آخر 10 مشاركات
كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          7 - غراميات طبيب - د.الأمين (عدد حصري)** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          قلوب تحترق (15) للكاتبة الرائعة: واثقة الخطى *كاملة & مميزة* (الكاتـب : واثقة الخطى - )           »          ملكه للأبد (12) للكاتبة Rachel Lee الجزء الثانى من سلسلة التملك.. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          صفقة زواج(103) -قلوب غربية- للكاتبة الرائعة: * رووز *[حصرياً] كاملة & الروابط * (الكاتـب : رووز - )           »          قراءة في مقال ثلث البشر سيعيشون قريبا في عالم البعد الخامس (الكاتـب : الحكم لله - )           »          إشارة ممنوع الحب(57) للكاتبة jemmy *متميزة* كاملة (الكاتـب : Jamila Omar - )           »          أحلام بعيــــــدة (11) للكاتبة الرائعة: بيان *كامله & مميزة* (الكاتـب : بيدا - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة

Like Tree195Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-09-18, 02:51 AM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


البيداء كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟

هذا الفصل حرفياً قلب جميع حساباتي
نبدأ بـ يوسف
يوسف طوال الثلاث فصول السابقة كنت أحسبه نجد
طلع يوسف الذي لم يتوفق في ولا شيء لا دراسة ولا حياة اجتماعية
اكتئاب حاد مع محاولات انتحار...
من دراسة الطب إلى تمريض بالدز
لا حول ولا قوة إلا بالله.....

بنت الصحراء
ليست رغد ولا يمامة فمن هي ؟؟
هل هي لها علاقة بيعقوب توأم يوسف المتوفي
؟؟
هي تعرف يوسف فمن أين تعرفه ؟؟

نجد
نجد سبحان الله من شخص يبحث عن الحب والحنان من نورة إلى شخص متفوق على وشك دراسة الدكتوراه...
ماشاء الله
وتبقى أمنية حياته يمامة غصة في الحنجرة لا يستطيع إجلاءها....


يمامة

أتوقع إنها تحب نجد لكن رفضته لأنها تحس أنه يشفق عليها




رغد

ودي أستخدم جميع الألفاظ
ألحين وحدة لا تدخل ولا تطلع من وين جابت رقم شاب تكلمه ؟؟!!
صج بنت اللذينا
وي يمه منها
أحس لو يدري ثامر يموتها بدينه.......



ثامر
ثامر لولا وجود رغد وخالد في حياته كان حالة صار أسوأ من يوسف لأنه تقريباً هو سبب بضياع نورة وخالد وكان راح يعيش بعقدة ذنب طول حياته بس سبحان الله إللي خلى رغد في رقبته...
ثامر يتكلم عن رغد بدون عاطفة حب يمكن لانها دائماص عنده فما يشعر بحبها او يحبها ويقاوم هو خائف من ابتعاد الأثنين خالد ورغد لكن هل خائف من ابتعاد رغد بصورة خاصة ؟؟...

خالد

ألحين يا خالد مدرس و مزور
خاطف بنت اختك عشان تحميها من وحوش وتعيشها في وحل الطفيليات
غريب أمرك.....



الجوزاء

طلعت متوفاة الله يرحمها بس غريبة ياسر ما رجع نورة على ذمته لو عشان يوسف...



ياسر

العاشق المبجل لا يريد لابنه حياة تشبه حياته بفقد الأحبة.....


ناصر

العازب المخضرم لا أعلم لما أشعر أن يمامة وهو متحابان ؟؟!!



البيداء كلما قرأت فصل جديد أتعلق بروايتك أكثر فلا تتركينا بليز....


بالتوفيق لك دمت بود
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

Laila1405 likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-18, 07:01 AM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الورقة الخامسة


تتعلّق عيناه بعينيها، يحاول تفسير سبب وقوفها أمام بابه .. يعقد حاجبيه باستياء شديد وهو يسمعها تناديه (جوزيف)، لكن طاقته أضعف من أن يناقشها في تحريف اسمه العربي إلى بديله الانجليزي، يختصر الطريق ليدفع الباب ويهم بإغلاقه، إلا أنّ قدمها سبقته لتكون حاجزًا عن إغلاقه للباب :" أرجوك "
اشمئزاز كبير يداهمه، تتسلل عينه أخيرًا لها.. يرغب بدفعها وصفع الباب خلفها، عيناها تنظر إليه برجاء، تتابع :" لا تستلم، أعلم أنها نوبة من نوباتك.. لا تستلم لها، هيا يمكنك فقط أن تخطو خطوة واحدة للأمام لتحاربها"
يتوه، وكأنه رُمي في صحراء لا نجوم تلحفها .. وكأنها دليل يشك في صدقه، يتمسك به كي ينتشله من ضياعه، يعود صوتها مشجعًا وهي تُمسك الباب كي لا يغلقه :" ما يحول بينك وبين تخطي ضعفك هو هذا الباب، إن تجاوزته ستنتصـ..."
تبتر كلمتها وتتحرك بتلقائية للخلف على فتحه القوي للباب وبأقل من لحظة يتخطى الباب ويغلقه سريعًا خلفه وتنفسه يضطرب وكأنه قام بمجهود كبير، تمر لحظة صمت بينهم وهو يستند على باب شقته مغمضًا عينيه، تستوعب ما حصل لتبتسم ابتسامتها المعهودة :" وااااااو! أنت رائع"
يفتح عينيه ليجدها تقف أمامه، يعقد حاجبيه ليميل برأسه للخلف يتأمل الباب المغلق.. يشعر بسواده يتربص به من خلف الباب، يلومه بسبب ما فعل، على تركه ومحاربته له .. يشعر بأن روحه أصبحت أخف، وكأنها تركت جزءًا منها في شقته المظلمة، يغمض عينيه ولا يزال يتكئ على الباب يراجع نفسه .. يعود ذاك الصوت مجددًا :" لا .. لا تفكر كثيرًا- يفتح عينيه ليجدها تبتسم الابتسامة التي يكرهها كثيرًا، تُشعره بأنها حرة وبكم القيود التي تلف رقبته هو- اممممم يمكننا النزول الآن؟ "
يتنهد تنهيدة كبيرة، ما فعله تعد خطوة كبيرة لم يعتقد أنه قادرًا عليها.. يُدرك أن نزوله للأسفل سيولد فيه شعورًا غريبًا، لكنه بحاجة هذه الغرابة .. يعتدل بوقفته، يخطو للأمام لتتبعه بانتصار .. تسير برفقته والصمت سيد الموقف، حتى يتخطيان بوابة المجمع..
تضمّ يديها بقشعريرة إثر البرودة التي داهمت جسدها، تتسلل عيناها إليه لتداهمها برودة أشد وهي ترى سترته الرمادية الخفيفة.
يتوقفان أمام إشارة المرور لينتظرا عبور السيارات، بينما هو شارد مطأطئ رأسه وكأنه يحسب الخطوات التي تفصله عن شقته وعزلته.. يأتيه صوتها ليجبره على رفع رأسه قليلًا :" اممممم لأكن صريحة، لم أتوقع إطلاقًا أن تكون بهذه القوة والشجاعة! "
لا يعلق، يكتفي بالنظر إليها لتتابع :" من خلال تجاربي الكثيرة .. أظن أن عزيمتك قوية وإيمانك أقوى"
ينطق أخيرًا مستعيدًا صوته الذي بدأت تنساه :" منذ متى وأنتِ في المركز؟ "
يبتسم قلبها ويرفرف لسماعها صوته، وأخيرًا استطاعت فعلها! تتمالك نفسها لتظهر ابتسامتها ذاتها :" منذ كنت في الثانوية،امممم تقريبًا منذ ثلاثة أعوام "
تتوقف السيارات، ليضيء لون المشاة بالأخضر.. يتحركان وهي تتابع :" لم أكتسب خبرتي من المركز أكثر من اكتسابي لها بسبب شخص ما يهمني أمره منذ سنين طويلة"
لا يُعلق، هو أبعد شخص عن الفضول .. يعقد حاجبه فجأة وهو يشعر بها تتقدم لتفتح باب أحد المقاهي :" إلى أين؟ "
تُمسك الباب لئلا يُغلق، تتسلل ضحكة لها :" أخبرتك مسبقًا أننا ذاهبان لشرب القهوة! "
يتوقف في مكانه عاقدًا حاجبيه، خرج من شقته هربًا من عزلته ووجد نفسه فجأة برفقتها .. لا يتذكر موضوع القهوة هذا، لم يسبق له بأن تناول كوب قهوة مع فتاة ما .. جميع النساء اللاتي يعرفهن ينحصرن في أمه نورة وخالته يمامة، لا يعرف كيفية التصرف في مواقف كهذه.. يصل صوتها :" هل عقدة حاجبك ستطول كثيرًا أو أنتظرك ؟"
يتدارك نفسه ليخفف من حدة ملامحه، يتقدم إليها ليدخل المقهى الدافئ، تُغلق الباب خلفها لتفرك كفيها بسرعة :" أوه يا إلهي، البرد كاد يجمدني"
يتقدمها ليجلس على طاولة جانبية بجانب النافذة التي تعكس أضواء الشارع .. تلحق به لتجلس أمامه :" كنت أتساءل طوال الطريق كيف لا تشعر ببرد كهذا وسترتك خفيفة! - تصمت قليلًا قبل أن تتابع - هذا بالإضافة إلى أنك قادمٌ من بلاد حارة! "
يلتفت إليها بعد ما كانت أنظاره تضيع في النافذة، يرفع ذراعه ليثبتها على الطاولة مسندًا رأسه بكفه وبنبرة جامدة :" كيف عرفتِ أن بلادي حارة؟ "
تزم شفتيها قبل أن تجيب :" اممم في الواقع ملامحك تشي بأنك عربي، ليس شيئًا صعبًا "
ينطق بسرعة بنظرة ذات مغزى :" صحيح .. نفس ملامحك تمامًا! "
لم يلحظ التوتر الذي بدا عليها بسبب عودة عينيه إلى النافذة، وكأنه لا يهتم بما تقوله أو بما قاله .. يعود ليلتفت عليها بذات البرود :" هيه .. بالمناسبة لا أهتم، أعلم أن في بلاد الغربة غالبًا يهرب العرب من بعضهم البعض، ولا أعلم السبب حتى الآن .. لكن اطمئني لا يهمني ذلك إطلاقًا "
ترف عينها بتردد، ما يقوله صحيح تمامًا .. وهي أعلم الناس بهذا الأمر، يقاطعهما وصول النادل.. لتنطق سريعًا :" أنا سأختار لك .."
لا تترك له مجالًا لأن يعلق لتطلب سريعًا، يبتعد النادل ليعقد حاجبيه :" قهوة فستق؟ "
تهز رأسها :" صدقني، لن تندم "
يعود بأنظاره للنافذة :" لا .. أظن بأنني سأندم، أنا تقليدي جدًا "
يعم الصمت قليلًا، تقف فجأة وتتجه لإحدى اللوحات المعلقة .. :" جوزيف! "
يعود بأنظاره من النافذة إليها، يزم شفته بضيق أكبر واسمه بات يكرهه بسببها .. تلتفت إليه وهي تشير للوحة :" يا للصدفة! .. لم تكن هذه اللوحة موجودة قبل يومين! "
يتأمل اللوحة التي تشير إليها ولا يجد رابطًا بينها وبين كلامها، هي مجرد لوحة زيتية غريبة تذكره بأخيه ثامر .. يعود صوتها أقرب للهمس :" هلّا أتيت؟ "
يزفر بقوة ليقف ويتجه إليها، يعقد حاجبيه ناقلًا بصره بينها وبين اللوحة.. لتتابع :" لوحة فان جوخ الشهيرة، هل تعرف ما تعني؟ "
يعود ليتأمل اللوحة مجددًا، يغوص فيها وفي تفاصيلها .. لونها الأزرق وحركتها الدائرية، وكأنها تحكي دوامته.. بهز رأسه نفيًا :" لا، فقط أشعر بأنها تلمس شيئًا في"
تبتسم :" لأنها تصور قصة جوزيف والأحد عشر كوكبًا - تشير إلى الكوكيبات المنتشرة في اللوحة- إخوة جوزيف، والشمس والقمر"
تشده اللوحة بعد كلامها، يزيد من تأمله لها .. ليأتي صوتها مجددًا ضاحكًا :" هذا ما أخبرني أبي به، لا أعلم إن كان حقًا أم مجرد تخيلات تدور في رأسه"
تعود إلى الطاولة والنادل يضع كوبيهما على الطاولة، تلتفت للخلف إلى حيث يقف :" هيه جوزيف! القهوة "
كان لا يزال يقف في مكانه مشدودًا إلى اللوحة، يلتفت أخيرًا ليعود إليها .. يجلس على الكرسي ليحتضن كوب قهوته الدافئ، للتو شعر بالبرودة التي تغلف المكان .. تأمل كوبه للحظات قبل أن ينطق :" والدك مهتم بالفن؟ "
ترتشف قهوتها لتهز كتفيها :" لا .. ليس كثيرًا، إنما هذه اللوحة شدته في يومٍ ما وأخبرني بذلك"
يهز رأسه بهدوء :" أخي رسام .. لكن لا أظنه يعرف من هذا فان جوخ! أو غيره من فناني اللوحات، يرسم فقط ولا يُلقي بالًا لشيء"
يبتسم قلبها وهي تشعر به يجاريها ويخرج من صمته.. يلين صوتها :" أظنه يهتم لأمرك كثيرًا .. كن قويًا لأجله"
يرفع رأسه عاقدًا حاجبيه لتتابع :" في الحقيقة هو من اتصل بالمركز وكان قلقًا عليك.. زودنا بعنوان شقتك فقط للاطمئنان عليك"
تتسع عيناه بداية الأمر، لكن سرعان ما انطلقت منه ضحكة خفيفة هازئة :" أووه ليس هو، هذا أخي الآخر.. الرسام لا يمكن أن يصدر منه فعل كهذا"
تزم شفتها مدركة الأمر، ليتابع بذات الضحكة :" وأنتِ حضرتِ بأمرٍ من المركز كي لا يفقد المكتئب صوابه ويقتل نفسه؟ "
تهز رأسها نفيًا :" لا ليس الأمر بهذه الصورة، صحيح أن المركز كان ينوي تكليف شخص ما.. لكني أحببت أن أقوم أنا بهذا .. أعرف كيف للغربة أن تنهش روحك - تُنزل رأسها لتعبث بمنديل الطعام- أنت لا تدرك كم يُسعدني فعل هذا"
يزفر بقوة ولا يُعلق.. يشرب قهوته الحارة سريعًا ليقف :" شكرًا لكِ"
تقف معه بسرعة :" إلى أين؟ "
يلتفت إليها :" أتممتِ المهمة على أكمل وجه، صدقيني "
يتخطاها ليتجه إلى الباب، يفتحه لتداهمه برودة شديدة جعلته ينكمش على نفسه، يأتيه صوتها من خلفه :" الثلج يتساقط، انتظر قليلًا "
يلتفت نحوها :" بالمناسبة.. كنت فاقدًا الإحساس بالبرودة، أما الآن فأنا أشعر بها تمامًا .. عادة عندما يتملكني الاكتئاب أفقد الإحساس بأي شيء، أدرك أني تجاوزته عندما يعود لي الإحساس بالبرودة أو الحرارة"
يولّيها ظهره ليمشي بخطوات سريعة ..








يقف أمام المرآة متأملًا شكله، يعود ليعدّل شماغه مرة عاشرة .. يتطيّب بعوده، يصله صوت أبيه :" ماشاء الله صاحي بدري اليوم! "
يبتسم ليلتفت إلى أبيه :" ما نمت بعد الفجر، أحس إني مصحصح"
يُدرك ياسر سبب إشراق وجهه، يعلم ما يعيشه ابنه .. يُذكره بنفسه والاضطرابات التي عاشها مراهقًا وشابًا، ونفس الوجع الذي لازمه .. لا يُريد لابنه أن يتعلق بوهم، رفض اليمامة له أشد وطأة من انتظار طويل.. يزفر بشدة ليطبطب على كتف نجد المشغول بتجهيز اللاب توب ومجموعة أوراق :" لا تسرع - وبنبرة لينة - ولا تحسسها بشي "
يلتفت لأبيه بنبرة ضيقة :" يا يبه الله يهديك تعرف إنها عزيزة وغالية علي.. مستحيل أضايقها بشي! "
يغمض عينيه بضيق :" أدري والله، بس الهوى غلّاب"
يغلق حقيبته ويحملها، يُقبل كتف والده وجبينه :" ادعي لي يالغالي"
يتمتم ياسر بدعواته له، يستودعه الله ليضم اسم يوسف البعيد في الدعاء، يخرج نجد من بيته وحفلة صاخبة تُقام داخله.. تنتقل أنظاره إلى المنزل القابع في زاوية الشارع كما كان يفعل في مراهقته .. يتأمل البيت بشغف وكأنه يراها، ماتت الحياة فيه بعد رحيلها المتوافق مع رحيل سيدته نورة .. وها هي تعود لتجعل المنزل والحي وكل الرياض تزهر وتخضّر وتغني.
يركب سيارته وابتسامته تشق طريقها إلى وجهه، لا يمكنه كبحها .. تسير السيارة قليلًا حتى تصل إلى مراده، أخرج هاتفه ينوي الاتصال برقمها الذي يحفظه غيبًا .. لكن تعلقت يده بمنتصف طريقها وهو يرى الظل القابع خلف الباب، تمتد يدها لتفتح الباب .. وها هي تطل عليه لتزلزله، يتوتر .. يزم شفته، لا يعلم ما يجب عليه فعله، يراها تنحدر من المنحدر الصغير بجانب الدرج.. وُضع خصيصًا لها قبل عشرين عام، تتوقف قرب السيارة .. يعقد حاجبيه لوقوفها، يستدرك أخيرًا ليخرج بسرعة من سيارته وينتقل للباب الخلفي من الجانب الآخر، بقربها .. يفتح الباب بربكة، يتوقف بجانبه منتظرًا الخطوة التالية .. تسحب عجلاتها حتى تقترب منه، يمد كفه دون استيعاب ظنًا منه أنها تلك الصغيرة التي تتشبث بذراعه كلما سنحت لها الفرصة.
ترفع بصرها له لترميه بنظرة حادة زادت من توتره ليستوعب كفه الممدودة، يعيدها إليه بسرعة ويشتت أنظاره ، تقترب أكثر لتضع حقيبتها على مقعد السيارة، ترفع جسدها متكئة بيديها وتجلس على المقعد.. يرفرف قلبه أكثر وعباءتها تكشف بلا قصد أسفل قدمها، حذاء رياضي صغير يعلوه خلخال ذهبي ناعم يُزين ساقها .. يغض بصره سريعًا بتوتر لينشغل بكرسيها المتحرك ويضعه في الخلف.
يعود إلى مكانه، يتمالك نفسه قبل أن يعيد تشغيل السيارة .. وبصوت حاول أن يكون واثقًا قدر الإمكان :" شلونك يمام؟ "
تزم شفتيها وهي تغلق عباءتها بإخراج :" تمام الحمدلله"
تسير السيارة قاطعة الطريق الطويل، يرفع نظره للمرآة ليراها منشغلة بشيء ما في كفها :" شلونه خالك وخالتك؟ "
تهز رأسها سريعًا :" الحمدلله، كلهم بخير"
يعقد حاجبيه بضيق وهو يستشعر اختصارها للحديث معه، يزداد ضيقه بسبب الحواجز التي فصلتهما عن بعض.. يرغب وبشدة أن يعيد تلك الأيام الجميلة.
أما هي كانت تسب اللحظة التي فكرت فيها أن ترتدي خلخالها، لم تعتد الخروج بدون خلخال يزيّن قدمها .. تذكر تأنيب خالتها لها بسبب اهتمامها الشديد بقدميها! ، تدرك أنها تبالغ باهتمامها هذا.. أكثر ما يحيّرها في السوق هو نوع الخلخال الذي ستشتريه وأكثر ما تصرف عليه .. حتى أن صندوق اكسسواراتها مملوء بأنواع كثيرة أكثر من العقود أو الأساور .. لا ترغب بأن تُميت قدمها وإن كانت عاطلة عن العمل، تستشعر أهميتها وتعوضها بالدلال نيابة عن إهمالها، تتخير لها أجمل وأغرب أنواع الجوارب.. وأريح الأحذية، ترفع رأسها على صوته الذي قطع تفكيرها بخلخالها :" امممم فطرتِ؟ "
تهز رأسها إيجابًا :" ايه فطرت "
صوتها جميل، ليست أول مرة يشعر بهذا.. لكنه اليوم يبدو لذيذًا على غير المألوف.. يتوقف أمام قهوة (ستاربكس) :" شوي وأرجع"
يخرج لتزفر بقلق وهي تراقب الساعة التي تجاوزت العاشرة إلا ثلث، لا ترغب بأن تتأخر في أول يوم لها.. تعلم ما سينتظرها من قلق وبحث وضياع في ساحات الجامعة الفسيحة، وهو بالمقابل يخرج ليشتري له كوب قهوة!
تلمحه يخرج وبيده كوبي قهوة، يتقدم ليفتح باب السيارة ويدخل .. يزيد من إحراجها وهو يُمسك بكوب قهوة ويلتفت إليها مادًا الكوب لها .. تأخذه بسرعة من الأسفل كي لا تمسّ يده، لتخرج شهقتها سريعًا وتكبحها بشكل أسرع، يبتسم :" حارة! .. امسكيها من الحامي"
تزم شفتها على كلامه، هل يظنها جاهلة بالأمر البديهي؟ أو هل سيظنها تأخذ الكوب من بين أصابعه! .. يعود ليقود السيارة، يعلو رنين جوالها .. يصله صوتها :" هلا ثامر .. ايه مع نجد .. زين، مع السلامة"
تغلق الخط لتنشغل بقهوتها، ينتهي مشوار الطريق بشكل سريع أسرع مما اعتقد.. تلوّح بوابات الجامعة أمامه، يتوقف أمام أحدها ليخرج ويُخرج كرسيها.. تفتح الباب لتستند على ذراعي كرسيها وتخرج إليه، كان ينوي إغلاق باب السيارة إلا أن صوتها جاء قريبًا جدًا :" نجد! شنطتي! "
يزم شفته متذكرًا شنطتها، يسحبها من المقعد لتتلقفها.. كادت تنطق (وقهوتي) لكن بترتها ظنًا منها أنه سيراها بتلقائية .. لكن يبدو أن ربكته لم تسمح له بملاحظة شيء سواها وهاهو يغلق الباب .. حركت كرسيها قليلًا ليأتي صوته :" يمام! متى تطلعين؟ "
يمام :" الساعة ثنتين، بس ... بشوف لثامر لو يقدر يطلع من دوامه"
يقاطعها سريعًا :" لا لا تكلمينه، أنا بجيك بس على ثنتين ونص.. عادي؟ "
تهز رأسها وهي ترجع كرسيها للخلف مستعدة للرحيل :" ايه عادي"
وترحل ...
يتأملها وهي تجر كرسيها حتى باب الصالة، يرى فتاة تعرض المساعدة لتصدها يمام بغضب.. نعم هي تكره هذا النوع من المساعدة، كما كانت .. يتنهد بقوة ليعود إلى سيارته، يخرج من بوابة الطالبات إلى بوابة كليته.. كلية الآداب، يوقف السيارة ليخرج حاملًا حقيبته، وقبل أن يغلقها يلفت نظره كوب القهوة الموضوع بالخلف.. تتسلل يده بتلقائية ليأخذه، يتأمل خطوط شفاهها الملونة بالوردي مرسومة بفتنة على كوبها، يشعر به لا يزال مليئًا بالقهوة .. بدون أن يشعر يرفعه لفمه ليرتشفه.
تتوقف يده فجأة مستوعبًا ماذا يفعل، ماهذه المُراهَقَة والصبيانية التي تملكته؟! أهذا فعلًا ما يشعر به كل عاشق؟ درس الأدب كثيرًا ودرّسه .. قرأ كثيرًا من نوبات العشاق الذين يتحولون فجأة لصبيان ومراهقين، يتراءى له بيت شعري يحفظه جيدًا ( خطيئتي الكبيرة الكبيره .. أني يا بحرية العينين يا أميرهْ.. أحب كالأطفالْ.. وأكتب الشعر على طريقة الأطفالْ.. فأشهر العشاق يا حبيبتي كانوا من الأطفالْ .. وأجمل الأشعار يا حبيبتي ألّفها الأطفالْ)
يُدندن بالقصيدة وهو يرتشف من كوبها متحسسًا أثرها، حتى فرغ منه .. أوجعه قلبه أن يرميه، فتح درج السيارة ليضعه فيها أملًا بأن يعود له في الظهيرة ويخبئه في غرفته الصغيرة.. يُلقي عليه نظرة أخيرة وكأنه يودّعه.
" هلااااا بأبو ياسر! "
يفز سريعًا على صوت القادم من خلفه وطرقه لباب السيارة، يُغلق درجه ليلتفت ويجد خاله يقف خلفه .. :" هلا هلا خالي"
يعقد ناصر حاجبيه :" وش عندك متوزي هنا؟ - ينظر له نظرة لئيمة - لا يكون تدخن من ورانا!"
يضحك بتوتر ليخرج من السيارة ويغلقها :" دخان يا خالي؟ - يسير معه - الله يصلحك، لو إنه دخان شميت ريحته"
يضحك ناصر :" وانت وش فيك خفت؟ كنت أمزح معك .. بس واضح وراك بلا"
يضحك ضحكة خفيفة ليُنسي خاله الأمر، يسيران معًا حتى يدخل نجد كليته ويفترق عن خاله الذي أكمل طريقه إلى كلية الحقوق والعلوم السياسية..
يدخل قاعة البث المباشر، يجلس على كرسيه ويتأكد من إغلاق الكاميرا .. يدندن بخفة وهو يفتّش أوراقه، تروق له المحاضرات التي يلقيها لطالبات، على عكس الطلاب .. التفاعل كبير واهتمام أكبر خاصة أن طالباته هذه المرة مستجدات، كما أنه متى ما ضجر من الأسئلة يمكنه أن يتظاهر بأنه لا يسمع وأن البث لا يصله .. يُخرج كشف الطالبات ليمرر عينه سريعًا عليه بتلقائية، يعود لتشغيل الكاميرا المنصوبة أمامه مع مكبر الصوت :" السلام عليكم "
تصله أصوات بعيدة ترد السلام، يزم شفته :" اممممم الظاهر ما زال الحضور قليل! وش هالاستهتار يا بنات! انتو كبرتوا الحين ما عادكم طالبات مدارس! .. المرة الماضية مشيتها ولا حضّرت، لكن من اليوم نبدأ النحضير .. "
يُمسك بالورقة، يفتحها .. يبدأ بنداء الطالبات واحدة واحدة، يزيد استياؤه لتغيب الكثير.. :" نورة محمد السالم ... ريم مو***- يتوقف فجأة، يعقد حاجبيه وهو يقرأ الاسم مرارًا بداخله، ينتابه شعور قاتل يخنقه .. لا يمكن أن يكون هو! .. -
يصله صوت رقيق :" دكتور ريم إيش؟ في ثنتين ريم هنا .. "
يتنفس، يزفر وهالة سوداء تغطي وجهه .. ينطق بصوت مختلف تمامًا :" الطالبتين اللي اسمهم ريم، ممكن تعطوني أسماءكم من جديد .. مو واضحة عندي"
" ريم محمد العلي "
يزيد شده للقلم وهو يسمع الصوت الآخر :" ريم موسى الحمد "
يرفع رأسه قليلًا حتى توازي الكاميرا :" ريم، بنت الدكتور موسى الحمد؟ "
تبتسم، هي تعلم أن والدها شيخ كبير يعرفه معظم الناس.. ودائمًا ما يوجه لها هذا السؤال :" ايه دكتور بنته"
شيء ما يفيض في صدره ويحرقه، يزفر بضيق ليضع الورقة جانبًا .. يبدأ محاضرته بثقل كبير، يختصر ردوده .. يقول ما لديه ويتظاهر بعدم السماع في معظم الوقت، يمضي الوقت بطيئًا وهاهو يلم أوراقه :" أحتاج طالبة أتواصل معها في حال استجد شي "
يأتي صوتها سريعًا :" أنا دكتور .."
يعقد حاجبيه :" أنتِ مين؟ "
:" ريم موسى "
يغمض عينيه بشدة، ما هذه الكارثة التي حلت عليه؟ لا مفر بأن يردها .. :" زين، ارسلي لي رقمك على الإيميل الجامعي"
يخرج من المكتب بضيق شديد، ينوي التوجه للمطالبة بتبديل شعبته.. لكنه يدرك تمامًا أن هذا مستحيل، معظم زملائه يتهربون من شعب الطالبات، لن يجد بديلًا .. ولا مفر من بنت الشيخ!


-




يتملص من دوامه، يتحجج بحجج واهية ليسمح له مديره أخيرًا .. وها هو يجلس في صالة الزيارة على الطاولة منتظرًا قدوم خالد، يبتسم وهو يراه يدخل برفقة بعض السجناء والحراس، يقف مستقبلًا إياه :" السلام عليكم"
يتقدم خالد ليصافحه، يبتسم ابتسامة ميتة :" وعليكم السلام"
يجلسان متقابلين، ليبدأ سؤاله المعتاد :" شلونها رغد؟ "
يهز رأسه إيجابًا :" بخير الحمدلله، متى ما احتاجت شي دقت علي"
يهز رأسه الآخر :" صبرت كثير علينا ثامر، هانت ما بقى إلا القليل"
يزفر بضيق :" خالد! .."
يلتزمان الصمت ، كل منهما يواسي همه.. خالد الذي يخطط ليوم الرحيل ويحسب حساب حتى الطعام والعصير الذي سيحتاجانه.. وثامر الذي يتآكل قلبه بسبب هم الآخر، بدا خائفًا من لحظة خروج خالد.. من تفكيره الجهنمي، ومن ردة فعله حال معرفته طبيعة العلاقة بينه ورغد، يشبك أصابع كفيه ببعضها :" خالد .. الفكرة اللي براسك ما ودك تلغيها؟ "
يعقد حاجبيه قليلًا، يفهم مقصد ثامر تنطلق منه ضحكة سخرية :" ثامر؟ "
يزفر بضيق شديد، يميل بجسده للأمام قليلًا حتى يقترب منه :" أخاف ينعاد كل شي! هذي مجازفة خالد ما تضمنها"
يهز رأسه نفيًا وهو يلبس نظارته :" الموضوع منتهي، وكل شي ماشي صح.. مستحيل ألغيها دام النمل طلع من حجره"
تتحول ملامحه للاستياء وهو يفهم ما يرمي إليه خالد، (النمل) عمها الخارج من السجن قبل عشر سنوات .. يزفر بضيق ليعود بأنظاره إلى خالد الذي نطق بثقة كبيرة :" ثامر صدقني كل شي بيصير نفس اللي نبيه، أبيك بس تصبر هالكم شهر "
يهز رأسه إيجابًا بضيق، ينتهي وقت الزيارة .. يودعه ويوصيه على رغد، ويخرج محملًا بهم أكبر



-


تتوقف السيارة أمام المنزل، يلتفت خلفه ليراها بنفس وضعيتها قبل عشرون دقيقة.. مائلة على النافذة تنام باستسلام وتعب، يبتسم بحنو.. يتمنى لو يتوقف الزمن هنا وتبقى خلفه تنام باطمئنان، أخذها من مقرها لتدخل السيارة وعلامات الضيق والتعب تغطي صوتها، يسألها مستفهمًا عن يومها الأول لتجيب باقتضاب.. يعود ليسألها مجددًا عن نكهة الآيسكريم التي تفضلها، لكنها لا تجيبه وتدخل في نوم عميق.
يفتح باب السيارة، يُحضر كرسيها من الخلف .. وما أن همّ بفتح الباب تفز بخوف لتستيقظ، تعقد حاجبيها .. تستوعب موقفها، تعتدل بجلستها لتعدل نقابها، يبتسم وهو يقف متكئًا على بابها :" صح النوم! "
تزم شفتيها بتوتر، لا ترد .. يُقرب كرسيها منها لتنزل إليه وهي تسحب حقيبتها، تجر عجلاتها حتى تدخل المنزل.
يودّعها بعنينه وابتسامة كبيرة ترتسم على وجهه، يعود لسيارته متجهًا إلى بيته .. يكاد يجزم بأنه أفضل يوم جامعي على الإطلاق، لا يزال يحمل رائحتها فيه.. يشعر بها خلفه.
يفتح درج السيارة ليأخذ كوبها ويضعه بين أشيائه، يخلع شماغه ليغطيه به.. يدخل البيت بوجه مشرق مفعم بالحيوية :" السلام عليكم .. وش هالريحة الزينة؟ "
يبتسم أبوه الذي يجلس أمام ناصر، يقترب نجد ليقبل رأس أبيه :" وخالي حلا له بيتنا؟ كل يوم ناط عندنا؟ "
يبتسم ابتسامة ميتة، لا يرد .. يرد والده مستاءً من كلامه .. يضحك ويغادر نجد إلى غرفته، يرمي حقيبته على مكتبه الصغير، يأخذ الكوب المتخفي تحت الشماغ .. يتأمله مجددًا بمشاعر ملتهبة، يدسه في صندوق أسفل المكتب.. ليخرج إليهما، يرفع أكمامه لينضم إليهما..
يتبادل مع والده أحاديث روتينية، وخاله يلتزم الصمت ..
يعقد حاجبيه ياسر :" ناصر"
يرفع رأسه ليزفر بضيق، لا طاقة له بتحمل المزيد .. ياسر وحده من يعي ألمه :" موسى الحمد "
يرفع ياسر رأسه بسرعة، كهرباء باردة تسري بجسده .. منذ مدة وزمن طويل تناساه ناصر، هل عاد الذكر المشؤوم؟
يبتلع لقمته نجد ليلتفت إلى خاله :" وش فيه بعد؟ صادفته؟ "
يحك جبينه بإبهامه بضيق :" لا الله لا يقوله ويقطع طاريه وطاري عايلته "
لا يعلم مدى الألم الذي سببه لياسر، عائلة الحمد .. رفاق الطفولة وأخوة الشباب ووجع الكهولة، يتابع ناصر :" بنته أثاريها طالبة عندي"
يزم شفته نجد :" الدنيا صغيرة والله .. بس حط ببالك خالي إنها طالبة عندك"
يزفر بضيق :" يعني أنا بايعها عشان أأذيها؟ .. والله من شفت اسمه والدنيا قالبة عندي"
يخرج صوت ياسر ثقيلًا :" يكفي ناصر، بتقتل نفسك وانت باقي واقف بالماضي وتحمّل ناس مالها دخل الذنب"
يغطي وجهه السواد، ينطق بقلة صبر :" أنا يا ياسر؟ .. انت تعرف إن لو لا موسى كان قدرت آخذ بحق أخوي وتهدا النار بقلبي! "
يتدخل نجد موجهًا حديثه لوالده :" يبه لا تلومه، لو أنا مكانه ما برضى يروح دم أخوي هباء.. وهو خالي اللي ما أعرفه قلبي مو مسامحهم، كيف تلوم خالي ناصر وهو أخوه الوحيد ! "
تنتقل أنظاره لنجد، تتعلق عيناه به .. ليتابع ناصر بضيق :" الجوزاء الله يرحمها ماتت وقلبها محروق، شلون يطاوعك قلبك تنسى؟ "
لا يسمعه، لا تزال عيناه متشبثة بنجد، وكأنه يستنجد به بأن ينهيا الحديث.. ترف عين نجد وهو يشعر بما ألمّ بوالده، يقف بسرعة :" يبه بخير؟ "
يُمسك برأسه وصداع شديد يدكه، يغمض عينيه علّه يهدئ منه .. يحاول الوقوف لكن دوار شديد داهمه، يشعر بيد نجد التي أسرعت له تمسكه وتسنده، يوصله إلى غرفته ويساعده على الاستلقاء في سريره .. يناوله دواءه، يهدأ صداعه .. يجلس بجواره ممسكًا بكفه :" يبه بخير؟ "
يغمض عينيه لوقت، يهز رأسه :" بخير .."
تنتابه نوبة نوم لا يعلم مداها، حتى استيقظ على همسات نجد التي تردد الدعاء، يشعر بشفاه نجد التي تقبل كفه ثم ترتفع إلى جبينه، يطلق تنهيدة حارة آلمت نجد قبل أن تؤلمه هو .. يفتح عينيه لتصطدم بنجد الذي ينظر له بقلق ممزوج بحب كبير ويده تمسح على شعره بحنان الأب والابن .. :" يبه أفضل؟ "
يكرر سؤاله كثيرًا خشية من جواب يؤلمه :" الحمدلله .. "
تتسلل لوجهه ابتسامة وهو يزيد من شده لكفه:" الحمدلله "
يجلس لوقت طويل بجانبه، حتى هدأ صداعه، يتوقف نجد ينوي تغيير ملابسه بعدما اطمأن على أبيه .. يشعر بكف والده التي شدت عليه، يلتفت بسرعة :" هلا يبه آمر "
حكت عيناه الوجع الذي يسكنه، يدرك نجد أن حديث خاله السبب.. وخاصة بحديثه عن وجع أمه، وكأنه يتهم أباه المتيم بحب أمه بأنه لا يهتم ويكترث! .. يصل صوته ثقيلًا :" نجد عيني.. أبي منك وعد"
تدق طبول قلبه بقلق، يعود ليجلس :" كل الوعود لك اعتبرها منفذة"
تتعلق عينيه به وكأنه يشك، يشد عليه نجد ليهمس ياسر :" مهما صار ومهما بيصير في المستقبل، حتى لو اندفنت أنا تحت التراب .. لا تشارك بقضية دم خالك"
ترتعد عيناه بخوف، ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل؟ قضية خاله المغدور مر عليها الزمان وطواها .. لا تُذكر إلا كلما أشعل القهر قلب ناصر، يهز رأسه :" لا تخاف يبه، أصلًا القضية منتهية من زمان .. خالي ناصر يتكلم بس من حرقة قلبه"
ترف عينه بتعب :" أدري .. بس أبيك توعدني لأتطمن"
يقبل كفه :" وعد، - يبتسم ليخفف من ألم والده - كل اللي تبيه أوعدك أكون عليه"
ياسر بذات النبرة الذابلة :" خالك نجد الله يرحمه مافي أعز من صحبته عندي، بس ماعاد يفيد هدر الدم "
يهز رأسه بسرعة ليطمئن والده :" ايه يبه، لا عاد تفكر بالموضوع .. وخالي ناصر بقص لسانه لا طرا هالطاري عندنا"
يهز رأسه على مضض، يغمض عينيه هاربًا من كل شيء.. يقبله نجد ليغادر الغرفة، يزفر بضيق وهو يرى خاله مستلقي على المقعد، يفز سريعًا على خروجه :" شلونه؟ "
يتقدم ليجلس أمامه :" أفضل.. - يعقد كفيه - خالي هالموضوع لا عاد تطريه قدام أبوي"
يفرك عينه بضيق شديد، حتى أقرب الناس إليه يفر منه :" ابشر ... أبوك عرفت علته"
يتابع واهتمام نجد يزيد :" كانوا أصحابه، والظاهر للحين صحبتهم باقية بقلبه - يقف ليسحب شماغه وأوراقه وبضيق شديد- كنت أظن بعد اللي صار عرف صاحبه وعدوه .. لكن ! "
يلتفت على نجد :" قفل الباب وراي "
يخرج تاركًا خلفه نجد بدوامة قاتلة، تحول يومه المليء باليمامة .. وصوت اليمامة، إلى توتر حاد بين أبيه وخاله وأسئلة كثيرة تؤرقه.



-



تفتح مكبر الصوت لتضع جوالها على علبة السكر، تزفر بضيق وهي تحضر القهوة :" خلاص بقفل، أخاف يدق ويلقى الخط مشغول! "
يصلها صوته :" عادي، قولي له صديقتي ولا أي شي"
ترفع حاجبها :" صديقتي؟ عبدالله كم مرة قلت لك ما عندي صديقات، ما عندي خوات، ما عندي إلا هو! "
يصمت قليلًا، ليعود صوته هادئًا :" آخ بس .. رغد، أمانة فتحي عقلك شوي وخليك معي.. معليش والله بس وش هالوضع اللي تعيشينه؟ يا رغد يا حبيبتي ترى مافي أحد يرضى بهالوضع.. أمانة أنتو عايشين معنا بالسعودية؟ اوكي مو لازم السعودية.. ببلد عربي؟ عند ناس مسلمين؟ .. بقول شي بس لا تزعلين"
تكتف يديها وأنظارها تتأمل القهوة الذهبية :" قول"
يبدو مترددًا، لكن ينطلق بضيق :" رغد مع احترامي الشديد بس أنتِ إنسانة يستغفلونك وأنتِ بيضاء .. زين قلنا خالك المسؤول عنك مسجون، طيب كيف يتركك كذا مع شاب أعزب؟ لحظة أصلًا حتى لو متزوج! .. صدقيني خالك مريض، ما ودي أفتح عقلك على أشياء واضح أنتِ ما تفهمينها بس خالك وخويه هذا نقمة عليك"
تقاطعه قبل أن يتم كلامه وهي تمسك الجوال :" عبدالله! .. وش هالتفكير؟ ترى ثامر هذا بحسبة أخو خالي"
" بحسبة خالك؟ - يضحك ضحكة سخرية مستنكرًا - رغد يا عمري والله أنتِ فعلًا بسيطة ونيتك طاهرة.. بقولها بصراحة، أنا رجال.. وأعرف الرجال كلهم وتفكيرهم، لا تحاولين تقنعيني بهذا أخو خالي بأخوي .. يا ماما صحصحي، مافي رجال طبيعي كذا! .. هذا شي مفطورين عليه، يمكن انتو البنات عاطفيات وما تفكرون إلا بقلوبكم .. لكن الواقع يقول الرجال غير! "
تُمسك رأسها بألم من ثرثرته، هو لا يفهم شيء :" طيب عبدالله يعني انت مثلهم؟ مثل كل الرجال بنظرتك؟ "
يصمت قليلًا، يعود صوته هامسًا رقيقًا :" الإنسان الطبيعي يحب بقلبه، بس ما يكتفي بحب القلوب .. الحب يحتاج يتغذى، اوكي أنا أحبك وتعرفين هالشي .. بس أبيك، أنا فعلًا أبيك.. ما يكفيني مجرد حب بعيد، أبي يجي اليوم اللي تكونين فيه معي.. تعوضيني وأعوضك - يصمت للحظات، تزم شفتها بتوتر من كلامه وصوته، يتابع- رغد ما تعرفين شكثر أتعذب أكثر بعد ما أكلمك، تجيني حالات أحس إني بخطفك ما أتحمل، بس أتمنى أشوف عيونك وتمسكين يدي... آخخخ بس خلاص ما عاد بتكلم"
تمسك خدها لتلاحظ اشتعاله، يرق صوتها مجبرة :" عبدالله خلاص! "
" أنا بكل مرة أكلمك أضغط على نفسي، مابيك تشوفيني بنظرة سيئة .. مابي هالحب يتحول لشي مبتذل، أحاول أتماسك عشانك بس، أعرف شكثر أنتِ بريئة.. - يهمس بنبرة قلقة- وأخاف عليك والله منهم، من خالك ومن هاللي اسمه ثامر"
تغمض عينيها لتفركها بتوتر :" والله يا عبدالله أحلف لك بكل شي ثامر إنسان منشغل بنفسه .. ما يشوفني أكثر من أخت، كم سنة وهو قدامي .. عمره ما تجاوز حدوده"
" ما تجاوز حدوده؟ رغد لا تجننيني! مو أمس تقولين كان عندك وساعدك بتركيب المكتب الجديد؟ "
تهز رأسها :" ايوه وش فيه؟ "
" آخخخخ يا رغد، الله يلعنهم .."
تقاطعه سريعًا :" لا تلعن! خالي يقول قولي كل شي بس لا تلعنين"
يضحك هازئًا :" وااااو! والله فيه الخير يعلمك.. مفروض دامه خايف عليك لهالدرجة يعلمك الحدود، يعلمك تجلسين مع مين وتكشفين على مين .."
تقاطعه بضيق :" يالله ليتني ما قلت لك، انت مستحيل تفهم"
" والله يا حبيبتي أنتِ اللي مستحيل تفهمين، أنتِ الملعوب عليك .. مستحيل أرضى على خواتي هالشي، مافي رجال طييعي يرضى اللي يصير لك .. هذا خالك مع احترامي (ديـ***ث) "
تعقد حاجبيها باستغراب من الكلمة، تعي أنها من السباب، لكن لا تعي معناها :" عبدالله وش يعني؟ "
يأتيها صوته مصدومًا " وش يعني؟ .. رغد .. أنتِ حياتك ضايعة، محرومة من الدراسة محرومة من الطلعات ومحرومة من صديقات.. ما عندك تواصل بالعالم الخارجي طبيعي ما تعرفين أبسط الأمور، أنا فعلًا حزين عليك.. بس تعرفين، تقدرين تبلغين بالشرطة .. صدقيني بيتلونهم من رقابهم هالمجرمين الاثنين، أنتِ مسكينة ما تعرفين أبسط حقوقك اللي حارمينك منها.. خالك وهالصايع الثاني لو عرفوا عنهم بياكلونها بالسجن بقضايا تعنيف وحرمان وقضايا أخلاقية دينية "
تغمض عينيها بتشتت، ماذا يقول عبدالله؟ ما الجرم في حياتها؟ .. يصلها صوته مجددًا :" رغد والله يهمني أمرك، فوق ما تتصورين .. أقدر أساعدك، صدقيني بس يبي لك خطوة شجاعة وبكون معك .. والقضاء بينصفك، لا تخافين .. والله حالتك ما تسر لا عدو ولا صديـ***"
تغلق الخط بسرعة وتوتر وهي تسمع صوت طرقات الباب، تعض شفتها :" يااااويلي "
تفتح جوالها مجددًا لتحذف المكالمة الأخيرة، تتركه جانبًا لتسرع إلى الباب .. تفتحه بعد ما أخذت شهيقًا طويلًا .. تبتسم بتوتر وهي تراه يقف عاقدًا حاجبيه بضيق :" هلا ثامر "
يتقدم خطوة إلى الإمام ليُمسك الباب ويغلقه خلفه.. يستند عليه بذراعه :" كنتِ تكلمين مين طول هالوقت؟ "
تزدرق ريقها :" امممم .. وحدة من بنات الدورة اللي قلت لك سجلت بها بالواتس"
يرتفع حاجبه :" كل هالوقت؟ .. صار لي داق عليك أكثر من ثلاث مرات"
تخطو للخلف وتلقيه ظهرها :" يوه والله ما انتبهت "
يستند على الباب بظهره ضامًا كفيه للخلف :" رغد "
جميع المصائب تجمعت في رأسها، هل عرف؟ هل يراقب مكالماتها .. تلتفت إليه :" هلا "
تضيع عيناه في عينيها .. تتوتر، تشعر به يقرأ ما فيها، يشتت أنظاره وهو يزفر :" خففي علاقاتك بالبنات، شي حلو تسجلين دورات بالنت تشغلين وقتك .. لكن لكل شخص مكانه، بنات عرفتيهم بدورة يُفضل ما تتخطى العلاقة الدورة "
يعود لها صوت عبدالله (أنتِ مسكينة محرومة من أبسط حقوقك .. لا علاقات لا صديقات) ينتابها ضيق شديد :" ثامر! .. يعني أكلم الجدار؟ محرومة من كل شي! حتى الحياة بتحرمني منها! "
يعقد حاجبيه بضيق من كلماتها الجديدة :" محرومة؟ .. - يعتدل بوقفته - يكون بعلمك هذا كلام خالك، ويكون بعلمك مافي أحد كثره يخاف عليك .."
تقاطعه بغيض مكتفة يديها :" طبعًا ما في غيره! .. أصلًا مين غيره سامحين لي أعرف؟ ولا أحد .. بس انت وهو .. لا وانت والجدار واحد! "
تطير حواجبه بدهشة، ما بالها رغد، يهمس :" أنا والجدار واحد؟! "
تهز رأسها إيجابًا :" ايه .. "
يصمت لبرهة، يتأملها ليدرك مزاجها السيء .. تبحث عن شخص ما تتجادل معه، ولا أحد سواه .. يتقدم ويتخطاها، يجلس على المقعد :" رغد .. تعالي اجلسي "
تلتفت لتواجهه، صوت عبدالله يعلو بداخلها .. :" ما أبغى .. ولو سمحت اطلع"
يريح ظهره على الكرسي، يكتف يديه :" رغد اجلسي عشان أفهم وش فيك"
ترفع أنظارها إليه، لا تعلم سبب الدموع التي تجمعت بداخلها .. تشعر بضياع كبير، باتت حتى لا تعلم من هي، يطبطب بكفه على المقعد بجواره يدعوها للجلوس .. ضياعها يشتد وحاجتها للإجابة عن الأسئلة تزيد، تخطو لتتقدم إليه .. تجلس بجواره يفصلهما ذراع الكرسي، يلتفت بجسده ليقابل كتفها :" ممكن تقولين لي وش فيك؟ "
تبتلع غصة حارة، تحاول كبت دموعها .. بصوت ضعيف :" ما أدري.. أحس إني ضايعة، مالي هدف بالحياة .. لو أموت أبرك لي"
يهمس سريعًا :" بعيد الشر .. خالك يحسب الليالي ليلة ليلة عشان يطلع ويشوفك"
ترفع بصرها بتشكيك :" أنا حتى ما عاد صرت أعرف خالي"
يعقد حاجبيه :" مو يكلمك أسبوعيًا؟ "
تهز رأسها نفيًا :" مو قصدي، بس .. ما أدري ما عاد أفهم شي، أخاف يطلع وألقاه مو نفس القديم - تسقط أول دمعة منها - ثامر، خالي تاركني من تسع سنين ونص! ما عاد أعرف حتى موقفي اتجاهه! "
ترق نظرته، يؤلمه بكاؤها .. والشتات الذي تعيشه، يهز رأسه :" خالد هو نفسه اللي تعرفينه، بس زاد حبه لك"
تمسح دمعتها لتتعلق عيناها بعينيه، سؤال يولد في فمها أثاره عبدالله.. تعجز عن رده :" ثامر بسألك"
يعقد حاجبيه منتظرًا سؤالها، لتفجره بوجهه :" ترضى تكون خالتك اليمامة بمكاني؟ "
تتسع عيناه، أصابته صدمة من سؤالها الذي لم يتوقعه .. يشتت أنظاره، يعود إليها .. تتلهف لسماع جوابه، لا مفر من الهرب .. يزم شفته ليطلق تنهيدة حارة :" لا"
وكأن تنهيدته الحارة حرقت وجهها ليذبل سريعًا، يعود مستدركًا :" رغد .. وضعك مختلف كليًا، تعرفين المشاكل اللي صارت لك واضطرت خالد يسوي كل هالشي .. مو بيده يطلع من السجن أو يدخله"
تقاطعه بسؤال أشد وطأة :" ثامر وش يعني (ديـ***ث) ؟ "
يتلون وجهه بصدمة، يفتح فمه غير مستوعب لسؤالها.. لو كان صادرًا من فتاة لا تتجاوز الثامنة عشر لاستطاع التملص منه، لكن من شابة تتجاوز الخامسة والعشرين! يشتت أنظاره بتوتر، يستوعب حجم الخطأ في كونها منعزلة عن الناس والمجتمع، يمسح وجهه بضيق شديد :" رغد من وين سمعتيها؟ "
لا تزال تثبت أنظارها عليه منتظرة الجواب، تنطق بشكل سريع :" من تويتر"
نعم، برنامج العصفور الأزرق .. جالب المصائب، يمنعونها من الحياة متناسين الكارثة التي توصلها إلى العالم الآخر، العالم الافتراضي .. يزفر بضيق، ينزل رأسه .. لا يرغب بأن تسمعها من غيره :" هي من الكلمات اللي تدخل بالقذف من شدة سوءها... هي لما .. - يتردد في نطقها، لكنه يعود بتشتت - لما تموت الغيرة من الإنسان ويرضى يشوف أهله ومحارمه بأسوأ الأوضاع"
يرفع رأسه راجيًا أن يكون تبسيطه في محله، يرى التشتت في عينيها :" شيء قبيح جدًا، لا تفكرين فيه"
يقف :" بروح الحين، بس .. حاولي تخففين من تويتر ومن صحبة النت، النت بلوة الزمان "
ترفع أنظارها إليه مستعيدة كلماته، يأمرها بأن تهجر حتى متنفسها الوحيد.. متى سيأتي اليوم الذي سيقول لها (لا تتنفسين، ترى التنفس فيه بلوة) لا تستبعد هذا منه ومن خالها إطلاقًا!
يخرج لتلحقه وقبل أن تغلقه يقف قليلًا وبصوت ذا معزى :"رغد، أنتِ غالية وبحسبة يمامة.. ما بتلقين شخص يخاف عليك كثري إلا خالك"
وييتعد، تعود لغرفتها .. يعود لها كل شيء، بداية من حديث عبدالله .. عبدالله الشاب الوديع، تواصل معها هو بداية على تويتر يُبدي إعجابه برسمها .. محادثة تتلوها محادثة، علاقة يومية .. انتقلت إلى الواتساب، ثم إلى مكالمات متفرقة، لا تحبه .. لكنها تشعر معه بتقارب فكري، نافذتها للحياة الأخرى.. تعلقه الشديد بها تحبه وتكرهه، تحب كونها فتاة مرغوبة .. وتكره كونها تعلق شخصًا بها وهي تدرك نهاية هذا التعلق.
حتى حديث ثامر الأخير، شتات كبير وخوف أكبر يداهمها، ما دورها في الحياة؟ .. من يصدق ومن يكذب؟ خالد وثامر أم عبدالله؟ يبدو الأخير أكثر واقعية ومنطقية ..


-



يقف متكئًا على السياج الحديدي الذي يفصل الشارع عن الرصيف، يرى وجه والده على الشاشة .. يبدو متعبًا، يبتسم :" لا عاد تشيل همي يبه، أنا بخير"
يزم ياسر شفته بقلق :" غصب عني يا ولدي "
يهز رأسه :" تطمـ...."
يبتر كلمته على الصوت القادم من خلفه :" جوووزيف! "
يعقد حاجييه وهو يراها تبدو متحمسة وهي تتابع :" كنت متأكدة أنك ستأتي! "
ينقل نظره لجواله ليرى والده ينظر بدهشة، يعود بنظره لها :" سوري .."
تعض شفتها وهي ترى الشاشة مفتوحة بمكالمة فيديو يظهر فيها رجل كبير :" أعتذر "
يعود لوالده :" يبه آسف مضطر أروح الحين"
يبتسم ياسر :"ايه يا ولدي، وش عليك عندك اللي يكفيك"
يعقد حاجبيه بضيق :" يبه هذي تشتغل بالمركز بس"
يضحك ياسر :" ايه عارفك والله .. بس الله الله، راعي ربك بكل نظراتك وخطواتك"
يبتسم :" إن شاء الله، لا تخاف"
يودع والده ليغلق جواله، يلتفت إليها ليراها خلفه تنظر بإحراج :" يا إلهي أعتذر جدًا "
يهز رأسه نفيًا :" لا بأس"
تبتسم وهي ترى تغير وجهه، خروجها برفقته قبل يومين أنقذه! :" هيا ندخل"
يضع كفيه بجيبه ويسير بجانبها إلى بوابة المركز، حديثها ذاك .. كان كالمنقذ من الغرق، استعاد وعيه وإدراكه ليحاول تصحيح ما فاته ..



*•


" ليتهم حينما أسرجوا خيلهم
وتنادوا إلى ساحتي
أوقدوا نارهم تحت نافذتي
واستراحوا.."
- سيد البيد




سنة خير وبركة إن شاء الله على الجميع ♥
بالمناسبة لم أراجع أي جزء من الفصل، وكلي أمل بأن تكون خالية من الأخطاء السردية أو اللغوية 🙏🏼💔

لي عودة إن شاء الله صباحًا للتعليق على ردودكم الجميلة، حقًا أدهشتني التحليلات.

اللهم سنة مليئة بالحب والخير لوطني الحبيب 💚 ولجميع الأقطار العربية والعالمية، كونوا بخير ♥




Laila1405 and عقل like this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-18, 03:03 PM   #23

زينه 4

نجم روايتي ومشاركة بمسابقة الرد الأول وابنة بارة بأمها

 
الصورة الرمزية زينه 4

? العضوٌ??? » 372378
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 3,418
?  مُ?إني » قلب امي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » زينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
يمّه على داعيك يزداد قدّي بك افتخر يا ملهمه يا عظيمه
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

مازالت الروايه يلفها الغموض

كمان يوسف وحالة الاكتياب بعد موت امه !
والفتاه التي تعمل في المركز ! من تكون ! وهل لها علاقة بالماضي !
نجد وعشقه لـ يمامه رغم انها مشلوله وتمنع اليمامه ورسميتها معه لانه يبدوأ لي أن يمامه ذات كبرياء وشموخ ولاتحب الشفقه من احد لـ ذلك رفضت نجد لانها تتوقع أنه شفقان عليها مع أنى متاكده أن يمامه تكن لـ نجد الحب ولكن ترفضه لانها بنظرها من يريد الزواج منها لايريد سواء الاحسان والشفقه !
ومدري ليه حاسه أن نجد بيتورط في قضية خاله نجد المتوفى ! وناصر بيورط ابنة الشيخ حتى ينتقم من العائله توقعت ي تصيب او تخيب
عاشت الايادي للكاتبه وسلمت يد الناقله

لامارا and Laila1405 like this.

زينه 4 غير متواجد حالياً  
التوقيع

كل يوم حكاية تسرد على مسامعنا مزيدا من أمل
تخبرنا بأن ما عند الله أفضل
تجعلنا نتفائل ...💛💭
رد مع اقتباس
قديم 15-09-18, 08:26 AM   #24

Zo12z

? العضوٌ??? » 418383
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 42
?  نُقآطِيْ » Zo12z is on a distinguished road
افتراضي

بارت هادي وتمهيدي للبارتات الجاية بداية التقاء خطوط يوسف وبنت الصحراء ( حاسة ان اسمها مفاجأة ) نجد ويمام ويمكن ريم وناصر

* احس ان بنت الصحراء لها علاقة في يعقوب لأنها تقول اكتسبت خبرتها من شخص غالي , وفي الماضي الوحيد اللي كان مضطرب هو يعقوب ، كمان الصورة اللي تتكلم عن يوسف عليه السلام واخوانه اللي حكى لها ابوها مع انه مو مهتم بالفن ومع ذلك اهتم بالصورة اللي تتكلم عن (يوسف)

تحياتي للكاتبة الخلوقة ❤

لامارا and Laila1405 like this.

Zo12z غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-18, 11:08 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


//





*•
الورقة السادسة

*•

يستيقظ من نومه، يفتح عينيه بثقل.. يغتسل ويرتدي ثيابه، يرتدي معها الصبر .. باتت الأيام ثقيلة على قلبه، خاصة تلك الأيام المجدولة بمحاضراته للطالبات.. يجلس على مقعده منتظرًا قهوته، يرفع رأسه لتصافحه الصورة الكبيرة على الجدار، تذكره وتجدد وجعه .. والده يجلس على كرسي حاملًا على فخذيه طفل صغير لم يتجاوز العامين، يضع كفه الأخرى على طفلة صغيرة جميلة .. أخته الجوزاء، أمه التي لم يعرف سواها .. يقف خلفهم مراهق كبير، تتسع ابتسامته وكأنه يحيي أخاه الذي تركوه وحيدًا ورحلوا، ابتسامة عذبة تؤرقه .. سنين عمره تنقضي وهذه الابتسامة لا تزال تؤرقه، لم يعش مع أخيه كثيرًا.. قُتل مغدورًا وهو -ناصر- لا يزال في الحادية عشر من عمره، كان صغيرًا بأن يطالب بحق أخيه.. وكبيرًا لدرجة أن تؤرقه هذه الصورة، لا يزال يذكر ذلك اليوم المشؤوم .. بكاء الجوزاء حتى جفت عيناها، الصاعقة التي سقطت على ظهر أبيه حتى ذبل بليلة وضحاها .. حديث الشهود، يؤكدون مقتل المدعو (يوسف) بالخطأ على يد نجد، ومقتل نجد المتعمد على يد الشيطان (يعقوب)، وبكل بجاحة يأتي المدعو الآخر ليطلب منهم التنازل عن القصاص مقابل أن يتنازل هو عن الدية الواجبة في حق دم يوسف، لكن الدم دم .. والمال مال.
لا يزال يذكر السنين التي تلت الحادثة، النار التي تأججت فيه كلما كبر.. كيف قُلبت الدنيا والجميع يبحث عن العدالة، عن رقبة يعقوب.. لكن وكأن السماء انتشلته منذ تلك الليلة، حتى موسى ينفي معرفة أين هو .. والجميع يدرك كذبه، وأوراق القضية لا تزال تنتظر عودة الجاني حتى يقام فيه القصاص.
وبقيت تلك الصورة عالقة في عينه، تذكره ألا ينسى .. وجع أبيه الكبير الذي لحق بابنه بعد عامين، حزن الجوزاء حتى انفطرت عن الحياة.
يزفر بشدة ليصب له فنجان قهوة، يأكل التمر كعادته كل صباح.. يفتح هاتفه، يراجع الرسائل.. رسائل جماعية مملة، اجتماعات لمجلس القسم والكلية، بعض طلبته يستفسرون.. ورسالة وحيدة من ذاك الرقم (ريم - شعبة الطالبات) : ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته دكتور ناصر، الطالبات يسألن ما إذا كانت المحاضرة الأخيرة داخلة ضمن الاختبار أم لا .. مع اعتذاري الشديد لإرسالي في هذا الوقت).
دائمًا ما تتحدث معه بالفصحى وكأنها تُبقي الحواجز في مكانها .. وهذا ما يُريحه، تثبت نفسها وتتفوق على الجميع.. تُبدي قوة الحجة ومعرفة واسعة بالقوانين والأحكام الشرعية وتفصيلاتها، ليس غريبًا وهي ابنة الشيخ، ينظر لوقت إرسالها ليجدها الساعة 11 ليلًا .. كان قد غط في نوم عميق، وكعادة الطلاب والطالبات.. يمكرون بسؤال كهذا في ليلة الاختبار، حتى يضطر الدكتور لإلغائه متحججين بعدم رد الدكتور، يكتب سريعًا (كما اتفقنا، نعم معكم ولا مجال لإلغائها إطلاقًا)
يخرج من المحادثة ليذهب إلى خانة الحالات بتلقائية يمرر وقته، يعقد حاجبيه وهو يرى اسمها .. لأول مرة تنشر حالة، يفتحها لتظهر له صورة قالب كعك مزين باسمها وتعليق صغير منها (الحمدلله، حفظت القرآن وأخيرًا بعد عشر سنين 🙏🏼♥) ، تظهر الصورة الأخرى سريعًا لينقلب وجهه ( صورة لوالدها الشيخ موسى وعلامات الفرح والفخر الكبير تغطي وجهه) يزفر بضيق ليغلق الهاتف، نعم .. يبتسم بفخر لأجل ابنته الحافظة لكتاب الله، متناسيًا ما خلّفه وحطّمه في نفوس أبناء الآخرين.
يقف ليحمل حقيبته تاركًا خلفه قهوته، بداية يوم يبدأ بوجهه هو يوم لا بد أنه سيء، يذهب إلى الجامعة .. لا يزال مستاءً من ياسر، علاقتهما توترت بعد الحادثة الأخيرة قبل شهر .. يؤلمه أن يكتشف أن لا أحد يقف معه، أنه وحيد .. ويؤرقه كيف لياسر أن يكون هكذا؟ كيف يرضى عن نفسه ورفيق روحه لا يزال دمه يهدر بغير حق، ماذا لو كان أخاه نجد يشعر بما يدور حوله وهو في قبره؟ كم ستكون كمية الخذلان التي ستصيبه بسبب ياسر!
ياسر الذي سمّى ابنه البكر على يوسف، والآخر على نجد..نجد الذي يشابه أباه كثيرًا، يتخلى هو الآخر عن دم خاله، يعلم تمامًا أن نجد ينفذ ما يطلبه أبوه حتى وإن طلب منه أن يقتل نفسه، يؤلمه هذا كثيرًا
يوسف ونجد الرفيقان اللذان غادرا الحياة في ذات الساعة، وبذات الطريقة .. ماذا يفعلان الآن في قبريهما؟ هل هما راضيان؟ يوسف سبق الجميع ليرحل قبل أن يرى الكارثة التي لحقت موته، ونجد الذي لم يسعفه الوقت ليتدارك خطأه.
يزفر بضيق وهو يترحم عليهما، ويجدد عداوته بالآخرَين .. موسى ويعقوب.




-


تستيقظ من نومها بحماسٍ شديد، اليوم هو الخميس .. وأخيرًا بعد مرور شهر أو يزيد ستعود لبيت خالها، اشتاقت جدًا لهم .. لم يسبق لها أن افترقت عنهم كل هذه المدة، تأكل فطورها بحماس .. تذكر فجأة كوب القهوة الذي لا يتخلى عنه نجد من ستار بكس، بسبب هذا الكوب تأخرت المرتين الماضية عن الحضور، دون أن يدرك.
تحرك عجلتها بسرعة لتنتقل إلى آلة القهوة الخاصة بيوسف واستولى عليها ثامر مؤخرًا .. تُعد القهوة كما ترى ثامر يعدها، وتضعها أخيرًا في كوب حافظ للحرارة.
تنتظر قليلًا وها هو يصل، تخرج له بسرعة .. ليستقبلها بفتح الباب، يداهمها إحراج لا تعرف كيف تقدم له القهوة، يعقد حاجبيه مستغربًا عدم ركوبها السيارة.. لترفع رأسها بتردد :" اممممم تبي قهوة؟ "
ترتفع حاجباه بدهشة من سؤالها، لترفع الكوب سريعًا إليه :" سويتها لك"
يرفرف قلبه، تتسع ابتسامته.. يتلقى الكوب من يدها وبربكة حروفه :" تسلم يدك"
لا ترد، تركب السيارة سريعًا .. ليفاجئها وهو يلقيها الكوب :" بس امسكيه شوي"
تعض شفتها مستوعبة عجلتها وهي تأخذه منه، يعدل كرسيها ليُدخله في السيارة .. يأخذ الكوب مجددًا ليتذوّقه، لا يشبه قهوته إطلاقًا .. لا يكاد يذوق له طعم، لكنه يستلذ به كلما استشعر أنها هي من صنعته له، يرتوي منه باستمتاع .. الحواجز بينهما لا تزال، لكنها تكاد تذوب كل يوم .. يتجرأ أخيرًا :" يمام "
ترفع رأسها سريعًا :" هلا "
تستشعر الاسترخاء في صوته :" اليوم بعد المغرب في ندوة بهيئة الثقافة مشارك فيها .. ودي تحضرين، عادي؟ "
تزم شفتها بإحراج، لا تعلم بما تجيبه .. يُتابع :" باخذ أبوي قبل المغرب بنص ساعة، بنمرك "
تحك حاجبيها بتوتر :" اليوم بروح لبيت خالي! "
تستشعر الخيبة التي غطته، تتابع :" كنت بقولك لا تمرني اليوم الظهر، ثامر بيجي ياخذني وبنروح على طول"
يزفر بضيق، ما أن خطا الخطوة الأولى حتى حال بينهما عائق:" كان ودي تحضرين ..بس إن شاء الله مرة ثانية"
يصلها ضيقه، لينتقل إليها .. لا ترغب بأن تكسره أكثر، يبقى الصمت سيد الموقف حتى يقتربان من بوابة الجامعة.. تُعيد دفتر محاضراتها التي كانت تشغل نفسها به إلى حقيبتها، ترفع رأسها على صوته :" يمام .. - يتحول صوته لنبرة تجهلها، تعقد حاجبيها على كلماته - في أمانة لي عندك - يرفع عينه لتلتقي بعينيها - أبيها "
تعتليها الدهشة والاستغراب :" أمانة؟ "
يهز رأسه بثقة :" ايه أمانة "
تزم شفتها تفكر بسرعة :" طيب وش هي؟ "
يهز كتفيه بعبث :" مدري! .. بس أبيها "
تتوقف السيارة أمام البوابة، لا يترك لها مجالًا لأن تسأل أكثر .. يخرج ليُقرب منها كرسيها، تركبه ولا تزال عقدة حاجبيها .. وقبل أن تبتعد :" نجد آسفة ما أذكر، ذكرني بها السبت إذا رجعت من بيت خالي"
يهز رأسه إيجابًا :" والقهوة، لا تخلين بها رغوة كثيرة .. يخرب طعمها"
ويغادرها إلى سيارته تاركها خلفه تفكر بضياع عن الأمانة المزعومة!


-


يخرج من المستشفى بعد انتهاء دوامه، يسير على قدميه حتى يصل إلى محطة القطار، يستقله لينقله إلى المركز، يضع سماعاته ليغمض عينيه وصوت ذات القارئ يقرأ سورة الضحى يسكب في قلبه الطمأنينة، يرافقه هذا الصوت في معظم أيامه القوية، يثبته ويعيد توازنه .. وما أن يسقط بوحل عزلته واكتئابه ينسى الصوت وكأنه لم يكن يومًا رفيقه.
يشعر براحة كبيرة كونه لا يزال يحافظ على توازنه منذ آخر مرة، يدعو الله كثيرًا أن يستمر على قوته.. ألا يفقدها، أن ينتشله من هذا الضياع .. لا يوجد أسوأ من أن يهاجمه الاكتئاب مجددًا كوحش قاتل، لا يقدر على مواجهته .. أعزل من السلاح، يستسلم له بهدوء ليتسلل ويجلس على قلبه ويألفه.
بدأ يألف المركز، يألف المسؤولين والإخصائين وحتى المتطوعين.. مكان كان يحتاجه بشدة، يتشاركون ضعفهم ليدركوا أنه ضعف وهمي.. بأن خلف هذا الاكتئاب يقبع شخص عظيم، يستحق الحياة.
لأول مرة يشعر بشوق جارف لأبيه، وأخيه .. وبيتهم، والشوارع المزينة بالنخيل، حتى الهواء هنا لا يبدو كنسيم نجد، الرياض التي كان يكرهها ويشعر بها تقتله وتخنقه تشده اليوم من ياقته وتسحب قلبه إليها بحنين قاتل، الوطن لا يشعر بقيمته إلا من يغادره .. للتو أدرك هذا المعنى الذي يتلبسه الآن.
حتى ثامر، الأخ الطائش والفاشل، يشابهه في فشله فقط .. يحمد الله مرارًا أن أمه قد غادرت قبل أن ترى ابنيها يسقطان بضياع، أمه الراحلة ابتلاها الله بابنين تتنافس الحياة بقتلهما، ولا يعلم السبب..
ثامر الذي تفصله مسافات روحية عنه، كان يشعر بمحاولاته في التقريب بينهما .. لكنه لم يدرك أن أخاه غارقًا في دوامة الاكتئاب، مغلقة أبوابه حتى عن نفسه ..
ينفض الحنين عن قلبه ليخرج من المحطة، يسير طويلًا ليتوقف فجأة بمنتصف الرصيف.. يتأمل باب المقهى، يعلم أنها تشرب القهوة داخله الآن.. لا يمكنها أن تذهب للمركز دون أن تمر على قهوتها المفضلة.
يدخل المقهى ليفتش بعينيه عنها، عن (أديل) الإنسانة التي تبث طاقة حيوية تنتشر لجميع من في المكان تمتلك خاصية استلطاف لم يجدها مسبقًا عند أي شخص، مفعمة بالإنسانية والحياة .. أبسط شيء قادر على إضحاكها، لم تكن هكذا معه وحده .. كانت مع جميع المراجعين في المركز تمدهم بالحياة، يفتقدها الجميع إن اعتذرت عن الحضور.. تمتلك وقتًا يكفي للجميع، بابتسامة واحدة تستطيع انتشال الميت لتعيده للحياة، ليست فاتنة .. ملامحها مريحة تبعث الطمأنينة، عفويتها تزيدها جاذبية لتبدو متفردة عن غيرها.
تنعقد حاجباه وهو يلمح ظهرها وشعرها الطويل المجعد، تجلس في الزواية وأمامها رجل أنيق يبدو في الأربعين من عمره.
يُخرجها من رأسه ليجلس على مقعده، يقضي وقت انتظاره على جهازه المحمول يُنهي تقاريره، وفجأة تتوقف إصبعه عن النقر وصوتٌ خلفه يشده .. صوتٌ افتقده كثيرًا :" هديل حبيبتي ما ودي أأخرك ولا أأخر أمك .. يلله خلصي قهوتك ونطلع"
لكنة نجدية ظنت أذنه أنه لن يسمعها في هذه المدينة البسيطة، يلتفت بتلقائية للخلف لتسقط عليه الصدمة وهو يدرك صاحب الصوت .. ذات الرجل الأربعيني! ما أثار دهشته هو (هديل)! هل هي أديل بعينها؟ أم أن هيئتها الخلفية فقط تشابهها حتى ظنّ أنها هي!
" يبه ودي أروح معك تكفى! "
يبتسم بسخرية وهو يرتشف قهوته، أديل .. هديل، كم كانت مراوغة وهي تتملص من عروبتها التي تفضحها عيناها وسمارها، كانت بارعة في الهرب من نفسها .. تحرف اسمها ليصبح أعجميًا كما تفعل مع اسمه، حتى بات يشك أنها نسيت عروبتها ولغتها وحتى هويتها ..
" لا! .. لا تتركين المركز، وبعدين أمك معي لا تخافين"
تزفر بضيق :" كنت أبي أكون معك بأول يوم لك"
يشعر به يوسف يقف، لا يُمكنه الرؤية .. لكن يمكنه السماع :" لا يا عين أبوك، إذا خلصتِ من المركز تعالي البيت على طول.. بكون انتهيت من الجلسة"
يصله صوت قبلة لا يعلم ممن، يحاول إخراجهما من رأسه .. لكن أذنه تتسلل مجبرًا إليهما، يسمع خطى خلفه .. وها هو يسير بجانبه ليتخطاه وقبل أن يفتح باب المقهى يلتفت لتظهر ليوسف ابتسامة شبيهة تمامًا بابتسامتها .. وكأنها ورثتها عنه، يلوح بيده مودعًا ويغادر.
يعود يوسف لينشغل بجهازه، وتلك السمراء خلفه تشغل باله .. هل يُظهر لها أنه اكتشف سرها الذي يبدو أنها تخفيه عنه فقط؟ أم يتابع المسرحية معها متظاهرًا بأنه لا يعلم شيئًا؟
يُقاطعه صوتها مجددًا ولكن هذه المرة يبدو وكأنها على وشك البكاء! .. :" هلا ماما.. ايه راح .. - تزيد رجفة بكائها لتتابع- والله يمه ما بكيت قدامه ولا بينت له شي! .. ايه .. قلبي يوجعني عليه، تكفين خلي يدك بيده ولا تتركينه.. زين.. مع السلامة"
تغلق هاتفها لتنهار ببكاء خافت، لا تحاول أن تمنعه .. تتركه يخرج بحرية وتستلم له، والآخر خلفها يزم شفتيه .. يتجمد، يعض شفته ندمًا لدخوله المقهى، يكره أن يكون فضوليًا .. لم يكن يومًا هكذا، لكن لا ينكر أن صوت بكائها آلمه.. القوية والمفعمة بالحياة والأمل يشهد الآن ضعفها، كيف لها أن تتمتع بكل هذه القدرة على إخفاء ألمها .. أن تضحك كثيرًا وتوزع الابتسامات لتبكي وحدها.. تُضحي بوجعها لأجل مجموعة مكتئبين يلفهم السواد؟
يرفع كفيه ليغطي بهما وجهه بزفرة شديدة، صوت بكائها يخترقه .. يُناديه، يرغب في إسكاتها.. ليس لها أن تبكي وهي التي اعتاد على ضحكتها، يقف سريعًا حاملًا جهازه ليدفع فاتورته ويخرج سريعًا هربًا من المكان.
يسير على قدميه حتى يصل إلى المركز، لم يمضي إلا القليل ليصل إلى مسامعه صوت غناء مفعم بالحماس :" عيد ميلاد سعيــد أديـــل.. عيد ميلاد سعيد"
يلتفت عاقدًا حاجبيه ليجد مجموعة من المتطوعين متحلقين حولها حاملين كعكة صغيرة، تضحك بدهشة :" وااااو! يا إلهي! "
تضمها إحدى المتطوعات لتتلقى التهاني تباعًا من البقية، يتابعهم عن بعد مستاءً من ملامحها الضاحكة .. وكأنها لم تكن تبكي قبل قليل، تقطع الكعكة وضحكاتهم تنتشر..
يعود لهاتفه ويضع سماعاته، يبحث بعشوائية عن أي صوت يغطي أصواتهم.. فجأة شعر بالأقدام التي تقف أمامه، رفع رأسه بعقدة حاجبه لتصطدم بعينيها الباسمة حاملة الكعكة.. :" امممممم تفضل"
يأتي صوت الفتاة الأخرى التي تقف بجوارها تمد له بالطبق والسكين وبمرح :" يوم ميلادها .. تمنى لها أمنية سعيدة"
تتعلق عيناه بعينيها، يطيل تأمله .. يُشعرها بأنه يقرأها، بأنها مكشوفة أمامه .. تهتز عينها بربكة، يرفع حاجبيه وهو ينظر إليها من مكانه .. وبعربية عامية:" سنة سعيدة إن شاء الله، ويحفظ لك أبوك"
لاحظ صدمتها التي سلبت لون وجهها، لا يعلم ما السبب الذي جعله يبدو مندفعًا ولا مباليًا هكذا .. يصل صوت الأخرى متفاجئًا ممزوجًا بضحكة:" أوووه أديل! وجدتِ شخصًا ما تشاركينه لغتك التي لا نفهمها - وباستياء مازح- سأشعر أخيرًا بشعورك عندما اجتمع بيون"
لم تكن تسمع ما تقوله رفيقتها، كانت مشلولة بهول الصدمة وعيناه لا تزال تغوص فيها، ازدرقت ريقها أخيرًا وبصوت ذابل بإنجليزية:" شكرًا"
وضعت قطعة الكيك في صحنه لتبتعد سريعًا، يلاحظها بقية اليوم كيف تفقد عفويتها معه .. تتحاشاه، لا يبدي ردة فعل.. وكأنه مستسلم.
حتى انتهت الجلسة، يخرج بهدوء ويسير على قدميه ..
" يوسف! "
يلتفت بتلقائية للصوت الذي يناديه، يتوقف لينتظرها تقترب منه .. تزفر وهي تفرك كفيها بتوتر :" كنت موجود وأبوي معي بالمقهى؟ "
يخلل أصابعه بشعره ويشتت أنظاره :" صدفة"
تهز رأسها وهي تسمعه يتابع :" آسف إني كشفت كذبتك! "
ترفع رأسها لتلتقي بعينيه، لا يبدو آسفًا أبدًا .. وكأنه يقرّعها على كذبها :" انت قلتها من قبل، العرب يهربون من بعض في الغربة! "
يسير لتسير معه وتتابع :" أبوي بيذبحني لو عرف إني أكلم عربي لا وسعودي بعد! "
يعقد حاجبيه وتُكمل :" من ولدت، ما عمري احتكيت بأي عربي! والمدينة هنا تساعد.. مافيها عرب إلا قليل"
يزم شفته :" العرب ياكلون، ما ألوم أبوك"
ترفع بصرها إليه لتلمح السخرية تغطيه، تزفر بضيق ولا تعلق .. يسيران معًا حتى مفترق الطريق، تتوقف قبل أن ترحل :" في حال شفتني مع أبوي ولا أمي سوي نفسك ما تعرفني"
يهز رأسه يطمئنها، تخطو للأمام خطوة لكن يوقفها صوته :" هديل .. لحظة"
تلتفت إليه، ليتقدم وبنبرة جامدة :" لا عاد تبدين غيرك على نفسك، نفسك أولى من أي شي ثاني"
تعقد حاجبيها بعدم فهم، يعود صوته مؤكدًا :" شفتك اليوم تبكين، وبعدها بكم دقيقة تضحكين وتسوين نفسك قوية وطبيعية.. هذا إجحاف بحق نفسك! "
تتجمد بمكانها للحظات، وسرعان ماذاب جمودها ليتحول لدمعة حارة .. تتلوها دمعة أخرى، وبكاء مكتوم .. تتلفت يمينًا ويسارًا علّها تخفي بكاءها عنه، لكنه لا يزال واقفًا في مكانه بثبات .. يخرج صوتها ضيقًا يخنقه البكاء :" لا ما أجحف نفسي .. بالنسبة لي اللي يطلبه مني هو واجب ... لو يقول اذبحي نفسك بذبحها .. - ترفع كفها لتمسح دموعها الدافئة - أبوي هو صديقي وحبيبي وكل حياتي .. دخلت المركز عشانه، كان يقول لي خليك مؤمنة وانشري إيمانك وضحكتك للناس ... انتشيلهم من ضياعهم مثل ما انتشلتيني - تهز رأسها بانفعال - ايه أبوي من كنت صغيرة وهو مريض بالاكتئاب .. كان يقتله كل يوم، الأدوية كانت تذبحه أكثر .... كان الاكتئاب ياخذه مني وكأنه ابنه، كان وضعه سيء يا يوسف مو مثلك.. ما عنده أحد غيري أنا وأمي .. بعد سنين بدا يتخطاه وكنت دايمًا معه بالمركز .. كنت صغيرة بس أقضي أغلب وقتي بالمركز لأفهم كيف أقدر أساعده.."
يلاحظ انهيارها، يتوتر .. يهمس :" هديل، تعالي .."
لا تسمعه تواصل بكاءها، تجذب الأنظار حولهما .. يتمنى لو قُطع لسانه قبل كلامه، تمتد كفه بتلقائية ليسحب كفها التي تغطي بها وجهها الباكي.. يسحبها معه ليسير بها حتى المقعد القريب، يُجلسها عليه ولا تزال كفه ممسكة بكفها وبهمس يجهل كيف يُسكتها :" خلاص هديل"
لا تسمعه، ينهمر بكاءها أكثر .. يتركها تبكي بلا مقاومة، حتى عاد صوتها مجددًا بعد دقائق :" اليوم يوم ميلادي .. كان دايمًا يحتفل فيني، بس اليوم .... - تزم شفتيها لتهتز بضعف - اليوم ياخذ أول جرعة كيماوي.. ما أتخيل يدخل في وريده ويحرقه، أحس الحين بوجع بدمي أنا"
تذبل عيناه وهو يدرك سبب بكائها، سرطان يفتت جسد والدها.. يعلم بسبب تخصصه كيف لهذا المرض أن يتحول لكابوس مخيف على جسد المريض وعلى قلوب عائلته.. يزم شفته يجهل كيف يواسيها وهو الذي يفتقد لأبسط أمور الحوار، يُنزل عينيه بتشتت لتتسع بدهشة وهو يرى كفه تحتضن كفها! .. كيف لم يشعر، زم شفته بتيه لا يعرف كيف يسحبها، كانت آخر كف رقيقة لمسها هي كف يمامة قبل سفره .. قد لا تشعر هي كيف لكف صغيرة أن تسبب كل هذا التوتر لرجلٍ جاف، يسحبها بعد تردد بهدوء وبطء بلا مقاومة منها .. كانت لا تزال غارقة ببكائها، يستشعر البرودة التي اجتاحت كفه بعد ما انفكت عن كفها الحارة، يحك حاجبه :" الله يشفيه"
نعم هذه الكلمة الوحيدة التي استطاعت أن تخرج من بين شفتيه، تهز رأسها :" آسفة .. انفعلت"
يتأمل ملامحها الباكية، لا تشبهها أبدًا .. يهز رأسه :" لا عادي"
تقف وهي تمسح وجهها، يقف معها .. وقبل أن تبتعد تنطق بخجل :" كنت محتاجة أبكي قبل لا أروح عند أبوي .. شكرًا يوسف"
يبتسم أخيرًا ابتسامة ناعمة لا تشبه ابتساماته الساخرة والباردة :" عفوًا .. الله لا يحرمك منه"
تتسع ابتسامتها لتلقيه ظهرها .. تسير متجاوزة الشارع، وتبتعد عنه .. ولا يزال يقف في مكانه.


-





استطاع اقتناص إجازة لهذا اليوم، دوامه ممل.. لا يشبهه، يفقد فيه نفسه .. مجرد موظف بسيط يدخل البيانات، وبراتب بسيط .. يستطيع أن يسير في طريق خالد، جميع أسرار المهنة لديه .. لكن تحذيرات خالد تعيده لصوابه، يعلم أن خالد يخشى أن يواجه ثامر نفس مصيره .. وتبقى رغد وحدها بلا حامي، لكن ماذا بعد رحيلهم؟ رجل بلا هدف ولا شهادة ولا حتى عائلة وأصدقاء.. قد يفكر بامتهان مهنة خالد بعدها، لن يخسر شيئًا حتى وإن قُبض عليه.. على الأقل سيجد نفسه في شيء يحبه ويتقنه، ويدر عليه مئات الآلاف.
يجلس في الغرفة الطينية، كلما ضاقت به الأرض التجأ إليها .. يُدخن، يرسم، يتفقد الأوراق والمستندات .. يتذكر كلام خالد عن ذاك الصندوق الحديدي الأسود، الصندوق الذي يحتوي بداخله كنزًا رغم سفالته .. لكن لا حلّ أمام خالد الذي لا يرى سوى الهجرة والمستقبل المنتظر، وقت خروجه اقترب .. ولا بد أن يبدأ ثامر تحرياته ليهيأ له الطريق.
يرمي سيجارته ليفتح باب خشبي أسفل المكتب.. يجلس متربعًا ليفتح الصندوق الضخم، الكثير من الأوراق والصور .. معظمها مستندات تعود لشقيق خالد الكبير المعلم الأول له وشريكه الراحلين، كانت سمعتهما في سوق المطلوبين ناصعة، الجميع يلجأ لهما .. يتابع خالد مسيرهما، يُعلم رغد الصغيرة أساسيات التزوير.. يشعر وكأنه إرث لا يمكن لعائلته الخلاص منه، يُشرك ثامر الذي يرى فيه رفيقًا وفيًا الإرث الأسود ..
تقع عينه على مجموعة أوراق وبطاقات قديمة، يعبث بها ليتفقدها .. فجأة، تضيق عيونه وهو يُمسك بإحدى الأوراق، يعيد قراءتها مرارًا بعدم تصديق .. وسرعان ما انطلقت منه ضحكة دهشة، يهمس وهو يمرر الأوراق التي تليها :" يا صغر الدنيا بس! "
يُخرج هاتفه ليلتقط صورة للاحتياط فقط، في حال احتاج إليها على أنه لا يفكر أبدًا باللجوء لهذه الورقة بالتحديد!
يُعيد الأوراق ولا تزال ابتسامة الدهشة تغطيه، يُغلق الصندوق ليعيد كل شيء كما كان، يقف ليخرج سيجارة أخرى وينفثها وهو يدندن :" استودعك يا هم .. يا منادمي بالوقت .. من حب ما يهتم إن جيت ولا رحت"
يُطرب بصوت طلال وهو يقود سيارته بالطريق الطويل، يتذكر تلك المتوترة.. يُرسل رسالة سريعة (بمرك بعد المغرب للسوق) .. لا تبدو رغد بأحسن حال، تتهرب منه .. لا تفتح له الباب معظم الأيام متعللة بنومها، وفي أوقات قليلة تلجأ إليه تبكي .. تبدو متشككة، كأن شيء يرعبها، أخبره خالد أنها لا ترد دائمًا على اتصالاته، يعلم تمامًا أن انتظار المستقبل المجهول الذي بات قريبًا يخيفها .. اليوم سيفهم منها أكثر، ويهدئ روعها .. وهو الذي يحتاج من يهدئ روعه، فكرة أن يستيقظ صباحًا ولا يجدها تصيبه بالخوف، أن يفقد الشخص الوحيد الذي اعتاد عليه يرهقه، أن يجلس دون هدف انتظار خالد كما في السنين الماضية أمر مخيف!
يرمي سيجارته ليتصل بيمامة.

:

تخرج بسرعة من الجامعة لتبحث بعينيها عن ثامر، لا أثر له .. تزفر بضيق، اتصل بها ليخبرها أنه أمام الباب .. ولكن يبدو أنه يبالغ، تنتظر على كرسيها وحرارة الشمس تلحفها، تمضي الدقائق ثقيلة .. نجد عندما تخرج تجده يستقبلها أمام الباب مشرعًا أبواب سيارته وفي كثير من الأحيان يُجهز لها علبة آيسكريم تخفف من حرارة الشمس، على عكس الآخر .. تحاول تذكر أمانته التي يريدها، تعبت من شدة التفكير .. وهو لا يرغب بمساعدتها في توضيح ماهية الأمانة، تلمح سيارة ثامر قادمة من بعيد .. تزفر براحة وتخرج نجد وأمانته من رأسها، تتقدم بكرسيها وما أن خرج تبادره بعتب :" تأخرت ثامر"
يُساعدها على ركوب السيارة :" كانت في زحمة ببوابة الجامعة"
يُغلق الباب ليعود إلى مكانه، يقطعان طريقًا طويلًا يتجاوز الساعة والنصف حتى يصلان أخيرًا إلى المحافظة التي يقطن فيها خالها.. يرفرف قلبها بشوق ورائحة المزارع تداعبها، محافظة صغيرة لا تزال تحافظ على شكلها وتراثها القديم، استقبلتها زوجة خالها بالأحضان والأشواق.. راحت تطوف في المنزل بحنين :" خالة ليه غيرتوا مكان التلفزيون؟ ... خالة شريتِ طقم جديد؟ .. خالة شجرتي باقي مكانها؟ "
تسأل وتتفقد كل زاوية بحب كبير، تتوقف فجأة :" نسيت ثامر! "
تضحك خالتها :" خالك عنده، شوي وأرسل لهم الغداء"
تدخل إلى غرفتها بضحكة شوق كبيرة، أمام نافذتها تصافحها شجرة سدر عتيقة.. تستنشقها لتملأ رئتها بها، ويوقظ سكرتها صوت خالتها :" يمامة روحي قربي الغداء لثامر"
تتحرك بمرح لتقترب من المجلس، تأخذ طبق الغداء لتدخل بابتسامة واسعة وما أن رآها ثامر وقف سريعًا ليأخذ منها الطبق، تسلم على خالها بشوق جارف يُقابلها دلاله الكبير وكأنها ابنته.
تجلس قليلًا لتغادر، تترك ثامر خلفها ينتهي من طعامه ليقف سريعًا ويودع خالها راكبًا سيارته، وسرعان ما زفر بضيق كبير وسيارته لا تتحرك :" أوووف! "
يحاول مرارًا لكن لا جدوى، يخرج إليه خالها يحاول مساعدته ليتملكهما اليأس وهي جامدة لا تتحرك.. يعود للداخل بعدما أصر عليه خالها، يضطجع في المجلس متلحفًا ببطانية مستسلمًا للنوم على أمل أن يستيقظ المغرب ويجد لها حلًا .. يخرج هاتفه سريعًا ويكتب (يمكن أتأخر عليك، سيارتي خربت)
يترك هاتفه بعيدًا لينعم بنوم طويل ...
نوم مليء بمطاردات وهروب، أوراق ومستندات .. رغد، خالد ... أسماء قديمة ..
" يلله قوم، بينتهي وقت المغرب وباقي ما صليت "
يشعر بالكف التي تهز كتفه، تبتعد قليلًا ليزيح اللحاف عن رأسه بعقدة حاجبيه .. يشع النور ليؤلم عينيه، يستوعب وجوده .. نعم هذا مجلس خال أمه، فجأة .. يعقد حاجبيه يحاول استيعاب الأمر، هل ما زال يحلم؟ .. شعر طويل ناعم يغطي ظهرًا لجسد طويل يقف أمام المكيف ويطفئه .. تلتفت :" متـ****"
تتجمد برعب، تتسع عيناها مع تضييق عينيه، تشهق بصدمة لتفر سريعًا ..
يعتدل بجلسته يسترجع ما حصل، هل خرجت من أحلامه؟ أم أنها وهم توهمه؟ أو أنها مَلك من الملائكة؟ ليس شخصًا صالحًا ليظن أن الملائكة ستُرسل إليه .. لكن هذه لن تكون إنسية، شعرها الداكن والناعم .. عيناها الواسعة، طولها الأنثوي ..
يزفر ليضرب رأسه يحاول تمالك نفسه، قد يكون يتوهم ..
يقف ليتجه إلى دورة المياه وعيناه تترقب ما حوله، قد يُدرك الملاك .. يتوضأ ويصلي محاولًا نفضها عن رأسه .. يسجد وصورتها تتراءى له، يعقد حاجبيه يحاول تفسير من تكون .. علاقته باردة بأهله فكيف بأهل أمه؟ يذكر أن للخال ابنة .. لكن لا يعلم كم عمرها، هل هي صغيرة أم شابة أم امرأة تكبره سنًا ..
" ماشاء الله وش هالسجود الطويل؟ ادعي لي معك دامك مطول"
يرتبك ليفز سريعًا ويُكمل صلاته على صوت يمامة، يستغفر بداخله محاولًا تركيز انتباهه على الصلاة .. يُنهيها بإحراج ليلتفت إلى يمامة التي تجلس خلفه تنتظره ينهي الصلاة، شبكت كفيها بضحكة مصطنعة :" واضحة الفجعة بوجهك"
يجلس على السجادة وابتسامة خفيفة تشق طريقها بتوتر:" ليش؟ "
تحك جبينها بإحراج :" سمر الغبية كانت تحسبك خالي، ما كانت قاصدة"
تشد انتباهه تلقائيًا والاسم (سمر) ينساب في أذنيه، يتمالك ملامحه ليهز كتفيه :" أنا اللي فجعتها والله"
تهز رأسها تأكيد :" اي والله، المسكينة جات عندي وشوي تصيح .. بس خلاص انسى الموضوع"
" يمـاااااامة "
يلتفتان بتلقائية لتصدم عيونه بطفلة صغيرة لا تتجاوز الخمس سنوات.. يعقد حاجبيه لتنطق يمامة وهي تحرك كفيها :" جوجوو حبيبي.. تعالي"
تتقدم الصغيرة لتحتضن قدمي يمامة، يتأمل ملامحها الجميلة .. يصل صوت الصغيرة :" مين هذا ؟ "
تبتسم يمامة لتسحبها وتضعها على فخذيها :" هذا ثامر .. "
يعقد حاجبيه :" مين هذي؟ "
تتحرك يمامة تنوي المغادرة ولا تزال الصغيرة في حضنها :" هذي جمانة بنت سمر "
تتسع عيناه بصدمة، لا يعلم ما سبب الخيبة التي أصابته فجأة.. يزم شفتيه يحاول طرد صورة تلك الفاتنة من رأسه، يتوقف ليشير للصغيرة :" تعالي .."
تطير إليه بمشاغبة.. يحمل الصغيرة ليجلسها على فخذه، يداعب خدها :" وش اسمك يا حلوة؟ "
تأخذ القلم من جيبه لتعبث به :" جوجو "
يقبل خدها الناعم :" جوجو بنت مين؟ "
" جوجو بنت سمر "
تنطلق منه ضحكة خفيفة ليصل صوت يمامة هامسًا :" لا تسألها عن أبوها"
يعقد حاجبيه بعدم فهم، تتابع يمامة :" مطلق أمها قبل سنة ويعيش بجدة، لو ذكرتها بتبكي وتصر تشوفه"
تفاجئه يمامة بكل ما تنطقه، من يتخلى عن تلك الجميلة؟ ماهذا اليوم الذي يحمل مفاجآت كبيرة له؟ يهز رأسه إيجابًا لتبتعد يمامة ..
تمد كفها الصغيرة مع القلم :" ارسم لي ساعة"
يبتسم ليأخذ القلم :" برسمك أنتِ، بس روحي جيبي لي ورقة "
تقفز سريعًا لتخرج من المجلس، تتركه يسترجع كل ما حدث، يستوعب كلام يمامة.. تأتي مسرعة حاملة بيدها مجموعة أوراق، تجلس أمامه ليبدأ برسم ملامحها .. تشهق بصدمة وهي ترى دقة رسمه، وما أن انتهى سحبت الورقة راكضة غير مصدقة .. تتسع ابتسامته على صوت دهشتها الذي يصل إليه، تشده الأوراق البيضاء المتناثرة.. يسحب أحدها ليبدأ برسم الملامح الأخرى، يحاول استرجاع كل شيء ليحفظها في الورقة قبل أن تُمحى من ذاكرته .. يمضي وقتًا لينتهي برسمة غير واضحة الملامح.
يتأملها بعدم رضا، يعقد حاجبيه مستوعبًا ماذا يفعل.. وأي جنون تملّكه! يزفر بضيق ليطوي الورقة ويضعها في جيبه.
يُخرج هاتفه ليعبث به محاولًا إخراج صورتها، يعقد حاجبيه ليزفر بضيق :" أوف شلون نسيت! "
يقف بعدما قرأ رسالة رغد (بنروح السوق ولا أنام؟)
يعود لسيارته، يحاول فيها كثيرًا .. ولا جدوى، قلبه يدعو أن تستمر بخرابها، وضميره يؤنبه ليحاول جاهدًا إصلاحها.
بعد محاولات دامت ساعتين تتحرك أخيرًا، يزفر بتعب ويقودها .. يخرج من المحافظة الصغيرة ليصل إلى منزله والساعة تجاوزت الثانية عشر ليلًا، يرتمي على سريره.. يُخرج هاتفه ليكتب (خربت سيارتي، الحين دخلت الرياض)
يلاحظ دخولها وقراءتها للرسالة، تخرج دون أن ترد .. يتنهد ليرمي هاتفه، يحتاج لنوم عميق قبل أن يسبقه اليوم التالي لتهاجمه بسبب تغيبه.


-


يفتح باب المقهى لتصافحه عيناها المبتسمة، تشير إليه بكفها ليتقدم إليها.. يجلس أمامها ليخلع قبعته الصوفية ويحرّك شعره بعبث لينفس عنه، تحرك السكر ليأتيها صوته:" شلونه الوالد؟ "
تتوقف يدها عن الحركة، تزفر لتضم كفيها إليها :" الحمدلله، أفضل"
يهز رأسه بهدوء :" الحمدلله"
تزم شفتيها :" رجع أمس من المستشفى وحيله منهد"
يعقد حاجبيه :" أي سرطان فيه؟ "
ترتشف قهوتها :" رئة"
" كم درجته؟ "
تزفر بضيق :" بالمرحلة الثالثة، بيستمر على الكيماوي لين يتقلص وبعدها بيدرسون استئصاله"
يهز رأسه إيجابًا بضيق :" إن شاء الله يتحسن"
تبتسم وهي تسحب حقيبتها لتضعها فوق فخذها، تستخرج شيئًا منها بابتسامة واسعة :" شوف وش سوى "
يعقد حاجبيه لتمتد كفه وتُمسك بقطعة الشماغ الصغيرة، تتابع :" خيطه لي على أساس يكون سوار! "
يرتفع حاجبه بابتسامة وهو يقلب القطعة أمامه تفوح منها رائحة العود، تسحبها منه لترتديها في معصمها :" يقول عشان ما تنسين عروبتك ونجديتك"
يُرجع ظهره للخلف ليستند براحة :" ما تزورين السعودية؟ "
تهز رأسها نفيًا :" ما عمري رحتها .. مالنا أحد هناك"
يرفع حاجبه مستنكرًا، تتابع بابتسامة ضيق :" الواقع مالنا أحد أبد .. احنا الثلاثة نمثل لبعض كل شي - تداهمها غصة- عشان كذا أخاف أصحى يوم واكتشف إن الثلاثة صاروا اثنين"
يطرد فضوله، يلتزم الصمت.. تبدد الحزن عن ملامحها لتشغل نفسها بالعبث بسوار أبيها القماشي.. يعتدل بجلسته فجأة ويرفع كم قميصه.. ترفع بصرها بتلقائية لتراه يعبث بـ (سُبحة) تلتف على معصمه، ترفع حاجبها بدهشة وهو يُخرج السبحة عن معصمه ويُقربها منها :" هذي سبحة تعرفينها؟ "
تفلت منها ضحكة قصيرة :" طبعًا أعرفها"
يلعب بحباتها التي تميل للون البيجي وتنتهي بياقوتة حمراء :" مصنوعة من عظم الجمل"
ترتفع حاجباها بدهشة مملوءة بالتقزز :" عظم جمل حقيقي؟ "
يهز رأسه باسمًا :" ايه، جمل نجدي .. على ذمة أخوي هالمعلومة، ما عندي خبرة كافية"
لا تستطيع كبح ملامح التقزز ليتابع :"قدم لي هالسبحة قبل سنتين ونص تقريبًا.. كنت أمر بأسوأ حالاتي والاكتئاب يقتلني .. - يرفعها ليسقطها في كفها بهدوء- مو غالية، هي سبحة بسيطة ومنتشرة عندنا، بس غالية على قلبه لأنها لخاله المرحوم"
ترفعها إلى عينيها وهي ممسكة بها بطرف أصابعها، تتأملها قليلًا لتنفرج ابتسامتها وهي تُمسكها جيدًا :" حلوة والله! ما كأنها عظام مخلوق"
تتسع ابتسامته لكلامها وردة فعلها، تُعيدها إليه .. ليردها سريعًا :" لك "
تتسع عيناها بدهشة وإحراج، يُتابع :" كانت رفيقتي بأصعب مراحل علاجي، كنت أحطها بمعصمي أغطي فيها الندبة - يرفع معصمه لتظهر لها ندبة تُوضح مدى الاكتئاب واليأس الذي كان يعيشه- وكأني أحاول أمسح هالذكرى من راسي .. أو لأخلي السبحة حاجز بيني وبين الندبة .. - تُمسك السبحة لتتأملها عن كثب وكأنها تقرأ في خطوط حباتها تاريخ الألم الذي عايشه- خليها معك لين تشوفين أبوك يرجع قوي مثل ما كان، بعدها ... - يسكت قليلًا يفكر - إن كنت باقي موجود هنا رجعيها لي، وإن رحت وانقطعنا عن بعض عطيها لشخص يحتاج يقوى"
تلفها في معصمها وتغطيها بسوار الشماغ وابتسامة عذبة تغطيها، تزفر بشدة لتُبعد الغصة التي تحشرجت فيها.. يعود صوته :" متى ما تبين تبكين ابكي، لا تمنعين بكاءك .. أسوأ شي مريت فيه بالاكتئاب الشعور البارد اللي يمنعني أبكي"
تمسح دمعة تسللت منها لترفع رأسها بابتسامة :" أعرف، أبوي كان كذا .. كنت صغيرة بس كان يقول لي أبي أبكي بس أحس شي ثقيل على صدري يخنقني، شي يجفف دموعي قبل لا تنزل"
ترق نظرته لكلامها، تصف حالته قديمًا .. تفهمه، وهذا ما كان يفقده، يعلو رنين هاتفها .. تتسع ابتسامتها :" هذا هو حبيبي "
ترد على والدها تحت ناظره يتأمل نبرة صوتها التي تضج بحب واضح .. تغلق الهاتف لتقف :" أبوي ينتظرني.. مع السلامة يوسف"
يبتسم ليلوح لها بكفه، تغادره لتخلّف فيه شعورًا جديدًا .. شعور يملأه راحة وطمأنينة، عذبة هي.. وازدادت عذوبة منذ البارحة، يشعر بأنه يتخلى عن أقنعته أمامها، تستخرج الحروف من بين شفتيه كما لا يستطيع أحد، يرفع كفه ليعلّق بصره على معصمه.. يتحسس مكان الجرح الذي سببه لنفسه قديمًا كي يفنى، كان يظن أن الفناء هو خلاصه الوحيد.. ممتن لنجد، لأخيه الذي انتشله .. أعطاه السبحة ذاك اليوم ليغطي أثر الجرح عن والده، ويبقى أمر ضعفه سرًا .. وها هو يكشفه اليوم بقوة، يشعر بأنه بحاجة لإخبار الجميع أنه لم يعد ذاك الضعيف، أن الحياة تضج في داخله بقوة ..
يُعيد كم قميصه ليُمسك بهاتفه، يفتح مكالمة فيديو مع نجد ووالده.. يضحك فيها، تتوزع ابتساماته.. تصل ضحكته إلى قلب ياسر، ليرق وجهه بفرح لتغير ابنه، يهمس قبل أن يغلق المكالمة :" الله لا يوجعني فيك "

-

تضم عباءتها وتدخل السيارة، انتهت جولة التسوق سريعًا .. كانت هادئة على غير العادة، تذبل عيناها أكثر .. كانت بحاجة لأن يسألها عن سبب ذبول ملامحها، عن اختناق صوتها.. لكنه كان غريبًا هو الآخر، شارد الذهن.. اعتذر اعتذارًا صغيرًا لتغيبه ليلة الأمس وإخلاف موعده، ثم انطوى بصمت طويل .. وها هو يجلس بجانبها يقود السيارة عائدين إلى شقتها.
لا ترغب بأن يستمر بصمته، يقتلها الصمت أكثر .. تحتاجه ليعيد توازنها، لينفث عنها حروف عبدالله ويعيد الثقة والطمأنينة لقلبها.
يصدر هاتفها صوتًا ينبأها لقرب فراغ البطارية، تُخرجه لتفتح الباب الصغير أمامها تبحث عن شاحن .. تعقد حاجبيها وهي تلمح ورقة مصفوفة تظهر جزءًا من قلم الرصاص، تسحبها بتلقائية .. معتادة على أن تفتش رسوماته، وتسرقها أحيانًا ..
لترفع حاجبها بدهشة وهي ترى فتاة غير واضحة المعالم، من خبرتها تعلم أنها رسمة مقصودة وليست من وحي خياله، من تكون؟ ليست يمامة .. تعرف اليمامة جيدًا، رسمها مرارًا رسومات وكأنها صور فوتغرافية من شدة إتقانه، تحرك عينها باتجاهه لتراه شارد الذهن غير منتبه لما تفعله، تزم شفتها والفضول يقتلها .. تخرج حروفها مترددة :" مين هذي؟ "
يعقد حاجبيه ليفيق من شروده، وسرعان ما اتسعت أحداقه وغطاه التوتر وهو يلمح الورقة التي بين يديها .. تراقب تغير ملامحه، تزيد من حدة عينها تنتظر الجواب.. ليزفر ويسحب الورقة من بين كفيها :" ولا أحد، بس سكتش خيالي"
ترفع حاجبها وهي تراه يضع الورقة في جيبه :" سكتش خيالي؟ عادي ثامر .. قول"
يزم شفتيه، رغد رفيقته الأولى .. صديقة عزلته الصغيرة رغم عمرها، يلجأ لها دائمًا .. لكن هو حتى لا يعلم ما سبب احتفاظه بهذه الورقة، لا يريد أن يتلفظ بما يشعر ليكون واقعًا، يعود إليها بلا مبالاة:" مثل ما قلت لك"
تغمض عينيها بضيق وهي تدرك أن هناك ما يخفيه عنها.. تعود لصمتها، يوصلها إلى شقتها ويرحل ..
تخلع عباءتها لتسرع وهي تضع هاتفها في شاحنه، تكتب سريعًا (عبدالله فاضي؟)
يأتي رده أسرع وكأنه ينتظرها (هلا هلا)
تكتب (تتصل ولا أتصل أنا؟ )
لم تمضي سوى أقل من دقيقة ليصلها اتصاله، تغرق معه لوقت طويل بمحادثة طويلة .. تحاول أن تلتقط نقاط تشترك معه فيها ولا تجد .. هو طيب جدًا، ويحبها أكثر .. بينما هي تشعر بصداقته تتغلغل فيها، وحده من يحاول اقتناص كل لحظة لكي لا يتركها وحدها، يُحاورها بكل شيء .. نافذتها للعالم، يعود مجددًا ليفتح موضوع خالها وثامر .. تشعر بصوته الذي يتهدج غضبًا كونها خرجت معه :" رغد لا عاد تطلعين معه"
تزفر :" وش أسوي؟ يعني أموت بالشقة؟ "
يسكت قليلًا ليعود صوته :" اسمعي .. المرة الجاية اللي بياخذك فيها علميني"
تعقد حاجبيها :" ليش؟ "
" بحاول أساعدك، بس ساعديني أنتِ"
تزيد عقدة حاجبيها :" تساعدني بوش عبدالله؟ "
يفجرها بوجهها، لتغلق الخط في وجهه .. تغلق أذانها بقوة تطرد صوته لئلا يتسلل إلى عقلها، تشد شعرها ببكاء خوفًا من ضياعها الذي بات يفتت رأسها :" يالله يارب أمووت وأرتاح"

*•
تَسْرِي الدِّمَاءُ مِنَ العُذُوقِ
إلَى العُرُوقْ
فَتَنْتَشِي لُغَةُ البُرُوقْ:
-أَيُّ بَحْرٍ تُجِيدْ؟
- أَيُّ حِبْرٍ تُرِيدْ؟
• سَيِّدِي لَمْ يَعُدْ سَيِّدِي
• ويَدِي لَمْ تَعُدْ بِيَدِي
سيد البيد

•*



Laila1405 and عقل like this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-09-18, 01:06 AM   #26

قدر فيه امل

? العضوٌ??? » 409590
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 457
?  نُقآطِيْ » قدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond repute
افتراضي

يسعد قلبك مااحلاكي
بتجنني ولا اروع وصف جميل ودقيق للاحداث وسرد متميز للشخوص والافكار لن اندم يوما على متابعة مثل هذه الرواية وكاتبة مبدعة سلمتي ودمتي عزيزتي ننتظرك.

لامارا likes this.

قدر فيه امل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-09-18, 03:42 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هلا وغلا

تغيبت بالبارت السابق وقد سبب تغيبي سباق أخواتي في تحليل



حسناً واضح ان هديل ابنة يعقوب

كثير من المؤشرات تشير إلى ذلك

ريبة يعقوب من ان تلتقي هديل بشخص عربي وسعودي خاصة



أما ثامر ورغد وعبدالله

عندما كان يبحث ثامر في صندوق القديم وجد ورقة فابتسم اتوقع إنها عقد زواج صوري بين رغد و ثامر لأن مستحيل خالد يترك رغد مع ثامر بدون صفة شرعية لكن ثامر في باله إن رغد اخت لا أكثر بدليل إنه مال لسمر بسرعة جداً....

رغد حست بالغيرة من سمر كانها تقول لنفسها حلال عليه يحب وانا أنحبس يمكن تقوم برد فعل ثوري وتهرب مع عبدالله الله يسترك ما يكون ذيب

حتى لو مو ذيب لكن في ضميره ما راح يحترمها ولا يحترم وضعها وراح يعايرها طول عمرها....



يمامة وياسر

لما قال ياسر ليمامة لي في ذمتك دين اتوقع يقصد المدالية الحياكة إللي ما كملتها وخاطتها في بجامتها...

عاد راح تذكر ولا لا والبجامة موجودة ولا أكل عليها الدهر وشرب ؟؟



ناصر وبنت الشيخ نورة

ناصر يشوف نجد ضحية طيب ويوسف مسكين اللي راح

يعني يعقوب لو ما هو ذابح نجد هل ترضا يعقوب يصير حقود ويطارد نجد مثل ما انت تطارد يعقوب ؟؟

عند أهل البادية في شغلة ما أدري إذا راح يطبقها ناصر

وهي يروح حق الشيخ يقوله بدال الثار و الدم أبي نسبكم ويمكن يطلب يد نورة

عاد هل الشيخ يوافق او لا ؟؟

خاصة يعقوب مريض ويحتاج علاج سرطان الرئة من أصعب انواع السرطانات...



ياسر

ياسر لما التقى يعقوب أصابه مرض قلبي هناك سر قد أفضى به يعقوب لياسر غير إن يعقوب قد قتل نجد تحت تأثير الصدمة

في شي غامض

لأنه أستغرب لما لم يشرح ياسر لناصر ما حدث بين الثلاثة

لما لم يشرح له قصة يعقوب من وجهة نظره

وتركه يعيش في حزنه سنين ؟؟

ننتظرك البيدا وايدي على قلبي كل مرة اخاف تنقطعين

الله لا يقوله ويصير هذا الشي

أتمنى إنك تكوني بخير دائماً وبالتوفيق لك....

دمت بود



Laila1405 likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-09-18, 11:12 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي





*•
الورقة السابعة
*•




تسير السيارة في الطريق الطويل، تتخذ مسارًا غير معبد .. تهتز مرارًا حتى تتوقف أعلى منحدر عالي، منحدر صلب متساوي، يلتفت إلى والده :" هنا يبه؟ "
يتأمل المكان بعيني حنين، يفتح باب السيارة ليخرج .. يسير ببطء متحسسًا موضع قدميه، يخرج نجد من السيارة هو الآخر ليلحق بوالده، يمشي بجانبه .. تلمع عينا ياسر وهو يقول :" تعرف يُبه وش هالمكان؟ "
يبتسم نجد وهو يكتف يديه :" حدود الهضبة"
يهز رأسه إيجابًا :" ووش بعد؟ "
يعقد حاجبيه نجد :"طويق؟ "
يُمسك بكفه ياسر، يسير به .. يبتعدان عن السيارة، يتخطيان الصخور .. يُبعده عن النباتات الشوكية، حتى يقف بعد مدة بين صخرتين كبيرتين بارتفاع شاهق، يضرب ياسر الصخرة بكفه ليتطاير غبارها :" هنا يا نجد .. إذا ما خيبت الطبيعة والتطور توقعي"
يتحسس نجد الصخرة التي يشير إليها والده، يسمعه يتابع :" هنا قبل سبعة وعشرين سنة ونص ولدت"
تتسع عيناه بدهشة، تغوص كفه في الصخرة عله يتلمس الموضع الأول لبزوغه في الحياة :" يبه هنا ولدت أنا؟ - بعتاب - ليش ما أخذتني لهالمكان قبل؟ "
يبتسم ابتسامة لا تظهر إلا لنجد :" الإنسان كل ما كبر أكثر زاد حنينه للماضي، دخلت الخمسين والظاهر بدت تلعب لعبتها بقلبي ولا زمان ما كان يجي بخاطري أوديك هنا"
يجلس نجد، ليجلس والده معه تحت الصخرة.. تدور عينا نجد في الرمال وتشققات الجبل، المكان الذي ردد صدى صراخ أمه .. يكاد يسمع صوت طفل صغير يفجّر أول صرخاته بين هضبة نجد ليرتد صوته، يعود صوت والده :" هنا طحت من رحم أمك ليدي .. كانت أول يد تشيلك وأول حضن يحضنك هو صدري"
يسحب كف والده ليقبلها سريعًا، يتابع ياسر :" سبقت موعد جيتك بشهرين، وكأن الله يهيأ ولادتك مع ولادة أخوك يوسف.. كنت أضمك بأول نَفس وبأول صرخة لك، وكان يوسف تو ماله يومين بحضن أمه ما كنت أدري عن ولادته"
تذبل عينا نجد وهو يستشعر صوت الندم ينبع من والده، يعود ياسر :" كنت خايف من لحظة ولادتك، وكنت متشوق لها .. بس عرفت شكثر كان الشعور يستاهل كل لحظة شوق وأنا أضمك ... كانت أمك بالقرية ويوم جاء وقت ولادتك حاولنا ناخذها أنا وجدك لأقرب مستشفى، بس استعجلت انت وطلعت عالدنيا واحنا موقفين السيارة هنا لو لا لطف الله ثم الحرمة الكبيرة اللي وقفت بعايلتها بالطريق كان فقدتك انت وأمك..- يصمت وكأن تلك اللحظة برهبتها تعود إليه.. يبتسم ويشير إلى السماء- كانت الدنيا تبرق وترعد .. وجدك الله يرحمه خايف يجي السيل ويحجزنا ، كان موسم السيول .. قبل ولادتك بأربعة أيام جاء سيل كبير وحجزني ما أطلع من القرية .. "
يقاطعه نجد :" عشان كذا ما حضرت ولادة يوسف؟ "
يهز رأسه إيجابًا، يتابع :" يوسف ولد وحده بدون أبوه، وكبر وحده بدون أمه.. كبر فجأة وأنا غافي عنه - يزفر بشدة ليتابع بعد صمت- وانت للحين ما كبرت بعيني يا نجد، انت للحين أخاف عليك كل ما طلعت من البيت، أخاف إنك تقطع الشارع وحدك.. انت بتبقى ذاك الطفل الموصول بحبل برحم أمه "
يصغي إليه نجد بصمتٍ مطبق، صمت يخلف وراءه حب يكبر ويتضخم أكثر لأبيه، الأب الذي بات يراه ابنًا له، يشعر بأنه هو الأب .. يرغب وبشدة أن يأخذ هذا المقام من أبيه ليكون أباه؛ لأنه يدرك أن لا أعظم من الأب.. وتتوق نفسه ليصل إلى هذه الرتبة ليس مع طفل له، بل مع أبيه .. يتابع ياسر :" كان خالك ناصر يقول لي وانت طفل لا تدلله كثير .. الدلال الكثير يقلب في الكِبر، كانوا يقولون الابن المدلل هو اللي يوجع أبوه لا كبر .. بس أنا أشوفك فيني، أنام كل ليلة وأنا أدري ما برتكي إلا عليك.. ولو نفسي خذلتني نجد ما يخذلني"
يشد على كف والده، يوجعه قلبه لحديث والده الغريب .. بات والده يسبب له الوجع وكلامه يزداد ألمًا، لا يود أن يفكر .. أن يصطدم بأن هذا حديث الخمسين، حديث الكِبَر .. يدني رأسه على كتف والده، يُقبله :" أنا ..ويوسف، كلنا ظهر لك يبه، الله يديمك لنا ولا يوجعنا فيك"
تسقط قطره باردة على خده، يعقد حاجبيه ليصله تهليل أبيه .. يرفع رأسه لتشق الضحكة طريقها مختلطة بضحكة ياسر :" الله أكبر ... أمطرت يا نجد"
يتوقفان، تنساب الأمطار لتبلل وجهيهما، تمتلأ صدورهم برائحة الطين، أمطرت نجد .. ولا شيء يعادل شوق قلوب أهلها لقطرة مطر تبدد الجفاف، أمطرت وكأنها تُذعن لقلبيهما اللذين اتصلا وتشابكا لتسقي أوردتهم بماء السماء ..



-


تستند على نافذتها بضياع شديد، تشعر بعظامها تتفتت .. باتت مريضة من الداخل وكأن باقي جسدها يستجيب لينسل من بيدها، هاتفها مرمي بإهمال.. منذ مكالمة عبدالله الأخيرة رمته بخوف ورهبة، تشعر أنها فقدت نفسها .. لم تنفك منذ هطول المطر وهي تطلب من الله أن يأخذها إليه، ترتسم ببالها صورة العراق .. ذاك البلد الجريح، لماذا تتراءى لها الآن وهي التي كانت ترتجف خوفًا كلما مر اسمها على مسمعها أو سقطت أنظارها خطأً على قناة تبث الأخبار محملة برائحة الدم الذي بات يلازم العراق الجريح؟ كانت صغيرة .. لكن ذاكرتها احتفظت بتلك الأيام المشؤومة لتذكرها الآن، ماذا لو سبق الزمان خالها خالد تلك الليلة؟ تذكر تمامًا صراخ خالد الهزيل على ذاك الوحش الذي يُسمى والدها .. تنتابها الرعشة على ذكرى والدها، تُمسك رأسها تحاول طرد شريط الذكريات الذي بدأ يُفلت وينساب متخللًا مرضها .. تهديده بأن يُبلغ الشرطة، يرد الآخر بصوت مزمجر يهدده بالأذى الذي سيُلحق به، يُذكره بعصابته الإرهابية التي تنتشر كالسرطان، لن ترحمه .. ولن يرحم هو نفسه وزوجته وابنتهم الصغيرة، سيُفجر نفسه والبيت بمن فيه ولن يستسلم، سيقتل نفسه وزوجته وابنته على أن يستسلم... يذبل خالد بخوف، يحاول أن يلجأ لأخته، لكن قلبها وعقلها سُلم لوحوش يدعون أنهم الدين، عمياء هي عن كل السواد الذي يحيط بها حتى صارت أشد قسوة من زوجها .. تؤكد له أنها لن ترحل إلا لقيام الحق، وإن فشلوا فالشهادة هي طريقهم.. تدعو له بأن يعود لرشده ويهرب من الطغيان إلى الجهاد، ييأس خالد، يُدرك أن لا طريق معهم .. هما بالجحيم، لا يبالي .. لكن تلك الطفلة المتعلقة به لن يسمح بإرسالها إلى الجحيم، كان ضعيفًا في وقت سابق .. زُوجت طفلتان لم تتجاوزا الثالثة عشر لأشباه رجال من نفس زمرة أبيها، يُدرك خالد أنهما هُرّبتا مع أزواجهم إلى أفغانستان، لم يكن بمقدوره فعل شيء.. لكن الآن سيُقاتل لأجل رغد، لم يكن قتاله سوى أن استطاع انتشالها والهروب بها منهم ليلة رحيلهم .. كان موقنًا أن أبا رغد لن يتمكن من تحطيم جميع خططه وجميع خطط رؤسائه الشياطين لأجل طفلة! سيلقى حتفه سريعًا بتهمة الخيانة..
تنساب دموعها بشدة، تشعر بعظامها تؤلمها وهي تذكر ضرب والدها .. لم يرحم صغرها، كان شيطانًا على هيئة إنسان، قد يكون هو ووالدتها وأختيها فُجروا منذ زمن بعيد، قد يكونون الآن مجرد عظام بالية تحت التربة .. أو قد يكونون في العراق، سوريا، أفغانستان .. تذكر بالمقابل مسح كفي خالد على شعرها، حضنه الطويل لها .. كيف كان يُغني لها قبل أن تنام، يعود لها صوت عبدالله.. تهز رأسها بيأس، أقرب الناس لها يجهل أعظم سر .. هو لا يدرك بسبب ماذا اضطر خالد لما اضطر إليه، هو لا يعلم أنها ابنة إرهابي مطلوب.. أنها فاقدة للهوية بسبب خوف وقلق خالد بأن تُكشف من قِبل ميليشيات أبيها وأخيه، هو لن يفهم الضياع الذي تعيشه.. لن يستوعب حجم خسارتها لنفسها، انتشلها خالها من ضياع كبير ليُلقيها بضياع أصغر .. لكنه ضياع ينهشها ويفقدها نفسها.
تقف بثقل لتفتح النافذة، تمد يدها علّها تُلامس المطر .. هي بحاجة أن تُغسل روحها، لكن يدها الهزيلة كانت أضعف من أن تتبلل بالمطر، تقف فجأة .. ترتدي عباءتها وحجابها، تقف أمام الباب بتردد كبير .. لم تجرؤ مسبقًا على تخطي حدودها المرسومة، هذا الباب .. لا تغادره إلا وحارسها ثامر أمامها، ماذا لو خرجت؟ فقط تبلل وجهها بالمطر وتعود .. لن يحدث ما هو أسوأ من حالها.
تفتحه ببطء شديد، وكأنها تخشى أن تقابلها وحوش تتربص بها .. تطلّ من خلفه، لا أحد .. مجمعهم يغطيه الهدوء دائمًا، تأخذ نفسًا عميقًا لتفتح الباب أكثر، تخطو أولى خطواتها بقلق يشوبه توق كبير لملمس المطر .. يرتد باب الشقة خلفها، تنزل الدرج بخطوات مترددة .. تهب عليها نسمة باردة، تستنشق الهواء بعمق كبير وكأنها سجينٌ أُفرج عنه.. تتجاوز الباب، تقف فجأة وهي تتأمل المنظر .. شارع مبلل بالمطر، أطفال يركضون في كل مكان بمرح، أناس كثر يمشون بعجلة .. تقتل الخوف الذي انتابها من منظر الناس وهي تستشعر قطرات المطر تسقط على رأسها من فوق حجابها، تلامس خدها.. تتسع ابتسامتها، تتحول لضحكة كبيرة .. تقفز لتهرول بحرية تفتقدها، تتوقف فجأة وهي تستوعب أنها حافية القدمين!
لا بأس، لا يوجد شعور أعظم من أن تغوص أقدامها في المطر.. تتجاوز المجمع، والشارع الذي يقع عليه .. مذهولة هي بشجاعتها لأمر بسيط كهذا! تدخل الحديقة الصغيرة وضحكاتها تتكاثر وتملأ صدرها .. تتقدم لأطفال يلعبون بالكرة، تنوي أن تركل الكرة بعيدًا لتركض لها مجددًا .. لكن يصدونها بنظرات ريبة وهم يحملون الكرة بعيدًا عنها بعد أن رمى أصغرهم عمرًا كلمته :" مجنونة! "
يتملكها الغضب، تعيد كلمته في داخلها .. لتضحك وهي لا تتوقع من طفل يرى شابة كبيرة تود اللعب وتسير بلا حذاء وصفًا أقل من مجنونة، لا تُبالي .. تتوجه إلى المراجيح، تسير بسرعة لتلتقط المكان الخالي الوحيد لتحلّق بها بعيدًا .. تنتشر ضحكتها بمتعة كبيرة والهواء يهب بسرعة كبيرة محملًا بالمطر.
يصلها صوت امرأة تمسك كف طفلة صغيرة :" معليش أختي تنزلين وتتركين الصغار يلعبون؟"
لا تهتم، تتظاهر بأنها لا تسمع .. لن تضحي بمقعدها ومتعتها هذه لأي كان، تشعر بأنها تحلّق بعيدًا مع الطيور المهاجرة.. هذه متعة قد لا تنتهزها مرة أخرى مطلقًا


-

يحلّ المساء .. تبدد الغيوم حمرة الشفق الأحمر ليغطي السواد المكان، يصلها رنين هاتفها .. ثامر يستعجلها للخروج، تغلق الهاتف بسرعة.. لتسحب الحقيبة القديمة وتفتحها، يأتي صوت سمر من خلفها :" تدورين على شي؟ "
ترفع رأسها يمامة برجاء :" أبيك بس تقفلين الشنطة وترجعينها لمكانها بعد ما أطلع"
تهز رأسها سمر إيجابًا، تجلس على سرير يمامة تراقبها .. تُخرج الأخرى حقيبة قماشية لتفتحها بعجلة، وسرعان ما انتشرت ابتسامتها بصدمة.. نعم لا بد أنها الأمانة المزعومة!
تغلق الحقيبة الصغيرة لتلتفت إلى سمر :" يلله مع السلامة، لا تنسين ترجعين أغراضي"
تهز رأسها الأخرى لتضمها بحب كبير :" لا تطولين علينا"
تقبّل خدها لتلبس نقابها بعجلة، تضع الحقيبة الصغيرة في حجرها لتخرج سريعًا وتودع خالتها .. تخرج إلى الشارع لترى ثامر يجلس في سيارته محتميًا من المطر، وما أن رآها حتى خرج سريعًا ليساعدها كي لا تنزلق.. تتمسك بالحقيبة لتبقيها معها، تسير السيارة أخيرًا وبهجتها تزيد على وقع صوت سقوط حبات المطر .. تستنشق الهواء بعمق :" اللــه أخيرًا جاء موسم الأمطار"
يبتسم لفرحتها، يفتح نافذتها قليلًا حتى يداعبها المطر.. تتحدث كثيرًا، تبدو أكثر نشاطًا بعد زيارتها لأهلها .. يجده الوقت المناسب ليرمي سؤاله ببراءة مزيفة :" يمامة الحين سمر بنت خالك بعمرك؟ "
تعقد حاجبيها على السؤال الذي لا يبدو في محله :" لا طبعًا .. ليش؟ "
يتابع ادعاءه للبراءة :" ولا شي، بس جاء ببالي شلون وحدة صغيرة بعمرك ومطلقة"
تتنهد بضيق :" الله بيعوضها اللي أفضل منه"
يهز رأسه تأكيد :" آمين .. بس كم عمرها هي؟ "
" امممم أظن ثلاثين أو تسعة وعشرين"
يرتفع حاجبه :" آهاا"
تغير مجرى الحديث باستعراضها لحالة الطقس للأيام القادمة، تتحدث بكل شيء .. يُحاول إشراك سمر بطريقة غير مباشرة ليعرف المزيد، اكتشف من خلال ساعة الطريق هذه أنها معلمة .. عملها يبعد عن منزل ذويها قرابة الساعتين، لا تأتي إلا نهاية كل أسبوع .. لذلك استنتج عدم معرفتها بقدومه ذاك اليوم الجميل.
تدخل السيارة مدينة الرياض، يقتربان من المنزل.. ولا تزال الغيوم ملبدة، يصادفان في إشارة الشارع القريبة نجد وأباه، تهمس بحنين كبير يمامة وهي ترى ياسر :" ثامر قول لهم يجون يتعشون عندنا، خالتي جهزت العشاء بالحافظة، بس بسخنه"
يهز رأسه إيجابًا ليلتفت إلى السيارة بجانبه :" عمي، يمامة حالفة عشاكم الليلة عندنا"
تضربه بخفة على ذراعه، ليضحك وهو يرى فرحة ياسر الكبيرة .. تتوقف السيارتان أمام منزل ثامر، يخرج نجد بلهفة شديدة ووالده معه .. يسمع كلمات أبيه لها وسلامها عليه، يعبر عن شوقه الكبير لابنة لم تكن من صلبه ..
تدخل المنزل ليتبعها البقية، وما أن دخلت وتوارت خلف الباب الداخلي شعر بحنينه يقتله .. وكأنها ليست قريبة منه..
تُسخن العشاء، يساعدها ثامر .. وها هي وحدها، تُمسك الحقيبة القماشية بحماس شديد، تستخرج الأشياء .. كلها تعود لما قبل تسعة أعوام أو يزيد.. حقيبة ذكرياتها الصغيرة، تبتسم بحنين شديد وهي تمسك بدفتر قديم.. دفتر كانت تحبه كثيرًا .. تتصفحه لتنتابها ضحكة خافتة، إعرابات كثيرة بخطها الركيك.. وقلم أحمر يصحح الأخطاء منتهيًا بتوقيع كبير .. توقيع نجد، الأستاذ نجد ..
تقلبه سريعًا حتى وقعت عيناها على ورقة في منتصف الدفتر، لتعقد حاجبيها سريعًا، لا تتذكرها إطلاقًا .. ترفع الدفتر بعقدة حاجبيها وهي تقرأ خط نجد ( يمام العزيزة .. أظنك تعلمين أن قرار إبعادك عني آلمني .. نعم كنا صغارًا وما عدنا كذلك، كنتِ جزءًا مني .. وأعلم كيف كنت مقربًا منكِ، أعلم جيدًا أن مكانتي تعلو مكانة يوسف وثامر عندك.. لم يكن عدلًا أن ينزعوك مني، أن تتواري خلف حجابك كلما اقتربت، هي أمور دين ولا اعتراض .. لكن ارتباطي الروحي بك لم يكن مصادفة، كنت أتساءل الأسبوع الماضي كيف وقع اختيار اسم (اليمامة) عليك من بين جميع أسماء البنات في العالم؟ كيف ضاقت اللغة على والديك حتى لم يبقى غير (اليمامة) لتُسمي به .. لكني وصلت لجواب منطقي، اسمكِ لم يكن عبثيًا .. كان إعلانًا من القدر ليكتب ويقرأ علي مصيرك، مصيرك المرتبط بي.. سميتِ باليمامة تيمنًا باسم مديتنا وانتمائنا، أظنكِ تعلمين أن الرياض كانت تُسمى اليمامة قديمًا .. وأنا نجد، تلك الهضبة التي شهدت التاريخ والممالك .. حتى قادها الزمان لتصبح (اليمامة) عاصمتها ورأسها الشامخ، اليمامة لا تنتمي إلا إلى نجد .. ونجد لا تُباهي إلا باليمامة. هما جزءان لا ينفكان عن بعضهما، تمامًا كما أنتِ وأنا .. أؤمن جدًا بارتباطنا، أراكِ تلبسين الفستان الأبيض.. لأُمسك بكفك الصغيرة وأحملك إلى مصيرنا وأحلامنا، حبيبتي يمام .. اليوم أُنهي آخر اختباراتي في الثانوية .. السنة المقبلة سأكون طالبًا جامعيًا ، أعدك أن تمر سنوات دراستي الأربعة سريعًا، سأثبت نفسي لك، ولأختك نورة .. سأثبتها لثامر ويوسف، ليثق الجميع أني أليق بكِ، كما أنتِ تليقين بي.. يتملكني الخجل وأنا أكتب إليك .. لكن حبي وشغفي يستحوذان على هذا الخجل حتى ما عدت أبالي بما أكتب، انتظريني يا يمامتي الصغيرة ... نجد *التوقيع* 5/1/1428 )

ترتجف عيناها وهي تُعيد قراءة المكتوب، تشعر بحرارة حارقة تحرقها .. كيف فاتتها هذه الورقة؟ كيف انزلقت من بين الأوراق واختفت؟ لماذا تظهر لها الآن؟ تغطي عينيها بكفيها بوجع شديد .. ذاك الدفتر، كان يساعدها في مذاكرة مادة القواعد العربية الفاشلة فيها، كما كان يوسف .. يكتب لها القواعد باختصار ويُعيد إرسال الدفتر إليها لتحل الأسئلة .. كانت تنتهي من اختباراتها قبلهم، وبقي ذاك الدفتر بحوزته .. حتى انتهى من اختباراته هو الآخر وأعاده، لم تبالي به .. وضعته في صندوق ذكرياتها التي تحتفظ به وأغلقته حتى هذه اللحظة.. تتنهد بوجع كبير لتُعيد فتح الصفحة، يقلد والده حتى في أسلوب كتابته المميز.. تتلمس خطه الصغير .. هل ما زال كما عرفته؟ أنيقًا ومرتبًا؟
لماذا تأتي هذه الورقة الآن؟ وفي هذا الوقت؟ هل كان جادًا فيما يكتبه؟ .. يعود إلى ذاكرتها ذاك اليوم الذي أخبرها يوسف بنية خطبة نجد لها، كان ينوي سماع رأيها قبل أن يتحدث إلى خالها .. تذكر جيدًا كيف غضبت، كيف صدت يوسف بنفور شديد وهددته بمقاطعتهم أن فُتح الموضوع مجددًا ..وكيف باتت تتحاشى نجد تمامًا، كانت تعلم أن نجد لا يعرف سواها .. لا يعرف سوى الفتاة المقعدة اليتيمة، من تشتت بين بيت أختها الراحلة وبيت خالها .. كانت تعلم حجم الفقد الذي سببه رحيلها عنهم، عن يوسف وثامر ونجد وحتى ياسر ..والآن يأتي لخطبتها ليلم شملها بهم مجددًا؟ كانت ولا زالت تكره فكرة أن تكون مجرد عالة، أن يراها الجميع بعين النقص والشفقة.. أو أن تتزوج لأنها فقط المتوفرة، كانت تحلم بأن تعيش قصة حب ملحمية، أن يُحارب الجميع لأجلها .. لكن ليس نجد! الصديق الذي سبب لنفسه خسارة بسبب خطوته هذه، أن يتقدم إليها فقط لأنه لا يعرف أنثى غيرها!
تشعر ببلل يزحف إلى عينيها، تمسحه بكفها قبل أن تسقط الدمعة.. تزفر بحرارة ولا زالت تتأمل الورقة، تشد أصابعها لتفصل الورقة عن الدفتر .. تطويها بعناية كبيرة لتضعها تحت وسادتها، ستأخذها غدًا معها .. ستُعيدها إليه، الأمانة التي طلبها .. هل طلب استردادها ليمزقها؟ أم طلبها ليُذكرها بالألم الذي سببته له ويفتح ورقة أخرى؟ ورقة وجع جديدة..
تمسح وجهها سريعًا على صوت وقع خطوات ثامر، يقف قُرب بابها بابتسامة واسعة :" الله يسلم يدين خالتك، من زمان ما أكلت بهالشهية"
تمثل الابتسامة :" الحمدلله، راحوا؟ "
يهز رأسه إيجابًا:" ايه وغسلت المواعين .. نامي الحين وارتاحي"
يتركها ليدخل غرفته.


-




يخرج من المسجد بعد آداء صلاة الفجر بخمولٍ شديد، يُحاول استعادة نشاطه بالمشي السريع حول حديقة الحي الصغيرة .. يُفكر في مشيه باللقاء العلمي الأول للقانونيين في مدينة الرياض، سيُقام اليوم.. ويقدم هو ورقة علمية بين حضور كبير، سيُمثل الجامعة والقسم.. لابد أن يكون مستعدًا، يتوقف فجأة وهو يذكر.. يضرب جبينه بخفة وهو يخرج هاتفه، نسي أن يبلّغ شُعبه الدراسية بإلغاء المحاضرة بسبب اللقاء .. يكتب رسالة جماعية لطلابه يبلغهم بالاعتذار ..
يعود لمنزله، يستعد .. يمضي الوقت وها هو يقف بسيارته أمام أحد الفنادق الفخمة، لا تزال أمامه ساعة قبل بدء المؤتمر، يرغب بتفقد طلاب القسم التابعين له.. يتعرف على طلابه سريعًا، يتجه إليهم ليسجل حضورهم.. يبتعد الطلاب قليلًا لتتقدم مجموعة طالبات لا يتجاوز عددهم الخمسة، يرفع رأسه ليلقي نظرة سريعة .. يأتيه أحد الطلاب ليستفسر عن أمور تخص المؤتمر، يترك الورقة مع الطالبات ليركز انتباهه على الطالب، وما أن انتهى منه تُقدم له إحدى الطالبات الورقة لتجلس مع رفيقاتها .. مرر عينه سريعًا على الأسماء يتأكد من عددها، وسرعان ما بهتت عيناه وهو يرى الخط المنظم باسمها (ريم موسى)، لم يطّلع على أسماء الطالبات مسبقًا .. ليتفاجأ الآن أنها معه، يرفع بصره إلى مكان جلوس الطالبات.. يُخمن من تكون، اثنتان بحجابيهما دون نقاب.. واثنتان بنقاب لكن بعبايات ملونة، ووحيدة بعباءة سوداء .. لم يكن من الصعب عليه تأكيد أن تكون هي، ابنة الشيخ موسى مؤكد ستلتزم بمعايير حجاب محددة .. يشتت أنظاره ليُبعدها عن فكره، يترك طلابه ليتقدم ويجلس في واجهة القاعة الكبيرة.. ينشغل مع زملاء وأساتذة وقانونيين في نقاشات كثيرة .. يبدأ المؤتمر، تتوجه إليه الكاميرات.. ليبدأ ورقته، تمضي الساعة سريعًا وهو مستمتع بأجواء المؤتمر.. يرفع حاجبه بانبهار وهو يسمع تدخلاتها التي تلقيها بين الفينة والأخرى، تسأل .. تُناقش وكأنها أستاذة وليست طالبة في مراحل دراستها الأولى، تمتلك هالة هيبة خاصة كأنها ورثتها من أبيها.. فصيحة اللسان، قوية الحجة .. لو كانت فقط تملك اسمًا غير اسمها لما توانى عن إبداء الإعجاب الشديد بها كما فعل معظم الجالسين معه .. يشيدون بها، يتوجه الكلام إليه ليبدون إعجابهم بقدرة طالبة من طالبات جامعته على هذا المنطق.
ينتهي المؤتمر .. تتفرق الكراسي، يُغادرون القاعة منتشرين في البهو .. يقف مع مجموعة رجال ونساء يتناقشون، يرى طلابه يقتربون ينتظرونه وكأنه أبٌ يخشون ضياعه في الزحام، يبتعد ليقترب من طلابه بابتسامة واسعة.. فخور هو بما قدّمه وبالإطراء من الجميع على طلابه، يضحك قليلًا مع الطلاب بينما الطالبات يقفن على بعد مسافة منهم، يُعرفهم على أساتذة القانون البارعين ليتقدموا ملقين السلام، يصله صوت رقيق من خلفه :" أستاذ ناصر "
يلتفت سريعًا ليجد أمامه طالباته تقف اثنتان منهم بمسافة أبعد قليلًا .. إحداهما ريم، يصله إطراء الطالبات وحماسهن للتجربة الأولى لحضور مؤتمر بهذه الضخامة، تسأل إحداهن :" أستاذ كيف درجاتنا حقت الاختبار؟ "
يعقد حاجبيه :" أنتِ مين؟ "
"فاطمة"
يهز رأسه بقلة حيلة مبتسمًا :" مفروض أنتِ من الطالبات اللي ما يفكرون يسألون هالسؤال"
تزم شفتيها بإحباط :" والله كان صعب.. شرايك دكتور الطالبات المشاركات بالمؤتمر ترفعهم خمس درجات؟ "
يهز رأسه نفيًا :" وين إقامة العدل اللي بح صوتنا واحنا نعلمكم به؟ "
يأتي اعتراضها ومحاولاتها، يهز رأسه بنفي أشد :" كل طالبات الشعبة محتاجين درجات، ظلم أعطيك لأن اسمك ترشّح للحضور وهم انحرموا - يلم أوراقه التي بين يده يلتفت للتي تقف في الخلف مميلًا رأسه - بس طالبة واحدة أبهرتني واستحقت الدرجة الكاملة"
ترفع رأسها سريعًا منتبهة له، تلتفت الطالبة الأخرى لتلتقي عينيها بريم .. تضرب رأسها بخفة :" أكيييد ريم! "
يبتسم ولا تزال عيونه على تلك الواقفة تنظر إليهما :" طبعًا، وهل في ذلك شك؟ "
يصله صوت تنهدها الخافت:" الحمممدلله "
يقترب خطوة، ولا تزال بينهما مسافة واسعة .. :" الكل كان يثني عليك بالمؤتمر، رفعتِ سمعة القسم"
يكاد يرى ابتسامتها من عينيها، تشتت أنظارها سريعًا بخجل لتتداخل أصوات بقية الطالبات مشيدين بما قامت به، يبتسم هو الآخر في ذات الوقت الذي اقترب منه أحد زملائه:" زين عن إذنكم طالبات"
يتركهم خلفه ليبتعد، يهز رأسه بضحكة عابرة ممزوجة بسخرية .. كيف أوصله القدر لأن تكون ابنة الشيخ أمامه قبل قليل، يحدثها .. ويضحك!


-


على بُعد مسافة، تجلس في الخلف والتوتر يغطيها لم تستطع حتى أن تضع عينيها في عينيه، صوتها هزيل وهو يسألها عن حالها .. تحتضن حقيبتها، تتردد في إخراج الورقة .. تزفر وهي تقرر أن تتناسى الأمانة حتى يطلبها هو، قد يكون نسى ما طلبه!
يُقاطع سكونهما صوت نغمة هاتفها :" هلا منى .. - تزفر بلا شعور - أوففف معقولة التغت؟ .. - تتنهد بضيق- لا أنا خلاص طلعت من البيت ما يمديني أرجع... مع السلامة"
تضع هاتفها والإحباط يصيبها، لا توجد محاضرة .. وسيارة نجد قطعت مشوارًا طويلًا لا يُمكنها أن تعود إلى البيت، يأتي صوته سائلًا :" أُلغيت المحاضرة؟ "
تهز رأسها إيجابًا وبهمس :" ايه"
يهز رأسه دون تعليق، يسلك مسارًا آخرًا .. ظنت بداية أنه يرغب في إرجاعها إلى المنزل، لكن لم تمضي إلا دقائق معدودة وها هو يقف أمام أحد المطاعم، ينزل ليعود بعد مدة قصيرة حاملًا أكياس ساندويتشات.. يركب السيارة لينطق :" حرام تروح قومتك هالصبح عالفاضي، قلنا نفطرك"
تعض شفتها بتوتر يزيد مع الوقت حتى توقفت السيارة أمام حديقة كبيرة، يخرج ولا يترك لها مجالًا أن تعترض، يحمل كرسيها ليقربه لها .. يفتح الباب لتقابله نظراتها المترددة، يبتسم مشجعًا .. تعقد حاجبيها :" طيب ومحاضراتك؟ "
يهز كتفه بلا مبالاة :" ما عندي الحين، محاضراتي مسائية"
تشعر بكذبه، ينتابها شعور يدفعها للتقدم معه .. تود لو تفهم رسالته القديمة تلك، هل هي خربشات مراهق؟ أم ما زالت تلك الكلمات تحتفظ بمكانها؟
تتحرك لتخرج من السيارة إلى الكرسي، يحمل هو كيس الطعام .. ويسير بجانبها، هواء بارد منعش يدغدغهما، ورائحة مطر ليلة الأمس ما زال يعبق من التربة ..
يراقبها كيف تحاول إمساك عباءتها التي يعبث بها الهواء تارة وتارة تحاول السيطرة على نقابها ومرة تتمسك بحقيبتها، وكفها الأخرى مشغولة بتحريك الكرسي، يتقدم ليسير بجوارها، يمد يده ليسحب حقيبتها :" هاتيها عنك"
تزيد ربكتها وهي تشعر بيده خلف ظهرها تثبت الحقيبة على ظهر الكرسي، يعودان للسير .. أصبح يمشي متجاوزًا إياها بمسافة بسيطة، تستطيع تأمل هيأته من الخلف بقليل من الحرية .. نجد ذاك الفتى الصغير أصبح طويلًا، كانت في الماضي ترفع رأسها قليلًا كي تتسنى لها رؤيته من كرسيها.. أما الآن أصبح يُعانق السماء، هي بحاجة لأن يطول عنقها كثيرًا حتى ترتاح بتأمله.. فجأة، تشهق بلا وعي وهي تشعر بكرسيها يرتج قليلًا ليتوقف..
يلتفت بتلقائية لها ليجدها عالقة في مكانها ورأسها للأسفل وكأنها تتفقد شيئًا ما.. يرجع لها بعقدة حاجبه :" وش فيه؟ "
تزم شفتها بضيق وهي ترى الكارثة أسفلها، تُشير لعجلتها :" فيه حجرة كبيرة "
يقترب، يجلس بجانبها على أطراف قدمه متكأً على ركبته .. تُبعد قدميها بيدها حتى يتسنى له رؤية الحجرة، يُبعدها عن عجلتها ببساطة ليقف مبتسمًا :" خلاص شلتها، انتبهي مرة ثانية"
تهز رأسها بخجل وما أن همّت بتحريك الكرسي حتى مالت على أحد جوانبه وذات العجلة تفقد توازنها.. :" نجـــد "
أمسك بذراعها بتلقائية يمنعها عن السقوط، تشبثت به أكثر وهي تزفر بضيق كبير .. تكره أن تكون بموقف كهذا، ومع نجد بالذات .. خاصة بعدما قرأت ورقته القديمة تلك، يأتيها صوته قريبًا جدًا ولا يفصل وجهه عن وجهها إلا مسافة شبر :" بنزلك .. "
لا يترك لها مجالًا، تلتف ذراعه حول ظهرها .. ويده الأخرى تُمسك ببذراعها، تضرب أنفاسه عنقها المغطى بحجابها .. يشعر هو الآخر بأنفاسها المضطربة أعلى صدره وأسفل كتفه، دوامة حارة تعصف به .. يتوه فيها، يرفعها إليه .. لا يفصله عنها شيئًا، يُغمض عينيه وضربات قلبه ترتفع.. تسلبه روحه هذه اللحظة ويغرق فيها .. يشعر بيدها التي تشبثت بكتفه والأخرى تشد على ذراعه وكأنه تخشى السقوط فيه، تنفرج شفاته في لحظة ضياع.. كتفها يكاد يلامس شفتيه، وشفتاه تجف فجأة وكأنها تطلب أن يسقيها.. :" نجـــد"
صوتها المرتجف أفاقه من سكرته، يزيد توتره.. تشير بإصبعها للأسفل :" نزلني هنا"
يعض شفته بربكة الموقف، يستدرك نفسه .. يُدني جسده لتجلس على الأرض بسرعة، لم يكن أصعب من قربها إلا انفكاكه عنها وهو يشتت أنظاره في العشب ويقف سريعًا متجهًا إلى كرسيها.. يلقّيها ظهره ليستعيد انفاسه قبل أن يعود إليها وبيده كيس الفطور.. أنظاره كانت تضيع في كل مكان إلا عينيها، وبصوت متوتر :" افطري وأنا بشوف للكرسي"
يضعه بجانبها ليتركها خلفه تصارع ضربات قلبها، ترفع كفها لترى ارتجافتها .. تزم شفتيها وبداخلها تسب المحاضرة الملغية التي أوصلتها لموقف محرج معه، يلتفت إليها بعدما تمالك ملامحه ليبدد الإحراج :" يمام.. خذي راحتك، افطري ولو ودك شيلي النقاب .. أنا ببعد هناك"
يقف ليخلع شماغه وطاقيته والعقال، رغم برودة الجو الخفيفة إلا أنه يشعر بحر شديد مصدره الفتاة الجالسة خلفه، يحمل حقيبتها ليعود إليها ويتركها بجانبها مع شماغه.. يبتعد بمسافة قصيرة مع كرسيها، يحاول معرفة علة العجلة .. يعقد حاجبيه بتورط، هو لا يفقه شيئًا في التفكيك إلا تفكيك النصوص الأدبية .. يحاول مرارًا، لكن يبدو أنه يزيد الأمر سوءًا .. يصله صوتها من خلفه :" نجد، آسفة"
يبتسم ولا يزال منشغلًا بالعجلة :" أنا الآسف .. - يلتفت بملامح باسمة - الظاهر أعدمت كرسيك! "
تزم شفتها بضيق، ضيق كونها تورطه معها .. وضيق أكبر لأن أغلى ما تملك يبدو في أسوأ أحواله، تتنهد :" خلاص اتركه، بحاول أمشّي نفسي به الحين ولا رجعت البيت بقول لثامر "
يعقد حاجبيه ويده تحاول شد العجلة :" تذكرين يوم كنا صغار .. أنا ويوسف الأغبياء طلعناك التلة - يضحك بخفة وهو يعيد بصره إليها- للحين ما نسيت الضرب اللي أكلناه من ثامر"
تضحك وذكرى الماضي تبدد إحراجها:" أووه ثامر المسكين، كان توه مصلح الكرسي ورجعنا عدمناه له"
يجلس على الأرض بعد ما كان يستند عليها بأطراف أقدامه، يتكئ بيديه على الأرض وبابتسامة حنين :" أحيانًا أقول ليت ذيك الأيام وقفت ولا عاد مشت ... "
تتنهد بضيق، الحنين والماضي بكل ذكرياته يعودان إليها .. تُخرج قطعة ساندويتش من الكيس لتمدها إليه :" افطر نجد واترك الكرسي عنك"
يقف ليقترب منها، يأخذ الساندويتش من يدها ليجلس بجوارها يفصله عنها حقيبتها .. يُمدد رجليه مثلها، يبدأ بتناول فطوره ليصله صوتها باسمًا وهي تشير إلى قدميهما :" طولت كثير .. شوي وأوصلك"
يبتسم وهو يتأمل أقدامهما، قدمها الرقيقة وخلخالها الناعم، نعم طالت كثيرًا .. لاحظ ذلك في اللحظات القليلة التي حملها فيها، يرفع رأسه ليرميها بنظرة خبيثة :" وش صار على أمانتي؟ "
تتذكر الرسالة، تعود كل كلماتها التي حفظتها إلى ذاكرتها .. تزم شفتها بتوتر، تشعر أنها أضعف من أن تُخرج الورقة بكل تلك الكلمات له الآن، تهز كتفيها :" ما ساعدتني انت! "
يبتسم، يُمسك حقيبتها ... كاد قلبها يتوقف، لكن سرعان ما عقدت حاجبيها وهي تراه يُمسك بميدالية تتدلى منها ويلعب بها :" أمانة تشبه لهالشي"
تشعر بماء بارد يغطي وجهها وهي تسمع كلامه، تبهت .. تُشير مجددًا للميدالية :" ميدالية؟؟؟"
يهز رأسه إيجابًا، لتفلت منها ابتسامة صدمة.. ماذا كانت تطن؟ ماذا لو أخرجت الورقة قبل أن يتحدث .. كيف سيكون موقفها وهي تُعطيه ورقة كتبها وهو مراهق معبرًا عن مشاعر طفولية ويوعدها بزفاف وفستان أبيض! تهز رأسها بعدم تصديق .. يتابع :" ليلة وفاة أمي نورة الله يرحمها أخذتِ مفاتيحي وميداليتي .. ووعدتيني بميدالية جديدة.. بس للحين ما شفتها! "
هو يتحدث بكل بساطة وهي تقرع نفسها على تفكيرها الأحمق، أمانة .. كانت تظن أن هذه الكلمة تحمل دلالة كبيرة، ورقة ثمينة .. ليست مجرد خيوط كانت تخيطها وهي صغيرة!
يزيد اتساع عينيها وهي تراه يفك ميداليتها معلقًا :" باخذها بدل الأمانة اللي ضاعت"
لا تعلق، لا زالت مأخوذة بالصدمة .. تراه يُخرج مفاتيحه ليعلّق ميداليتها فيها، يعلو رنين هاتفه .. يعقد حاجبيه بضيق من المتصل الذي يذكره بدوامه، يرد لتُدرك من محادثته السريعة أن هناك ما ينتظره.. يُغلق الخط، يقف ليعود متأملًا الكرسي .. تنطق بسرعة :" عادي بيوصلني للسيارة.. بس قربه لي"
يبدو مترددًا، العجلة ما زالت تفقد توازنها .. لكن لا حل آخر، يُقرب الكرسي ليراقبها وهي تستند عليه بثقل، وترفع نفسها إليه .. يُمسك بمقبضي الكرسي ويسيّرها ببطء لئلا تسقط، يفتح باب السيارة لتتسلل كفه وتُمسك بذراعها .. لا ترفض مساعدته، تستسلم له وهي تستند عليه حتى تجلس في السيارة، يقود عائدًا إلى المنزل .. يتحدث كثيرًا، يتذكران الماضي .. يشعر بقربها الشديد منه، وكأنها عادت يمام التي يعرفها وتركها قبل تسعة أعوام في باحة صالة منزلهم تبكي فقد نورة، ليست يمام التي رفضته وصدته يومًا ما..


-


يقف أمام مرآته، يُمسك بالورقة ويتأملها .. دعوة وزعتها هديل في آخر مرة التقاها في المركز قبل يومين، مبادرة لدعم مرضى السرطان، لا يهتم إطلاقًا بالحضور .. لا تروق هذه التجمعات الكبيرة لشخص بيتوتي، يرتمي على سريره ولا تزال الورقة في يده .. يبتسم وهو يذكرها وقت توزيع الإعلان كيف تجاوزته لتُعطي الورقة للشخص بجانبه، استنكر فعلها مطالبًا بنصيبه.. نطقت سريعًا بمزاح ( ممنوع حضور العرب)، تضحك على ملامحه المتفاجئة وهي تمد له بالورقة (ترى صدق مو لازم تجي، الحضور مو إلزامي.. النوم على السرير أفضل) .. كانت ملامحه لا تزال متفاجئة من كلامها لتنطق بجدية وهي تبتسم (أمزح.. إذا ودك تجي تعال، بس ترى أبوي وأمي بيكونون موجودين .. - تهمس وهي تقترب منه - يعني سوي نفسك هندي)
يرفع حاجبه وهو يدرك سبب عدم رغبتها بحضوره (والله المدينة مو مسجلة باسم أبوك! )
تضحك (لا صدق أمزح، بكيفك بس أنا ما أعرفك ولا انت تعرفني .. )
يتفهم قلقها الشديد، والدها سعودي .. ويعرف جيدًا الحدود المفروضة بين الجنسين في عُرفه.
يتأمل الساعة، لم يبقَ على بدء المبادرة سوى عشرون دقيقة.. يهب واقفًا فجأة ليُبدل ملابسه، رغبة شديدة تدعوه للحضور ..
يستقل الباص ليصل إلى الحديقة المدونة في الإعلان، يبحث بعينيه عنها .. الكثير من الناس، جلسات أرضية تتوزع في المكان .. يتحلقون بعضهم مجموعات يتوسطهم شخص يتحدث، وفي الجانب الآخر ينتشر مجموعة متطوعين يتحدثون بحماسة .. منهم من يعرض فيلمًا توعويًا ومنهم من يوزع منشورات، ومضمار سباق يلف المكان، تشد انتباهه إحدى الحلقات.. يتعرف على الشخص الذي يتوسطها، والدها .. ابتسامته الوديعة لا تزال، يقترب من الحلقة ليأخذ مكانه.. يسمع حديثه المشجع، يُشير بإصبعه لإحدى الجالسات لينتقل بصر يوسف بتلقائية لها .. امرأة أربعينية بحجاب يغطي شعرها، تلبس معطفًا ثقيلًا يغطي جسدها حتى ساقيها .. تبتسم وعيناها تلمع بحب كبير على كلمات زوجها :" هذه .. هي أملي، من أجلها أنا مستعد لتحمل جميع ألمي.. فقط لأرد لها جزءًا يسيرًا مما فعلته لأجلي، ومما حاربته لأجلي .. - يصفق أفراد الحلقة مشيدين بها .. ترتفع يده مجددًا لتشير لشخص بعيد، يبتسم يوسف وهو يراها منشغلة بتجهيز شيء ما .. يتابع والدها - تلك .. الواقفة هناك - يوجه حديثه لبعض المتطوعين- أظن أنكم تعرفونها .. تلك هي زهرتي، هي ما يبقيني على قيد الحياة .. صحيح أني والدها، لكنها تُمثل لي كل شيء .. أنا لا أرى إلا من خلال عينيها، لا أسمع إلا من أذنيها .. هي عظيمة بعظمة أمها، أنا صغير جدًا أمامها .. لا أكاد أكون شيئًا دونها، سأحارب لأجلها .. "
يسمع يوسف بقية حديثه بحنية قاتلة، يكاد يشعر بتحشرج صوت أبيها وهو يتحدث عنها .. عاجز عن وصفها، ينهي كلامه .. يصفق له الجميع، يقفون .. يقف يوسف معهم وفجأة يقترب منه أبوها، يعقد حاجبيه بقلق وخشية .. داهمته كل التوقعات، هل أدرك أنه سعودي؟ هل جاء ليحذره من الاقتراب من هديل؟
سرعان ما بدد قلقه وأبوها ينعطف قليلًا ليُسلم على شخصٍ ما .. يضحك بداخله من الهاجس الغبي! يتأمل ملامحه عن قرب.. جميل هو، يكاد يجزم أن الشيب زاده جمالًا.. يلمح البطاقة المعلقة على صدره ليقرأ الاسم بفضول شديد (عبدالعزيز بن فهد) يليق به اسمه كثيرًا .. ويليق بها أكثر، يبتعد هاربًا ليسير بين جموع الناس، يدخل أحد التجمعات حيث كانت تقف ليراها تجلس على كرسي وكأنها تنتظر شيئًا ما .. يتقدم ليقف أمامها :" وش تسوين؟ "
تفز بخوف وللتو تنتبه لوجوده :" بسم الله! خرعتني "
يبتسم مميلًا رأسه :" مسموح أتكلم سعودي ولا ممنوع؟ "
تدور عيناها بقلق على المكان وهي تحرك كفيها له :" روح روح، أنا ما أعرفك "
يضحك على شكلها المتوتر :" كنت مع أبوك قبل شوي! "
يراقب تغير ملامحها للخوف الشديد، يضحك مجددًا وهو يستند بذراعه على العمود بجانبها :" بس حضرت كلامه ورحت .. لا تخافين ما شافني"
تهز رأسها سريعًا :" طيب طيب بس يلله روح"
يعقد حاجبيه متجاهلًا كلامها :" ما قلتِ وش تسوين؟ "
تزفر بضيق :" بتبرع بشعري، خلاص عرفت الحين روح"
يرفع رأسه متأملًا الحاضرين :" لا تخافين شفته هناك بعيد وشكله مشغول"
تتنهد لتحرر شعرها من عقدته، تعود لتأمل الحاضرين بقلق :" زين طيب قدم لي خدمة"
لا تترك له مجالًا للسؤال، تُخرج هاتفها لتمده إليه :" صورني .. باخذ صورة وداعية مع شعري"
تبهت ملامحه من طلبها، يعتدل بوقفته ليأخذ الهاتف منها .. يلمح سوار الشماغ يغطي معصمها، يتراجع قليلًا ليفتح الكاميرا .. يوجهها إليها وهي تنثر شعرها الطويل حولها :" يللا صور "
يتأملها من الكاميرا، تبدو مسالمة وبريئة كما لم يشهد فتاة بوداعتها .. يلتقط الصورة ليُعيد الهاتف إليها :" امممم وين السبحة؟ "
تتأمل ملامحها في الصور برضا تام، تُنزل الهاتف لترفع معصمها .. تُزيح سوار أبيها قليلًا لتظهر طرف السبحة :" خبيتها لا يشوفونها أمي وأبوي .. سُبحة هذي مافي مجال أكذب وأقول اشتريتها من السوق! "
يشعر بطمأنينة تسري به وهو يرى سبحته، يهز رأسه إيجابًا ليتراجع للخلف :" زين .. أنا ما أعرفك ولا تعرفيني "
تتسع ابتسامتها لكلامه، تقترب منها إحدى المتطوعات لتربط شعرها وترفعه .. ينفصل نصفه عنها، تملأ استمارة التبرع .. لتفتح كاميرا هاتفها تتأمل شكلها الجديد، تلتفت حيث كان يقف تنوي سماع تعليقه .. لكنه كان قد اختفى ..


-


في مقر عمله، يجلس في مكتبه والملل يصيبه إثر حديث زملاء المكتب عن مواضيع لا تشده .. يناقشون مباراة الأمس، يحتد النزاع بينهم .. وهو يكتفي بتأملهم بسخرية كبيرة.. يرنّ هاتفه، يرفعه .. ليعقد حاجبيه .. نفس الرقم الغريب الذي اتصل عليه وكرر اتصاله، يقف ليخرج من المكتب الضيق ويقرر الرد :" هلا "
يعقد حاجبيه وصوت امرأة غريب يصله، حديث غير مفهوم .. يبدو بلغة غير عربية، يُبعد الهاتف عن أذنه ليتأمل الرقم مجددًا، قد تكون مخطئة .. يُرجعه لأذنه :" معليش مامـ..."
تتسع بؤرة عينيه بصدمة وصوت مألوف يصله، ضعيف هزيل .. هامس :" ثـ..ـامـ..ـر"
يزيد تنفسه، غير معقول :" رغد ؟؟؟؟؟"
يشعر بالحركة المريبة خلف الهاتف، يعود صوت المرأة الأخرى الغريب .. وصوت بكاء خافت ليس إلا صوت رغد!، يُمسك الهاتف بقوة وكأنه يخشى أن ينسل من بين يديه مخبئًا رغد خلفه :" رغد!!!! كلميني .."
يُقطع الخط في وجهه، يشعر بأن قدميه غير قادرة على حمله .. جميع الظنون تفجرت في رأسه، تحامل على نفسه ليخرج سريعًا .. يصله صوت المدير :" على وين ثامر؟؟؟"
يتجاهله، لا يسمعه .. يركض مسرعًا إلى سيارته ليقود بسرعة جنونية .. لا يرى سوى رغد، لا يسمع سوى صوتها .. صوت بكائها.. صوت ضحكتها، يكاد يراها كالسراب .. كلما زاد سرعته اختفت وتلاشت للبعيد .. يهمس برجفة :" لا يارب، يارب رغد .. رغد يالله"


*•

أنا خاتم الماثلين على النطع

هذا حسام الخطيئة يعبر خاصرتي

فأُسلسل نبعاً من النار يجري دماً

في عروق العذارى

- سيد البيد





Laila1405 and عقل like this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-09-18, 11:58 PM   #29

قدر فيه امل

? العضوٌ??? » 409590
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 457
?  نُقآطِيْ » قدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond reputeقدر فيه امل has a reputation beyond repute
افتراضي

ياسلام على التميز
روعة مبدعة فنانة يعني قد ماوصفت ماراح اوفيكي حقك عن جد رواية روعة افتقدت هذاالاسلوب من فترة
بارك الله فيكي استمري ....
ننتظرك من الان

لامارا and Laila1405 like this.

قدر فيه امل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-09-18, 03:01 PM   #30

noura26

? العضوٌ??? » 258206
?  التسِجيلٌ » Aug 2012
? مشَارَ?اتْي » 160
?  نُقآطِيْ » noura26 is on a distinguished road
افتراضي





اشكر الكاتبه على هالابداع اللي جالسه اقراه ، من زمان ماقريت رواية بهالحبكة والقوه وعمق المشاعر
مرره شكرا ♥
*طبعا جاء في بالي كم تحليل ان شاء الله اني اصبت فيها
# راح ادخل على العميق
لما مات ابو ثامر اضطر ياسر يتزوج نوره عشان يربي ولد اخوه وجوزا تزوجت يعقوب

* يعقوب لما صارت الحادثه وقتل نجد هو هرب واكيد طلقها وكانت حامل واخفت حملها واخذها ابوها وراحوا لقريتهم وعرف ياسر بطريقة ما واتفق مع ابوها ان يبينون للناس ان ياسر تزوجها بعد ماخلصت عدتها وانها حملت على طول ولما انجبت نجد هي انجبته في التاسع بس بينوا للناس انه في السابع عشان مايشكون في حملها وتزوجت من ياسر بعد ماجابت نجد ونوره كانت تدري عشان كذا كانت تتغطى من نجد لانها ماتصير عمته.
•في رسالة ياسر بداية الرواية كان يعتذر من نجد وخايف لايفقده وانه مايربطه به شي وانه امانه
''سأقول لك الآن لماذا.. لأني طالما سحبتُ يدي من تحت رؤوسهم لأسند رأسك، كنت لا أكترث لأني أؤمن بما يربطني بهما، لكن أنت .. كنت أخشى فقدك، أخشى أن أستيقظ يومًا ولا أجدك،''
- هنا كان يقصد ثامر و يوسف واحد ولد اخوه وواحد ولده لكن نجد !!
"عندما يراودني الخوف مما أفعله كنتُ أهدئ نفسي بأني أحفظ الأمانة، لكني كذبت .. أدركت في ذلك اليوم أني لا أحافظ على الأمانة لكونها أمانة، بل بسبب أنانيتي وتملّكي .. أنا أصغر وأحقر من أن أكون مسؤولًا عن أمانة أمام العليم القدير. "

_ ولما حلم ناصر ان يعقوب اخذ اولاد ياسر ارتبك ياسر وخاف

* ويوم ياسر يوصي نجد انه ماياخذ ثار خاله ابدا ولا يمشي في مسأله الثار وماهدأ الا لما وعده نجد انه مايتدخل ،، هذي كلها تدل ان يعقوب هو ابو نجد بنسبه كبيره
* وقبل لا انسى طبعاً يوسف لما شاف ملامح هديل حس ان ملامحها مألوفه بالنسبه له ، وهديل طبعا بنت يعقوب واخت نجد .


هذي كلها تحليلات جات في بالي وانا اقرأ عاد ماادري عن صحتها

لامارا and Laila1405 like this.


التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 26-09-18 الساعة 06:50 PM
noura26 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:04 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.