آخر 10 مشاركات
جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          116 - أريد سجنك ! - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : angel08 - )           »          91-صعود من الهاوية - بيتي جوردن - ع.ج ( إعادة تصوير )** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          كوب العدالة (الكاتـب : اسفة - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-06-21, 02:36 AM   #2801

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي


الطيف الحادي والثلاثون
======
*برتقالي*
=====
_طيف!
يهتف بها يحيى بمزيج غريب من ارتياح وغضب وقد أصابت رصاصة طيف مسدس عدي لتسقطه أرضاً وتخدش كفه فيطلق صرخة ألم وهو يلتفت نحوها..
ليس وحده!
العيون كلها تلتفت إليها فتلتوي شفتاها بشبه ابتسامة وهي تطلق شهقتها الساخرة المكتومة المميزة مع قولها :
_لا حاجة للقول أنني قد جئت في الوقت المناسب!سأعتبرها طلقة صائبة فلم يكن الوقت كافياً كي أكمل دروس الرماية مع أخي في الصعيد.

يرمقها يحيى بنظرة ساخطة متوعدة وقد زأر وجهه بانفعالاته قبل أن يتحول اهتمامه إلى شجون فاقدة الوعي.. لكن استبرق كانت أول من تحكم في دفة الأمور كالعادة وهي تنحني لتجلس على ركبتيها أمام شجون تضمها لصدرها بحنان زائف وهي تربت على وجنتها برفق هاتفة بين دموعها :
_أفيقي حبيبتي! يالله!! كأنما تنقصنا المصائب!!

تندفع سراب كذلك لتجلس مثلها وهي تمسد كف أمها البارد بين صرخاتها الملتاعة.. تهرع لتحضر زجاجة عطر قريبة تعود بها لتعاود محاولتها مع أمها فتتململ الأخيرة في رقدتها لتبدو على وشك الإفاقة..
هنا تنطلق الصيحات المستنكرة التي تتحرر أخيراً من الحضور وقد اطمأنوا نوعاً ما على المرأة ليستعيدوا صدمتهم بما صرح به يحيى لتوه..
والذي وقف لاهث الأنفاس محمر الوجه أمام هجومهم الناري يناظرهم بعينين ضائعتين لا يصدق أنه أخيراً فتح باب الجحيم!!

_كفى!
صيحة استبرق العالية توقف اللغط فتتطلع إليها العيون بما فيها عينا شجون التي استعادت وعيها..
فتقف الأولى مكانها لتتوجه نحو يحيى فتناظره بعينين جامدتين تناقضان الحرارة المشتعلة المنبعثة من آدائها التمثيلي وهي ترجه بين ذراعيها هاتفة بصوت متحشرج:
_منذ زمن وأنا أكذب ظني فيك.. أخفي عن نفسي قبل الجميع مصيبتي في وحيدي.. لم أتوقع أبداً أن يصل مرضك هذا الحد.. حد أن تقذفني في شرفي!!

يتعالى اللغط من جديد لتهتف سراب بدهشة :
_أي مرض؟!
_يحيى.. يالله!! كيف أقولها؟! كيف أجبرتني أن أعترف بها؟!! كيف وقد عشت العمر أستر عورة مرضك لتأتي اليوم وتفضحني!!

انهيارها العاطفي في هذه اللحظة وهي ترجه بين ذراعيها كان حقيقياً وإن اختلفت أسبابه المعلنة..
هي فقدت ابنها!
فقدته بلا رجعة!
فلتمضِ في خطتها إذن للنهاية.. فقط لتتنعم بعناق أخير!!

تضمه لصدرها بقوة مستغلة صدمته لتردف بين دموعها الصاخبة :
_الأطباء صارحوني منذ زمن بعيد .. منذ تلك الفترة التي أصبتَ فيها باكتئاب حاد عقب وفاة والدك.. أو - بالأدق- ما أعلنت أنا عنه أنه مجرد اكتئاب . . أخبروني أنك قد تنتكس في أي لحظة تحت أي ضغط ليتحول الأمر لما هو أكثر خطورة.. لكنني لم أصدقهم..كتمتها في صدري وأنا أدعو الله أن تخيب ظنونهم ويخطئ تشخيصهم.. هذا هو السبب الحقيقي لرفض عمك تزويجك بابنته.. خاف أن يكون الأمر له سبب وراثي فيزيد زواجكما من فرصة ظهوره في الأبناء بحكم كونكما أقارب.. عرفت لماذا رفض عمك تزويجك بابنته؟!

_كذب.. كذب!
يتمتم بها يحيى مبهوتاً وهو يبعدها عنه ببعض العنف لتردف بنبرة أكثر انهياراً :
_هل تتصور حالتي إذن طوال هذه السنوات التي ابتعدت فيها عني؟! تظنني كنت غافلة عنك؟! عن متابعة حالتك؟! هذه الهلاوس التي كانت تنتابك من آن لآخر فتجعلك تأتي بأغرب الأفعال!! وأولها هذه الطفلة مجد التي تعلن أنها ابنتك!

_بماذا تهذين أنتِ؟! لماذا تخلطين الأمور؟!
يهتف بها يحيى بغضب أرعش صوته لتهتف هي بحرقة وهي تتناول هاتفها لتستخرج صورة لامرأة شابة رفعتها في وجوه الجميع:
_هذه جاءتني بالأمس.. أخبرتني أنك عشت معها قصة حب باسم آخر.. وتفاصيل أخرى.. أخبرتني أنها التقتك في "أبو ظبي" وأنك أنكرت معرفتها.. أخبرتني أنك أخذت منها الكثير من المال ثم اختفيت لتظهر في بلد آخر باسم آخر وحياة أخرى..

تشحب ملامح يحيى وهو يشعر بالحصار متذكراً تلك المرأأة من ضحاياه لتستطرد استبرق بنفس اللوعة :
_لكنني أخبرتها أن ابني ليس نصابا.. ابني فقط مريض.. مريض ويرفض الاعتراف والعلاج.. هل أكذب في هذا يا يحيى؟! هل كانت هذه المرأة آخر حكاياتك؟! ألم تعش في هلاوسك هذه طوال تلك السنوات التي عشتها بعيداً عنا؟؟! كم اسما مزيفا حملت؟! كم حياة مصطنعة عشت؟! كنت أراقبك من بعيد وأنا أحاول حمايتك من نفسك لأن البديل كان أن أعترف أمام الجميع باختلال عقلك.. وربما كان هذا خطئي الأعظم الذي أدفع الآن ثمنه!!

يشعر يحيى بالأرض تميد تحت قدميه في هذه اللحظة حتى أنه..
أنه هو.. كاد يصدقها!!

ينتقل ببصره بين العيون فلا يحتاج للمزيد كي يدرك أنهم صدقوها!!
حتى إلياس!
اهتزت نظرته لثوان كأنه يقلب حديثها في رأسه!!
كلهم صدقوها!!
هو نفسه كاد يصدق!!
زوج واحد من العيون بقي..
عينا طيف!!
تراها هي الأخرى صدقتها؟!!

والجواب تمنحه إياه في حركة عملية وهي تتقدم نحو استبرق بحركة خاطفة لتنتزع منها قلادة عنقها باسم يحيى فتنكسر لتتأوه استبرق بمزيج من غضب وألم وهي ترمقها بنظرة مصدومة لكن طيف تلقي القلادة في وجهها لتهتف بازدراء:
_قد تصلحين هذه يوماً.. لكن علاقتك بابنك كيف ستصلحينها بعد كل هذا الكذب والخداع؟! مثلك لا تستحق لقب أم!

يشعر يحيى وكأن حركتها أعادت ثبات الأرض تحت قدميه..!
لم يخطئ يوم وصفها يوما أنها "كل جنده"!!
يتعالى اللغط من جديد ليهتف عدي بصوت عاد إليه زئير غضبه:
_المجنون يُعالج في مصحة نفسية لا يترك ليعيث في الأرض فسادا بل وتجعلونه رئيس مجلس إدارة!
_يحيى ليس مجنوناً!
يهتف بها إلياس بصرامة وهو يفقد حلمه المعهود ليتقدم نحو عدي فيدفعه نحو الحائط يلصقه به ليناظره بعينين ناريتين:
_أنا تحملتك كثيراً لكن لو تفوهت بكلمة واحدة عن يحيى فسأقطع لسانك غير نادم!

_عمي!
تهتف بها سراب بلوعة ليلتفت نحوها هادراً بعنف:
_اخرسي أنت الأخرى! لم تعودي طفلة لتتصرفي بهذه الحماقة وتأتين لغرفته هكذا!
_أنا أتيته لأستشيره بعيداً عن غيرة عدي الخانقة.. لم أكن..
تهتف بها سراب بنبرة دفاع مذنبة لكن استبرق تتخطاها لتقاطعها بقولها مخاطبة إلياس:

_هل يعني هذا أنك تكذبني أنا ؟!
تهتف بها بحرقة مصطنعة بين دموعها وهي تتقدم منه لتدير كتفيه نحوها مردفة بألم :
_تشكك في شرفي أنا؟! أنا دخلت بيت شقيقك وأنت مجرد طفل.. ربيتك مع يحيى كأنكما شقيقان! أنا لست أم يحيي وحده.. أنا أكاد أكون أمك أنت الآخر!! يالله!! هل صار شرفي مضغة في الأفواه؟! هل هنت في عيونكم إلى هذا الحد؟!

تنهي عبارتها لتترنح مكانها في انهيار غير مصطنع يجعل سراب تشفق عليها لتترك أمها وتهرع إليها كي تسندها..
فيتبادل الجمع نظرات مكفهرة قبل أن تعود عيونهم ليحيى فيشعر بنظراتهم تعريه مكانه..

_خذ زوجتك وارحلا من هنا!

يقولها إلياس بنفس الصرامة وقبضته الداعمة تحط على كتف يحيى ليصرخ عدي بانفعال:
_إلى أين؟! لن يغادر هنا إلا إلى مصحة عقلية!
_والله لا أحد يستحق الذهاب إلى مصحة عقلية سواك!
تهتف بها طيف بحميتها المعهودة وهي ترفع مسدسها في وجه عدي الذي تراجع للخلف عفوياً بخوف لكنها تعاود خفضه مردفة بتهكم فظ:
_أفكر جدياً في تزيين رأسك هذا برصاصة.. وقتها سأكون ممتنة كثيراً للسيدة استبرق لو لفقت لي تهمة الجنون كما فعلت بابنها كي تكفيني شر العقوبة!

تقولها لتتراشق استبرق نظرات نارية ثم تقترب منها لتردف بازدراء :
_آسفة لأني وصفته ب"ابنك"! شرف لا تستحقينه!

تتبع عبارتها ببصقة فظة على الأرض فيكاد الموقف يشتعل من جديد لولا هتاف إلياس الصارم:
_ارحل بزوجتك يا يحيى!

هنا يجول يحيى ببصره في الغرفة للحظات ودقات قلبه تشبه المطارق..
عجباً لحكم القدر أن تكون هذه المواجهة هنا!!
هنا في غرفته القديمة!!
هذا الفراش الذي كانت تنام فيه "أمه" جواره لتحكي له القصص صغيراً وتناقش معه أحلامه مراهقاً وترسم له الخطط شاباً..
تحت هذا الفراش ترقد كراتين ألعابه التي كانت تشاركه بها اللهو..
هذا المكتب هناك كانت تسهر معه عليه تساعده في المذاكرة..
هذه الحوائط الأربع لو نطقت لحكت آلاف الذكريات الطبيعية بين "ام" وابنها!
ما الذي حدث؟!
المرارة التي في صدره الآن تجعله يغمض عينيه على دمعة خاشعة متضرعة تتمني لو كان ما تقوله حقيقيا..
لو كان حقا مجنونا فيرحم من كل هذا العذاب!!

يفتح عينيه أخيراً ليمنح استبرق نظرة واحدة..
نظرة واحدة صرخت أن أمه الآن ماتت!
نظرة زلزلت استبرق مكانها وهي تدرك ما خسرته لتبكي بانهيار لم تتصنعه..

يشعر بكف طيف القوي يعانق كفه فيطبق شفتيه على آهة مكتومة وهو يلقي نظرة أخيرة على الغرفة قبل أن يغادر..

_لن تسألني من أين أحضرت المسدس!

تقولها طيف وهي تستقل السيارة جواره عائدين لبيت إلياس تحاول إخراجه من صمته الذي طال لكنه لا يرد وقد بدا لها كأنما اختطفته أفكاره..
فتستمر في محاولتها بإصرار :
_عاصي أرسله لي هنا مع أحدهم منذ يومين.. أرسل لي برسالة معه أنني قد أحتاجه هنا.. يخيفني هذا الرجل ليس فقط بيده الطويلة في أي مكان إنما باستقرائه الفطن للواقع.. الآن أشكر له حرصه على تعليمي الرماية عندما كنا في قصر الرفاعي..صحيح أنني لم أجد الوقت الكافي للتمرين لكنني سأعتبر ما حدث اليوم إنجازا يستحق الفخر..لا أتعجب إرساله لي بالمسدس بعد وفاة عمك بالسجن.. أظنه خمن مثلي أن الوفاة ليست طبيعية خاصة في هذه الظروف!

لا يصلها منه رد لكنها لم تستسلم وهي تستطرد :
_أظن أن عنادي كان خصلة حميدة هذه المرة.. أشعر بالامتنان كثيراَ لحدسي الذي جعلني أخالف أمرك و أترك مجد مع الخادمة فور استسلامها للنوم كي ألحق بك.. شيء ما في تصرفات عدي المخبول هذا أشعرتني بالريبة.. الحقيقة ليس هو وحده المخبول.. سراب هذه كذلك!! امرأة برأس قرد!! كظمت غيظي كثيراً كي لا أمنحها تذكاراَ آخر بمسدسي.. لماذا دخلت غرفتك بهذه الطريقة؟!

لا يزال صمته يبتلعه فتطلق سبة عابرة وهي تستطرد بنفس الفظاظة الساخرة التي اعتادت بها مواجهة همومها :
_"أوسكار أحسن تمثيل"! تستحقها أمك اليوم! لا تتعجب أنها عرفت عن ماضيك.. تلك الليلة رأيتها في حديقة قصر الرفاعي واستنتجت أنها سمعت حديثك مع" فرقع لوز" ذاك! أشهد لها بالذكاء وسرعة التصرف.. خصم قوي سيروقني كثيراً التعامل معه الأيام القادمة.

تتوقف السيارة أخيراً أمام باب بيت إلياس فترمقه بنظرة مترقبة وهي تنتظر منه رداً أو حتى مغادرة السيارة لكنه يبقى جامداً مكانه..
فقط ينطق أخيراً دون أن ينظر إليها :
_انزلي لمجد.. واتركيني.
لكنها لا تحرك ساكناً كأنها لم تسمعه للحظات طالت.. ليلتفت نحوها فتلتقي عيناهما لأول مرة منذ ذاك الصدام في بيت الأمين..
يجذبها فجأة بين ذراعيه فتكتم شهقة دهشتها وهي تراه يعتصرها بين ضلوعه..
صمت قصير يغزل خيوطه بينهما قبل أن يتقطع همسه الحار في أذنيها مناقضاً قوله السابق:
_لا.. لا.. لا تتركيني.

_لم أكن سأفعل!
همسها يمزج فظاظتها الفطرية بشعورها الأمومي نحوه.. فلا تتردد لحظة وذراعاها يطوقان خاصرته بكل قوتها..
تشعر بأنامله تعبث بخصلات شعرها بعزف اشتدت وتيرته حد شعورها بالألم لكنها كانت تشعر بما يكابده فتشدد ضمتها لخصره ليصلها همسه:
_لن أنسى اليوم أنك.. أنك وحدك من صدقتني عندما كذبني الجميع.. أنا نفسي كدت.. كدت أكذب نفسي!

_أنا أستعيدك.. أستعيد الرجل الوحيد الذي استباح نوره ظلمة كهوفي.. لا أزال أحاول فعلها.. لن أسامح نفسي ولن أسامحك لو لم نفعلها.
لا تزال اعترافاتها غير المنطوقة بالحب تذهله!!
تشد الوثاق بين روحيهما أكثر فيزداد يقينه أنها حقاً "توأم روحه"!

شفتاه تحطان فوق جبينها كطير شريد وجد أخيراً ملجأ أمان..
وشفتاها تحطان فوق شفتيه كشمس تكافئ الدنيا بعد ليل طويل!!

العناق تزداد قوته كأن كليهما يتشبث في صاحبه بما بقي من الدنيا..
لا يزال جموحها البري ينتزع كل فتيل لمقاومته لتتفجر ألغام عشقه لها هادرة مدوية..
وكأنها منحته في قبلة ألف مدد من قوة!!

_أنا أفسدت الأمر! أنا جلبت العار للجميع!! لكنني لم أكن أملك خياراً آخر وذاك المخبول يرفع مسدسه في وجهينا.. للحظة شعرت أن حمل هذه السنوات ثقيل..ثقيل.. ثقيل حقاً.. وآن الأوان لوضعه عن كتفي.. لكنني الآن أتساءل..ألم تكن رصاصة الموت أهون من كل هذا الذي صار؟!

همسه الملتاع يكاد يكوي أذنيها وهو يعيد رأسها لصدره فترفع عينيها القويتين نحوه هامسة :
_علمتني الحياة أن كل شيء ليس كما يبدو.. نحن من نجيد خلط المعطيات لنصنع النتائج.. من يدري؟! ربما في هذه الحالة الستر هو الفضيحة والعكس صحيح! لا تلم نفسك كثيراً.. وادخر قوتك للأيام القادمة.. انت ألقيت القنبلة فانتظر ما بعد زوال الدخان.
=======








*أخضر*
======
_سأنتظرك هنا ريثما تنتهين من زينتك.
يقولها إيهاب مشيراً لغرفتها الخاصة في الاستوديو فتمنحه ابتسامة مرتعشة وهي ترد :
_لن أتأخر.. لم يبقَ على الموعد الكثير.. تبدو رائعاً.

يبتسم ببعض الحسرة وهو يميز هروب عينيها من عينيه بينما تردف بنبرة آلية :
_أعرف أنها مرتك الأولى أمام الكاميرا لكنك لا ينقصك الحضور.. تملك "كاريزما" عالية كما تعرف.. يمكنك فقط مراجعة الأسئلة التي جهزها فريق "الإعداد" وحفظ إجاباتها..
ثم تصمت لحظة لتردف بصوت مختنق:
_لا تتصرف بطبيعتك ولا تترك نفسك للارتجال مادمنا اخترنا الطريق المضمون.

ينعقد حاجباه وهو يشعر بعبارتها الأخيرة تصفعه!
لو كان ل"الفاجومي" القديم أن ينصحها فما كان أبداً ليقبل كل هذا!!
كيف يمكن للأيام أن تغيرنا هكذا من النقيض للنقيض؟!
هل هو حكم القدر أم ضعف نفوسنا؟!

_اهرب.. اهرب..

"صوته الداخلي" يصرخ بها داخله فيمتثل وهو يدلف إلى الغرفة ليغلق بابها خلفه..
يتوجه نحو المرآة الضخمة التي شعت حولها أضواء شديدة السطوع فتحيد عيناه دون وعي لطرف سرواله السفلي ..
هل ثمة شيء ما غير طبيعي؟!
يزدرد غصة حلقه وهو يقاوم أفكاره..
منظره شديد الأناقة.. شديد الوسامة.. شديد الجاذبية.. خاصة وقد فقد الكثير من وزنه ليبدو امتلاء جسده مقبولاً وإن لم يصل للرشاقة الكاملة بعد..

يبتسم ببعض الثقة وهو يجلس على الكرسي الجانبي ليتناول هاتفه ليتفقد حسابه عبر مواقع التواصل..
تصطدم عيناه بإعلان من مشهد ما شديد الإثارة من فيلم حديث..
فيزدرد ريقه بتوتر وهو يشعر بتفاعل جسده معه يزداد لحظة بلحظة..
هل يعني هذا أنه طبيعي؟!

_اهرب.. اهرب..

يستغفر الله سراً وأنامله المرتجفة تتجاوز المنشور كي يكمل التصفح لكنه يصطدم بإعلان ممول عن طبيب متخصص في أمراض الذكورة..
تباً!!
لماذا هذا الآن؟!!
هل هو الحل؟!!
لماذا يترك نفسه هكذا؟! لماذا يظلمها معه؟!
يرتعد جسده بانفعاله وهو يردد لنفسه..

_لست مريضاً.. لست ناقصاً.. أنا فقط.. أحتاج لوقت..

_اهرب.. اهرب..

"الصوت الداخلي" إياه لا يزال يحكم سيطرته عليه فيتجاوز المنشور بنفس الأنامل المرتجفة..
منشور آخر بأغنية عاطفية.. تجعل خفقات قلبه تهدأ نوعاً ما ليتملكه شعور بالشجن..

أنا عمري ما قلت أن أنا خايف
غير بعد ما قلبي اتمناكِ..
محتاج أطمن مش عارف
الخوف جوايا وجواكي..
ضميني وقولي إنك ليا..
علشان أتحمل لياليا..
وتعيشي.. وأعيش..
خايف أوعدك.. ماوفيش!

تدمع عيناه بفيض انفعاله وهو يشعر بالكلمات تكوي روحه كياً..
لا يزال يشعر بالأنانية وهو يحتجزها في سجنه..
يحبها.. بل يعشقها.. لكن.. هل وحده الحب يكفيها.. ويكفيه؟!

_سننجح معاً.. لست أنانياً.. أنا فقط.. أحتاج لوقت..

_اهرب.. اهرب..

يستجيب صاغراً لنفس الصوت من جديد وهو يمرر المنشور لتقع عيناه على منشور آخر لصورة طفل يذود عن أخيه الأصغر أمام أقرانه ويخفيه خلف ظهره كي لا يضربوه.. فتزداد ارتجافة جسده وهو يقرأ المكتوب..

(الأخ لا يُعوَّض.. هو درعك الذي لا يصدأ وجيشك الذي لا يخون)

فتجرفه الأفكار بعيداً لإياد الذي يهرب هو منه منذ انتقل للسكن
معه..لماذا لا يتحدث إليه؟! لماذا لا يواجهه بحقيقة الماضي؟! لماذا لا يعتذر؟! ببساطة يعتذر ويطلب منه الصفح؟! لماذا لا يخبره أنه ما جاء للسكن معه إلا ليسترضيه.. ليستعيده.. لماذا تبقى الكلمات حبيسة صدره فلم يعد حتى يرددها في شرائط الكاسيت الصوتية؟! بل إنه يهرب من لقائه فيتحاشى تواجده في البيت طوال اليوم متحججاً بأي ذريعة؟!

_لست جباناً.. لست جاحداً.. أنا فقط أحتاج لوقت.. أحتاج لوقت..

_اهرب.. اهرب..

يشعر باختناق أنفاسه فلا يجد ملاذه إلا في المنشور الخاص بحلقة الليلة لهما مع بتول الراعي.. والتي اختارت لها تقدمة مناسبة قفزت بمشاهدات الإعلان لأرقام عالية.. فيكتفي بهذه الشهوة الكاذبة لبريق نجاح زائف!

تنقطع أفكاره وهو يراها تدخل أخيراً لتتحاشى النظر نحوه مكتفية بتفحص مرآتها..
نظراته تتلكأ فوق ملامحها عبر المرآة وقد جلس خلفها على كرسيه ..تلك المرأة أتقنت تزيينها حقا لتمنحها طلة أكثر حيوية وأشد فتنة ..

أما هي فتبتلع ريقها بتوتر وهي تغمض عينيها على صورة مرآتها ..
تراه ب"عين خيالها" وقد ترك مجلسه ليهرع إليها ..يحتضن خصرها من الخلف بساعده ..يزيح عنها غطاء شعرها ليمنحها قبلات بعدد شعراته ..تتمنع دلالا فيزداد تشبثا..يهمس لها أنه غير قادر على المزيد من الابتعاد ..هاهنا فقط لا ترى ساقه الصناعية ..لا ترى وشاحها الأخضر وقد سقط تحت قدميهما ..لا تسمع إشعارات الهاتف بأصوات التطبيقات التي صارت أرقامها مؤشرا لنجاح زائف ..لا تسمع ولا تشعر ولا ترى ..ولا تريد أن تفعل !
هي فقط تكتفي بنشوة هذا الشعور !

لكن العينين المغلقتين تنفتحان أخيرا لتغلقا بوابة الحلم ..
فتراه جالسا مكانه يناظر هاتفه بهوس ما عادت تتعجبه ..
لتلتوي شفتاها بابتسامة بمذاق الدموع ..

_لا تريد ان تقول شيئا؟!

همسها ينتزعه من شروده ليرفع إليها عينيه بنظرة خاوية متسائلة ..
فتردف بصوت أرادته مرحا ليخرج منها رغما عنها مرتجفا باصطناعه:
_انني ابدو جميلة مثلا !

نظرته الخاوية تتبدل شيئا فشيئا كأنما ينهض من ركام عينيه شبح من كيانه القديم ..!!
الألم الذي يهرب منه بكل طاقته يتجسد الآن كمارد هائج على ملامحه ليذوب بعدها وسط هدير عاطفة سطعت في عينيه كشمس حقيقية بعيدة عن كل تلك (الأضواء الاصطناعية) التي اعتادها كلاهما ..

لا تدري كيف غادر مجلسه إليها وكذلك هو ..

هاتفه يسقط جواره فلا يبدو منتبها وهو يقترب منها أكثر ..
أنامله تدير كتفيها نحوه لينظر لعمق عينيها فتشعر وكأنها الآن ترى فيه (الفاجومي) القديم الذي لا تدري هل افتقدته أم افتقدت نفسها معه أكثر ..
تترقب حواسها لارتجاف شفتيه ..ليصلها همسه أخيرا:

_تبدين وكأنك ..وكأنك ..أنت!

الخيبة تظلل ملامحها وقد أساءت تأويل عبارته لتطرق بوجهها مخفية شعورها لكنه يرفع ذقنها نحوه مردفا بما بدا صادقا لأبعد حد كما لم تسمع منه منذ عهد بعيد :
_ألا تفهمين ؟! منذ سنوات وانت في عيني انت ..ما حاجتي للقول انك جميلة وكل الجمال انت ؟!..ما حاجتي للقول انك انيقة وكل البهاء انت ؟! بل ما حاجتي لوصفك وكل النساء بعيني انت ؟!

تدمع عيناها وهي تكتم آهة خافتة كادت تغادر شفتيها اشتياقا لهذا الوجه (الحقيقي) منه ..
ليقترب بوجهه منها أكثر وأنامله تتشبث بكتفيها ككلابتين من فولاذ مردفا بانفعال يكاد يزلزل كليهما مكانه :
_اغفري لي انانيتي ..ضعفي ..خذلاني ..لكن لا تغفري لي يوما لو من يدي ضيعتك وأنت التي في عيني "أنت"!

تكتم شهقة بكاء كادت تخونها في هذه اللحظة وهي تشعر بوحش الحنين يكاد يمزق أوصالها..
الحنين ليس فقط له.. بل لصورتها القديمة في عينيه!
شهقة وجدت ملاذها فوق شفتيه وعناقه هذه المرة يبدو لها كأنما سرق مدداً من خيالها..
هذه القوة الشغوف التي تمزج رقة العاطفة بعنفوان الجسد!
ستعتبر هذه حقاً قبلتهما الأولى التي حلت رباط عذريتها!
ما حاجتها ل"جنة خيالها" وبين ذراعيه فردوس يمنيها بالخلود؟!


وأمامها كان هو يشعر لأول مرة منذ عهد بعيد أنه خرج من قيود نفسه..
كسر الصنم الجامد الذي حُبست فيه روحه لتنطلق الآن معها كما يحب..
هو الأن الفاجومي الحقيقي الذي لا يعنيه شيء ولا شخص..
فقط يترك نفسه لما يحب.. ومن يحب..
هذه هي بين ذراعيه..
"جنيته" التي تمنحه السكينة!!

أنفاسهما تنصهر بوهج هذا الشعور الفريد الذي يجرباه معاً لأول مرة عندما تحرر كلاهما من كل قيد وتركا الزمام لعاطفتهما فقط.. فقط دون تعقيد تفاسير..
"هدية مفاجئة" منحها كل منهما لصاحبه كأنه اقتطع هدنة من حربه مع نفسه..
لكنها تبقى فقط مجرد هدنة!

هدنة قطعها هذا الصوت المعدني!
كان قد شدد ضمته لها ليرفع ساقها حول خصره في غمرة جموح عاطفته لكن كعب حذائها المعدني احتك بساقه الصناعية ليحدث هذا الصوت الخافت المميز والذي بدا في أذني كل منهما كقذيفة ردت كل منهما لحربه مع نفسه!

هو الذي شعر ببركان جسده يستحيل لصقيع ثلجي وهو يتذكر مشهد تقيؤها ليلة زفافهما فيذبحه شعوره بالنقص الرجولي من جديد..
وهي التي تراءت أمام عينيها مشاهد متتابعة لمشوار تنازلات طويل ختمته بهذه الزيجة..
فيعود كلاهما لنقطة الصفر كأن الجذوة التي أشعلت الدنيا الآن حولهما انطفأت.. ليعود كل منهما لظلمة جحوره!

_أفسدت زينتك!
_لا بأس.. يمكنني إصلاحها..

ضحكاتهما "المصطنعة" تشبه البكاء الغاضب وكلاهما يبتعد.. يهرب.. يتجاهل.. ليعود للتشبث بمنطقته الآمنة في جنته "الزائفة"!
======
_صاحبة أشهر وشاح أخضر وأكثر ليلة زفاف أثارت الجدل الفترة الماضية.. عزة الأنصاري!

تقولها بتول بآداء مبالغ فيه شديد الاستعراضية وهي ترحب بهما أمام الكاميرا فتبتسم عزة ابتسامتها الآلية وهي تعدل وضع "وشاحها الأخضر" على كتفيها..
وكذلك إيهاب الذي يحرك جسده في جلسة ما منحته جاذبية متعمدة.. وجعلت بتول تمنحه نظرة تقييمية لتردف بدلال تجيده :
_والباشمهندس إيهاب.. صاحب مدونة الفاجومي.. والعاشق الفارس الذي صار حلم فتيات مصر بعدما فعله لأجل حبيبته.

يشعر إيهاب ببعض الثقة تتسرب إليه من نظراتها المغناجة فتتسع ابتسامته وهو يجيب تساؤلاتها التي حفظ أجوبتها كما اتفق..
بعض الأجوبة تبدو شديدة الاصطناع كقوالب جاهزة لكنها فعالة على ما يبدو فالمداخلات التليفونية تتوالى بغزارة لتمنحه بغيته في المزيد من الشعور بالعوض الزائف..

_عظيم.. تبدوان كعصفوريْ حب.. لكن اسمحي لي بالسؤال يا عزة.. مادمتما متحابين هكذا.. ماسبب ما فعلته شقيقتك ليلة الزفاف؟!

ضربة تحت الحزام!
هذا السؤال لم يكن ضمن الأسئلة المطروحة!
تعمدتها بتول لتحرجها.. أم لتزيد الصخب حول الحلقة!!
تباً.. لماذا تشعر بكل هذا التعرق؟!
فلتكذب..!!
ترفع لإيهاب عينين دامعتين رغم يقينها أنه لن يساندها في موقف كهذا.. فجرحه فيه أكبر!
لكنه يخيب ظنها وابتسامة "الفاجومي" الذكية تمنحها قبساً من المدد القديم الذي اشتاقته مع جوابه بابتسامته التي لم تتأثر وهو يخاطب بتول:

_ظننتنا لن نتطرق للحديث حول أمور عائلية تخص عزة وحدها.. أخبريني أنتِ ألا تشعرين أن هذا اللون لا يناسب بشرتك الداكنة!

قلبها يخفق بين ضلوعها بعنف وهي تشعر بالمزيد من الحرج بينما ضحكت بتول وهي ترفع أحد حاجبيها برضا غامض وكأنما أعجبها رده لتميل بجسدها للأمام مستعرضة تفاصيل أنوثتها لتغرس نظراتها القوية في عينيه:
_تعجبني فكرة أن الهجوم خير وسيلة للدفاع.. أنا الأخرى يمكنني قلب المائدة وتوجيه اتهام العنصرية إليك فتخسر كل معجباتك من ذوات البشرة الداكنة.. لكنني سأنظر للوجه الآخر للعملة وأعتبرك رجل كهف يرفع حربته ليدافع عن أنثاه بكل طريقة.. تستحق هذه!

تقولها لتصفق له للحظات فتتسع ابتسامته وهو يربت على كف عزة بدعم صامت.. لتعاود بتول سؤاله :
_إنما.. أخبرني الصدق دون تفكير.. ألا تشعر بالندم للحظة على تضحيتك لأجلها.. أن تفقد ساقك لهو ثمن باهظ حقاً تدفعه كي..

_أحبها!

الحسم الحار في حروفه كان وسيبقى أفضل "ارتجال" سمعته!!
لم تشعر به عزة في هذه اللحظة وكأنه يقاطع سخافة بتول فحسب..
بل يقاطع كل المتاهات التي تتشعب فيها طرقهما ليصل بكليهما لمنتهى الطريق الذي يجب أن يبلغاه.
الصدق المشع الذي كان ينطقها به بدا وكأنه يهزم كل أشباح الزيف التي ترفرف جناحاتها حولهما!

لهذا وجدت نفسها هي الأخرى تخرج عن النَصّ لتلقي نفسها بين ذراعيه مخفية وجهها في كتفه في مشهد لم يعنها كثيراً بكم مشاهدة سيحظى ولا كيف ستتقبله العيون..!

_يا سلام! العرض الساخن هذا يوشك أن يشعل الاستوديو.. نكتفي بهذا القدر من الحلقة وأتمنى لك عودة ناجحة في الموسم الجديد من برنامجك.

تنهي بها بتول الحلقة ولم يكد المخرج يمنحهما شارة النهاية حتى تقدم الأخير من عزة ليهتف باستحسان :
_رائع.. أفضل بكثير مما تمنينا.. الحلقة فوق الممتازة وسيحرص فريق الدعاية أن تكون ال "تريند" الأول على منصات مواقع التواصل في الغد..عودة قوية لحورية المطبخ الخضراء.

تبتسم عزة بتحفظ وقد عاد وجهها لجمودها الآلي كأن ما كان لم يكن..
خاصة وهي ترى إيهاب وقد جذبه مدير التصوير ليلتقط له بعض الصور وحده فتغادر الاستوديو كي تنتظره في سيارتها بالخارج..

يلحق بها بعد قليل لكن بتول تستوقفه على باب الاستوديو لتتقدم نحوه بمشيتها المغرية قائلة :
_لا تغضب مما حدث في الحلقة.. الاستفزاز هذا هو ما يميز برنامجي لأنه يستخرج من الضيف بواطنه.. وبصراحة..

تقطع عبارتها متعمدة ليعقد حاجبيه منتظراً استطرادها فتبتسم بدلال وهي تهز كتفيها :
_أنت أبهرتني.

تتعلق عيناه رغماً عنه بتضاريس أنوثتها في افتتان رجولي غريزي لكنه يشيح بوجهه قائلاً :
_شكراً.. كانت حلقة جيدة للجميع.

فتتناول هاتفه من كفه بجرأة لا تنقصها لتسجل رقمها ثم تتصل على هاتفها لتعيد إليه خاصته قائلة بنفس الغنج المثير :
_هكذا صرنا صديقين.. يمكنك محادثتي متى شئت.

فتنتها تصيب سهماً ما في قلبه يشعر به كلاهما فتبتسم بظفر وهي تعطيه ظهرها شاعرة أنها تقترب كثيراً من هدفها..
فيما يعود هو إلى عزة بخطوات سريعة كأنه يهرب من شر نفسه غافلاً عن عيني إياد المشتعلتين اللتين كانتا تراقبان الموقف من بعيد..
لقد جاء إلى هنا كي يعاود تحذير بتول من الاقتراب منه لكنه وقد رأى نظرته المفتتنة نحوها فقد قرر التراجع والبقاء كما هو..
لا يزال أخوه أنانياً كما عرفه.. يرسب في كل اختبارات القدر..
لهذا سيكتفي بمراقبته للنهاية هذه المرة كي يكون شاهداً معه على الرسوب الأخير!

=====
في غرفتهما ببيت إياد تقف عزة تبدل ملابسها أمام المرآة مستغلة كونه يبدل ملابسه وحده في الحمام المجاور..
تبتسم ابتسامة خجلى وهي تتذكر "أحبها" الحارة التي نطقها على مسمع من الجميع..
تشتاق لشعورها بتفتح براعم أنوثتها بين ذراعيه.. هذا الذي جربته اليوم لأول مرة في قبلتهما الجامحة بالاستوديو..
تراه يكرر المحاولة؟!
وهل تريده حقاً أن يفعل؟!
الجواب كعهده يتأرجح على حبال ترددها الدائمة.. فتجد نفسها تفتح خزانة ملابسها.. تستخرج منامة حريرية قصيرة عارية الكتفين بلون ذهبي مثير.. تحل أزرارها كي ترتديها..

وفي مكانه خلف باب الحمام المجاور وعبر الشق الضيق لفتحته كان هو يراقبها بترقب وهو يشعر بالدماء في عروقه جمرات من نار..
ترى هل تفعلها؟!
هل تتزين له؟!
هل تلاشى اشمئزازها منه والذي رأى دلالته بنفسه ليلة زفافهما؟!
ليتها تفعل!

لكنها في مكانها توقفت عما تفعله لتعيد إغلاق أزرار المنامة ثم تعيدها مكانها من جديد..
لن ترخص نفسها أكثر!
هو لا يرغبها كأنثى!
لو كان يفعل لما كان هذا حاله في تباعده وانشغاله!!
فلتحفظ ما بقي من ماء وجهها.. ولتكتفِ بما هبطته من سلم التنازلات!
قدرها أن تبقى زهيدة في عيون الرجال من اختارها بعقله ك"راغب" أو اختارها بقلبه ك"إيهاب"!

ترتدي منامة واسعة طويلة الأكمام ثم تتجه للفراش لتغطي جسدها.. تراه وقد قدم بابتسامة كسيرة لم تفهمها ليلقي عليها "تصبحين على خير" باردة تردها ثم تغمض عينيها لتجد نفسها تستسلم لجنة خيالها ترسم لها مشاهد أكثر دفئاً.. هو بطلها!
هو بصورته "الكاملة" التي ترمم شروخ جدارها دون أي نقص!

بينما يعطيها هو ظهره وهو يشعر بمزيج من غضب وخيبة..
فليواجهها!
فليصرخ فيها بكل ما يريد قوله ولو كان الفراق هو النهاية!

_اهرب.. اهرب..

لكن الصوت الداخلي أكثر هيمنة على عقله الآن وهو يدفعه لتفقد هاتفه بهوس..
عدد المتابعين.. عدد المشاهدات لفيديوهاتهما اليومية.. عدد التعليقات.. عدد المشاركات.. منصات التواصل..واحدة خلف الأخري.. يفتح برنامجاً خلف الآخر.. مشاركة خلف مشاركة.. المزيد من البريق الزائف الذي يسكّن ألم رجولته وإن كان لا يزيل السبب.

صورة بتول تقفز فجأة لذهنه فتتحرك أنامله ليجد رقمها أمام عينيه.. ليس رقمها فحسب..
جمالها الجذاب.. غمزتها الساحرة.. والأدهى.. محاولتها الواضحة لاجتذابه.. هل تشعر حقاً بالانجذاب نحوه؟! ألا.. ألا تشمئز منه؟!
شيطان خياله يرسم له أكثر صور الخيال جموحاً فتتلاحق أنفاسه بجنون لكنه يفيق لنفسه فيلقي الهاتف بعيداً على الكومود..
يستغفر الله سراً وهو يستدير ليجد نفسه يعانق ظهر عزة بقوة.. ساقه السليمة تلتف حول ساقها كأنه يتشبث بها بكل ما فيه محارباً بهذا وساوس نفسه ومحتجزاً إياها بكل ما يملك..!
فيما تتصنع هي النوم وهي تشعر بهذه الحرب الغريبة بينهما تنهكها..
فتغلق عينيها على خيال بعيد..
وحقيقة أبعد..
وخطين من الدموع!
=====













*فرنسا*


في القطار المغادر من باريس لمدينة آنسي الفرنسية يحتل جهاد مقعده جوار النافذة هارباً من ثقل شعوره..
شعوره بأنه يُسلَخ من جلده!
يعاقَب بذنب لم يقترفه.. على عقيدة طالما آمن بها!
وطنه لا يزال يتلقى الطعنات وهو لا يعرف كيف يوقف نزيفه!
المنظمة التي كان يتطوع لها بماله اكتشف أنها كانت مجرد غطاء لنشاط إرهابي سري!
قلبه ذبحوه مرتين.. مرة بطعنة حبيبة.. ومرة بطعنة أقرب صديق!
عمله الذي طالما أفرغ فيه همه لم يعد متاحاً بهذه السهولة بعد تشوه سمعته لطرده من عمله بالمشفى في "أبو ظبي" إثر وشاية ريان بحبسه هو على ذمة قضية إرهاب!
ما أشبهه الآن بحنظلة!
لكنه لا يجد القوة ليقف معطياً العالم ظهره مثله بل يشعر وكأنه سقط جاثياً على ركبتيه رافعاً ذراعيه باستسلام لا يليق برجل مثله!
متى صار بهذه الانهزامية؟!
متى سقطت عن فمه كل أنياب مقاومته ليجد نفسه مجبوراً أن يبتلع كل هذا القهر؟!!

هل كسره الظلم ؟! السجن؟! الخذلان؟! الغدر؟!
كل هذا فعل!

_ستعجبك "آنسي"..لكن لعلها ستثير شجونك.. يسمونها أحياناً - ك"فينيسيا" - مدينة العشاق..لكن ما جدوى الاسم هاهنا لمن كفر بالعشق مثلي ومثلك؟!

صوت يولاند جواره ينتزعه من شرود أفكاره لكنه لا يلتفت نحوها.. لا يحب مظهرها الجديد الذي هو توأمه في انكساراته..
يكره انتكاستها وإن كان يعذرها فيها.. ويكره نفسه أكثر لأنه غير قادر على منع كل هذا!!
لكن عزاءه أنه سيبقى معها يحاول أن ينقذ ما يمكنه إنقاذه منها.. ومن نفسه!

_لا أعرف هل ستقبلني عائلتي من جديد أم لا.. أرسلت للارا شقيقتي أخبرها بقدومي لكنها لم ترد.. لا أعرف عنهم سوى ان أبي لم يقوَ على البقاء في باريس بعد رحيلي.. صفى تجارته هناك وقدم للعيش هنا.

تقولها بالفرنسية وقد اكتسى صوتها بشجن قاتل تبدل لحشرجة صوت مفعمة بالحماسة :
_لكنني سأعرف كيف أشق طريقي من جديد.. لو رحبوا بي هنا فسأعود للعمل.. سأستأنف كل خطوات الطريق الذي تعطل.. وسأستكمل دراستي.. لكنني مع هذا كله.. سأنتقم.. سأنتقم لكل ما أخذه مني صاحبك.. وسأذيقه أبشع عقاب.

يطرق برأسه وهو يشعر داخله بأنه يشاطرها رغبته في الانتقام كذلك!
في أن يذيق "صديق العمر" الخائن ويلات عقابه..
هو عاش كل هذا العمر متشبثاً بمثاليات الفارس..
وهاهوذا الفارس المشهود فوق جواده وقع!
فليزلزل الأرض تحت الخائن كذلك كي يقع معه.. أليس هذا بالعدل؟!

_وددت لو يحضر أطفالي معي إلى هنا..

صوتها الذي اختنق ببكائه يعاود غزو أفكاره فيشعر بهذه القبضة اللاهبة تعتصر قلبه بينما هي تردف بما بدا كالهذيان :
_لكنني تركتهم نائمين.. لن يشعروا بغيابي.. سأعود إليهم بحكاياتي عن مغامراتي هنا.. سيفتخرون بي.. سيعلمون أن أمهم لم تعد ضعيفة مهزومة.. بل أخذت ثأرها وثأرهم.

يتنهد بحرارة وهو يعاود النظر للنافذة بمزيد من الهروب من ثقل الحديث على قلب كقلبه..
المناظر الطبيعية حوله ساحرة تفتن البصر لكنه لا يزال يشعر أنه في سجن مظلم يخصه وحده..
أنامله تتحسس ميدالية حنظلة التي صارت تختفي في جيب سرواله كأنه يطارد فيها بقية هويته..
لكنه يعود ليقبض كفه بقوة واهنة وهو يشعر بها تريه انعكاس صورته الواهنة المخذولة!

_وصل القطار.
حماسها يمتزج برهبة المجهول وهي تقف مكانها فيقف بدوره وهو يشعر بنفس الرهبة..
إلى أين تمضي بهما هذه الزيارة؟!

======
*نيلي*
=====
*ألمانيا*

_ترفقي بالثوب بينما تخلعينه هذه المرة وسأتولى أنا شأن المرة القادمة.

تذكرها زهرة بصوت جهاد كذاك اليوم الذي فاجأها فيه برؤيته في المتجر ليقدم لها أفضل عرض زواج تمنته وهو يضع شاله على كتفيها..

_لا تعرفين معنى أن يضع رجل مثلي شاله الذي يقدسه على كتفي امرأة؟! امرأة ترتدي الأبيض له وحده!!

تتحسس ثوب الزفاف الأبيض الذي تزين بأحجار الفيروز الصغيرة والذي استقر - غريباً- في خزانة ملابسها هنا في المصحة.. تماماً كما باتت تشعر بغربة كل شيء حولها!
تبتسم خلف غلالة من الدموع وهي تتذكر إصرارها أن تحمله معها في كل مكان سافرت إليه..
لو كان لها أن تختار كفناً لاختارته هو دون تفكير..!

تبتسم ساخرة بمرارة وهي تتعجب من حالها كيف منحتها الدنيا نجمة السماء بكفيها.. ثم عرقلت قدميها لتسقط على ظهرها دون أمل في حراك!

تتنهد بحرارة وهي تغلق الخزانة متجاهلة شعور الألم في جسدها والذي تحاول اعتياده هنا..
تراقب صورتها في المرآة وقد بدأ شعرها في التساقط فتقفز لذهنها صورة خالتها الراحلة عندما كانت في نفس الموضع..
ترى بروز وجنتيها الواشي بفقدانها للوزن.. ذبول ملامحها المنهكة..
فتشعر أنها لم تخطئ في قرارها عندما اختارت أن ترحل عن جهاد بحملها الثقيل!

تغطي شعرها بوشاح باهت الألوان ثم تجلس على طرف فراشها لتفتح هاتفها.. تمنع نفسها بصعوبة من أن تراسل حسناء أو طيف أو أي من صديقاتها.. فليعتدن غيابها كي لا يؤلمهن رحيلها..
أمها ؟! كيف هي الآن؟! لا تظن نفسها ستلقاها من جديد في هذه الدنيا.. لعل الله يجمعهما في جنة الآخرة حيث لا فقد ولا خذلان..
لعلها تموت هنا في صمت دون ضجيج فلا تفتقد أحداً ولا يفتقدها أحد!

ورغم حسم قرارها الأخير لكنها لا تستطيع منع نفسها من تفقد أخباره.. هو بالذات.. فلتمت وصورته محفورة على حدقتيها..
حتى وهي تعلم أنه يلعنها.. كفاها أنها تعلم أن كل خفقاتها تباركه!
جهاد!

تراه قد شارك صورة - لتوه- مع يولاند الضاحكة باصطناع هي خير من يفهمه وخلفهما منظر طبيعي ساحر وقد كتب فوقها..

_أول زياراتي للريف الفرنسي.. ولن تكون الأخيرة.

تتفحص ملامحه باهتمام لأول وهلة بعيني عاشقة تحفظ كل تفاصيله قبل أن تغمضهما بوجع وهي تشعر بأثر فعلتها عليه..
جهاد تغير حقاً!
صحبته ليولاند بمظهرها السافر هذا ونشره للصور بهذه الطريقة لا تعني سوى رغبته في الانتقام من ريان..
تفاخره بهذا المنظر ليس من شيمه..
هو ليس "محدث نعمة" كي يتباهى بسفر او سياحة..
قَصّة شعره تبدو غريبة على تلك القديمة التي عشقته فيها..
حتي عيناه الغارقتان الآن في بحر هائج من ألم ووعيد تبدوان غريبتين عما عرفته فيهما من ثورة لحقّ لا انتقام بباطل!

حنظلة!
أين ميدالية حنظلة ؟!!

تعاود فتح عينيها وهي تبحث عنها معلقة في جيب سرواله كما اعتادت لكنها.. لا تجدها!!

تهز رأسها بمزيج شعورها بالأسف والذنب..
هل كفر جهاد بكل ما اعتنقه يوماً؟!
هل زهد الجهاد واستسلم لليأس؟!
هل هي السبب؟!
هل تلومه وقد فعلت مثله واستسهلت اليأس كذلك؟!

أناملها تعتصر دبلته الملونة في عنقها فتتلاحق أنفاسها بالمزيد من الألم..
شهقاتها المتوجعة تنتهي بين سطور دفترها الذي تكتب فيه له..

_طالما تعايشت مع هذا الحزن "اللطيف" الذي يسمح لي بذرف الدموع..بتلطيخ كلماتي بالألم..بانتزاع الصدق عن ضحكتي ليجعلها مجرد انفراجة شفاه!
أما هذا الحزن "السادي" الذي يحرمني دموعي...يسرق مني كلماتي ليدعني سجينة صمتي...يجفف حتى ضحكة كاذبة كنت أتوارى خلفها ...فغريبٌ عني حقاً !


تستجدي راحة دموعها لكن عينيها الجافتين تعاندانها فتعاود الكتابة كأنها تستجديه المغفرة :


_أن تهجرني موت أصغر.. أن تبقيني موت أكبر.. فأي عدل كان أن أختار بين موت وموت؟!

طرقات خافتة على باب غرفتها تقاطع أفكارها لتأخذ نفساً عميقاً وهي تخفي دفترها في درج قريب ثم تفتح الباب لتواجهها الممرضة( أليسا) بابتسامة عملية وهي تقول بالألمانية :
_بروفيسور "روبرت" ينتظرك في غرفته.

تهز رأسها لها بتحية لطيفة رغم شعورها - غير المبرر- بعدم الارتياح نحوها.. لو أرادت الصدق هي لم تعد تشعر بالارتياح نحو أي شيء في هذا العالم!
تغلق باب غرفتها خلفها متوقعة ما يريدها بروفيسور روبرت بشأنه..
سترفض.. حتماً سترفض!

تطرق الباب برقة لتدخل مهيأة نفسها لما تريد قوله لكنها تصطدم بالابتسامة الودود والملامح الرجولية الطيبة واللغة العربية التي اشتاقت سماعها هنا.. والأدهى "زرقة العينين" التي تذكرها بفارسها البعيد..

_كيف حالك آنستي؟! جئت أطمئن عليكِ!
========
_شكراً لأنك قبلتِ دعوتي بالخروج.. أخبروني في المصحة أنك ترفضين ذلكِ منذ قدومك رغم سماح الأطباء به.

يقولها صهيب بنبرته الودود التي تشعرها بارتياح جم خاصة وهو يغض بصره عنها بحياء احترمته فيه..
كان قد عرض عليها ذلك في غرفة البروفيسور لتجد نفسها توافق دون تفكير..
هل هو خوفها من عزلتها مع صورة جهاد ويولاند التي ذبحتها حية؟!
أم رغبة في الهروب من إلحاح البروفيسور عليها بالشأن الذي ترفضه؟!
أم هو فقط مجرد رغبتها في الشعور أنها لا تزال حية.. أن خارج جدران المشفى البيضاء الشاحبة لا يزال هناك متسع ل"قوس قزح"؟!

تغمض عينيها بوجع دون رد لكنه يبدو متفهماً فيردف بانطلاق مشيراً للمقهى الذي يجلسان فيه :
_هنا شارع العرب..من أشهر الشوارع في برلين.. بمجرد دخولك لهذا الشارع المفعم بالحيوية والحركة يمكنك التمتع بالأجواء العربية كأنك في بلدتك؟! ألا تشعرين بألفة الوجوه؟! تسمعين صوت "أم كلثوم"؟!

تبتسم رغماَ عنها وهي تميز غرابة نطقه بالاسم الأخير.. رغم تمكنه من اللغة العربية إنما لا تزال عربيته غربية اللكنة فتسأله باهتمام :
_لماذا تتحدث العربية؟! وكيف عرفت السيد عاصي؟!
_أوووه..قصة طويلة آنستي!
ينفلت بها لسانه بالألمانية عفوياً فيعيد تكرارها بالعربية لكنها تلوح بكفها قائلة:
_لا عليك.. أفهم بعض الألمانية..طبيعة عملي في المشفى الدولي ب"أبو ظبي" حيث كنت أقيم كانت تتطلب مثل هذا.

_لكنك بالطبع تفضلين حديثي بالعربية.. لاريب أنك افتقدت وطنك.
يقولها بحنان بدا وكأنه يفيض فيضاً من طبيعته ولا يتكلفه فتمتد أناملها للدبلة الملونة بألوان علم فلسطين في عنقها لترد بشرود مقتبسة روح جهاد :
_لا يليق بالوطن أن نفتقده..كيف وهو يهاجر معنا أينما رحلنا..؟! أوطاننا محلها قلوبنا وإن غابت عن عيوننا.. وما وقر في القلب لا يصيبه أبداً صدأ الوَحشة.. تشتاق العيون إنما يبقى القلب مؤنساً بعقيدته.

يرفع حاجبيه ببعض الدهشة متسائلاً :
_لكن هذا ليس علم مصر.
_فلسطين.
تقولها باقتضاب فيبتسم بحرج وهو يلتفت حوله قائلاً:
_تعلمين حساسية الحديث عن فلسطين واليهود في ألمانيا بالذات.
_فزاعة "الهولوكوست"!
تقولها مفسرة ليهز رأسه بالمزيد من الحرج وهو يستطرد بنبرة حيادية:
_لا تزال الأمور ضبابية بين إصرار اليهود علي أنهم مضطهدين هنا.. ورغبة البلد الحقيقية في نفي هذا الاتهام عنها.. كمواطن لا أستطيع نفي شيء أو إثباته.. لكنني أشعر بمبالغة اليهود في استجداء تعاطف العالم بتاريخ هتلر القديم..لا يزال بعضهم يقيم هنا ورأيت الكثير منهم يحظون بحقوقهم كاملة.. لكنهم لا يزالون يتشبثون بدعوى اضطهادهم كي يبرروا مجازر احتلالهم لفلسطين.

_تتعاطف مع القضية الفلسطينية؟!
تسأله ببعض الدهشة ليرد بابتسامة آسفة:
_التعاطف مع القضية الفلسطينية ليس شأناً دينياً أو عرقياً أو حتى وطنياً.. هو شأن انساني بحت.. الحقيقة أوضح من أن يتم نكرانها أو تدليسها.

_سعيدة لسماع ذلك منك حقاً.. منذ زمن بعيد لم يفرحني حديث كهذا.. ومن شخص مثلك.

تقولها ببشاشة باهتة نالت منها مظاهر إعيائها فيرمقها بنظرة مشفقة ليحاول اصطناع المرح :
_لن أكون وقحاً فأسألك عن سر السلسلة.. لكنني سأسمح لنفسي بالقليل من الوقاحة فأطلب الطعام لأنني جائع.. تشمين رائحة "الفلافل" الساخنة؟! لن نطلبها اليوم لأنها من الممنوعات وسنكتفي بالطعام الصحي الذي وصفه البروفيسور.. لكن تذكري رائحتها جيداً لعلها تكون حافزاً لك لسرعة الشفاء.

تطرق برأسها في بؤس رافضة محاولته المصطنعة للمرح فيردف بجدية هذه المرة :

_بروفيسور روبرت أخبرني برفضك لتقنية العلاج الجديدة التي اقترحها.. يمكنني معرفة السبب؟!

فترد عبر إطراقتها البائسة :
_لن أخفي عنك.. هذه التقنية الحديثة التي يتحدث عنها باهظة الثمن.. وصديقتي من تتولى شأن علاجي.. لا أريد أن أثقل عليها خاصة وأنا أعرف أن كل هذا بلا طائل..

_لماذا تقولين هذا؟! الأمل..
يقولها لتقاطعه وهي ترفع رأسها إليه هاتفة ببعض الحدة الساخرة:
_الأمل! الأمل!! لا تنسَ أنك تتحدث مع امرأة تعمل في مجال الطب وأعرف جيداً حالتي.. أنا خير من كانت تبيع الأمل هذا للمرضى على الأسرّة البيضاء لكنني اليوم لن أشتريه.. ولولا خوفي من حرمة استسلامي للموت لبقيت في بلدي أنتظر النهاية راضية.

يصدر همهمة طويلة وهو يشبك أصابعه منتظراً بقية انفجارها الذي بدا يتوقعه لتردف:
_أنا عشت كل هذا من قبل.. عشته كله.. خالتي كانت مريضة بهذا المرض.. كنت جوارها حتى آخر لحظة.. أكاد الآن أرى كيف سينتهي بي الحال.. مجرد وقت.
_اعذريني آنستي! خبرتك في العمل في مجال الطب يجب أن توجهك للاتجاه المضاد من تفكيرك اليائس هذا تماماً.. ألم تلحظي طوال فترة عملك أن الحالات قد تتشابه عضوياً لكن مصيرها يختلف؟! .. أما قرأتِ قول الله تعالى (وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت)؟!
_أنت مسلم؟!
تسأله مصدومة ليرد بنبرة غامضة وقد شردت عيناه في فراغ قصير :
_الحمد لله.
_لم أتوقع هذا..عفواً..
تقولها بحرج وقد عادت إليها بعض عفويتها ليرد بابتسامته بنفس النبرة الشاردة :
_عندما فكرت في اعتناق الإسلام في البداية فعلتها كي يمكنني الاقتران بزوجتي.. زوجتي مصرية من الصعيد ولعل هذا يزيل عجبك بشأن معرفتي بالسيد عاصي.. التقيتها هنا منذ سنوات.. دعيني أخبرك أن الدراما التلفزيونية خاصتكم تظلم الصعيد كثيراً.. زوجتي مثال يحتذى لامرأة مثقفة أنيقة عالمة بأصول دينها ودنياها.. كانت تكمل دراستها هنا عندما تقابلنا أول مرة.. أحببتها إنما بقي حاجز الدين بيننا.. لكنني سافرت إلى مصر وأشهرت إسلامي في الأزهر الشريف بل وغيرت اسمي لاسم صحابي جليل أحببته هو صهيب بن سنان او "صهيب الرومي" كما تعلمين.. عشت معها في الصعيد بضع سنوات تعلمت فيها العربية والكثير من شئون الدين لكنني.. لكنني اضطررت للعودة معها إلى هنا.

تبتسم للمفارقة وهي تتذكر يولاند..!
كلاهما كان الحب سببا كي يعتنق الإسلام لكن أي اختلاف في المصير!!
معرفتها أنه متزوج ويحب زوجته إلى هذا الحد أزاحت حملاً ثقيلاً من على كاهلها ربما لأنها كانت تشعر بالذنب لجلوسها هكذا معه!

الخاطر الأخير يخزها فتكاد تطلب منه المغادرة لكن الطعام يصل فتضطر للبقاء كي تتناول بعضه..
العلاج الذي تتناوله يجعلها تشعر بفقدان الشهية كما أن الطعام افتقد نكهته!

_تشعرين بأن الطعام بلا مذاق؟! أحياناً شديد السكرية وأحياناً شديد الملوحة مثلاً؟!
يسألها بدراية من يعرف ما يتحدث عنه لتهز رأسها إيجاباً فيتناول ما يضيفه إلى طعامها مردفاً :
_جربي إذن إضافة " صوص الصويا" كي يحسن من شعورك بنكهة الطعام.. وهذا عصير فواكه مركز بدون سكر للتقليل من إحساسك بالملح الزائد.
تبتسم له بامتنان وهي تشعر بالطعام بعدها أفضل فتسأله بتردد:
_تبدو وكأنك تملك بعض الخبرة.
_لستِ وحدك من مرّ بنفس التجربة من قبل.. أنا مثلك قد فعلت... نفس التشخيص لنفس المرض. .لهذا أنصحكِ بالأمل.
يقولها بابتسامته المطمئنة فترفع حاجبيها بدهشة لتسأله بوجل:
_المريض الذي تعرفه عاش؟!
فيصمت للحظات يبتلعه فيها شرود قصير قبل أن يرد باقتضاب:
_أنا كنت المريض.

ترمقه بنظرة مصعوقة فيردف بابتسامة واهنة :
_بروفيسور روبرت يحبني كثيراً لهذا السبب.. يستشهد بي دوماً على براعته..والحقيقة أنني أشهد له بذلك.. لا تتعجبي لو رأيتني كثيراً في المصحة.. يطلبون مني أحياناً جلسات علاج نفسية جماعية أقدمها تطوعياً بحكم مجال دراستي.

ترمقه بنظرة مترددة وهي تخشى التصديق..
لعله يكذب ليمنحها الأمل.. هو مجال دراسته وعمله كما يبدو!
يبدو الوجوم على ملامحها وهي تنتظر صامتة أن يكمل طعامه..
_تريدين شرب شيء ما؟!
_شاي.. أخضر!

تقولها مختنقة بعاطفتها لكنه يبدو غافلاً وهو يطلب لها إياه فترتشفه على مهل مغمضة عينيها على فيوض الذكرى..
جهاد أخبرها يوماً أنه حرم شربه على نفسه إلا وهي معه..
وقتها أخبرته أنها على العكس تشربه كثيراً في غيابه لتشعر وكأنه معها..
تماماً كما الآن!
ورغم أن العلاج الكيماوي يغير مذاق الأطعمة في فمها لكنها تشعر بهذا بالذات يبقى مذاقه هو هو.. كأنما ترتشفه روحها قبل لسانها!

_أشعر بالبرد..يمكننا الرحيل الآن.

تقولها بنبرة فضحت إعيائها وهي تقف أخيراً ببعض التثاقل فيرمقها بنظرة مشفقة وهو يقف بدوره ليغادر معها المقهى.. يسير معها في الشارع الذي ازدحم برواده ليشير لواجهات المحلات حولهما قائلاً:
_هنا يمكنك التسوق وشراء التذكارات لصديقاتك قبل عودتك لبلدك.

تلتوي شفتاها بابتسامة سخرية يائسة وهي تشيح بوجهها لتكتفي بصمتها طوال الطريق..
تقف أخيراً لتودعه أمام باب المصحة.. تشكره على صحبته القصيرة باقتضاب يفضح رغبتها في غلق باب الأمل الذي يحاول فتحه في وجهها..
لكنه يبتسم لها قائلاً بثقة:
_غداً سيتصل بي بروفيسور روبرت ليشكرني كثيراً على إقناعك بتغيير رأيك وموافقتك على تقنية العلاج الجديدة.

ترمقه بنظرة مندهشة لكنه يهز رأسه مشيراً لسلسلة عنقها ليقول قبل أن يعطيها ظهره منصرفاً:
_الإيمان لا يجتمع مع اليأس في قلب كقلبك.. أحدهما سيهزم الآخر ويقيني أنه الأول.
=======
_رأيت صورة صاحبك؟!
تهتف بها زوجته الجديدة بتشفّ وهي تريه على هاتفها صورة جهاد مع يولاند لينعقد حاجبا ريان بشدة..
فيما تردف هي بخبث :
_المسكينة! يبدو عليها الحزن لوفاة أولادها حقاً! رأيت ماذا ترتدي؟! وكيف تنظر إليه؟!

يشعر ريان بالدم يضرب رأسه فجأة وهو يميز ما كتبه جهاد..
إذن فقد عاد معها إلى فرنسا!
هل ارتد كيده في نحره؟
كذبته التي ظن أنه يكيد لهما بها عندما صرخ للجميع أنهما متحابان وكانا يخونانه..
هل تصير حقيقة؟!
الخاطر الأخير يبدو كالرمح ينغرس في خصره!

_يبدوان منسجمين حقاً! ماذا يمكننا أن نسمي هذه الرحلة؟! شهر عسل مثلاً؟!
_اسكتي يا رفيدة!
يهتف بها بحدة وهو يقذف الهاتف في وجهها لتهتف بحدة مشابهة وهي تلوح بذراعيها في وجهه:
_لماذا تصرخ في وجهي هكذا؟! لا تقل أنك تشعر بالغيرة على "جوال القطن" تلك! أنا أريتك الصورة لتشهد بنفسك على مدى حقارتها.. كي لا تأخذك بها شفقة يوماً وتفكر في ردها لعصمتك من جديد.

_ولماذا لا تقولين أنها ردة فعل طبيعية لذلك المنشور السخيف الذي نشرته أنت على حسابي ودون إذني من أيام؟! ذاك الذي يخص "عوض الله بطفل جديد"!! معارفي كلهم عاتبوني فيه.. وخجلت من الاعتراف أنك فعلتها دون علمي!
_فعلتها لأجلك! كي تكف عن جلد نفسك وتفرح معي بابننا.. تلومني لأجل هذا؟! أنا وددت لو تفعلها أنت فتنشر فرحتك بعوضك للدنيا كلها.
تهتف بها بمسكنة وهي تمسد بطنها ليهتف بها بضجر :
_تحدثي بلسانك إذن.. ولا تكتبيها كأنها بلساني!

_وما أنا وما أنت؟! ألسنا واحداً؟!
تهمس بها بدلال وهي تسكب أنفاسها الساخنة على عنقه فيزفر بانفعال وهو يبعدها برفق قائلاً :
_اتركيني الآن.. لدي موعد عمل.

_ليس لديك أي مواعيد عمل قبل ساعتين.
تقولها بشراسة مكتفة ذراعيها فيلتفت نحوها بضيق لتردف بنفس النبرة :
_تظنني زوجتك الأولى الغبية التي كانت تصدق أعذار غيابك؟! لا! أنت لن تتحرك خطوة واحدة دون أن أعرفها.. جدول أعمالك كله عندي.

_ستراقبينني؟!
_وأعد أنفاسك لو لزم الأمر!
_ماذا؟! ستحبسينني في البيت دون رغبتي؟!
_لا يا حبيبي! زواجنا كان برغبتك.. اتعب نفسك قليلاً وتذكر السبب.. وبعدها ستجيئ معتذراً تطلب رضاي!

تهتف بها بتسلط وهي تتخصر بهيئة متحدية فيحمر وجهه بانفعاله قبل أن يعطيها ظهره شاعراً بالاختناق..
يعلم أنه استجاب لطمعه في الزواج منها رغبة في مالها ونفوذ علاقاتها هنا.. بسذاجة ظن أنه يمكنه بهذه الزيجة توفير الأمان لعائلته الأولى..
عائلته التي صارت الآن مجرد سراب..
وعليه أن يدفع الثمن!

بينما تشعر هي ببعض الخوف من تمرده فتعود لطبيعتها المغناج وهي تحتضن ظهره بذراعيها لتهمس بخنوع مصطنع:
_اعذرني.. تعلم كيف يؤثر الحمل على مزاج المرأة.. وهذا أول طفل لي.. وبقدر تعبي لأجله بقدر سعادتي لأنه منك أنت.
_هذا يجعلني أسألك.. لماذا لم تنجبي من زوجيكِ السابقين؟!
يقولها بخشونة ضائقة دون أن يلتفت نحوها فتهمس بنفس النبرة :
_هذا من حسن حظي.. كي يحمل ابني اسمك وحدك.

لا يستطيع الاستجابة لفنون دلالها هذه المرة..
ليس وهو يشعر بكل هذا الاختناق..
ربما لو اعترف بشعوره بالذنب لاستراح.. لكنه لا يزال يكابر..
هو لم يخطئ في شيء.. على العكس هو ضحى كي ينقذ القارب بحمولته كأي ربان محترف.. ولم يكن الطوفان ذنبه!

لكنها هي الأخرى كانت تجيد إدارة دفة القارب لصالحها.. فتتحرك لتواجهه بابتسامة ناسبت قولها :
_كلمت أحد معارفي هنا.. حزر ماذا سيكون منصبك الجديد في المشفى!

تلتمع عيناه بطمع ينسيه كل ما يموج في صدره من أفكار فتضحك بميوعة وهي تتحرك نحو غرفة نومهما قائلة:
_لن أخبرك حتى تصالحني.. أظنك ستجيد مراضاتي.

يركض خلفها بلهفة ليغلق باب غرفتهما وراءه فيعلو صوت ضحكاتها أكثر .
ويخفت صوت ضميره أكثر وأكثر..














*بنفسجي*
=====
من كان يخبره يوماً وهو يشتري هذا الفراش الواسع بغرفة النوم الوحيدة في بيته أنه سيكون هناك من يشاركه فيها يوماً ما؟!
إنه حتى لا يقبل أن تبيت أمه هاهنا!
هو سجنه الفردي الذي ارتضاه لجحيم عقابه منذ سنوات.. فلماذا أتى بهما إلى هنا؟!
لماذا لم يذهب بهما لشقته الأخرى حيث يلتقي عادة بنساء متعته الوقتية؟!

والجواب تفضحه هذه النظرة في عينيه وهو يجلس على طرف الفراش يراقب وجهيهما النائمين بسلام..
حمائم البراءة تطوف فوقهما طاردة بجناحاتها الناعمة وطاويط أفكاره السوداء..
هاهنا لا يرى وجهيهما فحسب..بل وجهه هو الآخر..
"وجه أبيض" نادر جديد له يتمنى لو يشفع رصيده لبقية وجوهه السوداء!

لم يذق طعم النوم منذ وصولهما لبيته.. هو اعتاد ألا ينام قبل الفجر وهاهو ذا الظهر قد حان وقته ولا يزال عاجزاً عن إغماض عينيه عنهما..يخشى أن يقلق نومهما وبالذات هي التي يبدو أنها تعاني مشاكل في نومها كذلك..

يتنهد بحرقة وهو يراقب ملامح سند الجميلة.. تراه يشبه أمه؟!
الغريب أنه لا يذكر ملامحها رغم أن صرخاتها يوم وفاتها طالما أرقت كوابيسه..
آه من سيف الندم عندما ينغرس نصله في القلب بعد فوات الأوان!
المزيد من الحطب فوق الحطب!

يميل فوق جبين الطفل بقبلة منحتها شفاه مرتجفة بين عاطفة وذنب..
يمد كفه ليعانق كفه الصغير فتلتوي شفتاه بابتسامة تأثر وهو يشعر بأنامله تتشبث بكفه في نومه دون وعي..

يبتلع غصة حلقه وهو يجبر نفسه أن يدير وجهه المذنب عنه لوجهها هي..
لا تزال حبيبات النمش على وجهها تثيره دون حدود..
كقمم جبال تغريه أن يتسلقها واحداً واحداً..
أنامله الحرة تمتد برهبة لا تليق برجل مثله.. تتلمس حرير شعرها الأحمر.. نعومة وجنتيها الممتلئتين.. تلملم شعثاً خفيفاً بدا له محبباً في حاجبيها.. تمر بنعومة فوق عينيها المغمضتين ليستمتع بدغدغة رموشها الكثيفة لأنامله.. تنحدر نحو أنفها المنمنم بأرنبته المرتفعة..
خفقات قلبه تعوي بجنون وهو يشعر بها تميل وجهها فجأة في نومها لتستقر شفتاها على راحة كفه كجمرة نار..!!

قبلة واحدة.. لا يريد سوى قبلة واحدة فقط يطفئ بها هذا السعير داخله!
هو.. هو - بتاريخه القديم- يستجدي قبلة من امرأة نائمة!
وهل كبك على وجهك في جحيم خسرانك سوى تاريخك القديم هذا؟!

يحدث بها نفسه بسخرية سوداء وهو يكبح جماح نفسه ليسحب كفه بصعوبة بعيداً عنها..

يرى الصغير يفتح عينيه وقد استيقظ من نومه فيبتسم له دون تكلف ثم يقترب بوجهه منه هامساً بخفوت مشيراً لديمة النائمة :
_لا نريد أن نوقظها.. دعنا نتناول فطورنا ثم نخرج للعب مع سلطانة.

يبدو البشر علي وجه الصغير الذي غادر الفراش بحماس ليرفع باطن كفيه نحو حسام بهذه الحركة المميزة.. كأنه يستقي من السماء المطر!

فيخفق قلب حسام بعنف أكبر وهو يحمله ليضمه لصدره بعنفوان حانٍ قبل أن يخرج به من الغرفة ليتولى شأن طقوس الصغير كاملة فيذهب به للحمام الآخر.. يحممه ثم يلبسه منامة نظيفة مريحة.. يمشط له شعره ثم يعد له بعض الشطائر ليخرجا معاً بعدها للعب مع سلطانة في حديقة البيت..

_صارت تحبك.. اعتادت عليك.. لا تحتاج أن تمسك كفي كي تمسد عنقها..

يقولها بعفوية افتقدها في نفسه منذ عهد بعيد وهو يدرس ملامح الصغير الذي بدا متفاعلاً مع كلماته باهتمام..
لكنه مد كفه الصغير ليمسك كف حسام كما يفعل دوماً كي يمسد به عنق سلطانة..
يحاول حسام سحب كفه هاتفاً ببعض الحزم :
_لا تخف.. افعلها وحدك.. لا.. لا تمسك كفي.. افعلها وحدك.

يظل يكررها بحزم حنون وهو يغرس نظراته في عيني الصغير الذي بدا متردداً لأول مرة وهو يحرك كفه بارتجاف نحو سلطانة..
يسمع صوت نباحها فيرتد كفه جواره بخوف لكن حسام يمنحه نظرة مطمئنة تجعله يعيد الكرة بتردد لتستقر أنامله فوق عنق الكلبة أخيراً..

يبتسم حسام بحنان وهو يربت على رأسه بكلمات مشجعة فيضحك الصغير بفخر وهو يتجرأ أكثر ليداعب الكلبة بكلا كفيه..
قبل أن ينتقل للعب مع صغارها..

يستمر لعبهما لبعض الوقت قبل أن تلتقي عينا حسام بعيني الصغير الذي فتح فمه كأنه يريد الكلام..
فيخفق قلب حسام بترقب وهو يهتف مشجعاً :
_تريد قول شيء؟! أي شيء؟! تريد مناداة سلطانة؟! قل أي حرف! أي حرف!

لكن الصغير يطبق شفتيه بقوة على أنات غير مفهومة ثم يمد كفه من جديد ليعانق كف حسام الذي يسأله بدهشة:
_لماذا تعاود إمساك كفي؟! تستطيع فعلها وحدك الآن.

لكن سند يبسط كفيهما المتعانقان علي صدره هو ليسمعها حسام منه دون كلمات.. "أحبك"!

هنا لم يملك نفسه وهو ينحني نحو الصغير ليضمه لصدره بقوة دافناً وجهه في عنقه.. مخبئاً في رحابه الصغير شعوراً بحجم الكون كله!

لا يدري كم مر من الوقت لكنه رأى خيالها عبر نافذة المطبخ المطلة على الحديقة فترك سند للعبه مع سلطانة قبل أن يهرع للداخل..

_انتبهي!
يهتف بها بجزع وهو يميز احتراق الطعام على الموقد لتلتفت نحوه بفزع..
يمد يده ليغلق الموقد لكنها تسيئ فهم حركته وهي تستعيد رغماً عنها مشهداً مشابه مع غازي لترفع ذراعيها كي تغطي وجهها بهذه الحركة التي تثير سخطه بقدر ما تثير شفقته..

فلا يملك وحش غضبه لأول وهلة وهو يمد قبضتيه قسراً ليفك تشابك ذراعيها حول وجهها هاتفاً باندفاع:
_لماذا عدتِ تأتين بهذه الحركة؟! كنتِ قد نسيتِها معي! لماذا؟!

_آسفة.. آسفة.. لن أفعلها ثانية.. سأرتب هذه الفوضى..سأنظفها لتعود كما كانت.. آسفة..

تكرر اعتذاراتها بفزع عبر شهقاتها المتلاحقة فيسب نفسه سراً وهو يلعن طبعه الذي تخلى عن حذره معها..
يأخذ عدة أنفاس عميقة يتمالك بها نفسه ثم يشدها إليه برفق ليناجي زرقة عينيها القاتمة :
_أسوأ ما يمكن أن تفعليه بي أن تشعريني أنك تخافينني! هذه الحركة تثير جنوني.. أعرف أنك تأتين بها دون وعي.. لكنني..

يقطع عبارته بزفرة قصيرة وهو يشيح بوجهه مخففاً ضغط قبضتيه علي ذراعيها ليردف بخفوت:
_لا بأس.. لا بأس..

يقولها ليبتعد نحو النافذة كي يطمئن على سند الذي بدا منسجماً في لعبه فيتنهد ببعض الارتياح وهو يعود ببصره نحوها ليلفت نظره عدد أكواب القهوة التي استقرت خالية على المائدة.. هل شربت هذا كله؟!

ينطق تساؤله الأخير بصوت مسموع لتشرد ببصرها عبر النافذة مراقبة سند بدورها وكلماتها تتشعث :

_لا أريد النوم.. لماذا تركتني أنام كل هذا الوقت؟! .. أريد التركيز.. التركيز.. المفتاح.. أين وضعته.. يجب ان أتذكر.. كي نحل كل شيء..كي تساعدني في القبض عليهم كما وعدت.. او كي يأخذوه هم ويتركونني لشأني.. كي نغادر هذا البيت.. كي أعود.. أعود.. لمن أعود؟! لماذا أعود؟!! سند!! هل سيأخذه مني السيد عاصي؟! التركيز!! التركيز!! التركيز يا ديمة!!

تخبط صدغيها براحتيها فجأة عدة مرات وهي تصرخ بعباراتها الأخيرة فيتحرك نحوها وقلبه يخفق بالأسى لكل هذا التشتت الذي تفضحه كلماتها..
يبسط راحتيه على كفيها فوق صدغيها ليهبط بهما برفق فتهمس عبر دموع عينيها المغمضتين :
_لماذا أتذكر ما ينبغي نسيانه وأنسى ما ينبغي أن أذكره؟! لماذا يعاندني عقلي كما تعاندني الدنيا كلها؟!

يمسح دموعها بأنامله فيشعر بارتعادتها النافرة وهي تبتعد عنه لترمقه بنظرة متوجسة لكنه يتمالك ضيقه ليقول بأكثر نبراته هدوءاً:
_لا أحد سيضغط عليكِ كي تتذكري أي شيء.. دعي كل شيء لوقته.

ترمقه بنظرة مندهشة لتتمتم :
_ظننتك تريد القبض على ذلك الرجل بسرعة.
_أنا كذلك.. لكن ما تفعلينه لا يفيد.. اهدئي تماماً كي يمكننا التقدم في طريقنا.

تهز له رأسها بطاعة خائفة فيلقي علي سند نظرة مطمئنة أخرى ثم يقول برفق:
_سنضطر لخدمة أنفسنا ليومين أو ثلاثة على الأكثر حتى أحضر خادمة أثق بها وطاقم حراسة كذلك.. لا أريد المخاطرة بقدوم أناس لا أئتمنهم بما يكفي!

_تريدني أن أكون خادمتك؟! قلها بصراحة ولا داعي للمراوغة!

تهتف بها فجأة بحدة غير مبررة تثير دهشته لأول وهلة قبل أن يتدارك نفسه متحكماً في انفعالاته..
يقترب منها أكثر فيختفي "أحمرها" ليسيطر "الأزرق" من جديد فتتراجع بخوف قائلة :
_آسفة.. آسفة.. لم أقصد.. فقط..

_ديمة.. أنا قلت سنخدم أنفسنا..سنخدم أنفسنا.. هيا لنعد الإفطار معاً!

يقولها بصوت خنقه عجزه وهو يقاوم بشدة أن يضم جسدها المرتجف لصدره مخرساً كل هذا الخوف الذي تصرخ به ملامحها لكنه كان يشعر بذبذبات نفورها تتصاعد بينهما..
ليدرك أن ما يكون بينهما من لحظات تقارب تكون هي فيها غير واعية!

يعطيها ظهره ليبعد الوعاء الذي احترق بطعامه ثم يحضر آخر ليشرع في تجهيز الطعام وهو يراقب سند عبر نافذة المطبخ..
يشعر بها تقترب ببطء كي تساعده بحذر اختفى تدريجياً لتهدأ حركتها جواره..
يعدان المائدة فيقول وهو يمسح كفيه في منشفة قريبة :
_سأحضر سند من الخارج.

_أنت من بدل له ملابسه؟!
تسأله بتردد وهي تتحاشى النظر نحوه فيمنحها همهمة إيجاب لتعاود سؤاله :
_سمح لك بفعلها؟!

_ألا يفعل في العادة؟!

تهز رأسها في جواب بالنفي لتجد الجرأة أخيراً فترفع عينيها نحوه قائلة:
_لا يسمح لأحد من الغرباء في العادة بالاقتراب منه.. يبدو أنه.. أنه يشعر بالأمان معك.

_وأنت؟!

ترمقه بنظرة مشتتة ليردف بأنفاس هائجة :
_تشعرين بالأمان معي؟!

تبتعد خطوة ..اثنتين ..ثلاث ..
يقتربهم هو جميعا بخطوة واحدة ليهمس أمام حلقة الزعفران التي صار وهجها هوسه :
_أشعر بها ..أوقن فيها ..لكنني أريد سماعها ..قوليها ..

شفتاها ترتجفان بهذه الطريقة المهلكة وأناملها المرتجفة تتشبث بظهر المقعد خلفها فيبدو صدرها في سرعة حركته كأنما سيقذف قلبها خارجا !

هنا يعتقل كفاه خصرها بطغيانه الحاني الذي لا تملك لسلطانه دفعا وهو يميل بوجهه على وجهها هامسا بأغرب نبرة سمعتها بين غرور ورجاء:
_لم أفعلها يوما أن أطلب من أحدهم نفس الطلب مرتين ..لكنني سأبقى أطلبها منك عشرا ومائة وألفا ..لن أمل ..ولن تخذليني!

تترنح في وقفتها بهذه النظرة المذعورة لكنه يدير جسدها قسراً ليجعل وجهها في مواجهة باب البيت بينما هو خلفها ولايزال كفاه يعتقلان خصرها :
_لا تخافي من قولها فلن أسيء التأويل.. ترين هذا الباب؟! يوماً ما ستخرجين منه مغادرة حياتي بلا رجعة.. ستدفنين كل ذكرى لك معي هنا كما ستفعلين بكل أوجاعك قبلي.. ستبدئين من جديد حياة تقودينها أنت ولا يفعلها سواك..

تلتفت برأسها نحوه لتلتقي عيناهما بهذا القرب فتقرأ في نظرات "الذئب الجريح" سطوراً من عذاباته وهو يغمض عينيه أخيراً على همسه شديد الخفوت :
_فقط عديني أن تقوليها قبل أن تغلقي الباب خلفك.. لا تعلمين أي أبواب ستُفتح لي بها!
======






*أحمر*
======
تسكب عبراتها في السجود في جوف الليل كعهدها وهي تشعر بقيد ذنبها يلتف حول عنقها أكثر..
بائسة هي في منتصف الطريق فلا هي قادرة على الرجوع.. ولا هي تستطيع التقدم!

_يارب..لا أعرف كيف سينتهي بي الحال.. كذبتي كبيرة.. وذنبي عظيم.. لكن عفوك أعظم..

تنهي صلاتها بالتسليم فتشعر بكفه علي كتفها لتلتفت نحوه بنظرات مذعورة تجعله يرمقها بنظرة مشفقة وهو يضمها لصدره بحنان هامساً بعتاب:
_تبكين ككل ليلة؟!

تستجيب للأمان المؤقت بين ذراعيه حتى تهدأ رجفة جسدها فيرفع ذقنها نحوه هامساً :
_قولي لي سبباً واحداً لهذا الخوف في عينيك.
لكنها تهرب من السؤال وهي تربت على رأسه بابتسامة:
_ما الذي أيقظك؟!
_افتقدتك جواري.
يقولها وهو يقف ليوقفها معه مردفاً :
_قلت لنفسي.. تبكي وحدها في صلاتها كالعادة.

تهرب بوجهها منه كأنها تشعر بملامحها كلها تفضح كذبها.. لكنه يدير وجهها نحوه قائلاً :
_لا يزال أمر الإنجاب يقلقك؟! لم يمر سوى شهرين على العملية.. الطبيب ينصح بشهرين آخرين كي نطمئن تماماً عليك.

_اثنين كاملين؟!
تهتف بها بارتياع فيهز رأسه ليقول بصدق :
_صحتك عندي أهم من أي طفل.
_والطفل عندي أهم من نفسي!
تهتف بها باندفاع عصبي وهي تتجاوزه كاتمة دموعها فيتنهد بيأس من مجادلتها ليتقدم نحوها مكتنفاً ذراعيها بقبضتيه مع قوله مغيراً الموضوع:
_لا بأس.. عندي خبر مفرح.

ترمقه بنظرة مترقبة ليرد ببشاشة:
_مصحة علاج الإدمان التي قلتِ لي أن واحدة من معارفك تلقت علاجها فيها.. ذهبت إليهم بخصوص سندس.. الغريب أنهم عندما عرفوا ظروفها عرضوا علاجها كاملاً بالمجان وفي أرقى مكان لديهم.. طيب جداً مديرها ذاك!

_أنت الطيب!
تنطقها بلسان قلبها دون شفتيها وهي تغمض عينيها على كذبتها..
هي التي كلمت صاحب المصحة وتكفلت بعلاج سندس كاملاً على نفقتها ك"يسرا" لكنها اشترطت السرية التامة!

_سامي سيقيم معنا حتى تنتهي فترة علاجها.. أظنك سترحبين كثيراً بهذا.

تلتمع عيناها برضا يسره لكنها تهتف باستدراك:
_سنخبر أهل الحي أنك وجدت لها عملاً لدي قريب لديك في محافظة أخرى كي نبرر لهم غيابها.. هم يثقون بك ولن يكذبوك!
_يشق عليّ الكذب ولو في شأن كهذا!
يقولها بضيق يخز قلبها وهو يذكرها بمصيبتها فتضم قبضتيها في وضع الرجاء قائلة:
_لأجل سمعة الفتاة يا إبراهيم.. أنا بالكاد أقنعتها بالعلاج.. المسكينة مرعوبة حد الموت وقد تؤذي نفسها.. بماذا سنبرر للناس غيبتها كل هذا الوقت دون شقيقها؟!

يصمت للحظات مفكراً ثم يقول بعناد:
_لا.. لا.. لا أستسيغ الكذب.. سأسأل (مستر ربيع) لعل لديه حل يكفينا وزر الكذب.. من يكذب مرة يكذب ألف مرة.

تغمض عينيها بالمزيد من الوجع وكلماته ترش الملح على جرحها..
تسمع صوت الأذان فتردده معه لتقول وهي تراه يتأهب للنزول لصلاة الفجر :
_سأذهب لهبة.. خذني معك في طريقك.. أريد أن أفهم لماذا رفضت الخاطب الجديد.

فيضحك وهو يرد بمرح :
_لم نعد نسألها هذا السؤال. أظنها هي الأخرى تجهل الجواب.. ستكونين ماهرة حقاً لو عرفت السر.

تبتسم له وهي تبدل ملابسها بدورها لتخرج معه فيوصلها لبيت هبة ثم يغادر..

تنتهيان من صلاتهما فتهتف هبة ببشاشة وهي تشد علي ساعدها :
_تناولي معي الإفطار.. خبزت بعض المعجنات بالتمر كما تحبين.

تبتسم لها بامتنان وهي تشاركها إعداد الفطور لتتناولاه سوياً علي أرض السطح..

_يا سلام! لم أذق مثلها يوماً! يالحظ من ستعدينها له!
تغمزها بها يسرا بمكر لتهز هبة رأسها متصنعة السخط:
_بنت! لا تتذاكي عليّ.. أعرف ما الذي أتى بكِ مبكرة هكذا.. خالي ربيع أخبركم أنني قد رفضت العريس.. صحيح؟

تضحك يسرا وهي ترتشف رشفة من كوب الشاي لتغمزها بمكر فتبتسم هبة بخجل يناقض نبرتها الخشنة :
_لا أحب هذه الحركات.. قولي ما عندك.

_مممممم..سأقول مثلاً.. أن السبب مجهول..

_أحسنتِ! السبب مجهول.. مجرد عدم ارتياح.

_ممممم.. مجهول مثلاً طويل القامة.. عريض المنكبين.. مجهول التقيتِه في حياتك ثلاث مرات.. آخرهما كانت في المشفى.. مجهول اسمه..

تقطع هبة عبارتها وهي تكتم فمها براحتها لتطلق يسرا ضحكات مكتومة بينما الأولى تهمس لها بغيظ:
_لا تجعليني أندم أنني أخبرتك.. أنا لست بهذه الحماقة التي تصورينها..وليس الأمر كله بهذه الضخامة كما تظنين.

تدمع عينا هبة بعدها فترفع يسرا حاجبيها لتضمها إليها هاتفة بنبرة اعتذار :
_كنت أمازحك.. لا تغضبي.. تعرفين طبعي!

لكن هبة تبتعد بضيق وهي تقف مكانها لتتحرك نحو سور السطح تراقب شروق الشمس :
_أنا لست غاضبة منك.. أنا حائرة في شأن نفسي.. المصيبة أنني منذ رأيته آخر مرة .. وأنا.. أنا.. أستغفر الله.. أستغفر الله

تقطع عبارتها بخجل لتقترب منها يسرا متسائلة بترقب:
_وأنتِ ماذا؟!

تتلفت هبة حولها كمذنبة لتقترب من يسرا هامسة كمن تشي بسر خطير :
_أنا أفكر فيه.

تكتم يسرا ابتسامتها مصطنعة الصدمة لتردف هبة بحياء عذري نادر :
_المصيبة الأكبر.. أنني..أتذكر ملامحه رغم أنني والله العظيم لم أنظر إليه إلا مرة واحدة.

تكتم يسرا المزيد من ضحكاتها بينما البائسة الحييّة تردف بالمزيد من الحيرة وهي تخفي حمرة وجهها الخجول بين كفيها :
_والأدهى.. عريس الأمس ذاك.. عندما حدثني خالي ربيع عنه تمنيت لو.. لو كان هو.. بل.. ياللمصيبة! رأيت ملامح إياد علي وجهه لاول مرة عندما دخلت عليه قبل أن أعود لصوابي وأدرك ماذا دهاني!

_ياللمصيبة! ياللمصيبة!! وصلتِ لقمة الانحراف!! لا ينقصنا سوي أن تحلمي به كذلك!
تهتف بها يسرا بتهكم بين ضحكاتها التي أطلقتها لتشهق هبة بخجل ثم تلكزها في كتفها قائلة:
_أستغفر الله.. أستغفر الله.. ماذا تقولين أنتِ؟

تضحك يسرا للحظات ثم ترمقها بنظرة حانية وهي تضمها لصدرها لتسألها بعدها بجدية :
_ما اسمه الكامل؟!
_لماذا؟! ستسحرين له كي تأتيني به؟!
تهتف بها هبة باستنكار فتضحك يسرا بانطلاق لتخبط كفيها ببعضهما قائلة:
_يالسوء الظن! ربما أدعو لكِ في صلاتي بالليل لعلها توافق ساعة إجابة..

تعاود هبة لكزها في كتفها باستنكار فتضحك للحظات ثم تتنهد لتقول بحنان :
_لن يخذل الله قلبك الطيب.. أنا أثق بذلك.

ترمقها هبة بنظرة امتنان لترد :
_لو كانت لدي أخت لما أحببتها مثلما أحبك.. الجميع يشتكون من تحفظي.. لكن معك أنت.. تنفتح كل صناديقي المغلقة.

عبارتها تخز ضميرها وهي تشعر بوزرها يزداد ثقلاً..
ليتها تستطيع فعل المثل..
ليتها تستطيع فتح صناديقها المغلقة معها كذلك!

الوجوم يكسو ملامحها فجأة فتبتسم هبة لترد ببراءة عفوية:
_لا أعرف اسمه الكامل.. أظن الدعوة ستقبل على أي حال.

تنخرطان سوياً في الضحك والمسامرة بعدها حتى وقت الضحى.. يعود إبراهيم ليصطحب يسرا لبيتهما ولم يكادا يصلان حتى تثاءب قائلاً بأرهاق :
_لم أنم جيداً ليلة أمس.. ولدي مشوار عمل مهم سيتطلب السهر ليلاً دعيني أنام ولا توقظيني.

_هات هذا كي لا يقلقك رنينه.
تقولها وهي تنتزع منه هاتفه فيضحك قائلاً بمشاكسة:
_كي لا يقلقني رنينه أم كي تفتشي فيه؟!

ترفع أحد حاجبيها بحركة تهديد مرحة فيقبل وجنتيها ورأسها ضاحكاً قبل أن يتوجه لغرفة النوم تلاحقه عبارتها :
_عندما تستيقظ ستجدني أعددت لك الكعك الذي تحبه.

يرسل لها قبلة طائرة تردها له ثم تتوجه نحو المطبخ كي تعد الكعك.. صارت لا تحتاج هاتفها بفيديوهات الطهي فقد حفظت الطريقة..!
تنخرط فيما تفعله لوقت لا تعلمه ثم تتنهد بإعياء وهي تجلس أخيراً منتظرة تمام نضجه..
تسمع رنين هاتفه فتتناوله لتتسع عيناها تدريجياً بصدمة تتحول لرعب وهي تميز الرقم المتصل..
يخفق قلبها بجنون وحروف الاسم الملحقة بالرقم تهددها بالفضيحة..

هل هو تشابه أسماء؟!
ووظائف أيضاً؟!

_(حسام القاضي.. المحامي)
=======
انتهى الفصل الحادي والثلاثون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-21, 03:30 AM   #2802

موناليزا ابو الفتوح

? العضوٌ??? » 482460
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 43
?  نُقآطِيْ » موناليزا ابو الفتوح is on a distinguished road
افتراضي

ماشاء الله مبدعه كالعاده يانيمو

موناليزا ابو الفتوح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-21, 04:09 AM   #2803

sara_soso702
 
الصورة الرمزية sara_soso702

? العضوٌ??? » 325067
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 375
?  نُقآطِيْ » sara_soso702 is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايدك يا نيمو فصل اكتر من رائع

sara_soso702 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-21, 04:24 AM   #2804

Mummum

? العضوٌ??? » 441364
?  التسِجيلٌ » Feb 2019
? مشَارَ?اتْي » 462
?  نُقآطِيْ » Mummum is on a distinguished road
افتراضي

جميل جميل جميل نيموو تسلم ايدك يا قمر الفصل روعة بجد

Mummum غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-21, 04:34 AM   #2805

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي

و عووووودة محمودة يا صباح احلى توت
الابطال كلهم بأول مراحل في الرحلة الثانية من حياتهم
المرحلة الأولى هي مرحلة التخبط و الوقوع
المرحلة دي هي بداية مراحل العلاج
بعضهم يجب ان يواجه عشان يبدأ
زي حبيبة الشعب بلا منازع طيف والاستاذ يجيى اللي كان لازم يفجر قنبلته عشان يبدأ التنظيف والتطهير لعمايل استبرق
زهرة اللي لازم تقتنع ان في امكانية للعلاج وان صهيب الواقف قدامها اكبر مثال
مش عارفة ليش حاسة ان صهيب وراه قصة زي يوللند بالزبط
مجرد شعور يمكن يكون غلط ما بعرف
ان حبيبته تركته عند صراع المرض
مجرد احساس
بس الاكيد ان ظهوره مهم في حياة زهرة في الوقت الحالي
سند واااااه من سند الطفل اللي بيسند الكل
مجرد كلمة طيرت حسام لقاضي ورفعته للسما
مجرد ان سند بيأمن معه حسسته انه اعظم مخلوق
مش عارفة للحظة تزكرت كيف ترك دعاء يوم فرحهم وراح يدور على اللي قتلوا اهلها بس عشان يثبت اديه هو عظيم وما حد بيسترجي يدوس على طرفه
هاد الشخص من مجرد طفل بيأمنله بيحس بانه ملك الدنسا
مبدعه انتي يا نيمو برسم الاحاسيس
سندس وعلاجها ربنا يستر منه قلبي مش متطممممن نهائي
زي ما توقعت سامي حيكون مع يسرا
ابراهيم و كملت
ازا م و راضي يكذب بشي بسيط عشان سمعة سندس ما تضرر كيف رح يتقبل يسرا
انا صرت متاكدة تريليوووون بالمية انه حيطفش لحد الجزء التالت
عزة والفاجومي والقادم اصعب بوجود بتول واغوائها للفاجومي بغض النظر عن هدفها من ورا هاد الاغواء
خصوصا ان اياد بطريقة ما رح يسمح للاغلاط انها تصير


وربنا يستر


ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-21, 05:25 AM   #2806

amira_adel

? العضوٌ??? » 271425
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 254
?  نُقآطِيْ » amira_adel is on a distinguished road
افتراضي

الفصل خطييير بجد..
كنت متخيلة مشاهد العراق هي الأهم بس حقيقي كل المشاهد مش عادية
ان شاء الله ليا رجوع بريفيو يتكتب بروقان بس حبيت اقولك ابدعتي فوق الوصف و قدرتي تاخدي مشاعرنا ناحية الابطال لمناطق جديدة تماما
في قوس قزح مش فارق معايا نهاية الابطال خالص لأنها اكيد هتكون الأنسب.. انا فعلا مستمتعة بسير الأحداث و تركيبة كل شخصية و تفاصيلها اللي علي أساسها بتكون انفعالاتها و أفعالها
ما شاء الله ربنا يديم عليكي موهبتك اللي حقيقي مختلفة


amira_adel غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-21, 06:11 AM   #2807

suhiotb

? العضوٌ??? » 444547
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 76
?  نُقآطِيْ » suhiotb is on a distinguished road
افتراضي

فصل جبار بعد هالانقطاع ، كثير اشتقنا لابطالنا واكثر شخصيتين اشتقت لهم ديمه وحسام🤍 البارت جميل وتسلم الانامل يارب 🙏

suhiotb غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-21, 08:12 AM   #2808

hmaan

? العضوٌ??? » 383971
?  التسِجيلٌ » Oct 2016
? مشَارَ?اتْي » 82
?  نُقآطِيْ » hmaan is on a distinguished road
افتراضي

سلمت يداك كاتبتي المفضلة

hmaan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-21, 10:29 AM   #2809

قطرة الغيث

? العضوٌ??? » 475342
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 16
?  نُقآطِيْ » قطرة الغيث is on a distinguished road
افتراضي قوس قزح

تسلم ايدك يا نيمو الفصل روعة💖💖💖💖

قطرة الغيث غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-21, 11:02 AM   #2810

اميره بركات

? العضوٌ??? » 482439
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 39
?  نُقآطِيْ » اميره بركات is on a distinguished road
افتراضي

عوده قويه يا نيرمو
وحشونا كل الوان قوس قزح
فصل دسم و ممتع و رائع
دمتي مبدعه ♥️♥️♥️♥️


اميره بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:23 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.