آخر 10 مشاركات
وهج الزبرجد (3) .. سلسلة قلوب شائكة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حب في الصيف - ساندرا فيلد - الدوائر الثلاثة (حصريــا)** (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          52 - خداع المرايا - أجاثا كريستي (الكاتـب : فرح - )           »          ليالي صقيلية (119)Notti siciliane ج4من س عائلة ريتشي:بقلمي [مميزة] كاملة و الرابط (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          287 - كذبة العاشق - كاتي ويليامز (الكاتـب : عنووود - )           »          284 - أنت الثمن - هيلين بيانش _ حلوة قوى قوى (الكاتـب : سماالياقوت - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-06-21, 07:51 AM   #2831

suhiotb

? العضوٌ??? » 444547
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 76
?  نُقآطِيْ » suhiotb is on a distinguished road
افتراضي


صباحك فل يانيمو ب انتظار الفصل على احر من الجمر❤❤

suhiotb غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 09:39 AM   #2832

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 09:40 AM   #2833

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 09:41 AM   #2834

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 09:41 AM   #2835

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 09:42 AM   #2836

هبه شناوي

? العضوٌ??? » 474939
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 474
?  نُقآطِيْ » هبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond reputeهبه شناوي has a reputation beyond repute
افتراضي



هبه شناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 11:03 AM   #2837

قطرة الغيث

? العضوٌ??? » 475342
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 16
?  نُقآطِيْ » قطرة الغيث is on a distinguished road
افتراضي قوس قزح

صباح الخير يا نيمو في انتظار الفصل🔥🔥❤❤❤

قطرة الغيث غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 12:48 PM   #2838

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف الثاني والثلاثون
======
*أحمر*
======
_سمرا! لماذا تبكين هكذا يا ابنتي؟! ولماذا تجلسين هكذا؟!

يهتف بها ربيع بجزع حنون وقد خرج من شقته ليجدها جالسة على إحدى درجات السلم.. تدفن وجهها بين ذراعيها المعقوين وتجهش في البكاء.. وقد تدلى هاتف إبراهيم من إحدى كفيها!
ترفع وجهها إليه بذعر وهي تهز رأسها دون جواب فيستغفر الله بصوت مسموع وهو يجلس جوارها ليبسط ذراعه على كتفيها قائلاً بحنانه المعهود :
_وحدي الله يا ابنتي.. ماذا حدث؟! أغضبك إبراهيم؟! أشد لك أذنيه؟!

أناملها المرتجفة تمسح دموعها وهي تهز رأسها نفياً بينما تتلفت حولها ببعض الدهشة..
كيف وصلت إلى هنا؟!
هل أسلمها خوفها للهروب من شقة إبراهيم؟! كادت تعدو هاربة لكنها لم تعلم.. إلى أين؟!
لم يعد لها بيت إلا هنا!
ربما لهذا جلست هنا تبكي كقطة ضالة بلا مأوى!
يسرا الصباحي التي- بكلمة واحدة- تُفتح لها القصور تجلس هكذا تستجدي الأمان على سلم بيت قديم؟!!
لكن.. مالها ويسرا؟!
ألم تنسها منذ زمن؟!
نسيتها.. يشهد الله أنها نسيتها بكل سواد ماضيها..
فهل ينسون هم؟!

دموعها تغرق كتف ربيع الذي ما عاد يستغرب نوبات خوفها وبكائها.. ربما يتجاهل حدسه الذي يخبره أنها تخفي عنهم شيئاً.. لكنه لا يتجاهل شعوره بصدق محبتها لهم.. ومحبته هو لها..

_لن تقولي؟! ستخفين عن أبيكِ؟!

الكلمات على بساطتها تزلزلها وهي ترفع إليه وجهاً صارخاً بمشاعره إنما عاجزاً بصمته..
ليتها تملك الجرأة لتهتف بالحقيقة..
لكن.. هل سيبقى وقتها يقول أنه.. "أبوها"؟!!

وزرها الثقيل يجعلها تتمادى في الكذب هاربة من عيني العجوز المتفحصتين لتغمغم بصوت مختنق :
_لا شيء.. إبراهيم نائم وجاءه اتصال من.. من.. محامٍ ما.. خفت عليه.. هل تخفون عني شيئاً؟!

يعقد ربيع حاجبيه وهو يتناول منها هاتف إبراهيم ليميز الاسم فيقول محاولاً طمأنتها :
_إنه المحامي من طرف جنة الذي ساعدنا في الخروج من السجن تلك المرة.. وهو الذي يتولى الآن قضية الأرض التي اغتصبها ذاك المستشار.. لعله يتصل ليبشرنا بجديد في القضية.. لا تقلقي يا ابنتي..سأذهب للصلاة لم يبقَ الكثير على صلاة الظهر.

تتنهد بارتياح حقيقي فتبدو تنهيدتها كأنها ردت إليها روحها لكن.. يبقى القلق موجوداً من وجود حسام في حيز حياتها.. بينما يقف ربيع مكانه لتهتف به باعتراض:
_لا.. لن تخرج.. لم يسمح الطبيب بعد.. مناعتك لا تزال ضعيفة.

_ياابنتي.. يشق عليّ أن أسمع نداء الله ولا ألبيه في هذا العمر.. بعد كل هذه السنوات التي ابيض فيها شعري شعرة شعرة لم أخلف فيها موعد صلاة في المسجد في حر أو برد.. في سراء أو ضراء.. الآن أفعل ؟! أخشى أن تكون شارة سوء خاتمة!

يقولها العجوز بتورع تقيّ لتصيب كلماته صدرها كعهدها مذكرةً إياها بثقل الوزر المتزايد على كتفها.. لكنها تهتف بحمية حقيقية :
_إبراهيم كان يقول إن الله يحب أن نستغل رخصه كما يحب أن نؤدي الفرائض.. شيئاً كهذا.

_إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى فرائضه.
يقولها مصححاً لتهتف بانفعال :
_أجل.. أجل.. هو ذا.. وهبة كذلك.. سمعتها تقول تلك الآية (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).. صحيح؟! ليست شارة سوء خاتمة.. حاشاك.. هو ابتلاء.. والله أعلم بما قلبك.. أليس الله يعاملنا بما في قلوبنا؟! أليس كذلك؟! أليس كذلك يا أبي؟!

يراقبها بتفحص وهو يستمع لكلماتها اللاهثة التي تنطلق تعدو بين أنفاسها المتلاحقة فتبدو له كطفل يعتز بحفظ درسه أمام أستاذه.. يشعر أنها ستعود للبكاء في عباراتها الأخيرة فيفكر قليلاً ثم يتنهد باستسلام لحسن منطقها فيربت على كتفها برفق قائلاً :
_أصبتِ! سأستمع لكلامك.
_حقاً ؟!
تشرق بها ملامحها فيبتسم بحنان وهو يشير للأعلي قائلاً :
_اذهبي وأيقظي أبراهيم كي يتناول فطوره قبل الصلاة.

تنحني لتقبل كفه باحترام قبل أن تصعد للأعلى فيراقبها باسماً ببعض القلق وهو يتجاهل المزيد من شارات حدسه التي لا تخيب..

بينما تدخل هي غرفة إبراهيم ولا تزال تمسك هاتفه..
تستلقي جواره وهي تتفحص ملامحه في نومه.. أناملها تطوف بتبتل فوق ملامحه الحبيبة..
أنفها يجد ضالته هناك في تجويف رقبته.. حيث رائحته التي تذكرها بابنها..رائحة البراءة..
شفتاها تحلقان فوق بشرته بقبلات ليست كالقبلات..
هي لتضرع فقير أقرب!

_ستبقى هذه أفضل طريقة إيقاظ أحبها! أجمل "منبه" في الدنيا!

يتمتم بها عبر صوته الناعس وهو ينتبه لها بينما أحد ذراعيه يطوقها بقوة عاطفته والأخر يمسح بقايا دموع على رموشها ليهمس بقلق :
_كنتِ تبكين؟!
تهز رأسها نفياً كاذبة وهي تضم وجهه لصدرها بعمق عاطفتها هامسة:
_تعرف كم أحبك؟! قل إنك تعلم.. قلها!

لم تعد هستيريتها المنفعلة تدهشه بل صار يدمنها كما كل فيها.. لهذا تناثرت قبلاته على جيدها وذقنها للحظات قبل أن يرفع إليها عينيه هامساً بصدق:
_أعرف.. وأعرف أيضاً كم أحبك أنا.

_مهما حدث بيننا لا تشك أبداً في هذا الحب.. أنت لم تمنحني عاطفة او مالاً أو بيتاً فحسب.. أنت منحتني هوية جديدة.. حياة بأكملها وددت لو أعيش ما بقي منها لك.

ربما كانت هذه أصدق كلمات قالتها له منذ عرفته.. الحرارة اللاهبة التي ذابت فيها حروفها صهرت قلبه بالمزيد من نيران عشقه لها..

شفتاه تحطان على راحة كفها يقبل أصابعها واحداً واحداً ليهمس :
_"الدرويش" معك صار قيساً.. قيساً انتِ ليلاه! معكِ تعلمت كيف يكون حميم العشق سُقيا لظمآن!

تبتسم وهي تعاود الالتحاف بدثار عاطفته مستسلمة لنفحات الأمان..
لكن رنين هاتفه يقاطع الصمت المشتعل بينهما فتشحب ملامحها وهي تميز رقم المتصل.. حسام من جديد!
تتوقف خفقاتها ترقباً وهي تستمع للحوار..

_السلام عليكم.. أهلاً بك.. نعم.. نعم.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا.. لا بأس.. أشكرك كثيراً لاهتمامك.. بشرك الله بالخير.

يقولها لينهي الاتصال ملتفتاً نحوها بقوله :
_رجل محترم جداً! يريد إبلاغي أنه حوّل القضية لمحامٍ آخر ويبرر ذلك بظروف قاهرة.. يعتذر كثيراً و يخشى أن أتضايق.. لا أظنه فعلها مع جميع موكليه.. لكنه يفعلها لأجل علاقتي بجنة على ما أظن!

ورغم ارتياحها الشديد بما قاله لكن عبارته الأخيرة جعلتها تتوحش في غيرتها لتهتف بانفعال:
_علاقته هو بجنة لا علاقتك أنت! والحمد لله أن علاقتك بالاثنين انقطعت!

يضحك بانطلاق وهو يقبل شفتيها بخفة لينهض من الفراش قائلاً :
_لن أتجادل معك بعد هذا الصباح الجميل! خاصة وأنا أعد لكِ مفاجأة.

_أي مفاجأة؟!
تسأله باهتمام فيرد وهو يفتح خزانة ملابسه ليسحب منها بعض الثياب :
_سأخبركِ عندما أعود من الصلاة..

يقولها وهو يتقدم منها ليردف بنبرة آمرة :
_ولا تنسي مواعيد الأقراص.. لا تهاون في أوامر الطبيب

يقولها ليقبل وجنتها برقة ثم يغمزها بخفة هامساً:
_ضروري! كي لا نكدر صفو المفاجأة!

تبتسم له مهادنة لتراقبه وهو يغادر قبل أن تتجه نحو درج الكومود حيث الأقراص التي يقصدها..
(أقراص منع الحمل)!
تتكدر ملامحها قليلاً وهي ترفعها أمام وجهها تتذكر كذبتها الجديدة..
لا.. لا تتناولها بل تخدعه بادعاء العكس!
تعرف أنها قد تغامر بصحتها وأنه لا يأمرها بها إلا خوفاً عليها لكنها لن تتردد..
ستسعى بكل ما تملك لأن يكون لها طفل منه.. ولو كان في ذلك موتها!
=======
_هه؟! غيرتِ رأيك؟! زعمتِ أنك لا تحبين السفر معي؟!
يقولها إبراهيم وهو يقف بها أمام شاطئ البحر وخلفهما واحد من تلك الشاليهات معتدلة الحال في مصيف شهير يرتاده أصحاب الطبقة المتوسطة..
لترد وهي تتحسس نظارتها الشمسية على وجهها تنظر للشاطئ الذي تباعدت كراسيه مع قلة رواده في هذا الوقت من العام..

_لا أحب الزحام.. لكن الأمر يبدو معقولاً هنا مع برودة الجو.

تقولها وهي تجلس حيث أشار لها على أحد كراسي الشاطئ ليجلس جوارها قائلاً ببساطة :
_إنه اقتراح مستر ربيع.. يشعر بالذنب نحونا لأننا لم نسافر بعد زواجنا.. وبصراحة.. هو يخاف عليكِ أكثر!

_عليّ أنا؟!
تسأله بدهشة ليرد وهو يمسك كفها باحتواء فاض في نظراته :
_كلنا صرنا نخاف عليكِ.. نوبات خوفك الباكية هذه لم تعد تخفى على أحد.

_صرت مجنونة مثلاً؟!
تقولها بمرح مستنكر وهي تشيح بوجهها لكنه يمسك ذقنها ليعيد احتكار نظراتها قائلاً :
_هل تستهونين بما فعلته؟! لقد خرجتِ لتوك من عملية جراحية كبيرة.. النساء يخفن كالعادة من المرض والمستشفيات بصورة مغالية.. وأظنك لست استثناء لكنك تخفين هذا عنا لهذا يؤثر عليكِ هذا الضغط.. صحيح؟!

تكتم ابتسامتها المريرة وهي تود في هذه اللحظة لو تكشف له كل شيء..
لو تسند رأسها على صدره فتروي له حكاياتها مع "الجدران البيضاء"!
لو تخبره أنها ما عادت تخشى شيئاً ولا حتى الموت..
لكنها تخاف أن تنكشف الحقيقة فتحرم منهم!
تزدرد ريقها مبتلعة غصة حلقها وهي تكتفي بالصمت فيردف بحنان :
_تعلمين أنك منذ تزوجنا لم تثقلي عليّ في الطلبات كعادة النساء؟! هل تحتاجين شيئاً وتخجلين من الطلب؟!

تسبل جفنيها شاعرة بالمزيد من ثقل الوزر على كتفيها وهي تراه - على براءته- يحاول فهم ما يخيفها..
آه!
لو كانت يسرا الصباحي مكانها هنا لجعلت من حكايته نوادر سذاجة و عدة نكات ساخرة تتلوها على رفيقاتها في النادي..
لكنها الآن وهي سمرا تود لو تنكب على كفيه تقبلهما لعلها تقتبس من نور براءته هذه ما يزيل ظلمة ليلها الطويل!

_حبيبتي!

يهمس بها بحنان فترفع وجهها إليه ليحاول نزع نظارتها مردفاً :
_أريد النظر لعينيك..
_لا!
تهتف بها بخوف عفوي مخافة أن يراها أحدهم هنا فيتعرف إليها.. خوف لم يكن له ما يبرره فمعارفها من الطبقة المخملية لن يرتادوا مكاناً بسيطاً كهذا.. لكنها لم تكن تحب المغامرة..
يعقد حاجبيه ببعض الدهشة فترد بكذبة :
_لا أدعي الغرور لكن جمالي ملفت كما تقولون.. لو نظر لي أحدهم فستتشاجر معه وأنا لن أخاطر بإفساد رحلتنا.. دعني هكذا أفضل.

تقولها وهو تسحب مقدمة وشاح رأسها ليداري وجهها أكثر فيبتسم وهو يربت علي رأسها باستحسان قائلاً :
_معك حق.. هكذا أفضل.

_أم الخلول.. أم الخلول..

تصيح بها المرأة التي تحمل صحفة كبيرة حوت تلك الصدفات شاحبة اللون.. ليقوم إبراهيم من مكانه فيشتري منها بعضها..
يعود إليها لتهتف به بدهشة :
_ما هذه؟!
_لا تعرفينها؟!
يقولها باستنكار لتهز رأسها بجهل فيهتف بحمية مرحة:
_نهار أبيض! ألا يوجد من لا يعرف "أم الخلول" بجلالة قدرها؟!
_تؤكل؟!
تقولها بتوجس فيضحك وهو يفتح إحدى الصدفات ليقربها منها هاتفاً :
_لو سمعك مستر ربيع فسيغضب منك كثيراً! الحاجة "أم الخلول" هذه الراعي الرسمي للمصايف والبديل الرخيص للجمبري والكابوريا.. فوائدها لا تحصى.. كفى أنها.. تعالي تعالي.. هذا كلام لا يقال هكذا..

يقولها ليقترب منها فيسر في أذنها حديثاً تحمر له وجنتاها بخجل حقيقي يخصها ك"سمرا" بعيداً جداً عن وقاحة ماضيها كيسرا.. تكتم ابتسامتها لتلكزه في كتفه هامسة :
_لم أعلم أنك تقول مثل هذه الأشياء!

_(الشقاوة فينا بس ربنا هادينا)

يقولها ضاحكاً ووجنتاه تشاركان وجنتيها حمرة خجل تعشقه فيه ليشاركها تناول ما يأكلانه بتلذذ فتكاد تقسم أنه أروع ما ذاقته معه..

_نتمشى قليلاً؟!
يقولها وهو يقف ليعانق كفها فتسير جواره على رمال الشاطئ الذي بدا لها بلا نهاية..

_أخلع نعليّ مثلك؟!
تقولها برجاء وهي تراه يسير حافي القدمين لكنه يهز رأسه معترضاً :
_لا! لا يري أحد قدميكِ!

فتشير حولها قائلة بالمزيد من الرجاء :
_صار الشاطئ شبه خالٍ.. لأجل خاطري يا إبراهيم.. أريد التجربة..

يبدو التردد على ملامحه فتقف عن السير لتقول باندفاع:
_هبة قالت لي أن بعض الفقهاء أفتوا أن قدم المرأة ليست بعورة!

_الله! الله! (علمناهم الشحاتة سبقونا ع البيبان)!
يهتف بها باستنكار مرح وهو يجذبها لتعاود السير فتضحك وهي تعاود رجاءاتها :
_لأجل خاطري.. أنا.. حبيبتك!

يتنهد بحرارة وهو ينظر حوله فيرى أقرب الموجودين على مسافة بعيدة منهما فيهز لها رأسه موافقاً على مضض..
تخلع نعليها فينحني ليحملهما عنها في حركة خطفت قلبها.. تتأبط ذراعه وهي تشعر بدغدغة رمال الشاطئ لباطن قدميها..
ورغم البرودة المتوسطة التي حملتها لها الرياح لكنها كانت تأنس بهذا الدفء جواره..

_تشعرين بالبرد؟

يسألها بقلق حنون وهو يضمها إليه أكثر لتهز رأسها نفياً وهي تنظر للشمس البعيدة :
_معك حق.. كنت أحتاج فعلاً نزهة كهذه.

_تحبين رائحة البحر مثلي؟!
يسألها وهو يميل رأسه على رأسها في سيرهما لتخفي وجهها في كتفه بنفس عميق يليق بقولها :
_تصدقني لو قلتلك : لا رائحة تطغى على رائحتك وأنت معي.

فيضحك بانطلاق وهو يمازحها بقوله:
_رائحتي هذه صارت هوسك! صرتِ مدمنة!

"مدمنة"!
_قتلتِ ابنك يا مجرمة!

تقف عن السير فجأة وهي تشعر من جديد بألم الصفعة يدوي طازجاً على بشرتها كذاك اليوم..

_حبيبتي! لماذا توقفتِ ؟! هل ضايقك مزاحي؟!

صوته الحنون يعيدها لواقعها فتتكلف ابتسامة وهي تعود لتدفن وجهها في كتفه ليستأنفا السير..

يتوقف أخيراً عندما يلمح غصناً جافاً قريباَ يتناوله ليرسم شكل قلب على الرمال فتضحك وهي تتوقع ما سيكتبه..

_ابراهيم و.. سمرا..

سمرا ؟!
سمرا!!

تشرد ببصرها قليلاً ثم تتناول منه الغصن ليفاجأ بها تطمس أثر اسمها فلا تبقي منه سوى..

_را..! أحبها كما يقولها سامي! أقرب لقلبي!

تقولها مفسرة وهي تعود لتعانق ذراعه بكلا ذراعيها فيبتسم وهو يهمس لها بصدق حار :
_لا تهم الأسماء.. ما يعنيني أنك أنتِ!
_حقاً ؟!
تهمس بها بشرود فيهز رأسه بتساؤل لتردف بضحكة مختنقة:
_أخاف أن أطلب منك وعداً بهذا فتقول أنني شديدة التطلب!

يضحك وهو لا يفهم مغزى ما تقول لتتنهد وهي تردف مغيرة الموضوع:
_على ذكر سامي.. متى ستبدأ سندس علاجها؟!
_بعد غد.
_سامي سيبقى معنا.
_أعرف كم سيسعدك هذا.. حتي أني أشك أنك ستعيدينه لشقيقته بعد أن تتم علاجها.
يقولها بمرح لتسأله بتردد :
_سامح سندس يا إبراهيم وعد للحديث معها.. هي تشعر بالذنب أمامك أنت بالذات .. أعرف أنك حانق على تصرفها لكن.. المسامح كريم كما يقولون! الفتاة صغيرة السن و...

_كانت تخدعني يا سمرا! تكذب عليّ وعيناها في عينيّ.. تدعي أنها تخرج لشراء أشياء للكشك وهي ذاهبة لتبتاع ذلك السم.. كانت تترك سامي معنا أحيانا في الفرن بدعوى مرضها وهي تريد فقط الانفراد بنفسها كي تحظى بانتشائها المحرم.. أنا للآن لا أصدق أنها خدعتني وخدعت أبي.. كيف أثق فيها بعد الآن؟!

كلماته تخرج منفعلة فتبدو لها كسياط تصيب جسدها هي..
لتهمس بشحوب عبر نبرتها المختنقة:
_لن يشفع لها شيء عندك؟! أي شيء؟!

_دعي الأمر للزمن..
يقولها باقتضاب كارهاً مضايقتها.. قبل ان يشير فجأة نحو عربة مثلجات مارة على الشاطئ قائلاً :
_أحب هذا! أي مذاق تفضلين؟!

_اختر لي!
تقولها بدلال وهي تستأنف السير معه.. لا تحب تناول مثل هذه الأطعمة المكشوفة لكنها معه تغامر بأي شيء.. تتلذذ بكل ما كانت تأنف منه من قبل.. تتعلم كيف يكون العالم أفضل بعيون من نحب..

يعودان للشاليه أخيراً ولم يكد يغلق الباب خلفهما حتى جلس بها علي المقعد القريب ليستقر بها فوق ساقيه..يمد يده ينتزع عنها نظارتها الشمسية قائلاً :
_افتقدت عينيكِ.

تبتسم بعمق عاطفتها وهي تشعر بقبلاته على عينيها..
كل قبلة كضمادة.. تهون جرحاً من ماضٍ قديم..
تعانق وجنتيه براحتيها لتهمس له برجاء:
_تذكر دفترك القديم؟! ذاك الخاص بالحروف؟!
يبتسم وهو يزيح عن شعرها وشاحه مستمتعاً بإسداله على كتفيها قائلاً بمرح :
_ذاك الذي سرقتِه من غرفتي وفضحك زرك الأحمر؟!
تبتسم وهي تشعر بحلاوة الذكرى لتهمس له بضراعة :
_حرف الياء.. أكمله.
_لا.. طبعاً.. ولماذا أفعل؟!
يقولها باستنكار لتهتف وهي تنثر المزيد من قبلات الرجاء على وجهه :
_أخبرتك أنه لا يليق بك نقصان.. لأجل خاطري يا إبراهيم.

لكنه يبسط سبابته على شفتيها ليهمس بحسم :
_لو رأيتِ هذا الدفتر ثانية مزقيه.. أنا الآن أعرف حبيبتي بأي حرف تبدأ.

_حقاً؟!
_حقاً.
خيبتها المريرة الساخرة تقابل حسمه العاشق وهو يحملها بين ذراعيه ليذهب بها لغرفة نومهما فتبتلع كل هواجسها مكتفية بنعيم قربه ولو كان شعورها به مؤقتاً..
تبتسم وهي تتشبث بذراعيها في عنقه مناجيةً عينيه بكل هذا الفيض من الحب الذي لم تعرفه إلا له..
"العندليب الأخرس" في عينيها لا يزال حبيس غصنه لكنه لا يزال يقسم لنفسه أنه يوماً سيحرره.. تشعر به يرقدها فوق الفراش فتهمس باسمه بنبرة عاشقة لا تتعمد إغواءها ليميل على أذنها
هامساً بمرح عابث:
_ذكريني ماذا كنت أقول لك عن "أم الخلول"!
======












======
*بنفسجي*
=====

_أرسلت في طلب هذا لك كي تنام عليه .. وهناك بعض الهدايا الأخرى ستصل في الصباح..ما رأيك؟!

يهتف بها حسام مخاطباً سند الذي وقف مبهوراً يتطلع للفراش الجديد أمامه على شكل سيارة كرتونية شهيرة وقد تشكل أحد جانبيه بشكل يتيح إمكانية تزحلقه عليه..
هذا الذي فعله الصغير وهو يعيدها مراراً ليعلو صوت ضحكته وهو ينزلق من فوق الفراش لأسفله فتبتسم ديمة برضا حقيقي قلما يكسو ملامحها وهي تتقدم من الصغير لتعانقه فيجلس بها على طرف الفراش ثم يرفع باطن كفيه بهذه الحركة المميزة نحو حسام الذي ترتجف ابتسامته كرجفة قلبه وهو يقترب بدوره..
يجلس جوار سند ليبسط ذراعه فوق كتفيه فينتبه لنفور ديمة العفوي وهي تبتعد بكتفها قبل أن تبتلعها دوامة شرودها..

_أعجبك؟!
يسأل سند متجاهلاً غصته بالخاطر الأخير فيرفع إليه الصغير عينين ناطقتين.. وشفتين عاجزتين!

هذا العجز الذي يغرس نصله في قلب حسام وهو يتذكر أنه كان السبب فيه..
هل يكفيه ندم العمر على شيء كهذا؟!
المزيد من الحطب فوق الحطب!!

ذراعه يشتد ضغطاً برفق حول كتفي الصغير قبل أن يتخاذل ببطء ليسقط جواره..

وجواره كانت هي تضم سند لصدرها وهي تختلس نظرات جانبية نحوه..



_لا تخافي من قولها فلن أسيء التأويل.. ترين هذا الباب؟! يوماً ما ستخرجين منه مغادرة حياتي بلا رجعة.. ستدفنين كل ذكرى لك معي هنا كما ستفعلين بكل أوجاعك قبلي.. ستبدئين من جديد حياة تقودينها أنت ولا يفعلها سواك..


تتذكرها كما سمعتها منه نهاراً فيعود الوخز لخصرها كأنها لا تزال تشهد اعتصار كفيه لهما..
كيف هربت منه بعدها؟!
كيف احتمت بسند رافضة أي خلوة لها معه؟!
كيف رفضت بعدها أن تمنحه ولو كلمة واحدة؟!
كأنها بخلت أن تمنحه ما يرضيه.. اعترافها بالأمان معه..
بخلت.. وربما.. خافت.. لا تدري!
لم تعد تدري!

تشعر بتثاقل رأس الصغير علي صدرها فتعدل وضع جسده لتفاجأ بحسام يحمله عنها برفق ليرقده فوق الفراش ثم يرفع عليه الغطاء فيتخشب جسدها مع السؤال بصوتها المذعور :
_هل سأنام وحدي معك على الفراش الآخر؟!

تشتعل عيناه بنظرة لم تفهمها وإن أسالت النيران جحيماً بين عروقها لكن صوته بدا شديد البرود وهو يقول باقتضاب صارم :
_نعم.

_يمكنني أن أترك لك فراشك وأنام على الأريكة في الصالة بعد أن..

_لا!
يقاطع بها عبارتها بنفس الاقتضاب الصارم فتقف مكانها وقد غلب "أحمرها" "أزرقها" لتهتف بحدة :
_هل سيظهر وجهك الحقيقي الآن؟! هل كنت تدعي..؟!

تنكتم بقية كلماتها وهي تشعر بقبضته تكمم فاها فتتسع عيناها بذعر والأزرق الجبان يعاود اكتساحها.. يجمد مقاومتها.. يزيغ نظراتها.. فلا تشعر إلا وهي خارج الغرفة وقد احتكر جسدها بينه وبين الباب المغلق..
دموعها الملتهبة تبلل كفه على فمها فتشتعل أنفاسه وهو يكظم مشاعره بشق الأنفس ليهمس بصوت قوي لم يضعفه سوى احتياج عاطفته :
_صراخك كان ليوقظ الولد مذعوراً.

يقولها مبرراً وهو يزيح أصابعه ببطء من على شفتيها فيكاد استسلامها يقتله وهو يرى عبر حاجبيها المنعقدين جحيماً يوقن ألا يعيش به سواها.. وصدق ظنه!

_ديمة..

يهمس بها باسمها مراراً وهو يربت على وجنتها بلط وجل لكنها كانت غارقة في ضلالاتها بين وهم وحقيقة..

_أنا.. معك..

لا تزال الكلمة السحرية لا تفقد تعويذتها وسط كل هذا التيه..
تفتح عينيها أخيراً بإرادتها فيزدرد ريقه بانفعال وهو يقترب بعينيه من عينيها هامساً ب"طغيانه الحاني" :
_تعلمين أني لن أؤذيكِ.. اتفقنا ألا أتركك لحظة واحدة.. أما تزوجنا لهذا الغرض؟!

ترتجف شفتاها بهذه الطريقة المهلكة فلم تكن سبابته أقل ارتجافاً وهي تدور حولهما بينما يستطرد :
_دعيني جوارك.. ولن أخذلك.

حلقة الزعفران في عينيها تعود للتوهج ببطء وزرقتهما القاتمة تكاد تبتلعه بين طيات موجها فيجف حلقه وهو يشعر بمقاومته للمزيد من الاقتراب الآن ضرباً من المستحيل..
لكنه يتذكر عبارته الأخيرة فيكز على أسنانه وهو يفرغ انفعالاته في زفرة قوية ليعطيها ظهره مبتعداً..

_لو كنتِ تريدين النوم الآن فاذهبي للفراش.. لا أنام قبل الفجر على أي حال.

صوته يبدو لها منهكاً مهزوماً غاضباً وعاجزاَ كما لم تسمعه من قبل..
فلا تدري بأي نبرة خرج صوتها المبحوح :
_لم تنم منذ الأمس.
_اعتدت هذا كثيراً.

تهم بسؤال ما لكن رنين هاتفها يصدح فتشهق برعب وهي تراه يقفز ليتناوله من الجوار بخطوة واحدة..

_رقم غريب.. دولي..

تتسع عيناها بالمزيد من الرعب وأناملها رغماً عنها تقبض على معصمه باستغاثة فيفتح الاتصال دون أن يرد ليصله الصوت الأنثوي..

يتنهد أخيراً وهو يمنحها الهاتف :
_أظنها ماسة.

_هل عرفت عن زواجنا؟!
صوتها المكتوم بشهقات خوفها يكاد يصيبه بالجنون وهو يسمعها تحدث ماسة..
أناملها تزداد اعتصارا لمعصمه بقوة تصل حد الألم وأظافرها تنغرس فيه فيضمها إليه بذراعه باحتواء مطمئن لكنها تبدو غافلة عن كل هذا وهي تسمع صوت ماسة المطمئن:
_لا تخافي.. كلنا معك.. لست وحدك.. اطمئني.

_السيد عاصي عرف؟!
شحوب صوتها يزداد والجواب يأتيها عملياً في الصوات المهيب الذي تبادل مع صوت ماسة :
_لم يعد لي حديث معك.. صرتِ في عصمة رجل وحسابي سيكون معه هو.. أمانكِ عندي من أمان سند.. وكلاهما مسئوليتي.

لأول مرة يحمل لها صوت عاصي الرفاعي المهيب قبساً من السكينة فلا تجد رداً وأناملها أخيراَ تتهاوى عن معصم حسام الذي ما كاد يميز صوت عاصي حتى جذب منها الهاتف بعنف وهو يهم بالرد لكنها تشبثت به لتمنحه نظرة راجية وهي تجد كلماتها لترد منهية الاتصال :
_شكراً سيد عاصي.

لم تكد تقولها حتى تهاوى جسدها على الباب خلفها ببطء وهي تشعر بحمل ثقيل انزاح من فوق كاهلها..
على الأقل هو ليس ساخطاَ منها.. لن يحرمها من سند!

لكن حسام يرفعها من ذراعيها ليوقفها بحسم قائلاً:
_أظنك الآن تستطيعين النوم.

تهز له رأسها بحركة مضطربة وهي تبتعد عنه بنفور كأنها لم تنشد أمانها في رحابه من لحظات!

لكنه بدا متفهماً لكل هذه الفوضى وهو يفتح باب الغرفة ليهمس بخفوت:
_اتركي الباب مفتوحاً كي أطمئن عليكِ.. سأكون في غرفة مكتبي.

تطيعه دون جدال فيتنهد بحرارة وهو يتوجه نحو غرفة مكتبه المقابلة.. يراها عبر الباب المفتوح وقد استلقت على الفراش رافعة غطاءها على جسدها تتظاهر بالنوم.. يعلم أنها تتظاهر.. هذه ليست رجفة نائم!

يزفر بانفعال وهو يجلس على مكتبه.. يفتح حاسوبه المحمول وقد أدخل إليه فلاشة ما أعطاها له أحد أصدقائه في جهاز الشرطة على مسئوليته الخاصة تتعلق بالقضية القديمة التي منعه رفعت الصباحي من استكمال التحقيق فيها حتى أغلقت.. ينعقد حاجباه بتركيز وهو يتتبع الأسماء والبيانات والتفاصيل..

_رفعت الصباحي كان يعمل لحساب ذاك الرجل.. ليس وحده - فكما يبدو - الكوبرا له غطاء داخلي بجهاز الشرطة نفسه.. لكن كيف أصل؟! أين طرف الخيط وقد مات رفعت الصباحي نفسه؟!

يزفر بقنوط وذكرى رفعت الصباحي تتشابك مع ذكرى ابنته فتصفعه العبارة إياها من جديد..

_نصف رجل.. نصف رجل..

ينتفض واقفاً كأنه يهرب من الانزلاق لهذه الهوة.. هو يحتاج لكامل تركيزه الآن..
تركيزه؟!!
رغماً عنه يختلس نظرة لجسدها النائم من بعيد وقد بدا له تحت غطائها كجنة واعدة.. وجحيم متوعد..
نيران المدفأة المشتعلة أمامه تذكره بتلك الليلة التي كانت فيها هنا.. على هذه الأريكة بهذه الغرفة.. بين ذراعيه.. تخفي وجهها في صدره وتشاركه بوحها الملتهب بضلالاتها..
فأين المفر ؟!

يقبض كفه بقوة مغالباً طوفان مشاعره وهو يتحرك بسرعة خاطفة نحو الحمام القريب ليغلق بابه خلفه وقد ضبط نفسه متلبساً بتهمة.. الهرب!

لكن عينيه تحيدان لحامل فرش الأسنان الذي طالما حمل فرشاة واحدة.. والآن يبدو له غريب الشكل وقد حمل اثنتين إضافيتين إحداهما صغيرة تكسوها رسمة كرتونية..
بطة سند البلاستيكية الصفراء ملقاة على حوض الاستحمام..
جوربه الملون الصغير..
يالله!
كيف يمكن أن تكون هذه التفاصيل الصغيرة مهلكة لقلب كقلبه؟!
كيف دخل النور هكذا فجأة لجحوره المظلمة..
وكيف سيقنع بعدها أن يعود لعتمته بعد رحيلهما؟!
=======
تفتح ديمة عينيها على نور الصباح الذي دخل الغرفة.. الهواء البارد ينعش بشرتها لكنه كعهد كل الأشياء حولها ينذرها بالخوف..
_سند!

تهتف بها بلهفة وهي تغادر فراشها لتتطلع عبر نافذة الغرفة فتسمع صوت ضحكاته بالخارج مع نباح سلطانة.. وصوته هو..
حسام!

رجفة خاصة يبعثها اسمه في أوصالها ولا تريد التفكير في معناها..

_لا مرايا هنا..لا مرايا!

تتمتم بها لنفسها برضا وهي تحتضن جسدها كأنها تمنح نفسها الأمان.. تدور بعينيها في المكان حولها.. قبل أن تتحرك لتؤدي طقوسها الصباحية.. تبدل ملابسها.. تمشط شعرها الذي طال قليلاً لكنها لا تعرف كيف صار يبدو ولا تهتم.. تعود لتنظر للحديقة عبر النافذة لكن عينيها تصطدمان بانعكاس صورتها في زجاج النافذة فتشهق بذعر وهي تميز عودة أشباحها..

أسود شامت محتقر.. وأرجواني غاضب يلعنها على هذا الوهن.. وأبيض مختفٍ.. مختفٍ تماماً!

فلا تشعر بنفسها وهي تتناول أقرب ما طالته يداها لتقذفه.. فتكسر الزجاج بدوي مرتفع!

_أنتِ بخير؟! ماذا حدث؟!

لا تدري كيف ظهر بهذه السرعة ولا كيف صارت فجأة خلف ظهره لصيقة جسده يطوقها ذراعه وهو يتلفت حوله بحذر وقد شك في حدوث اقتحام للبيت..

_أنتِ من كسرتِه؟!
يهتف بها بانفعال وهو يلتفت أخيراً نحوها لتسييء فهم عبارته فتغطي وجهها بذراعيها بحركتها المهلكة هاتفة :
_آسفة.. آسفة.. سأدفع ثمنه.. صرت أملك المال.. يمكنك.. يمكنني..

تنقطع عبارتها وهي تشعر به يجذبها لصدره فتصرخ وهي تشعر بذراعيه حولها كحبلين من نار..
الرؤى تتداخل.. تتشوش..
صفعات غير حقيقية يتلقاها وجهها.. ركلات خيالية تدفع جسدها.. ثيابها تُنزع عن جسدها بيد مجهول.. فتصرخ.. وتصرخ.. وتصرخ..

_أنا معك!

متى ستفقد هذه العبارة أثرها؟!
كيف وفي كل مرة تسمعها تعيد لها أثر سابقاتها فيمطر الأمان على واديها المقفر بوحشته؟!

تنخرط أخيراً في بكاء حارق فتشعر بتربيت أنامله الحاني على ظهرها بصمت صبور فيما كان هو يرتعد ارتعادة واهنة لا تليق بقوة رجل مثله..
عندما سمع صوت دوي انكسار الزجاج توقف قلبه عن النبض خوفاً عليها..
والآن يكاد يتوقف كذلك إنما بأثر قربها الرهيب هذا!

يوما ما سيفخر بكل هذا الصبر.. سيرى فيها صورة لنفسه يحبها.. وجهاً أبيض نادراً له..
خاصة وهو يتمالك الآن كل انفعالاته ليصلها صوته بين رفق وحزم :
_أخبرتك أنني أكره هذه الحركة عندما تغطين وجهك خوفاً.. وأعرف أنك - غالباً- تكرهين عناقي هذا.. توقفي إذن عن فعلها وسأتوقف.. وإلا فسأعتبرها في كل مرة دعوة صامتة منك كي أعانقك.

لم يتصور يوماً في أقصى خيالاته أن يسمح له غروره بقولها لأي امرأة.. أي امرأة!
لكن هاهي ذي تغادر شفتيه بنفس البساطة التي تغلغلت هي فيها إلى قلبه!

يشعر بها تدفعه بوهن وعيناها الزائغتان تناظران عينيه بتشتت فيبتلع كل مشاعره وهو يسألها باهتمام :
_لماذا كسرتِها ؟!

ثم يتنهد بخفوت وهو يميز أنها ارتدت ثوبها مقلوباً فلم تنتبه كأنها لم تنظر في مرآة.. ليلهمه ذكاؤه فيجيب نفسه بنفسه :
_رأيتِ أشباحك هنا؟!

تتسع عيناها كثيراً كأنما سرها أن يشاركها أحدهم هذا الجحيم الذي تعيشه لتتمتم بخفوت :
_أنت تصدقني.. لا تتهمني بالجنون!

_ألم نتفق أن أشاركك جنونك؟!
يهمس بها بحسم فترفع عينيها إليه لتتوهج حلقة الزعفران فيهما حد الاشتعال..
يجف حلقه تأثراً لكنه يتنحنح وهو يسألها :
_نمتِ جيداً؟!
تهز رأسها وهي تكتف ساعديها مبتعدة فيركز في ملامحها باهتمام وهو يستعيد ما قالته من لحظات قائلاً:
_إنها المرة الأولى التي أسمعك تتحدثين فيها عن المال.
_أنا.. فعلت؟!

تتمتم بها بتشتت فيطرق برأسه ثم يرفعه نحوها ليقول وقد حسم أمره :
_ما رأيك في دكتور كنان؟!

وكأنما لدغتها أفعى!
تقفز نحوه لتشد قميصه بعنف ووجهها ينافس شعرها في حماره..
الكلمات ترقص رقصة ذبيحة على شفتيها الصارختين بحدة :
_كنت تكذب! كنت تكذب! كنت تدعي تصديقي.. تظنني مجنونة؟! تريد إثبات ذلك؟! ستبلغ السيد عاصي؟! كلكم تريدون حرماني من سند؟!

_ديمة!
يصرخ بها بحدة مشابهة وقد غلبه طبعه فتبتعد لتنثني على نفسها بذعر وقد عاد الأزرق الجبان يحتلها:
_آسفة.. لن أعود لأزعجك.. لا تصدقني.. أنا لا أرى شيئاً.. كسرت النافذة حيث اصطدمت بها مصادفة.. أنا بخير..

يقطع هذيانها المجنون وهو يتقدم نحوها فتتراجع لكنه يجذب ذراعها نحوه فتشهق بخوف..
يمد أنامله ليعتصر أذنها حيث فردة القرط البنفسجية بقوة رفيقة فترتجف بالمزيد من الرعب لكنه يهمس أمام عينيها :
_لو كنتِ تحبين صديقتك كما تزعمين ففكري في ابنها.. سند يحتاجك ولن يمكنك مساعدته وأنتِ بهذا الحال.. لن يحرمك أحد من سند.. لا أنا ولا عاصي الرفاعي.. أنتِ من ستفعلين هذا بنفسك لو لم تخرجي من متاهات الماضي..

يشعر بجسدها يسكن بين ذراعيه وعيناها تزيغان في الفراغ فيتنهد بحرارة وهو يحتضن وجنتيها براحتيه ليجبرها على النظر إليه مردفاً :
_لن يعلم أحد سوانا.. أنت تثقين بي.. وأنا أثق بهذا الرجل.. هو سيساعدك.. وأنا سأبقى دوماً معك.

_سيدي.

تشهق ديمة بخوف وهي تلتفت للصوت الأنثوي الذي صدح فجأة في الغرفة لتقف خلف ظهر حسام بحركة عفوية هاتفة:
_هل تراها مثلي؟! هل أتخيلها أيضاً؟!
يتنهد حسام الذي بدا مستوعباً لكل هذه الانفعالات وهو يستدير ليضم كتفيها بقبضتيه فيجبرها على التحرك للأمام قائلاً :
_الخادمة الجديدة.. أخبرتك أنني سأرسل في طلب واحدة كي تساعدك.. طاقم الحراسة كذلك سيصل بعد قليل.

تتمالك ديمة بعض شتاتها وهي تهز رأسها للمرأة التي قالت مخاطبة حسام :
_هناك مندوب بالخارج يزعم أن معه بعض الأشياء التي طلبتها.

فيصرفها ليلتفت نحو ديمة.. يربت وجنتها برفق ليهمس لها بنبرة ذات مغزى:
_ارتدي ثوبك بطريقة صحيحة.. ثم اتبعيني.
========
تقف في الحديقة تراقبهما وهو يعلم سند كيف يركب دراجته الجديدة التي وصلت لتوها..
الصغير يشعر بالرهبة أول وهلة فيتشبث بكفيها لكن حسام يعرف كيف يجتذبه بأسلوبه الغريب بين حزمه وحنانه..
هل هي نفس الطريقة التي يتبعها معها؟!

تستند على جذع شجرة قريبة وهي تكتف ساعديها تراقبهما بشرود..
السماء..خضرة الزرع.. النسيم البارد الذي يمتزج بحرارة الشمس.. نباح سلطانة الخافت وهي تدور حول صغارها.. صوت ضحكات سند الذي صار يعلو أكثر من ذي قبل..
وأخيراً.. عينيه هو.. حسام!

عيناه تراقبانها من بعيد باهتمام رغم انتباهه لما يفعله كأنه خصها بإحداهما وترك الكون كله للعين الأخرى!

فلماذا إذن لا تغمض عينيها مستسلمة لهذا الشعور بالأمان الذي صار غريباً على دنياها؟!
هدنة مؤقتة.. فقط للحظات من كل هذه الفوضى داخلها!
لن تخاف..لن تتذكر.. بل.. لن تفكر!!

تفتح عينيها بعد دقائق لا تدري عددها لتصطدم ب.. هذه!
دراجة كبيرة بلون أرجواني فاتح.. زُيّن ذراع مقودها وصندوقها الأمامي بالياسمين الذي أعادها عبقه للعزيزة الغائبة.. سوريا!

تدمع عيناها فجأة وقد فقدت كلماتها لكن ابتسامته الغريبة - مثله- تبدو وكأنها تربت على ظهرها.. وصوته ذو الطغيان الحاني يكتسب بعض المرح:
_تجيدين قيادتها؟! أم أعلمك مثل سند؟!

تعتدل في وقفتها كأنها لم تفهم ما يقول فيدفعها برفق نحو الدراجة لتركبها ولا تزال جامدة الملامح كأنها لا تعي.. لكنه يجذب كفيها برفق ليضعهما فوق المقود قائلاً بمزيج غريب من غرور قديم وحسرة مستحدثة:
_لم يخب ظني يوماً في ذوق امرأة.. أظن هديتي ستعجبك.


_لي ..أنا ؟!

صوتها يرتجف وهي تتحسس هديته بأنامل ضائعة..لكن هذا لم يكن شيئا وهي تميز هذه الفراشات المبهرة بألوان قوس قزح بين يديه ..
حقيقية ؟! تشعر وكأن ألوانها تصرخ تناديها أو...لعلها هي من تفعل !

تغمض عينيها على ماض أتاها يركض كجواد طليق ..
هواء يعانق !
ياسمين يعبق!
فراشات تحلق !

تشعر به يقترب أكثر فتمتزج رائحته بعبير الحلم البعيد ..
تفتح عينيها ساعتها ببطء لتميز الطرف المعدني الذي انتهت به كل فراشة ..ليست حقيقية ..إنما شعورها هي حقيقي!

يرفع جانبي شعرها ليثبت "فراشات الحلم " هناك ..

يالله!
منذ متى لم يفعلها أحدهم فيلملم هذا "الشعث" في شعرها ..و..روحها !
حتى هي نفسها لم تملك لهذا سبيلا!
كيف يمكنه بهذه البساطة أن يعيد لها هذا الشعور ب.."الآدمية"؟!

كيف يمكن أن تتحول الكلمات لبساط سحري يطوف بها مبتعدا عن كل بلاد الوحشة والقهر ؟!
كيف يمكن أن يحمل صوته كل هذا الطغيان ..وكل هذا الحنان ..وهو يهمس عبر الهواء الدافئ بينهما :

_كي لا يطير شعرك ..الآن ..يمكنك فعلها !

تلتفت نحوه بنظرة لم يميزها في عينيها من قبل..

حاجباها يرتفعان ببطء.. ببطء شديد.. كأنهما يتحرران من ثقل لا قبل لها به..


زرقة عينيها لم تعد قاتمة.. بل صارت أقرب لصفو سماء دون سحب..
حلقة الزعفران - حبيبته- لم تعد فقط تتوهج بل صارت أقرب لشمس آسرة تتوهه في جمالها كمجذوب..
أهدابها التي طالما أسرته رفرفتها.. الآن يحلق سرب حمامها حاملاً النور من عينيها لعينيه..
يالله!
هل يمكن أن يعشقها أكثر؟! أن يجن بها أكثر؟!

خاصة وشفتاها ترتجفان بهذه الطريقة التي تبدو وكأنها تتحدى قلبه وحده أن يفك شفرتها!

رغبته فيها تكاد تصل حد الوجع الآن لكنه يتشبث بكل مكابح قوته وهو يقول بصوت مبحوح حشرجته عاطفته :
_حدثتِني يوماً عن هوسك بالعطور؟!

ترمقه بنظرة متسائلة وهي تتذكر ما يحكي عنه.. :

_تسأل عن سر هوسي بالعطور؟! لو عشت حياة كالتي عشتها لأدركت قيمة أن تسجن بعض العمر في زخة عطر ..أن تحبس بعض الذكرى في رائحة تستعيدها متى شئت ..أن تلبث يوما أو بعض يوم في عبير يخطفك لثانية واحدة أو أقل ..لو عشت حزنا كالذي عرفته لأيقنت أن بعضهم -مثلي- قد يقنع شفتيه بتزييف ابتسامة ويقنع عينيه بأخفاء دمعة لكنه يقف راجيا أمام أنفه يستجديه عبق ذكرى يوقن أنها حتما لن تعود .

لكنه يقاطع شرودها وهو يستخرج من جيبه قنينة عطر صغيرة رش بعضاً منها على عنقها هامساً :
_أغمضي عينيك.

تطيع دون مقاومة وعبق العطر يتسلل لمسامها مع كلماته :
_ليكن هذا عطر الأمان.. في أي وقت.. في أي مكان.. معي أو بدوني.. تذكري هذه الرائحة جيداً واجعليها تتضافر مع قوة روحك.. لا خوف بعد الآن يا ديمة.. لا خوف.

تنتفش فتحتا أنفها المنمنم مع كلماته كأنما تطيع..
تطيع عن رغبة.. لا عن استسلام!
عطر "الأمان".. ليكن هذا اسمه.. وكفى!

لا تشعر بنفسها وكفاها يشتدان على المقود.. تفتح عينيها وهي تنظر أمامها فلا ترى سوى فضاء واسع يعدها أن يحتضن خطواتها..
ترفع قدميها ببطء لتقود الدراجة عبر الممر الممهد في الحديقة والذي يلتف حول البيت كله..
دورة.. اثنتان.. ثلاثة.. لم تعد تحسب..!
أسرع.. أسرع.. أسرع.. لم تعد تخاف..!
تعتدل واقفة أخيراً ولا تزال تقود رافعة رأسها كأنما تريد أن تحلق..
أن تطال السماء..
لكنها للأسف تسقط أخيراً وقد تعثرت الدراجة!

الرؤي تختلط من جديد..
تتشوش..
الألم في كفيها وركبتيها يذكرها بألم الماضي..
عبر الإطار المعدني اللامع للدراجة تميز انعكاس صورتها.. وأشباحها!

صرخاتها تتوالى وهي تشعر بالصفعات غير الحقيقية من جديد لكنها تحس بذراعي حسام يرفعانها إليه.. بين واقع وخيال لم تعد تميز صوته.. تشعر به يطهر جرح كفيها وركبتيها بين عبارات مبهمة لا تسمعها..
أين اختفت السماء؟!
أين هربت الفراشات؟!
أين ضاع عبق العطر؟!

المزيد من "أنا معك" الساحرة تداوي أذنيها لتعود للواقع من جديد..
لكنها عندما أفاقت هذه المرة كانت تقول بحسم عبر حروفها الواهنة :
_أوافق على الحديث معه.. دكتور كنان.

فيتنهد بارتياح جم وهو يسحبها من كفها برفق نحو غرفة مكتبه قائلاً :
_لن يمكننا الخروج الآن لدواعي أمننا.. يمكنك الحديث معه عبر الحاسوب.. سأدبر لك الأمر.

يقولها وهو يتحرك لينفذ ما قاله فتكتف ساعديها تنتظره.. ينتهي أخيراً ليجلسها فوق كرسي مكتبه فتميز عبر الشاشة وجه كنان المبتسم لتعاودها الرهبة فترفع عينيها لحسام قائلة :
_وحدي.

تباً ل"وحش الغيرة" الذي لم يذق جرح مخالبه إلا معها هي!
كيف يشعر بكل هذه الصعوبة أن يتركها وحدها مع رجل.. ولو على شاشة هاتف؟!
هو الذي لم يكن يجد غضاضة في غنج يسرا الصباحي أمام الناس!
هو الذي كان يحرص أن يبرز جمال دعاء للآخرين!
وهو الذي يريد الآن لو يخفي ديمة عن العيون ولو بين ضلوعه!

هل هذا هو الحب؟!
وهل يملك تفسيراً آخر؟!

ينفض خواطره العاصفة عن رأسه وهو يتحرك ليغادر الغرفة لكنه يخرج من البيت ليلف حوله حتى يصل لنافذة غرفة مكتبه فيقف خلفها متلصصاً يستمع..
لا تعنيه أخلاقية الفعل بقدر ما يعنيه أن يعرف كل تفاصيلها..
يكز على أسنانه بقوة وهو يسمعها ترجوه أن يخلصها من أشباحها.. تحكي له عن علاقتها بغازي..
دموعها تمتزج بصرخات مكتومة وهي تروي تفاصيل متفرقة عن انتهاكاته لها..
كان يتوقع شيئاً مما تقول.. لكن التفاصيل الرهيبة كانت شيئاً آخر!
ما كل هذا القهر؟!
أي وحش كان ذاك الرجل؟؟
تدمع عيناه بغضب فلا ينتبه إلا وهو يخبط قبضته في الجدار جواره فيدميها.. يكتم صرخة ألمه وهو يعاود الاستماع شاعراً بروحه تنزف معها..
رغم طبيعة عمله التي فرضت عليه التعامل مع أغلظ أنواع البشر لكن ما سمعه كان يفوق ما عرفه في حياته كلها بشاعة!
يستند بظهره على الجدار شاعراً بالاستنزاف فلا يملك حتى القوة ليذهب إليها وهو يحمد الله أن استسلم سند للنوم بعد إرهاق اللعب كي لا يشعر بغيابهما..
يبقى مكانه متخشباً حتى تنتهي من كلامها فيصغي سمعه لما يقول كنان..
تراها ستمتثل لما يطلبه؟!

يكتم تنهيدة ألمه وهو يراها عبر النافذة تقف مكتفة ساعديها تتلفت حولها بذعر قبل أن تهرع نحو غرفته فيندفع بدوره نحو الداخل..

يراها وقد رفعت الغطاء على جسدها شاردة في الفراغ فيختبئ خلف باب الغرفة مكتفياً بمراقبتها حتى يتثاقل جفناها فوق بركة من الدموع فتمتثل أخيراً للنوم..

يقترب بخفة ليستلقي جوارها على الفراش.. يمسح بقايا دموعها بأنامل مرتجفة وهو يرى شفتيها ترتجفان حتى في نومها بهذه الطريقة الآسرة..
يمد أنامله كي يزيل الفراشات الاصطناعية من على شعرها كي لا تؤذيها في نومها لكنه يشعر بكفها على كفه يمنعه وبهمسها في نومها :
_دعها.. لعلي أطير يوماَ معها.

يغص حلقه بعمق عاطفته وهو يميل بوجهه ليلثم كفها على كفه بخفة كي لا يوقظها قبل أن يستسلم لرغبة عارمة لم يملكها وهو يمد ذراعه الحر تحت عنقها ليضمها إليه مستنشقاً عبيرها ومسنداً وهنها على صلابة صدره!
بما يصف الآن شعوره وهو يرى "الكمال" أخيراً بين أربعة جدران تخصه؟!
هو.. وهي.. وسند!
يغمض عينيه على دمعة فرح عاجزة يعلم أن زمنها لن يطول لتصله - عبر الساعات الطويلة التي قضاها مسهداً جوارها بعدها- تمتمات نومها كالهذيان :
_مللت السقوط..مللت.. لعلي أطير.. أطير..
======
ليلة طويلة!
يقف على حافة سور شرفته يراقب السماء كعهده منتظراً الفجر..
يشعل إحدى سجائره ليأخذ منها نفساً عميقاً ثم ينفثه ببطء..
تغافله نفسه بعادته القديمة ليهم بإطفائها في معصمه لكنه يتوقف على بُعد لقطة..
لقطة واحدة بزغت في ذهنه لصورتها بين ذراعيه جوار سند!
لعله بعد كل هذه السنوات يصفح عن نفسه!
لعله وسط بياض وسواد وجوهه يستقر على واحد يرضيه!
لكنه يعود ليتذكر..

_أفق يا أحمق ولا تغرينك هدنة القدر.. ذنبك ستراه كل يوم على وجه سند.. غداً يرحلان وتعود وحدك لليلك الطويل.

عندها يغرس سيجارته في معصمه متلذذاً بهذا الألم الذي اعتاده ليتصبب جبينه بعرق خفيف وهو يغمض عينيه..
يعاود فتحهما بعد دقائق ليتفقد هاتفه..
كيف غفل عن عالمه الافتراضي طيلة هذه الأيام لانشغاله بهما؟!
خاطر مزعج يراوده وهو يفكر ماذا لو علم الناس عن زواجه بامرأة مثلها؟!

_لن يعلم أحد.. وضعنا مؤقت على أي حال.

يهمس بها لنفسه بحسم معطلاً رجاءات روحه ليلتقط لنفسه صورة في وضع إضاءة ما يكسبه مظهراً جاذباً.. يهم بمشاركتها مع أحد التعليقات التي اعتادها لكنه يتوقف فجأة عما يفعله ليغلق الهاتف كله ثم يلقيه جانباً بزفرة مشتعلة..
ما هذا العبث؟!

_لم تنم بعد؟!

صوتها الوجل الذي لا يزال يعاني أثر نعاسه يجذبه ليلتفت نحوها لكنها تهرب من عينيه وهي تتراجع خطوة لا إرادية هامسة :
_لا أقصد التدخل في شأنك.. فقط.. أعرف أنك لم تنم منذ يومين.. وربما.. أكثر.
_سأنام.. بعد الفجر.
_قلت لي أنك لا تنام قبل الفجر.. لماذا؟!
_توقفت عن السؤال منذ زمن بعيد.

يقولها باقتضاب وهو يعاود النظر للسماء المظلمة فيظللهما الصمت للحظات قبل أن يلتفت نحوها من جديد بتساؤل:
_نمتِ جيداً؟!

هزة رأسها الخافتة تمنحه جواباً مرضياً فيعاود السؤال:
_ماذا قال لكِ دكتور كنان؟!

ينعقد حاجباها للحظة كأنها لا تفهم.. قبل أن تتسع عيناها بارتياع كأنها تذكرت لتوها ما كان..
_كان حقيقياً.. لم أكن أتوهم!
تبتعد خطوة للخلف تتلوها خطوة فيتنهد بتعب حقيقي وهو يقترب منها ليقول بصوت منهك :
_هذه هي الحقيقة التي أريدك أن تتعايشي معها الفترة القادمة.. دور هذا الرجل في حياتنا كلنا مهم الآن.. والآن أخبريني.. ماذا قال لك؟!

تزيغ عيناها قليلاً في الفراغ لتهمس بعد صمت قصير :
_ذكر شيئاً عن صلاتي..علاقتي بالله.. أشياء كهذه.. والدتك كذلك كلمتني عن هذا عندما زرتها.. بالمناسبة.. هل.. هل.. هل تعلم عن زواجنا؟!
_ولماذا تعلم؟!
اقتضابه يمتزج بشيء من مرارة وهو يردف بخفوت :
_ لا داعي لأن أشغلها بأمر كهذا.. وضع مؤقت لن يطول على أي حال.

لا يدري هل قالها ليطمئنها أم ليقطع الطريق على نفسه؟!

على أي حال يبدو أن عبارته آتت ثمارها وملامحها تهدأ رويداً رويداً بينما تنظر للسماء..
شرودها يتمخض عن همسها الخافت :
_رأيت جدي في حلمي.. هل يشعر بنا الموتى؟!

يهز كتفيه بجهل لكنها تردف كأنها لا تراه :
_كان يربت على رأسي.. يعتذر لي لأن حقيبته هي ما دفعت بي لكل هذا.. لكنني قبلت جبينه وكفيه كما اعتدت. . وأطعمته بيدي..فضحك.. تدري ماذا يعني لي أن يضحك جدي؟!

تضحك بعدها للحظات فيشل جسده وهو يراقبها مفتوناً!
سحرها الطبيعي لا يساوي شيئاً أمام ضحكة خلابة كهذه؟!
كانت المرة الأولى التي يراها فيها تضحك بهذا الصفاء بعيداً عن خوفها المعهود..
ورغم ما بدا به تصرفها كتطرف هو للاختلال أقرب لكنه كاد يرجوها أن تعيدها..
هذه الضحكة.. هذه..
ستكون يوماً ما هاجساً يؤرق نومه.. وأسطورة سيعيش العمر يحلم أن تتكرر.

_السماء ابيضت.. أظنه قد طلع الفجر.

تقولها وهي تشير للسماء خلفه فيهز رأسه وهو ينتبه لما تحكي عنه..

تعب جسده وقلبه يجتمعان عليه فيطرق ببصره قائلاً بنبرة منهكة :
_سأنام.. لا تخافي..طاقم الحراسة بالخارج يعلم ما ينبغي عمله..

يقولها ليتجاوزها بخطوات متثاقلة تلاحقها نظراتها الوجلة وهي لا تزال تعاني شتاتها..
قبل أن ترفع عينيها للسماء تفكر في الحلم..
مسبحة جدها.. جلبابه الأبيض.. صوت تلاوته للقرآن.. سجادة صلاته..
كنان!

تغمض عينيها للحظات ثم تفتحهما أخيراً لتتحرك نحو الداخل وقد شعرت بالنداء داخلها أقوى من ألا تلبيه..
تتوضأ لأول مرة منذ زمن طويل ثم تستقبل القبلة.. لتصلي!
======
(شو امرت ..سيد راسي)

يختلج قلبه بأضلعه بعنف شعوره بها وهو يسمعها تخاطب بها الصغير بلهجتها السورية فيمعن في اختبائه خلف هذه الكومة الملتفة من الشجيرات في حديقة بيته كأنه يخشى أن تغافله قدماه كما غافله قلبه فتركضان إليها ..

عيناه تغيمان بفيض عاطفته وهو يراها من مكمنه تعدو خلف الصغير بحيوية ..تمسكه أخيرا لتسقط به ..تنحني فوقه لتدغدغ بطنه بأنفها فتنطلق ضحكاتهما معا كما لم يسمعها من قبل ..
ضحكاتهما التي كانت تخترق قلبه قبل أذنيه فيجد نفسه دون وعي يغمض عينيه وهو يرفع كفيه ليسد أذنيه بقوة كأنه يريد حبس هذا الصوت داخله للأبد فلا يطغى بعده عليه ما يشوشه ..

ابتسامة عذراء تولد على شفتيه هذه اللحظة فيكاد يقسم أنه لم يعرف قبلها معنى التبسم ..
ابتسامة يوقن أنه لا يستحقها فيفتح عينيه بعدها بحدة كأنه قد الأوان أن ينتهي الحلم !

يزدرد ريقه بعدها بتوتر لم يملكه وهو يهم بالابتعاد لكن نباح سلطانة التي تعرفت إلى وجوده لتركض نحوه يجبره أن يعود إليهما ..

يمد الصغير باطن كفيه إليه بهذه الحركة المميزة التي صار يخصه بها فيجد نفسه يتناولهما ليقبل باطنهما بتثاقل قبل أن ينحني ليجلس على ركبتيه فيعانقه بقوة شعوره ليهمس إليه بهذه الكلمات التي لم تسمعها ديمة مكانها وهي ترمقهما بنظرة وجلة كأنما ذاب مرحها السابق مع الصغير في لحظات ..

رغما عنها تتراجع للخلف عدة خطوات بهذه الحركة المعهودة التي صار يحفظها هو كلما اقترب منها ..

تكتف ساعديها وهي تراهما يتسابقان للركض واللعب بالكرة مع سلطانة لتعلو ضحكات سند في أذنيها فتغمض عينيها ببعض الرضا وهي تعجز عن مشاركتهما كأنهما تيبست قدماها في الأرض ..

كيف تتخلص من هذا الصراع داخلها في وجوده ؟!
كيف تعيش كل هذا الأمان بقربه ..
وكل هذا الرفض لما تحياه هنا ؟!!

لكنه كان يفهم حقيقة شعورها لهذا بقي يناظرها خلسة من بعيد بنظرة ضائقة لم تخل من حسرة ..
قبل أن يقرر الانسحاب لعلها تستعيد مرحها الذي قاطعه وجوده ..

لهذا يربت على كتف سند ثم يتوجه نحوها ليقول بنبرة محايدة :
_سأخرج لبعض الوقت ..

تصرخ عيناها بخوف لم تملكه فترق نبرته نوعا ما ليردف وهو يشيح بوجهه :
_لن أبقى طويلا..لا تخافي ..كل الاحتياطات هنا كافية لتأمينكما حتى أعود .

يقولها ليعطيها ظهره فيسمع هسيسها خلفه كأنها تناديه ..
يكتم تنهيدة لوعته وهو يعود ببصره نحوها ليراها تقترب خطوة لم تلبث أن عادت بعدها ثلاثا للوراء ..
فينعقد حاجباه بقوة ضيقه لكنه يجبر نفسه كعهده معها أن يروض غضبه ليقترب هو منها محنيا رأسه نحوها بسؤاله:
_تريدين شيئا؟!

_أريد ..الخروج ..لشراء..بعض ..الأشياء.

صوتها الوجل بالكاد يغادر شفتيها كطفلة مذعورة تخشى التعنيف فيأخذ نفسا عميقا ليرد :
_من المفترض أن أرفض ..أن أذكرك بحقيقة وضعنا وأن بقاءنا هنا أكثر أمنا ..لكن ..لأسألك أولا ..ما الذي تودين شراءه ؟!

ترتجف شفتاها بهذه الطريقة المهلكة وهي تتذكر ما عزمت عليه لكن خوفها الأزرق يعاود السيطرة عليها فتطبقهما بقوة وهي تطرق برأسها ..

فلا يجد بدا من أن يقترب أكثر حتى تكاد أنفاسهما تمتزج ليهمس لها بطغيانه الحاني:
_قولي .

_ثياب ..ساترة ..سأعاود ..ارتداء ..حجابي .

ابتسامة حانية تكتسح ملامحه كلها في هذه اللحظة وهو يشعر بفخر أب تخبره ابنته أنها سترتدي الحجاب لأول مرة !
يوما ما سيتذكر هذه اللحظة طويلا ..سيحتفظ بها في كنزه المغلق الذي سيبقى أسير كهوفه بعد رحيل شمسها عن عالمه !

الصمت يظللهما للحظات فترفع إليه عينيها بوجل ليصلها همسه شديد الخفوت ..بالكاد يسمع كأنه لا يريدها أن تسمعه ..
فتتسع عيناها بصدمة كأنما تتيقن مما سمعته لكنه لا يمنحها الفرصة وهو يعطيها ظهره ليغادر بخطوات واسعة ..

هل قال ما هيئ اليها انها سمعته حقا أم أنها عادت للهذيان ..
هل كان ما همس به وزلزل الخفقات في حناياها حقا هذه الكلمات :

(شو امرت ..ست راسي)!!!!!
======
_اطرد تلك المرأة!

تهتف بها ديمة بحدة وهي تدخل عليه غرفة مكتبه مندفعة ليقف مكانه عاقداً حاجبيه بقلق:
_ماذا فعلت؟!

_تؤلب سند عليّ.
تهتف بها بالمزيد من الحدة التي يحمر لها وجهها مردفة وهي تلوح بذراعيها :
_ليست مجرد خادمة! اعترف! هي تجيد معاملته ربما أفضل مني.. تحفظ الكثير من الحكايات التي تدير بها عقله.. وهذه الألعاب التي..

تقطع عبارتها لتزفر بسخط مردفة بلهجتها السورية المميزة :
_(العمى بعيونا)

يكتم ابتسامة إدراكه وهو يميز أن ما تقوله لا يزيد عن كونه مجرد غيرة.. هل تخاف عن مكانتها هي في قلب سند؟! كنان أخبره عن توقعاته بشأن تصرفاتها للفترة القادمة بالذات في بداية استجابتها للعلاج خاصة وهي لا تزال ترفض الكثير من البوح.. لكنه سعيد بهذا الوجه "الأحمر" منها والذي يرضيه أكثر من "أزرقها" على أي حال!

_لن تتكلم؟! ستبقى تحدق في هكذا؟! أنت تعمدت هذا؟! تريد أن يتعلق بها سند أكثر مني؟! هل هي توجيهات السيد عاصي؟! هل هي الخطة؟!

هتافها يتحول لصرخات وهي تخبط بكفيها على صدغيها فيقترب منها..
لكنها لم ترفع ذراعيها تحمي وجهها هذه المرة..
وهو ما منحه بعض الارتياح وهو يتبع تعليمات كنان فيغير الموضوع عامداً:
_كنتِ تريدين الخروج للتسوق؟!

تتشتت نظراتها للحظات ثم تشيح ببصرها دون رد.. فيردف بنبرة محايدة :
_يمكننا فعلها الآن.. لكننا سنترك سند هنا فهو آمن له.
_لننتظر حتى ينام إذن! لن أتركه مع تلك المرأة مستيقظاً وحده!
_هي حقاً ليست مجرد خادمة.. أنا اخترتها مؤهلة للتعامل مع حالته.. ألا تحبين أنه صار أكثر تكيفاً مع الناس؟! ألا تدركين أنها إشارة جيدة؟! ألا يعني هذا أنه في طريقه للتحسن وربما يستعيد قدرته على النطق قريباً؟!

تتسع عيناها ببطء مع كلماته كأنها تحاول فهم ما يقول.. لكن طبيعتها المشتتة التي صارت أكثر تشككاً تدفعها للمزيد من الصراخ :
_أنت تنصرها عليّ!

قبل أن تسحب أقرب ما قابلها.. تلك المزهرية الزجاجية على المنضدة القريبة فتقذفها على الأرض لتنكسر بدوي هائل!


_ديمة داخلها طاقة غضب رهيبة.. كتمتها طوال هذه السنوات فصارت تحترق بها وحدها.. هذه الطاقة يجب أن تفرغها.. يجب أن تشعر انها قوية قادرة على البطش قبل أن نطلب منها التسامح والتعايش.. لا أعرف الكثير عن حالتها حتي الآن لكنني أوقن أن داخلها وحشاً لا يهدأ.. وحشا يطالبها بالثأر ولا ترضيه سوى قرابين الإيذاء.. هذا الوحش لن يروض إلا لو آمنت هي بوجوده..بقدراته.. وبقدرتها هي على قهره بنفسها.. هذا أول طريق علاجها.

يذكرها بصوت كنان فيكظم غضبه بشق الأنفس وهو يقبض كفيه جواره إلا من زمجرة عنيفة لم يملكها وهو يتقدم نحوها أكثر..

_آسفة.. آسفة.. سأدفع ثمنها..

الأزرق اللعين يعاود سيطرته على ملامحها المذعورة وهي تنحني لتلم شظايا الزجاج لكنه يقبض على معصميها ليرفعها إليه فترتجف نظراتها الزائغة.. ليدرك أنها تواجه الآن صراع أشباحها..

_حديثها عن دفع الثمن صحي جداً.. ليس فقط رغبتها في إصلاح خطئها.. لكنه إدراكها لما تملكه.. دعها تدفع.. دعها تشعر أنها "تملك".. هذا الشعور مهم جداً لامرأة بماضيها..

من جديد يسمعها بصوت كنان فيطلق زفرة قصيرة وهو يحرر معصمها ليعطيها ظهره قائلاً :
_أخبريني متى كنتِ جاهزة للخروج.

يقولها ثم ينادي الخادمة لتنظف المكان فتعاود نظراتها هي الاشتعال قبل أن تغادر الغرفة كعاصفة..
لكن الكثير من الوقت لم يمر حتى وجدها واقفة أمامه من جديد تغمغم بصوت مقتضب :
_سند نام.. يمكننا الخروج
=====
_لا تخافي.. أنا أؤمن وضعنا جيداً.. لكننا لن نطيل فترة مكوثنا بالخارج.
يقولها مطمئناً وهو يستقل سيارته جوارها فترمقه بنظرة عاتبة قبل ان تعرض بوجهها الذي أطرقت به .. ليلاحظ تحاشيها النظر لمرآة السيارة
يكتم ابتسامته وقد بدت له في هذه اللحظة كطفلة غاضبة راقت له مشاكستها..
كأنما أراد أن يأخذ معها هدنة من كل هذه الضغوط حولهما فيشغل "الكاسيت" في السيارة وقد اختار الكلمات :


لومي عليي وزيدي جنونك ما بزعل والله..

انا عندي نظرات عيونك بالدنيي كلّه..

كل الدنيي تزعل مني وتبقي رضيان

ريته يسلملي الزعلان اللي عامل حاله مش سألان

ريته يسلملي الزعلان اللي عامل حاله مش سألان


فيهيأ إليه أن شبح ابتسامة طاف بثغرها المهلك وإن بقي وجهها على إعراضه.. ابتسامة شعت في قلبه كنور.. ونار!
وجواره كانت هي غارقة بإحساس افتقدته منذ زمن..
الكلمات بلهجة بلادها.. اللحن المنعش.. المعنى الذي طوقها بحنانه..

ريته يسلملي الزعلان اللي عامل حاله مش سألان..

هل تصدق؟!
كيف يمكن أن تصدق؟!
وكيف يمكن ألا تفعل؟!

يتوقف بالسيارة أمام أحد المولات الصغيرة التي اعتاد التعامل معها.. ليشير للسيارة خلفه والتي حوت حارسين اختارهما بعناية..
قبل أن تلتمع عيناه بنظرة خبيرة وهو يميز السيارة التي تتبعه لتلتوي شفتاه بابتسامة ماكرة :
_يبدو أن عيون عاصي الرفاعي تؤدي عملها جيداً.

يقولها ثم يفتح لها باب السيارة فيتشبث كفها بمعصمه دون وعي وعيناها الخائفتان تطوفان بالشارع حولها.. تكاد ترجوه أن يعودا..
لكنه يمنحها هذه النظرة الغامرة وهو يبسط ذراعه على كتفيها بهيمنة فلا تنفر كعهدها.. بل تنكمش في كنفه كعصفور بلله المطر..

يتوجه بها لذاك المحل الأنيق الذي تستقبله بائعته بترحاب وقد بدت على سابق معرفة به :
_حسام باشا! تفضل!

تقولها وهي ترمق ديمة بنظرة فضولية لكن حسام يجتذب الحديث بلباقته المعهودة لشأن عام فتضحك المرأة وهي تشير حولها :
_المكان تحت أمركما.

ترمقها ديمة بنظرة مشتتة وقد ازداد انكماشها تحت ذراعه لكنه يشير لها برأسه مطمئناً فتختار بعض الأثواب بعشوائية بدت له مثيرة للشفقة..
ذوقها يبدو شديد التناقض بين ألوان صارخة وأخرى شاحبة..
بين تصاميم شديدة الأناقة وأخري فظة غريبة..
حتى مقاسها!
بدت وكأنها لا تعرفه!!
لكن العجب يزول وهو يسمعها تتمتم كأنها تكلم نفسها:
_أنا سأدفع ثمن كل هذا.. صرت أملك مالاً.. لم أشترِ لنفسي ملابس منذ سنوات طويلة لم أعد أذكر عددها.. حتى بعد وفاة غازي أديم هو من ابتاع لي الثياب.

مزيج ضارٍ من غيرة وإشفاق ينتابه في هذه اللحظة وهو يميز حيرتها فيتنحنح وهو يختار لها أحدها بلون اللافندر الفاتح ليقول بصوت متحشرج :
_هذا سيناسبك.

تتناوله منه لتذهب لغرفة القياس لكنها ما كادت تلمح المرآة حتى التفتت لتدفن صرختها الطويلة في صدره!

تهرع المرأة إليهما بجزع لكن حسام يلتفت نحوها ليقول باقتضاب آمر :
_أريد غرفة قياس بدون مرايا.

تهز المرأة كتفيها باستغراب لكنه يمنحها نظرة لا تحتاج للشرح فتشير نحو ممر قريب قائلة ببعض التفهم وقد أدركت أنها حالة خاصة :
_هناك.. لا تقلق.. اجذب الستارة فحسب.

_افتحي عينيك.. لا مرايا.. ديمة.. تسمعينني؟!

_عد بي للبيت.. لا أريد ثياباً.. لا أريد.

_لا! ستجربينها كلها! هنا والآن! لن تحبسي نفسك خوفاً في قمقم من جديد.. لم تسألي نفسك لماذا وافقت على الخروج معك رغم ما يحوطنا من مخاطر؟! لأن خطر خوفك هذا أكبر!!

لا يزال طغيانه الحاني يؤتي ثماره في روح عطشى كروحها..
ترفع وجهها إليه ببطء فيتناول أحد الثياب.. هذا بلون اللافندر..
ليساعدها في ارتدائه فوق ثوبها الحالي..
يغلق لها أزراره ثم يشد حزام خصره..
يمشط شعرها بأنامله ملاحظاً أنها لم تخلع "فراشاته"..
يعدل شعث حاجبيها الذي يعجبه دون سبب واضح..
ترفع عينيها إليه..
فكأنه الآن وحده.. مرآتها!
مرآتها التي لا تخيف.. بل تضم وتحنو!

حلقة الزعفران في عينيها تشرق كألف شمس صغيرة تضيء ظلمة ليله..
كيف يمكن أن تراها إحدى عينيه طفلته.. طفلته التي يشتري لها ثوبها فيلبسها إياه.. ؟!
والأخرى تراها امرأته.. امرأته التي تذهب بها فتنتها لآخر حدود شمس العشق.. ؟!

_جيد؟!

تسأله فيرد بصوت متحشرج :
_جيد.. لكنني أنا من سيدفع ثمن هذا.. وادفعي أنت ثمن الباقي.

تهم باعتراض لكنه يحرك سبابته المرتجفة على شفتيها هامساً بحزمه الرفيق:
_يوماً ما عندما نفترق ستذكرين هذا الثوب جيداً.. أول ثوب ترتدينه في عهدك الجديد.. وأريد وقتها أن تذكريني معه.

تبتلع غصة حلقها وهي لا تدري بماذا ترد..
كل ما فعله لا يساوي شيئاً وهو يذكرها كل مرة أنها ليست أسيرة لديه..
لو يدري ما الذي تفعله بها كلماته بهذه الطريقة وهو يمنحها شارة حريتها..
هي حرة..
وجوده معها ليس سجناً آخر..
هي تملك المفتاح!

المفتاح!!

ومضات خاطفة تجتاح ذاكرتها عن ذاك المفتاح الذي وجدته في حقيبة البروكار فتتسع عيناها محاولة التذكر..
لكن صوت البائعة في الخارج يشتتها فتتلاشى الذكرى!


المزيد من الثياب تجربها واحداً تلو الآخر..
الشراهة التي كانت تسحب بها يدها كل ما تشتهيه من الأشياء بعدها..
الأوشحة.. الأحذية.. الحقائب..
كأنها كانت تعوض بها حرمان السنوات التي عاشتها!

_أنا دفعت ثمن كل هذا من قبل.. دفعت أغلى ثمن.. دفعته من عمري.. من جسدي.. وربما.. من عقلي..يقولون عني غانية باعت نفسها لثري عجوز كي تنتفع بماله.. ربما الآن أصدقهم.. هل كنت حقاً بهذا السوء؟! يريحني هذا التصور أحياناً.. يخرجني من شعور الضعف الذي يذبحني.. هو أفضل من الاعتراف بالحقيقة..الحقيقة أنني.. كنت أهون من حشرة تدوسها الأقدام دون اهتمام..

تهمس بها بمنتهى الخفوت بين دموعها وهي تتحسس حقائب مشترياتها كأنما تحدث نفسها..
لكنه سمع!

لم يصل جوابه في كلمات.. إنما في هذه الحركة وهو يربت على رأسها برفق قبل أن يعود ذراعه ليبسط سلطانه على كتفيها..

يخرج بها من المحل وقد انتوى العودة للبيت لكنه يلاحظ تعلق عينيها بتلك الملاهي هناك..
لعبة بسيطة ل "أحصنة" متحركة!

لم يفكر كثيراً وهو يجذبها من كفها ليذهب بها هناك فينتهي بها المقام فوق أحدها..
تغمض عينيها بقوة وهي تعانق عصا اللعبة بذراعيها فتختفي كل المرئيات حولها..
فقط هي فوق حصان تحلق..
لا قارب.. لا بحر.. لا دم.. لا مرايا.. لا أشباح..
فقط.. هي.. وسند..
وهو.. حارسها!

تفتح عينيها أخيراً ليخفق قلبه بجنون وهو يشعر لأول مرة أن عينيها تبتسمان..
بسمة الشفاه خادعة..
وحدها بسمة العيون لا تكذب..
وعيناها الآن كانتا تصدقان الحديث بسعادة ربما لم يعرفها قلبها منذ سنوات..

يوماً ما سيتذكر هذه اللحظة جيداً.. سيضيفها لكنوزها العامرة معه..
ربما يكون هذا أكثر الوجوه - التي عرفها لنفسه- بياضاً..
وأكثرها لوعة في قلبه!
======


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 01:32 PM   #2839

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,965
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
Rewitysmile8

صباحو احلى نيمو عالقراءة فورا تسلم ايدك لنشوف حسام الرومانسي

Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 01:36 PM   #2840

جويرية احمد

? العضوٌ??? » 443744
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 170
?  نُقآطِيْ » جويرية احمد is on a distinguished road
افتراضي

كنت مستنيه الفصل علي احر من الجمر والحقيقه الفصل رائع ابدعتي كالعاده ...يسرا صعبانه عليا جدا وفي نفس الوقت عايزة ارنها علقه سخنه علشان مستمرة في كدبها ابراهيم هيتصدم جامد...

جويرية احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:19 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.