابنتها "

قال من فوره " هل أنتما من بلدة خماصة ذاتها ؟ "

تكلم زوجها هذه المرة قائلا " لا نحن من الحويصاء وحين وقعت

في قبضتك انتقلنا لتيمور عند الساحل وهي تبعد كثيرا عن

الحدود هناك وعن خماصة "

نقل نظره منه للجالسة بجانبه وقال " وهل كنت تزورين ابنتك ؟

ولما لم تأخذيها معك ولماذا لم تذكر جدتها شيئا عنك في أوراقها

التي وجدناها معها وأغلبها كتبت بخط يدها "

تلكأت تلك قليلا قبل أن تعدل من وشاحها قائلة " كانت المدينة

بعيدة كما أخبرك صفوان سيدي وجدتها أرادتها معها "

هز رأسها بحسنا ونظر للدفتر الكبير تحته لبرهة ثم رفع رأسه

لهما وقال " وهل لديكما أبناء ؟ "

هزت رأسها بلا فورا وقالت " الله لم يرزقنا حتى الآن وزوجي

يعاني من بعض المشاكل وأنت تعرف الطب هنا وتأخره "

رفع يده مسندا مرفقها على الطاولة ومرر أصابعه في شعرات لحيته

القصير جهة فكه وقال " والمطلوب الآن يا سيدة ... "

قالت من فوها " زهراء سيدي أسمي زهراء "

قال ببرود " حسنا "

حركت عينيها قليلا كرد فعل لا إرادي من تملقه وبروده فقد وجدته كما

سمعت عنه تماما ولم تتخيل أن يترك الحدود قادما هنا من أجل الطفلة

وفشل مخططهما , قالت ببعض الهدوء الحذر " أريد ابنتي سيدي بما

أني رجعت لقريتي ومكاني وجدتها توفيت "

قال وقد اتكأ لظهر الكرسي للخلف مكتفا يديه لصدره " وابنتك حسب

علمك مريضة وتحتاج لعناية خاصة ودقيقة وشهدت وفاة جدتها أمامها

والمرأة التي ترعاها حاليا تضن أنها والدتها أي تضنها أنتي فهل

يرضيك أن تضري ابنتك بقلب الحقائق في دماغها الصغير

المريض الذي قد تفقده بسببك "

فتحت فمها لتتحدث فسبقها زوجها قائلا " لا طبعا وستكون

لدى تلك المرأة أفضل "

نظرت له من فورها قائلة " صفوان !! "

لكنه تجاهلها تمام وتابع حديثه مع الجالس أمامهما قائلا " حسنا

يمكننا تركها لهم لكن منزل جدتها والأرض حوله هو ورث لها

من أبيها ونحن نقيم حاليا في إحدى غرف المدرسة لأنه لا منزل

ملك لنا هناك فهل يمكننا الانتقال له ولو مؤقتا ؟ "

ابتسم بسخرية ناظرا لزوجته تحديدا فها قد ظهرت نواياهما وكما

توقع ما جلبهما هو ما تملكه تلك الطفلة وقد جاءا ليستفيدا منها

أو ما كانا ليفكرا بها أبدا "

نظر لهم رافعا رأسه وقال بسخرية " وهل لديكما علم بقوانين

الميراث للأطفال في الحالك والتي أصبحت سارية على

مدن الهازان أيضا ؟ "

نظرا لبعضهما باستغراب ولم يعلقا فتابع " الفتى حتى يبلغ والفتاة حتى

تتزوج والملكية لها حينها ولها حرية تركها لزوجها أما قبله فكل شيء

يكون تحت وصايتي وباسمي لا يحق لأحد الانتفاع به أبدا ولا لمسه

أي حتى تتزوج ابنتك وإن تزوجت بعد أربعين عام ووقتها لن

يكون لأحد سواها أو لزوجها برضا تام منها "

وقفت تلك على طولها قائلة " سمعنا عنك العدل يا ابن شاهين ولا

أراك الآن إلا ظالما , فإن كبرت ابنتي ولم تتزوج هل يبقى أرثها

معلقا هكذا وهي قد تكون في الشارع "

قال ببرود جليدي ناظرا لها " وقتها لكل حادث حديث وذلك

طبعا ليس قبل أن تكبر وتيئس من الزواج طبعا "

وقف زوجها هذه المرة وسحبها معه من يدها جهة الباب قائلا

" أخرجي أمامي هيا قبل أن يطلب أن نأخذها معنا لتلك الغرفة

الضيقة يكفيني أنتي "

*

*


فتحت عينها ليقع نظرها على عمتها الجالسة على كرسيها بقرب

رأسها وقد مسحت على شعرها قائلة بحنان " كيف تشعرين

الآن يا غسق "

هزت رأسها هزة خفيفة وهمست " أفضل "

ثم أضافت ببحة " كم الوقت الآن ؟ "

قالت تلك مبتسمة " الساعة الآن العاشرة ، كلها ساعتين فقط

التي نمتها ، هل أعطيك من دواء حبيبة مرة أخرى ؟ "

هزت رأسها بلا قائلة من فورها " كله إلا دواء حبيبة عمتي فهو

مر ولاذع وأسوء دواء شربته من قبل "

ضحكت نصيرة قائلة " لكن مفعوله رائع وقد أراحك ونمت أيضا "

انفتح باب الغرفة بعد طرقتين خفيفتين ودخلت منه حبيبة قائلة بابتسامة

ونظرها على النائمة على السرير " أراك أفضل الآن ولم يعودا

خداك بلون التفاح الأحمر وعادتا زهريتان جميلتان "

تساندت بمرفقها حتى جلست تجمع شعرها للخلف قائلة بابتسامة

صغيرة " جيد أن لهما أي لون بعد شرابك السيئ ذاك فلازال

طعم حلقي كالعلقم حتى الآن بسببه "

ضحكتا نصيرة وحبيبة وقالت عمتها " لن نعطيك غيره كلما

جاءتك نوبة تقيؤ "

شهقت غسق بصدمة بينما ضحكت حبيبة قائلة

" أعانك الله عليه حين تحملين "

فماتت ابتسامتها وشحب لون وجهها فجأة ونظرت لعمتها التي

كانت تنظر لها بلوم تفهمه جيدا فهمست تنظر لأصابعها

" أرجوك عمتي "

قالت تلك بحزم قاطع " لنترك كل شيء لوقته "

قالت حبيبة " كدت أنسى ، السيد صقر يطلبك في الحديقة سيدتي

فهل أخبره أنك متعبة ولا تستطيعين الخروج "

نظرت لها غسق باستغراب ثم لعمتها قبل أن تعود بنظرها لها

وقالت " يريدني أنا ! "

هزت رأسها بنعم وقالت " كنت سأخبره أنك نائمة ومتعبة

ثم قررت أن أخبرك أولا "

قالت غسق مبعدة اللحاف عن جسدها وقد أنزلت قدميها للأرض

" سأخرج له لقد أصبحت أفضل الآن ، شكرا لك يا حبيبة "

ثم دخلت الحمام غسلت وجهها عدة مرات ثم نظرت له في المرآة

واكتشفت أنه ما يزال شاحبا حزينا أكثر منه متعبا ومرهقا ، نشفته

جيدا بالمنشفة ثم خرجت للغرفة التي وجدتها فارغة لا أحد فيها فغيرت

ثيابها ومشطت شعرها وجمعته بمشبك ثم لفت حجابا أبيضا وخرجت

من الغرفة ومن المنزل وتوجهت حيث تسمع صوت حبيبة وضحك

صقر وما أن اقتربت منهما نظرت باستغراب لتلك الحفرة العميقة في

الأرض وعمها يقف فوقها يمسك معولا في يده وحبيبة بقربه تمسك

شتلة بساق طويلة وأوراق خضراء ، تباطأت خطواتها وعلت نبضات

قلبها وهي ترى السيارة التي توقفت هناك والذي نزل منها ضاربا بابها

يرتدي بنطلون كحلي وقميص قطني مغلق بأكمام طويلة وبلون أزرق

غامق ، أشاح كل واحد منهما بوجهه مبعدا نظره عن الآخر حين تلاقت

نظراتهما وانتقل للحديث مع عمه لنزوله هناك عنده ولم تكن تسمع ما

يقولان ونظر لها صقر ما أن رآها وقال " تعالي يا غسق "

اقتربت منهم وحيته تجبر شفتيها على استجلاب ابتسامة ولو صغيرة

فقال مبادلا لها لابتسامة " مرحبا بالغزالة جميلة صنوان وجميع ما

حولها ، ما به وجهك شاحب هكذا لا يكون ابن شقيقي أغضبك ؟ "

أبعدت نظرها ووجهها هربا من ملاحظته وهمست بصعوبة

" مرهقة فقط بسبب قلة النوم عمي لا شيء مهم "

وقصدت التشديد على آخر كلمتين متعمدة فتحرك حينها الواقف

بجانب عمه قائلا ببرود حازم " سأترك الأمر لك وسأتصل

بهم لاحقا وأتفق معهم "

وغادر من هناك مارا بجانبها تسمع صوت مفاتيحه التي أخرجها

من جيب بنطاله وتشعر بنبضات قلبها الغبي تلحق خطواته القوية

الواثقة وحواسها تتبع رائحة عطره الرجولي الخفيف ، لعنت نفسها

بحنق هامس وهي تراه يتجاهل وجودها وكأنها شجرة من أشجار

الحديقة بينما هي فقدت كل شيء مرتبط بها حتى أنفاسها ما أن

رأته وسمعت صوته ومر بجانبها ، رفعت نظرها لعمها الذي

قال " تعالي لتزرعي شجرتك في الحديقة لقد اخترت لك شجرة

الخوخ تحديدا لأن ثمرتها تشبهك في كل شيء ناعمة وجميلة "

ابتسمت تكابد دمعتها وضحكت حبيبة قائلة " لو سمعك ابن

شقيقك تتغزل في زوجته لغرس هذه الشتلة في رأسك أو أذناي "

فانطلقت ضحكة صقر وخرجت ضحكتها الرقيقة المنخفضة رغما

عنها وقال صقر وهوا يبلل التراب بالماء من الخرطوم " ذاك لا

يستحق ولا نصفها لكن حضه صارخ دائما ما سنفعل له "

ثم نظر لها وقال " تعالي هيا أنتي من ستغرسينها بنفسك لتكون لك

شجرة هنا حتى إن أخرجوك من المنزل تأتي كل يوم لرؤيتها

رغما عنهم ولتكن كمسمار جحا في حلوقهم "

ضحكت مقتربة منه وقالت بحماس باسم

" حقا ستكون هذه الشجرة لي ؟ "

أخذ الشتلة من حبيبة ومدها لها قائلا " أجل ولن ينكر ذلك أحد

فالجميع له أشجار هنا حتى شقيقي دجى رحمه الله وقاسم

ابن نصيرة "

أمسكت منه تلك الشتلة وقالت حبيبة مبتسمة " وأنا لدي شجرة

نخيل هنا أراقبها كل يوم كيف أصبحت "

قال صقر ضاحكا " وطبعا هي تشبهها في كل شيء "

نظرت له حبيبة بضيق ولن تستطيع أن تعلق فقالت غسق مبتسمة

" بالطبع فهي مثلها صبورة وقوية وكل شيء يخرج منها حلو المذاق "

ضحكت حبيبة هذه المرة ولم تعلق فلوح صقر بيده قائلا ببرود

" أسكبي الماء هيا بلا كثرة حديث "

فسكبت الماء من الدلو ووضعت غسق الشتلة في الحفرة العميقة

بعض الشيء ومد لها المعول قائلا " هيا أنتي من سيفعل كل ما

يخص زراعتها كي تكون شجرتك فعلا "

أمسكته منه وقالت مبتسمة " وماذا عن ثمنها لتكون لي فعلا حينها "

قال مبتعدا عن التراب الذي ستغرفه " لا ذاك هدية مني لك "

شكرته مبتسمة وبدأت بغرف التراب وسكبه في الحفرة تباعا

وبجهد وجد وقالت " وماذا إن ماتت شجرتي ؟ "

ضحك صقر وقال " تفقديها كل يوم كما تفعل حبيبة "

ضحكت غسق بينما قالت حبيبة بضيق تمسك وسطها بيديها

" نخلتي في آخر الحديقة في الخلف من سيعلم عنها إن لم أتفقدها ؟

أما هذه فهي في الطريق للمنازل سيلاحظها كل من سيدخل ويخرج "

ثم نظرت خلفها حيث وقفت حفصة من بعيد منادية لها فقالت مغادرة

" أردت أن أحضر جميع مراسم غرسها ، أمري لله "

وغادرت ونظراتهما تتبعها وقالت غسق مبتسمة " كم هي

رائعة هذه المرأة ومقربة لقلبي "

قال صقر وقد عاد لترطيب التربة بالماء " أجل إنها امرأة طيبة

المعشر طيبة المنبت "

نظرت له مستغربة وقالت " أتعرف عائلتها وأصلها ؟ "

هز رأسه بنعم وقال بلمحة حزن " زوجها رحمه الله كان صديقا لي

منذ كنا فتية ولم يفرقنا شيء إلا موته ، هم عائلة كريمة طيبة وأقسم

لولا إصرارها ما تركتها تعمل في البيوت وكنت سأتولى رعايتهم

بنفسي لكنها كوالدها وشقيقها رحمهما الله أعزاء نفس لا يرضون

بأخذ شيء من أحد لذلك جلبتها لتعمل هنا في منزلنا وتحت ناظري

ولا يذل أحد زوجة اعز إنسان على قلبي بعد موته ويسألني

عنها يوم نلقى وجه بارئنا "

ابتسمت ناظرة له بحب فقد ضنت أنه لا نسخ عن والدها شراع ولم

يخب ظنها حين شعرت نحوه ما أن رأته بما يشبه مشاعرها ناحية

والدها الذي رباها ، أنهت إنزال التراب في الحفرة مستمتعة برفقة

ذاك الرجل الذي عرف كيف يبدد بعضا من حزنها وغبنها لا بل

الكثير منه وهو يزرع الضحكة والابتسامة على شفتيها ، أنهت

الحوض حولها بمساعدته ثم وقفت وقالت ناظرة لثيابها ويديها

الملطخة بالطين " عليا الاستحمام مجددا الآن قبل أن

أصلي الظهر "

ضحك صقر وقال وهو يرفع المعول والدلو " أنتي كسبت

شجرة أما أنا فسأستحم مجددا بلا فائدة ترجى "

ضحكت وقالت " بلى ثمة فائدة "

اقتربت منه وقبلت جبينه رافعة جسدها على رؤوس أصابعها فهي

تحسبه والدها شراع فهو في عمره تماما ولم تكن تحمل له إلا التقدير

والاحترام وتشعر بأنه يبادلها ذات تلك المشاعر وكأنها من دمه .

فاجأها بأن قبل رأسها أيضا شاكرا لها ثم ساعدها في غسل يديها

وقدميها ممسكا لها خرطوم الماء وغادرت عائدة للمنزل بعدما شكرته

مجددا وودعت شجرتها الصغيرة على ضحكه عليها ودخلت المنزل

فأوقفتها حفصة تحمل صينية في يديها وقالت " جيد أنك دخلت

سيدتي هل يمكنك حملها للسيد مطر فالسيدة جوزاء طلبت

تجهيزها لكنها تأخرت "

شعرت بأنها في مأزق حقيقي ولا مفر لها منه رفعت يديها بصعوبة

وكأنها ترفع ثقلا كبير وأمسكت الصينية منها وتحركت بها جهة

السلالم تلعن حظها الذي جعلها تدخل هذا الوقت تحديدا ، تنفست

بقوة متمتمة وهي تجتاز الممر " أنتي زوجته تحت كل

الظروف حتى متى سيخدمه الغير ؟ "

فهي لا تنكر رغم كل شيء أنها ليست مقتنعة بقيام جوزاء بأغلب الأمور

التي يحتاجها ومن دون أن يطلب ذلك , يكفيها رؤية الخادمات لها تنام

في غرفة لوحدها ولولا أنه ولا واحدة منهن تتجرأ على إخراج أسرار

منزل زعيمهم لكانت سيرتها وسيرته على كل لسان في الحالك .

وصلت باب الغرفة النصف مفتوح ودخلت دافعة له برفق وتنفست

بارتياح وهي تراه جالسا في الطرف الآخر للسرير موليا ظهره لها

منشغل بشيء ما في يده لا تراه فقررت وضع الصينية والمغادرة

في صمت كي يضنها شقيقته , وما أن انحنت على الطاولة لتضعها

حتى جمدتها كلماته الباردة حد الصقيع حين قال دون أن يلتفت لها

" أخبري جوزاء توقظني وقت العصر وأغلقي الباب خلفك "

فعضت شفتها بقهر تشعر بكلماته وكأنها خناجر غرست في قلبها

وضعت الصينية وأولته ظهرها مغادرة هامسة " ومن قال أني

أريد إيقاظك لتطلب أن أخبرها هي أو أريد البقاء لتطردني "

وخرجت ساحبة الباب خلفها وتحركت سائرة لم تشعر بأن قدماها

من كانتا تحملانها ولم تكن تتخيل أن القهر والمهانة يفعلان في

الشخص هكذا حتى عرفت هذا الرجل ، ما أن وصلت غرفتها

حتى ضربت بابها قائلة بقهر " لقد نزع المزاج الذي عدله

عمه , وكأني أنا التي أخطأت في حقه وليس هو "

وسجنت نفسها في غرفتها لباقي اليوم متجنبة لقائه وإن بالمصادفة

فلن تتحمل إهاناته اللاذعة أكثر ولا مشاعرها المتناقضة نحوه

حتى أسدل الليل ستاره الأخير



*

*


صعد السلالم لا ينتظر شيئا سوى أن يجد نفسه في السرير ليرتاح

وينام أخيرا لساعات فحتى الليلة كان ينوي النوم فيها في وقت

أبكر من هذا لكنه لم يستطع العودة قبل هذا الوقت المتأخر .

اقترب من غرفته عاقدا حاجبيه مستغربا بابها المفتوح وهو من

أغلقه بنفسه بالمفتاح ولا أحد يملك واحدا غيرها ولن يتخيل أن

تكون هنا الآن !! وصل باب الغرفة ووقف عنده وتذكر وقت رأى

باب الخزانة المفتوح يخفيها خلفه أنه طلب نقل ثيابها إلى هنا من

قبل مغادرتهما للعمران بالأمس لأنه كان متأكدا من أنها لن تحتاج

لغرفتها تلك بعدها ، ابتسم بسخرية أقرب للمرارة على أفكاره تلك

وعلى حالهما فها هي حساباته تخونه لأول مرة ويخطط ويفشل .

آخر ما كان يريده الآن هو رؤيتها أمامه وغضبه منها لازال كلما

خمد قليلا عاد واشتعل ما أن يتذكر ما حدث , كان ينوي تأجيل أي

مواجهة معها لوقت بعيد لا يعلم متى سيكون لكن ليس الآن وهذه

المرة وفي هذا المكان والوقت فهو لم يستوعب بعد سبب تقلباتها

تلك ولم يعد يفهم أتتلاعب به أم ماذا تريد ؟ وأكثر ما يخشاه فقدان

أعصابه وهوا بهذه الحالة لذلك قرر دخول الغرفة والتوجه للحمام

مباشرة وتجاهل وجودها لكن ذلك تبخر ما أن أغلقت باب الخزانة

وظهرت من خلفه بفستانها المنزلي شعرها مرفوع ومجموع بمشبك

بشكل عشوائي وقد تناثرت عدة خصلات منه , وما أن نظرت جهته

حتى يبست مكانها تمسك الملابس في يديها فهي مثله ما كانت تتصور

ولا تريد رؤيته وقد ضنت أنه غادر أو سيبات خارج المنزل بعدما

انتظرته كل هذا الوقت ولم يأتي فلم يكن موجودا في خزانة غرفتها

في الأسفل سوا الفستان الذي تلبسه الآن ولبسته منذ عودتهما فجرا

والثياب التي خرجت بها للحديقة وقد اتسخت تماما , حتى ملابس

داخلية لم يكن لديها سوى التي جاءت بها من رحلتهما تلك .

أرخت نظرها هربا من نظرته المركزة عليها وقد لاحظتها رغم

الضوء الخفيف للغرفة والآخر المنبعث من الباب خلفه وقد غمراها

بإضاءة متوسطة بعض الشيء ولم تكن تحتاج معهما لتشغيل أي

من أضوائها الرئيسية ، كان وجودهما وحدهما في مكان شبه مظلم

وساكن بل وهذا المكان تحديدا له التأثير الأعظم على أعصاب كل

واحد منهما وعلى تأثير كل تلك الذكرى بينهما لكن ذاك الألم في

قلب كل واحد منهما كان أعظم من كل تلك الأمور .... ذكرى

مكالمته تلك وخروجه وكلماته التي قالها وذكرى رفضها الصريح

له دون سبب كما يرى وتجرئها على مواجهته بجرأة كلها كانت

كفيلة بنحر أي مشاعر قد تتقد داخل أي منهما ناحية الآخر .

تحركت من مكانها أخيرا تتمسك بالثياب في حضنها وكأنها

تستمد القوة منها وتوجهت ببطء جهة الباب الذي لازال يسده

بجسده الطويل ولم ترفع رأسها ولا نظرها به أبدا , لم تكن تريد

أن يرى نظرة الألم والخذلان التي لم تستطع محوها رغم كل

محاولاتها لتكون جامدة باردة ولا مبالية أمامه وإن كان تمثيلا

وصلت عنده ولاحظت أنه لا يفكر في الابتعاد عن الباب وكل

ما كانت تريده أن تبتعد من هناك أن لا تسمع كلماته الجارحة وهو

يهينها بل لا تريد أن تسمع صوته أبدا ولا حتى أن تمر بقربه

وتشعر بجسده ووجوده ، وقفت أمامه حين لم يتبقى سوا خطوة

واحدة تفصل بينهما وهو لم يتحرك من مكانه أبدا وهمست

بصعوبة ونظرها على الثياب في يديها " أريد الخروج "

كان صوتها مرتجفا رغم بروده وكان الصمت التام رده على طلبها

ذاك ولم يبتعد أو يتحرك من مكانه فشدت ذراعيها أكثر على الثياب

في حضنها وقالت بصوت خفيض حمل بعض الحزم هذه المرة

" هلا ابتعدت قليلا عن الباب "

والجواب كان ذاته لا رد فرفعت رأسها ونظرت لعينيه التي كانت

تنظر لها بنظرة رأت فيها الضيق والحنق بوضوح وإن لم يعبر

عنه وتحدث هذه المرة قائلا بجمود " قلت سابقا أني لن آكلك "

حاولت جهدها وضع قناع بارد أيضا ونظرة جامدة في استقبال

كلماته وقالت " وأنا لم أقل أني خائفة منك "

قذف كلماته في وجهها بحزم ونبرة قاسية " هل أفهم إذا سبب

ذاك الموقف العدائي مني أم تقلب مزاج ليس إلا ؟ "

زمت شفتيها حتى كانتا خطا واحدا فآخر ما كانت تتوقعه أن يبرئ

نفسه بهذه السهولة ويسألها وكأنه لم يفعل شيئا ! وآخر ما قد تفكر

في فعله هو أن تخبره أن تجاهله لجرحه لها بأخرى أمر أقسى مئة

مرة من فعلته تلك ( هل ينتظر أن أنحب وأصرخ وأطلب تبريرا لما

انكشف أمامي ويحاول تجاهله بكل ثقة وبرود ليجنب نفسه التهمة ؟

لا لن يحدث ذلك ويكفيه سخريته مني حين واجهته بغضبي مما

فعلت أنجوانا تلك ) قالت بحنق " لا شيء طبعا أو قد تكون

تقلبات مزاج كما تقول "

شد قبضتيه بقوة يضغط فكيه حتى شعر بالألم في أضراسه وشعر

بانفلات أعصابه منه وهذا ما كان يتجنب حدوثه , رفع يديه ممسكا

بهما وجهها بقوة وجدبها نحوه مقلصا تلك المسافة الصغيرة شادا

أصابعه وشعرها الملتف حولهم لترفع وجهها لوجهه أكثر وقد

انفرجت شفتاها لخروج آهة متألمة منها بسبب شده لشعرها

وتحدث من بين أسنانه " غسق عليك أن تتعلمي احترامي

كزوج أو أن مطر الآخر لن يعجبك أبدا "

رفعت يدها وأمسكت بها رسغه تحاول إجباره على تركها لتتحرر

خصلات شعرها وإن من يد واحدة من يديه وقالت تجاهد الدمعة

التي ستقفز من عينها بسبب تألمها ذاك " أنا لم أقلل من احترامي لك "

شد يديه في شعرها أكثر متجاهلا آهتها الأخرى التي كانت أشد من

سابقتها وقال بكلمات قاسية حادة شعرت معها بأنفاسه الساخنة

الغاضبة تلفح وجهها كالنيران " كل ما قلته فجرا ولم تقللي من

احترامي ؟ أم ما قلته الآن ؟ رجال وأكبر سنا مني لا يرفعون

صوتهم في وجهي لتفعلها امرأة .... ومن ؟ زوجتي !! "

شدت بيدها على رسغه أكثر وكأنها تستجديه أن يرخي أصابعه ولو

قليلا وملامحها تعتصر ألما ترفض إخراجه وسالت تلك الدمعة من

طرف عينها وخرج صوتها متكسرا مختلطا بأنين ألم خافت قائلة

" مطر لا تستقوي على امرأة بيديك أرجوك ؟ "

فارتخت قبضتاه عنها حين لمح تلك الدمعة وسمع كلماتها فمن شدة

غضبه لم يلحظ أنه من يؤلمها وأن البعض من شعراتها تتقطع بين
أصابعه , أغمضت عينيها ببطء وعضت شفتها المرتجفة لتخفي

انفعالها ولازال وجهها في حصار يديه رافعا له لمستوى وجهه

وخرجت منها شهقة صغيرة لسحبها الهواء مع كتم عبرتها وأول

صورة تكونت أمام عينيها المغمضة كانت لوالدها شراع

فهمست بحزن " ليتك ما تزوجتني يا مطر ليتك رميتني

خارج حدودك ليلة وجدتني هناك "

هز رأسه بقوة وبرفض وشد وجهها ناحيته هامسا بحدة

" أصمتي "

وقبلها بخشونة قبلة لم يفهم نفسه أيعبر فيها عن غضبه منها أم من

نفسه أم من كلماتها الأخيرة ؟ كان يسمع أنينها المكتوم لتألمها من

قسوته تلك لكن أصابعه كانت تتغلغل في شعرها أكثر ويشدها له

أكثر ويقسو في قبلته أكثر ولا يشعر بشيء سوا بملمس شفتيها الذي

أرقه لليالي وهو هناك بعيدا عند الحدود , وما أن صار عندها هنا

حتى عادت للتلاعب به كالدمية بين يديها ترضى عنه حينا وتصده

حينا آخر , كانت تلك الأفكار تأكله وتتحكم به حتى حررها أخير

وإن كانت لازالت في حصار كفيه وأصابعه القوية فسحبت الهواء

دفعة كبيرة لرئتيها ومسحت بظهر كفها المرتجف على شفتيها

وجانب عينها تمسح بقايا دمعتها المتسللة منها وكانت من الوهن

والضعف حتى تكاد أن تنهار مغمى عليها , كانت تدرك أمرا

واحدا فقط أنه إن قبلها مجددا فستسقط جميع دفاعاتها وستستسلم

متجاهلة كل الألم الذي سببه لها ويبرئ نفسه منه الآن , وما

خشيته حدث فعلا وهوا يشدها له منحن لشفتيها مجددا وقبّلهما

يضغطهما على شفتيه بقوة مدمرا ما تبقى من حصونها فقربت

جسدها منه ورفعت أحد كفيها لصدره وما أن مررته عليه حتى

شعرت بانقباض عضلته تحت ملمس يدها وشهقة خفيفة مكتومة

صدرت عنه جعلت قبلته تلك تزداد عمقا وإحدى يديه تنزل

لظهرها يشدها بها لجسده أكثر وقد استسلمت له تماما ولم يعد

لديها أي ذرة صمود تتمسك بها أكثر ويدها تنتقل من صدره

لعنقه ممررة أصابعها عليه فأبعدها عنه بقوة وقسوة وقال

من بين أنفاسه المتلاحقة " لن تتلاعبي بي مجددا يا

غسق لن أسمح لك "

نظرت له بصدمة تحاول تثبيت نفسها كي لا تقع من دفعته القوية

لجسدها وخور قواها وهمست بألم تبعد شعرها المتناثر على

وجهها بسبب ارتدادها القوي " توقف عن إلقاء اللوم

عليا في كل شيء يا مطر فلست السبب "

تقدم بخطواته داخل الغرفة مجتازا لها وقال راميا يده جانبا

" غادري يا غسق غادري الآن من هنا "

فخرجت راكضة من فورها ولم يعد يسمع سوا خطواتها تبتعد ومرر

أصابعه في شعره ناظرا للأعلى وهمس بغيظ " سحقا للرجل بكل

عنفوانه وسيطرته يتحول للا شيء أمام امرأة ... سحقا "

نظر خلفه للباب ثم نزل به للثياب المرمية أرضا وقد خرجت وتركتها

مكانها فشتم هامسا ورفعهم من الأرض بعنف لا يعلم ما أخذ منهم

وما ترك وخرج خلفها وما أن نزل نصف السلالم حتى وقف مكانه

للخيال الذي ظهر أمامه فجأة وقال بصدمة " عمي !! "

قال صقر متنقلا بنظره من وجهه للملابس في يديه " أجل عمك "

ثم عاد بنظره لعينيه وتابع بمكر " أم تتوقع أنه شخص آخر عاد لك "

تحرك حينها عائدا أدراجه وذاك يتبعه ولم يعلق حتى كان داخل الغرفة

وعمه خلفه فخرجت شتيمة أخرى من بين شفتيه وقد انحنى للأرض

يجمع باقي الثياب ورماها في الخزانة وقد وصله صوت الواقف خلفه

يكتم ضحكته " ما بكما بحق الله زوجتك كادت تصطدم بي عند أول

السلالم وكدت أسقطها وأحطم لها عظامها ولن ترحمني حينها

بالتأكيد ؟ حمدا لله أن مفتاح باب الجناح أخرني قليلا

عن الصعود لكما هنا "

جلس ذاك على طرف السرير متكأ بمرفقيه على ركبتيه مشيحا

بنظره جانبا وهمس " أنا من يحمد الله أنك لم تفعلها "

رمى صقر بجسده على الكرسي وقال " ماذا تقول فلست

أسمعك ؟ "

نظر له وقال ببرود " ضننت أني أصبحت رجلا متزوجا وكان

يفترض بك أن تتصل بي قبل أن تصعد , وأضنك اخترت نبذ

نفسك في جناحك فما أدخلك فجأة ؟ "

سوا صقر جلسته قائلا بضيق " احترمني يا ولد أنا عمك ثم ما يدريني

أن حرب البسوس انتهت بينكما واجتمعتما في غرفة واحدة , أو لا

يكون صدقت كذبة الناس وتريد حرماني من رؤية ابنة شقيقي "

مرر أصابعه في شعره ناظرا للأعلى وزفر بقوة وقال " عمي

لست في مزاج مناسب أبدا فإما أن تعذر ما سمعته مني

أو اترك أي شيء تريد الحديث عنه للغد "

قال صقر باستغراب " ما الذي حدث بينكما ؟ لا تكن قسوت

عليها يا مطر فلن أسامحك "

وقف على طوله وقال ببرود " عمي رجاءا تنهي الحديث في

الأمر لا أريد أن أخطى في حقك أكثر فأعفني من الخوض

في الحديث عن الأمر واعتبره شخصيا "

هز ذاك رأسه يأسا منه وقال " سامح الله القدر الذي وضع

فراشة رقيقة مثلها بين مخالب وحش "

نظر له بحنق وكان سيتحدث فقال عمه قبله " أعلم .. الأمر شخصي

ولن أتحدث فيه لكن لا تنسى أنها ابنة شقيقي يا مطر وقد أتحمل الألم

في نفسي ولا أتحمله فيها فيكفي أني محروم من رؤيتها وضمها

لحضني وكأنها امرأة غريبة عني "

عاد مطر للجلوس على طرف السرير قائلا ببرود " للضرورة

أحكام ألست من قال هذا من قبل ؟ "

نصب صقر ساق على الأخرى وقال ملوحا بيده " أجل فأنت لم

تخسر شيئا تدخل لها وتحضنها وتقترب منها كيف تشاء أما أنا

فمن أخذ مكانك الأساسي ابن عمها الذي عليه أن لا يرى ولا

شعرها , يالا السخرية يا بشر !! "

قال مطر بضيق " وما نفع أن تخبرها وتقترب منها وتحضنها كما

تقول ؟ إن علمت وعلم غيرها وانتشر خبرها وصرنا في


سؤال واستفسار وزارنا ذاك الهمجي الأخرق ما سنقول له ؟

أم سنسلمها له خذها وغادر بها وافعل لها ما يحلوا لك هي

حقك الآن "

حرك صقر يده باستنكار قائلا بجزع " لا بالله عليك فأنا لا أتخيل

هذه الملاك الفاتنة في قبضة ذاك الرجل البربري المتوحش

أنت وكثيرة عليك فكيف بذاك ؟ "

تأفف مطر في وجهه قائلا " عمي لما لا تتوقف عن إهانتي

ومقارنتي بها وبذاك "

قال بضيق مماثل " أغار منك يا رجل ما أفعل لك ؟ فحتى الشاي

الذي تعده ما أن تأتي أنت أنساه أنا لأنه سيكون لك طبعا "

كان سيتحدث فوقف صقر وقال " بالله عليك ارحمني من لسانك

تبدوا لي بحالة سيئة جدا سأراك لاحقا ونتحدث "

وخرج وتركه دون أن يستمع حتى لرأيه


*

*



سند يديه على الطاولة خلفه متنهدا بضيق لا يعرف لما عليه هو أيضا

مراقبة هؤلاء الأطفال ! بل لماذا يقيمون عيد ميلاد له أساسا ؟ ضرار

الحفيد الرابع والأخير في العائلة ذو الأربعة أعوام سبب كل ذاك

الضجيج والموسيقى وصراخ الأطفال , الأطفال الذين عجزن

الخادمات وزوجات والده الثلاثة عن السيطرة عليهم ومراقبتهم

جميعا خاصة وأن كل أم تضع طفلها تغادر وكأنها تركته في

رعايتها هي نفسها ، حرك جسده ينظر من بين تلك الرؤوس

الكثيرة حتى ظهر له من بين الراقصين على أنغام تلك الموسيقى

الصاخبة فالأطفال يحبون تقليد الكبار في كل شيء حتى أنهم

أصروا على أن يغيروا أغاني الأطفال ليرقصوا بفوضوية

وجد مبتغاه أخيرا وسط الراقصين فصفر له بصوت مرتفع فوق

الموسيقى بطريقة يعرفانها كلاهما فنظر جهته من فوره فأشار له

وقاص بإبهامه يمينا فنظر هناك فورا للجالسة على أحد كراسي

الطاولة منشغلة بفتح علبة شوكلاته صغيرة بفستانها العاجي القصير

الواسع من الأسفل بحملات رقيقة وشعرها الأشقر تناثر على كتفيها

وظهرها وقد وصل لما يقارب خاصرتها ، غمز له رواح من فوره

فضحك وقاص وأشار بإبهامه مجددا لكن هذه المرة جهة والدته فأنزل

رواح إبهامه للأسفل وتحرك من هناك مجتازا الأطفال حوله فحتى من

هم في سنه يدرسون معه كانوا مدعوون ، وصل عندها ونظر لها من

فوق رأسها وهي تحرك إصبعها الصغير فوق قطع الشيكولاته الثلاث

التي توسطت العلبة الفاخرة قائلة " هذه لماما وهذه لبابا وأنا

آكل هذه ... أم هذه ؟ "

ضحك بصمت ومد يديه للكرسي ورفعه بها متجاهلا صرختها

المذعورة وهي تتمسك بطرفيه بيديها فبحكم سنين عمرها الخمس

وخفة وزنها استطاع رفعها بسهولة وبسبب قصر قامتها ما كانت

تستطيع النزول ، سار بها متجاهلا رجاءاتها الطفولية الباكية وخوفها

من أن تقع حتى أنزلها قرب مكبرات الصوت واضعة يديها الصغيرتان

على أذنيها ونظرت خلفها لتكتشف أنه هو صاحب هذه الفعلة فزمت

شفتيها الصغيرتان بغضب وهي تراه يضحك عليها ثم صرخ فوق

صوت الموسيقى العالي " لما لا ترقصين يا عربية أم تخشي

أن تسخر منك البريطانيات "

وتركها ضاحكا وابتعد يديه في جيوبه حتى وقف بجانب وقاص

الذي قال ضاحكا " لو رأتك والدتك لقطعت أذنيك ، ألا

تعلم ما تعنيه تلك الطفلة لها "

حرك كتفيه قائلا ببرود " أردت أن أعلمها الشجاعة قليلا , ثم

هم أقارب زوجة خالي شاهر لا صلة تربطهم بوالدتي "

ونظرا سريعا حيث تغيرت الموسيقى وتوقف جميع الأطفال هناك

عن الرقص والمرح فلا أحد منهم يعرف الرقص عليها ( التانغوا

البرازيلية ) نقل نظره فورا جهة الشاب منظم الموسيقى ورأى

تلك ذات الشعر الأشقر والفستان العاجي القصير تقف عنده

وتتحدث معه ثم نزلت واختفت بين الرؤوس الصغيرة حيث

تحلقوا في حلقة واسعة فهذه الرقصة لن يتقنها أحد منهم لصغر

سنهم وصعوبتها إلا إن كانت جذوره من هناك وعاش في بلادها

اقترب ونظر معهم حيث الفتى ذو العشر سنوات مادا يده يشير بها

طالبا رفيقة للرقص وكان من ملامحه يبدوا برازيليا لاتينيا , كان

يبتسم للفتيات وكل واحدة تحرك رأسها نفيا لجهلها بتلك الرقصة

حتى دخل ذاك الجسد الصغير من بين الواقفين ومدت يدها ممسكة

يد ذاك الفتى وعلا صراخ الأطفال حين بدأ بالرقص بإتقان يلفها

حول نفسها ثم رفعها ودار بها بين دهشة الجميع هناك .

اقتربت منه زوجة والده قائلة " وقاص يمكنك الذهاب

لترتاح في غرفتك أتعبناك معنا "

ابتسم لها قائلا وهو يبتعد عن الطاولة " لا بأس خالتي كان الأمر

نصف ممتع ولم أمل كثيرا شكرا على تسريحي "

وضحكا معا على علو صراخ طفلة فوق صوت الضجيج والموسيقى

ونظرا فورا لتلك الجهة ليظهر لهما من خرج بين ذاك الجمع ومن

يجرها بيده من شعرها الأشقر حتى وصل عندهما على شهقة

والدته ما أن عرفتها وصرخت به " رواح هل جننت ؟ "

وتقدمت نحوهما فترك شعرها وتوجهت هي من فورها لها واختبأت

خلف ساقيها تبكي بشدة وتحضنهما بقوة فصرخت تلك به " أحمق

وطفل هل ترى كم عمرك تضربها هكذا يا همجي "

ازداد غضبه وحنقه وصاح بها " الوقحة كيف ترقص مع ذاك

الأخرق هكذا ؟ شبيهة والدتها "

وغادر على نظراتها المصدومة وقد نقلت نظرها لوقاص فانفجر

ضاحكا من فوره وغادر خلفه وهي تنظر لهما باستغراب



*

*




" مطر "


التفت جهتها وهوا ينزل آخر عتبات السلالم فقالت

" تعال لن أعطلك "

سار جهتها وقالت ما أن وصل عندها " خذني لغرفتي "

دس يده في جيبه وقال ببرود " ورائي أمور كثيرة أخرج لها

عمتي وقد أبات خارج حوران فأجلي ما لديك للغد "

نظرت له فوقها وقالت " لا لن أؤجله فقد انتظرتك بالأمس لكنك

صعدت لغرفتك ولم تنزل منها إلا وقت العصر وغادرت ولم ترجع

إلا وأنا نائمة وأعلم أنك إن خرجت الآن لن أراك لا اليوم ولا

في الغد وقد تغادر من هنا فجرا للحدود "

أمسك مقبضي الكرسي وتوجه بها جهة ممر غرفتها قائلا " أعلم

أنك ستؤخرينني رغم علمك أنه ليس لدي ما أقوله "

قالت ما أن اجتازاه وظهر لهما باب غرفتها " بل لديك ما

تقول وما تسمع "

وتابعت بلهجة توبيخ وهي تفتح باب غرفتها ويدخلانها " أراه تصرف

أطفال يا مطر أنت تهرب من المنزل وهي تسجن نفسها في غرفتها

لم أعرفك هكذا في مواجهة مشاكلك يا ابن شاهين "

ترك مقبضي كرسيها ما أن كانا داخل الغرفة وقال بضيق " عمتي

قلت لك من البداية ليس لدي ما أقوله , إن كان لديك أسئلة فاطرحيها

عليها قبلي لأنها من قلب تلك الليلة لجحيم وقللت أدبها عليا أيضا

فلتحمد الله أني لم أمد يدي عليها "

دارت بكرسيها حتى قابلته وقالت بصدمة " تمد يدك عليها !! أقسم

لن يخاطب لساني لسانك ما حييت إن فعلتها يا مطر ولا

أضنك تفعلها "

مرر أصابعه في شعره متأففا بحنق وقال " عمتي أخبرتك منذ البداية

أن تتركي الموضوع لاحقا , أقسم أن أعصابي تشوى على قطعة حديد

متقدة ولا أريد أن أخطأ في حق أي أحد فاتركيني أذهب في حال سبيلي "

قالت مباشرة ودون مقدمات " من المرأة التي تركت زوجتك من

أحجلها وخرجت يا مطر ؟ "

نظر لها باستغراب قبل أن يقول باستنكار " عمتي ما هذا الهراء ؟ "

ضمت يديها لبعضهما وقالت بحزم " أليس هذا ما حدث يا ابن شقيقي ؟

أنا لم أفهم كثيرا من كلامها فقد كانت كالضائعة تخرج كلمة وتبلع

عشرة وقد مرضت صباحا وتقيأت حتى ضننا أن روحها ستخرج

من جسدها لولا أن أسعفتنا حبيبة بدواء أعشاب أراحها ونامت

ما الذي حدث في رحلتكما تلك يا مطر ؟ أجزم أنها كانت

متلفة لأعصابها حتى فجرت أعصاب معدتها من كبتها "

مسح قفا عنقه بيده رافعا رأسه للأعلى وهمس بكلمات غير

مفهومة قبل أن ينظر لها قائلا " هي قالت ذلك ؟ "

قالت من فورها " لا تتسرع الحكم لقد كانت منهارة تماما وترفض

رؤية أحد أو الحديث وقت نزولها بعدك فجرا وأنا من ضغط عليها

وقالت أن ثمة امرأة جعلتك تقطع رحلتكما وترجعا وتتركها وتغادر

لها لأنها تنتظرك , لا أصدق أنك أنت مطر شاهين تفعلها وأمام

زوجتك أيضا !! "

ضغط أسنانه بقوة وكأنه سيحطمها وقال " هذه الفتاة ألم تسمع

عن قصة الطفلة من خماصة ؟ "

نظرت له عمته باستغراب وقالت " هي لا تستمع للمذياع ولا

تحبه وترفض سماع أي أخبار عن الجبهات , لكن ما علاقة

ذلك بالأمر ؟! "

تحرك حينها هامسا بغضب مكتوم ووجهته باب الغرفة

" سحقا لأفكار النساء "

فتحركت تلك خلفه منادية تحرك عجلات كرسيها بكل قوتها

" مطر ارجع ولا تتحدث معها الآن , مطر انتظر قلت لك "

لكنه لم يكن يسمع شيئا سوا صدى كلماتها السابقة ولا يرى إلا نهاية

الممر أمامه ولم يتوقف حتى كان عند باب غرفتها وفتحه بقوة على

اتساعه ودخل متوجها نحو التي قفزت جالسة على السرير تنظر له

بخوف وقد وصل عندها وأمسك ذراعيها بقوة متجاهلا تألمها

وصرختها المترجية لأن يبتعد عنها وأنها لا تريد رؤيته .

سحبها موقفا لها خارج السرير وأصابعه تغرس في بشرة ذراعيها

البيضاء الناعمة المكشوفة من كمي فستانها القصيران لحظة دخول

عمته تسحب نفسها بالكرسي مقطوعة الأناس من تعب يديها وذراعيها

وقد أغلقت الباب لتمنع صوت هذا الغاضب الذي فقد أعصابه من

الخروج خارج الغرفة وقالت بأمر " مطر أتركها ليس

التفاهم بهذا الشكل "

شد ذارعيها أكثر وهي تنزل رأسها للأسفل متجنبة النظر له وقد

خرجت منها أنات خفيفة متألمة عجزت عن إمساكها وقد صرخ

بالواقفة خلفه " عمتي لا تتحدثي رجاءا واتركيني أتفاهم مع

هذه الغبية "

رفعت يدها بضعف وأمسكت بقبضتها الواهنة صدر قميصه جهة

الأزرار وقد هزها بقوة ناظرا لملامحها التي أخفت غرتها أغلبها

" من المتهم في كل هذا يا غسق تكلمي ؟ من المذنب في غبائك الغير

معقول ؟ هل سألت عقلك من تكون تلك المرأة ولما عدت وخرجت

لها ؟ ما ذنبي أنا إن كنت تكرهين الحديث عني وسماع أخباري

وما يحدث معي هناك جهة الهازان ؟ "

لم تعلق بشيء وعضت شفتها بقوة تكابد على ألم جسدها وقلبها وقد تابع

صارخا وخصلات غرتها تتحرك بسبب أنفاسه الغاضبة التي خرجت

مع كلماته " ذنب من أنك تجهلين أن تلك المرأة والدة الطفلة الناجية

من مذبحة خماصة وقد جاءت مستغلة غيابي وبكل بدم بارد وقلب

ميت تريد أخذ ابنتها من أجل إرثها من عائلة والدها متجاهلة أنها

مرت بظروف قاسية ورأت جدتها تموت أمامها في ذاك المنزل

وضنت أن امرأة أخرى هي والدتها ومرضها لا يسمح

بتعريضها لكل تلك الضغوط "

هزها مجددا متجاهلا أنينها المتوجع الذي ارتفع أكثر وتمسكها بقميصه

بقبضتها بقوة وكأنها تخشى أن يقذفها بعيدا على الجدار وتابع بذات

صراخه الغاضب " ذنب من منا تكلمي ؟ أهكذا تعامل الزوجة زوجها

يا ابنة شراع يا تربية الزعماء يا ابنة الأشراف ؟ أهكذا رباك شراع

صنوان الرجل الشريف أن ترفعي صوتك في وجه زوجك الند

بالند والكلمة بمثلها ؟ "

لم تعلق بشيء ولم تستطع قول شيء ولا فعل شيء أيضا سوا مكابدة

دموعها وكتم أنينها المتألم فتركت يديه ذراعها وأمسك بها ذقنها ورفع

وجهها له للأعلى حتى تقابلت عيناها المجهدة بجفنيها المحمران بعينيه

الغاضبة المعاتبة بحنق وشد على ذقنها بقوة صارخا " هل هذا ما

أنتظره منك يا زوجة زعيم الحالك ؟ الظنون الباطلة والتخوين "

أمسكت يد عمته بكم قميصه وشدته منها قائلة " حلفتك بالله أن

تغادر يا مطر , إن كان لي احترام لديك أتركها ويكفي هذا "

ترك حينها ذقنها بعنف وخرج من الغرفة من فوره ضاربا بابها خلفه

وانهارت هي على السرير تدفن وجهها في ملاءته ويداها تقبضان عليها

بقوة ولازال ذاك الأنين المتوجع يخرج منها فهزت الجالسة على كرسيها

رأسها تلعن نفسها على ما فعلت وقد أدركت حينها أنه كان عليها أن تنتظر

حتى يرجع غدا فهو يبدو كان يؤجل ذلك حتى يهدأ وتهدأ الأمور أولا وتلك

كانت عادته دائما لكنها ضنت حقا أنه قد يفعلها ويتزوج بأخرى على الأقل

قربت كرسيها للسرير أكثر ومدت يدها تمسح على الشعر المتناثر للنائمة

عليه لازالت تخفي وجهها فيه وقالت " يكفي يا غسق ستنهكين أحشائك

مجددا وتكوني الخاسرة حينها "

ثم تنهدت بأسى حين لم يؤثر كلامها بها شيئا وقالت " كان عليك

سؤاله يا غسق , لو كنتما تحدثتما ووضحتما الأمور لبعضكما

ما وصل الحال بينكما لهذه المواصيل "

خرج صوتها مختلطا ببكائها ولازال وجهها يحضن برودة تلك

الملاءة " كانت غلطته عمتي هو لم يوضح لي لم يتحدث معي

في الأمر وكأنه لا وجود لي ولا مشاعر "

مسحت على شعرها مجددا قائلة برفق " لا يوجد شخص في البلاد

لا يعلم عن قصة تلك الطفلة يا غسق ولا عن أن مطر كان يريد

جلبها هنا لولا أخذها أحد رجاله لزوجته ومنزله , الجميع يعلم

عداك أنتي لأنك ترفضين أن تعلمي بذلك وتقصين نفسك عن

كل شيء يحدث حولك , حتى مجلس النساء تخرجين منه

كلما انخرطت الأحاديث فيه للحروب وظروف البلاد "

لم تعلق بشيء ولازالت تدفن وجهها وعبراتها في ذاك القماش المشبع

بدموعها فهزت الجالسة على كرسيها رأسها بأسى من حالهما وحركت

عجلاته خارجة من الغرفة واجتازت الممر حتى كانت خارجه متحركة

في بهو المنزل الواسع تنظر للذي ظهر نازلا من السلالم بخطوات

مسرعة يحمل حقيبته في يده فقالت " مطر "

وقف ونظر جهتها ما أن نزل آخر عتبة فيه وقال بضيق " عمتي

لا يمكنني خوض أي حديث في أي شيء فابتعدي عني كي لا أخطئ

في حقك , سأغادر للحدود ولا أعلم كم سيطول غيابي هناك "

هزت رأسها بحسنا وقالت بهدوء " وذاك أفضل , ابتعد عنها

وأبعدها عنك لترتاح نفسيتكما أولا "

خطى جهة الباب دون أن يعلق بشيء فأوقفته منادية له مجددا فوقف

ويده تمسك مقبضه ودون أن يلتفت لها فقالت بجدية ناظرة لقفاه

" لا تتهور في أي قرار يا مطر وكن كما أعرفك ويعرفك

الجميع بني ولا تنسى أنها في عهدتك لا أحد لها هنا غيرك "

تنفس بقوة وكأنه يسجن الكثير من الكلام ولا يريد أن يخرجه وفتح

الباب قائلا وهوا يخرج منه " لا تخافي عمتي فطلاق لن أطلقها

ولن أتزوج عليها "

وخرج مغلقا الباب خلفه وركب سيارته وغادر من فوره مجيبا

على هاتفه الذي تركه في السيارة ويبدوا أنه لم يتوقف عن الرنين

من وقت , فتح الخط وقال من فوره وبضيق " قادم لكم يا بِشر

ألا تستطيعون تدبر أموركم ليومين دون رؤية وجهي "

قال من في الطرف الآخر وبتوجس " آسف سيدي ما عرفتك

تتضايق أبدا من استشارتنا لك في أي أمر !! "

تأفف بقوة وقال " اترك كل تلك الأمور إذا حتى أصل "

قال ذاك من فوره " وهوا كذلك , سلم لي عليها بالله عليك

وأخبرها أن بِشر يرفع لك القبعة "

عقد مطر حاجبيه مستغربا وقال وسيارته تزيد من سرعتها

على الطريق الترابي " من هي ؟ "

ضحك ذاك من فوره قائل " ابنة شراع طبعا "

وأغلق الخط من فوره كي لا يترك له أي مجال للرد عليه فهز

رأسه مبتسما رغم تجهم ملامحه وغضبه ثم رمى الهاتف على

الكرسي الآخر بجانبه وانشغل بترديد دعاء السفر وسيارته

تغادر شوارع حوران




*

*

يتبــــــــــــــــــــــ ــــــــــع




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 03:07 AM   #709

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*

*












نظر بترقب وفضول ككل مرة يحضر فيها معه حقيبة مشابهة لهذه

فتحها ذاك لتكشف عن المسدس الموجود فيها وأخرجه ومده

له قائلا " 6 ـ " mark 23

أمسكه منه يتفحصه بين يديه بلونه الذي دمج البني مع الأسود اللامع

ولاحظ خفة وزنه سريعا فنظر له وقال " وزنه أخف من السابقات "

هز عمير رأسه بنعم وقال " تفحصه جيدا فلا رصاصات فيه أريد

أن أرى ما ستلاحظ عيه مما تعلمته عن الأسلحة السابقة "


عاد لتقليبه وفكه وتفحصه بتأني وذاك جالس أمامه ينتظر بصبر

مبتسما لملامحه الفضولية المتشوقة ونظرته الحادة التي تعلم أن

يتعايش معها بالمقارنة مع صغر سنه وأن يراه كما يراه الكثيرين

رجل في جسد فتى دخل الثانية عشر للتو , واستطاع خلال هذه

الأشهر أن يتعرف عليه أكثر أن يعرفه جيدا وأن يفهم سبب تمييز

مطر شاهين له تحديدا , ورغم أنه ليس أول من وجهه زعيمه

لتدريبهم وإكسابهم من خبرته إلا أنه يتفق معه أن هذه التجربة

مختلفة جدا فأن تنشئ متدربا من صغره أمر أجدر من تعليم

شاب يافع , هذا ثالث فتى صغير يخضع للتدريبات على يده

ولاحظ جيدا أنه مختلف عن أقرانه رغم ذكائهم فهوا تفوق عليهم

وبشهادته وآخر ما قاله لمطر في آخر لقاء لهما ( هذا الفتى إن

عاش حتى أصبح شابا فسيتفوق عليا وعليك وعلى الجميع )

رفع نظره أخيرا من على المسدس فقال عمير مبتسما

" ها ما النتيجة يا تيم ؟ "

رفع السلاح بطريقته الخاصة للأعلى , الطريقة التي بات يعشقها عمير

ويقلده فيها أحيانا وقال " هذا السلاح نصف آلي إنه يستجيب للأوامر

بسرعة فاقت الـ (glock 177 ) الذي تدربنا عليه وحجمه أصغر

منه وخفيف مثله وأجزم أنه سلاح مهم في القوات الخاصة "

ابتسم له وقال " تيم أنت تتعلم بسرعة البرق يا فتى ومعك حق فهذا

المسدس تستخدمه القوات الخاصة الأمريكية نظرا لقوته الميكانيكية

وفعاليته أثناء الهجوم إنه أحد أهم الأسلحة لديهم وهوا ألماني

أمريكي الصنع "

وانشغلا ككل مرة يحضر فيها سلاحا جديدا في فكه وتركيبه وشرح

طريقة معرفة أي خلل فيه ومحاولة إصلاحه سريعا , وضع المسدس

في الحقيبة وقال " غدا سنعيد كل هذا وبعد غد أختبرك وإن فشلت

أعدنا من البداية كما اعتدنا حسنا "

هز تيم رأسه بالموافقة وقال " ومتى سنصوب به ؟ "

ضحك عمير وقال " صبرك يا فتى التصويب آخر مهمة فأنت لم

تعد تحتاج للكثير فيها , هذا هوا المسدس ما قبل الأخير بقي أمامنا

الـ ( hs 2000 ) وتنتهي المجموعة وسننتقل لمجموعة ستحبها كثيرا "

وتابع وهوا يخرج شيئا من جيب بنطلونه " إنها دمى الأسلحة

سأريك شيئا منها الآن "

وانفتحت عينا تيم على وسعها وهوا ينظر للمسدس الصغير في

راحة يد الجالس أمامه وقد ضحك قائلا " إنه حقيقي طبعا

وتعلمه سيحتاج لوقت وجهد وهناك هذا "

وأخرج غليون خشبي وفكه أمامه ليتحول لسلاح فتاك وقال أمام

نظرات الدهشة للجالس أمامه " هذه الأسلحة وغيرها تستخدم في

أهم عمليات التصفية السرية حيث يدخل الشخص للمكان المحصن

أمنيا ينفذ مهمته ويخرج دون أن يكتشف أحد ما يحمل معه "

رفع نظره المندهش عما في يده وقال بصدمة " وتقتل بشرا

وهي بهذا الحجم !! "

ضحك عمير وقال " بالتأكيد فجميعها يخرج منه رصاص قاتل

وهي عشرة أسلحة سنتعلمها تباعا "

اتكئ بيديه للخلف وقال " ماذا عن الأسلحة التي يتدرب عليها

الجنود هنا ؟ أنت لم تتحدث عنها أبدا "

قال وهوا يعيد السلاحين لجيبه " تلك لن تحتاجها كثيرا سأعلمك

مستقبلا على الرشاش بأنواعه الثلاثة المهمة أما الأسلحة الثقيلة

فليست من اختصاصك الآن ولها وقتها لو احتاج الأمر "

هز رأسه بحسنا دون تعليق فتربع ذاك وقال بحماس " أخبرني يا

تيم ما تريد أن تكون مستقبلا ؟ دعنا نتسامر قليلا فأنت صندوق

حديدي مغلق يا رجل "

نظر له ببرود وقال " وأنت تدربني يوميا لساعات ما ستتوقع

مني سأكون مثلا ؟ "

رمى رأسه للخلف ودوت ضحكته الجهورية العالية ثم نظر له

وقال " سحقا أنت لا يمكن التغلب عليك أبدا , حسنا ذاك ليس

شرطا فقد يكون لك طموح آخر "

أدار عينيه بتفكير ثم نظر له وقال " أريد أن أكون عضوا في

القوات الخاصة وعميل سري طبعا "

قال عمير مبتسما " ضننت أنك ستكون طبيبا "

حرك كتفيه قائلا " الطبيب أخبرني أنه يمكنني تعلمها دون امتهانها

لقد أصبحت أعلم الكثير وأغير الجروح لبعض المرضى وأفك

الغرز وأسعف معه بعض الحالات لكني لست متحمسا لأكون

سجين غرفة ومستشفى , أنت لا تكون حرا حين تكون طبيبا "

قال عمير مبتسما " تفكيرك غريب ورائع لكن الطبيب يقوم

بمهنة إنسانية بحثه ونحن لا نستطيع الحياة من دونهم "

هز رأسه بنعم وقال " لكن أمثالك يخدمون بلادنا كالأطباء تماما

أليس كذلك ؟ "

ضحك وربت على كتفه قائلا " معك حق والطموح لا أحد يمكنه

تغييره أو التحكم فيه فأخبرني الآن عن ماريه تلك "

نظر له بضيق فقال ذاك ضاحكا من قبل أن يتحدث " هي ليست

حبيبتك حسنا أعلم ذلك فقط أريد أن أعرف عنها "

قال ببرود " هي قريبتي فقط وتوقف عن قول تلك الكلمة "

قال ذاك بحماس متجاهلا ما سمع منه " يمكنك فهم بعض الأمور

التي تجهلها لتعرف ما تعنيه لك تلك الطفلة , هيا أخبرني أولا

هل هي جميلة ؟ "

زم شفتيه حنقا منه ثم قال ببرود ناقلا نظره بتقييم من وجهه

لجسده " تبدوا لي أجمل منك بكثير "

انفجر ضاحكا وقال " أجزم أنها ليست أجمل منك أنت ولعلمك

يا تيم النساء لا يلتفتن كثيرا لجمال الرجل "

نظر له بطرف عينه نظرة تقييميه لاذعة أخرى وقال ببرود أشد

" يبدوا لي تخدع نفسك كثيرا أو أن حبيبتك تلك تضحك عليك "

عاد للضحك قائلا " هيا يا فتى لست سيئا لهذا الحد لا تنسى

أني ابن الحالك "


حرك تيم كتفه قائلا " وإن يكن فالزعيم مطر أجمل منك "

أخرج ذاك المسدس من الحقيبة وقال مشيرا به عليه " أعلم أنك

تفعل ذلك لتنتقم مني وتلك الطفلة حبيبتك رغما عنك "

تجاهله ونظر جانبا وقال " ليس شرطا إن كان لك حبيبة يكون

الجميع مثلك "

ثم نظر له وتابع " وتذهب لتزورها ماذا تقولان ؟ "

لم يستطع إمساك نفسه عن الضحك فوقف تيم وقال بضيق ممسكا

وسطه بيديه " أشك أن تكون أنت عضوا في القوات الخاصة كما

تقول وأنت تضحك طوال الوقت كالمهرجين "

ماتت ضحكته وتحولت لعبوس وقال " وقح ... عليك أن تفصل بين

الجد والهزل أم تريدني مثلك أنت عابس دائما "

رمى يده في وجهه قائلا " كن كزعيمكم على الأقل يبدوا لي أنك

تحتك بحبيبتك تلك كثيرا حتى أصبحت مثلها "

زم ذاك شفتيه حنقا ثم قال " اذهب هيا يا حبيب ماريه الصغيرة

لا تتركها تنتظرك كثيرا "

غادر متجاهلا له وقال ما أن ابتعد " وأنت الزعيم مطر أفضل

منك في كل شيء أحببت أم كرهت "

فضحك يراقبه مبتعدا حتى اختفى خلف أحد جدران غرف المقر

وهمس مبتسما " كم أتوق لرؤيتك مستقبلا يا تيم , أنت تبعث

الفضول في قلب أي أحد يعرفك "


*

*



دخل المكان بخطوات واسعة سريعة على نظرات كل من مر بهم

حتى وصل للساحة الخلفية للمقر وركض جهة الذي كان ينوي

الخروج من بابها الخلفي حتى أمسك به وأداره جهته وقال

بغضب " جبران توقف عن هذا هل جننت ؟ "

دفعه بيده بقوة وقال بغضب أشد " ما جاء بك أنت هنا وماذا تريد

مني ؟ قلت أن تنسوا أن لكم ابنا أسمه جبران ألم تفهموا "

أمسك ياقته بقوة بقبضتيه على نظرات من وقفوا في نوافذ غرف ذاك

المقر يراقبون من بعيد وإن من دون صوت لبعدهما وقد هزه رماح

بقوة صارخا " لن تستفيد شيئا إن دخلت حدوده وأمسك بك رجاله , بل

وحتى إن وصلت له لن تفعل شيئا , أنت لست ندا له يا جبران فتعقل "

دفعه بكل قوته حتى ترك قميصه وصرخ بعنف " أقتله ... قسما

إن رأيته أمامي وأتيحت لي الفرصة قتلته "

دفعه رماح من صدره بقوة صارخا " مجنون وما ستستفيد من ذلك

فهي ابنة عمه وهوا يعلم بذلك من قبل أن يأخذها منا "

نظر له بصدمة لوقت ولم يعلق فقال رماح يتلقف أنفاسه " هو أخبر

والدي بنفسه , انسها يا جبران هي لم تكن لك من البداية إنه ابن

عمها منذ ولدتها أمها ولا تستبعد أن يكون متزوجا بها من سنين

ونحن لا نعلم "

صاح ذاك ملوحا بيده رافضا لما يسمع " لن أهابه ولن تقنعني بكل

هذا فإما أن أقتله أو أن أدمر حياته معها وفي الحالتين هو ميت

قسما وأنا جبران شراع أن أحول حياته لجحيم كما فعل

بحياتي وأخذها وهي صارت لي "

صرخ فيه رماح بصوت أعلى وغضب أشد " سحقا لعقلك يا رجل

ماذا ستستفيد إن حولت حياتها لجحيم ؟ أنت تضرها هي يا أحمق

إما أن ترملها أو أن تتعسها كل عمرها ! "

قال مغادرا جهة ذاك الباب الواسع المفتوح " هي لي

عليها أن ترجع لي أنا "

ركض جهته وأمسكه من ذراعيه خلف ظهره ودفعه جهة الجدار

بقوة حتى تبثه عليه وقال من بين أسنانه " والدي أقسم أن يطردك

من صنوان جميعا إن علم أنك تسببت في شيء يضر حياتها معه

لا تخسر كل شيء بسبب امرأة يا جبران "

حاول دفعه بكل قوته قائلا " أنت لم تجرب عشق امرأة لتقول كل

هذا يا رماح , قلبك حجر لم يرتجف يوما ويحب لما قلت ما قلت "

دفعه بقوة أكبر مثبتا له أكثر عليه وقال " ومن قال ذلك ؟ لما تضن

أنك وحدك من عانى , من أحب امرأة ليست له ولا تفكر فيه

لو الجميع فكر وتصرف مثلك لضاعت الناس "

دفعه بقوة مستغلا اللحظة حتى أبعده عدة خطوات وأخرج مسدسا

من حزامه والتفت له وصوبه عليه قائلا " إن فكرت في منعي

قتلتك يا رماح , لن أسمح بأن تمنعني من دخول الحدود "

أخرج ذاك مسدسه أيضا ورفعه في وجهه قائلا " سأمنعك بكل ما

أقدر عليه يا جبران , لن أسمح لك بأن تدمر صنوان جميعها بإيذائك

لذاك الرجل الذي لن يرحمنا رجاله وقبائله إن مسه سوء بسببنا ولا

أن تدمر حياة الفتاة التي عاشت بيننا لأعوام شقيقة لم تلدها لنا أم "


*

*



غرست أصابعها في شعرها تستمع بانتباه لكلام حبيبة وهي تشرح

لها عن تلك الأكلة وطريقتها تجلس رافعة لقدميها على الأريكة

وسط ذاك المنزل الكبير ولولا طلبها هي منها ذلك ما جلست هناك

معها , وكان صوت أحاديث عمتها وجوزاء خلفها تصلها بوضوح

لكن عقلها لم يكن لا مع حبيبة ولا مع الجالستان هناك وقد سافر مع

الذي غاب عن المنزل منذ أكثر من أسبوع ولا تسمع عنه سوا من

الآخرين من أخبار النسوة عنه وعن آخر ما يحدث معه ورجاله .

هذا ما كان يريده من البداية وهي باتت تعي ذلك جيدا الآن , كان

يريد أن يبتعد فقط بغضبه ويتركها مع غضبها حتى يهدآن كليهما

لكن الظروف وكل شيء كان ضد ذلك وتواجها في مرتين قاسيتين

على كليهما وبعد أن شرح لها تلك الحقيقة التي كانت مخفية عنها

غادر ولم تراه من وقتها , فهمت الآن لما قال أنه لن يسمح لها بأن

تتلاعب به مجددا , فهمت ما كان يشعر به وهوا يضنها صدته دون

سبب بعدما أعلنت له صراحة أنها له وسلمت نفسها إليه طوعا , بل

واسترجعت كل تلك العبارات التي قذفتها في وجهه حين عادا من

تلك الرحلة فجرا ولما اعتبرها تواقحت عليه وقال بأنها السبب

اتكأت على ذراعها التي تسندها على ظهر الأريكة وتنهدت بأسى

فقد أصبح يضيق صدرها كلما فكرت في كل ذلك وهو لم يغب

عن تفكيرها أبدا , ما كانت لتتخيل أن تلك الليلة المليئة بالعواطف

المطلقة العنان أن تتحول لكل ذاك السوء والسواد وأن من كانا في

تلك الخيمة التنانية هما نفسهما من تشاجرا بعنف في غرفتهما

لمرتين بعدها , وأن تلك الحسناء في ذاك الثوب الأبيض هي

الجالسة هنا الآن وحيدة وزوجها لم تراه من عشرة أيام وقد

تركها غاضبا أيضا .

" لما لا تحدثيه بهاتف عمه بدلا من التنهد هكذا "

نظرت بصدمة للتي ضحكت وهمست لها " اعترفي هيا

فحالك منذ غادر لا يعجبني "

ابتسمت بحزن للخادمة التي لم تعد تعدها إلا شخصا من عائلتها

وتكره حتى مناداتها لها بسيدتي , أنزلت نظرها ليدها الأخرى في

حجرها تمسك بها أحد خيوط الفستان وقالت بحزن " لن أتحمل

أن يحدثني ببرود أو يغلق الخط في وجهي يا حبيبة

أنا أضعف من تحمل ذلك منه الآن "

قالت تلك مبتسمة وهي تجمع ما تناثر من حبات العدس على

الطاولة " لو سمع كلماتك هذه لأتى لك ركضا , على

أحدكما أن يبادر أو لن تجدا حلا لخلافكما أبدا "

عادت للاتكاء برأسها على ذراعها وهمست بشرود " اتركيه

يعاقبني كيف شاء بغيابه كي لا يكون ثمة عقاب آخر بعد مجيئه "

وقفت تلك وحملت الطبقين قائلة بضحكة " ومن الذي سيفرض

عليه عقابا واحدا فقط ؟ قد يكون يفكر في أكثر من ذلك "

ثم غادرت على النظرات العابسة لقفاها من التي تركتها جالسة

هناك وقد تمتمت " ما هذا الفال السيئ يا حبيبة ؟ "

" غسق "

التفتت من فورها حيث الجالستان هناك وعمتها التي نادتها وقالت

من هناك " هل تعرفي عائلة بلال شعاب في الرنقاء في صنوان ؟ "

نظرت لها باستغراب بادئ الأمر ولنظرة جوزاء المصدومة لها وقد

وكزتها بيدها وهي تتجاهلها تنظر لها منتظرة جوابها ففكرت قليلا

بشرود لا تعلم بحال ضربات قلب الجالسة هناك وكأنها تنتظر

خبر موتها , قالت وقد رفعت نظرها بعمتها " تقصدي عائلة

بلال الشعاب ذاتها ؟ من أين تعرفينهم عمتي ! "

قالت تلك من فورها " أعرفهم فهل تعرفيهم أنتي ورأيتهم "

مررت أصابعها في غرتها ترفعها عن وجهها وقالت " مدينتهم بعيدة

عنا لكني زرتهم وعمتي مرتين تقريبا فهم من كبار قبائل صنوان

وأكابرها وعلاقة والدي بهم وطيدة "

أمسكت نصيرة يد جوزاء بقوة كي لا تغادر فهي تعرف قلب الأم جيدا

وتعلم أنها تفكر في الهرب حاليا كي لا تواجه الحقيقة التي عليها

معرفتها كي تعلق آمالها أو تقتلها وتدفنها للأبد , قالت " ما

الذي تعرفيه عن عائلة ابنهم أيوب ؟ "

قبضت جوزاء يدها بقوة على يد عمتها وقد ربتت تلك بيدها الأخرى

عليها منتظرتان جواب التي غابت بنظرها بعيدا عنهما وقالت بتفكير

" أيوب أيوب ! أبنائهم كثر لكني أّذكر جيدا حديث والدتهم عنه تحديدا "

ثم تغيرت لهجتها حين تذكرت وقالت مندفعة ناظرة لعمتها " أجل

هو والد الطفلين رأيتهما من عامين أو أقل أذكرهما جيدا "

ارتخت يد جوزاء وأصبحت كالميتة في قبضة عمتها بسبب الانهيار

التام لمشاعرها وأعصابها وقالت بصعوبة ناظرة للجالسة هناك

وهي تكابد الدموع التي ملأت عينيها توشك على النزول " كيف

هما ؟ ما كان حالهما ووضعهما ؟ "

نقلت غسق نظراتها المستغربة منها لعمتها ثم عادت بهم لها فهذه

المرة الأولى التي تسألها فيها عن شيء أو تشارك في حديث هي

جزء فيه !! قالت ونظرة الاستغراب لم تفارق عينيها " كانا بصحة

جيدة إنهما رائعين فعلا ومميزان من بين جميع أحفادهم ولا

يفارقان بعضهما وكأنهما توأمين "

شدت يد جوزاء على يد عمتها بقوة وكأنها ترتجي منها العون فقالت

نصيرة ناظرة للجالسة هناك " والدتهم من الحالك هل أنتي متأكدة

من أنهما هما ؟ "

أدارت عينيها قليلا بتفكير ثم نظرت لها وقالت " نعم أذكر أن جدتهما

قالت ذلك , لم أفهم كثيرا كان حديثها معقدا عن هدنة وزواج لم ترغب

به وكانت منزعجة من ابنها لأنه لم يتزوج بعد طلاقه من زوجته

تلك مهما حاولت معه "

كانت أظافر تلك تنغرس في لحم كف عمتها دون شعور منها تكابد

الانهيار باكية أو الوقوع مغمى عليها وقد تحولت ملامح غسق للحزن

وهي تقول " لو رأيتهما عمتي يسحرانك من أول نظرة خاصة

الأصغر ( أبان ) له عينان ونظرة وابتسامة لا تنسيهما أبدا "

ونزلت بنظرها للأرض متابعة بذات الحزن الذي غطى عليه الأسى

والوجوم " كان ظلما في حق الطفلين ووالدتهما , لو سمعته كيف

سألني وهوا يضن أني من الحالك حين شبهتني إحدى النساء بكم

عن إذا رأيت والدته وأعرفها وأن أخبرها تزورهم قبل أن تطرده

جدته صارخة به ويغادر باكيا "

وقفت حينها التي لم يعد بإمكانها احتمال كل ذلك وأسرعت الخطى

تمسح الدموع التي غلبتها ونظرات غسق المصدومة تتبعها قبل

أن تنقلهم لعمتها قائلة باستغراب " ما بها عمتي ! ما الذي

أزعجها فيما قلت ؟ "

وشهقت بقوة تمسك فمها بيدها قبل أن تتحدث تلك حين تذكرت حديث

عمتها عن طفليها وكيف أنها لم تراهما هنا وأن زوجة ذاك الرجل

من الحالك , ملئت الدموع عينيها الواسعة وقالت بصعوبة

" عمتي لا تقولي أنهما ابنيها ؟ "

هزت تلك رأسها بنعم بحزن فغطت غسق وجهها بكفيها قائلة بأسى

" ليت لساني انقطع, ليتك ما سألتني عمتي لماذا فعلتها ؟ "

قالت نصيرة بحزن " بل كنت أخاف أن لا تكوني رأيتهما أو تعلمي

عنهما , أراح الله قلبك يا غسق كما أرحت قلبها فعلى الأقل علمت

أنهما من عامين بخير وأنهما لا يكرهانها وينتظران رؤيتها "

مسحت الدموع التي غلبتها وقد خرجت كلماتها مخنوقة بعبرتها

" فهمت الآن لما تكرهني , أعانك الله يا جوزاء ما أعظمها من

مصيبة لا يعلم عنها سوا من عاش تجربتها أو تجربة ابنيها "

هزت نصيرة رأسها بموافقة وقالت بأسى " جوزاء لا تكرهك يا

غسق مثلما أنها لن تستطيع أن تحبك وتتقبلك , ليس الأمر بيدها

فمشاعر الأمومة لا يعرفها إلا من جربها "

ثم قالت قبل أن تتحدث " الله لن ينساها ولن ينساهما فاتركينا

الآن من ذلك وأخبريني هل تحدثت مع زوجك ؟ "

غطى الوجوم ملامحها وقالت بحزن " وأين رأيته لأتحدث

معه عمتي "

قالت نصيرة مستغربة " هو هنا حول حوران منذ يومين وزار

المنزل ليلة أول أمس , ضننت أنكما تحدثكما أو رآك "

شعرت بتلك المرارة في حلقها وغصة ألم شديدة خرجت معها

الحروف مبحوحة منخفضة " كان هنا ؟ "

هزت نصيرة رأسها بلا وقالت " جاء ليلا ويبدوا غادر ذات الليلة

أو ذات الوقت وقد ترك الحدود منذ أكثر من يومين وقال صقر

أنه توجه لميناء بينبان فجر اليوم "

عضت طرف شفتها تمنع مشاعرها من التغلب على صوتها وعينيها

ثم وقفت وغادرت من هناك لتوقفها كلمات عمتها قائلة " غسق

عليكما ترك كل ما كان جانبا بنيتي والتفكير في المستقبل "

وقفت مكانها وتلك قد أصبحت خلفها وقالت تقبض يديها ببعض

" أنا لا أريد غير ذلك عمتي تأكدي "

وغادرت بخطوات مسرعة حتى كانت في غرفتها وأغلقت الباب خلفها

واتكأت بظهرها عليه ( لا يريد رؤيتي !! لا أستغرب ذلك بعدما قلت

وسمع ورأى مني ) اتكأت برأسها للأعلى على الباب وعادت كلماته

الغاضبة تلك لها مجددا (أهكذا تعامل الزوجة زوجها يا ابنة شراع يا

تربية الزعماء يا ابنة الأشراف ) (هل هذا ما أنتظره منك يا

زوجة زعيم الحالك ؟ الظنون الباطلة والتخوين )

أغلقت أذنيها تحاول إبعاد ذاك الصوت عن رأسها لكن صدى كلماته

الغاضبة ورنة بحته تلك عادت لتصدح فيه (ما ذنبي أنا إن

كنت تكرهين الحديث عني وسماع أخباري )

هزت رأسها بالنفي وهمست وعيناها تترقرق بالدموع الحبيسة

" لا لم يربني شراع على هذا , لا لست هكذا ولست أكرهك "

توجهت للخزانة غيرت ملابسها صلت العشاء ثم جلست تقرأ في

أحد الكتب لوقت وحتى عشائها لم تتناوله ولم تشعر بالرغبة فيه

بعد وقت طويل رمت ذاك الكتاب واندست في سريرها تحاول فعل

أي شيء غير التفكير في ذاك الرجل لكن جميع تلك الحلول لم

تنجح فأبعدت اللحاف بقوة متأففة وغادرت السرير والغرفة



*

*



أغلق باب سيارته وأخرج مفاتيحه الأخرى من جيب بنطلونه الخلفي

متجها جهة المنزل فوقف مكانه حين انفتح الباب قبل أن يمد يده له

ووجد عمه أمامه وقد ضرب على كتفه قائلا " تعال هيا كنت

أنتظرك هل نسيت أنه ثمة حديث معلق بيننا "

نظر لساعته في يده وقال " هذا الوقت ؟ أتركني أنام وغدا نتحدث "

قال سائرا أمامه للداخل " بل الآن فمن يضمن لي أن أجدك

هنا غدا أو حتى بعد ساعة "

تنهد مستسلما وسار خلفه حتى دخلا جناحه وغرفته وجلسا متقابلان

مطر على الأريكة وصقر على الكرسي المقابل له وقال " متى

ستغادر من هنا أم لم تقرر بعد ؟ "

قال بهدوء " ليس قبل نهاية الأسبوع ولن أخرج من حوران

هل ثمة أمر مهم ؟ "

هز رأسه بلا وهمس " مجرد سؤال فقط "

وتابع وقد تحولت لهجته للجدية " لن أعطلك أعلم أنك متعب وتريد

أن تنام وأن الوقت متأخر وأنا لست أفضل حالا منك وأنا أنتظرك

كل هذا الوقت , أسمع يا مطر علينا أن نجد حلا لذاك الرجل

قبل أن يقع ما نخشاه ولا أعتقد أن زواجك منها سيحميها منه "

غامت عيناه بسواد أقتم من سوادهما وقال بقسوة " لن يلمس ظفرها

قبل أن يقتلني ولن أسلمها لهم وإن فررت بها خارج البلاد فلم أكن

مقتنعا أساسا بما فعل والدي من عشرين عام , لو كان لي سلطة

حينها ما وافقت ولسلمت نفسي بدلا من عمي دجى وتركت ابنته

وزوجته تعيشان هنا وتتربى وسط عائلتها وأهلها وليس

مع الأغراب "

حرك صقر رأسه برافض وقال " لما لا تخرج تلك الفكرة من

رأسك واعترف بأن بقائها مع شراع وسط صنوان كان لصالحها

يا مطر والرجل لم يقصر في الحفاظ عليها وتربيتها "

قال بحنق " وأخرج سر أنها ليست ابنته وبدأ ينتشر بين الأقربين

وبعد قليل كان سيخبر الناس ابنة من تكون "

قال صقر ببرود يعاكس ضيق الجالس أمامه " أنت تعلم مثلي أن زوجته

الأولى من فعلتها دون رضاه أو علمه ثم لن تملك الناس بلورة سحرية

تخبرهم ابنة من تكون وهو لم ولن يفصح عن أصل نسبها فلما لا

تعترف أن ما يضايقك أمور أخرى بعيدة جدا عن علم

الناس بأنها ليست ابنته "

شد ذاك قبضتيه وقال بضيق " هل أفهم ما الذي ترمي له ؟ "

قال صقر بكل صراحة واسترخاء متجاهلا غضبه " أعني أنك لم

تكن تحتمل فكرة بقائها مع أبنائه وما أن خرجت تلك القصيدة التي

وصفها فيها ذاك الرجل وانتشر صيتها في البلاد بأكملها حتى جن

جنونك وأصبحت تفقد أعصابك كلما تحدثنا عن أمرها "

مرر أصابعه في شعره وتحدث من بين أسنانه " ما كنت راض من

البداية وكتمي لكل ذلك لم يكن إلا لعجزي عن إحضارها من وسطهم

دون أن أثير الشكوك حول الأمر ولولا علمي ويقيني من حرص شراع

عليها وفصله لها عن أبنائه في كل شيء ما أن كبرت قليلا لكنت ذهبت

له بنفسي وجلبتها من هناك وليفعل ابن غيلوان ما يحلو له ولتقل صنوان

ما ستقول ولتطردني الحالك من أراضها فلست آبه "

ضحك صقر وقال " وجاءتك بنفسها .. يالها من فتاة ! تشبه أبيها

في كل شيء كان منذ صغره مثيرا للمشاكل يفعل أي شيء دون

تفكير في العواقب "

تحدث ذاك من بين أسنانه " كان استهتارا من شراع فماذا إن

لم تقع في قبضتي ؟ ماذا إن أمسك بها أحد رجالي ؟ كنت

سأستأمنهم على أي امرأة تقع في أيديهم إلا هي "

اتكئ صقر بخده على راحة يده وقال ببرود " لا أفهمك يا مطر !

أنت منزعج من كل شيء يخص بقائها معهم وتعترف بنفسك بأن

شراع لم يتهاون في نقطة وجودها بين أربعة شبان واحد فقط منهم

شقيقها ! ماذا إن زوجها بأحد رجال صنوان ماذا كنت ستفعل ؟ "

نظر له بحدة واندفعت الكلمات منه كالموج الغاضب " قسما كنت دككت

مدنهم وأخرجتها من الذي أوصلوها له من قبل أن يرى ذاك الزوج

شعرة منها هل هي فوضى أم ماذا ؟ ولا أعتقد أن شراع بكل هذا

الغباء وهوا من يعلم ابنة من تكون ومن لها "

تحولت ملامح صقر للجدية وقال " علينا أن نجد حلا يا مطر

اترك في دماغك حيزا لأمرها من بين كل خططك الحربية

تلك واخرج لنا بحل بما أنها صارت هنا وأقرب له "

هز رأسه بعجز وضيق قائلا " والدي حاصرنا من قبل موته هل

تضن أنه يوجد حل ولم أفكر فيه وأتّبعه ؟ كنت في الرابعة عشرة

وقتها ولولا احتكاكي الكبير به حينها ما كنت لأعلم ورغم رفضي

القاطع وبخني لأول مرة في حياته وقال أن الأمر لا يخص الأطفال

كان جنونا من أوله منذ أخرج عمي دجى فارا لصنوان ليعيش عاما

كاملا في منزل ذاك العجوز ويزوجه ابنته المتبقية لأنها معهم في

المنزل ولا يعلم عن وجوده وزواجهما أحد ولا من أقربائهم وكله

فرارا من تلك العائلة وثأرهم منه , ويوم كشفهم لأمر وجوده هناك

ووفاة عمي رسم معهم والدي ذاك الاتفاق الأخرق مطمئنا لاحتماء

زوجته بشراع صنوان وأنه لن يصلها هناك أحد ولن يعلم بسرها

أحد بعدما عاشت في منزله لثمان أشهر يعتقد الجميع أنها زوجته

وأنجبت ابنتها وتزوجها شراع ليكتمل الحصار على الطفلة

لتكبر هناك لا يحق لأحد المطالبة بها ولا نحن "

قال صقر بهدوء " ولا تنسى أن دجى قتل من أجل ذاك الرجل الذي

حماه وزوجه ابنته واعتبره معروفا في عنقه لم ينساه لعمك حتى

مات وهو من وضع ابنته أميمه في حمى شراع صنوان , مطر

لا تنظر للجانب الذي يضايقك فقط في الأمر وتنسى

إيجابياته الكثيرة "

وقف وبدأ بالدوران في الغرفة كالنمر المسجون وقال بضيق

" وماذا كانت النتيجة ؟ اتفاق أخرق مع تلك العائلة لأخذ ثأرهم من

عائلتنا وإن أنجبت أميمه تلك فتى كان دمه مهدورا وإن ابنة كانت

لهم زوجة أو سبيه أو ما يكون , هل فكر والدي أنهم قد يكتشفون

وجود تلك الزوجة له وهم من وضعوا ذاك الشرط لأنهم ليس من

قتل عمي دجى ولدخول الشك في قلوبهم من أنه كان متزوجا

في صنوان "

هز صقر رأسه بحيرة وقال " تلك أعراف قبائلهم يا مطر ووالدك

كان يعرف ذلك جيدا , ولا حل سوا أن ننتظر موت أشعث الشعر

المخيف ذاك فقد أتصور أن يتزوج حتى بهيمة ولا أن يتزوج من

آدمية فكيف إن كانت هذه الحسناء الرقيقة "

رفع مطر يديه جانبا وقال " وما الحل معهم وهم سيرفضون أي

مقابل بل وإن عرضنا عليهم أي شيء ليتنازلوا عن ثأرهم سيشكون

فورا بل سيتيقنون من وجود ابن أو ابنة لعمي دجى , وذاك الفتى لم

يتزوج حتى الآن يهذي بثأره لوالده وشقيقه في كل مكان وكأنه

متأكد من وجود من سيأخذه مقابلا لهما "

قال صقر بوجوم " أتعني أنه لا حل ؟ "

قال مطر بجدية " أعني أنه على عنقي يقترب منها وليقتلني أولا

وحين يعلموا عنها لكل حادث حديث فلا تشغل بالك أنت الآن "

هز رأسه برفض وقال " لا يمكن ذلك ولا أعتقد أنك أنت تنساه "

توجه جهة باب الغرفة وفتحه وقال ناظرا للخلف حيث الجالس هناك

" لا أحد يعلم عنها ... عزيرة في صنوان وعمتي متأكد من أنها تشك

بأمر والدتها فقط ولا تعلم حتى ما جنس المولود فأميمه ما اختارت

أن تلد على يد تلك العجوز إلا للتثبت نسب مولودها في الحالك

ليقينها من أن والدي وحده من يعلم عنها , ولا تقلق فإن علموا

بها لدي خيار واحد سأتخذه دون تراجع "



وخرج من الجناح بأكمله متأففا بعدما ذكره عمه بالأمر الذي لم ينساه

يوما ولم يجد له أي حل , وقف وسط بهو المنزل ونظر شرقا حيث ذاك

الممر ولف جهته ثم هز رأسه برفض للفكرة وتوجه جهة السلالم , صعد

بخطوات واسعة ووصل غرفته سريعا فتح الباب بمفتاحه ثم شغل الإنارة

وهو يغلقه ووقف مكانه ينظر للنائمة وسط السرير بشكل مائل منكمشة

على نفسها تضم يديها تحت أحد خديها المتوردان بشدة من برودة المكان

الخالي في ذاك الليل الخريفي البارد تلبس بيجامة خريفية بأكمام طويلة

مزررة من الأمام وببنطلون طويل ذات قماش متوسط السمك , شعرها

متناثر خلفها وغرتها متدرجة نزولا من جبينها للسرير تحته , أكمل

إغلاق الباب برفق وهدوء وعيناه لم تفارقا وجهها وشعرها ثم توجه

نحوها يخلع سترته ورماها في طريقه على الكرسي , وصل السرير

وجلس عليه برفق بإحدى ساقيه ثانيا لها تحته وعض طرف شفته

بقوة وهوا يميل نحوها مرر أنفه ببطء عند نهاية عنقها فشعرها

نزولا لنحرها يستنشق عبيرعطرها الزيتي الخفيف ورائحة جسدها

الناعمة وتذكر جملة بِشر الشهيرة تلك حين قال مشيرا لرأسه بسبابته

( اقسم يا رجل إن سكنت هذا امرأة أصبحت تثمل حتى من رائحة

جسدها )

تمتم بخفوت هامس وهوا ينتقل لخدها ووجنتها " والحل إن

كنت غاضبا منها يا بِشر والحل ؟ "

وابتعد بسرعة حين قفزت جالسة تنظر له ويدها على صدرها

تسترجع أنفاسها وهمست بخوف " مطر هذا أنت ؟ "

حاول التمسك بجموده ونجح الأمر أخيرا وقال " نعم ومن

غيري يملك مفتاح الغرفة عداك ؟ "

مررت أصابعها في غرتها ترفعها للخلف ثم دست خصلاتها خلف

أذنيها تهدئ نبضات قلبها المجنونة وأنزلت يديها لحجرها ونظرها

معهما تثبت نفسها وتطمئنها رغم يئسها بسبب نظرته الباردة وجموده

ذاك , لكم تشتاق له .... حقيقة اكتشفتها مؤخرا وباتت متيقنة منها

الآن ما أن رأته أمامها , ولأول مرة تشعر بأنها في مأزق يصعب

الخروج منه وليست تعلم إن كان اعتذارها قد يفيد أو لن يزيدها إلا

ألما ؟ رفعت نظرها به حين خرج صوته الحازم قائلا " لما تنامين

هنا وفي البرد بدون غطاء ؟ أهناك من يجلب لنفسه الزكام "

قربت حاجبيها الرقيقان في نظرة آسية وأبعدت شفتيها لتتحدث لكنها

سرعان ما عادت وأغلقتهما وزحفت مغادرة السرير لا تريد سوى

الهرب من هناك قبل أن تخونها دموعها , إمساكه لذراعها منعها

من التحرك لخطوة أخرى وقد سحبها حتى جلست مجددا قائلا

" هل أنتي جبانة هكذا دائما وتهربين من مواجهة نفسك ؟ "

سحبت ذراعها منه وكانت ستتحدث لكنها عضت شفتها وأمسكت

نفسها عن الحديث فلا تريد تكرار خطأها السابق , لن تسمح

للأمور أن تسوء بينهما أكثر من ذلك , قال بسخرية

" هل بلعت القطة كل ذاك اللسان ؟ "

نزلت بنظرها للأسفل وهزت رأسها بلا فأمسك ابتسامته

وقال " أريني أفعاله إذا "

مدت له يدها مقبوضة الأصابع وقد نقل نظرها لها مستغربا ففتحتهم

ببطء كاشفة عن الخاتم الفضي الذي يتوسط راحة يدها تنظر لملامحه

وردة فعله حتى رفع نظره لعينيها وفتح فمه ليتحدث لكن أصابعها

سبقت كلماته ومنعته وقد وضعتهم على شفتيه واتكأت بجبينها

عليهم تفصله عن تلك الشفتين ناظرة للأسفل وهمست بحزن

" لا تقسوا عليا بكلماتك مطر أرجوك "

ثم رفعت رأسها ونظرت لعينيه الناظرة لها بهدوء وشفتيه لازالت

في حصار أصابعها وخانها صوتها حين خرج ضعيفا متهدجا

وقد همست " لم أقصد أن أقلل من احترامك يا مطر قسما والله

يشهد , ولم يربني والدي على ذلك أنا أخطأت وتلقيت منك

العقاب وكان قاسيا جدا "

لم يعلق ولم يحاول حتى تحريك شفتيه من تحت أصابعها فأبعدت

يدها ونظرها عليها حتى استقرت مع الأخرى في حجرها فمد

يده لهما وفتح التي تحوي خاتمه وضغط بسبابته عليه وهو في

راحة يدها ونظر لعينيها المحدقة به وقال وكأنه يريد تأكيد كلامه

بحركته تلك " اسمعيني جيدا يا غسق , أنا لست رجلا خال من

العيوب لكني على ذلك تربيت لا أتلقى الأوامر من أحد لا أحد

يقلل من احترامه لي ولا يرفع صوته في وجهي طالما أني لم

أخطئ في حقه وحين أخطئ أعترف بخطئي وأعتذر عنه , الحياة

بين المرأة والرجل لا تشبه كل ذلك أنا أعرف وأعترف لكن ثمة

حدود لكل واحد منهما , لم أكن أريد لتلك المواجهات أن تحدث

بيننا كنت أريد أن نتفاهم كما اليوم لكنك لم تسألي لم تفكري حتى

أن تقولي لي وقتها ( من هذه يا مطر التي قطعت الرحلة وأتيت

من أجلها ؟ ) لأفهم فقط أنك لا تعرفين من تكون "

أرخت نظرها وهمست برقة وحرج " ما كنت لأتخيل ذلك

كانت مكالماتك مبهمة جميعها "

ابتسم مراقبا ملامحها ورفع يديه حاضنا بهما وجهها وأرخى

جبينه على جبينها وهمس محركا إبهاماه على خديها " اعترفي

أنك مخطئة يا أكبر عنيدة قابلتها , لا شيء في ذلك "

خرجت منها ضحكة مكتومة مختلطة بعبرة صغيرة وعيناها قد

امتلأت بالدموع وهي ترفعهما له هامسة " اعترفت أم أنك

نسيت ؟ "

خرجت ضحكته هو هذه المرة وقبل خدها برقه ثم همس عند

أذنها " ألبسيني خاتمي إذا "

ابتسمت متجنبة النظر له غير مصدقة أن الأمر الذي عانت من

التفكير فيه والخوف منه طيلة تلك الأيام والليالي مر هكذا وهي

من توقعت حتى أن يطردها من الغرفة التي قررت أن تنام فيها كل

ليلة تنتظره حتى يأتي , رفعت يدها الممسكة للخاتم بين أصابعها

الرقيقة ومسحت بظهر كفها عينيها أولا تمسح الدموع التي لازالت

سجينة بداخلها على نظراته مبتسما على تصرفها الطفولي ذاك

ثم مدت يدها ليده وأمسكتها ورغم ارتجافها الواضح أدخلت الخاتم

في بنصرها حتى نهايته وما أن استقر هناك دون جهد أو تعليق منه

حتى طوقت عنقه بذراعيها حاضنة له بقوة وأصابع يدها تتغلغل في

شعره الأسود الكثيف تدفن وجهها في عنقه وقالت بعبرة غلبتها

" كم خشيت من هذه الليلة , الآن فقط علمت من يكون ابن

شاهين الذي لا يعرفه الناس "

طوقها بذراعيه وقبل شعرها وقال بهدوء " وأنا ما أن استرجعت

كل ما حدث علمت أن جزءا من اللوم يقع علي , كنا نحتاج فقط

لبعض الوقت بعيدا عن بعضنا لنتصرف بحكمة لكن الله لم

يشأ ذلك "

ثم أمسك يديها المطوقة لعنقه وأبعدهما مبتعدة عنه وقبل كف

كل واحدة منهما على حده ونظر لعينيها قائلا بابتسامة مائلة

" سأستحم وأخرج فهل أجدك هنا أم لن أجد إلا رائحة

عطرك ؟ "

هربت بنظرها من عينيه مبتسمة بحياء أشعل ذاك الوهج

في وجنتيها وهمست " ستجدني "

نظر مبتسما لملامحها التي تخفيها عنه منزلة رأسها للأسفل

رفع يديه وأمسك وجهها بنعومة تشبه ملمسه واتكأ برأسه على

رأسها في حركته المعتادة كلما هربت منه وهمس " وأجدك هنا

فوق السرير وليس عند باب الغرفة وتفري ما أن أخرج ؟ "

خرجت منها ضحكة صغيرة تغلبت على حيائها وحرجها

وتوترها من ملمس يديه الدافئتين على بشرتها ورفعت

نظرها له وهمست مبتسمة " بل هنا "

كانت ابتسامتها مرتبكة مذهلة وخجولة وفاتنة بشكل قاتل جعلت يداه

تشتدان عليها وأصابعه تتغلغل في شعرها يرفع رأسها له لتقع أسيرة

تلك النظرة المتوهجة المسيطرة والمربكة فأغمضت عينيها برفق حين

قبلها قبلته الرقيقة المعتادة تلك , القبلة التي لطالما كانت على قلبها أشد

من وقع كلماته الناعمة المغرية في مثل هذا الوضع والموقف وقد أسرها

بها من أول مرة عرفتها فيها معه , أبعد شفتيه برفق سامحا للدماء بأن

تتدفق في شرايينها من جديد ولأنفاسه لتعود لصدره بقوة وأبعد يديه عن

وجهها وهي تهرب منه بالنظر للأسفل وشعرت بنعومة شفتيه مع خشونة

لحيته على خدها وقد قبلها برقة وغادر السرير في صمت ولم تسمع

سوا صوت باب الحمام يغلقه خلفه فوضعت يدها على قلبها وجرت نفسا

كبيرا وعضت طرف شفتها مبتسمة ثم غادرت السرير مسرعة ما أن

سمعت صوت المياه في الحمام وتوجهت للخزانة أخرجت ذاك التوب

الذي ألبسوها إياه يوم زواجهما ولازال معلقا هنا منذ ذاك الوقت

أخرجت القميص السفلي فيه ونزعت بيجامتها سريعا وعيناها على باب

الحمام تخشى خروجه في أي لحظة ولبسته بسرعة ورمت البيجامة في

الخزانة حتى تجد وقتا لإنزالها , أغلقت الباب ونظرت لنفسها في المرآة

ورغم قصر الفستان المبالغ فيه اختارت أن تلبسه تحديدا كي يراها كأي

زوج غيره في الحالك , انفتح باب الحمام فقفزت ملتفتة للخلف فلم تتوقع

خروجه سريعا ومن غبائها نسيت أنه ما من شيء يؤخره لا شعر طويل

ولا ..... شهقت بقوة حين أدركت أن ما يغطي جسده منشفة حول خصره

فقط فلم تشعر بنفسها إلا وخطواتها تتراجع بها للخلف حتى كانت عند

نافذة الغرفة تهرب بنظرها للأرض من هيئته ونظراته لجسدها وفستانها

القصير لازال واقفا عند باب الحمام وما أن تحرك من مكانه حتى غطت

وجهها بيديها وخرجت ضحكته الجهورية المبحوحة مالئة الغرفة وقال

متوجها جهة الخزانة " نسيت أن ادخل معي ثيابا , سأعود للحمام

فلا تقفزي من النافذة وتفقدي حياتك "

ولم تستطع رفع يديها عن وجهها حتى تأكدت من دخوله له رغم

أنه لم يغلق الباب , عدلت شعرها وخصلات غرتها خلف أذنيها

وأنفاسها المتوترة لحظة ما خرج بالبنطلون فقط وكان منشغلا

برمي المنشفة , عضت طرف شفتها وأنزلت رأسها متمتمة

بهمس " وما الذي ستره بهذا البنطلون القصير ؟ لقد خدعني "

سمعت خطواته تقترب فرفعت يدها جهته صارخة

" لا مطر انتظر "

وقف مكانه ينظر لها مبتسما من خوفها وحيائها , أمسك وسطه

بيديه وقال " أنتظر ماذا ؟ ثم ألم نتفق أن أجدك فوق السرير "

شعرت بذاك الدوار القوي وأحشائها تتقلب فالتصقت بالنافذة أكثر

وأشارت بإصبعها لسرير قائلة " أجلس أنت هناك أولا "

نظر لها نظرة تفهمها جيدا فقالت " لن أهرب منك مطر فافعل

ما قلت "

هز رأسه بلا مبتسما وتحرك نحوها فمدت كلتا يديها قائلة

" مطر توقف ثمة ما علينا التفاهم فيه أولا "

رفع رأسه ناظرا للسقف وعض شفته بقوة ثم نظر لها وقال

" نتفاهم في ماذا بالله عليك يا غسق ؟ توقفي عن اللعب

بأعصابي "

أشارت للسرير مجددا وقالت " اجلس هناك مطر أرجوك "

تنهد باستسلام وتوجه للسرير وجلس في جهته منه متكئ على

ظهره ناصبا إحدى ساقيه وقد أرخى ذراعه على ركبتها ومادا

الأخرى وقال ناظرا لها " تذكري فقط أني أنا من جلست

أنتظرك على السرير "

خرجت منها ضحكة صغيرة وتابع وقد اتكأ برأسه للخلف

" ها أنا أسمعك يا غسق ما الذي سنتفاهم عنه ؟ "

قالت دون مقدمات " أنجوانا "

قال بضيق " يا أنجوانا تلك التي تعرف كيف تتعس حياة البشر ؟

أخبرتك أن تخرجيها من رأسك فلا مكان لها في رأسي من أساسه "

اشتغلت نار الغيرة بداخلها مجددا ما أن خرجت حروف اسمها من

بين شفتيه وقالت بضيق مماثل " لكنها لم تخرج من رأسي أنا

واشرح لي الآن لماذا رفضتها منذ ثلاثة أعوام ووافقت هذه

المرة على الرقص معها "

تنفس بقوة وقال ببعض الحنق " لم أرقص معها يا غسق لا

تقلبي الحقائق "

لم تخفى عنه نظرتها المليئة بالأسى وعبوس ملامحها الفاتنة من تأثير

جوابه فتنهد وقال " منذ ثلاثة أعوام وفي زواج الابن الأوسط لزعيمهم

وفي ذات الموقف كان ردي عليها وبوضوح أني لا أراقص امرأة لا

تحل لي وتلك العبارة كانت سببا في ضحك النساء وصياح الرجال وقد


جرت الدموع على خديها من إهانتي لها وغادرت غاضبة وتسببت

بإشعال حريق بسبب إحدى الشموع عند المنصة وأصيبت ساقا العروس

بحروق وانقلبت تلك الليلة من زواج لمأساة وقالت أن ذلك حدث بالخطأ

لكنها كذبت فيه ولم أرد للأمر أن يتكرر الآن وأن تؤذيك أنتي هذه المرة

بدلا عن عروسهم وعن حفل الزواج , ولم تكن رقصة تلك وأنتي

تعرفين ذلك جيدا "

أنهى حديثه وشرحه لما حدث لكن شيئا من ملامحها لم يلين ولا

عبوسها ذاك فابتسم لملامحها الآسرة حتى في أوج حزنها وضيقها

وفي غيرتها تلك التي لم تخمد , مد يده لها وقال مبتسما " تعالي هيا

وسأثبت لك من التي تعنيني حقا "

قالت متجاهلة كل ما قال " ما الذي قالته لك قبل أن توقف

رقصتها السخيفة تلك "

جاهد نفسه ليصبر فعليه توضيح ما تريد كي لا يكون عقبة بينهما

مستقبلا واعترف بأنها أصابت في أن اختارت أن تستوضح عما

يقلقها قبل أن يجمعهما سرير واحد , قال بهدوء " قالت زوجتك

تبدوا مستاءة مني , هذا فقط ما قالته "

ضحكة صغيرة ساخرة ما خرج منها وقتها عبرت فيها عن

مرارتها وقالت " وتهتم حقا إن كنت تضايقت منها ! "

فتح فمه ليتحدث فسبقه قائلة " وما كان جوابك أنت ؟ "

حرك رأسه مبتسما وقال " يا فضولية أنتي ! أيجب أن تعلمي

الحوار كله ؟ "

قالت بضيق " بلى ولن أتخيل بأنك ستكذب عليا يا مطر "

غادر السرير ودار حوله متوجها نحوها حتى وقف أمامها تماما

وأمسك وجهها بيديه ينظر لعينيها اللامعة بسبب حبس دموعها

ولنظرة القهر فيهما وقال بصوت ناعم فخم " أخبرتها أن

زوجتي لن تتضايق من امرأة أقل منها في كل شيء "

راقب اللين التدريجي في ملامحها المشدودة وتابع " وأخبرتها أنه

إن تكرر ما حدث في زواج ساجي فلن يرحمها أحد من عقابي هذه

المرة , فقط لأكون صادقا معك كضنك بي فلم انقص حرفا واحدا "

أرخت نظرها ورفعت يديها وحضنت بأصابعهما عنقه نزولا

لصدره وهمست " لا تفعلها مجددا يا مطر "

شعرت بذبذبات تلك الضحكة المبحوحة في ضلوع صدره تحت ملمس

يديها وقد طوق خصرها بذراعيه وشدها له ومال لأذنها هامسا

" وهل ثمة مجنون يعيد ذكرى جحيم تلك الليلة ! لكني أردت

حقا أن أراك مجددا بفستانهم ذاك "

عضت طرف شفتها وطوقت عنقه بذراعيها ناظرة لعينيه وقبلت

شفتيه قبلة صغيرة وهمست " لا مانع لدي لكن ليس في خيمتهم

تلك طبعا "

ضحك ورفعها من خصرها بذارعيه المطوقة له وتبادلا قبلة عميقة

طويلة لم تنتهي إلا برميه لها على السرير ضاحكة تبعد شعرها

عن وجهها



*

*




" أصمت "

صرخ فيه بعنف مسكتا له ولم يتركه حتى ينهي حديثه فقال

ذاك بهدوء حذر " أبي أسمعني للنهاية أولا "

صرخ شراع بغضب أعنف " ما الذي تريد أن أسمعه للنهاية يا

ابن شراع ؟ ماذا تريد مني ؟ أن أصفق لك مشجعا ! "

كان سيتحدث لولا سبقه والده قائلا بذات غضبه " تتزوج في السر

يا كاسر ! ومن نساء الحالك ! أنتم من يفترض بكم أن تعالجوا

قضايا ذاك الزواج الفوضوي أبناء شراع صنوان ! وأنا من كنت

أرسلك للحدود مطمئن البال أن الأمور هناك تحت أعينكم

وأنت ترتع وتنام في أحضان النساء "

صاح الكاسر باعتراض مستنكرا " لم تربيني على التسكع مع النساء

لقد تزوجت كما شرّع الله وأحل ووليها من زوجني إياها برضاه

أنا لم أرتكب جرما , الزواج لم يكن يوما جريمة إلا عندنا "

صفق شراع يديه ببعض هازا رأسه بعدم تصديق وقال بسخرية

تنطق مرارة " تعالوا واسمعوا ما يقول ! إن كنت لم تجرم

فلما كان الأمر سرا يا حبيب والدك ؟ "

قال بمرارة أشد " لأنه لا سلطة لدي كمطر شاهين أتزوج من خارج

قطري في العلن وأضرب أراء الناس عرض الحائط "

علا صوت شراع مجددا " ذاك ابن عمها يا أحمق ويعلم عنها فلا

تقارن نفسك به ، أخبرني متى منعتك من الزواج لتتزوج هكذا "

قال من فوره " ما كنت لتسمح بأن أتزوج من أريد ، لقد رضيت

بحرماني منها لا أراها إلا أيام وجودي عند الحدود , لو كنت

أعلم بما سيفعله ابن شاهين ما تركتها عادت لحدودهم "

انفتح باب المكتب ودخلت منه عمته وأغلقت الباب خلفها فورا

وقالت بملامح شاحبة مذعورة " ما بكما لما كل هذا الصراخ ؟ "

قال شراع مشيرا بيده للواقف بجانبها " تعالي لتسمعي الترهات التي

يلقيها ابن شقيقك , تزوج سرا من امرأة من الحالك ويريد جلبها

هنا , وبكل جرأة يريد أن أطلب ذلك من ابن شاهين "

نظرت له بصدمة فاغرة فاها لم تستطع الكلام ولا إغلاقه وصاح

الكاسر " زوجتي لن أنكرها وأريدها هنا وإن جلبتها بنفسي "

أشار شراع لباب المكتب بإصبعه صارخا بعنف " أخرج من هنا

الآن ويوم تضع عقلا في هذا الرأس الفارغ تأتي هنا لنتفاهم مع

ابن شاهين لتوثق طلاقك لها ولا تحلم بجلبها لصنوان , لسنا

في باب كل هذه المشاكل الآن "

نفض ذاك سترته وخرج يردد غاضبا " لن أطلقها ولو قتلتموني

قسما وأنا ابنك الذي ربيت بنفسك "

وغاب خلف الباب وتهاوى ذاك الجسد الصامد على الكرسي خلفه

وتحدثت الواقفة هناك قائلة بصدمة " حقيقة هذه أم أتخيل ! "

صرخ شراع بغضب ضاربا الطاولة تحته براحة يده بقوة " حقيقة يا

جويرية حقيقة قتلني بها وكأنه ينقصني هموم , يتزوجها ويدخلها

لصنوان كلما كان عند الحدود وحتى عقد زواجه منها موثق في

الحالك بورقة بالية وجاء الآن بكل جرأة يريد جلبها هنا

متناسيا ما سيلقى وألقى معه "


قالت من فورها وبوجه شاحب " هل لديهما ابن أو

حاملا منه ؟ "

دفن رأسه في يديه وقال بضياع " لا أعلم ولا تقوليها يا جويرية

حلفتك بالله لن نضيع نسب ومستقبل طفل هناك "

وغابا في صمت قاتل غيم أفكارهما بسواد قاتم أخرجهما منه

صوتها قائلة بضياع " والحل الآن يا شراع ؟ "

كان سؤالها أقسى على قلبه من الواقع ذاته فقال بصوت أجوف

" لا حل سوى أن يطلقها بعقد مسجل هذا إن رضي ابن شاهين

توثيقه أو استمع لنا من أساسه , عليه أن لا يضيع مستقبل تلك

المرأة ... هو هنا وهي تفني عمرها هناك لا تجد حتى من

يتزوجها أو يعترف بزواجها منه "

هزت رأسها بأسى وقالت بتعاسة " لن يرضى ، لا أراه يوافق

ذلك من أساسه "

وقف حينها رعد أمام باب المكتب وصاح بوجه مذعور مصدوم

" اتصل بي أحد جنودنا عند حدود الحالك وقال أن جبران ورماح

رفعا السلاح في وجهي بعضهما بعد خصومة كبيرة بينهما هناك

وجبران ينوي دخول الحدود وقد فر منه ورماح لحق به "

شهقت عمته بقوة ووقف شراع على طوله ودار حول المكتب قبل

أن يتهاوى ممسكا بطاولته وركضا كليهما جهته صارخان


*

*



مرر أصابعه في شعره حتى لامست الوسادة تحت رأسه وعاد

عقله لاستجلاب صور ما حدث منذ ساعات فابتسم ونظر جانبا

ثم سرعان ما غضن جبينه باستغراب للحظة وخيل له أنها ليست

هناك قبل أن ترجع تلك لابتسامة لترتسم على شفتيه وتحولت

لابتسامة ماكرة وهو يمد يده وجسده مدخلا لها تحت الملاءة

حتى شعر بملمس بشرتها الناعمة فابتعدت عن يده سريعا

لطرف السرير وخرج صوتها فقط " لا تقترب مني "

أمسك ضحكته وقال " اخرجي من تحت الوسائد ولا

تسقطي من السرير فتنكسر عظامك "

خرج صوتها مجددا قائلة بضيق " لا أريد وابتعد عني "

جلس وبدأ بسحب الوسائد عن رأسها ورميها قائلا بابتسامة

" من هذه التي لا تريد ؟ لتريني وجهها لأرى "

تمسكت بآخر وسادة متبقية بذراعيها بقوة مخفية وجهها فيها

لا يظهر منها سوا ذراعيها وكتفيها العاريان وشعرها المتناثر

بسبب إبعاده للوسائد ، حاول سحبها منها قائلا بضحكة

" أفهميني فقط ما بك ؟ "

تمسكت بها أكثر قائلة " لم يخبرني أحد أن الأمر هكذا

لن تلمسني مجددا أبدا "

خرجت ضحكته مرتفعة وأمسك ذراعها وقال ساحبا لها جهته

" من هذا الذي أخبرك وماذا قال لك ؟ "

صرخت تحاول الابتعاد عنه فتركها وغادر السرير ضاحكا ودخل

الحمام فرمت الوسادة وقفزت مغادرة السرير لبست ملابسها سريعا

وغادرت الغرفة هاربة من مواجهته الآن على الأقل ، نزلت السلالم

ونظرت للجالسة على الأريكة وقد رفعت نظرها لها مبتسمة وقالت

" لا تقولي أنه مصاب هذه المرة أيضا ؟ "

ابتسمت لها وركضت جهتها وجلست بجانبها وحضنتها بقوة

رأسها يتكئ على كتفها فضمتها تلك بذراعها وقالت بسعادة

" هل نقول مبروك هذه المرة "

خبئت وجهها في كتف عمتها هامسة بحياء " نعم "

فضمتها بذراعيها وقالت بسعادة " مبارك لكما بنيتي

لقد أطلتماها كثيرا "

ثم تابعت بضحكة " ثلاث أشهر لتجمعكما غرفة واحدة

فكم ستحتاجان لتنجبا لنا طفلا ؟ "

ضحكتا معا وهمست تلك ولازالت تختبئ في حضنها

" ما كانت لتكون من ثلاث أشهر كما الآن عمتي "

هزت تلك رأسها بنعم ماسحة على شعرها بحنان فهي تعلم ظروف

زواجهما وكيف كان وكيف كانت ستكون تلك الليلة على قلب هذه

الصغيرة لو أنها لم تؤجل حتى الآن , ابتعدت عنها ما أن وصلهما

صوت النازل من السلالم يتحدث في هاتفه ويبدوا أحدهم يستعجله

نظرت لها عمتها وقالت بضحكة " عليك أن تعتادي أمرا وهو

أن الباب والسلالم خط عبور واحد لديه لا تريه إلا مارا منهما

ولا يرى أحدا في طريقه "

عضت طرف شفتها مبتسمة ومحركة كتفها برقة ونظرت له

ينزل آخر السلالم والهاتف على أذنه ناظرا جهة الباب ونادت

" مطر "

فوقف مكانه والتفت جهتهما ناظرا لها فابتسمت له تردد في

قلبها دعاءا صامتا أن لا يخذلها وتنهدت براحة حين غير مسار

خطواته جهتهما رغم أنه لا يزال يتحدث في هاتفه حتى وصل

عندهما ومد يده لها فأمسكت يده ووقفت لسحبه لها وسارا جهة

الباب لافا ذراعه حول كتفيها قائلا لمن في الطرف الآخر

" سأتصل بك بعد قليل يا عكرمة "

على النظرات الحنونة للمبتسمة الجالسة خلفهما تراقبهما في

حديثهما الهامس مبتسمان حتى وصلا الباب وتمتمت بسعادة

" لا فرق الله بينكما ولا أبكى عيني على أحدكما "


*

*


ما أن انفتح الباب حتى توجهت نحوه وأمسكت بيد الذي دخل منه

قائلة بقلق " كيف تتركني كل هذه الساعات أتأكل يا رعد ؟

ماذا حدث معك وكيف هوا الآن ؟ "

هز رأسه قائلا بحزن " لم يفق عمتي لم يفق حتى الآن والطبيب لم

يطمئني بشيء وضغطه لم ينخفض حتى الساعة , لو كنت أعلم

أن ذلك سيحدث ما أخبرته حتى ذهبت لهما بنفسي أولا "

مسحت دمعتها بطرف كفها وقالت بأسى " قدر الله وما شاء فعل

فوالدك صحته أصبحت تسوء منذ فقد غسق وحديث الكاسر اليوم

زاده على ما به , لازال سنه صغيرا على الانهيار هكذا

لكن جسده ما عاد يتحمل الصدمات "

كان سيتحرك من مكانه فأمسكت يده أكثر قائلة

" وماذا عن إخوتك ؟ "

مرر أصابعه في شعره الغزير وقال بحنق " لا شيء عن ثلاثتهم

عمتي عليا البحث عنهم وعليا البقاء بجانب والدي وأن أخرج للمجلس

الذي يعج برجال القبيلة وجاءوا للاطمئنان عليه ولم أعد أعرف

كم سأقسم نفسي بينهم وما سأفعل "

قالت بحنان ماسحة بيدها على ذراعه " أخرج لهم أولا وأخبرهم أن

يطمئنوا وأنه بحال جيدة , لا نريد أن نجزع الناس فلا تنس أنه زعيم

قبائلنا جميعها وأن الأوضاع متأججة بلا أسباب , ثم اذهب للبحث عن

أخوتك ووالدك سيقف عماك بجانبه وهم من الحكمة أن يعرفوا جيدا

طريقة التصرف في مثل هذه الأمور "

هز رأسه بحسنا وغادر من عندها فقد رأى رأيها عين الصواب

وعليه البحث عن الكاسر على الأقل ليجدا أخويهما وما فعلا ببعض

ولا أحد يعلم عنهما منذ اختفيا عند خط الحدود وأخبر آخر من

رآهما هناك بعد مغادرتهما المقر




*

*



رفعت يداها الصغيرتان وذراعيها المكشوفتان عاليا ودارت حول

نفسها ببطء ثم فردتها جانبا تدور وتغني دون توقف وشعرها البني

تتلاعب به الريح تغمض عينيها تارة وتفتحهما تارة أخرى وتنظر

تارة للجالس هناك مستندا بظهره على جدار غرفته ووالدته ناصبا

إحدى ساقيه ومادا الأخرى على الأرض حيث يجلس وسترتها

الصوفية الصغيرة مثلها مرمية بجانبه يراقب رقصتها الغنائية منذ

وقت وكل قليل تخبره أنها ستنتهي قريبا ولا بوادر لذلك كما يرى

غاب بتفكيره بعيدا لحديث عمير عن حبيبته وعبست ملامحه فجأة

( هل يستمتع حقا بثرتها إن كانت كماريه !! ما الممتع في كل هذا ؟ )

هو لا ينكر أنه لو كانت غيرها ما تحمل حديثها ولا لخمس دقائق

وما كان ليتحدث معها ولا يلعب معها أيضا ولن ينكر أنه لا يحب

رؤيتها تبكي أو حزينة وإن لم يظهر لها ذلك لكنه لا يفهم لما

يسمي ذاك الشاب هذا بأنه حبا !! مالت بجسدها ناحيته ويديها

جانبا ناظرة له وقالت مبتسمة " انتهت الرقصة "

فصفق لها مبتسما وقفز واقفا وقال " في المرة القادمة اجعليها

أقصر ستكون أجمل حينها "

قالت بسعاة وبراءة " حقا هي جميلة "

رفع سترتها الصوفية وقال وهوا يلبسها إياها " نعم "

أخرج لها شعرها من تحتها بعدما أنهى إلباسها إياها على صوتها

الرقيق قائلة بابتسامة " عمتي قالت بأنها ستعجبك "

كان سيتحدث لولا أوقفه صوت السعال المخيف لوالدته ومناداتها له

بصوت منقطع فقفز راكضا جهة باب غرفتهم ودخل ليفاجأ بالدماء

التي تغطي منديلها وقد وصلت لملاءة السرير فركض نحوها بخوف

وعيناه نزلت دموعها دون وعي منه قائلا " أمي ما بك ؟ أمي !! "

كان يحاول رفع جسدها المنحني ودون جدوى فخرج له صوتها

ضعيفا " الطبيب يا تيم بسرعة "

فخرج راكضا وصرخ مارا بالواقفة عند الباب تبكي " أخبري

زوجة عمك يا ماريه ولا تتركوا والدتي حتى أرجع "


*

*

دفعت كوب الشاي جهتها على الطاولة حيث تجلسن تحت أشجار

الحديقة ونظرت حبيبة التي جلست بطلب من غسق طبعا لنصيرة

وقال مبتسمة " ثمة من خرج زوجها صباحا ولم يرجع حتى

الآن وقت المغرب ! ألست معي في أنه فر منها "

نظرت لها غسق بضيق بينما ضحكت نصيرة قائلة " بل لن يغادر

حوران طوال هذا الأسبوع ولأول مرة يقرر قرارا كهذا فمن

أجل من برأيك ؟ أنتي أم أنا ؟ "

ضحكت حبيبة وقالت " قد يكون من أجل السيدة جوزاء أو عمه "

تجاهلتها ناظرة جانبا تبعد خصلات غرتها المتطايرة على عينيها

فضحكت حبيبة وقالت " أنتي أجمل وأنتي غاضبة , فهمت

الآن لماذا يغضبك دائما "

نظرت لعمتها بضيق وقالت بصوت رقيق " عمتي قولي شيئا "

قالت تلك ضاحكة " قلت لكنها غلبتي "

سمعوا حينها صوت بوابة المنزل الواسعة تفتح وسيارة يعرفونها

جيدا تدخل فقالت نصيرة ضاحكة " ها قد جاء من سينقذك منها

ويقطع لسانها أيضا "

وقفت حبيبة من فورها وقالت مغادرة بسرعة " وكأني

سمعت عزيزة تناديني "

وغادرت على صوت ضحكهما فجمعت نصيرة أكواب الشاي في

الصينية قائلة " لو أنها أخذتها معها وهي تهرب "

وضحكتا مجددا على صوت تلك الخطوات الثقيلة مقتربة من مكانهما

حتى ظهر صاحبها مبعدا أوراق الشجرة بيده عن طريق وجهه

ووصل عندهما قائلا " مساء الخير "


أجابتا معا ثم انشغل بسؤال عمته عن حالها وعن كلام عمه عما قال

الطبيب مسندا يده على الطاولة الرخامية منحن قليلا جهتها وهي تجيبه

بينما نظر الجالسة تحته كان معلقا به في الأعلى تتكئ بجانب رأسها

على كفها مسندة مرفها بالطاولة منسجمة تماما مع يقول لها تستغرب

خلفيته الكبيرة عن مرض عمته وحالتها وعن رأيه في تشخيص ذاك

الطبيب ومدى كفاءته ونظرها يتنقل من حركة شفتيه وهوا يتحدث

لعينيه المركزة على وجه عمته نزولا للحيته وفكيه القويان اللذات

يعطيان لصوته الحازم الواثق قوة أكثر , ارتجف جسدها حين مد

يده ليدها الأخرى على الطاولة والتفت أصابعه عليها بقوة ممسكا

لها رغم أن نظره وسمعه وتركيزه مع عمته وقد سحبها منها

موقفا لها قائلا ولازال ناظرا لتلك " ثمة طبيب أعصاب

جديد سيدخل الحالك قريبا وسنآخذك له "

هزت رأسها بحسنا مبتسمة وقالت " كما تريد رغم أنك

تتعب نفسك فقط وأنا رضيت بوضعي بني "

لف ذراعه حول كتفي الواقفة بجانبه وقال " لا بأس أن نجرب "

نظرت غسق لها قائلة " هل أساعدك في الدخول عمتي ؟ "

قالت تلك مبتسمة " لا حاجة لذلك سأنتظر جوزاء وسندخل معا "

فتحرك بها حينها سائران جهة المنزل وقد همس مبتسما ونظره

هناك حيث وجهتهما " أعتقد يفترض بالزوجة أن تقف مستقبلة

زوجها تسأله إن كان يريد شيئا مثلما لا تغادر غرفتهما صباحا

وهو في الحمام ويخرج فلا يجد إلا ثيابها "

رفعت نظهرها له ضاحكة وهمست مثله " سيكون ذاك سيئا أمام

عمتك وهي تتنقل بالكرسي ولا أعتقد أن ذلك يفوتك ولم تقل هذا

إلا لتضعني في موضع اتهام "

ضحك رافعا رأسه للأعلى ثم نظر لها وقال وهما يجتازان باب

المنزل " هذه ووجدت لها مخرجا الأولى ما عذرك فيها ؟ "

صعدا السلالم المحاذي للباب وقد هربت بنظرها من عينيه ناظرة

لخطواتهما ووكزته بمرفقها في خصره قائلة " تلك تعرف

سببها جيدا "

فضحك دون أن يعلق حتى دخلا الغرفة وأغلق الباب دافعا له بيده من

خلف ظهره ثم لفها جهته حتى كانت مقابلة له وأمسك يديها ورفعهما

ولفهما حول عنقه وقال ناظرا لعينيها " أخبريني الآن من هذا الذي

قال لك وماذا قال جعلك تفرين هكذا مني صباحا "

أرخت نظرها وطوقت عنقه بذراعيها مقتربة منه حتى لامس أنفها

طرف خده تشعر بأنفاسه الهادئة تلفح نعومة شفتيها وقالت بضحكة

" المصيبة أنه لم يخبرني أحد شيئا "

ضحك بخفوت وطوقها بذراعيه موزعا قبلاته على شفتيها وقد بادلته

القبلات بشغف تزيد من تطويقها لعنقه وأصابعها تغلغل في شعره تسبح

في تلك المشاعر التي لم تعرفها وتختبرها إلا معه وقد رفعها وسار بها

جهة السرير ورماها عليه فصرخت بضحكة مبعدة شعرها عن وجهها

وقالت مبتسمة وناظرة له فوقها " لما لا تتخلى عن الخشونة وتتعلم

أن تنزل المرأة على السرير برفق ورومانسية ؟ "

قال بضحكة وهو ينزع سترته " لا تقولي هذه الكلمة أمامي

مجددا كي لا أتقيء "

وما كان سيرمي تلك السترة على الكرسي حتى رن هاتفه فيها

فأخرجه وأجاب عليه بما أن جميع رجاله يعلمون أنه لن يغادر

ويمكنهم استشارته وسؤاله عن أي شيء , بينما تساندت النائمة

على السرير بمرفقيها رافعة جسدها قليلا ونظرها معلق به

وبوجهه الذي توجم بشكل مقلق بل مخيف وهو يستمع لمن في

الطرف الآخر ثم ضرب جبينه بيده ومرر أصابعه في شعره

ورفع رأسه للأعلى هامسا " لا حول ولا قوة إلا بالله لا

تقلها يا رجل "

نظرت له بريبة تسوي جلستها مبعدة شعرها للخلف ونظرها

لازال معلقا به ولازال رافعا رأسه للأعلى وأصابعه في شعره

يسترجع بالله بهمس ثم قال بحزم متجها للباب دون أن ينظر

ناحيتها " قادم لا تفعلوا شيئا حتى آتي وصلوني بصنوان فورا "

فقفزت خارج السرير راكضة خلفه وقلبها يكاد يقفز من مكانه

وهي تسمع همسه قائلا وهو يفتح الباب " ما أعظمها من مصيبة "

لتوقف خطواته يدها التي أمسكت بذراعه ولفته ناحيتها وقالت

بعينان تلمعان بسبب الدموع وشفاه مرتجفة " ما الذي حدث في

صنوان يا مطر ؟ ما هذه التي قلت أنها مصيبة ومن مات ؟ "

أمسك وجهها بيده وقبل شفتيها برقة هامسا ونظره على عينيها

" لا شيء مهم لهذا الحد , تعلّمي أن لا تفهمي من المكالمات

ما يخبرك به عقلك فقط "

ثم غادر وتركها ونزل السلالم مسرعا متجاهلا ندائها له والدموع

التي ودعته بها ولا يراها ثم ركضت للمذياع ولأول مرة تفعلها هنا

وبحثت في جميع تردداته وقنواته ولم تجد شيئا , وأمضت ساعات

ذاك الليل بحال لا يعلمه إلا الله تنتظر الذي لم يرجع ولم يرحمها

بقول شيء وحتى عمه اختفى ولا أحد يعلم أين ذهب .

قفزت جالسة على السرير الذي غلبها النعاس عليه من كثرة انتظارها

وانصهار قلبها وتعلقت عيناها بالذي دخل من باب الغرفة بعد كل تلك

الساعات التي غابها ولا تعلم أين ! لا تعلم سوى أن مكروها عظيما

حدث في صنوان ولم يخبرها عنه , تعلق نظرها بعينيه ونظرته التي

لم تعرفها فيهما سابقا وهو يقترب منها حتى جلس أمامها على السرير

وقد عجز لسانها عن الحركة وإخراج الحروف مهما حاولت ولا شيء

سوى تلك الدمعة المعلقة في رموشها ونظرها يتبع عينيه التي أخفاها

عنها بإسداله لجفنيه ومد يده لكفها ورفع مقبلا باطنه برفق قبلة طويلة

ثم رفع نظره لعينيها وقال ماسحا بكفه على شعرها " ما يبقيك

مستيقظة لهذا الوقت ؟ "

قالت وقد سقطت تلك الدمعة متدحرجة على وجنتها المتوهجة بشدة

" ماذا حدث يا مطر وتخفيه عينيك ؟ "

مسح دمعتها بإبهامه قائلا بحزم " غسق هل كنت تعذبين نفسك

هكذا منذ غادرت ؟ أنتي امرأة قوية كما أعرفك ومؤمنة "

علا صدرها ونزل بقوة وامتلأت عينيها بالدموع فورا وقد فهمت معنى

كلماته وإن رفض عقلها التصديق وعاد لسانها للتحجر وكأنها تحاول

الهرب من الواقع المحتوم , تتابعت تلك الدموع في نزولها متلألئة في

الظلام فأمسك وجهها بيديه وقال مذكرا لها مجددا من قبل أن يجيب

سؤالها " غسق أنتي امرأة مؤمنة لا تعترضي على قضاء الله "

أمسكت ياقة قميصه بقبضتيها بقوة وقالت بعبرة وعيناها الدامعة

معلقة بعينيه " من يا مطر ؟ من فقدت من عائلتي دون أن

أراه لآخر مرة وأستسمح منه "



المخرج ~

بقلم الغالية : نداء الحق

مطر

ظبية هي قد هزت اركان ثباتي
تحاورني بكل هدوء
وتناورني بكل دهاء
تهاجم وتبارز بالكلام
وتدك حصوني بدلالها وحسن ذلك
البهاء
الذي لايليق الا بها دون غيرها من النساء
عيونها غابات من السيوف
وشعرها جدائل من حرير
ونظراتها لهيب نار كانها الشمس
في أصيل تموز
فياحروف الكلام توقفي وانظمي لها
عقدا من جميل الصفات
ماذا يضر لو اننا التقينا في زمن
السلام
ماذا يضر لو اننا كنا قد اصطدمنا صدفة
تحت المطر
فسلام لك ولعينيك السلام
ولك من شيخ الشيوخ فصل الخطاب والكلام
انت جائزتي ومنتهى صبر السنين
فلن اعدم وسيلة كي تمنحيني مااريد
بكل محبة ورضا

#####


نهاية الفصل موعدنا القادم مساء الجمعة إن شاء الله



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 26-09-16, 02:07 PM   #710

bella snow

نجم روايتي وكاتبة في قصص من وحي الاعضاءوفراشة الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية bella snow

? العضوٌ??? » 348392
?  التسِجيلٌ » Jul 2015
? مشَارَ?اتْي » 2,857
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » bella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond reputebella snow has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

خربشات بقلمي أنا واختي الصغيرة

أحببتكِ طفلة منذ أن رأتكِ عيني أيا .... جمالا قمر في ظلام قدري
أخذك ابن شاهين مني وصرت له ..... وزاد شوقي لكِ وأنيني علا
قلبي يهتف باسمك أيا ... حبا سكن عروقي و دمي ولم يزدني إلا شقاء
تأبى روحي تحتملُ بعدكِ ففيه... شقائي و عذابي لذا
سامحيني اذا ارتكبتُ حماقة ... فما أنا إلا عاشق وما على العاشق حرج
أحترقُ بنار شوقي لكِ أيا .... حبا سكن ضلوعي و أبى الرحيل بعيدا لذا
اغفري لي خطيئة ستزيدكِ كرها لي وأنا
احترق بنار حبكِ أيا .. بدرا ساطعا في ليلة ظلماء
غسقٌ أنتِ وما أنا إلا جبران عشقكِ حتى الفَناء
سامحي قلبي وخذيني فداء ... أيا نورا ابتسم لي و انزوى

من جبران إلى غسق ...



لأنها انحذفت فحبيت اعيد تنزيلها هههههه


bella snow غير متواجد حالياً  
التوقيع


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:37 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.