آخر 10 مشاركات
287 - كذبة العاشق - كاتي ويليامز (الكاتـب : عنووود - )           »          284 - أنت الثمن - هيلين بيانش _ حلوة قوى قوى (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          275 - قصر النار - إيما دارسي (الكاتـب : عنووود - )           »          269 - قطار النسيان - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          ياسميـن الشتـاء-قلوب شرقية(26)-[حصرياً]-للكاتبة الرائعة::جود علي(مميزة)*كاملة* (الكاتـب : *جود علي* - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-07-21, 01:44 AM   #2901

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي


تسجيل حضور للالوان المشتعلة
فينك يا نيمو


ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 01:46 AM   #2902

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور لنيمو والالوان

ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 02:04 AM   #2903

nomo elma

? العضوٌ??? » 412030
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 111
?  نُقآطِيْ » nomo elma is on a distinguished road
افتراضي

مستنياكى بشوووووووق يا أحلى نيمو 💖💖💖

nomo elma غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 02:23 AM   #2904

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي

يلا يا نيمو
فين الواناتك


ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 02:34 AM   #2905

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف الرابع والثلاثون
=====
*فرنسا..

*أبيض*
=====
_دكتور جهاد الريحاني أوصاني بكم.. يتواصل معي كثيراً للاطمئنان على الحالة.
يقولها البروفيسور الفرنسي المختص بعلاج الصغيرة شمس في غرفة مكتبه لتتطلع ماسة نحو عاصي ببعض القلق لكن الأخير يبدو رابط الجأش وهو يرد باقتضاب صارم لتتولى الممرضة الترجمة :
_ألا يجدر بك أن تطمئننا أولاً؟!

تتنحنح ماسة بحرج وهي ترمق الممرضة بنظرة معتذرة ليسري الحوار بينهما عبرها :

_الصبر يا سيد عاصي.. الحالة نادرة ونسبة علاجها ضعيفة.. كنت صريحاً معكم من البداية.. أقدر مشاعرك كأب لكن أنا أيضاً أفعل كل ما بوسعي.

_أريد أن أراها!
يهتف بها عاصي بنبرته المهيمنة التي لم تفقد قوتها رغم بريق نادر للدموع في عينيه ليهز الطبيب رأسه نفياً..
لكن عاصي ينهض بسرعة ليخبط المكتب بقبضتيه هاتفاً بصوته المهيب :
_سأراها.. لا عبر زجاج ولا حواجز.. ستنفذ هذا.. خذ كل احتياطاتك.

تحاول الممرضة ترجمة قوله بصورة أكثر لطفاً فيما تنهض ماسة بسرعة لتهدئته وقد تشبثت قبضتاها بعضده لكن غابات الزيتون بدت أكثر اشتعالاً وهو يميز رفض الطبيب الواضح قبل حتى أن تترجمه المرأة..

_لا داعي للعصبية يا سيد عاصي.. هذا لمصلحة الصغيرة قبل أي شيء.

يقولها الطبيب بنفاد صبر فيهم عاصي بالصياح من جديد لكن ماسة تزيد من قوة قبضتيها على عضده لتهمس في أذنه :
_اهدأ! بالله عليك يا عاصي..بحق من رزقنا نور وضياء وهو القادر على أن تكتمل فرحتنا بشمس.

يكز على أسنانه بقوة تكاد تحطمها وهو يلتفت نحو ماسة بعنف جعل الممرضة تتصور أنه سيهم بالبطش بها لكنه يفاجئهم وهم يرونه يجذبها ليخفي وجهها في كتفه فلا يعلم الرائي من منهما الذي يمنح القوة لصاحبه!!

_الصغيرة ستحتاج لجراحة خطيرة لا يمكننا إجراؤها الآن قبل علاج تمهيدي.. لن أجمل الحقائق يا سيد عاصي فسياستي هي الصراحة.. لو لم تستجب ابنتك للعلاج - وهو الاحتمال الغالب- فلن تحتاج للجراحة.. ولا لغيرها.

يقولها بنبرة ذات مغزى لترفع ماسة فضيتيها المكدستين بدموعها لكنها تهتف رغم هذا بابتسامة صابرة :
_لن يخذلنا الله فيها أبداً.. هذا يقيني فيه سبحانه.

يرمقها عاصي بنظرة مذنبة هي خير من يفهمها فتتسع ابتسامتها القوية في موقف كهذا وهي تبدو له كزهرة جبلية تشق طريقها وسط الجبال بصبر حتي تعانق الشمس..
زهرة لا يذبل رحيقها أبداً!

ينتهي بهما المقام أمام "شمسهما الصغيرة" وقد فصل بينهما حاجز زجاجي بدا له كحائط سد ارتطم به رأس ماضيه..

_تحدث إليها يا عاصي.. افعل مثلي.. قل لها كل ما تود قوله كما كنت تفعل وهي لا تزال في بطني.. ستسمعك.. ستشعر بك.. ستتشبث بنا كما نتشبث بها..

يتحشرج بها صوت ماسة الخفيض وهي تمزج وهنها بوهنه.. قوتها بقوته.. فيبدوان معاً ككيان واحد..

_ما أجملك! وما أقبح شعوري بقرب فقدانك! ما أصغرك! وما أكبر همي بك! تعرفين كم أحببتك؟! كيف أحببتك؟! منذ متى أحببتك؟! أحببتك قدر حبي لما بقي من العمر.. أحببتك كقارب نجاة أخير نحو شط الأمان.. أحببتك منذ سنوات تقارب سنوات عمري الأربعين.. أجل.. أحببتك في كل جميل رأيته وتمنيته وظننت أني لا أستحقه.. لكنني الآن أوقن في رحمة ربي.. ليتكِ تكونين صك الغفران الأخير.. والجميل الذي يغمرني بهاؤه وإن كنت لا أستحقه!

صوته يبدو شديد الخفوت حد الهمس لكن ماسة كانت تسمعه إن لم يكن بأذنيها فبقلبها..

تدعو الله سراً بخشوع وهي تشعر بالسكينة تحوطها رغم البلاء..
غمة وستزول.. هكذا علمتها رحمة.. أن الله سبحانه وتعالى عند ظن عبده به.. وهي لا تظن بالكريم إلا خيراً.

_ماسة! هل ترين ما أرى؟!
تنتبه لسؤاله بعينيه المتسعتين فتتسارع خفقاتها وهي تنظر للصغيرة بحدة..

_فتحت عينيها!

يقولها كلاهما في نفس اللحظة وهما يميزان عيني الصغيرة لأول مرة منذ ولدت وقد فتحتهما للحظات..
لحظات فقط..
لكنها كانت كافية ليشرق الأمل في قلب كليهما حد التبسم الذي لوّن ثغريهما بنفس الطيف..

_عيناها زيتونيتان مثلك..تدري خطورة أن تحمل امرأة عيني عاصي الرفاعي؟!
تهمس بها بين غمار عاطفتيها لابنتها وله قبلها.. فيختلج قلبه في صدره وهو يتنهد بتعب ليضمها في كنفه هامساً :
_الخطورة كل الخطورة كانت يوم رأتكِ عينا عاصي الرفاعي هاتين فزلزلتِ عرش جبروته للأبد.

تبتسم بمزيج من فخر ورضا وهي ترفع وجهها للأعلى في حمد لله..
لعلها بشرى.. تظنها كذلك!!
تعود ببصرها إليه فتلمح فضاء شروده الذي عاد يجتذب زيتونيتيه لتحاول صرفه عن طوفان مشاعره فتتنحنح قائلة :
_جنة هاتفتني صباحاً.. ديمة تذكرت مكان المفتاح..لكنهم لا يزالون لا يعرفون أي مفتاح هو.. يقولون أنه يبدو كمفتاح باب مصفح.. أنت قلت لي من قبل أنك تعرف عن غازي ذاك الكثير.. ألا يمكنك التخمين؟!

تعود غابات الزيتون لاشتعالها ال قديم للحظات وقد بدا لها غارقاً في شروده للحظات قبل أن يعود ببصره للصغيرة مغمضة العينين متمتماً :
_أظنني أعرف!

=====
_"الحب بهدلة يا (حُس)! "
يهمس بها فهد بمرح محاولاً تخطي توتر الموقف وهو يربت على كتف حسام حيث وقفا في حديقة بيت الأخير الذي رمقه بنظرة موصدة قبل أن يتطلع لديمة وسند اللذين جلسا على العشب بعيداً ليتنهد تنهيدة طويلة هامساً بحسم :
_الحب ليس لمثلي.
يقولها ليهتف فهد ملوحاً بكفيه باستنكار مشفق:
_لماذا؟! لماذا تصر أن تفكر بهذه الطريقة؟! لماذا تصر أن كل أبوابك معها مغلقة؟!
_لأنها كذلك!
يقولها بنفس الحسم المقتضب الغارق في لوعته ليزفر فهد وهو يحاول إقناعه :
_لماذا لا تمنح نفسك وتمنحها الوقت؟! الوقت قد يمنحكما معاً الرصيد الكافي لتجاوز الماضي!
لكن حسام يبدو - رغم جفاف نبرة حديثه- وكأن عينيه المعلقتين بهما-هي وسند - تفيض بعاطفته :
_الرصيد؟! تعني أن تبقى هي معي "رد جميل"؟! تريدني أن أكون لديها عبئاً كسند.. أحد كتفيها مثقل برد معروف صاحبتها والآخر تريده أن يكون مثقلاً برد معروفي أنا؟! أليس لهذه البائسة أن تختار حياتها دون قيود؟!
_ولماذا لا تفترض احتمال أن تختارك أنت بملء إرادتها؟!
يهمس بها فهد بنفس الاستنكار المشفق ليطرق حسام برأسه بخفوت :
_هل من العدل أن يحرمها القدر أهلها ووطنها فأجيئ أنا الآن وأحرمها فرصتها أن تكون لها عائلة حقيقية؟! أطفال يمنحونها ما حرمت منه؟! هل من العدل أن تخرج من سجن رجل كغازي خاوية الكفين إلا من جراحها.. فأدخلها لسجني الذي لا توقن منذ البداية أنه سيخرجها خاوية الكفين كذلك؟!

عباراته تخز قلب صديقه بمدلولها خاصة وهي تخرج من رجل مثله لكن فهد يعاود قوله بإصرار :
_ماذا لو كانت راضية؟! لو كانت تحبك؟!
_لا أراني أستحق هذا الحب..
يتمتم بها بخفوت كأنها تعاند كل غروره ليردف وهو يشيح بوجهه :
_ذنب صاحبتها سيبقى بيننا.. ليس بيني وبينها فحسب.. بل بيني وبين سند كذلك.. لست أحمق لأصدق أن الحكاية قد تنتهي بهذه المثالية.. وجودهما في حياتي مجرد محطة توقف قصيرة يعود بعدها قطاري للسير بعيداً.
_لكن..
يهتف بها فهد بمكابرة لكن حسام يقاطعه بالتفاتته وهو يغير الموضوع منهياً النقاش:
_هل أحضرت المفتاح؟!

يمط فهد شفتيه وهو يتفهم طبيعة صاحبه الموصدة ليستخرج المفتاح من جيب قميصه قائلاً :
_الحمد لله أنني احتفظت به.. منذ بضعة أيام أعطاه لي صاحب المغسلة بعد غسيل سيارتي.. ظننته للأستاذة أو ربما من ألعاب "لوكا" فقد كنت واثقاً أنني لا أملك مفتاحاً كهذا!

يتناوله منه حسام ليتفحصه قائلاً :
_كنت أشك أن الأمر يتعلق بليلة زفاف طيف.. تلك الليلة التي هاجمها فيها الصبية قرب المقابر.. حالتها ليلتها لم تكن طبيعية أبداً وأظنها انتكست بعدها كثيراً.. دكتور كنان أخبرني أن العقل الباطن أحياناً يلجأ للنسيان كي يحمي صاحبه من التمادي في القلق.. لكنها تذكرت أخيرا أنها أسقطته في سيارتك عندما ذهبت بها للمشفى ليلة زفاف طيف وأن رعبها جعلها تتخلص من كل ما كان في جيوبها وقتها.. الغريب أنها بقيت بعدها تتذكر أنه معها لكنها لا تتذكر مكانه.
يطلق فهد زفرة قصيرة وهو يتفحص المفتاح بدوره قائلاً:
_يبدو كمفتاح باب مصفح.. لكن لماذا يحرص الرجل عليه كل هذا الحرص؟! حتى الأبواب المصفحة يمكن اقتحامها دون مفتاح!

يصمت حسام قليلاً ليفكر قبل أن تلتمع عيناه بقوة مع قوله :
_إلا إذا...

يرمقه فهد بنظرة متسائلة ليردف حسام وقد ضاقت عيناه الصقريتان محاولاً ربط بعض الخيوط :
_إلا إذا كان الباب في مكان مأهول وتخشى أن يثير اقتحامه جلبة تفضح ما بداخله!

يعقد فهد حاجبيه وهو يهم بسؤال آخر لكن حسام يندفع بخطوات راكضة نحو ديمة ليسألها بصوت لاهث:
_هل يحتوي بيت غازي على مخزن أو ما شابه؟!

تهز كتفيها بجهل يثير شفقته على امرأة عاشت هذه السنوات في بيت لا تعرف تفاصيله لكنه ينحي مشاعره جانباً وهو يلتفت نحو فهد الذي لحق به وقد فهم ما يدور بخلد صديقه ليهتف حسام بحدقتين مشتعلتين:
_مقتل غازي..المفتاح.. مهاجمة ديمة.. كلها خيوط متصلة..لكن كيف..؟!

يقطع سؤاله وهو يسمع رنين هاتفه فينعقد حاجباه بشدة وهو يميز الرقم الدولي المتصل.. ثم الصوت المهيب الذي يمنحه الجواب الذي ينشده :
_ابحث في قبو بيت غازي..ربما يكون المفتاح يخصه!

يغلق الاتصال مع عاصي دون أن يتبادلا المزيد من الكلمات كأن بينهما ميثاق على التعاون لأجل مسمى دون فتح دفاتر الماضي..

_يبدو أن عاصي الرفاعي يعرف الكثير عن ذاك الوغد غازي.. يزعم أن هذا ربما يكون مفتاح قبو في بيته.

_تعني أن غازي يخفي شيئاً في هذا القبو؟! ومادام الكوبرا ذاك يعرف هذا فلماذا لم يسرق المفتاح يوم قتله؟!
_ربما خافوا وجود أديم وقد كشفوا حقيقته! انتظروا حتى يتخلصوا منه.
ترمقه ديمة بنظرة خائفة كعهدها فيما يبسط فهد كفه علي كتفه بدعم صامت.. ليهتف بقلق:

_وماذا يمكن أن يحتوي هذا القبو ليكون بهذه الخطورة؟! مخدرات مثلاً؟!

لكن حسام يهز رأسه وهو يرد :
_تبعاً لنشاط الكوبرا.. إما متفجرات.. أو أسلحة مثلاً..
تشهق ديمة بخوف احتل ملامحها خاصة وهو يردف رافعاً المفتاح بنبرة متحدية:
_أظنها فرصة مناسبة لزيارة قصيرة للصعيد.. هاقد وجدنا خيطاً يمكننا من فتح قضية جديدة تقود لذاك الوغد!
=======
في بيت غازي بالصعيد يقف حسام في حديقة المنزل منتظراً أرملته المتسلطة وشقيقها..
عيناه تدوران في المكان باختناق وهو يشعر بدموع "حبيبته" تلوث كل شبر فيه!

"حبيبته"!!
كل حرف من كلمة كهذه ينفجر داخله كألف شظية..
ويمطر فوقه ألف غيث..
يشعل حوله ألف جحيم..
وينبت تحته ألف جنة!
لكن لماذا العجب.. وهذا - بالضبط- ما بينهما!!

_تفضل يا حسام "باشا"! خيراً إن شاء الله!

يقولها شقيق المرأة بترحاب قلق فيما ترمقه المرأة نفسها بنظرة حاقدة لم تخلُ من رهبة وقد عجزت عن كتمان غلها :
_عساك لن تطردنا من بيتنا لأجل تلك المرأة!

_أريد النزول لقبو البيت.

يقولها حسام بنبرته الحاسمة التي امتزجت بهيبته الفطرية ليتبادل الرجل مع المرأة نظرات حائرة لكن حسام يردف باقتضاب:
_وحدي!

_ماذا؟! وماذا يدفعنا لفعلها ؟! وما يدرينا في قبو البيت ذاك؟! ألا يحتمل أنه ثروة أخفاها غازي وتخصنا كلنا؟! أم..

_اخرسي يا امرأة!
يقولها الرجل زاجراً وهو يرمقها بنظرة محذرة تبتلع معها بقية كلماتها قبل أن يلتفت نحو حسام ليردف بمداهنة :
_اعذرنا يا "باشا"! لكن ما تطلبه غريب! القبو مهجور منذ زمن وأخاف أن يكون مليئاً بالأفاعي! دعني أنزل معك وحدي على الأقل!

لكن حسام ينتصب في وقفته قائلاً:
_ولو أخبرتك أن الأمر يتعلق بضرورة أمنية!

_وأي ضرورة أمنية في قبو مهجور؟!
يسأل الرجل بغباء ليزفر حسام وهو يكاد يفقد صبره.. لاريب أن الكوبرا زرع أحد رجاله هنا وقد علم عن قدومه.. ولا يمكنه التنبؤ بتصرفه.. كما لا يمكنه التنبؤ بما في القبو..
ماذا لو كانت متفجرات؟!!
ماذا لو كان فتح الباب قد يؤدي لكارثة؟!

_أهلاً.. كنت أنتظرك! يمكنك أمرهم الآن بإخلاء المكان تحسباً للقادم!

يقولها حسام مخاطباً صديقه الضابط المختص الذي قدم لتوه والذي صافح حسام بقلق ثم أعطي اوامره للمرأة وزوجها بإخلاء المكان قبل أن يتنحى بحسام جانباً ليقول بتوتر :
_معي قوة بالخارج وخبير مفرقعات.. أنت تفهم أكثر مني في هذه الأمور بفضل خبرتك.. لكن وجودك هنا غير رسمي كما تعلم...ولو عرف أحد بوجودك فستكون..

_ أفهم كل ما تريد قوله.. لكنني في هذه القضية بالذات لن أثق في أصابع كفي.. دعني أدخل معك وإلا انس أمر المفتاح.

يقولها حسام بصرامة غاضبة رغم يقينه من سلامة منطق صاحبه..
منذ ترك جهاز الشرطة وهو لم يفتقد عمله كما هو الآن!!
شعوره بالعجز يكبله وهو يلمح الرفض في عيني صاحبه الذي هز كتفيه قائلاً بحرج :
_لن أعرفك الأوامر في هذا الشأن! أنت..

لكن حسام لا يمهله الفرصة وهو يركض بكل قوته بصورة مفاجئة نحو الداخل حيث القبو كما وصف مكانه شقيق المرأة منذ لحظات..

يسمع نداءات الرجل المعترضة خلفه لكنه لا يبالي..
الطاقة الجبارة لمزيج العجز والغضب والخوف من قرب فقد جنته معها ومع سند تشعل كل خلية في جسده فيتخلى عن حرصه المعهود واهتمامه بالمظاهر فلا يعنيه إلا أن يقهر أنين ذاك العاجز داخله!!

يمد أنامله بالمفتاح في الباب بحرص وسط أنفاسه اللاهثة ليشعر بكف صاحبه على ظهره مع همسه العاتب :
_لم أعهدك متهوراً هكذا! ابتعد ودع الخبير يؤدي عمله.. لا ندري ما خلف هذا الباب.

يكاد يستجيب لفورة جموحه من جديد لكن صاحبه يطوقه بذراعيه ببعض العنف ليبعده مغمغماً بغضب مكتوم :
_حسام! كل هذا على مسئوليتي! اهدأ وتعقل ولا تجبرني على فعل نكرهه معاً!!

ينفض عنه ذراعي صاحبه بمزيج من غضب وعجز ليقف مراقباً بعض عناصر الشرطة وقد دلفوا إلى الداخل..

الدقائق تمر به ثقيلة في انتظار النتيجة لتتسع عيناه بصدمة وهو يميز ما خرجوا به...!!
======
_آثار!!
يهتف بها فهد بدهشة مخاطباً حسام وهو يستقبله بلهفة أمام بيت الأخير الذي قدم لتوه من رحلته..
فيزفر حسام ليقول بانفعال غلب تعب ملامحه :
_القصة هكذا تبدو منطقية.. غازي غدر بالكوبرا واستولي علي صفقة الآثار المهربة.. الغبي ظن نفسه نداً لنزال وحش كهذا..الكوبرا بعث من يقتله وانتظر حتى تهدا الأجواء ويبعد (المدعو) أديم من الصورة كي يحصل علي أشيائه.. لم يحسب حساب ما حدث.
_هل قتل المدعو أديم هذا؟!
يسأله فهد بتوتر ليهز حسام رأسه بجهل :
_لا أعرف عنه شيئاً من حينها سوي أن اختفاءه لدواع أمنية مشددة.. لو كان معنا الآن لاستبشر بهذه التطورات.
_تظننا سنصل لشيء؟!
_قضية آثار بهذا الحجم لن يكون السكوت عنها سهلاً خاصة ونحن نملك طرف خيط جديد..
_من الذي سرق حقيبة ديمة.
يكملها فهد بتفهم ليرد حسام وهو يسير جواره نحو الداخل :
_بالضبط! لو استثنينا أهل العراق وخدم عاصي الرفاعي.. فلا يبقى أمامنا سوى ثلاث. . زهرة تلك الممرضة صديقة ماسة ورفيقتها حسناء ونزار ذاك الوافد الغامض.. جاء للقصر برفقة يحيى الأمين زاعماً انه صديقه منذ سنوات ولم يفترقا..فلماذا يفعلها فجأة هكذا ويبقى في مصر بعد رحيل صاحبه؟!
_اترك لي شأنه.. أعرف من يمكنه الوصول لتفاصيله.
يقولها فهد ليردف بعينين مظلمتين:
_ثأركم مع الكوبرا شيء.. وثأره معي أنا شيء آخر..

يرمقه حسام بنظرة متفهمة بينما الأول يستطرد بحروف من نار :
_كل تفاصيل تلك ال..

يقطع عبارته بخزي أحرق بقية حروفه وامتزج بغضبه في مزيج قاتل وهو يشيح بوجهه..
لكن حسام يربت على كتفه داعماً بقوله :
_أعدك أن نصل إليه.. لن يهدأ لي بال حتى..

يقطع عبارته وهو يرى سند يندفع نحوه راكضاً مع سلطانة وجرائها الصغيرة فيزدرد حسام ريقه بصعوبة وهو يستعيد ما كان يفكر فيه طوال الطريق..
هل اقتربت نهاية الحلم؟!
البوابة السحرية للفردوس المفقود أوشكت أن تغلق في وجه شيطان مثله!
وهو ليس غبياً للتظاهر بأنه يمكنه منعها!!

يعانق سند بقوة فتلتمع عينا الصغير بكل اشتياق كأنه يعاتبه على رحيله فيتنهد بحرقة ثم يجلس به أرضاً مخاطباً إياه بقوله :
_ربما لن أستطيع البقاء معك كثيراً.. يوماً ما قريباً قد ترحل من هنا..
يبدو الحزن على وجه سند الذي يطرق برأسه لكن حسام يرفع ذقنه نحوه ليهتف بحزمه الحاني:
_أنا لست "بطتك الصفراء" التي تظنها أنت تمنحك الأمان.. يجب أن تفهم أن الناس قد يرحلون رغماً عنهم لكنهم يتركون أثرهم الجيد لك.. تماماً كأمك وخالتك و.. أنا..

تدمع عينا سند فيرمق فهد حسام بنظرة عاتبة لكن الأخير يهز الطفل بين ذراعيه قائلاً بنبرة أقوى.. وإن كانت أكثر عاطفية :
_يقولون إنك لا تفهم ما حولك لكنني أثق أنك تفعل.. يقولون أنك ضعيف يخافون عليك لكنني أثق أنك أقوى من كل هذا لهذا لا أشاركهم ذاك الخوف.. قد أضطر لأن أرحل عنك لكنني سأترك لك ما يذكرك بي.. اختر واحداً من هؤلاء وسيكون لك.

يشير نحو جراء سلطانة فتلتمع عينا سند ببريق دموع غائم يجعل حسام يقبل جبينه بشفاه مرتجفة ليردف :
_سنكون صديقين رغم كل شيء..حتى تقرر أنت العكس.

عبارته الأخيرة المبهمة لم تبد مفهومة لسند بطبيعة الحال فكانت وكأنه يحدث بها نفسه!
لن يبقى الصغير صغيراً!
يوماً ما قد يعرف الحقيقة.. تراه وقتها سيعفو؟!

_لا داعي لاستباق الأمور.. انظر يا سند.. هذه الكرة تبدو غريبة.. ابنتي تحب ملاعبة سلطانة بها.. ترى صورتهما هنا؟!

يجتذب بها فهد مجرى الحديث وهو يحاول تلطيف الموقف فيجلس بدوره قبالة الصغير ليريه هاتفه..
يرمقه سند بنظرة لم تفقد رهبتها من الغرباء وإن خفتت حدتها كثيراً عن ذي قبل.. فيستغل فهد الفرصة وهو يستمر في اجتذاب الصغير ببعض الفيديوهات لملك الصغيرة مع سلطانة ثم بالمزيد من الأغاني التي اندمج معها الصغير لتعود له ابتسامته..

_أين ديمة؟!
يسأل حسام بقلق وقد انتبه لغيابها ليميل فهد على أذنه هامساً :
_مع جنة بالداخل.. حالتها غريبة منذ رحلت.. دعني أنا مع سند واذهب إليها.
_ماذا بها؟!
يهتف بها حسام بجزع وهو يستقيم واقفاً لكنه لا ينتظر جواباً وهو يركض نحو الداخل لتستقبله جنة قائلة :
_متكورة على نفسها في زاوية الغرفة جوار النول منذ غادرت وترفض الكلام معي ومع أي أحد.. حاولت الاتصال بدكتور كنان لكن..

لم ينتظر أن تكمل عبارتها وهو يتركها خلفه ليهرع إلى غرفة مكتبه فتتقافز خفقاته بجنون وهو يراها جالسة على الأرض رافعة ركبتيها تحتضنهما بذراعين متخشبين أخفيا وجهها بينهما لكنهما لم يخفيا رجفة جسدها الواضحة..

_ديمة!

لا يدري كيف غادر صوته شفتيه لكنه يعرف كيف غادر قلبه كأنه سكب في همسته روحه..
كل ما فيه كان يركض نحوها لكنه - للعجب- نجح في أن يبقي جسده واقفاً مكانه..
لو كان نجح في بداية مسعاه مع سند منذ قليل .. فسينجح معها هي الأخرى..
فلتعتد فراقه.. كما سيعتاده!

_عدت ؟!
تصرخ بها بلهفة وهي ترفع وجهها نحوه..
حلقة الزعفران في عينيها تستحيل لشمس كبيرة تسرق عينيه دون أمل في رجوع..
خاصة وهي تمد له ذراعيها بهذه الحركة العفوية التي استقبلته بها كذاك اليوم في المشفى..

_أنت بخير؟! أنت بخير؟!
ترددها مراراً سريعة متتابعة كالهذيان فتصيبه لهفتها كألف سهم من نار يكوي صدره..
تنهض من جلستها لتترنح مكانها لكنه يجبر نفسه أن يعطيها ظهره وهو يشدد قبضتيه جواره كأنه يمنع نفسه النظر إليها..

_لا داعي للقلق.. اكتشفنا ما بداخل القبو..

_أنت بخير؟!

همسها الملهوف خلفه يقاطع كلماته لكن صوته القوي لا يخذله وهو يتجاهله ليردف دون أن ينظر إليها :
_القضية ستفتح من جديد.. هذه المرة لدينا..

_أنت بخير؟!

من جديد يتجاهل همسها الذي يقاطعه بلهفة كأنها لا تسمع.. لا تعي.. لا تفهم..

_لدينا خيط جديد سيقودنا لذاك الوغد.. أظنك الآن صرتِ في أمان فلم يعد لديكِ ما يثير حفيظته.. لو كان لديه حرب الآن فهي معي أنا.

يقطع عبارته وهو يشعر بلمستها على كتفه فيكز على أسنانه بقوة وهو يتشبث بكل حبال مقاومته لكنه يشعر بذراعيها من الخلف يطوقان خاصرته بقوة ورأسها مزروع على ظهره.. لا يراها إنما يشعر أن صورتها هذه احتلت عينيه للأبد!

يشعر بانتفاضة بكائها وذراعاها يشتدان حوله كطوق من نار..
لم تقل شيئاً لكنه سمع في صمتها كل الكلام!!
يعلم أنها لا تعي ما تفعله.. لو وعت لابتعدت..
لكنه هو يعي.. وسيبتعد!
ذراعاه يزيحان ذراعيها عنه بقوة سيحسد نفسه عليها فيما بعد خاصة وهو يلتفت نحوها أخيراً..
أنامله تهم بمسح دموعها لكنه يتراجع ليقول بصوت متحشرج:
_اطمئني.. لم يعد هناك داع للخوف..

يرى عينيها معلقة ب"تفاحة آدم" خاصته فيزدرد ريقه بصعوبة مدركاً ما تفكر فيه لكنه يستمر في حربه مع نفسه وهو يبتعد بعينيه عنها ليتشاغل بالنول هناك فيردف ببروده المشتعل:
_جيد! أرى أنك أنجزتِ شيئاً معقولاً..
ثم ينظر في ساعته مردفاً :
_موعد جلستك مع دكتور كنان.. سأتركك وحدك كالعادة.

يقولها ثم يتحرك ليفتح حاسوبه المحمول على المكتب متصلاً بكنان ولم يكد يراها تتحرك مقتربة باستسلام حتى خرج من الغرفة هارباً منها.. ومن نفسه قبلها!
======
*أصفر *
======
تنهي رؤى التصميم الدعائي على حاسوبها المحمول ثم تتنهد بمزيج من فخر وتعب وهي تتفحصه من جديد..
تنتظر حتى يعود راغب كي تشاركه رأيه..
تبتسم وهي تنهض من مكانها لتتوجه نحو الدرج القريب فتستخرج منه دفتر مذكراتها القديم..

_(أحبك).. كتبتها لك في كل صفحة منه فلا تكتبي شيئاً فيه إلا وترينها قبله!

تذكرها كما سمعتها بصوته ذاك اليوم منذ سنوات فتبتسم لحلاوة الذكرى ثم تتناول قلماً لتكتب في الصفحة التالية..

_ربما لن أستطيع أن أترك هذا لابنتنا كي تراه.. لكنني سأحدثها كل يوم عنك.. عن هذا الرجل الأسطورة الذي عرف كيف يجمع كل فخامة الدنيا في بساطته.. وكل أمانها في عينيه.. وكل رصيدها في حنانه.. وكل نجومها في عشق بسعة السماء والأرض.

تسمع صوت مفتاحه في الباب فتتسع ابتسامتها وهي تراه يتقدم نحوها بملامحه التي مهما بلغ إنهاكها لا تملك سوى أن تجد راحتها في عينيها..

_ماذا تفعلين؟!

يسألها ببعض الدهشة فترفع له الدفتر القديم..
يقرأ ما كتبته لتلتمع عيناه بوهج عاطفته لكنه يمط شفتيه ليرد بنبرته الخشنة :
_وما الذي ذكّركِ بالذي مضى؟! هل قصرت في الحاضر كي تلجئي للماضي؟! على حد علمي أنا شديد الالتزام لأبعد حد وأستحق جائزة الزوج المثالي..
ثم يميل عليها ليردف وسط ضحكاتها :
_أم تراني أحتاج أن أزود مجهودي قليلاً؟!

يقولها مع قرصة لخصرها تجعلها تنتفض لتهتف وسط ضحكاتها بينما تبتعد :
_لا فائدة! دماغك دوماً يحيد نحو الشِمال! لن..

تقطع عبارتها وصوت هتاف هيام العالي من شقتها يصلها مكانها بوضوح فتعقد حاجبيها بضيق وهي تستمع للصراخ الذي صار لا ينقطع علي مدار اليوم..

_يالله! البيت لم يعد يحتمل! فضيحتنا وسط الجيران صارت حديث الكل!
يقولها راغب بضيق وهو يتخذ مجلسه بإرهاق ولايزال صوت صراخ هيام الغاضب بأحد أطفالها يصلهما مكانهما..
لترد رؤى ببعض الإشفاق:
_عصبيتها ازدادت سوءا بعد حلقة عزة الأخيرة في التلفاز.. الموقف يبدو وكأن عزة تقريباً تبرأت منها..لا ألوم عزة بعد ما حدث لكن.. هيام أيضاً..

تقطع عبارتها بزفرة قصيرة لتتوجه نحوه قائلة بتردد :
_اسمح لي أن أقول شيئاً.. فهمي أخوك يحتمل بعضاً من ذنبها؟!
_ماذا؟! أخي؟! أخي هذا له الجنة بصبره عليها!!
يهتف بها راغب باستنكار لترد رؤي بسرعة:
_وهذه قد تكون المشكلة! فهمي ليس مثلك.. هي لا تحسب له حساباً.. دوماَ تشعر بضعفه أمامها.. ربما لو وقف لها وقفة شدة ساعتها قد تعود لرشدها.. لا أقصد أن يقسو عليها لكن.. المرأة تحتاج لشدة الرجل كما تحتاج لحنانه.. القوة التي تقوّم لا تكسر.. احساسها أنه دوماً يلقي لها حمول كل شيء يجعلها تشعر بالخوف من ذاك اليوم الذي لا تعود فيه قادرة على الحمل ولا تثق فيه هو أن يفعل!

فيزفر بقوة وهو يمسح وجهه بكفيه قائلاً:
_معك حق! لكن هذا هو فهمي طوال عمره.. رغم كوني الأصغر لكنني كنت دوماً من يتحمل المسئولية.. وزواجه من هيام زاد الطين بلة.. حبه لها مع ضعف شخصيته رسم لهما دوماً هذا االإطار.. لكن هذه المرة تختلف.. هو لم يعد يحتمل.. واليوم جاء إلى الورشة ليصارحني أنه..

يقطع عبارته فجأة لتسأله بقلق :
_أنه... ماذا ؟!

_يفكر في تطليقها!
_ماذا؟! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! لهذه الدرجة!! وماذا قلت أنت؟!

يطلق راغب زفرة أخرى ليرد :
_نصحته ألا يفعلها بالطبع! أعرف أنها سليطة اللسان وقد تكون مؤذية أحياناً.. لكنها ليس لها سوانا.. حد الله بيننا وبين ظلم "بنات الناس".. هي أولاً وأخيراً أم أولادنا!

تبتسم بالمزيد من الإجلال لهذه الحمية الرجولية في طبعه لتقول بتردد :
_لو تأذن لي.. أفكر في أن أصلح بينها وبين عزة.. هيام تزداد سوءا بسبب هذا.

_عزة صارت ترفض أي اتصال من ناحيتنا.. ولا ألومها كثيراً.. دعيها في حالها تهنأ بزواجها.. أنا تقصيت عن زوجها كي أطمئن والجميع يشهدون له بحسن السيرة.. كما أن أهله ميسوروا الحال.. يقولون إنه يعيش مع عزة في بيت أخيه الذي يشبه القصور..ربنا سبحانه وتعالى عوضها.. هي تستحق كل خير.

يقولها منهياً الحوار في هذا الشأن فتطرق برأسها بعدم اقتناع..
لكنه يدير شاشة الحاسوب نحوه ليرى تصميمها الأخير فيبالغ في مدحه قائلاً:
_(عاش يا وَحش!)!

تبتسم فيهمّ بالمزيد لكن ظهور إشعار على الحاسوب يقاطعه ليلتفت نحوها قائلاً ببساطة :
_رسالة من واحدة اسمها جنة.. هذه صديقتك القديمة.. صحيح؟!

تكتم شعورها ببعض العسر ولايزال ذكر جنة أمامه يصيب منها رغم مرور كل هذه السنوات.. فتتحرك نحو الحاسوب لتغلق شاشته قائلة:
_لن أرد عليها الآن.. سأحضر لك الطعام لاريب أنك جائع.

فيتثاءب بإرهاق وهو يقف مكانه قائلاً:
_جداً.. سأغتسل ريثما تحضرين الطعام.

تمنحه ابتسامة واسعة وهي تتوجه نحو المطبخ القريب لتختفي ابتسامتها ببعض القلق وهي تفكر..
علاقتها بجنة شبه متجمدة منذ عهد بعيد تكاد تقتصر على تهنئات المناسبات وكلاهما تطمئن على صاحبتها من وقت لآخر فلم يعد الماضي يسمح بالمزيد بطبيعة الحال..
فما الذي تريده جنة منها الآن؟!
وهل يقضي القدر الذي ستر خطيئتها يوماً أن تفتح أبواب الماضي من جديد؟!
=======




*بنفسجي*
======


(صباح الورد)
تفتح ديمة عينيها وهي تسمعها بصوت أمها كما كانت في نومها فتبتسم بهناءة والذكرى الطازجة تطفو لذهنها..

_مربى الورد بطريقة أمك.. لا أحد ينافسني فيها.. تعالي أعلمك.

تتسع ابتسامتها وهي تتذكر المزيد فتلتمع عيناها وهي تتذكر شجرة الورد هنا في الحديقة.. هل تفي بالغرض؟!

تنتبه لوجوده جوارها حين تشعر بكفها الذي يضمه على صدره فترمقه ببعض الدهشة..
كأنها الآن تراه بنظرة أخرى..
هل هو تأثير الدواء الذي يجعل ذهنها أكثر صفاء؟!!

خفقاتها تتسارع بارتباك وهي تتفحص ملامحه في نومه شاعرة بالخجل..
كيف لم تنتبه أنها كانت تشاركه الفراش طيلة هذه الأيام؟!
كيف تبدو لها كحلم بعيد لا تفهمه؟!
كيف لا تخاف أن يؤذيها كغازي؟!

تكتم شهقة رعبها مع الخاطر الأخير وهي تتلفت حولها لكنها تستعيد نصائح كنان..

_أفكارك ملكك.. لاعبي عقلك كما يلاعبك.. هو يلاعبك بأشباحه فاهزميهم بحلاوة ذكرياتك.. اكسري كل المرايا في رأسك وستجدينها انكسرت خارجه.

تأخذ نفساً عميقاً وهي تستعيذ بالله سراً.. تستعيد بعض الآيات القرآنية التي تحفظها.. تعود لذكرى (صباح الورد) الحلوة فتتشبث بابتسامة تبدأ واهنة قبل أن تتسع..

تعاود الالتفات نحوه لتلمح حاجبيه المنعقدين في نومه فتمد سبابتها ببطء لتفك انعقادهما..
تفرح لانتصارها الصغير فتتسع ابتسامتها أكثر كطفلة..
هو نام هذه الليلة أيضاً!
صار ينام ليلاً..
تستيقظ لتجده يحتضن كفها على صدره..
تراه هذا هو السبب؟!

ملامحه تختلط في عينيها بألف صورة.. ألف وجه..
صورته المبهمة كحبيب هالة الخيالي الذي عرفته قبل أن تراه..
صورته المجرمة التي تبنتها هي بعدها..
صورته القديرة كمحام يجيد عمله..
صورته المحرومة لرجل عاجز ذاق مرارة النقص والمعايرة..
صورته البائسة المنهكة في سهره الطويل..
صورته الحنون الحازمة مع سند..
وأخيراً.. صورته معها هي..
بماذا تصفها ؟!
حب؟!
هل ستعودين تؤمنين بالحب يا غافلة؟!
وهل أوردكِ المهالك مثله؟!

تغمض عينيها على خاطرها الأخير لكن يعز عليها أن تختفي ابتسامتها فتعود لترسمها على شفتيها وهي تفتحهما من جديد لترمقه بنظرة حائرة..
كيف يجمع رجل واحد كل هذه الصور؟!
لن تفكر..
لا تريد أن تفكر..
فلتكسر كل المرايا داخل رأسها فحسب!

تنفض عنها خواطرها وهي تسحب كفها بحذر منه لتشعر بالارتياح وهي تراه لا يزال غارقاً في نومه..
تسير على أطراف أصابعها نحو فراش سند المجاور فتقبل جبينه في نومه ثم تغادر الغرفة ركضاً نحو الحديقة..

حيوية غريبة لم يعرفها جسدها من زمن..
هل هو الدواء؟!
عودتها لصلاتها وشعورها بالقرب من الله؟!
شعورها بالأمان - المؤقت- بعد طول قلق الأيام السابقة؟!
وربما.. كل هذا!!

_ريته يسلملي الزعلان.. اللي عامل حاله مش سألان!

تضبط نفسها متلبسة بدندنتها وهي تقطف الورد فتبتسم ببعض الخجل الذي لا تريد تفسيره وهي تتذكر يوم شغلها لها في السيارة..
تنتهي من قطف كمية مناسبة تعود بها للداخل.. تستقبلها الخادمة بحذر وهي تعرض مساعدتها لكنها تتجنبها بعناد طفولي وهي تخرجها من المطبخ لتبدأ في إعداد المربى كما علمتها أمها بطريقتها المميزة..

تنتهي من تحضيرها فتضع الإناء في طبق معدني كبير يحتوي الكثير من الثلج تلفه داخله بسرعة عدة مرات..

_ماذا تفعلين؟!

ترتبك قليلاً مع صوته الناعس الذي لم يستعد طبيعته بعد وقد بدا القلق على ملامحه.. القلق الذي تفهمته وهي تتشبث بنفس الابتسامة لترد :
_صنعت مربى الورد بطريقة أمي السورية.. نلفها هكذا بسرعة كي تبرد ولا يتغير لونها.

ابتسامتها بدت له غريبة نقية بسيطة.. وكالعادة آسرة!
هذه التي وخزت قلبه بشدة وهو يتمنى في هذه اللحظة لو يدلل ابتسامة كهذه بما يليق لكنه يكبح جماح نفسه معها مؤخراً فينعقد حاجباه دون وعي لتسيئ هي تأويل حركته فتغمغم بارتباك خائف:
_آسفة! تسرعت بقطف الورد.. سأدفع ثمنه!

لم تعد تزعجه عبارتها الأخيرة وقد بدت له وكانها تكررها عفوياً لكنه لا يزال ينزعج بردة فعلها المتطرفة في الخوف ليرد بنبرة خشنة تهرب من فيض عاطفته:
_لم أكن أعرف أنهم يصنعون المربى من الورد أيضاً.

فتجيب بعفويتها المنطلقة التي تشعره أنها عادت لعالمها القديم خاصة وقد عادت لها ابتسامتها :
_نحن مشهورون بها.. أمي كانت شديدة المهارة في صنعها.. رائحتها تعيدني لشارع بيتنا القديم.. للسلم القصير بدرجاته القليلة.. المطبخ الضيق الذي كنت أراه وقتها بسعة العالم.. والساحرة الطيبة أمي التي كانت تحيل الدنيا بعصاها السحرية لجنة حولي.. يالله!ما كان أحلى ذاك العمر!

ابتسامتها تنتقل إليه رغماً عنه وهو يراها تتحول لضحكة قصيرة بينما تردف عبر شرودها :
_ كان يوم صنع المربى ذاك يوم الشجار العالمي لي مع أمي.. كنت أخفي منها البرطمانات الزجاجية لأحتفظ بها كبيوت لعرائسي الصغيرة فيما كانت هي تهتف زاجرة أنها تحتاجها لحفظ المربى لكن أبي كان يفض النزاع بيننا وهو يعدها بالمزيد من البرطمانات في المساء عند عودته..

تنقطع عبارتها فجأة لتتحول ابتسامتها لدمعة كبيرة ثم تردف بخفوت:
_وذات ليلة لم يعد أبي.. عرفت وقتها ألا مزيد من الشجار مع أمي على البرطمانات فقد أدرك القلب لأول مرة معنى الحزن الحقيقي.

يقترب منها دون وعي وقد خشي عليها نداهة ذكرياتها القاسية لكنها عادت تتشبث بابتسامتها وهي تتناول ملعقة من المربى لتتذوقها بتلذذ لكنها تطلق آهة خافتة وهي تتبين أنها لا تزال ساخنة..
تسقط بعضها على ذقنها وثيابها فترتبك أكثر لتتعثر خطوتها بإحدى سيارات سند البلاستيكية التي يبدو أنه نسيها على الأرض.. تنزلق قدمها رغماً عنها فيتشبث حسام بها لتسقط بكامل ثقلها فوقه.. ويسقط كلاهما على الكرسي المجاور لتجد نفسها فوق ساقيه..

تتلاحق أنفاسها بارتباك يمتزج بشعور غريب وهي تميز لون عينيه اللتين غزاهما ضوء الشمس من النافذة في هذه اللحظة فتكاد ترى فيهما مرآة..
إنما مرآة لا تبصر فيها سوى صورتها هي!
وجهها يقترب أكثر كأنها فقط تطارد هذه الصورة..
الخوف.. الخجل.. الارتباك.. كلها تتضاءل أمام هذا الشعور القاهر الذي يعصف بجوارحها الآن..
رائحته تمتزج برائحة الورد.. السكر.. الليمون.. والماضي الحلو!
لا قارب.. لا بحر.. لا دم..
فقط "أنا معك" الرائعة تلفها بثوب من أمان فتردد اسمه هو بما بدا لها كتعويذة تقيها شر العودة!


وأمامها كان هو يشعر أن ذراعيه لا يتشبثان بمجرد جسد بل بما بقي له من الدنيا!
كل الأسوار التي ظن أنه بناها وسيبنيها بينهما الآن لا يبقى منها سوي واحد يفتح بابه لها..
نفس الباب الذي تفتحه الآن حلقة الزعفران في عينيها وهي تتوهج بذاك البريق الذي بدا هذه المرة مختلفاً وهو يميز همس شفاهها باسمه..شديد الخفوت إنما صاخب الدوي في روح هائمة بها كروحه!
لكن هذا لا يساوي شيئاً أمام هذا الإعصار الذي ضرب جوارحه كلها وهو يشعر بأناملها تتلمس عقدة حنجرته.. ببطء.. ببطء مهلك يشبهها.. ولا تزال تهمس باسمه دون صوت تقريباً..
الآن يوقن أنها في وعيها.. تقترب بإرادتها..
عيناه تطاردان بقايا مربى الورد العالقة بذقنها فتلحق بها شفتاه.. وقلبه!

_تباً! سأموت لو لم أفعلها الآن! لن تبكي.. لن تبكي.
نفيه يمتزج بالطلب في مزيج غريب لا يليق بسواهما فلا يدري هل يقولها كرجاء أم كأمر أم كنبوءة!!
لا يهم بأي لسان نطقها فالسباق الحار يبدأ!
السباق الذي كان يعدو فيه كلاهما بكل طاقته هارباً من أمس.. ومحاولاً اللحاق بسراب الغد..
فبين ذراعيه كانت هي تجرب لأول مرة نشوة قبلات..
الخوف البدائي الذي لم تملكه لأول وهلة..
الدهشة من هذا "الطغيان الحاني" الذي امتد حتى هاهنا..
الاستكشاف لهذا الشغف الدافئ الذي بدا وكأنه منقار عصفور يخز كل خلية داخلها برقة مشاكسة..
وأخيراً.. السَكرة التي غيبتها فاستسلمت لها حد الثمالة!
======













_فاسقة! غانية لا تجيد سوى بيع جسدها!
يصفعها بها شبح غازي الأسود في انعكاس صورتها على زجاج الموقد بينما تقف في المطبخ وحدها فتطلق صرخة خافتة وهي تتلقى صفعاته واحدة تلو الأخري..

_حشرة ضعيفة تدوسها الأقدام.. عاهرة لا يعني الناس فيها سوى جسدها.. خائنة نسيتِ ثأر صاحبتك وعشقتِ حبيبها.. وحدي من كنت تستحقينه فلا ترتدي ثوب الضحية..

صرخاتها الخافتة تنكتم في حلقها وتنفجر داخلها كالشظايا..
تستغيث بالشبح الأبيض لكنها لا تراه..
هجرها ورحل مع من رحلوا..

تغطي وجهها بكفيها وهي تستعيد ما حدث منذ قليل..
كيف انقلبت وردية الصورة لحمرة الدم.. وزرقة الخوف..
كانت ذائبة بين ذراعيه وهي تجرب معه لأول مرة تلك النشوة..
لكنه ما إن تجرأ ليرفع عنها طرف ثوبها فتمس أنامله بشرتها العارية حتى شعرت بالانفجار!!
كل ندبة قديمة في جسدها بدت وكأنها بعثت من جديد لتصرخ كل خلاياها بالألم!!
جنة ذراعيه فجأة استحالت لجحيم مستعر ووجهه يتبدل في عينيها..
تارة بلون الدم على ثوب زفافها الأبيض..
وتارة بلون الموج الأزرق الذي ابتلع قاربها ليقذفها بعيداً عن الوطن..
حتي "تفاحة آدم" رمز أمانها استحالت وقتها لجمرة نار تلسع راحتها فلم تشعر بنفسها إلا وأظافرها تنغرس في رقبته لثوانٍ قبل أن تدفعه بقوة لتنزوي في زاوية المطبخ هاهنا..
رأته يرمقها بنظرة غاضبة أرجفتها بالمزيد من الخوف وهي تضم ثوبها إليها تنتظر أن يفعل بها كغازي لكنه يغادر المطبخ بل والبيت كله بعدها ليذرها وحدها..

ترفع وجهها من جديد نحو الزجاج العاكس للموقد..
تحاول المقاومة لكنها لا تستطيع..
جسدها يخزها بألم وهي تستعيد شعورها بلمسته فوق بشرتها العارية..
تحاول تذكر نصائح كنان لكنها تعجز هاهنا..
تحاول الاستعانة بما تحفظه من آيات القرآن لكن الحروف تعاندها..
تتلعثم.. تنساها.. ذهنها كله مشتت..
الدواء!
الدواء هو الحل!!

تتحرك لتنتزع علبة الدواء من مكانها فتفتحها لتهم بتناول القرص لكن وجهها يصطدم من جديد بانعكاس صورتها..
هذه المرة شبحها الأرجواني يتدخل ليأتيها بالمدد :
_لا تأخذيه! ما يدريكِ ما الذي يحتويه هذا الدواء؟! لا تزالين تثقين بهذا الرجل؟! هاقد ظهرت نواياه! هو كغيره.. لا يريد منك سوى جسدك.. صبر طويلاً وجاء الوقت لينال غنيمته منك.. لكنك لم تعودي ضعيفة كالسابق.. أريهم أي قوة تملكينها..

شفتاها ترتجفان بقوة وهي تشعر بجسدها بارداً كالثلج للحظات قبل أن يشتعل فجأة كأنما أضرمت فيه النيران..

_هم لا يعترفون إلا بشريعة الغاب.. مبدأ القوة.. يجب أن تؤذيهم أنتِ قبل أن يؤذوكِ.. اقذفي جمراتك في عيونهم قبل أن تحترقي أنتِ بها.. القسوة هي سلاحك..اجرحي يا ديمة.. اجرحي.. دمري.. اكسري ولا تبالي.. هكذا تضمنين ألا يبادروك هم بالإيذاء..

جسدها يشتعل أكثر وأناملها تكاد تعتصر علبة الدواء في كفها..
أناملها الحرة تمتد لسكين المطبخ الكبير فتعدو به للخارج..
لا أحد..
الخادمة مع سند في الغرفة المغلقة..

تتحرك مندفعة نحو الستائر فتمزقها جميعها بالسكين الكبير..
مزقي.. اكسري.. اجرحي..
غرفة مكتبه تفتحها لتمزق جلد الأريكة.. كرسي المكتب.. الستائر..
كل ما تطاله يداها..

المزيد.. المزيد..
مزقي.. اكسري.. اجرحي..

تغادر غرفة المكتب نحو الحديقة فلا تجد ما تفعله..
أناملها تلوح بالسكين يمنة ويسرة كأنها تمزق ما لا تعرفه..
وأخيراً..
تقع عيناها على سلطانة وجرائها!!

_اجرحيه في كل ما يحبه كي لا يجرؤ على إيذائك من جديد .. هو ذا الهدف!!

تركض نحوها بسرعة تتلاحق معها أنفاسها..
تنبح الكلبة بود وهي تلعق طرف قدمها فيزداد اشتعال جسدها بالوخز القديم..
أناملها لا تزال تعتصر علبة الدواء في كفها.. والأخرى ترتفع بالسكين..
لا..
لا مزيد من حمرة الدم!
السكين يسقط من يدها فيهيأ إليها أنها تسمع صوت ضحكة غازي الساخرة من ضعفها..
صفعته تهوي على وجهها من جديد..

مزقي..
كسري..
اجرحي..
اقتلي..
اقتلي..
اقتلي..

بوابات الجحيم كلها تنفتح على مصراعيها أمام عينيها بما لا قبل لها به..
فلا تشعر بنفسها إلا وهي تسكب الأقراص كلها في إناء شرب سلطانة لتهوي بعدها جالسة أمامها تراقبها بشرود زائغ وهي تراها تشرب السم..
نباحها يتعالى في أذنيها بما يشبه الأنين.. لكن الأصوات الأخرى تقهره..
صوت غازي يختفي مع شبحه الأسود فتشعر ببعض الانتصار..
صوت تصفيق الشبح الأرجواني يزيد من نشوة انتصارها..
لكنه كذلك يختفي وهي ترى سلطانة أخيراً تسقط على جنبها فتشهق برعب وهي تنتبه لما فعلته..

هي قتلتها.. وانتهى الأمر!

======
*أحمر*
======
_را... را..

اسمها كما ينطقه الصغير سامي يمتزج بضحكات الأخير وهي تدغدغ باطن قدميه بأنفها وقد جلست قبالته على الأرض فيراقبهما إبراهيم من بعيد بابتسامة عاشقة تزداد هياماً بها يوماً بعد يوم..

يبسط ربيع كفه على كتفه وقد وقف جواره على سطح بيت هبة ليقول العجوز بنبرة راضية :
_زوجتك هذه نعمة! في البداية صنيعها معي.. ثم مع سندس.. وأخيراً سامي.. من يقول إن حنانها هذا لطفل ليس من صلبها؟!
_بركة دعائك يا "مستر ربيع"!
يقولها إبراهيم بمزيج من عاطفة وفخر وهو ينكب على كف أبيه يقبله ليرد الرجل بسماحة:
_بل هو قلبك الطيب المتوكل كقلوب الطير.. استحق قلباً مثله يؤنسه ويكمل معه الطريق.

فيتنهد إبراهيم ليقول ببعض الضيق:
_فقط لو تصارحني بما يؤرقها! كل ليلة تصحو من النوم مذعورة.. كل صلاة أراها تختمها بالبكاء.. كل مرة تودعني فيها عند خروجي من البيت تشعرني أنها تودعني للأبد!

_محسودة!
تقولها هبة من خلفهم بصوت خافت وهي تشاركهم مراقبتها من بعيد ليلتفتا نحوها فتقول بما يشبه الاعتذار:
_لم أقصد التصنت لكنني سمعتكما..
تقولها وهي ترفع كفها لتردف بتعاطف:
_ سمرا محسودة..! أنا أيضاً لاحظت ما يقوله إبراهيم.. أظنها تحتاج للرقية.. هي فائقة الجمال والناس لا تترك أحداً وشأنه!

فيبتسم ربيع وهو يقول بشرود :
_أظنها فقط خائفة مما لا يمكنها الإفصاح عنه!
_ماذا تقصد يا أبي؟!
يسأله إبراهيم بتوجس لكن وصول الحرافيش يقاطع حديثه وأكبرهم قيس يرفع ما بيده قائلاً:
_أحضرت الذرة طازجة.. عنتر سيشعل النار كي نشويها..
_ذرة من جديد؟! لا!! تشاءمت من المرة السابقة!!
تقولها هبة ببعض الضيق وهي ترفع كفيها فيهتف روميو بمرح مشاكس:
_لا طير ولا طيرة يا شيخة هبة!

ترمقه بنظرة ساخطة فيتضاحك مع إخوته وهم يتقدمون نحو يسرا التي نبهها إبراهيم لتقف مكانها وهي تحمل سامي هاتفة بمرح :
_متى جئتم؟!
_منذ زمن.. يبدو أنني سأبدأ في الغيرة من ذاك الصغير!!
يهمس بها إبراهيم في أذنها لترمقه بنظرة معتذرة لكنه يردف ببعض العتاب:
_كنتِ تميزين حضوري من رائحتي التي تزعمين إدمانها والآن.. فسد أنفك!
تطلق ضحكة صافية وهمسه الخافت لا يسمعه سواها فتميل على أذنه بدورها هامسة:
_تستحق اعتذاراً مناسباً لكن ليس الآن!

تغمزه بها بدلال يجيد قرع أبواب رجولته فيضمها إليه بذراعه ليهتف قيس مشاكساً:
_نحن هنا!
_ومن أحضرك إلى هنا؟! ارحل لو لا يعجبك الحال!
يقولها إبراهيم مشاكساً بدوره وهو يرفع قبضته في وجه ابن عمه الذي يضحك وهو يبتعد لتبدأ حفلة الشواء.

_كيف حال سندس؟!
تسأل يسرا وهي تنتحي بإبراهيم جانباً بعدما تركت سامي مع هبة التي دخلت به للشقة كي تغسل له وجهه فيرد مطمئناً :
_بخير.. تتحسن.
لم تكن تحتاج جوابه المقتضب فهي تطمئن عليها بنفسها من صاحب المصحة يومياً.. لكنها كانت تعيد طرق نفس الباب :
_ستسامحها بعد عودتها؟!
_الله من يسامح.
يقولها باقتضاب فتعاود الطرق:
_ألا شيء سيشفع لها؟!
_نقطة خمر واحدة كافية لتدنيس نهر من لبن! هكذا هو الكذب عندما يطعن ظهر الثقة!
_قاسٍ أنت!
_بل واقعي! المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!
يقولها بحسم يخرسها للحظات ويكدس هذه الدموع في عينيها فيستغفر الله بصوت مسموع ثم يضمها إليه بذراعه هامساً بحنان :
_لا تخافي.. لن أمنعك عنها ولا عن سامي.

تخفي وجهها في كتفه تنهل من رائحته بعض المدد.. تتحسس بطنها بدعاء خافت وهي تتمنى لو تتحقق أمنيتها بأسرع ما يكون.. حتي لو لم يشفع لها هذا وقتها فيكفيها أنها قد نالت منه هدية العمر التي ستعيش عمرها لأجلها..

_لا أغاني! لا موسيقا! شغلوا قناة إخبارية!
_يا لطيف! هل ينقصنا النكد ؟!

تفتح عينيها على صوت مشاكسة الحرافيش لهبة وهم يصرون أن يشغلوا التلفاز على قناة منوعات فيما تصر هي أن تكون قناة إخبارية فيفض ربيع النزاع وهو يتخير قناة مناسبة تذيع برنامجاً حوارياً شهيراً لمذيع خفيف الظل تتقبله هبة على مضض..

يتحرك إبراهيم ليتناول "كوز ذرة" ساخنا يعود بها إليها فتهم بأخذه منه لكنه يقول بحنانه العفوي:
_قد يؤذي يدك.. لا يزال ساخناً.. اتركيه معي حتى يبرد قليلاً..

تبتسم وهي تشعر بسامي الذي عاد ليتشبث بطرف ثوبها فتجلس على الأرض بتحفظ جواره ليجلس إبراهيم جوارها..
ابتسامتها تتسع وعيناها تنتقل بين وجوههم جميعاً كأنهم أغلى ما حظت به من كنوز الدنيا..
لكن ابتسامتها تتجمد على شفتيها وهي تتابع الحدث المصور الذي كان ينقله البرنامج في التلفاز :

_حريق كبير في أوتيل (....) بشرم الشيخ يسفر عن وفاة بعض نزلائه وإصابة الآخرين.. من ضمن المتوفين ابنة الوزير الحالي (...) وزوجته.. شقيقة (...)..
عيناها تزيغان بارتباك فتصم أذناها عن ضحكات الجميع حولها وهم منشغلون بالمشاكسة بينما تميز معرفتها ل"شلة النادي" في الأسماء المذكورة لتربط هذا مع ما ذكرته لها كوثر بالأمس من ذهاب سمرا معهم لقضاء بضعة أيام هناك باسمها هي..
فيجف حلقها بقوة وهي تتوقع المصيبة القادمة مع تتابع الصور علي الشاشة..
لتأتيها الصدمة المتوقعة مع استطراد المذيع :
_وإصابة (يسرا الصباحي) ابنة اللواء الأسبق رفعت الصباحي بجروح بالغة..
فيرتعد جسدها كله مع مرأى صورتها وهي تملأ الشاشة!
======
في غرفتها بالمشفى تتأوه سمرا "الحقيقية" بألم وهي تتحسس ذراعها المضمد وجانب وجهها الذي ناله الحريق..
يقولون إن جروحها ليست بالخطيرة لكنها تشعر أن هذا الحادث بالذات سيترك ندبته في حياتها كلها..
هل يعاقبها الله لأنها أخذت حياة غير حياتها؟!
وهل كانت تملك مع امرأة بتسلط يسرا الصباحي خياراً آخر؟!
لا..
لن تكذب فتدعي أنها فعلتها فقط بدافع الخوف..
إنما هو الطمع كذلك..
رغبتها في أن تعيش حياة كهذه..
ليس فقط مالها وجاهها ورفاهيتها..
بل.. أمانها!
الأمان الذي افتقدته في عمرها كله!

صوت طرقات على الباب يقاطع أفكارها فتلتفت ليطالعها وجه كوثر الممتقع وهي تغلق الباب لتقترب منها هامسة بذعر :
_مصيبة! مصيبة!
_مصيبة أكثر من هذا؟!!
تهتف بها باستنكار لترد كوثر وهي تشير نحو الباب قائلة بصوت مرتجف:
_فادي بيه.. طليق يسرا هانم.. يبدو أنه علم عن الحادث وجاء فوراً إلى هنا..
_هنا؟! أي هنا تقصدين بالضبط؟! هنا مصر؟!
تسأل سمرا برعب وهي تنكمش مكانها لترد كوثر وهي تلطم خدها بخوف:
_بل هنا في المشفى.. هو في الخارج يريد رؤيتك!
=======
انتهى الفصل الرابع والثلاثون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 03:40 AM   #2906

نهله صالح

? العضوٌ??? » 425707
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 166
?  نُقآطِيْ » نهله صالح is on a distinguished road
افتراضي

الفصل رائع
ديمة امامها وقت طويل حتي تشفي من اشباحها
حسام صعبان عليا جدا
شمس وعيونها التي اخذتها من عاصي
هل ستكون قوية مثله وتقوم من مرضها
جنة وماذا تريد من رؤي
سلطانة ماتت😭😭😭😭


نهله صالح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 03:47 AM   #2907

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

الفصل جبار قفلته مغفلجه ربنا يستر من الجاى

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 04:13 AM   #2908

حنان عبدلي

? العضوٌ??? » 485258
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » حنان عبدلي is on a distinguished road
افتراضي

يااااالهويييي فصل قنبلة من الاحداث
هادي البداية و مازال مازال...
مع نيمو الفصول القادمة اوعى تغمض عنيك 😮 دخلنا على كوكب اكشن و مغامرات و رعب 😎😎
بحب الاحداث دي😁 شكرا نيمو تسلمي على الفصل الرائع دا احببته جداا 🌹🌹🌹


حنان عبدلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 04:19 AM   #2909

مريم ابو السعود

? العضوٌ??? » 477851
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » مريم ابو السعود is on a distinguished road
افتراضي

رائع جدا جدا ..... مشاعر حسام وانهيار ديمه .... رجوع فادي واستمرار رعب يسرا.. ذنب عاصي وطريق الغفران الطويل .... دعم فهد كصديق ... فصل دسم جدا مليان مشاعر حلوة.... تسلم ايديك بالتوفيق دايما

مريم ابو السعود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-21, 04:23 AM   #2910

شيرين الفاتح

? العضوٌ??? » 473676
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » شيرين الفاتح is on a distinguished road
افتراضي

يسرا لبست ف سمرا للابد 😂😂

شيرين الفاتح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:24 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.