الستر من الحق (3) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة نساء صالحات

[ميريزااد]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 60 ( الأعضاء 41 والزوار 19)
‏ميريزااد*, ‏**منى لطيفي (نصر الدين )**, ‏فتاة من هناك, ‏Alice laith, ‏zainab atta, ‏sara-khawla, ‏yasser20, ‏Majd nor, ‏sara halawa, ‏noor3eny, ‏عمر أبوبكر, ‏sabreira, ‏ام توتا, ‏ToOoOmy, ‏Her black roub, ‏ران23, ‏داليا انور, ‏Meso antar, ‏Reem salama, ‏Zainabalghazi, ‏الراء, ‏توته الاموره, ‏فررراشة, ‏ميرو البسيونى, ‏ريما الشريف, ‏قمر وليد, ‏Lalloush, ‏المثقفه, ‏بشري كمال, ‏سمية21, ‏shammaf, ‏rosy.dart, ‏زهرة الغردينيا, ‏نو الحق, ‏totamohamedusama, ‏rontii, ‏marwalool, ‏Gehan hassan, ‏sasad, ‏dr karee

[ميريزااد]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 58 ( الأعضاء 41 والزوار 17)
‏ميريزااد*, ‏ضحى حماد, ‏sara-khawla, ‏Alice laith, ‏Meso antar, ‏Reem salama, ‏توته الاموره, ‏ام توتا, ‏Majd nor, ‏داليا انور, ‏هلو11, ‏لمحة من الكون, ‏yasser20, ‏**منى لطيفي (نصر الدين )**, ‏فتاة من هناك, ‏zainab atta, ‏sara halawa, ‏noor3eny, ‏عمر أبوبكر, ‏ToOoOmy, ‏Her black roub, ‏ران23, ‏Zainabalghazi, ‏الراء, ‏فررراشة, ‏ميرو البسيونى, ‏ريما الشريف, ‏قمر وليد, ‏Lalloush, ‏المثقفه, ‏بشري كمال, ‏سمية21, ‏shammaf, ‏rosy.dart, ‏زهرة الغردينيا, ‏نو الحق, ‏totamohamedusama, ‏rontii, ‏marwalool, ‏Gehan hassan
أدو

[ضحى حماد]

الفففففف مبروك الختام يا قلبي
تسجييييل حضوور

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 60 ( الأعضاء 42 والزوار 18)
‏ضحى حماد, ‏Meso antar, ‏Reem salama, ‏توته الاموره, ‏ام توتا, ‏Majd nor, ‏داليا انور, ‏Alice laith, ‏هلو١١, ‏لمحة من الكون, ‏yasser20, ‏**منى لطيفي (نصر الدين )**, ‏فتاة من هناك, ‏zainab atta, ‏sara-khawla, ‏sara halawa, ‏noor3eny, ‏عمر أبوبكر, ‏ToOoOmy, ‏Her black roub, ‏ران23, ‏Zainabalghazi, ‏الراء, ‏فررراشة, ‏ميرو البسيونى, ‏ريما الشريف, ‏قمر وليد, ‏Lalloush, ‏المثقفه, ‏بشري كمال, ‏سمية21, ‏shammaf, ‏rosy.dart, ‏زهرة الغردينيا, ‏نو الحق, ‏totamohamedusama, ‏rontii, ‏marwalool, ‏Gehan hassan, ‏sasad, ‏dr kareem

[hanin ahmad]

تسجيييل حضوووور في انتظار الفصل يا منى الله يعينك على مراجعته حبيبتي

[ميريزااد]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 60 ( الأعضاء 43 والزوار 17)
‏ميريزااد*, ‏Majd nor, ‏داليا انور, ‏الاميرة نور, ‏ضحى حماد, ‏hanin ahmad, ‏rahmamomin, ‏sara-khawla, ‏Alice laith, ‏Meso antar, ‏Reem salama, ‏توته الاموره, ‏ام توتا, ‏هلو11, ‏لمحة من الكون, ‏**منى لطيفي (نصر الدين )**, ‏فتاة من هناك, ‏zainab atta, ‏sara halawa, ‏noor3eny, ‏عمر أبوبكر, ‏ToOoOmy, ‏Her black roub, ‏ران23, ‏Zainabalghazi, ‏الراء, ‏فررراشة, ‏ميرو البسيونى, ‏ريما الشريف, ‏قمر وليد, ‏Lalloush, ‏المثقفه, ‏بشري كمال, ‏سمية21, ‏shammaf, ‏rosy.dart, ‏زهرة الغردينيا, ‏نو الحق, ‏totamohamedusama, ‏rontii, ‏marwalool, ‏Gehan hassan
تسجييييل حضووووور للختااااام 🎉🎊🎉🎊🎉🎊🎉🎊🎉🎊🎉🎊

[رغيدا]

واجمل تسجيل حضور نهاية موفقة لرواية جميلة

[**منى لطيفي (نصر الدين )**]

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأخير .......



من عرف الله خشيه، من عرف الله أطاعه، من عرف الله أحبه، من عرف الله تقرب إليه، من عرف الله هابه، وهاب أمره، وما حال بعض المسلمين اليوم إلا أن أمر الله هان عندهم فهانوا على الله، ولو عظموا أمر الله لكانوا في حال غير هذا الحال.... محمد راتب النابلسي.




مدينة الجبل ..... اليوم التالي .... قبيل الفجر.

شقة منصف ....

يربت على خدها بظهر أصابعه، ملتهما تفاصيلها بعينيه غير مصدق كونها هناك، قربه، تشاركه سريره وغرفة نومه وبيته. صغيرته التي قدر الله أن يعرفها منذ صغرها لتكبر وتتفتح مزهرة أمامه ولِحظه أفلح في إحاطتها برعايته وجنونه حتى أقنعها بحبه.
)لماذا تبتسم ؟).... سألت بحنق خفيف، تخفي به خجلها مما حدث بينهما، غير مصدقة هي الأخرى مبادلته أحاسيسه المتدفقة لكنه منصف يعرف جيدا كيف يقودها إلى ما يريده، لتكتشف أنها ما تبحث عنه وترغبه.
)وكيف لا أبتسم وأنت هنا؟ ... قربي؟ ... أشم رائحتك حتى أشبع! ... وأنظر إليك كما أريد! ... وألمسك كما أريد! ...).... نظر إلى أصابعه المتلمسة على خدها ومن خجلها رفعت الغطاء إلى حدود دقنها وقد كان في حدود رقبتها، لتتسع بسمته المرحة قبل أن يسيطر عليها مرغما، يستطرد بحنو ...
)أبكتكِ والدتك أمس ... إنها انسانة عاطفية جدا ....)... ابتسمت بتلقائية، ترد بإشفاق ....
)ليس سهلا ما عاشته .... لذا دمعتها قريبة ...وتتأثر بأي سبب كان .... )... هز منصف رأسه بتفهم، يقول رغبة في جعلها تتحدث وتفضي بما في قلبها نحو عودة والدتها التي لم تكن على دراية بحياتها...
)أين كانت تختبئ طوال تلك السنوات؟)... نظرت إليه تجيبه وقد نسيت أمر خجلها كما أراد ...
)لدى إحدى تلك القبائل الرحالة بين الجبال .... لا أتصور مدى صعوبة العيش هناك ولا مدى تحملها لشقيقها الأكبر الذي استعملها في خططه الدنيئة تحت وطأة التهديد .... ).... تنهدت فضم خدها المكتنز، يسأل بحنو ...
)كيف تشعرين نحوها؟).... جعدت دقنها، تعبر عن نفسها بطلاقة ...
)في البداية لم أشعر بشيء على الإطلاق.... وحتى حين أخبرتني أن والدي لم يغتصبها وحكت لي عن ظلم شقيقها .... تلك الليلة وللأمانة... أنا لم أعرف كيف أشعر ... ولا تحديد موقفي .... وكل ما فعلته أنني استسلمت لحضنها ولمساتها وكلماتها الحانية على أمل أن أجد مرسى لحيرتي ... عملا بنصيحة إبراهيم.... )....صمتت تبلل شفتيها ثم استدركت بينما يدس كفه تحت الغطاء يمررها على ذراعها...
)وبعدها ... بدأت أستوعب كما قال أخي ... بدأت أتعلم شعورا جديدا وأنا اتلقى منها الحنان والاهتمام واعترفت لنفسي أنها معاملة مختلفة ... رغم أن باقي أفراد عائلتي يعاملونني بحنان ... لكن هي ... مممم... لا أعلم كيف أصف ذلك؟! ... وحتى في نفسي... أجدني متقبلة ... بل ومُحبة لما تمدني به من رعاية ..... وكل من أحقد عليه الآن هو ذلك الشيطان ... حتى والدي لم أعد أكن له أي مشاعر ... لا حب ولا كره ....فقط إنسان بهتت صورته في خيالي ... وحل محله وبشكل قوي ... جدي وأخي إبراهيم ).... حل الصمت قليلا، منصف يرمقها مفكرا بتمعن وكفه لا تكف عن عبثها.
)ما رأيك؟)... سألت بخفوت، فأجاب ...
)طبيعي ... كل ما شعرت به طبيعي ... فأنت بعد كل هذه السنوات تأثرتِ بقربك من اخوتك وجدك بسبب معاملتهم الحنونة ... تربى قلبك على المشاعر الجميلة وعند أول إمتحان حقيقي ... ظهرت النتائج .... قلب رقيق محب ....).... اقترب من شفتيها، يضيف بهمس مغوي ....
)يعِد بعطاء كريم من عاطفة متدفقة ....)... ثم خطف قبلة بخفة قبل أن يكمل بحذر ...
)لماذا لا تزورين والدك تغريد؟... بما أنك تجاوزت مشاعرك نحوه؟!)... ارتعدت فلم يعلم أمن تأثيره عليها أم من سؤاله. مسح على شفتيها بإبهامه حين سكتت، يستطرد بلطف ...
)أخبريني عما في داخلك ... وما تفكرين به ....)... كان يلجم نفسه بصعوبة عن خديها المتوهجين، حرارة وحياء بسبب ما يفعله بها بينما هي تجيب بتوتر وخجل سببه ما ستفضي به له .....
)أنا بالفعل فكرت في ذلك .... فجميع اخوتي يزورونه ويطمئنون عليه .... حتى إن لم يقابلوه ... وأنا ... )...
)لماذا تغريد؟ .... اشرحي ولا تخجلي مني ...)... نطق وهو يضمها مقربا إياها منه فقالت وهي تدس وجهها في تجويف عنقه ....
)لا أعلم ما أبحث عنه .... ممكن حقدي القديم ... أو ربما ... ربما ... حب جديد ... أو ربما تقليد اخوتي ... لا أعلم .... لا تطلب مني تفسيرا ... لأنني مجنونة ... وأغلب تصرفاتي ...ومشاعري ... تكون صاخبة .. هائجة ... إلى حد الجنون .. فلا أستطيع مواكبتها .... ويستعصي علي فهمها ....).... طوقها ودق قلبه بعنف من تأثره بها، يهمس بحب ....
)لا بأس ... سنكتشف كل شيئ مع الوقت ... ما يهم أنك هنا معي ....)... أحنى رأسه إلى وجهها، مسترسلا في همسه العاشق ....
)أسمع أهم اعترافاتك بين أحضاني ... وكم أود سماعه الآن... حالا ... )...
)منصف!!)... همست بدلال تمرغ انفها في عنقه، فيضحك مجيبا بمرح ...
)نطقك لاسمي بتلك الطريقة ....حتما يدمر اعصابي ... لكن الكلمة الأخرى تدمرني كليا .... )... رفعت وجهها ونظرت إليه بمقلتين لامعتين بشقاوة محببة، لتهمس له بما دمر دفاعاته ورفع راياته مستسلما لجبروت الحب وطغيان العشق.
)أحبك ........أحبك ....)....
………………

منزل يونس ....

ضمها من خلف ظهرها وأرخى رأسه على كتفها وارتحل مع قصصه الخيالية، عبير الزعفران والمسك مع رشة من ماء الورد تغرقه في نشوة سحرية، صاحبته عبر أحلامه التي اندثرت فيها الكوابيس.
فتحت مقلتيها على إثر ثقل شعرت به، لتكتشف أنها داخل حضنه الذي غطاها بكاملها فابتسمت بحياء دافئ.
ولا في خيال جامح لم تتصور يوما ما عاشته معه، للحظات نسيت فيهم كل ما حدث معها من ضياع عن أهلها ظنته مُصابها وكل ما اكتشفته عن ذكريات الطفولة وعن عائلتها، فلم يبقى سواهما ومشاعرهما أو بالأحرى مشاعره الهادرة فهو كان أكثر منها جرأة وتعبيرا بينما هي اكتفت بالاستجابة لكل فعل برد فعل خجول.
تململت لتنسحب من بين ذراعيه، فهمهم بغير رضى، سكنت لبرهة ثم تحركت مرة أخرى فهمس زاجرا بنبرة ناعسة ...
(كفي عن الحراك ... لازال هناك وقت على صلاة الفجر ... )... بلعت ريقها توترا، ففتح عينا واحدة رافعا حاجبها، يرمقها بها، يكمل بمكر ....
(أم أنك تريدين الحمام؟).... عبست في وجهه، ترد بتردد.
(بلى ... لو سمحت ...).... ابتسم بجانب فمه، يعقب بتهكم ...
(بشرط ....)....(ماذا!!)... نطقت بدهشة فأكمل وهو يغمض عينيه ....
(كما سمعت .... بشرط ... إن لم تحققيه فانسي أمر الحمام ....)... تنهدت مستسلمة، تهمس ...
(ما هو؟)... عاد يبتسم، مستفسرا ...
(ماذا طلبت من ذلك المبتسم السمج؟)... قطبت، تهتف بتأنيب ... (عيب عليك... اسمه السيد جارح...)... مطط شفتيه وشد عليها في ضمته، يقول ساخرا بجفاء مزعوم ...
(جارح!... ما هذا الاسم؟... أشعر وكأنه خارج من عمل درامي للنساء ..... جارح أو كاسر لا يهمني ... ماذا طلبت منه؟....)... توترت، تهمس بخفر ...
(هل يهمك الأمر لهذه الدرجة؟)....جعد جبينه هو قلقا، يرد بجدية ...
(لا تريدينني أن أعرف؟)... أومأت، تجيب بصدق ...
(لا أريد لأي أحد أن يعرف ...)... أدارها إليه بسرعة، يهتف بنبرة ظهرت لها كحنق طفولي ...
(بما أن دراما النساء يعرف ... يجب أن أعرف فأنا زوجك لا هو ...)... ضحكت مستغربة، فصمت يبتسم حرجا.
ضمت وجهه بين كفيها، تقول برقة ....
(إنه أمر يتعلق بأمر خيري ... لكنك محق أنت زوجي ويحق لك معرفة كل ما يخصني .... طلبت منه تخصيص نسبة من الأرباح التي تعود لي لدار الجبل ...دون أن يعرفوا من صاحبها! ....).... رقت مقلتيه وهدأت جوارحه، يربت على كفيها، هامسا بحنو ....
(طيبة القلب ... سمرائي المليحة...)... زحف الحياء عبر أوردتها، فقربها منه يكمل بهمس ....
(تفصلنا ساعة على الفجر ... لنستغلها جيدا ...)... ابتعدت عنه بوجهها، تتمتم بخجل ...
(والحمام ؟!).... ضم شفتيه إلى الأمام مقطبا ثم سأل بعدم رضى ...
(هل هو ضروري ...ضروري؟!...)... ضحكت وهي تهز رأسها بيأس، تجيب بمرح ....
(لا ...ليس ضروريا ...ضروريا )... ابتسم بمكر، يزمجر...
(أحبك وأنت تفهمينني ...)... استمرت في الضحك بينما تنطق بدلال لم تعلم أنه صدر عنها ...
(حين أفهمك فقط؟...)... لمعت ظلمتيه بحب عميق، يهمس لها قبل أن يغيبها في عناق ساحر كالبساط الذي حملهما في رحلة جديدة إلى أرض الأساطير، ليخطفا ليلة أخرى من ألف ليلة وليلة.....
(بل أحبك في جميع حالاتك....)...
.. ………………………..



بعد يومين.... المدينة السياحية .....

على باب بيت أخت أسامة .....

يده على الجرس، ينظر إلى نوران، يرق قلبه لمرأى تعب ملامحها والسواد تحت عينيها، يهمس بلطف....
)لم يكن عليك المجيئ أنت تعبة .... كان يجب عليك النوم ...والراحة).... ابتسمت بإنهاك، فظهرت له أجمل ما يكون، تجيبه بامتنان ورقة ...
) لا تقلق أنا بخير.... أحتاج للترويح عن نفسي قليلا ...)... صمتت ترمقه ولسان حالها يكمل بأشواق حارة ...
**أحتاج أن أكون بقربك ... لقد اشتقت إليك...**
هز رأسه بتفهم بينما يُفتح لهما الباب، فتتسع بسمة أسامة لتملأ وجهه، هاتفا بسرور صادق ومحبة خالصة ...
)عامر !!... اشتقت إليك يا بطل ....)... علت ضحكات الصغير بين ذراعي خاله، يهتف بالتزامن معه …
)وأنا اشتقت إليك أكثر يا خالو .... )... تاهت في تفاصيله وهي ترى جانب آخر منه لم تره من قبل. عفويته مع عامر وصدق حبه الظاهر على تصرفاته الدافئة وكأنها في حاجة للمزيد من الأسباب كي تغرق في عشقه أكثر ...
)مرحبا... مرحبا... أنرتما البيت بزيارتكما ...).... تدخلت غالية وبسمتها كخاصة ابنها تتلألأ بها مقلتيها وتتلقف نوران بين ذراعيها، تستطرد بحنو ....
)كيف حالك يا ابنتي؟... كنت على الهاتف للتو مع والدتك ... وأخبرتني أنك من اعتنى بوالدك في اليومين السابقين .... أحسنت بنيتي ... لكن التعب ظاهر عليك ويجب أن ترتاحي ....)... أومأت ترد بدفئ وهي تتذكر والدها، وكيف كان يحثها على الراحة والنوم لكنها تأبى وهاجز الموت يوسوس لها مهددا بالفراق ...
)الحمد لله ... أصبح أفضل بفضل الله ... ).... التفتت إلى نزيهة التي أهلت عليهم تحمل صغيرتها، باسمة في وجهاها وأسامة يقول بمزاح مرح، قاصدا والدته يضمها مقبلا رأسها....
)وابنك المسكين ... أليس له استقبالا حارا كهذا؟)... ضمته بحب، تجيب بنفس مرحه ...
)لك كل الترحيب بني ...)... (كيف حالك آنسة نوران؟... حمدا لله على سلامة السيد الوالد ....).... كان ذلك زوج نزيهة الذي انضم إليهم للتو....
)الحمد لله ... سلمك الله من كل شر ... شكرا لك ....)... استدار أسامه إلى أخته وحاول تجاهل التوتر المصاحب دوما لعلاقتهما منذ أن تزوجت أو بالأحرى منذ أن سمعت عنه ما يسيئه ...
)كيف حالك أختي؟)... كان يبدو عليها التوتر أكثر منه فمال على الصغيرة يقبل خدها ويلاعبها بلطف فاجأها، فهو بالرغم من حبه لأولادها لم يكن يلاعبهم جوارها خصوصا بعد أن زجرته عن حميميته مع عامر وكم تحزن لذلك لكنها لا تملك من احساسها شيئا وما سمعته لا يفتأ يغادر خلايا تفكيرها ....
)بخير ... أخي ...)... (كيف حالك؟ ...وكيف حال الزواج معك يا ابن العمة؟).... نطق زوج أخته بمرح، ينقد به زوجته من الحرج الذي غرقت به فجلس أسامة جوار أمه لتجاوره نوران المراقبة لأول مرة بعين ملاحظة التقطت بها ما يشوب الأجواء من توتر ...
)الحمد لله ... على خير حال .... وأنت كيف حالك مع العمل؟).... جلس على الأريكة قبالتهم تجاوره زوجته، يرد باسما برسميه ....
(الحمد لله ... روتين .. كما العادة....)... انقض عليه عامر يضمه ويتعلق بعنقه، يهتف بمرح ....
(هل سنتصارع؟.... سأغلبك كما أفعل دائما ....)... ضحك أسامه ونوران تراقب بذات البسمة الحالمة مما أنعش قلب غالية، فانعكس ذلك على عينيها اللامعتين بندى السرور الذي ملأ قلبها.
(بالتأكيد.... فأنت بطل .... )... (عامر انزل ... واجلس كما يجلس الناس!!)... صاحت نزيهة بجفاء، فتكوم الصبي على نفسه وهمّ بالطاعة، لولا تمسك أسامه به ليبقيه قربه، يرد زاجرا بحزن ...
(دعيه يا نزيهة ... لم يقم بما يسيئ أحد ..... )... ساد التوتر وأمه تنظر إليها شزرا، فعبست بحنق وزوجها يتجاهل الأمر كليا ....
(أخبرني يا بطل ... هل تدرس جيدا؟).... استطرد أسامه بحنو، فعاد الصبي للبسمة يرد بفخر ...
(حصلت على علامات جيدة ... )... رمقه أسامة بفخر، يعقب بتشجيع ....
(أحسنت ... أنت بطلي .... )... أومأ عامر وهو يبتسم بفرح وفخر، فاستدرك أسامه لغرض في نفسه ....
(هذا يعني أن مدرسوك يحبونك كثيرا!! ...)... ضيّقت نوران عينيها بتركيز وقد فهمت قصده ....
(هذا أكيد .... أنا ربيته جيدا ... وكل من في المدرسة يحبه ...)... ردت نزيهة بتشدق ونبرة أشعرت نوران بغرابة مزعجة، جعلتها تتأهب لتدافع عن زوجها الصامت بحزن تشكل على قسماته رغما عنه....
(طبعا ... أنا واثق من ذلك ... فعامر بطلي ...)... أجابها أسامة يدعي التبسم في وجه الصغير الذي شعر هو الآخر ببراءته بما عكر على مزاج خاله، فحل الصمت بعد أن زفرت غالية ترمي ابنتها بسهام لو تشكلت من العدم لكانت أصابتها في مقتل، أما زوجها فيمسح على رقبته حرجا من حمق زوجته...
(أخبرني المزيد عن مدرستك يا عامر .... )... بادرت نوران لتقطع عليهم ذلك الصمت المحرج وتساعد أسامه في تحقيق هدفه، فمنحها نظرة امتنان رقص لها قلبها الولهان..
(لدي مُدرسة للغة العربية .... وأخرى للغة الفرنسية... ومدرسة لغة انجليزية .... أما الرياضيات فلدينا مدرس ... في الحقيقة ... هناك مدرسين فقط .. أما الباقي فكلهن نساء ...)... استرسل الصبي بتلقائية، فقالت نوران برقة ومرح تستعملهما مع ملك دوما ...
(وهل لديك أصدقاء يا بطل؟).... راقب الجميع من ضمنهم أسامه باستغراب لا يخص الاسئلة إنما شخصية نوران الجديدة التي لم يعهدوا منها ذلك المرح و السلاسة في الحوار مع الصغير وأمامهم ......
(أكيد!! ... لدي أصدقاء كثر .... وليد ... وصهيب ... وسامر ...وسهيل ... وأيضا العم (...).....)... حارس المدرسة ...).... ضحكت غالية قائلة، فابتسموا لبراءة عامر ...
(بلى ... ذلك الرجل يحبه جدا ... دائما ما أجده ينتظرني جواره على كرسيه قرب باب المدرسة ... )... هز الصغير رأسه، مكملا عن جدته بحماس بريء ...
(هو فعلا يحبني جدا ...ويخبرني ذلك ....وهو يضعني على حجره ويطعمني ... ثم يضمني ... )... عقدت نوران جبينها وقلبها يدق بالتزامن مع قلب الآخر الذي ناظرها في تلك اللحظة بريبة ووالديه أيضا قد اختفت البسمة من على ثغريهما وقد استشعرا غرابة الموقف كغالية التي سألت بقلق ...
(يطعمك؟).... أومأ عامر الباسم الوحيد بينهم، يرد بصدق ...
(بلى ... فهو يحضر لي طعاما ... ويدعوني لآكل معه في غرفة الحارس .... واشاركه بلمجتي التي أحضرها معي ...)... هتفت نزيهة بتأهب غاضب ...
(ألم أخبرك مرات عدة ... أن لا تقبل ما يعطيه لك الغرباء؟)... رد عامر باندفاع واثق ....
(لكنه ليس غريب .... انه العم (..).... وأنتم تعرفونه جيدا ...)... بلع أسامة ريقه من شدة فزعه وخوفه من توقع المعاني الحقيقية لما يخبرهم به الصغير في نفس الوقت لا يعرف كيف يستدرجه ليتحدث أكثر عن ذلك الرجل دون أن يثير شكوك من حوله وما كان منه إلا أن منح والدته نظرة ذات معنى، التقطتها بسرعة فائقة، فمن يفهمه غيرها وقد اهتز قلبها في صدرها هي الأخرى.
(أخبرني بني ... هل يشارككما الطعام ... أحد أصدقائك؟)... تأهبت نزيهة وزوجها وقد انتبها الى مسار الأسئلة، فأطرقا السمع....
(لا جدتي ... أنا المفضل لديه ... ولا يلعب إلا معي ...)... احدت انفاس نوران، تهتف دون وعي ...
(وما هي هذه الألعاب التي لعبها معك عامر؟)... جعد الصغير دقنه كأنه يفكر وهو يرد ...
(نلعب على جهاز الألعاب الإلكتروني اليدوي ... وأحيانا نلعب لعبة الطبيب والمريض...فهو يتمنى أن اكون طبيبا... وماهرا أيضا ...)... انتفض الولد بصدمة على إثر صياح نزيهة التي اهتزت واقفة بصغيرتها التي صدح صراخها بسبب فزعها ...
(ماذا؟.... كيف ذلك؟... وفي المدرسة؟... أين الإدارة؟.. وكيف....)... ارتعد عامر بخوف فحمله أسامه ووضعه على حجر والدته يهمس لها بشيء ما، لتقوم وتنسحب برفقته إلى غرفتها....
(اهدئي ... )...استطرد نحو أخته ثم التفت إلى نوران يطلب منها بلطف ...
(هلا أخذت الصغيرة يا نوران! من فضلك حاولي اسكاتها وابتعدي بها قليلا...)... أمسكتها نوران بوجل تنسحب بينما تمنح زوجها نظرة مواسية، تقبلها برحابة وحاجة ماسة.
كان والد عامر قد استقام واقفا هو الآخر، يستفسر بريبة ...
(لماذا طلبت من عمتي أخذ عامر؟... فأنا أريد الاستفسار منه عن هذا الرجل؟ ....)... تجعدت ملامحه بانزعاج وزوجته تصيح بنزق ...
(ماذا سيقول أيضا؟... كيف ينفرد به الحارس هكذا في غرفته؟؟... وكيف يسمحون بالألعاب الإلكترونية في المدرسة ؟؟)... رفع أسامة حاجبه الأيسر، يسألها بعدم تصديق ..
(هل هذا ما يغضبك حقا؟)... فغرت نزيهة فمها ببلادة، فأغمض زوجها عينيه بيأس قبل ان يسأل أسامة بجدية ...
(ماذا تقصد أسامه؟.... في ماذا تشك؟... لأن ما سمعته يزعجني أيضا...)... مسح على جبينه وهو يبحث عن كلمات مناسبة، فتدخلت نزيهة بنفس نزقها تهتف ...
(فليفهمني أحدكما ... ماذا تقصدان؟.... )... تناظرا زوجها وأسامة، فقال الأخير بجفاء ...
(أخشى أن الرجل يتحرش بعامر .... لكن لننتظر أمي ... فهي من سيؤكد الأمر من عدمه ...)... حل الصمت للحظة وجيزة، فانفجرت نزيهة ضاحكة بسخرية، تقول..
(ماذا؟؟... طبعا لا ... إلى أين جمحت بخيالك؟؟.... انه رجل تافه ... يقضي وقته مع صبي صغير ... يلهو معه ... ليقتل الملل .... أليس كذلك؟؟.... أخبره لماذا أنت صامت؟؟)... التفتت إلى زوجها المستغرق في التفكير، فعادت إلى أخيها تكمل بقسوة، رافضة ما يوحون إليه، لا ليس ابنها هي!...
(أستطيع التوقع ... من أين أتتك تلك الأفكار.... وذلك الجموح...)... (نزيهة!!)... التفتت الرؤوس نحو غالية العائدة من غرفتها لوحدها، ترمق ابنتها بجمود وسخط، فقالت الأخيرة بنوع من الهذر ...
(ألم تسمعي ما قاله ؟؟.... ابني أنا ... عامر ... يتعرض لمثل تلك القذارة!!)... زفر أسامه بوجوم وقد انقلبت عليه المواجع بينما والدته توجه حديثها الصارم لابنتها المذهولة ....
(بلى ... ابنك أنت ... عامر ... تعرض للتحرش ... ونحمد الله أن الأمر لازال في بدايته... ولم يصل بعد لمرحلة يفهم فيها الصبي ما يفعله ذلك الحقير ... )... (يجب ان أتأكد عمتي ... لأنه إن صح الأمر سأقتل ذلك الوضيع ...)... نطق والد عامر بغضب جامد، لتهتف نزيهة بحمق وهي تهم بالابتعاد، لولا أسامة الذي وقف أمامها كالطود ...
(بل سأؤدب ذلك الغبي أولا... الذي لم يتعلم شيئا مما ألقنه إياه كل يوم ....).... نظر إليها اسامه، يسأل ببسمة باردة ساخرة ..
(وماذا كنت تلقنينه إياه يا نزيهة؟)..... اندفعت ترد بثقة ...
(أن لا يأكل من يدي الغرباء.... وأن لا يثق فيهم من الأساس ...).... غامت مقلتي أسامه بالحزن وهو يسأل بوجوم..
(وهل شرحت له لماذا؟)... (ها؟).. نطقت بحيرة، فأكمل...
(هل شرحت له لماذا يجب عليه تجنب الغرباء؟ .... وكيف يتجنبهم؟)... هزت رأسها بتوتر وريبة تقول بحنق ....
(لماذا ... وكيف؟؟... هو طفل صغير ... عليه أن يسمع وينفذ ... فهو لن يستوعب الأسباب على اي حال...)... عادت بسمة أسامه الساخرة، فهتفت تهم باستئناف طريقها....
(لا تتدخل أنت... إنه ابني وسأربيه ....)... (توقفي !!).... هتف أسامه يمسك ذارعها مستدركا، ووالدته مراقبة بغم وكبد تذرف دموع الوجع والبؤس بينما والد عامر متسمر مكانه لم يتخلص من صدمته بعد ....
(لا يجب عليك التعامل مع عامر بهذه العصبية... فهو لم يفعل شيئا خاطئا ... لقد تلقى معاملة ظاهرها الطيبة والاهتمام ... فاستجاب لذلك ببراءة .... لو كنت أفهمته قبلا لماذا يجب عليه عدم الثقة بالغرباء ... لكان شعر بشيء غريب وكان ليخبرك منذ أول يوم ... لكن معاملتك المجحفة بحقه ستجعله يصمت وينزوي بنفسه ... حتى لو حدث له مكروه . ....).... (معاملتي أنا مجحفة؟)....
صاحت بصدمة، فهز رأسه يرد بوجوم ....
(بلى ... والحقير قد اكتشف ذلك ويستغله بكل بطئ وتخطيط متمهل .....).... رفعت نزيهة اصبع سبابتها تشير إليه مهددة بقسوة، فتجمد يتلقى رصاصها الحي ...
(من أنت كي تحكم علي أنا؟؟.... وما علاقتك بالتربية؟!... إن كنت لا تعلم حتى كيف تعيش بشكل سوي ؟؟....)... (نزيهة!!).... صيحة زاجرة انطلقت من فم غالية المصدومة، فزاغت نظرات نزيهة ليتدخل زوجها بمهادنة وهو ينطق من بين نواجده نحو زوجته ....
(نزيهة ... لا تنسي أن من رباه هي عمتي ... ولقد اتفقنا أن ننسى ما سمعناه ... فما هي إلا إشاعات ... ولا إثبات على صحة الأمر.... ثم نحن نناقش ما يخص عامر الآن... ولا أحد يستطيع نكران حب أسامه لابننا ... وخوفه على مصلحته ... حتى أنت ... )... تسارعت أنفاسها بسرعة وعقلها لا يتقبل ما سمعته، تنكر الفشل بل ترفضه نهائيا، هي من كانت تتشدق بسيطرتها على جوانب حياتها وتصدر أحكاما كل حين على غيرها من الناس.
اقتربت غالية من ابنها تربت على خده بحنان ودموعها مدرارا على وجنتيها، فمال على رأسها مقبلا ثم همس ...
(لا تبكي أماه .... أنا بخير ... بل على أحسن حال الحمد لله ... وسترين بنفسك ....).... قطبت متسائلة، فأزال كفها برقة وهو يقبل ظاهره ثم استدار إلى أخته بتصميم، يقول ....
(سألتني من أكون كي أناقشك في التربية ؟!... حسنا!! ... هل تريدين معرفة لماذا كنت أطمئن على عامر وأتعمد تلك الأسئلة قبل قليل؟....).... بلعت ريقها بارتباك، تعلم أن القادم لن يعجبها اطلاقا وأن الذي أمامها إنسان لم تعرفه من قبل ....
(هل تريدين أن تعلمي كيف فهمت أن ذلك الحقير حين يضعه على حجره يعلمه كيف يلعب تلك اللعبة الإلكترونية اليدوية ... لم تكن نيته حسنة أبدا؟؟.... ودون أن أسأل أمي التي حتما استدرجت عامر... وعلمت أن لعبة الطبيب والمريض لم تكن بريئة ... وأن يدي الحقير لابد امتدت إلى أماكن حساسة ... إن لم يطلب منه كذلك فعل نفس الأمر له هو!! ....)... شهقت نزيهة بهلع، تلتفت نحو الدتها ورجاء طفى على صفحة مقلتيها تسألها الاستنكار، النفي، لكن هيهات!! فالإيماءة الخفيفة من رأسها، كانت كجلدة من سوط عنيف على قلبها، فشحب وجهها وانسحبت منه الدماء كليا بينما أسامه يكمل باشمئزاز ......
(كل ذلك فهمته لأنني كنت عامر يوما ما في الماضي ....).... كان دور غالية لتشهق ببكاء ومقل ابنتها وزوجها تتسع صدمة،
أسامه يضرب على صدره ألما، يكمل بوجع ....
(لقد كنت طفلا اصغر من عامر حين استدرجني حقير آخر بنفس الطريقة ... وفي البداية ظننته حب ... وود ...وحنان .... ليتحول الأمر إلى قرف ... ثم وجع ... وألم ... لقد كنت طفلا كعامر يا أختي .... بريء ...ساذج ... وهل تعلمين من فعل بي ذلك؟.... ).... سلكت الغصة وقد شعرت بجفاف حلقها، ترمقه بذهول وهلع بينما يكمل بقسوة وحقد ....
(والدي يا نزيهة.... الرجل الذي أنجبني ... )... هز رأسه مؤكدا وهو يراقب صدمة شقيقته وزوجها ووالدته تبكي بحرقة....
(بلى ... والدي ...المجرم الذي هز الإعلام بجرائمه ... قد انتقم لي ربي منه أخيرا .... ولضحاياه ... فاحمدي ربك واشكريه ليل نهار.... على نعمة الوالدين الصالحين ... وادعي لوالدك صالح ... في كل سجدة على كل ما قدمه لك من طيبة وحنان وابوة... واهتمام .... فليس كل الآباء كوالدك .... رحمه الله ..... ).... صدرت عنها شهقة بكاء لا تصدق ما تسمعه منه، لتكتشف أنها فعلا لم تحاول يوما فهم أخيها وعقده، انزواءه رغم كل محاولات والدها كي يقربه منهم، فعزت ذلك لرفضه زواج والدته من رجل غير والده لم تفكر يوما في أمر خطير كهذا. يا رب السموات والأرض، أي ذنب عظيم هذا الذي اقترفه ذلك الرجل؟! أي ميزان للحق سيتحمل ثقل وزره؟! وبأي وجه سيواجه خالقه؟!
(أخي .... أنا ...)... همست نزيهة بتقطع، لكن اسامة كان قد اقترب من والدته يضمها إليه محتويا آلامها، يهمس لها باعتذارات لطيفة ....
(سامحيني أماه ... ولا تبكي بعد اليوم... فقد تخلصت من الماضي ...واليوم بحمد لله ... هدمت آخر جدار من جدران سجنه ... وتحررت ... لقد تحررت .... )... ابتسمت في وجهه وتألقت مقلتيها، تقبل خديه بحنو ترد ...
(أنا وقلبي راضيان عليك إلى يوم الدين يا بني .... رضي لله عنك بني ... رضي الله عنك ....)....
استدار على إثر ربته خفيفة على كتفه، ليجد نوران تنظر إليه بمواساة لا تمت للشفقة بصلة بل هناك في نظراتها ما تسلل إلى قلبه رأسا وجعله ينتفض وسط صدره....
(الصغيرة نامت وتأكدت أن عامر يشاهد رسوم متحركة كي لا يسمعكم ....)... ابتسم لها بامتنان ثم قال بحزم ...
(جهزيه يا نوران .... سيبيت ليلته عندنا ....سنغادر حالا...)... هزت رأسها وعادت إلى عامر بينما أسامه يسأل زوج أخته التي تجاهلها تماما ....
(هل تثق بي؟)... زفر زوج أخته بقنوط وأومأ ايجابا يرد بأسى ....
(من الأفضل أن يرافقك حتى نهدأ قليلا... ونمتلك حكمة التصرف ... )...
...................

مدينة الجبل ..... منزل آل عدنان.... غرفة والدته ...

يجاورها على سريرها يمسك بكفها بين يديه وهي تروي له ولا تمل. تشد على كفه فتبتسم ولسانها لا يسكن وكأنها لا تصدق عودة ابنها إليها، ليس كومة الجليد الذي كان قبل أيام معدودة بل ابنها الصغير جارح، صاحب البسمة المغرورة لمن لا يعرفه.
(وهكذا ... جعلتني أحلف لها أنني سأطيع أوامرها بحذافيرها ... يا إلهي... إنها طبيبة مستبدة ....)... ضحك جارح، مجيبا بعتاب مازح ...
(يا أمي ... إنه عملها ... وجرحك يلزمه عناية جيدة .. )... لمعت مقلتيها تجيب بحزن ....
(أتمنى أن يترك أثرا ظاهرا .... فهو من أعادك إلي... )... قطب بخفة يرد زاجرا....
(لا تقولي ذلك أمي .... ما أعادني .. هو صدق مشاعرك ووالدي ... ورغبتكما في إصلاح أخطاء الماضي ... لم تكن أذيتكما لترضيني بأي شكل من الأشكال ....)... رقت مقلتيها وغامت بعاطفة أمومية مؤثرة، تضمه إلى صدرها وتقبل أعلى راسه تقول بوجوم موشك على البكاء .. .
(إذن لماذا تريد الرحيل؟... قلبي يؤلمني ... لن يتحمل فراقك مجددا ... )... ربت على ذراعها مستسلما لحضن اشتاقه حد الوجع، يرد بحنو ...
(سأذهب لأطمئن على سير عملي ... وأستغل الفرصة كي أبعد بلسم عن هنا ... قد يسرع ذلك من شفاءها ... ونسيان الماضي .... ثم أنا لن أغيب كثيرا أمي ... سأعود قريبا إن شاء الله ... فالرحلات الجوية سهلت أمر السفر .... )... أومأت تتمالك نفسها، تمنحه الرضا والدعوات له بالصلاح والفلاح.
خرج من غرفته متوجها نحو غرفة الجلوس حيث يقبع والده برفقة شقيقه.ألقى التحية وجلس بينما والده يقول بقلق ...
(أقنعت زوجتك؟)..... هز رأسه يرد بتعب، فحاله قرب زوجته مع وقف التنفيذ أصبح يرهق أعصابه ومشاعره تدفقت عليه متدافعة من سجنها بعد أن وجدت المخرج، لتنهال عليه كأمواج عاتية، تهدد بعاصفة شعواء...
(بلى وهي تجهز نفسها ... أمي من كنت بصدد إقناعها قبل قليل ....)...
(لا تتأخر عنا بني ... سنشتاق إليك...)... عبر والده بلطف متوتر، يرونه غريبا منه ولأن جارح يعلم كم لزمه من الضغط على النفس كي ينطق بتلك الكلمات، تحرك من مكانه وقبل رأسه يقول وهو يجاوره ...
(إن شاء الله يا أبي... ادعي لي ...)...
( وفقك الله بني..... ويسر أمرك وأصلح شأنك... أنت وشقيقك)... ابتسما بدفئ وكلاهما يجاوران والدهما الذي قرّت عينه بفلذات كبده أخيرا وبعد مدة من الحديث والأخذ والرد، استأذن ليجهز نفسه هو الآخر، فرافقه شقيقه يهمس له بامتنان حقيقي ...
(شكرا لك ....)... استدار إليه جارح في البهو، مستفسرا بحيرة....
(على ماذا ؟؟)..... أمال جاسر رأسه، محققا في تفاصيل شقيقه يرد بحنو ...
(لأنك سامحت ...وغفرت ... لقد أعدت لي والداي... وشقيقي .... فشكرا لك على ذلك ....واعلم أن لك شقيقا ناضجا ... رجلا ... سيدفع حياته مقابلا لحياتك ...)... ابتسم له بحزن ثم انصرف وجارح مستقر مكانه، يفكر في حكمة كلماته....
.....................

المدينة السياحية .... مساء... شقة أسامة ....


رفع كفه ضاربا به على الحاجز الحديدي للشرفة بخفة، يرد بقلق ...
(لن أخفي عنك الحقيقة... أنا متوتر ... وأخشى أن لا يفهمني ... )... تحدث البروفيسور، مفسرا للمرة التي لا يعلم كم ...
(يا غريب ... لا تقلق .. أخبره كما شرحت لك ... سيستوعب .... فالطفل لديه نسبة ذكاء لا يقدرها الكبار ..)... تنهد أسامه بقنوط، فاستطرد البروفيسور باهتمام ....
(كيف تشعر أنت يا غريب؟)... رفع أسامة وجهه إلى السماء يستند على الحاجز بلباس بيتي، سروال رياضي أسود وكنزة بنفس اللون، يجيبه بهمس مرتجف ...
(لقد كانت دقائق كالجحيم .... حين ظننت أن عامر قد يكون تعرض لما تعرضت له .... دقائق لُمت فيها نفسي ... وعاتبتها على إهمالي ... وكم شعرت بالراحة حين توضح الأمر كله ... مع أنني غاضب من ذلك الحقير ... لكن على الأقل عامر لم يتأذى .... ).... صمت فقال البروفيسور ...
(وماذا عن احساسك ... بعد حوارك مع أختك؟).... زفر يرد بحزن ....
(طبعا شعرت بالحزن ... ولم أكن أريد أن نؤذي بعضنا ... فلن أنكر أنني أردتها ان تستيقظ من خيالها المثالي ... وتنزل على أرض الواقع ....)... (وما هو هذا الذي هو على أرض الواقع؟).... قاطعه البروفيسور، فأجفله ثم قال بأسى ...
(ما نراه ... من ظلم .... اعتداءات ... وخطف ... الصغار ... كالكبار ....)... لم يرى بسمة البروفيسور المحاكية لحزنه ووجومه وهو يرد لائما ...
(لكن الواقع ليس فقط كما قلت يا غريب ....الواقع على مر الأزمان منذ بداية الخلق إلى نهايته .... فيه من كلا الجانبين ... الخير والشر ... كما يوجد ظلم ... هناك عدل ... وكما يوجد اعتداء هناك رحمة ... فالزم ربك ...وسترى من الخير الكثير ... حتى وانت تواجه الشر ... هل فهمتني يا غريب؟).... همهم أسامة بغير اقتناع، فأضاف البروفيسور بتصميم ....
(الله يا غريب ... يحب العبد المؤمن المتفائل القوي ... المستبشر ...والمحسن الظن فيه ... الذي يترك أثرا أخضرا أينما حل ... حتى لو كانت الساعة تقوم ... لا يجب أن يعيده ذلك عن تفاؤله ... والرسول صلى عليه وسلم قال ...
( الْخَيْرُ فِيَّ وَفي أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

[ رواه الحافظ ابن حجر عن أبي هريرة

هل تسمعني يا غريب؟... إن لم تجد الخير حولك ... فاخلقه أنت ... إن تَعِس من حولك فاسعد أنت وأسعد من حولك ... كن قويا بالله ... كن سباقا للخير في سبيل الله ... كن بسّاماً ... مشرقا.. رؤوفا ... ورحيما ... كن كما يحبك ربك أن تكون .... وحينها فقط ... ستكتمل لديك نظرة الحكمة وسترى الواقع على حقيقته المجردة ...).. ابتسم أسامه، يقول بإعجاب وعينيه على النجوم المتلألئات، يشعر بصدره ينشرح بردا وسلاما ...
(صدق من منحك الشهادة الاحترافية .... فأنت بالفعل بروفيسور .... )... جلجلت ضحكة البروفيسور عبر الأثير، فاتسعت بسمة أسامه الجذلى ....
(سمعت ذلك قبلا ولم أصدقه قط ... لكن الآن أنا مضطر لأصدقك ...).. قطب بحيرة ترجمها إلى حروف....
(لماذا؟)... (لأنك أول من أعالجه عبر الهاتف .... لم أقابلك ولم أراك وأتابعك وجها لوجه ... لذا يجب أن أكون محترفا إن نجحت في علاجك .....).... ضحك أسامه ثم قال بمكر ...
(لا تحاول .... لن أُعَرفك على نفسي يا بروفيسور ... أخبرتك من قبل .... )... (أنا أعرفك جيدا ... كل ما ينقصني هي هويتك ... وقد أحظى يوما بثقتك ... )... ابتعد اسامه عن الحاجز، يرد بصدق ....
(أنا أثق بك يا بروفيسور صدقني .... )... (الثقة مراتب يا غريب ..... لكن لا بأس ... أنا راض .... اعتني بنفسك وبلغني بالمستجدات ....).... تاه ناظرا إلى الشارع للحظات قبل أن يجفل على نبرة نوران الرقيقة، تلك النبرة التي تخصه بها فيخضع قلبه لصداها مسرعا في صدره...
(انهيت مكالمتك؟).... أدار رأسه ليجدها جواره مستندة على الحاجز، مبتسمة بارتباك، فقال ...
(بلى ... كنت أستشير مختصا لأتعلم كيف أحدث عامر ... )... تفاجأت من مدى وعيه أما اهتمامه فهي أعلم به، لكنها قالت بهدوء ....
(جيد ... لقد بحث عنك لكنني ألهيته حتى غفى ...).. ربت على كفها الموضوعة على الحاجز، يشكرها بامتنان ...
(أشكر لك صنيعك ... من الأفضل أن أحدثه غدا ....)... تكومت ملامحها، تقول بإشفاق وهي ترى مدى تعبه ....
(يجب أن ترتاح ...أنت متعب .... )... ضم كتفيها يقودها نحو غرفته، يجيب بلطف ...
(بل أنت أحوج إلى النوم مني.... آسف لأنك لم تستطيعي قضاء الليلة مع والدك ....)... دق قلبها بسرعة فائقة، تستشعر قربه المهلك لأعصابها، عبير عطره ممتزج بدفئ أنفاسه. كيف تخبره بأنها اشتاقت إليه وإلى حضنه الدافئ الآمن! وأنها لم تكن لتبتعد عنه أكثر من اليومين الماضيين! فحتى خوفها على فقدان والدها لم يمنع تسلل ظله وعبير عطره إلى خيالها الذي فاق تصوراتها وبدأ يجمح إلى مناطق لم تعد تشكل رعبا لوعيها ولا قلبها المتيم به.
تحدثت كي تخفي صخب دقات قلبها الهادر، تجيب بمرح مفتعل ...
(صدقني ... سيتنفسون الصعداء من ضغطي عليهم ... فأمي لم تستطع إخفاء حنقها من تصرفاتي ... ووالدي رغم بسمته الحنونة... أعلم أنه مل من حُمقي ....)... ضحك أسامه وهو يفلت كتفيها كي يستلقي على السرير، ثم قال بحنو ....
(لا ... أراهن أنهما في أوج سعادتهما ... فحبهما لك ليس له حدود ... )....أزالت طرحتها والسترة، لتظهر كنزة زرقاء شاحبة ذات أكمام قصيرة وتنهي على مشهدها الساحر للمراقب وهي تزيل ربطة شعرها الكثيف وتمسد منابته كما تحب أن تفعل عادة.
لم يدري عن فقدان أنفاسه سوى حين أطفأت النور بعد ان اندست جواره. ظلت على ظهرها تفرك فروة شعرها وجبينها بخفة وهو ساكن مكانه يتأملها تحت ظلال أنوار الشارع المتسللة عبر النافذة. استدارت نحوه واضعة كفها تحت خدها، تهمس بخفوت من شدة توترها ...
(لم تنم بعد؟)... رفع زاوية شفتيه، يسأل بنفس الهمس المرتبك ...
(لما لم تندسي في حضني كما كنت تفعلين؟.... أم أن ضمة والدك أغنتك؟).... ابتسمت والخجل يتخذ من ملامحها سكنا ...
(لم أرد ازعاجك .... فأنت تعب بما فيه الكفاية ...)... مد أصابعه لقضاء حاجة ملحة في نفسه، بأن يحرك خصلات شعرها من على جانب وجهها، يقول برقة ....
(أنا من يحتاج إلى ضمك هذه المرة .... ).... اقتربت منه وهي ترد مسرعة ...
(وأنا لا زلت أريد ذلك ....)... ضمها بقوة وكلما قربها، كلما زادت حاجته في زرعها داخله ولم يكن ذلك احساسه لحاله، فهي كانت تبحث عن أمر جهلته وفطرتها تعرفه جيدا فما كان منها سوى الاستجابة لها.
تحركت كفه على ظهرها ومنها إلى منحنياتها وفي كل لحظة ومع كل حركة كان ينتظر رفضها أو حتى تراجعها لكنها لم تفعل بل كانت مستغرقة في رحلتها الاستكشافية الخاصة.
تجرأ أكثر ليقبل خدها ثم جبينها وكانت البداية ولم تكن أبدا النهاية، حين قادتهما مشاعرهما إلى مستويات ارتقت بهما عبر مراحل توالت بتلقائية سلسلة، تأصلت في خلقهما، لتلغي كل منطق آخر غير أحاسيسهما ببعضهما.
وضع جبينه على جبينها، يتشبث بها بيأس غريب، يهمس بلهاث ...
(أنا أريدك زوجة يا نوران... وشيء واحد سيجعلني أتراجع وأنسحب ..هو رفضك .... فلا تضغطي على نفسك ....وأخبريني بما تشعرين ... عقلي لا ينفك يذكرني بك كل لحظة... فيستجيب له عقلي بدقات لاهثه ... ولن أتحمل إن كرهتني بسبب ....).... وضعت أصابعها على فمه، ترد برقة ...
(كرهك أمر مستحيل ... يا أسامه ... وكل ما أستطيع قوله ... أنني أتبع مشاعري الخاصة... فلا تتراجع .... )... ابتسم لخجلها والتقط شفتيها عائدين إلى عالم خاص كان لهما تجربة أولى لاستكشاف الفطرة الكاملة.
.................

اليوم التالي ...... دار الجبل ...

القاعة المخصصة لمجموعات المساعدة الذاتية....

ابتسمت الطبيبة برسمية وهي ترمق ارتباك الشاب قبالتها، يهز طرف قدمه الموضوعة على الأخرى بينما عينيه تتفحصان المكان حوله لاهيا عنها بذلك.
نظرت إلى رباب لتجدها ترمقها بقلق، لتقرر التحدث أخيرا ...
(إذن سيد مروان .... رباب أخبرتني عن ظروفكما .... ).... أومأ وقد ركز بأنظاره نحوها، تستدرك بنفس الرسمية ...
(لدي مجموعة من الاستفسارات لو سمحت ...)... استمر في هز رأسه فأكملت ....
(هل تنوي تطليقها بعد فترة من الزواج؟).... شد على شفتيه مفكرا لوهلة ثم قال ....
(لا أعلم .... ربما ... ربما لا ... لا أعلم...)... انتظر ردا مؤنبا أو محاضرة على الأقل لكنه تفاجأ بها تبتسم له بتقبل وهي ترد ...
(هذا جيد ...).. رمياها بنظرات حائرة، فاستطردت ...
(زواجكما سيكون صحيحا وشرعيا ... بما أن لا أحد منكما حدد مدة زمنية .... لأن ذلك لا يجوز ....)... شبكت كفيها وهي تكمل حديثها باحترافية اكتسبتها على مر سنوات عملها ...
(ظروف كلاكما مختلفة ولا تتشابه إطلاقا... فبالنسبة للمجتمع ... أنت يا سيد مروان بكل عيوبك عاطل عن العمل مدمن على أي كان ما تدخنه ... تعتبر أفضل وبكثير منها هي ... لن يسألوا عن سبب وضعها ...ولا الظروف التي أوصلتها إلى ذلك الحضيض ... وبكل تأكيد ... لن يهتم أحد بمساعدتها أو إعطائها فرصة للحياة بكرامة.... مع أن هذا ما أمر به ربنا وما كان ليفعله قدوتنا ... والذي علمنا ديننا الذي نفتخر به عليه الصلاة والسلام....).... حافظا على صمتهما، يتابعان حديثها الواثق والمسترسل ...
(لقد أخبرت رباب من قبل أن موافقتي على زواجكما لم تكن إلا لسبب واحد ... هو الستر الواجب ... فزواجها له إيجابيات كثيرة لمثل من في حالتها .... كفرصة لتبدأ من جديد ... ولن أكذب عليك ... لم يكن يهمني ... إن كانت الزيجة ستستمر أم لا ... لأنني كنت أنوي مساعدتها لبناء حياة جديدة لها ومختلفة كليا عن ما فات .... لكن ...).... تلكأت قليلا ثم أكملت وهي تراقب رد فعل مروان....
(بما أن نيتك لا تضم اللهو بها ... وإن كنت تريد فعلا بناء حياة مستقرة لك ... فلماذا لا أساعدكما معا ونحاول جميعا السير على الطريق السوي ؟!.... إن كلل زواجكما بنجاح كان بها ... وإن صادفتكما عوائق أكبر منكما ومن قوة تحملكما .... كما اجتمعتما تنفصلان ... وكل يغنيه الله من سعته ...).... صمتت تنتظر رأيهما، فالتفتت رباب تقول لمروان ....
(إن وعدتني أن لا تعايرني يوما بما تعرفه سأكون لك زوجة مطيعة ... فأنا في كل الأحوال سواء بقيت معك أم لا ... لن أعود إلى الوحل مجددا ... وسأستغل الفرصة التي منحها الله لي ... بكل ما أوتيت من قوة ....)... رمقتها الطبيبة برضى ثم التفتت إلى مروان الذي قال بعد أن بلل شفتيه ....
(لم أخفي عنها شيئا ... أنا كما قلتِ عاطل ... ضائع ... وكل يوم أغوص في وحل الضياع أكثر ... إلى الآن لم أقع في الزنى ... فقد استغللت احدى زيجاتي الماضية لأقضي حاجاتي الذكورية ... لم أفكر في مستقبل علاقتنا ... لا بشكل ايجابي ... ولا سلبي ...) ... أعجبت الطبيبة بصراحته، تعتبره أفضل من غيره ممن يدعون الرجولة وليس لهم منها نصيب سوى ذكورة مشوهة.
(إن منحتك فرصة للعمل وتحسين حياتك هل ستستغلها؟).... هز كتفيه يرد بصراحته الساذجة ...
(لا أعلم هذا أيضا لكنني سأجرب ... لن أعدك بأكثر من ذلك...)... هزت رأسها ثم التفتت إلى رباب تسأل ...
(صار كل شيئ واضحا ... هي فرصة ... ستستغلانها كلاكما ... وأي كانت نتائجها ... سنتصرف لاحقا بإذن الله ... لكن هناك نصيحة جد مهمة ... خصوصا في بداية زواجكما ... ابتعدا عن الأهل ... وعن محيطهم .. تفادوا الأسئلة بشكل ذكي ... ولا تسمحوا لأي تدخل بينكما ... فعلاقتكما ستكون هشة وسهلة التدمير ... كل ما ستركزان عليه ... هو علاج مشاكلكما الخاصة ... بناء جسر تواصل بينكما ... وكسب ثقة كليكما ...هل فهمتما؟).... غامت مقلتي رباب بالأسى تقول بوجوم ...
(والدتي توفيت بفعل أزمة قلبية ..... أما والدي فآخر مرة سألت عن أخباره علمت أنه أصيب بالسكري ... وبسبب عدم انتظامه على الحمية والدواء تقرحت احدى رجليه واضطروا لبترها ... وهو في بيته مع امرأة تزوجها...)...
رقت مقلتي الطبيبة بإشفاق ثم نظرت الى مروان الذي هز كتفيه مجددا يقول ...
(لن نعيش معهما ... سأخبرهما بزواجي ولن أخبرهما عنها شيئا ... سوى ما اتفقت عليه مع سهر ... أنها تعمل هنا ... ولا أهل لها ... ولا أظنهما سيكترثان ... سيعتبرانها نزوة ... أو طيش مني .... وسيتجاهلان الأمر كليا ... لا تقلقي ...)... أومأت الطبيبة بيأس ثم قالت ...
(على بركة الله ... حصلت لكما على عمل .. في أحد المصانع التابعة لشركة تصدير بضائع مختلفة.... ستعمل هي مع طاقم التعليب... أما أنت فمع طاقم الشحن .... وسأساعد رباب لتكمل تعليمها ...... إنها البداية لفرصة جديدة.... فحاولا استغلالها .... وفقكما الله ....)....
.......................

المدينة السياحية.... شقة أسامة ....

تتوارى عنه في المطبخ، فيخفي بسمته الماكرة بينما يلاعب عامر. لم تضع عينيها في عينيه منذ الذي حدث بينهما، فترك لها مجالا ليُجنبها الحرج، فينتظر الليل على أحر من الجمر، فما ذاقه منها ليس بشيء ذاقه من قبل ويريد منه المزيد، معها هي. الآن فقط فهم ما عناه الله بالسكن، ولما شرّع العلاقة في إطار الزواج وبين روحين تربطهما علاقة مقدسة من فوق سبع سموات.
من سعادة قلبه اتصل بالبروفيسور قبل الفجر وكان على وشك الرد عليه بنزقه المعتاد، لكن سرعته في إلقاء خبره السعيد، جعل البروفيسور يرقق نبرته ويفرح لفرحه....
(خالي ... هل سأعود إلى البيت اليوم؟).... أجفل على سؤال الصغير، فنظر إليه مستعيدا انتباهه وجديته، يقول بلطف ...
(كما تريد يا بطل ... لكن هناك ما أريد قوله لك ...ويجب أن تسمعني وتفهمني .....)... جلس الصبي قرب خاله، يهز رأسه، فبلع أسامة ريقه يستطرد بينما يدس قدمه تحت جسده على الأريكة المتوسطة لغرفة الجلوس يولي الصبي الناظر إليه بتركيز كامل اهتمامه ...
(أريدك أن تعتني بنفسك ... ولا تدع أحدا يؤذيك ...)... عقب الصغير مستغربا حديث خاله ....
(لا أحد يؤذيني خالي ... وأنا أعتني بنفسي جيدا ....)... ابتسم له مطمئنا، وربت على رأسه مسترجعا حديث البروفيسور ...
(سأخبرك عن أمور مهمة ... لو فعلها أي شخص لك ... فهو يؤذيك ... حتى إن لم يؤلمك بداية ... فسيأتي عليه يوم يسبب لك الوجع ... ).... أشار له أسامه إلى مواضع من جسده، مضيفا بتحذير ...
(هنا ..وهنا ... عورتك .... وعورة الإنسان لا يجب أن يطلع أو يلمسها أي إنسان آخر ... )... قطب الصغير قائلا ببراءة ...
(أمي تراها ... والعم (..).... لمسها حين كان يعلمني كيف أفحصه ... وأنا أيضا لمست...).. قاطعه أسامه وهو يمنع احساسا بالقرف، متوعدا ذلك الرجل بعقاب عسير...
(أمك واجب عليها أن تراها لتنظفك ... ولمراقبة خلوها وجميع أطرافك من أعراض الأمراض.... ما دمت صغيرا .. ...أما ذلك الرجل أو غيره ... لا تسمح له بفعل ذلك ...لأنه خطأ كبير و سيؤلمك يوما ما ... لا تسمح أبدا بذلك ... دائما حافظ على عورتك محفوظة ... بعيدا عن أي لهو مهما كان يا عامر ... وإن حاول أحدا لمسها ... اهرب منه وأخبر والديك ... أو جدتك ...أو أنا .... اتفقنا؟!)... رفع كفه باسما، فابتسم عامر يضرب كفه بيده هاتفا بسرور ...
(اتفقنا .... لن أسمح للعم بلمسها أبدا ... ولن أوافق على لمس عورة أي أحد .... وإن حاول شخص ما ذلك ....سأهرب منه... وأخبر جدتي ... أو أنت.... فأمي عصبية تغضب بسرعة ... ووالدي يغيب كثيرا ...)....
(الغداء جاهز .... )... نادت نوران، فأدار رأسه إليها، ليلمحها تتهرب بمقلتيها وتحمر وجنتيها، فتحولت بسمته إلى مكرها الأول وقام برفقة عامر مستجيبان لندائها. أما هي ففي ملكوت ساحر ولسوء حظها أو حسنه ليست متأكدة لم تجد من تخبره، فالعائلة السعيدة تظن المراد قد تم منذ أول ليلة جمعتهما تحت سقف واحد، لذا خبأت سعادتها في قلبها، منتظرة المزيد منها وكلها متفائل بمستقبل من البهجة والسرور.
.......................

العاصمة ..... بيت البروفيسور ....

سكنت أطرافه وهو يراقب زوجته تطعم صغيرتهما وعقله يسافر به إلى أول ليلة جمعته بها والسبب بطريقة ما هو الغريب، الذي يظن نفسه غريبا، فما لا يعلمه ان البروفيسور لديه مزيج من ذاكرة قوية مع ذكاء فائق ونظرة لماحة. كل هذا جعله يستجمع كل المعلومات التي سقطت سهوا من الغريب الذي ليس سوى إبن ذلك المجرم من مدينة الجبل والشاب الذي كان على باب السطح، يوم أنقذ صديقه الفتاة التي حاولت الانتحار. يومها راهن على حالة الشابين الغامضة ولسبب ما، منحه هو بطاقته، *أسامه آل منصور* وقد استعملها وهو سعيد بذلك. ابتسم البروفيسور بمكر ودهاء وسريعا ما تجاوز نصره وهو يعود إلى أول ليلة جمعته بزوجته المجنونة، حيث كُللت بالفشل الذريع كما كان مقررا من قبل وبدل أن تنزعج أو تظهر رد فعل مشفق أو حتى خجول، نظرت إليه وشعور بالنشوى يغمر وجهها، تقول بجرأة الله يعلم كم كان في حاجة إليها منها تلك الليلة ...
(لم أكن أعلم أن علما كاملا يجتمع تحت كلمتين في القران ... **وقدموا لأنفسكم **).... حينها انفجر ضاحكا بدل أن يبكي على أطلال خيبته، وقال ساخرا بمرح اختلط برجاء وامتنان في تركيبة عجيبة ...
(هل هذا يعني أنني لم أفشل كليا ؟)... لا زالت نظرتها الصادقة تملأ عقله وهي ترد بدهشة ...
(من هذا الفاشل؟... أنت؟... ما جعلتني أشعر به قبل قليل لا يدل سوى على النصر الساحق يا حبيبي ... )... حقا يقف فاقدا للحيلة أمام تلك الفتاة المجنونة التي قدر الله أن تكون زوجته.
فريدة هي من نوعها ولا أحد يعرفها على حقيقتها إلا من تسمح له بذلك وكم هم قليلين لحسن حظه.
قام من مكانه واقترب منهما وبدون سبق إنذار جمعهما تحت ذراعيه وضم نفسه إليهما، يهمس بحرارة وحب ...
(أحبكما ... أنتما كل حياتي .... )....تعالت ضحكات الصغيرة وصباح تهتف ببهجة ....
(حبيبي المجنون ...ونحن نحبك ... لا حرمنا الله منك ...)...

.........................


بعد أسبوع ......

مدينة الجبل ..... دار الجبل ....

رافقتها السيد ليلى إلى باب الدار تقول باسمة ...
(سعيدة لأنك ستنضمين أخيرا إلينا يا سترة ... فأمثالك مكانهم هنا ... الطيبة في قلبك متأصلة ... والرحمة سمة أساسية في أخلاقك .... أنت انسب من يحتاجه هذا المكان ....).. تألقت مقلتيها بالسعادة وهي ترمي زوجها بنظرات متلهفة جوار باب الدار حيث ينتظرها ، ترد بلطف ....
(شكرا لك سيدة ليلى ... بإذن الله سأبدأ في الأسبوع المقبل ... )... لم تعلل بسب خجلها، فزوجها العتيد يعتبر شهر العسل غير منتهي ولن يفعل إلا بعد تلاثين يوما بالتمام والكمال.
أقبلت عليه فتأهب يستقيم بجذعه، لتخبره باستفزاز ...
(اليس لديك عمل تقوم به؟)... رفع حاجبه، يرد بجفاء مزعوم ...
(لا ... فشهر العسل لم ينتهي بعد.... وقبل انتهائه... لن أفتح المحل .... ).. ضحكت بمرح وهي تومئ بيأس بينما هو يشير لسيارة أجرة.
أما داخل الدار .... فقد توقفت السيدة ليلى تلحظ رجلا غريبا، يبحث عن شخص ما. استدارت حوله لتقول بحيرة ..
(السلام عليكم ورحمة الله.... هل تبحث عن شخص ما ؟؟)... التفت الرجل ناظرا إليها يرد السلام بأدب...
(عليكم السلام ورحمة الله ....بل سيدتي ... أنا أبحث عن فتاة .. اسمها سهر (...).... )... قطبت السيدة ليلى بحيرة، تسأل .. .
(هل أنت من معارفها؟)... حافظ الرجل على تباثه، يرد بثقة ...
(بلى سيدتي... هل لي برؤيتها؟)... أومأت السيدة ليلى، تشير للحارس وتطلب منه إرشاده إلى قسم الرضع.
.......

.قسم الرضع ....

ساد الصمت في الأجواء، كلتاهما مستغرقتان في عملها، السيدة حليمة ترميها بنظرات متفقدة كل حين.
لا تنكر أن شخصيتها الجديدة تعجبها أكثر، قلة حديثها أو بالأحرى قلة هراءها السابق بين الغيبة والتذمر الذي حل محله همس بالذكر وحفاظ على أوقات الصلاة، محاولاتها في الحفاظ على حسن أخلاقٍ تحلت بها فجأة.
سألتها مرة عن السبب وكان جوابها أن اقتنعت بكل نصائحها، فلم تعد إلى الموضوع مرة أخرى، حتى قصة لسانها قد فقدت اهتمامها بها.
زفرت بملل، فهمت بلفت انتباهها، لكن ظِلا ما جعلهما ينظران نحو باب الغرفة ....
(هذا الرجل ... يريد مقابلة الآنسة سهر ...)... نطق الحارس قبل أن ينسحب، فنظرت سهر إلى الرجل الذي ظهر يومئ لها بتحية.
تجعد جبينها ريبة وهي تسترجع ذاكرتها بحثا عن هوية صاحب هذا الوجه المألوف لديها لكن دون جدوى حتى أجفلت على ربته من يد السيدة حليمة التي تشير لها مستفسرة.
أومأت لها بلا معنى ثم تحركت نحوه، تقول بريبة ...
(هل أعرفك؟....)... لم يبتسم، فقط حافظ على واجهته العادية، يرد بهدوء ...
(بلى.... أنا من قمتِ بتضميد جرحه كي لا ينزف في بئر السواد ...)... أدركت الأمر، تجيب بحيرة ...
(وماذا تريد؟)... رمى السيدة خلفها بنظرة جانبية، يقول ...
(هلا منحتني دقائق لنتحدث؟)... استدارت إلى السيدة حليمة المراقبة بتوجس ثم أشارت له ليتقدمها.
ابتعدت نحو زاوية في الحديقة، تعقب بقلق ....
(تفضل ... وأسرع من فضلك لأن وقفتنا هذه مثيرة للشبهة ... كيف علمت مكاني أولا؟ ).. ضم ذراعيه إلى صدره واقترب منها فاضطرت لرفع رأسها.. لا تتذكر أنه ضخم هكذا.. فكرت ساخرة وهي تنتظر رده...
(حصلت على عنوانك من التحقيق ... وتبعتك إلى هنا ....).. تخصرت بتأهب، تسأل بتحفز ....
(ولماذا؟).... تنحنح ثم قال وقليل من الارتباك يفر منه قسرا ...
(في الحقيقة ... أنا ... أريد ... أعني ... طلب الزواج منك ..).. فغرت سهر فمها ببلاهة وانخرس لسانها، فضم شفتيه ينتظر رد فعلها الذي فاجأه بعد لحظات وهي تنفجر ضاحكة.
قفز حاجبيه دهشة بينما تقول بتهكم ضاحك ...
(من بعتك؟... أخي مروان أم رباب .... هل هذه مزحة ما؟....أين هما؟... ليس مضحكا على الإطلاق ...)... قاطعها، يقول بامتعاض ...
(لو كانت مزحة فهي مضحكة بالفعل ... والدليل على وجهك ....)... عبست فجأة كما ضحكت، تقول بجفاء ...
(إن لم تكن مزحة ... فبالله عليك أخبرني... لماذا تفعل هذا؟)... لازال على ذهوله وهو يقول....
(أفعل مثل كل الرجال حين ينوون الزواج ... أسأل الفتاة رأيها قبل أن أقصد أهلها ....)... همست بضياع ..
(إنه لا يمزح ... يا إلهي... هل؟؟ ... حقا!!.... لا!!.. هناك أمر مريب حتما ....)... تمعن في همسها، فهتفت بريبة ...
(لماذا؟)... هل يمكن أن تفاجئه أكثر؟!.. تساءل الرجل في سره، ينطق سهوا ...
(لماذا ... ماذا؟!).... عادت لعبوسها، تهتف بحنق ...
(لماذا تريد الزواج بي؟؟... فحتما قد سمعت هذري يومها .. وهذا يعني أنك تظنني يائسة ....)... شهقت فجأة تكمل بفزع أمام صمته ....
(هل أنت متزوج؟... وتريد زوجة ثانية لأي سبب لعين كان؟.... أم أنك مطلق لسبب غير معروف؟... أخبرني... هيا !!)... مطط شفتيه يرد بصبر يحسد عليه ...
(لست متزوجا ... ولا مطلقا ...ولا حتى أرملا ...)... تجمدت ملامحها بصدمة، تبحث وتبحث عن حل لمعضلتها حسب منطقها العقيم، فسألت بريبة ...
(كم هو عمرك؟.... هل لازلت تحت الأربعين؟... حينها سيكون ردي يا بني يسر الله لك في مكان آخر... فأنا قد اتممت الأربعين... بل أوشك على إتمام الواحد والأربعين....)... ضحك وهو يهز رأسه بيأس ثم قال...
(إذن أنا أكبر منك بثلاث سنوات ... هل هناك سؤال آخر ؟... أم أن التحقيق انتهى؟).... زمت شفتيها، تربت على دقنها بسبابتها ترد بنفاد صبر ...
(هناك سؤال وحيد وأخير ... لماذا تريد الزواج بي أنا بالذات؟)... أخذ الرجل نفسا عميقا ثم أجابها ...
(في الحقيقة لقد توقفت عن خطبة الفتيات قبل سنوات ولم تتحرك في الرغبة مجددا إلا بعد لقاءنا العجيب ... ولم أستطع التخلص من خيالك الطفولي ... فارتأيت المحاولة ... )... تخصرت تضيق مقلتيها، تسأله بتوجس ..
(ولماذا كن يرفضنك؟)... جعد أنفه النحيف بخفة، ففرت منها دقة في خضم حماسها وهي تمنع أي تأثر من أي نوع ...
(في الحقيقة .... هناك سبب وبشكل ما أنت محقة ..)...
(أهااااا!!).... صاحت بظفر كرهته، تكمل بغيظ ...
(أنا أعلم بحظي ... وأنت في كل رد !!... في الحقيقة ... في الحقيقة ... انطق بالحقيقة مرة واحدة وانتهى!! ....)... بلع ريقه، يمسد على دقنه الحليقة، يفسر بهدوء ....
(في ....)... (في الحقيقة !! ... أعلم !!... تجاوزها إلى المفيد...).. امتعض من حنقها، فهز رأسه مكملا وقد فقد كل أمل جاء به إليها....
(السبب هي أمي ....)... حافظت على صمتها ليكمل فاستطرد ...
(والدتي ... إنسانة صعبة جدا فوق تصورك ... لسانها لاذع ... وعبوسة طوال الوقت ... صعبة المراس ... وفوق هذا كله ... مقعدة ... أصحاب الحي جميعا يرفضون تزويجي من بناتهم .... وكل الفتيات اللاتي تقدمت إليهن يهربن من أول مقابلة معها... خصوصا حين أخبرهن بأنني من المستحيل أن أهجر أمي أو أتركها ... أو أعيش بعيدا عنها ...)... صمت فاستفسرت بامتعاض ....
(هل أنت صادق؟.... هذا هو سبب عدم زواجك إلى الآن؟)... هز رأسه فعبست بصمت لينكس رأسه بإحباط يتأسف بوجوم ....
(أنا آسف لأنني أزعجتك ... لكن لم أكن لأفوت فرصة المحاولة ... عن إذنك...)... اتسعت مقلتيها بينما ترمق ظهره العريض يبتعد، فهتفت بنزق ....
(هل تراجعت عن قرارك وتتخذ صمتي عذرا للفرار؟)... تسمر مكانه يصغي لاسترسالها بنفس النزق ...
(فما أعرفه أن الصمت علامة الرضى ....)... استدار إليها ملتهما المسافة بينهما في ثانية، يطالبها بحزم ....
(هل أنت جادة؟.... أحذرك يا آنسة سهر ... أنا لا أمزح بخصوص والدتي ولن أتركها مهما حدث وإن اضطررت للاختيار بينكما ... ستكون هي الرابحة...)... امتعضت تجيب ساخرة ...
(أمّن الله قلبك يا رجل ... الألفاظ سعد ... كما يقال .... )... سمح لنفسه بالبسمة، ففرت منها دقات أخرى..
(أدعو الله أن لا نصل إلى تلك المرحلة أبدا .... لكنني أخشى عليك من والدتي ... ووجب علي إنذارك منذ البداية ... )... حركت شفتيها، تهمس في سرها ...
**هل هذا امتحان من الله أم ماذا ؟.. .. حين قررت التصرف بخلق حسن أقع في هذه المصيبة ... لكن الإغراء كبير .. إنه الزواج .... الزواج!!... ومن رجل ضخم وسيم صاحب أنف نحيف.... وشفتين مكتنزتين... ايييييح!!... استعدي يا أيتها العبوس ... أنا لك بالمرصاد.... مقابل ابنك العزيز ... سأتحمل منك أي شيئ .... **
(آنسة سهر ...!!)... أجفلت من بحلقتها على ندائه القلق فأومأت بتوتر ليستدرك ....
(ماذا عن عائلتك هل ستقبل بالأمر؟)... عادت للضحك بسخرية، تشير بكفها ....
(عائلتي ... ستُقبل يدي ورجلي كي أوافق ... لا تقلق... تفضل إلى بيتنا متى شئت ....)... تألقت ملامحه بالبِشر، يقول بحماس وهو يغادر ...
(غدا بعد العصر ... بإذن الله .... السلام عليك ...)... تتبعت مغادرته بسهو حالم، وقلبها يصدر دقات تعدوا من خلفه إلى أن وعت على ضربة من كف السيدة حليمة على كتفها، تلومها على تسرعها في الموافقة.
قطبت سهر بعبوس ترد زاجرة وهي تتقدمها عائدة إلى القسم...
(تو تو تو .. لقد أصبحت فضولية يا سيدة حليمة .... هل هذا ما كنت تعلمينني إياه؟... أين الحديث عن عدم الغيبة والتجسس والتحسس؟.... والآن أصبحت تتنصتين؟... عيب ... عيب عليك سيدة حليمة ...)... كانتا قد وصلتا إلى القاعة حين انّت سهر بألم وحليمة تشد طرف أذنها من فوق طرحتها، فاستنكرت بألم ...
(آسفة ... آسفة .... إنه يؤلم ...توقفي من فضلك ...)... رمتها حليمة بنظرات ساخطة، كإشاراتها العصبية....
(لم أكن أتنصت ... بل قلقت عليك .... لأنني لاحظت ارتباكك فعلمت انك لا تعرفينه.... أما الصوت فقد توليت أمر إيصاله لكل من في محيط الحديقة رغم انزوائكما .... )... أدارت لها ظهرها، فسحبتها سهر تعتذر ...
(آسفة سيدة حليمة ... أنا كنت أمزح ....لا عليك ... ثم لمَ لا أقبل؟... إنه نعمة ... يعمل مع الشرطة وأكبر مني بسنوات قليلة ... )... قطبت حليمة تسأل بقلق ...
(وما أخبرك عن والدته؟).... نظرت إليها بمكر، ترد بمرح ...
(بالله عليك ... لم أعد فتاة في العشرين كي أخشى من امرأة مسنة .... لا يتحرك فيها سوى لسانها .... فلندعه يتحرك بحرية ... هل نشله هو الآخر؟... حرام .... )... حركت حليمة رأسها في دوائر، تشير بما معناه ...
(بعد هذه النظرة ... أصبحت أخشى عليها هي ... )... ضحكت سهر بمرح، ثم سحبتها لتجلس بينما تقول ...
(لم أعد صغيرة يا سيدة حليمة وأصبحت أرى الأمور من زوايا مختلفة... ثم إنها سنة الحياة وتجربة كغيرها من تجارب الحياة ... ندخلها بتوكل صادق على الله ونسأله النجاح .... لا تقلقي ... كل شيئ سيكون بخير ....)... هزت حليمة رأسها، ترمقها بإعجاب تشير ...
(هل أخبرتك أنني معجبة جدا بشخصيتك الجديدة؟! ... أم أنها القديمة وكان عليها بعض من الغبار؟).... عادت سهر إلى طي الملابس، تقول برزانة ظاهرية عكس داخلها تشوبه الفوضى تأثرا بصاحب الأنف النحيف ....
(قد أكون كذلك ... لكن لا تظني أنني نسيت أمر قصة لسانك ... لا زلت انتظرها ... )... هزت رأسها بيأس ثم أشارت بما جعل سهر تتبلد وتشعر بنفسها ستزهق روحا لولا خوفها من السجن وفقدانها لفرصة ..... الزواج.
(لكي أريح بالك ... لا قصة مثيرة خلف لساني ... إنه حادث فقط... انقلبت بنا السيارة أنا وعائلتي ولم يصب سواي ... لأنني كنت ثرثارة ولا أعرف الصمت ... فعلق لساني بين قطعتي زجاج ... وبسبب تأخر سيارة الإسعاف .. لم يستطيعوا إعادة النصف الآخر .. هذا ما حدث ....)...
...............................
سوق الجبل .....

زفر عيسى بضجر وحط بالأكياس على الأرض، يهتف ساخطا ....
(رواح ... أنا تعبت .... يكفي لليوم .... ).. مططت شفتيها وهي تضم ذراعيها إلى صدرها، ترد بحنق ...
(عيسى ... نحن لم نكمل الساعتين بعد ... أنت دائما مشغول ... لذا دعني أغتنم الفرصة ....).... قلب مقلتيه قبل ان يغطيهما بنظارته الشمسية...
(مرحبا ... مرحبا بزوج الكناري ... كيف حالكما؟...)... تأهبت رواح تقف بينها وبين زوجها، ترد بجفاء ..
(الحمد لله كيف حالك يا نجوى؟! ... متى عدتي من السفر؟)... ابتسمت بإغراء لم تكن تقصدها به البتة، تتمطى في بدلتها المفصلة لقدها الرشيق ....
(قبل أمس .... وأنا على خير حال ... وماذا عنك .. يا عيسى؟.... أم أن الزواج يشعرك بالملل؟.... ولم يعد الحب مثيرا؟...)... صمت عيسى متجاهلا الأمر كله، لكن حرمه فهمت صمته خطأ، فاستدارت تسأله باستفزاز مقلدة طريقتها في الدلال ...
(أجبها يا عيسى ... هل الزواج يسبب لك الملل؟)... رفع حاجبه الأيسر حتى علا عن حافة النظارة، يرد بامتعاض ...
(رواح ... أنا مستعجل ولا وقت لدي من أجل هذا الهراء ....)... تميزت رواح بالغيظ ونجوى تبتسم بمكر، اختفى حين نظر إليها متسائلا ببراءة خالصة...
(كيف حال ابن عمك؟ ...هيثم! ... لقد طال غيابه ...)... تدخلت رواح وقد وجدت منفذا لحنقها ....
(كيف حاله مع زوجته؟.... لا بد أنه أنجب بعد مرور أربع سنوات على زواجه ... وأنت ... ألم يأتي النصيب بعد؟)... رفعت نجوى دقنها بأنفة ترد بحقد وتكبر ....
(بلى ... لديه ولد ... وهو بخير ... أما انا ... فلم أتزوج بعد ...لأنني أرفض بسبب عملي... فأنا لست كغيري عاطلة عن العمل ... تعيش على ظهر زوج ثري تنجب له وتخدمه حتى تترهل ويشيب شعرها ... فيبحث عن أخرى غيره أصغر وأحلى .... سعدت بلقائكما ... وداعا ....)... ارتعدت رواح غيظا، تنطق من بين نواجدها ...
(من تقصد هذه؟... أنا!!)... زفر عيسى بانزعاج وزوجته تستدير إليه تكمل بغيظ ...
(هل أنا عاطلة أعيش على ظهرك؟.... هل حقا ترهل جسدي وستبحث عن غيري؟).... جذبها عيسى من رسغها حتى انفرد بها في السيارة، يخبرها ممتعضا من الوضع ككل ورد فعلها ...
(لهذا لم أستجب لحقدها منذ البداية وسددت عليها باب وسواسها ....أنت لم تفهمي ومنحتِ لها فرصة تعكر فيه صفاء حياتك ...وسعادتك ...)... مسحت عينيها بحدة، تهتف ببكاء طفولي ...
(ماذا تعني؟)... رقت مقلتيه ونزع نظارته، يجيبها بحنو...
(إنها تحسدك ... لهذا بثت سمها في أذنيك كي تتعسك .. فأنت زوجتي ومن حقك علي أن ارعاك وأنفق عليك ... حتى لو كنت تعملين ...وسأحاسب أمام الله إن قصرت في النفقة عليك وعلى عيالي ... ومن هم ملزومين مني حسب مدخولي ... أما الخلفة ... فقد خلقها الله صفة ومقدرة مقتصرة على الأنثى فهل للعبد أن يرفض ذلك ويتحدى الله ؟!.... واسألي من تتمنى ظفر طفل صغير ولا تجده لأنه رزق غالي من عند الله وليس كما تصفه هي وغيرها من التوافه ... وأخيرا... الخدمة! ... هي كرم منكن وليست عليكن واجب ... والدليل أن هناك من يجلب الخدم ... ومنهم عائلتي .... لكن بالنسبة لي أحترم أكثر من تتولى شؤون بيتها وزوجها وأولادها حبا وخوفا صادقا عليهم ... وليس واجبا .... )... ابتسمت بحزن، تسأل بتأثر ...
(هل تحبني كما كنت تفعل من قبل؟).... ضم جانب خدها، يرد بهمس مبحوح ...
(بل أكثر يا رواح .... فما يجمعنا الآن... أكبر من تلك المشاعر الهوجاء ... هل تستطيعين إنكار ذلك؟).... هزت رأسها بسلب، فاستدار ليستلم المقود بينما تستدرك بمكر ...
(على فكرة ... أنا أعرف عن الحقوق والواجبات الشرعية .... لكنني أردت تأكيدا شخصيا منك ... )...
نظر إليها باسما بلوم وهو ينطلق بسيارته .....
(أنتن النساء ..... على قدر وسع عقولكن على قدر ضيقها .... ومهما بلغت قناعاتكن تسمحن لوسواس خناس بالتسلل إلى قلوبكن ليعيث فيه فسادا ... صدق من سماكن بالقوارير... عليه أفضل الصلاة والسلام)...
........................


المدينة السياحية ... شقة جارح .....

انسحبت بلسم تدعو نوران إلى المطبخ بعد أن توطدت علاقتهما في لقاءين سابقين، تاركتين أسامة وجارح على انفراد ....
(ماذا فعلت بشأن الحارس؟)... سأل جارح بجدية يرمق بها صديقه المسترخي لجسده على إحدى أرائك غرفة الضيوف المتسمة بلون أزرق بارد كلون طلاء جدرانها، فابتسم أسامه متذكرا تهوره ...
(لقنته درسا في زاوية مظلمة لن ينساه أبدا ....و قطعت رجليه عن المدرسة ....)... ضحك جارح يلوح بكفه، ساخرا....
(يا إلهي يا رجل .... الناس تخرج منك أسوء ما فيك ...).. أومأ أسامة مؤكدا، يضيف ....
(الحمد لله بأن أختي قد تغيرت في معاملتها وهذه نعمة كبيرة ... دعنا من تلك السيرة ... متى ستعود إلى الجبل؟)... جعد دقنه، يعقب ....
(لا أعلم ... قد أذهب للزيارة في نهاية الأسبوع...)... غامت مقلتي جارح إلى سهو بعيد، فانتزعه منه صديقه قائلا بسرور ...
(لقد تغير حالنا يا جارح ... والغريب أن مرحلة التغير لم تكن بطول مدة العذاب .... حين يشاء الله تنزل الأقدار في رمشة عين ...)..... هز رأسه مؤكدا، يضيف وهو يرمق كفيه المستريحين على فخده ...
(صدقت سبحان الله ..... من كان ليصدق ... كل ما حدث في الآونة الأخيرة... أدعو الله أن يستمر الحال على خير.... يا رب .....).... علا رنين هاتف اسامه فقطب جبينه حيرة، يقول وهو يرمق رقم عمه حسن ....
(غريب لتوي حدثت عمي .... خيرا ...السلام عليكم عمي ....)... لاذ بالصمت وملامحه تتجمد قبل أن ينطق ببرود ...
(حسنا عمي .... شكرا لك ....)... وضع الهاتف، فسأله جارح بقلق بعد أن تأهب في جلوسه يميل نحوه قليلا.....
(ما بك؟)... نظر إليه يرد بقسوة ....
(ذلك الرجل الذي أنجبني ... قُتل في السجن...)... احتدت قسمات وجه جارح بينما أسامه يكمل بنوع من التشفي حرص على إخفائه ....
(قتلوه في الحمامات وتركوه ليومين فوق البلاعات .... تكتموا على الأمر حتى ما عادوا قادرين على تحمل رائحته....)....
............................


مدينة الجبل ..... المشفى ..... غرفة يونس آل عيسى ...

تسمر مكانه يتمعن في ملامح صديق عمره في زمن غابر، لقد كان من أقرب الناس إلى قلبه، لكنه لم يكن له نعم الصديق ولا نعم الرفيق. كلاهما ضلا طريقيهما واستحلا محارم كثيرة فكان ما حدث وفرق بينهما لازما ومصيرا مفروغا منه.
(حسن ...)... همس يونس بوهن ووجع حين فتح عينيه ووجد أحد خيالاته الموجعة لقلبه وضميره قربه.
تحدث حسن بإشفاق يجيبه ....
(سامحني يا صديقي .... لأنني لم أكن لك صديقا صالحا ولا رفيقا معينا على الحق ....)... تدحرجت دمعة تفر من هول جحيمها وصاحبها يقول بحزن ....
(كلانا لم يكن معينا للآخر على الحق يا صديقي ... فدخل الشيطان بيننا ... ودمر البيت الوهن ....)... أومأ حسن وهو ينحني نحو وجهه، يقول بحنو ...
(لا زال هناك أمل يا صديقي إن كنت خسرت الدنيا وحريتك فيها... فلا تخسر الآخرة... ).. حتى بسمة التهكم شقت على عضلات ثغره، فتخلى عنها يعبر بقنوط ...
(وكيف ذلك يا حسن؟.... لقد خسرت كل شيئ .... كل شيئ ....).... أمسك حسن بكفه، يستنكر بحزم..
(لا ... إياك... لا تمنح الشيطان غايته .... إن خسرت الدنيا فلا غرض للإنسان منها .... والآخرة لا يفوت عليها الأوان إلا بخروج الروح .... وأنت هنا ... ).. ترك كفه، وربت على صدره يكمل ...
(النفس لا زال في صدرك .... والروح في جسدك ... إذن لم يفت الأوان بعد ... تب الى ربك يا يونس ...)... أخذ يونس نفسا ثقيلا، يقول بوجوم ...
(وهل سيتقبل الله توبتي؟.... بعد كل ما فعلته حتى ابني كنت سأقتله .... بيدي ... يا حسن ... كيف ؟!... كيف؟!)... تدافعت الدموع من عينيه التعبتين ورعا، فقال حسن مواسيا بدموعه هو الآخر....
(لا يا صديقي ... لا تقنط من رحمة الله ... تب إلى الله ... واستغفره ... وأصلح ما استعطت إصلاحه ... عليك بأبنائك يا صديقي .... فهم كنز إن كانوا صالحين ...وهم امتدادك في هذه الحياة حتى بعد وفاتك ... )... تشكلت بسمة حانية غريبة على وجهه، يقول ....
(إنهم كذلك .... أبي أحسن تربيتهم .... إنهم يزورونني رغم كل شيئ .... حتى إن تظاهروا بالجفاء ... تغلبهم الرقة والحنان ... فتشعان من مقلهم كالشمس ... حتى أنني أدعي السعال مرات كثيرة كي أستدرج عطفهم ... )... ابتسم حسن يقول بإشفاق....
(أحسنت ... افعل كل شيئ حتى تحصل على غفرانهم.... وألح عليهم ليحضروا أحفادك .... وتغريد .... لابد في يوم ما ... سيأتونك بهم ... وستصفو النفوس .... فقط أصدق مع ربك يا يونس .... والله يسعد بتوبة عبده ... اكثر من عبده نفسه ... اصدق الله يا يونس ... وأنب اليه .... وتُب اليه ...)
...................

خارج الغرفة ......

نظر حسن نحو مكان ما فلمح طارق الذي استقام بجذعه منتظرا ...
(كيف هو؟)... أجابه ببسمة مشفقة ....
(مريض .... ونادم ... وقانط ...لكنه مستعد للتوبة ...)... أومأ طارق بحزم، يرد ....
(جيد .... شكرا لك سيد حسن ... لا تتركه ... سأؤمن لك تصاريح لزيارته ... هنا.. أو في السجن حين تتحسن حاله ... ولا تنسى نصح يونس وتغريد وحثهم على الصلح والتقرب منه ... أما ابراهيم وشقيقيه ... فأنا بهم كفيل ....)... أمال السيد حسن رأسه متمعنا، يستفسر بحيرة ....
(لماذا تفعل ذلك يا حضرة المفتش؟؟... عملك وواجبك قد أتممته على أحسن وجهه .... ).... ابتسم طارق بغموض يجيب بحكمة .....
(لأكون صاحبا صالحا معينا لهم على الحق... ومعينا لهم على الشيطان ...فهو عدو لنا .... وعدو لله .... لذا وجبت وحدتنا في معاركنا ضده .....)...
..........................

المدينة السياحية ..... شقة جارح ... مساء ...

انسحبت مجددا من بين ذراعيه واستدارت تدير له ظهرها، فتسطح على ظهره هو، يحاول تمالك أنفاسه الهادرة وحين تناهى إلى سمعه نجيشها الخافت، ضمها اليه من ظهرها، يهمس لها برقة ...
(شششش.... لا تبكي ... أرجوك ...)... كبتت نحيبها لكن الشهقات تفر منها رغما عنها، فقربها منه أكثر يستطرد...
(كنا نعلم بهذا من قبل وكل مرة يكون هناك تحسن ... حتى لو كان طفيفا ... ونحن لدينا كل الوقت ... بإذن الله... فقط لا تحزني ... أو تيأسي ...)... شهقت بخفة ومسحت دموعها، تهمس بحزن ...
(لا أعلم ماذا يحدث معي؟!.... كل شيئ يكون بخير ... لكن فجأة أفقد تركيزي... أو أستعيده لا أعلم حقا فأتوه عنك وعن حنان لمساتك ... أنا ...)... أدارها إليه ينظر إلى وجهها، قائلا بحب ...
(لا تبكي حبيبتي ... سنجتاز كل المراحل ... وسنصل إلى بر الأمان.... بإذن الله سنفعل ... كما وصلنا إلى هذه المرحلة ... سنكمل ...)... نظرت إليه بقلق، فلمعت مقلتيها بحزن وخوف....
(ماذا لو كرهتني بسبب ردود أفعالي؟؟.... ماذا لو مللت مني؟.. و)... انقض على ثغرها مقبلا إياها، يطوقها بقوة ولم يفلت شفتيها إلا لحاجة إلى الهواء، يهمس بلهاث ...
(لا تعيدي ذلك أبدا.... هذا دليل صغير على شغفي وحبي نحوك... فقط عوضيني بأمر صغير ...)... نظرت إليه بلهفة، فمسد على خدها بحنان يستدرك برقة ...
(اهمسي لي بحبك لي.... كريريها كل لحظة ... وكل حين ...)... ابتسمت وهي تدس وجهها في تجويف عنقه، تهمس بحب مرات عدة ....
(أحبك جارح .... احبك ... من كل قلبي ...بل أنت قلبي ...)... حاوطها زارعا إياها داخل صدره، داعيا إلى الله أن يمنحه الصبر وقوة التحمل حتى يقرر منحهما الفرج.

......................

منزل آل عيسى ..... مساء .... غرفة حق وإبراهيم ....

جهزت له ثيابه ووضعتهم على السرير ثم حملت ورقة ما تقول ...
(سأعود بعد قليل ...)... لاحظ تغير مزاجها، فوقف حائلا بينها وبين المخرج يسأل ببراءة مدعية ....
(إلى أين؟... وما هذا في يدك؟)... أمسك الورقة يقرأها ثم سحبها لتجلس على السرير، يستدرك ....
(إنها لائحة المحرمات .... لماذا علقت في غرفتي الصغار لائحة الحلال بفترة طويلة قبل لائحة الحرام ؟)... كما أراد نسيت أمر ما تظنه جفاء حين يتغير مزاجها بخفة لا يكاد يلاحظها أحد غيره بعد العشرة الحسنة بينهما، تجيبه بفخر وحب صادق خالص لخالق عظيم ... ....
(لأن الله يُعبد بالحب والترغيب ... وليس بالكره والترهيب.... كان يجب أن أعدد ما حلله الله من نعمه الكثيرة ... ثم بعدها أعدد المحرمات ... ليتبين لهم أن الحلال أكثر بكثير من الحرام ...)....
ابتسم إبراهيم بحب يخصه بها، قائلا برقة ...
(ولماذا أنت غاضبة مني؟)... رفعت رأسها ترد بوجوم ...
(تعلم أنني لا أغضب منك أبدا ... لكن الشيطان أرهق بابي من كثر دقاته عليه بوساوسه .... وأنا امرأة ضعيفة مهما بلغت حكمتي وقوة إيماني... أخشى على نفسي من دوام الوسواس ... لذا أحب هدم أصل بناءه مرة واحدة ... وأريح بالي ....)... قطب إبراهيم واضعا يده على كفها، يسأل بقلق ....
(وما هو هذا الوسواس يا حبيبتي؟ .... وماذا فعلت؟ ...)... احمرت وجنيتها فأطرقت برأسها خجلا، ليرفعه هو من دقنها آمرا بلطف ....
(أخبريني حق ...)... زمت شفتيها بخفة ثم قالت بحرج وتوتر ...
(أعلم أن مشاكل العائلة ومسؤولية العمل ... كل ذلك يثقل على كاهلك .... وكنت سعيدة حين ظننت نفسي سندا لك ... تضع على صدري رأسك وتبثني شكواك ... وأسمعك وأنا أمسد على شعرك وأحتويك بين ذراعي ... فأهمس لك بما أشعر به تجاهك حتى أرى بسمتك المشرقة فيشرق بها قلبي فرحا وسرور.... ماذا حدث لك؟... لتتوقف عن فعل ذلك ؟)... أشفق على بساطة وصدق مشاعرها، فسحبها يضمها إلى صدره، يجيبها بعشق تعرف عليه معاها لوحدها ...
(أنت لا زلت وستظلين سندي بعد الله وسكن قلبي وروحي معا ما دمتُ حيا ...وحتى في الآخرة أسأل الله أن يجمعني بك في الجنة برحمته ... إنها فقط الظروف يا حبيبتي .... فلا أسعد على قلبي من لحظة أسرقها من جفاء المسؤوليات ... لأمضيها داخل جنة حضنك...)... ضمته بقوة تهمس بحب، تتنفس براحة ...
(أحبك يا إبراهيم.... وأنت سكني ووطني ... ولا أريد لأي أمر أن يعكر علي صفو علاقتي بك مهما كان صغيرا .... )... ضم وجهها ليرفعه إليه، قائلا بمرح ...
(يمكنك كسر باب الوسواس في وجه الشيطان .... فأنا أحبك ... تختصرين نساء الأرض جميعا في عيني ...)... ضحكت بمرح تهمس بخفر ...
(سأذهب لأعلق اللائحة ... وأعود سريعا ...).. منعها وهو يستلقي ساحبا إياها قربه، ليضع رأسه على صدرها قائلا بمرح ...
(لا ... ليس الآن.... فأنا متعب ومشتاق لزيارة جنتي ... )... اتسعت بسمتها وهي وترخي طرحتها، تضمه بحب تمسد على رأسه، فاستطرد بحزن .....
(اتصل جدي بعماي وطلب منهما الحضور ... أنا أخشى عليه يا حق ... صحته في تراجع مستمر ..)... همست قرب أذنه مواسية ....
(لكل منا أجل لن يتقدمه أو يتأخر عنه بثانية ... شفاه الله وعفاه .... أما عميك فواجب عليهما الحضور قبل وقت طويل إنه والدهما ... لم يأتيا سوى مرتين خلال العشر سنوات الماضية ... ولحالهما دون عائلتيهما ...).. تنهد إبراهيم، قائلا بحزن ....
(يسر الله أمورنا ... وجمعنا معهم على خير ...)... أمنت فضمها يدس رأسه في صدرها ولم تمر لحظات حتى غط في نوم عميق تحت نظراتها المشفقة، تراقبه بحنو وحب. .....
................

بعد اسبوع .......

المشفى ...... القسم النفسي ....

لمحتها فابتسمت في وجهها، ملقية التحية ...
(مرحبا مريم ... كيف حالك؟).... قبلتها مريم على وجنتها، ترد بلطف ...
(أنا بخير عزيزتي ..... كنت عند أمين ومررت هنا كي أراك ... اشتقت إليك ....)... رافقتها إلى مكتبها وهما تتبادلان الحديث الودي ...
(وأنا أيضا عزيزتي... وكنت أنوي المرور عليك في عيادة زوجك الخاصة ... لأطمئن على أحوالك...)... زفرت مريم بقلق، تعترف لصديقتها الوحيدة ....
(لا زلنا نتشاجر بسبب اهتمامي الزائد برجاء ... كما يحاول إقناعي بحمل جديد وأنا أرفض ... خائفة يا طائعة ماذا أفعل؟؟)... وقفتا أمام باب مكتبها وطائعة تربت على ذراع مريم، تجيب بلوم ....
(لقد تحدثنا مرات عدة في هذا الموضوع .... لا تخشي شيئا سوى الله .... سنتخذ احتياطاتنا وندعو الله .... وهو لن يخيبنا ... فشتان ما بين حال وحال ....)... هزت رأسها بشك، فأكدت بتصميم قبل أن يفترقا كل واحدة إلى أشغالها ....
(أصلحي علاقتك بزوجك إنه رجل صالح ويحبك ودعي كل همومك على الله ... هو القادر عليها ...)...
دخلت إلى مكتبها فوجدت زوجها في انتظارها، ابتسمت تقول بدفئ ...
(أنت هنا ؟!.... )... أومأ اسماعيل بينما يقبلها ثم قال ....
(انتظرتك كي نغادر سويا .... عماي في البيت والعائلة كلهم مجتمعين هناك .... )... جمعت أغراضها وتأبطت ذراعه تقول بسرور....
(حسنا .... حمدا لله على سلامتهما ... )....
.......................

منزل آل عيسى ...

عجت الحديقة بأفراد آل عيسى، منتظرين العمين المجتمعين بأبيهم إبراهيم.

كانت تغريد تجلس على المائدة التي جمعت زوجات يونس الثلاثة برفقة شمة، تسألها عن علاقتها بزوجها حين هتف ابراهيم الصغير الذي وصل قربها، بامتعاض وغيرة شعت من مقلتيه اللامعتين بشقاوة محببة ...
(أين قرودك الخاصة؟... لقد مللت من الانتظار منذ أن تزوجت من العم منصف ...كانوا يلحون عليك لتوافقي على الزواج كي تنجبي قرودك الخاصة ... متى ستنجبينهم؟)... احمرت تغريد والجميع يخفي بسماتهم الخجلة حتى اسماعيل رفع كفيه مستسلما أمام إخوته ومنصف ...
ضحك الصغير وهو يطير في السماء حين حمله منصف، يجيبه بمرح بينما يغمز لزوجته....
(كف عن إحراج زوجتي والقرود سننجبها قريبا بإذن الله ... لكن لا تحلم بأن تقترب منهم أبدا ... )... ركض عيسى الصغير وآية برفقة تسنيم يلتفون حول منصف كل يريد دورة في الهواء باستثناء محمد جالس بالقرب من والده، يبتسم برزانة الكبار.
اقترب يونس من زوجته المنضمة لطاولة أخرى، حولها حق وطائعة ورواح... يهمس بمكر ...
(إن سبقني صاحب العيون الملونة والشعر الأصفر إلى الإنجاب... سأعاقبك ...)... زحف الاحمرار على وجنتيها، ترد بخجل ...
(هداك الله يا يونس ... ابتعد عني حالا ...)... ابتسم يونس هامسا قبل أن يبتعد عنها لتتنفس الصعداء...
(هداك الله أنت ...حين أطلب منك المغادرة تطيعينني دون كلمة أو جدال ..... أو سأفعل ما سيخجلك بحق ...)...
انسحب اسماعيل على إثر رنين هاتفه ليرد بود ...
(كيف حالك جارح؟... سعيد بسماع صوتك .... )... أتاه الرد مستفسرا بجدية ....
(شكرا لك دكتور .... ماذا أخبرك المفتش؟ ... فأنا حاولت الاستعلام دون جدوى ....)... أجابه إسماعيل، داعيا ربه أن ينتهي كل ذلك الجحيم بآخر باب يقفلونه بموت ذلك الرجل...
(لقد قبض عليهما.... كانا اثنين في مركزين مرموقين والباقي كانوا ينفذون الأوامر دون علم بحقيقة الأمر ..... أرح نفسك يا جارح الموضوع انتهى ... وكل ظالم نال جزاءه ... ).... زفر جارح وهو يجيب ...
(أتمنى ذلك يا دكتور .... عذرا على ازعاجك... اعتني بنفسك ....).. دس إسماعيل هاتفه في جيب سترته، يفكر بأن ... بعض الجروح يلزمها بعض الوقت لتلتئم ...
..............

في غرفة الجد ...

يمسك بصدره أنفاسه تثقل على رئتيه، فيرى أن الأجل قد دنى أوانه لكن أنى له أن يعلم متى؟!.. فلا مخلوق قط يعلم عن أجله مهما كانت مرتبته عند ربه.
(اهدأ يا أبي ولا تتعب نفسك ....)... تحدث ابنه الأوسط نوح بإشفاق واعتذار عن غياب مهما جمع له من حجج وعلل لا تكفي أمام شعوره بمرآي تعب والده وبإمكانية بفقدانه...
(ألن تعودا الى وطنكما؟... ألم تسأما من الغربة والغرب؟... ألم تشتاقا لدفيء شمس بلدكما؟ ... ودفئ أحضان أهلكما؟)... كان أول من رد هو ابنه الأصغر صلاح الدين، يتحدث بتوتر محرج ...
(لا أستطيع يا والدي .... فحياتي هناك زوجتي لن تقبل ... وأولادي لا زالوا صغارا ... سيتوهون ...)... نظر إبراهيم إلى ولده الآخر يقول بحزن ....
(وأنت يا نوح .... هل كُتب علي فراق أولادي مدى الحياة؟)... أمسك نوح بكف والده يقبله، مجيبا بأسى ...
(بل سنعود يا أبي ... لقد تعبت ... ظللت طوال حياتي أركض خلف السراب لأكتشف فجأة أنني فشلت في أهم شيئ ....لقد أخبرتهم بأن يستعدوا للعودة .... وعلى عكس صلاح الدين أنا أستطيع إجبارهم على العودة ... فزوجتي تساند قراري ....)... ابتسم والده يقول بوهن وقد سمح لبعض الهواء البارد للتسلل إلى ضيق صدره ...
(إنهم كبار الآن... كيف استطعت إقناعهم؟...).... أجابه نوح بغموض....
(لدي طرقي الخاصة .... أكثر من أتعبني هو الصغير ذو العشرين سنة إسحاق .. أما ... ابني الأكبر آدم فما كان علي سوى إقناع زوجته بينما مدللتي سلمة تتبع مصروفها حتى إلى الجحيم ولم يبقى سوى ... ابني الأوسط أيوب ...فهو عقلية علمانية بحثة... رأى في الوطن فرصة لأعمال سياحية مزدهرة فوافق وشجعني على الأمر ...)... صمت فسأل والده، كاتما قلقه حول ما يقرأه على صفحة عينيه من الحزن والحسرة...
(آدم متزوج من نفس الفتاة التي قابلتها مرة واحدة ونالت إعجابي؟ ..... ما سمها؟).... تشكلت بسمة غريبة على ثغر نوح بمزيج من الحزن والرأفة تحت ظل الفخر الذي لمعت به مقلتيه وهو يجيبه ....
(بلى .... إنها نفسها .... ومن سيكون غيرها! اسم على مسمى .... صبر ....).....

تمت بحمد الله .....

إلى اللقاء مع الجزء الرابع... رويدا رويدا على طريق الحق




سامحوني إن قصرت... سامحوني إن احزنت قلب احدكم .. سامحوني إن أخطأت ... ومن رأى في العمل نقصا فاليعذر ... وليتذكر انني مجرد انسانة ضعيفة ...غير كاملة ... والكمال لله . . ومن لديه استفسار او لمح نقص ما ... فليترك ذلك في تعليق ... وبإذن الله سأمنح نفسي أسبوع مراجعة قبل تقديم ملف الرواية .... كي اضيف او اعدل حسب رؤيتكم .. وبالطبع اي زيادة ستنزل هنا باذن الله .... ان شاء الله الجزء الرابع ... سأحاول جعل كل احداثه لا تتعلق ...باي شيئ مضى ... مع أن السكن سيكون في المدينة السياحية .... وهكذا نفك رابط التسلسل ... ومن احب القراءة دون متابعة ... لن يجد معوقات .... وموعده بعد رمضان ... حسب أول أحد بعد الشهر الفضيل😉😉😉.... ادعو الله لكم بتيسير الأمور.... وصلاح الشأن ... وكل خير تمنيتموه ... وكل سعادة الدنيا والآخرة.... بلغكم الله رمضان ...وليلة القدر.... ورزقكم صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا ... وأفادني الله وإياكم بما اكتب ... وجعله الله حجة لي لا علي يوم القيامة ... شكرا لكل من ساند بكلمة .... بتعليق ... بتصميم ..... او بالقراءة ..... أحبكم في الله ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
عبير كك ... ابتي ... انجوانا... توباز .... واسفة ان نسيت حبيباتي اللاتي غبن عني ... لكنني اخبرهن ... انني اعذرهن .. ولم انساهن .... تحياتي لكن
استغفر الله العظيم وأتوب إليه... 😍😍😍

[ميريزااد]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 66 ( الأعضاء 44 والزوار 22)
‏ميريزااد*, ‏yasser20, ‏**منى لطيفي (نصر الدين )**, ‏rasha shourub, ‏Majd nor, ‏ميرو البسيونى, ‏ام توتا, ‏sara-khawla, ‏taljaoui, ‏Meso antar, ‏رغيدا, ‏samahss, ‏Reem salama, ‏ToOoOmy, ‏داليا انور, ‏الاميرة نور, ‏ضحى حماد, ‏Alice laith, ‏توته الاموره, ‏هلو11, ‏لمحة من الكون, ‏فتاة من هناك, ‏zainab atta, ‏sara halawa, ‏noor3eny, ‏عمر أبوبكر, ‏Her black roub, ‏ران23, ‏Zainabalghazi, ‏الراء, ‏فررراشة, ‏ريما الشريف, ‏قمر وليد, ‏Lalloush, ‏المثقفه, ‏بشري كمال, ‏سمية21, ‏shammaf, ‏زهرة الغردينيا, ‏نو الحق, ‏totamohamedusama, ‏rontii, ‏marwalool
أدو

[ميريزااد]

مبروووووووك الختاااام واخا قريت الفصل بعين مسدودة وعين مفتوحة بكثرة العياء لكن ماقدرتش نصبر تال غذاا 😆😆😆😆
الرحلة كانت جد راائعة وتم التطرق الى مواضيع شائكة لكن احييك على طريقة مناقشتها ...
سلمت يداااك ياا منمن
دمتي مبدعة
مودتي ❤❤❤

[**منى لطيفي (نصر الدين )**]

ان شاء الله اقوم بالرد على كل التعاليق
انا الآن تعبة جدا
تصبحون على خير