آخر 10 مشاركات
السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          القرصان الذي أحببته (31) للكاتبة الأخاذة::وفاء محمد ليفة(أميرة أحمد) (كاملة) (الكاتـب : monny - )           »          الوصــــــيِّــــــة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          فضيحة فتاة المجتمع الراقي (83) لـ:مورين شايلد (الجزء1 من سلسلة فضائح بارك أفينو)كاملة (الكاتـب : * فوفو * - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-03-20, 08:55 PM   #1261

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الخاتمة
=====

سينابون !
هكذا نحن ..مزيج من مذاق القرفة اللاذع ..و"الصوص الحلو" ..والعجين المتخمر بماء الماضي !

=====

يفتح زين عينيه صبيحة ليلة زفافهما ليتفقدها جواره لكنها لم تكن هناك ..
يدور بعينيه باحثاٌ عنها ليجدها واقفة أمام النافذة العريضة التي احتلت جداراٌ بأكمله في غرفة نومهما والتي تطل على الحديقة ..
تتسع عيناه بانبهار وهو يراها في وقفتها هذه تمثالاً مجسداً لفتنة امرأة كما يجب أن تكون ..
تبدو له في وقفتها الجانبية وقد عقدت ساعديها وزمّت شفتيها بشرود كشمس أكثر إشراقاً من هذه التي تنير الكون كله الآن ..
شعرها ينسدل فوضوياٌ ثائراٌ بطوله على ظهرها فتضطرب حواسه وهو يتذكر رائحته الفريدة التي غرق في سحرها بالأمس ..
لم تكن مجرد رائحة عطرية تجتذب رجلاٌ مثله جرب من فتنة النساء قبلها ما يكفيه وزيادة ..
لكنها كانت رائحة خاصة بها وحدها ..مزيجٌ فريد من الأصالة والتجدد ..
من البساطة والعمق ..
مزيج يبدو وكأنه لا تتقنه -في الدنيا- امرأة سواها!

ينفض عنه غطاءه بخفة وهو يتحرك نحوها بحذر كي لا يقطع شرودها المهيب الذي يزيدها سحراً هذا ..
يقف على بعد خطوة واحدة منها يختزلها بسرعة ليلصق ظهرها بصدره أخيراً مطوقاً إياها بذراعيه ليهمس جوار أذنها بنبرته الدافئة :
_لازم أتعلم أرسم !..خسارة جمالك ده ما يتخلدش في لوحة للأبد .

تبتسم وهي تستدير له بوجهها الصبوح الخالي تماماً من مساحيق زينته ..
وبقمريها اللذين ازداد تألقهما في عهد حريته الجديد لتهمس بحروف من عشق:
_صباح الخير ..المنظر من هنا جميل قوي!
_جميل؟!
يهمس بها ليصدر "همهمته الماكرة " التي تعشقها منذرة بعاصفة ستأتي بعدها ..
وقد صدق ظنها وهي تشعر بأنامله تجيد عزفها على بشرتها متناغمة مع كلماته :
_الكلمة دي ماينفعش تتوصف بيها أي حاجة غيرك وانتِ موجودة ..كل الجمال جنبك بهتان يا ياقوت ..


يهمس بها بصدق دافئ يزلزلها وشفتاه تميلان على عنقها ..
فيرتجف جسدها وهي تشعر بضغط ذراعيه حولها يشتد بهذه الطريقة الناعمة التي لا تدري كيف يجيد مزج رقتها مع قوتها بهذا الشكل ..
كيف تخبره أنها تعشق عناقه لها بهذه الطريقة عندما يسند ظهرها إلى صدره ..
ظهرها الذي ظنت يوماً أنه لن يجد سنداً يدعمه سوى "حائط" تصنعه هي بنفسها ..
والآن تجد صدره أكثر قوة ..أكثر أماناً ..أكثر دفئاً ..
فهل أجمل من هذا بديلاً؟!

تغمض عينيها بتنهيدة عميقة فيدير جسدها نحوه ليزيح عنها طرف مئزرها فيغمر "مثلثه الأثير" على كتفها بفيض عطاياه ..
بينما يهم بإلقاء المئزر جانباً بخفة لكنها تتشبث بالأخير هاتفة بمزيج من خجل وقلق :
_سيبه معلش ..لسه مش متعودة .

فيعقد حاجبيه قليلاً وهو يميز الطيف القلق الذي يتلاعب بكلماتها لكنه تغاضى عنه مؤقتاً وهو يعيد ضم مئزرها فوقها برقة ليبتسم لها بتفهم قائلاً:
_أخلليهم يحضروا لنا الفطار في الجنينة واللا هنا ؟!

فيزداد الطيف القلق تكاثفاً في عينيها وهي تغمغم :
_مش متعودة حد يحضر لي الفطار ..عموماً يعني مش متعودة أفطر ..

يتفرس ملامحها بذكاء لا ينقصه وهو يلاحظ ارتباكها الغريب ليصدر همهمته المميزة من جديد قائلاً :
_مممم ..تلاتة "مش متعودة" في أقل من دقيقة !

تتكلف ابتسامة واهنة وهي ترفع عينيها نحوه بنظرة عميقة أصابت سهمها في قلبه ..
كان يدرك -مثلها- أن أول ما سيواجه زواجهما من عقبات هو هذا الفارق الطبقي الشاسع بينهما ..
لم يكن بهذه السذاجة كي لا يدرك ما يسببه لها هذا من ارتباك ..
خاصة مع يومها الأول هنا !

بينما كانت هي تشعر -رغم العاطفة الهادرة التي أغرقها فيها منذ الأمس- أنها غريبة وسط كل هذه الفخامة الباذخة التي وجدت نفسها فيها ..
هو كان حلمها ..لكنه عندما استحال لواقع تكاد تشعر أنه يخيفها !

لقد كذبت زاعمة أنها لم تعتد تناول الإفطار ..والحقيقة أنها اعتادت هذا إنما بحميمية "خبز" ثمر الذي تعجنه اليد ..أو بساطة إفطارها في أيام عملها طوال الأسبوع في العاصمة ..
أما ما ينتظرها هنا وما رأت جانباً منه في عشاء الأمس يشعرها رغماً عنها ببعض الرهبة التي تعجبتها في نفسها !
لا ..لم تكن قلة ثقة في نفسها أو فيه ..
بل هو مجرد شعور بال ..غرابة!!

هذا الذي وصله كاملاً في نظرة عينيها التي لم يحتج سواها ..
لهذا ابتسم وهو يتناول كفها قائلاً :
_تعالي معايا ..عايزك قبل أي حاجة تشوفي مكان مهم جداً عندي.

تتحرك جواره شاعرة بالأمان يتسرب إليها رويداً رويداٌ مع دفء كفه المحتضن لكفها ليخرج بها من الغرفة إلى أخرى في آخر الرواق الطويل ..
هذه التي فتحها ليدخل بها ثم يغلقها خلفهما ..
تتسع عيناها بانبهار وهي تميز محتويات الغرفة شديدة الفخامة ..شديدة الكلاسيكية ..شديدة الاتساع ..
كأنها انتقلت لغرفة من غرف القصور القديمة ..
سجادة حمراء فاخرة ..
نجفة عملاقة تتدلى من السقف بكريستالات شديدة اللمعان ..
الأثاث نفسه كان يبدو لها وكأن كل قطعة فيه هي تحفة فنية هربت من متحف قديم ..
رباه !
هل ينقصها المزيد من رهبة الغرابة ؟!!

لكنه يضغط كفها أكثر في راحته ليتحرك بها نحو ذاك الكرسي هناك ..
كرسي بدا لها فخماً كبقية أثاث الغرفة لكنها ولسبب ما لم تفهمه كانت تشعر بهالة حميمية تطوف حوله ..
حتى قبل أن يجلسها برفق فوقه ليميل نحوها بوجهه هامساً بنبرة ذات شجن :
_ده كرسي ماما الله يرحمها ..محدش قعد عليه بعدها أبداٌ ..إلا أنتِ .

حاجباها يرتفعان بدهشة للحظة وهي تشعر بدقات قلبها تتسارع بانفعال ..
خاصة وهو يقبل رأسها باعتزاز قبل أن تفاجأ به يجلس على ركبتيه أمامها على الأرض!

تدمع عيناها بتأثر وهي تراه يسند مرفقيه على فخذيها وعيناه تغيمان بشروده :
_دي كانت قعدتي المعتادة معاها ..أحكيلها تفاصيل يومي وهي بتطبطب على راسي ..يااااه ! عارفة بقالي أد إيه مادخلتش الأوضة هنا عشان الحنين مايغلبنيش وأنا شايف كرسيها فاضي ؟! أنا نفسي مش عارف ..من زمااان ..من زمان قوي .

لم تشعر بنفسها وهي تنحني نحوه لتضم رأسه بذراعيها نحو صدرها مفتقدة كلماتها التي تاهت في خضمّ هذا الشعور الذي يكتسحها الآن بضراوة ..
فتشعر بهمسه يهدهد مخاوفها كأنه يمسحها مسحاً :
_لو على إحساسي أنا ..فانتِ مش غريبة على البيت هنا يا ياقوت ..أنا حاسس روحها فيكِ انتِ ..فاكرة لما قلتلك إني ماحسيتش إن حد خاف عليّ بعدها غيرك ؟! ده مكانك هنا ..على كرسيها ..وفي قلبي ..

لم تملك خيط الدموع الذي سال على خدها في هذه اللحظة والذي مسحته أنامله برقة وهو يعاود رفع سراجيه نحوها مردفاً بمزيج غريب من وعد ورجاء:
_ده إحساسي وهاعمل كل حاجة ممكن تتخيليها عشان يبقى إحساسك انتِ كمان .

تغمض عينيها للحظة فيقبلهما بعمق هامساً :
_واحدة واحدة يا ياقوت ..كل مرة هتقولي فيها "مش متعودة" هتلاقيني جنبك بقوللك "هنتعود" ..هنتعود سوا.

تبتسم أخيراً وهي تفتح عينيها شاعرة براحة غريبة تغمرها ..
كل مخاوفها تذروها الرياح كأن لم تكن ..
لم تعد تشعر برهبة الغربة بل تثق بوعده أنهما معاً سيتكيفان على الوضع الجديد ..
هي في بيته الفخم هنا ..وهو في بيت ثمر البسيط هناك ..
هي على كرسي أمه هنا ..وهو على حجر ثمر ترقيه هناك ..
مادامت القلوب قد تجانست فلا خوف ولا فوارق ولا غربة !

_زين!
تهمس بها بأكثر نبرة عاشقة سمعها منها يوماٌ فيرد ب"همهمته" العذبة التي تكاد تذيب عظامها لتشدد ضغط ذراعيها حول عنقه مردفة :
_لو جبنا ولد هاسميه زين ..عايزة نسخة منك تكبر قدامي ..يبقى زين ابني وزين حبيبي وجوزي وأبويا وكل حاجة .

يبتسم متأثراً بهذه اللهفة المنفعلة التي تتحدث بها ليومئ برأسه ثم يستقيم واقفاً ليوقفها معه ..
قبل أن يهمس لها بنبرته الدافئة :
_بس لو جبنا بنت مش هاسميها ياقوت ..عايزها ياقوت واحدة في حياتي ..أسطورة ما بتتكررش .

تضحك ضحكة رائقة يدللها بشفتيه للحظات ثم تتأبط ذراعه وهي تغادر معه الغرفة شاعرة أنها لن تكون آخر زياراتهما لها ..

تختار أن تتناول إفطارها معه في الحديقة ولم يكادا ينتهيان منه حتى هتفت به بلهفة :
_وريني المكتبة اللي قلت عليها هنا .

فيبتسم وهو يتحرك معها متعانقي الكفين نحو هذه الغرفة في الطابق السفلي والتي خصصها لمكتبة عظيمة ذهلت لمرآها لتهتف بانبهار:
_إيه كل ده ؟!
فيضحك وهو يرفع إحد حاجبيه هاتفاٌ بمكر لذيذ:
_مش قلتلك كل ما كنتِ بتوحشيني كنت بشتري كتاب؟!

تضحك بدورها وهي تندفع نحو الرفوف تتفحصها تباعاً بسرعة ..
ليلحق بها فيحتضن خصرها من الخلف قائلاً :
_من الحاجات اللي كان نفسي نعملها أول يوم لينا سوا هنا إنك تقريلي .

_وأنا كمان .

_هتقضوها قراية يوم الصباحية ..عوض عليا عوض الصابرين يارب!

تهتف بها "عفريتتها العابثة" بسخط متذمر لكنها تتجاهلها بضحكة مكتومة وهي تسمعه يسألها:
_هتختاري انتِ واللا اختار أنا؟!

_اختار انت الكاتب وأنا هاختار الرواية .
تقولها مرحبة بمشاركتهما القرار فيصدر همهمته اللذيذة وهو يدور بأنامله بين الكتب والروايات ليقول أخيراً:
_هاختار نرمين نحمد الله ..كويسة ومناسبة لدماغك على ما أظن ..قرأت لها ماسة وشيطان كانت معقولة ..بس تعاويذ عمران عجبتني أكتر ..
فتضحك وهي ترد بمرح:
_طبيعي تعجبك تعاويذ أكتر ..أنا بقا مغرمة بجارية في ثياب ملكية ..بعشقها ..بس روايتها الجديدة بتاعة معرض السنة دي هي "التوب" عندي.
تقولها وهي تستخرج الرواية التي بدت بغلافها الناعم شديدة الأنثوية ليصدر همهمته اللذيذة من جديد قائلاٌ :
_ما قرأتهاش ..فرصة تقريهالي بقا ..اسمها غريب قوي ..

يقولها وهو يتهجى الاسم الذي أثار دهشته ..
(كونسيلر)!

ليقرأ العبارة التي كتبت تحته :
_أحبيه كمعجزة..وانسيه كذنب!

_عجبتني قوي ..يمكن لأن البطلة تشبهني كتير في ظروف حياتي..
تقولها وهي تحتضن الرواية بشرود فيبتسم لها وهو يتحرك بها نحو الأريكة الجانبية قائلاً :
_شوقتيني .

تضحك باستمتاع وهي تراه يجلس ليفسح لها مكاناً بين ساقيه في جلستهما المعهودة ..
هذا الذي اتخذته ليطوق خصرها بذراعيه مسنداٌ ذقنه على كتفها ..ملصقاٌ ظهرها بصدره ..
لتفتح هي الرواية وتقرأ التوقيع الأول للبطلة ..

(كونسيلر!
تذكر يوم أهديتني إياه عندما شكوت لك معايرتهم لي بهالاتي السوداء؟!
يومها قلبته أنا بين أناملي بفخر امرأة أحبتك كمعجزة لا تتكرر مرتين ..
وليتها تنساك كذنب اقترفته كذلك مرتين !
مرة عندما وهبتك قلبي ..ومرة عندما تقبلته بعدما أعدتَه أنت لي ملطخاً بسواده !
ليتني أدركت وقتها أنك اكتفيت ب"تغطية" عيبي دون أن "تعالجه" ..
وأن هديتك الفاخرة لم تكن سوى كأس فارغة لن تجدي ظمآنا!)




يصدر همهمة استمتاع قصيرة وهو يهمس لها :
_كده فهمت فلسفة الاسم ..
_فعلاً مميزة ..حتى فصول الرواية مسميها "الهالات"..أول مرة أقرا الفكرة دي في رواية ..

ثم التفتت إليه لتقول ببعض الدلال:
_أنا قرات توقيع "فاطمة" البطلة اللي شبهي ..اقرا انت توقيع البطلة التانية "غنى"..انا برضه بحب صوتك وانت بتقرا

فيقبل وجنتها بخفة وهو يبدأ في قراءة توقيع البطلة الثانية ..

(طالما اعتدت هذه الهالات السوداء تحت عيني ...
قمران "أسودان" وسط ليل ملامحي "الأبيض"...
هكذا تعودت رؤيتها -كما كل حياتي- بالمقلوب!
حدثوني عن سحر "الكونسيلر" عندما يخفي "العيوب"...
الحمقى!
هي ليست "عيوباً" ...
هي "شارات" الخبرة التي منحها لنا حزنٌ ما ...وجعٌ ما ...ذنبٌ ما!
لكنني لما التقينا أدركت الكوكب الوردي الذي قبِل هبوطي على أرضه حيث لا حزن ..لا وجع ..ولا ذنب ..

معك لم أعد أكره هالاتي السوداء ولا حتى اضطررت لإخفائها ..فأنت محوتها دون الحاجة ل"كونسيلر"!)


_هه؟! إيه رأيك ؟!
تسأله باهتمام ليصدر همهمته اللذيذة وهو يضمها لصدره أكثر قائلاً باستحسان :
_بداية جيدة ..كملي ..

تسترخي بين ذراعيه وهي تعاود القراءة فيبقى يستمع إليها لدقائق طالت ..
حتى تشعر بتسارع أنفاسه جوارها مع ترنح شفتيه المتمهل فوق جانب عنقها فتتوقف عن القراءة وهي تتذكر موقفاٌ مشابهاً لهما لتلتفت نحوه هامسة بدلال :
_بتسمع بودانك مش بشفايفك ..هه؟!

ضحكته القصيرة تداعب أذنها وهي تشعر به يضمها نحوه أكثر بأحد ذراعيه بينما الآخر يتلاعب بحزام مئزرها مع همسه :
_بتعمليها إزاي؟!
ترمقه بنظرة متسائلة عما يقصده ليشتعل همسه مع لغة جسده أكثر :
_بتوحشيني وانتِ معايا .

تضحك ضحكة خجول يتلقفها بين شفتيه وهو يديرها نحوه ليضع ما بيدها جانباٌ ثم يعاود التحليق في فردوس عشقها العامر بلا قيود ..
========
تراقب سها شروده أمام صورة زفافهما على الحائط بابتسامة واسعة شابها الكثير من الحزن على حاله الجديد ..
تدرك جيداً كيف يكون شعور العجز لرجل مثله اعتاد الفخر بإنجازاته ..
لكنها تعِد نفسها قبل أن تعده أن تزيح من صدره كل ذرة لهذا الشعور !
بحق كل لحظة عذاب قضتها دونه ..
وبحق كل يوم تمنت فيه الموت ظناً أنه الوحيد الذي سيجمع بينهما ..
وبحق حياتها التي عادت لها منذ عاد !

تتحرك نحوه لتبسط كفيها على كتفيه في جلسته فوق مقعده المتحرك ليرفع إليها وجهه بابتسامة واهنة مع قوله :
_بحب صورتنا دي قوي ..
_كل صورنا مع بعض حلوة يا ناصر .
تقولها بنبرة ذات مغزى وهي تنحني على ركبتيها أمامه لتكون عيناها في مستوى عينيه ..
كفها يعانق كفه بقوة توازي قوة عشقهما ..
فيسحبها من ذراعها نحوه ليجلسها فوق ساقيه مكررا قولها بتأكيد :
_كل صورنا مع بعض حلوة يا سها .

تبتسم وهي تلقي رأسها على صدره فيضمها نحوه أكثر مقبلاً رأسها بامتنان وشاعراً بهذا المجهود المضاعف الذي تبذله معه في ظروفه الحالية ..
لقد اعتاد كونها مسئولة عنه في الوضع الطبيعي ..تنتقي له كل أشيائه وتدبر له مواعيده وتضع له خططه ..
لكن وضعه المستحدث هذا يفرض عليها المزيد من الضغوط التي تتقبلها هي دون شكوى ..
كأنما تعوض معه شعور الأمومة الذي تفتقده !
كلاهما صار الآن يكتفي بصاحبه عن الدنيا ويرى فيه منتهى غايته !

_مركز الدكتور بتاع ألمانيا اتأخر في الرد ..بس مركز أميريكا رد عليا امبارح ..بعتلهم كل الورق اللي طلبوه بس محتاجين أشعة تانية هنعملها النهارده ..لو قبلوا الحالة ممكن نسافر في خلال ..
تقولها بحماس ليقاطعها قائلاً ببعض اليأس:
_زهقت من كتر الحاجات اللي بتتعمل من غير نتيجة .
لكنها ترفع رأسها لتقول بإصرار :
_اوعى تقول كده ..احنا لسه ماعملناش حاجة ..لو فيه أمل لسه في آخر الدنيا هنروح وراه .
يتنهد وهو يهز رأسه ليدور ببصره في المكان حوله مغيراً الموضوع بقوله :
_أحسن حاجة عملتيها إني لما رجعت هنا لقيت الشقة زي الأول ..صلحتي كل اتكسر ده إزاي؟!
_بيك !
تجيبه بحرارة وهي تحتضن وجنتيه بين راحتيها هامسة له بمزيج قوتها وعشقها :
_حتى لما ما كنتش معايا فضلت الحاجة الوحيدة في حياتي اللي تستاهل أعيش عشانها ..أكتر حاجة اتأكدت منها الأيام اللي فاتت إن اللي بيننا مهما اتكسر لازم هييجي يوم ويتصلح ..

_اتغيرتِ كتير .
يهمس بها وهو يزيح خصلات شعرها عن وجهها بأنامله ليداعب ملامحها بأنامله بحب لتدير وجهها فتقبل راحة يده هامسة كأنها تصحح له :
_اتعلمت كتير .

يتنهد بارتياح غامر وهو يضم رأسها إلى صدره بقوة شاعراً بقوة غريبة تجتاحه وتبدد عنه كل غيوم يأسه التي كادت تمطر في واديه ..
سيحارب بكل طاقته لأجلها ..
سيحارب يأسه ومرضه وعجزه بل ونفسه كذلك !
هو قوي بها ..كما هي قوية به !

صوت رنين الباب يقاطع أفكاره فتنهض عن ساقيه لتعدل ملابسها بينما يتحرك هو نحو الباب بكرسيه قائلاٌ :
_ده إسلام ..كان قايللي إنه جاي .

يقولها وهو يفتح الباب لتستقبله ابتسامة إسلام المرحة مع هتافه :
_معايا ضيفة .
_بطلي!
تهتف بها ريما وهي تظهر من خلف إسلام فاتحة ذراعيها لناصر الذي تلقفها ليجلسها في حجره وقد انفرجت أساريره بفرحة حقيقية مع هتافه :
_ريما ..إيه المفاجأة الحلوة دي ؟!

يقولها بعاطفة أبوة حقيقية يستشعرها نحوها فترد ريما وهي تقبل وجنته بقوة هاتفة :
_رسمتلك رسومات كتير عشان تسليك ..هاتهم يا بابا .

يضحك إسلام وهو يدخل ليغلق الباب خلفه بأحد كفيه بينما يناوله بالآخر مظروفاً كبيراً حمل رسوم الصغيرة التي استطردت بعينين دامعتين وهي تدير بصرها بين ناصر وإسلام:
_كنت زمان زعلانة عشان أصحابي عندهم بابا معاهم وأنا معنديش ..بس دلوقت بقيت أحسن منهم ..عندي بابا وعندي بطل والاتنين بيحبوني .

يعاود ناصر ضمها نحوه بقوة فيما تقاوم سها دموع تأثرها وهي تراقب الموقف من بعيد لتتدخل أخيراً فتتقدم نحوهما مستجمعة قوتها بهتافها المرح:
_"سويتي ريما" ..وحشتيني!

تقفز ريما من على ساقيه فتتوجه نحوها لتعانقها بحرارة هاتفة :
_وانتِ كمان وحشتيني ..ورسمتك معاه ..شوفي !

تقولها لتركض نحو المظروف فتنتزعه منه بخفة لتفتحه ثم تقلب محتوياته لتستخرج لها هذه الصورة التي رسمتها بخطوط طفولية ..

_دي المدرسة ..ده سورها ..ودي اليافتة عليها اسم البطل ..ودي انتِ ماسكة ورد ..ودول ولاد كتير واقفين بالدور عشان يشكروكِ ويبوسوكِ .

تعجز سها عن منع دموعها التي اختلطت بضحكاتها وهي تتفرس الصورة بانفعال فيمد ناصر كفه ليحتضن كفها داعماً بنظرة مؤازرة تجعلها تستجمع قوتها لتنحني على ركبتيها أمام ريما فتقبلها بحنان قائلة :
_حلوة قوي زيك ..تيجي معايا المطبخ نعمل سوا آيس كريم ؟!

_أروح يا بابا ؟!
تسأل إسلام بلهفة فيضحك لها قائلاً :
_بتستأذني؟! عارف أنا الأدب ده سببه إيه..
ثم يلتفت نحو ناصر قائلاً :
_أصلي وعدتها لو قعدت مؤدبة هنا نروح الملاهي بالليل .

يبتسم ناصر بمزيج من إعجاب واحترام بشخص إسلام الذي يظهر له نقاء معدنه يوماً بعد يوم ..
خاصة عندما يردف الأخير بنبرة جدية وهو يتخذ مقعده جوار ناصر:
_عمو علاء كلمني الصبح ..قاللي إن المركز اللي في اسطنبول
قبِل الحالة وبيقول كمان إن الأمل كبير .

_بجد ؟!
تهتف بها سها بفرحة وهي تستقيم واقفة ليبتسم إسلام وهو يومئ برأسه مؤكداً فتحمد الله بصوت مسموع لتردف بصوت متهدج :
_كنا لسه محتارين ..الحمد لله كده نسافر في أقرب وقت .

_نعمل الآيس كريم بقا .
تهتف بها ريما بلهفة وهي تجذبها من ثيابها فتضحك وهي تنحني لتحملها هاتفة بسعادة :
_ده أنا هاغرقك آيس كريم ..
_أنا اللي هاعمله ..
تلوح معها ريما بسبابتها فتضحك وهي تسير بها نحو المطبخ هاتفة :
_حاضر ..هاعلمك إزاي تعمليه .

يراقبهما ناصر ببصره حتى تغيبا عن عينيه ولم تكادا تفعلان حتى يلتفت نحو إسلام قائلاً بامتنان جاد :
_مش عارف أشكرك إزاي ..وقفتك جنبي دي مش هنساها .
فيربت إسلام على ركبته قائلاً بمرحه المعهود :
_خيرك سابق يا كبير ..لولاك كان زمان "أبو نسب" راح في خبر كان .

يبتسم ناصر وهو يرمقه بنظرة طويلة عميقة شعر معها أنه استعاد بها عهد صداقتهما القديم قبل أن تعكر الظروف نهره ..
نفس الشعور الذي وصل إسلام وجعله يبتسم ليقول بالمزيد من المرح :
_الواد "باسل" ده كمان مشكلة ..من ساعة ما اتكلمنا ساعة قصة عابد دي وهو كل شوية يفكرني اتقابلنا أول مرة فين ..هيفضحنا ابن اللذينا ..
ثم يغمزه بمكر مردفاً:
_انت فاكر فين ؟!

يضحك ناصر ضحكة صافية وهو يستعيد الأيام الخوالي ثم يشير بإصبعه نحو المطبخ الذي تختفي فيه سها إشارة ذات مغزى..
فيضحك إسلام بدوره وهو يكتم فمه براحته للحظات قبل أن يغمزه من جديد وهو يميل على أذنه يغمغم بأسف مصطنع:
_راحت أيام الشقاوة..تبنا إلى الله !

ضحكاتهما تمتزج بصفاء للحظات لتنبئ عن تخلص القلوب من كدرها القديم ..
صديقان فرقهما "العدل" يوماً والآن ..تجمعهما "الرحمة".
=======
يجلس إسلام أمام مكتبه في المصنع شاعراً ببعض الملل وقد أنجز غالب عمله فيتناول هاتفه لتتلاعب به أنامله للحظات ..
قبل أن تنتابه رغبة عارمة في استفزازها ..
تعجبه هذه الروح الشرسة المحاربة التي تنتفض بداخلها كلما شعرت بالغيرة عليه ..
تعجبه وهي تشعره أنه حقاً صار "سيد قلبها"!

لهذا ضحك ضحكة متوعدة وهو يفتح أحد الملفات التي خصصها لمثل هذا النوع من الرسائل الفكاهية المنتشرة على مواقع التواصل :

_انت بتعرف ستات عليّ؟!
_هو فيه إيه ؟! انتِ رابع واحدة تشك فيّ النهارده !

يرسلها لها مكتوبة في شكل صورة ثم يضحك من جديد متخيلاً ردة فعلها ..
يعلم أنها الآن في غرفتها المجاورة له منهمكة في عملها ويحنقه -قليلاً- أن تكون منشغلة عنه !
لكنها تكتفي بإرسال "وجه يكز على أسنانه بضحكة صفراء" !

يضحك من جديد ضحكة متوعدة وهو يبحث عن رسالة أخرى تثير المزيد من غيظها ..

_انتِ مصدر قوتي .
_يا سلام ! والستات التانيين؟!
_لا دول نقطة ضعفي !

يرسلها لها من جديد مترقباً ردة فعلها فتصله رسالتها تكاد تنبض بطبيعتها "الشوكية":
_وده اسمه إيه بقا ؟!
_"بنكشك" يا بطل!
_والله ؟! طب ما تجربني كده وأنا بنكشك ؟!

يضحك ضحكة عالية وهو يترقب رسالتها التالية وعيناه كذلك تراقبان باب غرفته بلهفة ..
لا يدري لماذا يتوقع أن تقتحمها عليه الآن لتفعل به مثلما فعلت ذلك اليوم الذي شعرت فيه بالغيرة من مشرفة "الباص" الخاص بريما ..
تنهيدة مشتعلة تغادر صدره وعيناه تهيمان بلهفة بين باب الغرفة وهاتفه مترقباً رد فعلها ..
هذا الذي وصله أخيراً في "فيديو"!

_أوباااا! فيديو مرة واحدة ! يا ترى باعت إيه يا "شِرِس"؟!

يتمتم بها بترقب ملهوف وهو يفتح الفيديو المسجل لتتسع عيناه بصدمة لأول وهلة ..
قبل أن يبادر لخفض الصوت بسرعة وهو يميز اللحن الصاخب المنبعث ..

خطوة يا صاحب الخطوة ..
خطوة امشيلي لو خطوة
ده انت ع القلب ليك سطوة

نظرة مبطلبش غير نظرة ..
وانت فاهم وليك نظرة
شوف حالي شوف ايه بيجرالي ..
حبيت وبصمت بالعشرة

تشتعل عيناه وهو يميزها أمامه ترقص على هذه الأنغام في غرفة نومهما ترتدي جلباباً طويلاً ضيقاٌ مفتوحاً من الجانبين ..
تتمايل بهذه الحركات المهلكة وهي تواجه الكاميرا بنظرات مغوية ساحرة تختلف تماماً عما سبق ورآه لها من رقص أمام النساء ..
متى سجلت هذا الفيديو ؟!

يطلق زفرة ساخنة وهو يشعر باشتعال خلاياه واللحن "المدمر" مع حركاتها المغوية التي تزداد خطورة يكاد يفقده صوابه ..
خاصة وهي تقترب أكثر من الكاميرا لتغمز بعينها مقلدة بقية كلمات الأغنية بينما جسدها يتوهج أكثر بحركاتها ..

غمزة من عينك الغمزة ..
غمزة على خدك الغمزة
ده كلام حساس وليه مغزى..

نعمة رضاك علينا نعمة ..
نعمة ايام لقاك طعمة
واللي حسدنا في عينيه يعمى!

_ده أنا اللي هاعمى م الحلاوة دي أقسم بالله ..إيه ده ؟!
يهمس بها لاهثاً و "الفيديو" ينتهي بغمزتها العابثة مع "حركة خاصة" منها تعلم أنها تثير جنونه فيحرك كفه مفروداً حول وجهه طالباً الهواء ..

_لا بقا! أقسم بالله ما هاعديهالك المرة دي ..احنا هنقضيها فيديوهات يا ست نشويات انتِ واللا إيه ؟!

يهتف بها بتحفز قبل أن ينتفض مكانه ليندفع شبه راكض نحو غرفة مكتبها التي دخلها دون استئذان لتصطدم عيناه بما يراه !!

_فيه حاجة يا باشمهندس؟!
تسأله بتحفظ ماكر ليتنحنح بحرج وهو يراها تجلس على مائدة الاجتماعات وسط عدد من الموظفين فيحمر وجهه وهو يتمالك نفسه ليعتذر منهم ثم يوجه حديثه إليها بنفس التحفظ وهو يكاد يكز على أسنانه :
_آسف ..ماكنتش أعرف إنك في اجتماع .
_لسه بادئاه ..حالاٌ .
تقول كلمتها الأخيرة ببطء وصله معناه كاملاً فرفع أحد حاجبيه بتوعد ناقض التهذيب الظاهر لعبارته أمام نظرات الحضور ..

_آجي وقت تاني ..بعد إذنكم .
يقولها ليرمقها بنظرة متوعدة أخرى تردها بابتسامة متشفية ثم يخرج ليغلق الباب خلفه وما كاد يفعل حتى لكم الحائط أمامه لكمة قوية لعلها تطفئ براكينه التي أشعلتها تلك ال"شوكية" ..

_لا شوكية إيه بقا! ده احنا بقينا عايشين أزهى عصور "المَل.."!

_مالك يا إسلام ؟!
سؤال أشرف يقطع خاطره العابث فيلتفت نحوه بوجه محمر ليقول دون تفكير :
_أختك هتجنني!

فيضحك أشرف وهو يبسط ذراعه على كتفه بود ليتحرك مبتعداً معه قائلاً :
_ما تقولش إني ماحذرتكش ..أنا عملت اللي عليا وانت اللي صممت ..عموماً احنا لسه في فترة الضمان ..تحب ترجعهالي؟!

ورغم نبرته المازحة لكن كلماته وخزت قلب إسلام ليجد نفسه يرد بسرعة :
_هو أنا أقدر أعيش من غيرها ؟!

يبتسم أشرف ابتسامة راضية وهو يربت على كتفه ثم تنقلب لهجته لنبرة جدية أكثر :
_شوف الشغل الجديد اللي سبتهولك على مكتبك ..عايزه النهارده .

_جه في وقته !
يقولها إسلام باستحسان وهو يشعر بحاجته لأن يشغل نفسه عن اشتعال جوارحه بها ..
لقد كان يخشى الرتابة الطبيعية التي تتسرب للحب بعد الزواج ..
لكنه مع هذه المخلوقة الغريبة لا يكاد يشعر بذرة ملل واحدة ..
كأنه شجرة تعيش تقلب "فصولها الأربعة" تحت سمائها هي !

يعود لمكتبه محاولاً إنجاز عمله الجديد بانهماك أنساه مرور الوقت ولم يكد ينتهي حتى قفز من مقعده بشوق متحرق ليعود إلى مكتبها ..
لكنه وجده خالياً منها !!

_نشوى روحت ..قالت وراها مشاوير كتير مع ريما .

يقولها أشرف خلفه فيلتفت نحوه هاتفاً باستنكار:
_ومن امتى بيخرجوا من غيري يعني ؟!

يهز له أشرف كتفيه بحركة بسيطة مع ابتسامة مهدئة ليهز إسلام رأسه وهو يغادر الغرفة نحو مكتبه ..
يتناول هاتفه ليتصل بها لكنها تغلق الاتصال كل مرة ..
قبل أن ترسل له رسالتها ..

_أنا مع ريما بنشتري هدية لعيد ميلاد واحدة صاحبتها وبعدها هنروح لها ..اتغدى انت ..قوللي صحيح ..عرفت أنكشك ؟!

كان يعلم أنها لا تنتظر رداً على رسالتها ..
يكاد يشم رائحة مكرها اللذيذ في حروف رسالتها ..
حسناً يا "شوكية" ..
تعجبني معاركك الشهية هذه حين تنتهي ب"انتصارك المهزوم" بين ذراعيّ!!

بعد ساعات تعمدت أن تكون طويلة تعود لبيتهما مع ريما التي بحثت عنه أول ما دخلت لتجده يغط في نوم عميق ..
قبلته الصغيرة بخفة لتعود لها هامسة بأسف:
_نام من غير ما يقوللي تصبحي على خير .

_معلش ..احنا برضه اتأخرنا ..
تقولها نشوى بأسف مشابه وهي تحاول التسرية عن الصغيرة بقولها :
_عجبتك الهدوم اللي اشتريناها .
_أيوة بس كنت عايزاه يشوفها .
_الصبح أول ما يصحى وريهاله .

تقولها بمزيج من حنان وأسف وهي تشعر كذلك بتأنيب الضمير لغيابها في الخارج ورفضها الرد على اتصالاته ..
_هنام بسرعة عشان أصحى بسرعة وأصحيه .
تهتف بها ريما بلهفة وهي تتحرك معها لتؤدي طقوس نومها اليومية قبل أن تستغرق في نومها على فراشها ..
ولم تكد نشوى تطمئن لذلك حتى غادرت فراش الصغيرة لتتوجه نحو غرفتهما ..

_بلاش استهبال ..أنا عارفة إنك صاحي .
تقولها غير واثقة كما تدعي لكنها رمتها لعلها تصيب ..
لم تتغير وضعيته في الفراش وانتظام أنفاسه الرتيب يصيبها بخيبة حقيقية ..
فزفرت بحنق وهي تغلق الباب خلفها ليصدح صوته فجأة :
_بالمفتاح!
لم تفهم ما يريده لأول وهلة لتشهق متفاجئة وهي تراه يقفز فجأة أمام عينيها ليقف أمامها هامساً بنبرة آمرة بينما عيناه تتقدان بوهج لذيذ :
_اقفلي الباب بالمفتاح .

_تمثيلك بقا "fake" قوي !
تهمس بها بمكر منتصر فيهز رأسه بحركة متوعدة وهو يتحرك ليغلق الباب بالمفتاح بنفسه ..
ثم يتناول هاتفه ليلوح به في وجهها هاتفاً باستياء:
_زي رقصتك !
_ماعجبتكش؟!
_غشيمة قوي ..حد يرقص باللبس ده ؟! موضة الرقص بالجلاليب دي خلصت من أيام "نانسي" ما كانت قاعدة قدام طشت الغسيل ع السطوح !

يقولها بنفس الاستياء المصطنع مراقباً وجهها المحمر المغتاظ بتسلية راضية ..
خاصة وهي تهتف به بحدة :
_آسفين يا سيادة الخبير ..نسينا إن سعادتك على علم بال "updates" الجديدة كلها .

يضحك ضحكة عالية مستمتعاً بإثارة غيظها انتقاماً على ما فعلته به..
فتقذفه بالوسادة المجاورة هاتفة :
_ارجع نام وهات الفيديو ده ..هامسحه !

تقولها لتستغل انحناءته متفاديا الوسادة فتنتزع منه الهاتف فجأة لتتلاعب به أناملها لكنه يطوقها بذراعيه ليستعيد هاتفه ضاحكاً مع هتافه :
_اوعي! دي رقصة نادرة هشارك بيها في متحف الأثريات ..قال جلبية قال!

عيناها تدمعان بغيظ مع سخريته الماكرة فتلكمه بكلتي قبضتيها على صدره هاتفة :
_خلصت تريقة ؟! سيبني أنام بقا .

_مفيش نوم الليلة دي يا عسل .
نبرته الساخرة تتحول لهذه العابثة الرخيمة التي تصهر خلاياها لكنها تتمسك بقناعها الجامد وهي تشيح بوجهها ..
فيقذف هاتفه ع الفراش بخفة ليتم حصاره حولها فيدير وجهها نحوه هامساً :
_أول ما اتجوزنا كان فيه "بدلة رقص حمرا" في الدولاب ..راحت فين ؟!
_رميتها .

تهمس بها بشرود مغمضة عينيها وهي تستعيد ذكرى ما يحكي عنه ..

لقد اشترت تلك البدلة التي يحكي عنها قبل "زواجها المنتظر" بناصر وقتها ..
اشترتها بأكثر تصميم مغوٍ رأته ..
وكم تخيلت نفسها ترقص أمامه ..
كل الذي كان يملأ رأسها وقتها إن تبهره بمجرد "مهارة" تجيدها ..
لكنها عندما جربت عمق شعورها الحقيقي بالحب مع إسلام علمت أن الأمر يختلف!
ما حاجتها لاستعراض مهارة إذا كان هو يدلل أنوثتها طوال الوقت ؟!
ماذا يفيدها من كلمة ثناء عابرة إذا كانت ترى غزله صارخاً في عينيه كل ساعة ؟!
الآن تفهم المزيد من الفروق فتزداد يقيناً أنها لم تعشق يوماً سواه هو !!

الغريب أنه كان أمامها يفهم كل هذا وإن لم تتفوه به ..
تعجبه هاتان العينان الصريحتان ك"لجة بحر" شفافة تكشف ما تحت موجه بوضوح ..
وتعجبه أكثر سحابة عشقها "العذراء" هذه التي تعده كل مرة بزخة من مطر يُنبت ولا يُغرِق!

_سجلتِ الفيديو ده امتى؟!
يهمس بها متجاوزاً الحديث لآخر فترد بوجوم :
_من فترة ..من ساعة ما ابتديت تتظارف وكل شوية تبعت رسالة من دول ..انت عارف إن الكلام ده بيغيظني .

_عارف.
يهمس بها بمزيج عجيب من حنان ومكر وهو يرفع ذقنها نحوه ليعانق نظراتها بعينيه مذيباً كل وجومها هذا بأشعة عاطفته الدافئة فتهمس له عاتبة :
_ومادام عارف بتبعته ليه ؟!
_عشان بحب أشوفك متغاظة .
يهمس بها بحاجبين متراقصين فتبتسم رغماً عنها ليردف بنبرة أكثر دفئاً :
_طول عمري بشوف غيرة الستات خنيقة ..بس غيرتك عليّ ليها طعم تاني ..لو كنت في العادي بحبك فأنا بموت فيكِ لما بتبقي غيرانة .

_واللي يحب حد يغيظه كده ؟!
عتابها يمتزج بدلالها وهي تعرف الجواب قبل أن تسمعه منه بنفس النبرة المهلكة :
_انتِ عارفة ومتأكدة إني عمري ما هبص لواحدة تانية غيرك .
_بس برضه بغير .
_وعشان كده بموت في غيرتك لأنها مش غيرة شك وقلق ..دي غيرة حب ما عرفتيهوش بجد غير معايا .

يهمس بها بيقين من ملك مفاتحها كلها فيقرأ سطورها واضحة دون تشويش ..
لتتنهد بحرارة وهي تلصق جبينها بجبينه هامسة :
_اللي زيك بيغلبوه إزاي في الكلام ؟!
_ولزومه إيه الكلام ؟! ما تغلبني في حاجة تانية يا شرس؟!

يقولها بمكر عابث وهو يبعدها عنه قليلاً لتضحك وهي تلوح بسبابتها في وجهه قائلة بنبرة محذرة :
_انسى! أنا عارفة اللي في دماغك كويس ..بس الرقص لوحدي حاجة وقدامك حاجة تانية ..

_وتالتة وعاشرة واحنا ورانا إيه يا عسل؟!

يغمزها بها بمكر وهو يتحرك بها نحو طاولة زينتها ليفتح لها الكيس فوقها ..
ثم يستخرج منه ما رفعه أمام عينيها ..

_ايه القرف ده ؟! انت شفت لون البتاع ده قبل ما تشتريه؟! وبتعايب على ذوق أختك؟!

تهتف بها باشمئزاز مشيرة للون طلاء الشفاه بين الوردي والبرتقالي لكنه يضعه لها بنفسه هامسا بمكر:
_مش بقوللك غشيمة ! من امتى الروج بلونه؟!
_امال بإيه؟!
تهتف بها باستنكار ليسحبها نحوه هامسا بين شفتيها :
_بطعمه!

تضحك رغماً عنها وهي تدفعه بخفة لتنظر نظرة فضولية نحو محتوى الكيس الذي استخرجه ليستعرضه أمام عينيها المذهولتين ..

فهذه كانت أرق "بدلة رقص" رأتها ..إن كان يصح لمثل هذه الأشياء أن توصف بالرقة ..
تتكون من قطعتين بلون فضي هادئ مطرز بخطوط وردية لامعة ..
تختلف كثيراً عن تلك الحمراء الفجة التي رمتها قديماً !
ورغم تصميمها الذي ناسب الغرض الذي تُرتدى لأجله لكنها -للغرابة- لم تكن تشعر أنها فاضحة !
بل إنها شعرت بها نفس الشعور الذي ينتابها مع ملابسها التي يتخيرها دوماً لها ..
ناعمة ..أنثوية ..حميمية ..تشبهها في رقة باطنها كأنها صممت خصيصاً لها وحدها ..

_ما تنكريش إنها تحفة وعجبتك .
يقولها واثقاً فتمنحه ابتسامتها الجواب رغم عناد ردها بعدها :
_ولو!!

_مش عايزة تعرفي شكلها عليكِ ؟!
_لأ!
_يا بنتي استهدي بالله وقومي البسي .

يقولها مقلداً مشهداً شهيراٌ لفيلم معروف فتضحك وهي تتفلت من بين ذراعيه هاتفة :
_لأ ..قلت لأ ..

_هو أنا ماقلتلكيش؟! ..الستات لما بتقول لأ في المواقف دي بتبقى معناها أيوة ..
يقولها وهو يعاود اقترابها منها لتضحك وهي تهرب منه فتجاريه في الكلام هاتفة :
_هو أنا ما قلتلكش؟! ما أنا في المواقف دي مش زي بقية الستات !

يقطع المسافة بينهما بخطوة واحدة ثم يعاود تطويقها بذراعيه ليهمس لها بنبرته الرخيمة :
_انتِ ست الستات ..عشان خاطري بقا .

تشتعل وجنتاها بخجل فتخفي وجهها بين كفيها هامسة :
_مش هاعرف .
_يا بنتي هو أنا غريب ؟! وبعدين هاسهلهالك ..هنرقص سوا ..أعمللك فيها شكوكو بعصايته كمان ..أنا عامل حسابي على كل حاجة .

تضحك دون توقف وهي تراه يفلتها ليتناول من الجوار عصا رفيعة يديرها في الهواء للحظات بحركة بهلوانية ..
ثم يتناول هاتفه ليشغل الأغنية التي اختارتها هي من قبل هاتفاً :
_عجبني اختيارك وخصوصاً الغمزة اللي في الأغنية دي لايقة علينا ..لولا إن ريما نايمة كنت سمعتك أحلى "دي جي" ..

تعقد ساعديها دون رد مكتفية بابتسامة فيرفع حاجبه وهو يناولها البدلة قائلاً:
_ياللا بالذوق ماتخلينيش ألجأ لخطط العنف البديلة .

فتتقدم منه خطوة لتنتزع منه العصا ثم تلوح بسبابتها قائلة :
_وتبطل تبعت بوستاتك المستفزة !

_أفكر!
يغمزها بها بمكر فتعطيه ظهرها معرضة ليضحك وهو يديرها نحوه ثم يقبل وجنتها بقوة هامساٌ :
_خلاص ..نبطل يا عسل ..ولو إن الشقاوة معاك مزاج تاني .

تبتسم بنظرة انتصار لكن التردد الخجول يعاود مغازلة حدقتيها فتشير نحو زاوية الغرفة قائلة :
_اقف هناك واديني ضهرك وغمض عينيك ..ما تبصش غير لما اندهلك !

فيفعل مثلما تقول ليهتف وهو يعطيها ظهره :
_ولو إني ما وقفتش الوقفة دي من ابتدائي في زمن "التذنيب" الجميل ..بس كله يهون لعيونك يا عسل .

يسمع ضحكتها المكتومة وهو واقف مكانه يكاد يتحرق شوقاً لرؤيتها كما أراد ..
الدقائق تطول فيدرك أن خجلها لا يزال يمنعها ..
والغنوة تتكرر تلقائياً في هاتفه مرة بعد مرة فيتململ في وقفته ليهتف أخيراٌ دون أن يلتفت :
_والله يا نشوى لو كان مقلب من مقالبك واتلفتت لقيتك نمتِ لأردهالك بمقلب أغلس منه يطلع من نافوخك .

ضحكتها العالية تصدح خلفه فيبتسم شاعراً ببعض الاطمئنان ..
يسمع صوت الأغنية يتوقف فجأة فتتأهب حواسه ..
ثم يسمع همسها باسمه فيلتفت ..

تتسع عيناه بتقدير لجسدها في ردائه فلا يدري أيهما زاد الآخر فتنة وإغواء ..
يراها تحرك أحد ساقيها بحركة راقصة وهي تنقر على الأرض بالعصا عدة مرات مع تمايل خصرها الموازي كافتتاحية لرقصتها ..
فيبتسم بإعجاب وهو يراها تشغل الأغنية أخيراٌ لتقترب منه بخطواتها المتمايلة التي تماشت مع الإيقاع ..

كانت تغمض عينيها بقوة كأنها تقاوم خجلها لكن حمرة وجنتيها فضحتها ..
فاتسعت ابتسامته وهو يقترب منها بدوره ليحيط خصرها بذراعه ثم يدور بها متماشياً مع رقصتها بدوره ..
تفتح عينيها أخيراً فتتلقف نظراته المعجبة والفائرة بعاطفته فتجد المزيد من الشجاعة لتزيد من سخونة العرض ..

ضحكتها تمتزج بضحكته وهي تشعر بخجلها يستحيل لرغبة عارمة في إرضائه خاصة ونظراته تمنحها شعور الفخر الذي طالما تمنته يوماً في عيني رجل يحبها ..

أنفاسها تتلاحق مع تصاعد وتيرة حركاتها الراقصة لكنها لم تكن تشعر بتعب ..
بل كانت تشعر وكأن دقات قلبها تشاركها الرقص على نفس الإيقاع ..
بينما كان هو الآخر يشعر بأنه أخيراً امتلكها كاملة ..
سحر أنوثتها يفيض عذباٌ بين ذراعيه قطرة قطرة فلا ظمأ بعد ولا تعب ..

يتوقف اللحن في هاتفه لكن اللحن الذي يعزفه قلباهما لا يتوقف ..
ولا يكون له أن يتوقف ..
هو نغمة خالدة أقسمت الروح أن تبقى أسيرة رقصتها للأبد !
======

_يا ترى إيناس طابخة لنا إيه النهارده ؟!
يهتف بها علاء وهو يقود سيارته بسيف نحو المزرعة ليرد الأخير بفخر :
_غادة هي اللي طابخة ..ملوخية !
_ياااا سيدي ..بالأرانب؟!
_لا طبعاً ! غادة مش هتطيق تاكلهم ..ارتباطها بيهم بقا عجيب .
يقولها سيف ببعض الضيق رغم نبرته الرزينة ليقهقه علاء ضاحكاً بقوله :
_غيران يا دكتور ال ..أرانب؟!

فتحمر أذنا سيف وهو يلتفت إليه بشبه ابتسامة جعلت علاء يتنهد بعمق وهو يعاود النظر للطريق أمامه قائلاً:
_ما تتصورش فرحتي إنك قدرت تاخد البيت اللي جنبنا ونفتح الجنينتين على بعض ..إيناس كانت هتطير من الفرح ..كده كأننا تقريباً عايشين سوا .

_أنا كمان ما كنتش مصدق نفسي إنها اتيسرت في الوقت ده بالذات ..الحمد لله .
يقولها سيف برضا فيبتسم علاء وهو يقول بحنانه المعهود :
_الحمد لله إن ربنا طول في عمري لحد ما اطمنت عليك انت وغادة وإسلام ..ماتزعلش مني لو كنت قسيت عليك في فترة معينة ..ربنا عالم ده كان من خوفي عليك .

يقولها ليتذكر سيف تلك الفترة العصيبة التي سبقت زواجه من غادة ليربت على كتف الرجل قائلاً بامتنان:
_ماتقولش كده يا عمو ..حضرتك في مقام والدي الله يرحمه .

_طيب ..ده يشجعني أكلمك في حاجة كده ..
يقولها بتردد ليرمقه سيف بنظرة مشجعة فيهز علاء رأسه ليقول بحذر:
_انت بتضغط على غادة قوي في قصة الحمل ؟!
يسأله بنبرة هي أقرب للتقرير فتبدو الصدمة على وجه سيف للحظات قبل أن يقول ببعض الضيق:
_هي اشتكت ل"أنّا"؟!
_عيب عليك ..انت عارف إن غادة ما تعملهاش ..بس أنا حسيتها في كلامها ..ملهوفة بزيادة أكتر من الطبيعي ..حاسس إن الموضوع عندها بقا هوس .

يقولها علاء باستياء خالط حنانه ليتنهد سيف بحرارة قائلاٌ :
_مش هاخبي على حضرتك ..أنا مهووس أكتر منها .

يصدر علاء همهمة إدراك وهو يرمقه بنظرة متفحصة ليقول بخبرته :
_فاهم يا ابني ..انت محتاج تحس بعوض ربنا عشان تسامح نفسك على ذنبك القديم ..بس غادة مضغوطة معاك ..حاسة إنها مش قادرة تسعدك طول ما هي مش قادرة لسه تعيشك الإحساس ده .

_أنا مش قصدي أضغط عليها والله يا عمو ..أنا حتى ماعدتش بكلمها في الموضوع ده .
يقولها سيف مدافعاً ليرد الرجل بابتسامة :
_عارف يا ابن الناس الكويسين ..بس مش شرط تتكلم ..هي حاسة بيك ونفسها ترضيك ..اهدا عشان هي كمان تهدا ..الستات دول عندهم أقوى رادار مستكشف للمشاعر ..خصوصاً لو بتحبك زي غادة .

كانا قد وصلا لحدود المزرعة فابتسم سيف وهو يشكره بامتنان واعداً إياه بالعمل بنصيحته ليترجل كلاهما من السيارة ويتوجهان نحو البيت حيث استقبلتهما إيناس بحفاوتها المعهودة لتخاطب سيف بقولها :
_الجو حلو النهارده ..قلت نتغدى هنا في الجنينة .
_سايبة البنت تطبخ لوحدها وقاعدة هنا تتهوي ؟! ستات قادرة صحيح !
يهتف بها علاء بمشاكسته المعهودة لترد إيناس بشهقة عالية وهي تهتف به :
_مش هارد عليك ! بتشكك في معاملتي لبنتي؟!
_ما انتِ مستغلة الغلبانة وتلاقيها ياعيني محترمة سنك !
_سني؟! قصدك إني عجوزة يا علاء؟!
_وكركوبة كمان!
_علاء!
_إيناس!
_علااااااااااء!
تهتف بها بصوت أعلى ليتراقص حاجباه بحركة مشاكسة وهو يرد بخوف مصطنع :
_خلااااص ..تنزل المرة دي!

يبتسم سيف لمشاكستهما المعهودة ثم يستأذنهما ليتوجه نحو داخل البيت حيث وقفت غادة في المطبخ تعطيه ظهرها ..
يقف مكانه عاقداً ساعديه وهو يراقبها صامتاً بافتتان ..
شعرها النبيذي بخصلاته صواعق الفتنة تتمايل فوق ظهرها برشاقة بينما تدندن وهي تقلب الطعام في القدر بصوتها المغناج بطبيعته :
_كان يوم حبك أجمل صدفة ..لما قابلتك مرة صدفة ..

فلا يملك المزيد من الانتظار وهو يتحرك نحوها ليطوقها بذراعيه من الخلف ليهمس جوار أذنها بنبرته العاشقة التي تذيبها :
_أجمل صدفة !

تشهق للمفاجأة وهي تلتفت نحوه لتضحك ضحكتها المهلكة وهي تستدير بين ذراعيه لتقبل وجنتيه بنعومة قائلة :
_وحشتني موت .

تقولها بصوتها ذي الدلال الطبيعي ثم تطبع عدة قبلات متتابعة فوق شفتيه مردفة :
_عليك غرامة تأخير .
_وأنا مستعد أدفع!
يهمس بها بنبرة مشتعلة وهو يكاد يعتصرها بين ذراعيها لكنها تضحك ضحكتها الكارثية من جديد وهي تزيح ذراعيه عنها هامسة بدلال :
_وبعدين في ابن الناس الكويسين اللي اتعلم الشقاوة على كبر ؟!

تشتعل نظراته أكثر وعيناه تدوران على تفاصيلها بافتتان يزداد توهجه ..
خاصة وهي تعض شفتها السفلى لتسبل جفنيها قائلة :
_النهارده دخت شوية و "أنّا" خدتني ورحنا للدكتور .

_إيه ؟! ليه؟! وإزاي تروحوا لوحدكم ؟!
يهتف بها بجزع أربك حروفه لتبتسم له قائلة :
_ما تقلقش قوي كده ..هو بس قاللي إني صحتي ضعيفة شوية ..

تلتمع عيناها بشقاوة يعرفها فتنفرج شفتاه وهو يلوح لها بسبابة مرتجفة ليهتف بصوت متهدج:
_اوعي يكون اللي في بالي!

تضحك ضحكتها المهلكة من جديد وهي تبتعد عنه عدة خطوات بظهرها بينما تميل رأسها بدلال فتتراقص خصلات شعرها على كتفيها اللذين تهزهما بغنج قائلة :
_اتحايل عليّ الأول .

_غادة !
يهتف بها بانفعال صارخ بالفرحة وهو يقلص المسافة بينهما بخطوة واحدة ليضمها إليه قائلاٌ بصوت مرتجف :
_بالله عليكِ قولي ..
ثم يتذكر ما أوصاه به علاء ليغمض عينيه مقاوماٌ انفعاله وهو يردف بنفس النبرة المهتزة :
_أنا مش فارق معايا ..لو مفيش ..

_قاللي إني حامل ..
تقاطع بها عبارته بمزيج من فرح ودلال ليكتم صيحة فرحة كادت تغادر شفتيه وهو يهزها بين ذراعيه بانفعال ..
لتميل على أذنه هامسة بالمزيد من دلالها الأخاذ:
_وقاللي إنهم توأم ..

هذه المرة لم يستطع كتمان صيحته وهو يعتصرها بين ذراعيه ليغرق وجهها بقبلاته ..

_اتنين؟! اتنيييين؟! اتنين بجد ؟! ألف حمد وألف شكر ليك يارب ..مش مصدق ..
يهتف بها بانفعال شاعراً أنه يكاد يفقد وعيه من شدة الفرح ..
هل آن أوان الصفح؟!
صفحه عن نفسه وشعوره بصفح القدر عنه ؟!

رؤيا آنجيل تحتضن ابنته تعاود اكتساح ذاكرته فيخفق قلبه بعنف وهو يدور بعينيه حوله كأنه يبحث عن شيئ ما لا يعرفه ..
يشعر أن الأرض تحته تهتز فيتشبث بها بقوة تقرأ فيها عمق انفعاله الذي لا يجيد التعبير عنه بالكلمات كعهده ..
فتنبعث ضحكاتها الرنانة مع قولها بدلالها المرح:
_وقاللي كمان إني محتاجة كتير فيتامين "ب" و"ح"!

_فيتامين "ب" معروف إنما إيه فيتامين "ح" ده كمان ؟!
يقولها بصوت لايزال مرتجفاٌ فتضحك وهي تقبل وجنته تباعاً هامسة :
_ده فيتامين "ب"..
ثم تتعلق بذراعيها في عنقه لتضمه نحوها أكثر مردفة :
_وده فيتامين "ح"!

يضحك ضحكة عالية وهو يشدد قوة ضمه لها ليعود فيغرق وجهها بقبلاته هاتفاً بعينين دامعتين انفعالاٌ رغم مرح عبارته :
_كل الفيتامينات اللي عايزاها تحت أمرك ونزود كمان .

تنطلق منها ضحكة كارثية أخرى فيدور بها بين ذراعيه عدة دورات حتى تطلق صيحة اعتراض مرحة وهي تقبل أذنيه المحمرتين تباعاً لتدفعه برفق هاتفة :
_كفاية ...ماتدوخنيش زيادة ..الأكل ع النار ...أنامتفقة مع "أنّا" تسيبني أفاجئك بالخبر بس ماينفعش نتأخر عليهم أكتر من كده .

لكنه يتشبث بها بين ذراعيه بقوة للحظات تشعر فيها بارتجاف جسده المنفعل ..
لسانه منعقد لكنها تقرأ في عينيه كل ما يريد قوله ..
عينيه اللتين هجرهما "الحزن الأخرس" ليسكنهما طيف "العشق الأهوج" للأبد ..

فتربت على ظهره برقة لتهمس له بحنان :
_افرح يا سيف ..افرح من قلبك..حقنا بعد كل اللي شفناه .

ترتجف ابتسامتها بعدها واشية بانفعالها هي الأخرى فيربت على وجنتيها بحنان ثم يقبلهما بعمق هامساٌ :
_شكراً ..
_على إيه؟!
_على العمر الجديد اللي اتكتب لي معاكِ ..على الفرحة اللي ماحسيتهاش تاني إلا بيكِ .
يهمس بها بحرارة مستها لتميل رأسها وهي تكز موضع قلبه بسبابتها هامسة :
_للأبد ؟!

يضحك ضحكة صافية وهو يمد أنامله ليحتضن قلادتها بعبارتهما الأثيرة على صدرها مجيباً بإخلاص:
_حتى تحترق النجوم .

يتشاركان الضحك للحظات ليساعدها في غرف الأطباق ..
ترتدي وشاحها المعلق قريباٌ بسرعة ثم تشير هي لإيناس من نافذة المطبخ المطلة على الحديقة إشارة خاصة بينهما ..
فتندفع الأخيرة لتتوجه إليهما مع علاء الذي بادر سيف بعناقه القوي ونبرته المرحة تمتزج بتهدج انفعاله :
_شوف كنا لسه بنقول إيه من شوية ؟! مبروك يا ابني !

_مبروك يا حبيبي ! الدنيا مش سايعاني من الفرحة !
تهتف بها إيناس بانفعال جارف فيهتف بها علاء بنبرة عادت إليها مشاكستها:
_اوعي تعيطي وتقلبيها نكد ..أنا بقوللك اهه !
تضحك وسط دموعها التي تمسحها بسرعة فيرمقها سيف بنظرة حنون بينما تحتضنها غادة بقوة لتهتف هي مخاطبة سيف :
_فاكر وعدك ؟!

_فاكر يا "أنّا" ..لو ولد هنسميه هاني!
يقولها بحنان مشفق فتعود دموع إيناس للانهمار من جديد ليهتف علاء مشاكساً :
_ياللا ايابني ناكل دي لو فتحت حنفية النكد مش هنخلص .
_أنا نكدية يا علاء؟!
_فشر! ده انت أيقونة السعادة وبير الروقان ..ورمز الفرفشة عند قدماء المصريين !

يهتف بها بتهكم لينفجر الجميع بالضحك قبل أن يتحركوا ليتناولوا الطعام معاً ..
وما كادوا ينتهون حتى هتفت إيناس بلهفة :
_كلم إسلام فرحه !
_لسه كنت هامسك الموبايل اهه .
يقولها ثم يستأذن منهم ليتناول هاتفه ثم يتحرك به مبتعداً ليتصل بصديقه وما كاد إسلام يعرف حتى علا هتافه الصاخب:
_مبروك يا سيدنا! أيوه بقا شغال مِجوِز ..سيب الفرد للغلابة اللي زينا !
=======
_البيت وحشك ؟!
يسألها زين وهما يدخلان لتوهما غرفة نومهما في قصر الفايد عقب رحلة طويلة قضاها معها في نزهة شهر العسل ..
هذه التي اختارها هو حول العالم بداية من تركيا مروراً ببعض دول أوروبا وانتهاء بجزر المالديف .
تتلفت حولها ثم تتنهد بارتياح بينما تطوق عنقه بذراعيها قائلة :
_كانت رحلة حلوة قوي ..بس طعم البيت هنا حاجة تانية .

سراجا الذهب في عينيه يتوهجان كعهده مع كل كلمة تفضح شعورها بالرضا ..
فيقبل "قمريها الحرّين" بعمق عاطفته ليهمس لها بنبرته الآسرة :
_كل مكان سافرناه رحته قبل كده من قبل ما أعرفك ..بس معاكِ انتِ حسيت ليه روح تانية ..حتى البيت هنا ..
ثم يصمت لحظة ليلصقها به مردفاٌ :
_انتِ بيتي يا ياقوت ..مابقاش مهم الأماكن تختلف .

تغمض عينيها بتأثر من هذا الصدق الذي يبزغ بين حروفه كألف شمس ..
فينثر قبلاته الناعمة على وجهها هامساٌ :
_تعبانة ؟!

يسألها بقلق حنون لتفتح عينيها بجوابها :
_انت اللي معاك راح كل التعب .

يبتسم لها هذه الابتسامة الرائعة التي تدرك أنها أكبر من مجرد انفراج شفاه ..
ربما لأنها خير من يوقن أنها تخرج من قلبه ..
فتجزيه عنها بمثلها ثم تعود لتدور بعينيها في الغرفة لتتوقف نظراتها أمام هذه اللوحة في مواجهة الفراش ..

_إزاي ماخدتش بالي من اللوحة دي قبل كده ؟! هي شكلها كده من الأول؟!

تقولها ببعض الاستنكار وهي تميز لوحة لطائر أسطوري بين النسر والصقر أسود الريش لكنه أبيض الرأس له عينين ذهبيتين تشبهان عيني زين..
ومنقار حاد يستند على ما يشبه جوهرة ضخمة بحجمه كاملاٌ وقفت على حافتها المدببة ..
خلفية الصورة تبدو كفضاء عريض بلون السماء المريح ..
لكنها ولسبب ما وجدتها مقبضة !

_معقول؟! يمكن عشان كنتِ مركزة في حاجات أهم !
يقولها ببساطة وهو يتحرك بها نحو اللوحة ذات الإطار الفخم ليشير لها بفخر يناسب قوله :
_أول ما اشتغلت مع بابا أصر يعاملني زي موظف عنده ..وأول عمولة خدتها على صفقة مهمة اشتريت بيها اللوحة دي من مزاد كبير ..علقتها هنا وبتفائل قوي لما بصحى عليها كل يوم ..بحس الطائر ده هو أنا ..والجوهرة اللي ساند عليها دي هي الحلم اللي نفسي أوصلله ..حلم بوسع الدنيا كلها .

تتباطأ حروفه في كلماته الأخيرة متذكراً فترة كان يحب فيها تلقيب نفسه ب"صائد الكنوز" ..
هذا اللقب الذي يود الآن لو يصلحه ..
لو يخبرها أنها صارت كنزه الوحيد الذي لا يدري من فيهما قد اصطاد صاحبه !!

_عينيه مخوفاني ..وبنظرة طبيبة نفسية بقوللك إن اللوحة دي إسقاط من عقلك الباطن على طموحك اللا متناهي ..ولو فضلت تبص لها كتير عمرك ما هترضى بأي حاجة توصللها ..الأفضل تشيلها من هنا .

تقولها ببعض التوجس فيضحك ضحكة قصيرة وهو يواجهها بقوله :
_وأنا بثق فيكِ كطبيبة ..بس أنا بحب الصورة دي جداٌ ومستحيل أشيلها من هنا ..بتفائل بيها من زمان .

تمط شفتيها ببعض الاستياء وهي تشيح بعينيها فيعاود الضحك وهو يكتنف ذقنها بأنامله ليسألها بنبرته المهيمنة المشوبة بعاطفته :
_أعتبره استغلال سلطات لفرض الرأي بالقوة ؟!

_هو فين الاستغلال وفرض الرأي ده ؟!
تسأله باستنكار ليبتسم وهو يقرب وجهه منها حتى تمتزج أنفاسهما مع همسه الخطير:
_لما تهربي بعينيكِ دول مني ما يبقاش استغلال ؟!

تبتسم رغماٌ عنها وهي تحدق في عينيه بنظرة طويلة كأنها تنفي عنها تهمة ..
فتتسع ابتسامته وهو يطبع هدية ناعمة على شفتيها ليقول أخيراً بنبرته المهيمنة التي امتزجت بحنانه :
_يادوب ننام شوية عشان لما نصحى نروح للحاجة ..عارف إنهم واحشينك .

_قوي قوي يا زين ..إسلام وهيثم كمان واحشينني قوي ..إسلام قاللي هيعدي علينا ونسافر سوا ..

تقولها بعمق اشتياقها لهم جميعاً فيهز رأسه موافقاً وهو ينزع عنها وشاحها ليقبل قرط الياقوت في أذنيها كعهده في حركة صارت طقساً معهوداٌ ألفته ..
بل صار أيقونة الأمان لها وله !

يبدلان ملابسهما ثم يتشاركان الفراش لتتوسد صدره كعادتها فتنساب أنامله بين خصلات شعرها الداكنة ..
تحاول إغماض عينيها مستسلمة للنوم لكن عيني الطائر في اللوحة أمامها كانت لا تزال تبثها خوفاً مبهماً لا تفهمه ..
كيف لم تنتبه لهذه اللوحة من قبل وهما يعدان الغرفة قبل الزفاف ؟!
هل كانت حقاً مغيبة إلى هذا الحد ؟!

_زين!
تهمس بها بنبرة غريبة بين خوف ورجاء وعيناها مثبتتان على اللوحة أمامها ..
فيراقب نظرتها بحدسه الذكي بينما يصدر "همهمته اللذيذة" التي تهدهد مخاوفها ..
فتتردد قليلاً قبل أن تبتلع هواجسها لتغمض عينيها هامسة :
_تصبح على خير .

يقبل عينيها المغمضتين بقوة حانية ثم يشدد ضمة ذراعيه لها فتتنهد براحة وهي تستسلم للنوم على صدره ..

لم تدرِ كم ظلت نائمة لكنها عندما استيقظت أخيراً لم يكن جوارها ..
تلفتت حولها لتبحث عنه لتصطدم عيناها بمرأى الحائط قبالتها ..
لقد كان خالياً من اللوحة !!

تبتسم بغرابة وهي تغادر الفراش لتبحث عنه ..
من دراستها لشخصيته تعلم أن مثله لن يزيح لوحة تحمل مثل هذا الأثر في نفسه فقط لكي يرضيها ..
ليس تقليلاً من شأن عاطفته نحوها إنما هي -بطبيعة عملها - تفهم أن من مثله يركنون دوماً لأعمدة ثابتة لا يحبون تغييرها ..
يعتبرونها من خطوط رسمهم الرئيسية التي لولاها تتشوه لوحاتهم !!

اتسعت ابتسامتها لطرافة التشبيه الأخير وارتباطه باللوحة ذاتها ثم ارتدت مئزرها لتخرج باحثة عنه ..
كانت تشعر ببعض النشاط بعد ساعات نومها هذه رغم قصرها ..
ربما لهذا هبطت الدرج شبه راكضة لتواصل بحثها عنه ..
وأخيراً وجدته هناك في غرفة مكتبه ..
هذا الذي جلس أمامه وقد فرد اللوحة فوقه ..

_صحيتِ؟!

يسألها بابتسامة صحوة ناقضت عينيه الناعستين لتسأله باستنكار عاتب:
_معقول ما نمتش؟!

تقولها وهي تتقدم نحوه لتتسع ابتسامته وهو يرفع اللوحة أمام عينيها ليسألها وعيناه تترصدان انفعالاتها بترقب ذكي:
_هه؟! لسه عينيه مخوفاكي؟!

تعود ببصرها نحو اللوحة محاولة تبين الاختلاف ثم تتسع عيناها بصدمة وهي تميز ما فعله ..
تشير بإصبعها نحو الجوهرة المرسومة لتهتف بعجب:
_دي ؟!
_الصَدَف اللي جمعناه سوا من ع الشط في المالديف ..وبتلات الورد اللي عجبك لما جبتهولك في باريس ..

يقولها مؤكداٌ فتعود ببصرها نحو اللوحة حيث قام هو بلصق الأصداف جوار البتلات المجففة لتشغل فراغ الماسة فتملأه تماماً ..
والغريب أنها عندما تفحصت عيني الطائر هذه المرة لم تعد تراها مخيفة !!

_حاولت ألاقي حاجة تفضل تاريخ مشترك بيننا ..
يقولها مفسراً لتقترب منه أكثر قائلة بذهول:
_انت بوظت اللوحة !

فابتسم وهو يسحبها نحوه ليضع اللوحة جانباً ثم يجلسها على ساقيه ليداعب شعرها بأنامله هامساً :
_اللوحة دي بالنسبة لي مش ورق وخطوط ..اللوحة دي هي أنا ..لو مش هيبقى فيها حاجة منك تبقى ناقصة ..

يقولها ثم يعانق كفها ليتحرك به فوق موضع الجوهرة على اللوحة والذي تغطى بالصدف والبتلات ليردف :
_انتِ كنزي الحقيقي اللي هتفضل عيني عليه طول العمر .

تدمع عيناها بتأثر وهي تهمس له بصوت متهدج :
_انت ما نمتش عشان تعملها .

قبلة طويلة منه على جبينها تكون جوابه فتتنهد بعمق وهي تراه يحتضن وجنتها براحته مع سؤاله :
_لسه خايفة منها؟!

تهز رأسها نفياً وقمراها العاشقان يسطعان له بأقوى ما عرفه منهما يوماٌ ..
عشق يمتزج بخيوط أمان هو من غزلها فأحكم نسيجها ..
فنعمِ -ما- غزل و-من- لبس !


يهمس لها بنبرته الدافئة وهو يلصقها به أكثر :
_لو تعرفي النظرة اللي في عينيكِ دلوقت دي تساوي عندي إيه ..عمرك ما تخافي!

_طب أحبك أكتر من كده إيه ؟! قمرررر يا ناس قمرررر ..سيبوني عليه .

"عفريتتها العابثة" تجتاحها بنداءاتها التي تستجيب لها باستسلام مؤخراً فيفاجأ بها تحتضن وجهه بكفيها لتكتسحه شفتاها بقبلة ساخنة انصهر فيها للحظات ..
قبل أن يبعدها ليهمس لها بمكر امتزج بمرحه :
_دي العفريتة صح؟!

تكتم ضحكة خجلها كجواب بالإيجاب في صدره فيضحك ضحكة عالية ثم يرفع وجهها نحوه ليردف بنفس النبرة :
_طب مش تمهديلي عشان أنا كمان أنده العفريت بتاعي ؟!

ضحكاتها تذوب بين شفتيه وكلاهما يستسلم لجنون عاطفته المستعر ..
جنون لم يعد أحدهما يتعجبه وقد وجد في صاحبه بعثاً بعد عدم ..

هذا الذي انقطع برنين جرس الباب الخارجي فاضطر لإفلاتها من بين ذراعيه لتقفز هي من فوق ساقيه وتعدل ملابسها هاتفة :
_دول أكيد إسلام وهيثم ..أنا كنت نسيت .

يزفر زفرة مستاءة محاولاً تمالك أنفاسه اللاهثة فتبتسم له باعتذار مردفة :
_افتح لهم على ما أغير هدومي .

تقولها لتحمل اللوحة بخفة مع غمزة شقية منها ثم تندفع نحو غرفتهما لتعلقها مكانها بنفسها ثم تقبل مكان الجوهرة بقوة لتضحك ضحكة راضية ..

قبل أن تتحرك لتبدل ملابسها استعداداً للقاء أخويها ..


_أبو التووووت!!
يهتف بها إسلام بعد دقائق وهو يهب واقفاٌ مكانه ليفتح لها ذراعيه فتندفع نحوه لتعانقه بحرارة هاتفة :
_وحشتني ووحشني لسانك الطويل ده ..

تقولها وهي تلكزه في كتفه بخفة لتلتفت نحو هيثم الذي عانقها بدفء قائلاً بنبرته العاطفية التي يشوبها حزن طفيف كالعادة :
_حمدالله ع السلامة يا ياقوت .

تبتسم لهما بود ثم تجلس جوار زين الذي أدار الحديث بلباقة لا تنقصه وهو يحكي لهما عن مغامراتهما في رحلة "شهر العسل" ..
ليصدر إسلام صفيراً قصيراً وهو يقول "كلمته الشهيرة" للاستحسان :
_جامدة .

فتضحك ياقوت وهي تقوم من مكانها هاتفة :
_استنوا لما تشوفوا جبتلكم إيه !

تقولها لتغيب لدقائق ثم تعود تحمل بيدها عدة أكياس فتحت أحدهما لتستخرج منه ما رفعته أمام وجه إسلام قائلة بمكر:
_ده مخصوص ليك .

تقولها مشيرة ل"تي شيرت" رياضي من ماركة شهيرة لكنه كان بلون فوسفوري فاقع جعله يهتف باستنكار:
_فوسفوووووري! وليّ أنا !!

فتضحك هاتفة بنفس المكر المرح:
_كان أشيك لون هناك ..

ثم تلتفت نحو زين بنظرة خاصة فيقول كلاهما في نفس اللحظة :
_إيش فهمك انت ؟!

يضحك هيثم مستمتعاً بالحوار فيما ينقل إسلام بصره بينها وبين زين المبتسم ليخبط كفيه ببعضهما هاتفاً :
_بهتتي ع الراجل الكُبّرة ؟! آدي اللي كنت خايف منه !
=======
_احلويتِ قوي يا أوبرا مع إنهم بيقولوا حمل الولاد بيوحش .
تهتف بها ياقوت بمرح وهي تجلس مع شقيقتها أمام الفرن في بيت ثمر فجراٌ ..لترد لجين بفخر زاد جمال ملامحها :
_عابد كمان بيقوللي كده ..وبقا بيزعل من اسم "أوبرا" ده لولا إني قلتله إني بحبه .
تضحك ياقوت برضا وهي تدخل الصاج للفرن حيث ارتصت كرات العجين ..
بينما تردف لجين وهي تتحسس بطنها البارز ببعض القلق:
_هو طبيعي ما أحسش بحركته لحد دلوقت ؟!

فتعاود ياقوت الضحك وهي تتفحص بطنها قائلة :
_متلهوجة على إيه ؟! بكرة يصحيكِ من عز النوم وهو بيرفس فيكِ وتقوليله اتهد عايزة أنام .

فتضحك لجين بدورها وهي مستمرة في تمسيد بطنها قائلة :
_الدكتور بيطمننا عليه ..بيقول وزنه حلو ..ماقالش لسه ولد واللا بنت بس أنا مستبشرة إنه ولد ..مؤمن ..

ثم تربت على ساق ياقوت جوارها لتردف :
_عقبال عوضك انتِ كمان .

_يارب!
تهتف بها ياقوت بلهفة وهي ترفع كفيها للسماء ثم تنظر للفرن باهتمام حيث الأرغفة التي بدأت تنتفخ لتفوح رائحتها فتتشممها بتلذذ مردفة :
_هتبقى أول مرة زين ياكل عيش من إيدي ..عاملاهاله مفاجأة بعدما يرجع م الصلاة .

_وأنا اللي كنت خايفة عيشتك معاه تغيرك ؟! شكلك انتِ اللي ..آه ..آه ..ياقوت ..هنا ..

تقطع عبارتها بتأوهها الخافت الذي حمل مزيج دهشتها وانبهارها بينما أناملها تمسد بطنها ..
لتردف بصوت متهدج :
_هنا ..هنا اهه ..اهه ..بيتحرك ..

تنفرج أسارير ياقوت وهي تمد كفها بدورها لتتلمس أناملها ذاك الموضع من بطن شقيقتها لتبتسم كاتمة دموع تأثرها ..
فيما عجزت لجين عن فعل المثل وهي ترفع رأسها للأعلى قائلة بخشوع احتضن فرحتها:
_قلتها لعابد من شوية قبل ما يروح يؤم الناس للصلاة ..قلتله ادعيلي أحس بحركته ..ماكنتش عارفة إنها هتبقى قريبة كده ..ألف حمد وشكر ليك يا كريم .

تمسح ياقوت عينيها بسرعة وهي تستخدم العصا الطويلة جوارها لتقلب الأرغفة في الفرن راضية عن مظهرها الشهي لتتمتم هي الأخرى بالحمد ..
ثم تترك ما بيدها لتنهض وتمد كفها نحو شقيقتها لتساعدها على الوقوف قائلة بحنان :
_روحي انتِ ارتاحي بقا واستنيه عشان تفرحيه .

_لسه بدري ..هو بيحب يقعد لبعد الشروق في الجامع ..
تقولها لجين باعتراض لتغمزها ياقوت قائلة :
_يابنت روحي جهزي حالك كده ..دي لحظة تاريخية مش هتعدي "سادة" كده !

فتضحك لجين بخجل وهي تلكزها في كتفها قائلة :
_الجواز خلاكِ قليلة الحيا .
_لا الشهادة لله أنا مظبطاها من قبل الجواز !

تهتف بها "العفريتة العابثة" بداخلها فتنطلق ضحكتها عالية وهي تقرص وجنة لجين بخفة بينما تمسد بطنها بكفها الآخر ثم تدعو لها بالبركة لتقول أخيراً :
_خلاص روحي فرحي ستك ثمر .

_ستي ثمر ع السطوح ومحرّجة عليّ ما أطلعش هناك ..خايفة عليّ م السلم ..تقوليش طالعة برج؟!

تضحك ياقوت وهي تعاود الجلوس لتلتقط الأرغفة الساخنة فتضعها في سلة من الخوص جوارها لتهتف بها لجين باعتراض:
_لا لا ..نسيتي واللا إيه ..فرّدي العيش عشان ما يعجنش.

تطلق ياقوت شهقة اعتذار وهي تفعل ما طلبته لجين لترفع إليها عينين مذنبتين هاتفة :
_يظهر إني فعلاً نسيت ..ماتقوليش لستّك بقا .

_هاستر عليكِ حاضر! مرة من نفسي أبقى العاقلة !

تقولها لجين ضاحكة لترمقها ياقوت بنظرة عميقة وهي تأخذ كلماتها بمغزى آخر ..
كم تشعر الآن أن شقيقتها حقاً تغيرت للأفضل ..
لم تعد تلك المجروحة التي تداري ألمها خلف قناع مرح كاذب ..
بل صارت ضحكتها حقيقية ..فرحتها حقيقية ..مشاعرها حقيقية ..
كل مافيها تخلص من "الزيف" القديم ووقف فاتحاً ذراعيه لعطايا القدر !

أفكارها تنقطع بتأوه لجين التي عادت تمسد بطنها مبتسمة من جديد لتقول أخيراً :
_شكلي عايزة أرتاح بجد ..هاروح أنا.

_ماتشغليش بالك ..ارتاحي انتِ .

تقولها ياقوت وهي تهز لها رأسها ثم ترسل لها قبلة في الهواء تردها لها لجين بمثلها قبل أن تغادر نحو بيتها المقابل ..

تتنهد ياقوت برضا وهي تقلب الأرغفة الساخنة بفخر ثم تختار منها واحداً لتضعه على صينية قريبة وقفت تمسكها لتتحرك بها نحو صالة البيت تنتظر عودته كي تذيقه إياه ..

_بطلي بخل بقا ..واحد ..واحد !

تهتف بها "العفريتة العابثة" داخلها باستنكار فترد بهيام كأنها تحدثها :
_بس هو يعجبه وأنا أأكله خبزة لوحده ..

تنقطع أفكارها وهي ترى حذاءه هناك عند الباب المفتوح فتهرع نحو غرفتها حيث يقيمان هنا لكنها تجدها خالية ..

_معقول؟!

تقولها لنفسها بترقب وهي ترفع عينيها نحو السلم المؤدي لسطح البيت ثم تركض بخطوات نشيطة لتصعده ..
وما كادت تصل حتى اتسعت عيناها بقوة وهي ترى المشهد الذي طالما تمنته منذ عهد بعيد ..

فهناك على الأرض التي افترشتها ثمر جالسة فوق مفرش بسيط كان زين ممدداً ظهره على الأرض ورأسه في حجرها بينما أناملها ذات التجاعيد الحبيبة ترقيه ..

لم تستطع ياقوت منع دموعها وهي ترى أحد أمنياتها به تتحقق ..
ها هو ذا فوق نفس السطح الذي شهد حلمها به ..
يجلس جلستها الأثيرة في كنف ثمر لترقيه بأناملها الطاهرة ..

ترتجف يداها بما تحمله فتشدد من قوة إمساكها للصينية فيما تنتهي ثمر مما تفعله لترفع إليها عينيها الخبيرتين وهي تميز ما بيدها لتقول بفراستها المعهودة :
_يا بخت من كان الخباز حبيبه ..قوم ياابني شوف مراتك جايبة لك إيه .

هنا يفتح زين عينيه فجأة كأنه استيقظ لتوه من حلم غريب ..
يرقب السماء التي شق فيها الضوء ظلمة الفجر لتبدو بهذا اللون المهيب الذي كان قديماً يثير خوفه المبهم ..
لكنه الآن يستشعر قدسيته الغريبة وهي تنفذ لكل خلية من خلاياه كأنها تطهرها معها !

يرفع عينيه لثمر أولاً بنظرة ممتنة عميقة قرأتها الأخيرة بخبرتها في النفوس ثم يعتدل في جلسته ليقبل ظاهر كفها قائلاً :
_شكراٌ.

_الشكر لله ياابني ..ربنا عالم غلاوتك بقت من غلاوة ياقوت .

تقولها ثمر بحنانها المهيب وهي تتأهب لتنهض من مكانها فيحاول الوقوف بسرعة كي يسندها لكنها تمنعه قائلة :
_بحب أقف لوحدي ..دعوتي كل فجرية لرب العالمين ..مايحوجني لحد طول ما أنا عايشة .

_ربنا يديكِ الصحة وطولة العمر .
يقولها مؤثراً تنفيذ رغبتها فتتنهد بارتياح وهي تحاول الوقوف وحدها لكنها تتعثر في خطوتها الأخيرة فتستند على كتفه ليبتسم لها وهو يمسك كفها فتضحك هي ضحكة طيبة ذكرته بياقوت عندما كان يغلبها أحياناً في نزالات حواراتهما القديمة ..

هذا الذي قرأته ياقوت بخبرتها في أقرب أهل الأرض لقلبها الآن وهي تنقل بصرها بينهما بحب لتتحرك ثمر نحوها بسؤالها:

_لسه الفرن والع؟!

تهز لها ياقوت رأسها موافقة فتلتفت ثمر نحو زين قائلة :
_كل العيش من مراتك وهو سخن على بال ما أحضر لكم الفطار .

_هساعدك ياستي!
_خلليكي جنب جوزك لحد ما أنده لكم .
تقولها بنبرتها الآمرة الحنون فتمتثل ياقوت وهي تراقب انصرافها بنظرات حانية ..
ولم تكد تختفي عن ناظريها حتى ركضت نحو زين لتجلس على ركبتيها أمامه واضعة ما بيدها جانباً لتقول بلهفة :
_كانت بترقيك!
فيبتسم وهو يجذبها نحوه ليجلسها على ساقيه ثم يطوقها بذراعيه هامساً بخجل وجدته غريباً على طبعه ذي الأنفة :
_طلبتها منها وهي ما خذلتنيش .

تطلق صيحة فرحة وهي تشعر بسراجي الشمس في عينيه يتوهجان بألقٍ خاص هذه اللحظة فتقبل وجنته بقوة لتهمس له بانفعال وهي تحتضن وجهه براحتيها :
_مش ممكن تتخيل كنت مبسوطة أد إيه وأنا شايفة المنظر .

_لا ممكن !
يقولها وهو يرفع أحد حاجبيه بمكر واثق ليشدد ضغط ذراعيه حولها مردفاً :
_عينيكِ مابيعرفوش يخبوا عني حاجة .

يقولها مطيلاً النظر لقمريها اللذين تزداد فتنة حريتهما المستحدثة يوماً بعد يوم ..
فلا يدري أيهما أسعد بصاحبه ؟!
لهذا انسابت شفتاه تقبلان عينيها بعمق قبل أن يسند رأسها إلى صدره ليهمس بنبرة أثقلتها عاطفتها :
_البيت ده فيه حاجة غريبة كانها بتمص كل التعب ..كل الحزن ..كل الوجع ..حاجة مميزة ..مريحة ..من كتر ما بتخوف بتطمن ..حاجة بسيطة قوي بس فخمة قوي ..
ثم يصمت لحظة ليرفع ذقنها نحوه متلقفاً نظراتها العاشقة مع استطراده :
_باختصار ..حاجة شبهك !

تدمع عيناها بتأثر فيقبل جبينها ليردف بشرود :
_حتى الجامع هنا اللي بصلي فيه ورا عابد ..رغم إني صليت في جوامع كتير جوه مصر وبره مصر بس عمري ما عرفت إحساس زي اللي عرفته فيه ..حاجة ما تتوصفش ..كأنه سهم نور ضرب قلبك فجأة وبيتحدى أي ضلمة ممكن تسكنه تاني بعدها .

تبتسم بمزيج من عاطفة وفخر وهي تقدر له هذا الشعور لتتناول الرغيف الساخن من جوارها فتقطع له قطعة صغيرة تضعها في فمه قائلة :
_كفاية كلام وكله وهو سخن ..عايزة أعرف رأيك .

تلتمع عيناه بحنان دافق وهو يلوك الطعام في فمه لكن رأيه لم يصلها في كلمات بل في قبلة دافئة طبعها على راحتها لترجفها بشعورها الغامر به ..
تستمر في إطعامه ليتغير موضع قبلته في كل مرة بعدها ..
من كفها..لجبينها ..لوجنتيها..لأذنيها حيث قرطه الأثير ..
ثم لعنقها وما ظهر من جيدها ..

فتتلكأ أناملها وهي تتعمد أن تصغر حجم القطعة في كل مرة كي لا ينفد الرغيف بسرعة !!
لكنه في النهاية نفد ليتنهد هو بمزيج من شبع و..جوع من نوع آخر!

_لو كنت أعرف إنك هتعمل كده كنت خبزت الرغيف أكبر شوية !

بروح "العفريتة العابثة" تقولها بنبرة تهدجت بعاطفتها لتتحرك أنامله على طول ظهرها مع همسه المشتعل باستنكار مغوٍ:
_شوية؟!
_لا ..كتيييير!

تقولها بضحكة أشعلت المزيد من براكينه ليضحك بدوره ووتيرة عبثه تزداد مع سؤاله:
_العفريتة برضه؟!

_قلتلك شقية !
تهز بها كتفيها بدلال تعلم أنه يثير جنونه خاصة وهي تخرج له لسانها بهذه الطريقة المغيظة ليقترب بوجهه منها هامساً بنبرة ألهبتها:
_انسي! مهما عملت مش هتبقى بمستوى العفريت بتاعي!

تكتم ضحكتها في كتفه بخجل ليكون آخر ما تعيه حروفه التي امتزجت بعزف شفتيه على عنقها :
_واللي يحضر العفريت يستحمل أذاه .

أنامله تشتبك بأناملها وهو يسحبها معه ليسقط على ظهره وهي فوقه ..
تحاول التملص منه لأول وهلة لكنها تعجز عن مجابهة مارد جنونه الذي كان يكتسحها ككل مرة دون هوادة ..
فتستسلم له بعاطفة شاركته إياها شاكرة هذا الموقع المميز لبيت ثمر الذي يجعل السطح في عزلة عن العيون ..

لكنها تتمالك نفسها أخيراً فتهمس له برجاء لاهث:
_زين .

لم تدرِ كم مرة احتاجت لقولها كي تقمع هذه الثورة التي اندلعت في شرايينهما معاٌ لكنه استجاب أخيراٌ ليبعدها بشق الأنفس مكتفياٌ بعناقه المعتصر لها ..
لحظات كانت كافية لترسو بهما الموجة فوق شاطئ ساكن هدأت معه أنفاسه قبل أن يصلها صوته المتهدج بينما أنامله تزيح شعرها عن وجهها :
_انتِ عملتِ فيّ إيه ؟!

ترمقه بنظرة متسائلة لكن قلبها سمع الجواب قبل أذنيها :
_أنا عمري ما كنت كده ..طول عمري عارف أنا عايز إيه ..كل حلم حلمته كان زي هرم بطلعه لآخره وبعدها أدور على غيره ..لكن معاكِ انتِ بحس إني مهما وصلت ..مش هاوصل!

تبتسم له بحب وقمراها يتوهجان بهذه القوة التي لم تعرفها إلا معه ..فيتنهد وهو يغرس رأسها على صدره مردفاً :
_عطشي معاك ما بيرتويش يا ياقوت ..جنة مش هاشبع منها العمر كله .

هنا ترفع كفه الذي يحمل دبلتها لتقبلها بعمق هامسة :
_عارف ليه صممت إني أشتري دبلتك دي بالذات بفلوسي أنا ؟!

_عارف ..بس عايز أسمعها منك .
يقولها متذكراٌ إصرارها الغريب قبل زفافهما أن تشتري هي دبلته من مالها الخاص رافضة أن يقوم هو بهذا ..
لترتسم على شفتيه ابتسامة إجلال وهو يسمعها تهمس بحرارة :
_أنا مابتكسفش أقول إني بحب فلوسي قوي ..بحب كل قرش فيها كسبته بتعبي وشقايا طول العمر ده ..فلوسي مش ورق ولا حساب في بنك ..فلوسي دي عرق ودموع سنين قضيتها ببني حاجة من ولا حاجة ..حاجة اسمها ياقوت سليمان ..

تدمع عيناها مع تحشرج صوتها في عبارتها الأخيرة فيشدد ضغط ذراعيه الداعم حولها لتردف :
_وانت أجمل حلم حققته ..عشان كده بحب دبلتنا دي قوي ..عشان كده بعتبرها أغلى حاجة اشتريتها ..مش بفلوسي بس ..بعمري كله .

يتنهد بعمق رضاه عن هذه المشاعر الدافقة التي تغمر حروفها فيقبل جبينها باعتزاز لتتردد قليلاً قبل أن تقول بمزيج من رجاء وحذر:
_فيه مكان واحد بس هنا لسه عايزاك تروحه معايا .

تتوهج عيناه بنظرة متسائلة ثم تلتمعان بإدراك وهو يرد بذكاء لا ينقصه :
_عند الساقية !

يقولها بتقرير لتطلق آهة خافتة وهي تخفي وجهها في كتفه زاهدة في شرح شعورها ..
ولماذا تفعل؟!
إذا كان هو يقرأ خبيئتها ككتاب مفتوح !

لهذا لم تتعجب استطراده بحنانه الخبير :
_من ساعة ما جينا هنا وأنا مستنيكي تاخديني هناك ..
ثم يمسك كفها ليعد على أطراف أصابعها واحداً واحداٌ :
_ما كنتش هارتاح غير لما ندفن سوا كل ذكرى وحشة ..ونبدلها سوا بلحظة أحلى ..بدأناها بالعشرة جنيه ..وهنكملها لحد آخر المشوار .

تدمع عيناها بتأثر من هذا الحنان الجبار في نظراته قبل أن تشعر به يقوم من مكانه ليقف ويوقفها معه قائلاً بحسم :
_ياللا بينا عشان نلحق نرجع قبل ما الحاجة تخلص الفطار ..بس بشرط!

كان دورها لترمقه بنظرة متسائلة ليردف بحنان حازم:
_ما تعيطيش هناك.

تمنحه عيناها وعدها ثم تتركه لتبدل ملابسها فتتوقف عيناها للحظة أمام إحدى جلابيب أشواق القديمة ..
تزيغ عيناها بنظرة شجن لم تملكها لكنها لم تلبث أن تحولت لابتسامة راضية وهي ترفع وجهها لأعلى قبل أن تمتد أناملها لتتناول واحداً من ثيابها الجديدة .

تخرج إليه لتستأذن ثمر في الذهاب فترمقها بنظرة ذات مغزى وابتسامة واسعة تزين التجاعيد حول شفتيها ..
تتأبط ذراعه بفخر وهي تغادر به بيت ثمر لتتحرك به وسط نظرات أهل القرية المكبرة ..تحياتهم الصباحية لهما..ودعوات كريمة لا تنتهي بالزيارة وتناول الطعام ..

يصلان أخيراً للساقية التي بدت مكانها هذه المرة كعروس تفتح ذراعيها لها ..
فيتفحص المكان حوله باهتمام وعيناه تدوران فيه ..
يتخيل هذا الجحيم الذي عاشته هنا من ذكراتها الخانقة التي روتها له يومها في المشفى لتتقلص ملامحه بألم ..
الأرض غير الممهدة ..الحشائش التي نبتت حولها بعشوائية ..الشكل المخيف للساقية الصدئة ..
كيف تحتمل طفلة أن تهرع إلى هذا المكان وحدها هاربة من قسوة البشر ؟!

_شايف ده ؟!

تنتزعه بها من أفكاره ليقترب فيجد نقشاً صغيراً على المعدن الصدئ لجانب الساقية ل"هلال" صغير كتبت جواره اسمها "دكتورة ياقوت سليمان"..

_كنت بذاكر وأنا شايفاه قدامي ..حلمي اللي وصلتله ..

ثم تضحك وهي تشير لنقش آخر ل"شكل قلب" غُرس فيه سهماً لتردف بخجل:
_وده كان حلمي التاني ..الحب اللي يستاهلني وأستاهله ..

يبتسم وهو يحتضن كفها في راحته لتتنهد وهي ترفع رأسها للسماء تعانق السحب التي بدت لها كعرائس تشاركها فرحتها فتغمض عينيها هامسة :
_الحمد لله .

يضغط كفها في راحته وهو يشعر بها تماماً في هذه اللحظة كما يحلو له أن يصفها ..
"أسطورة"!
أسطورة امرأة صنعت من "اللحد" مهداً ..
أنبتت وسط القبور زهورها فأينعت جنة عامرة ..
وصنعت من نغمة الماضي الشاذة بصخبها لحناً متجدداٌ تسكن له الأرواح ..

_هو صحيح الميت بيحس بأهله ؟!
تسأله بصوت مرتجف ليبتسم لها ابتسامته الساحرة وهو يقترب منها خطوة داعمة لتخونها دموعها التي اختلطت بحروفها :
_ياريتها تحس فعلاً بينا ..وتعرف إننا بقينا مبسوطين وربنا عوضنا .

_وعدتيني ما تعيطيش .
يقولها غير مسرف في عتابه وكيف يفعل؟!
إذا كان هو نفسه يشعر برهبة هذه اللحظة في هذا المكان !!

لكنها تمسح دموعها بسرعة ونظرتها تحمل لها اعتذاراً كادت تتفوه به لولا أن سمعت هذا الهتاف خلفهما بفظاظة ساخرة :

_يا محاسن الصدف!

تلتفت نحو مصدر الصوت لتتسع عيناها ببعض الدهشة وهي ترى يامن يحمل يمنى مع ياسمين التي كانت تلكزه في خاصرته تنبهه لخشونة نبرته ..
فتبتسم لهما بود حقيقي هاتفة :
_أهلاً يا دكتور ..فعلاً صدفة حلوة ..

ثم تضحك لتردف ببعض الدهشة :
_مش هتبقى أول مرة نتقابل فيها عند الساقية .

وقف زين مكانه مركزاً نظراته على ياقوت وتاركاً ليامن حرية التصرف ليتقدم الأخير نحوهما مع ياسمين التي صافحت ياقوت بحرارة هاتفة :
_حمداً لله ع السلامة ..
ثم التفتت نحو يامن لتردف بحيويتها المعهودة :
_هتشوفينا هنا كتير ..يامن اشترى حتة أرض هنا جنب بيت عمه وهيبنيها ..

يبتسم يامن بما يشبه الخجل وكأنما يستحي من "شعور العودة للجذور" الذي كتمه عمراً والآن يسمح له بالطفو ليسيطر على جميع أفعاله ..

_عملها عشان خاطر يمنى ..عايزها تكبر بين هنا وبين هناك ..صح يا يمنى؟!

تقولها ياسمين مداعبة صغيرتها التي تناولتها من بين ذراعي يامن لتتلقفها منها ياقوت فتداعبها بدورها قائلة بحنان :
_كبرت خالص ما شاء الله ..شفت يا زين؟!

تقولها وهي تقرب الصغيرة من زين فتحفز يامن في وقفته ليبدو كأنما يقف على صفيح ساخن وهو يرى زين يحملها ليداعبها بدوره
لكن الأخير ما كاد يفعل حتى شرعت الصغيرة في البكاء قبل أن تتقيأ فوق قميص زين !

ضحكت ياسمين بحرج وهي تتناولها منهما لتمسح لها فمها بمحرمة ورقية هاتفة باعتذار رقيق:
_معلش لسه واكلة .

فيما يبتسم يامن بشماتة واضحة وهو يستعيد صغيرته ليربت على ظهرها فتتوقف عن البكاء وهي تمسح وجهها في صدره ..

_اتفضلوا افطروا معانا ..ستي ثمر مجهزة الفطار .
تقولها ياقوت بود وهي تمسح قميص زين بمنديلها هي الأخرى لترد ياسمين بود مماثل:
_والحاجة مراة عم يامن كمان ..معلش ..خلليها فرصة تانية ..

تقولها وهي تشعر بيامن يتشبث بكفها في تملك لتنصرف معه بعد تحية قصيرة ..

وما كادا يبتعدان حتى سمح يامن لضحكاته بالتحرر وهو يداعب الصغيرة بأن يرفعها لأعلى فتتعالى ضحكتها مع قوله :
_حبيبة بابا دي ..
ثم يلتفت لياسمين مردفاً بشماتة ساخرة :
_شفتيها وهي بترجّع عليه ؟!

تكتم ياسمين ضحكتها وهي تهز رأسها لتقول بمرح :
_مفيش فايدة ..

فيعاود الضحك باستمتاع وهو يداعب الصغيرة سائراٌ بهما بين الزرع لتسأله ياسمين بمكر :
_بس ماكانتش صدفة يا دوك ..انت قصدت تروح بينا هناك لما شفتهم ..صح؟!

_مفقوس أنا ؟!
يسألها وهو يرفع أحد حاجبيه بحركته العابثة لتضحك وهي تجيبه بسرعة:
_قوي .

ضم الصغيرة لصدره مربتاً على ظهرها لتطلق أصواتاً طفولية راضية وهي تلوح بذراعيها الصغيرتين في الهواء لتردف ياسمين بثقة :
_انت كنت عايز تروح مخصوص عشان تطمن على ياقوت .

ظل لحظات صامتاً مكتفياً بابتسامة ليلتفت نحوها أخيراً فتسأله وهي تعرف الجواب:
_واطمنت؟!

_بلاش رغي ..أنا جعان ..ياللا بسرعة عشان نلحق الفطار .
يقولها وهو يركض بالصغيرة التي علا صوت ضحكاتها فتبتسم ياسمين مدركة هروبه من الجواب لتسرع الخطا محاولة اللحاق بهما هاتفة :
_استنوني!

وفي مكانها كانت ياقوت تراقب انصرافهما بابتسامة واسعة كانت شغله هو الشاغل ..
هذه التي مسها بإبهامه بخفة ليقول بنبرته الحاسمة :
_كفاية كده هنا ..عشان ما نتأخرش ع الحاجة ..

تهز له رأسها وهي تتأبط ذراعه بقوة فخورة لتعود معه أدراجها نحو بيت ثمر شاعرة بالرضا ..
ذكرى أخرى مظلمة طمستها لتبدلها بإحدى شموس غرامه !
=======

_السلام عليكم ..اشتقتك يا حوريتي.
يهتف بها عابد وهو يفتح لها ذراعيه عقب عودته من الخارج لتندفع نحوه هاتفة بلهفة :
_اتحرك يا عابد !

يرفع حاجبيه بدهشة للحظة غير مدرك لما تعنيه خاصة وفتنتها الاستثنائية في منامتها الحريرية التي كشفت كتفيها وذراعيها ومساحة لا بأس بها من بطنها تزيغ عينيه قليلاً ..
لكنها تمسد بطنها بضحكة انفعالية تجعله يطلق آهة قصيرة قبل أن تفاجأ به ينحني جالساً على ركبتيه أمامها ليمسد بطنها بدوره هاتفاً بلهفة شغوف:
_أين ؟! أين ؟!

تضحك ولهفته تدفع المزيد من العاطفة في شرايينها لتمسد بطنها بدورها محاولة استشعار حركة جنينها التي أحستها من قبل لكن دون جدوى !

_والله اتحرك ..ياقوت كانت معايا وحست بيها ..يووووه بقا ..والله كان بيتحرك .

تهتف بها مكررة بخيبة متذمرة فيضحك وهو يقبل بطنها العاري عدة قبلات متتابعة قبل أن يستقيم واقفاً من جديد ليراقب ملامحها السمراء بافتتان بينما أنامله تتحرك على طول ذراعيها قائلاً :
_لا بأس يا فضية ..لعله نائم الآن .

تطلق زفرة خائبة وهي تعاود تمسيد بطنها فيحيط كتفيها بذراعه ليتحرك بها نحو الأريكة القريبة التي جلسا فوقها لتغمرها عاطفة نظراته التي شملتها بإعجاب لا يدعيه ..
يتخير كلماته كي يصرفها عن هذه الخيبة التي تملأ ملامحها :
_كم يليق بكِ هذا اللون ! لا أظنني رأيتك بهذه من قبل !

يقولها مشيراً لمنامتها بلونها بين الوردي القاتم والأرجواني والذي أضفى فتنة خاصة على سمرتها لتبتسم وقد نجح في مسعاه فتتورد وجنتاها مع إسبال جفنيها بقولها :
_ياقوت جابتهالي معاها ..عجبتك ؟!

_جداً..
يقولها وهو يضمها نحوه أكثر ليعاود تمسيد بطنها مردفاً بنبرته الآسرة التي يغلبها حنانه مهما اتسمت بالعبث:
_خاصةً وهي تبرز بطنك هكذا فتمنحني فرصة مداعبة طفلي.
تضحك بخجل وهي تخفي وجهها في كتفه فيداعب خصلات شعرها الناعمة المنسدلة فوق كتفيها ..
لتحتضن كفه فوق بطنها قائلة :
_أول ما حسيت بحركته قلت دي بركة دعاك لينا ..افتكرتني وانت بتصلي؟!

يصمت قليلاً فترفع عينيها نحوه بتساؤل لتحتضن هذه النظرة الرائعة في عينيه والتي امتزجت بسحر ابتسامته مع جوابه :
_منذ رأيتكِ أول مرة ولم تفارقيني في دعائي ..اختلفت الصيغة في كل مرة إنما بقي اسمك سراً في حديثي مع ربي ..كنتِ لغزاً ثم أملاً ثم فرحة ثم ابتهالاً ألا أُحرَم صحبتكِ في الدنيا ولا في جنة الآخرة .

تنفرج شفتاها في رغبة بالرد لكنها تعجز عن مجاراته في الحديث كعهدها..
فترفع كفه الحر نحو شفتيها تقبله بعمق لتقول بصوت متهدج:
_مش عارفة أرد بكلام حلو زي بتاعك ..بس ربنا عالم إني ..

تقطع عبارتها وهي تشعر بحركة جنينها تحت كفيهما المتعانقين لتصرخ بفرحة :
_اهه يا عابد ..حاسس بيه ؟! قول آه ..قول آه ..

لكنه كان عاجزاً عن النطق وهو يستشعر هذا النبض تحت أنامله ..
شديد الخفوت إنما بالغ الأثر في القلب!!
تدمع عيناه بتأثر وهو يحرك كفه فوق بطنها ملاحقاٌ هذا الشعور الرائع ..

_ماشاء الله لا قوة إلا بالله ..الحمد لله رب العالمين ..سبحان من هذا خلْقه ..اللهم إني استودعتك إياه فلا تريني فيه بأساً وأنبته نباتاً حسناً ..

يغمغم بها بخشوع فتبتسم هي برضا وهي تؤمن سراٌ لتسمعه يردف مغمض العينين :
_الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا وأتمّ علينا نعمته .

_كنت لسه هسألك على دي النهارده !
تقولها بخجلها الذي لا يكاد يفارقها فيفتح عينيه بتساؤل لترد :
_كنت بقرأ في المصحف ووقفت قدام الآيات ..ليه ربنا سبحانه وتعالى قال "أكملت لكم دينكم" و"أتممت عليكم نعمتي" ..ليه "أكملوا العدة" و"أتموا الحج" ..إيه الفرق بين "أكمل" و"أتمّ"؟!

يبتسم وهو يربت على رأسها ليجيب :
_يعجبني تدبرك للقرآن يا حوريتي .."أكمل" تعني أن ينهى العمل على مراحل متقطعة بينها فواصل زمنية ..أما "أتم" فتعني ألا يجوز للعمل أن ينقطع حتى ينتهي ..لهذا قال تعالى "أكملوا العدة" في الصيام لأنه لو أفطر المرء بعذر فيجوز له أن يكملها في الشهور الباقية من العام بصورة متقطعة ..لكنه تعالى قال "وأتموا الحج" لأن شعائر الحج لا يجوز أن تنقطع ولو لفترة قصيرة ..كذلك قال تعالى "أكملت لكم دينكم " لأن الدين نزل على مدار ثلاثة وعشرين عاماً بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى فترات متقطعة ..فيما قال سبحانه "وأتممت عليكم نعمتي" لأن نعمه عز وجل لم تكن لتنقطع علينا أبداٌ .

تتسع عيناها بفهم مع كل حرف ينطقه بكل هذا السلاسة وبكل هذا الخشوع قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامة فخور وهي تعود لتقبيل كفه بحب قائلة :
_زادك الله علماً ورزقك حسن العمل به .

_صرتِ تتحدثين مثلي ..تحاولين تقليدي ؟!
يقولها مشاكساٌ لتضحك بخجلها المعهود وقد عادت لطريقتها المعهودة مجيبة :
_وأنا أطول أقلدك ؟! والله بتطلع كده غصب عني ..محبة !
_محبة !
يكررها برضا وهو يطوقها بين ذراعيه ليقربها منه أكثر هامساً لها بأصدق ما سمعته يوماً :
_أشهد الله أني ما عرفت حباً ولا سكناً في حياتي كما تذوقته معكِ ..أخبركِ سراً ؟!

ترفع إليه عينيها المشعتين بعاطفتها ليتنهد بعمق وهو يداعب خصلات شعرها مع رده :
_تعرفين قصة أصحاب الصخرة الذين أغلق عليهم باب الغار وكيف نجا كل منهم بعمل صالح جعله سراً بينه وبين ربه؟! كلما كنت أقرأها كنت أسأل نفسي عن خبيئتي مع ربي ..عن عمل صالح أخفيته بين ضلوعي ورجوت فيه الإخلاص ..لم أكن أجد لي إلا نعمة غض البصر ..كنت أحتسبها عند الله خالصة لوجهه ..

تتسع ابتسامة إجلالها وهي تحتضن وجنته براحتها التي قبّلها برقة ليردف :
_رأيت ثمرتها في الدنيا ..في سحرك الذي يجمع بعيني كل فتنة النساء ..وأرجو من الله أن أكمل عهدي معه للآخرة .

_"تتمّ" مش "تكمل" ..واللا انت ناوي تقطع عادتك يا شيخ؟!
تقولها باستنكار غلب خجلها ليطلق ضحكة عالية شاركته فيها للحظات ..
قبل أن يقرص وجنتها بخفة قائلاً بمرح:
_غلبتِني يا أم مؤمن ..هل أعلمك لتجادليني؟!
تضحك من جديد بفخر يرسم المزيد من هالات الثقة حول وجهها لتقول وهي تمسد بطنها :
_بحب "أم مؤمن" دي لما تقولها قوي ..بس ..انت هتزعل لو جت بنت ؟!
تقولها ببعض الخشية ليبتسم بسماحة قائلاٌ:
_ومن يكره البنات؟! هن المؤنسات الغاليات ..لكنني أستبشر خيراٌ برؤيا الشيخ ..

يقولها ثم يميل على بطنها ليداعبه بأنامله قائلاٌ بمرح كأنه يخاطب ابنه :
_أخبرني أنت وأنا سأفهم ..نقرة واحدة تعني فتاة ..نقرتين تعني ولداً ..

تكتم ضحكتها بترقب وهي تنتظر معه أي حركة لتشعر بأول حركة هناك وبعدها سكون ..
فيتبادلان النظر للحظات بالمزيد من الترقب كأنهما يصدقان حقاٌ هذه اللعبة ..

_شكلها بنت !

لم تكد تقولها حتى شعرت بحركة متتابعة في بطنها كأنها نقرتين متتاليتين ..
لتعاود القول بمرح:
_لا أهه..شكله ولد .

لكن نقرة واحدة أخرى تجعلها تضحك معه من جديد قائلة :
_بيلاعبنا ..شكله هيطلع شقي .

فيطلق ضحكة مرحة وهو يعاود ضمها بين ذراعيه قائلاً:
_من شابه خاله فما ظلم .

تضحك بدورها وكلمة "خاله" التي نطقها عفوية تذكرها بعطايا القدر الكريمة التي تغمدتها مؤخراٌ ..
تتذكر ما قاله إسلام يوماً لترد عبر ضحكاتها :
_"الشيخ الفهلوي" ! إنتاج مشترك بينك وبين إسلام ..هيبقى ماحصلش..ده ..

صوت طرقات عالية على الباب يقاطع كلماتها مع الهتاف المميز بصوت الطارقة :
_افتحي يا ست لجين ..ستي ثمر عايزاكم عشان نفطر سوا ..


_دي رابحة ..افتح لها انت ..هاقوم أغير هدومي لو شافتني كده هتعمللي زفة في البلد .

تهتف بها بسرعة وهي تنهض من جواره فينهض بدوره ليهتف بها بحنان:
_تمهلي ..لا داعي للعجلة .

تبتسم له بحب وهي تغادر نحو غرفتهما لتغلق بابها خلفها فيما تحرك هو ليفتح الباب مخاطباً رابحة بقوله :
_عشر دقائق فقط وسنكون هناك .

_ماشي!
تقولها وهي تعطيه ظهرها كي تنصرف فيكاد يعود لغرفة لجين لكنه يسمع رنين هاتفه فيفتح الاتصال ليهتف بسعادة طاغية :
_الصالح! افتقدتك يا رجل ..أين كانت كل هذه الغيبة ؟!

يسمع الجواب من الطرف الآخر للاتصال فيضحك ليتحرك نحو حاسوبه المحمول الموضوع على مائدة السفرة هناك والذي فتح شاشته ليضغط أحد الأزرار فتبدو له صورة الصالح بابتسامته البشوش:
_كيف حالك أنت ؟! علمت عن مغامراتك الأخيرة عقب عودتي من السفر ..لم أكن في ماليزيا وقتها .

يتنهد عابد بحرقة لم يتمكن من إخفائها وهو يستعيد ذكرياته البائسة تلك ليرد بأسى:
_لا كتبها الله عليك ولا على أحد ..كانت كربة عظيمة يا صاحبي .

_يبتلى المرء على قدر دينه يا عابد ..احمد الله أن نجاك من القوم الظالمين .
يقولها الصالح بوجهه البشوش الذي تعمد أن يخفي فيه أساه لما علمه عما حدث لصديقه ..خاصة وملامح عابد التي يراها تفضح له أن أثر الأمر عليه لم يختف تماماً بعد ..
ليردف بضحكة صافية:
_علمت كذلك أنك ستصير أباً ..مباركٌ ..ستسميه باسمي صحيح ؟! لن تجد ..

يقطع حديثه فجأة وهو يميز هيكلها الصغير الذي أطل برأسها من خلف باب الشقة المفتوح ..
"المعتوهة"!
حمقاؤه المعتوهة التي لايزال يذكر تفاصيلها المبهجة ..
ترمقه من خلف ظهر عابد بهذه النظرة المبهورة من عينين لايزال يذكر شقاوتهما الغريبة ..
شقاوة تذكره بحلوى "المصاص" التي لايزال يحتفظ بها كذكرى من هذا البلد ..ومنها!

_هل هناك مشكلة في الاتصال ؟! أم أنك قطعت حديثك؟!
يسأله عابد غافلاً عما يحدث ليبتسم الصالح وهو يسبل جفنيه محاولاً غض بصره عن الحمقاء هذه فيكمل حديثه :
_كنت أقول أنك لن تجد اسماً أفضل من اسمي كي تسمي به ابنك .

_آه والله يا شيخ ! هو يطول اسمك واللا شكلك ..ده أنا أمي داعيالي إني شفتك النهارده ..هو البعد بيحللي كده ؟!

تهمس بها سراً بهيام وهي تمد رأسها أكثر ..ترى عابد يضحك وهو يطرق برأسه فتستغل الفرصة لتظهر نفسها أكثر وتلوح للشاشة بكفها بخفة قبل أن تعود للاختباء عندما رفع عابد رأسه ليرد بانطلاق:
_تعلم كم أود هذا يا صاحبي لكن الشيخ هنا بشرنا باسمه ..المرة القادمة أعدك أن ..

كان الصالح غافلاً عن الاستماع لبقية عبارته وهو يكتم ضحكته بصعوبة بعدما رأى تلويحها المستتر له ..
ضميره يخزه بعتاب على هذه اللهفة التي تتملكه الآن ..
لكنه يعود ليذكر نفسه ..إنها طفلة ..فقط طفلة ..
مثله تماماً عندما ..!!

يقطع أفكاره عامداً وهو يعقد حاجبيه مقاوماٌ مرارة ذكراه الخاصة ليتحاشى النظر نحو الشاشة من جديد ..
فيسيئ عابد تأويل وجومه وهو يهتف ليراضيه :
_لم أعلم أن الأمر سيضايقك هكذا .

لكنه يبتسم ليقول دون أن يرفع عينيه :
_أنا أمازحك فقط يا صديقي ..بورك لك في عطية الله ..أتمنى لو ترسل لي صورته عند ولادته .

_إن لم تحضر خصيصاً لتراه فسأسافر لك به .
يقولها عابد بحرارة ليرفع الصالح عينيه من جديد نحو الشاشة بحذر لكنها كانت قد أخفت رأسها تماماٌ ..
فقط كتفها كان يبدو له خلف الجدار الذي اختبأت خلفه ..

فيبتسم وهو يحاول استعادة روحه المشاكسة :
_بل سآتي أنا ..وأرى كيف تتصرف كأب مذعور مرتبك محمر العينين لا يعرف كيف يحمل قطعة لحم صغيرة يزعمون أنها ابنه !

يتشاركان الضحك للحظات قبل أن يشعر عابد بباب غرفتهما يفتح لتخرج منه لجين سافرة عن وجهها فيدير شاشة الحاسوب ليخاطب الصالح بقوله :
_أحدثك في وقت لاحق ..الحاجة ثمر تنتظرنا على الإفطار .

_تبيع صاحبك الذي اشتاقك لأجل الطعام؟! بئس الصاحب !

يقولها الصالح مشاكساً ليغلق الاتصال بضحكة سمحة تناقض عتابه الظاهر فيبتسم عابد وهو يتحرك نحو لجين التي هتفت بسرعة:
_ياللا عشان ما نتأخرش على ستي..

تقولها وهي تنظر نحو الباب لتردف وقد رأت كتف رابحة المتواري :
_مش هتبطلي طبعك ده يا مطيورة ؟!

يلتفت عابد بدوره ليبتسم وهو يلمح ما تحكي عنه ..
خاصة وقد ظهرت الفتاة أخيراً بملامح مذنبة ليبدو وجهها البائس مع قولها :
_الحق عليّ ..قلت أستناكي عشان ما أرجعش لستي ثمر بإيدي فاضية .

تهز لجين رأسها بيأس وهي تتوجه نحوها لتقرص وجنتها ببعض القوة هاتفة :
_وإيه كمان يا "رويتر"؟! عارفة لو نقلت حاجة لأمك أو لحد من أهل البلد عن بيتي هاعمل فيكِ إيه ؟! وريني موبايلك !

_والله ما صورت حاجة !
تهتف بها الفتاة مدافعة وهي تتأوه بدلال فتبتسم لجين وهي تضمها نحوها بحنان قائلة :
_طب ياللا عشان ما نتأخرش .

تقولها وهي تسدل نقابها على وجهها لتمسك كف عابد بإحدى قبضتيها بينما تشد بالأخرى على كف رابحة التي كانت تنظر من خلف ظهرها للشاشة المظلمة بحسرة ..
لكن ابتسامتها تعود لتغلبها وهي تتذكر ملامحه إذ رآها ..
ملامحه الوسيمة التي زادتها ابتسامته سحراً وهو يتعرف إليها ..
هو لايزال يذكرها إذن ..
من يدري؟!
ربما يهيم بها حباً كما تفعل هي!!

خاطرها المبهج يجعلها تتقافز في مشيتها لتترك كف لجين وتعدو بخطوات شبه راكضة طفولية نحو بيت ثمر المقابل ..
فترمقها لجين بنظرة حانية بينما عابد يقول بسماحة :
_فتاة هوجاء ..لكنها طيبة !

فتتنهد لجين بحرارة وهي تراقبها من بعيد لتقول بما بدا كحدس صادق من توجس:
_ماهم دول اللي يتخاف عليهم اليومين دول ..ربنا يسترها عليها .
=======
_وفي نهاية المناقشة قررت اللجنة منح الباحثة "هانيا ...." درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى .

تعج القاعة بالتصفيق فتدمع عينا هانيا بفخر وعيناها لا تميزان وسط الحضور سوى عينيه هو ..
هو الذي هرعت إليه دون أي تحفظ لتلقي نفسها بين ذراعيه ..
لم تكترث بالنظرات حولها ..
لم تعِ مكاناً ولا زماناً سوى أحقيته هو بأن يقطف أول ثمار نجاحها ..

هو الذي كان قلبه يخفق بانفعال مشابه وهو يضمها إليه بقوة شاعراً أن هذا الإنجاز يخصه هو قبلها !
ترفع إليه عينيها لتروعها هذه الدموع في عينيه والتي ناقضت قوله المرح :
_مبروك يا "هنايا" ..نجحنا !

تضحك وسط دموعها ثم تعاود إخفاء رأسها في ضلوعه مع كلماتها المرتجفة :
_نفسي أصرخ وسط الناس كلها أقول إنت السبب ..لولاك ما كنتش هاوصل هنا .

_وادي اللي كنت بقول عليها عاقلة ..لمي نفسك يا دكتورة بقا هتفضحينا .
هتاف يامن الذي يمزج مرحه بفظاظته خلفها يجعلها تفيق من سكرتها لتلتفت نحوه بضحكة خجول ردها بضحكة عالية تزايدت مع هتاف رامز المعترض:
_ياعم سيبنا نسترزق يا عم ..هي الكحكة في إيد اليتيم عجبة ؟! ربنا وحده عالم شقينا أد إيه لحد ما وصلنا لكده .

تشاركهم نبيلة الضحك وهي تجذب هانيا من بين ذراعي رامز لتضمها إليها بقوة ثم تهمس في أذنها بصوت أرجفه انفعاله :
_هو ده ..هو ده بالظبط الفيلم اللي كان نفسي أبقى بطلته .

ترنو إليها هانيا بعينيها الدامعتين ثم ترفع كفها نحو شفتيها تقبله بامتنان في حركة لم تفعلها من قبل ..
هذه التي وجدت صداها في قلب نبيلة التي اعتصرتها بين ذراعيها عاجزة عن منع دموعها ..

يراقبها يامن مكانه شاعراٌ أنه يراها كعهده مؤخراً بصورة "الأم" التي افتقدتها سنوات عمره الأولى ..
لم تعد تهتم بهذه التجاعيد التي صارت تهاجم وجهها بضراوة كأنها تثأر من طول تعاملها القديم معها ..
آه!
كم يود لو يصرخ بها أنه يعشق هذه الخطوط واحداً واحداٌ ..
يعشقها وهي ترسم له لوحة أمومة لم تعرف الألوان إلا متأخراٌ ..متأخراً جداٌ !!

وعلى ذكر الألوان يلتفت ل"سيدتها" جواره ..
ياسمين التي وقفت تحمل يمنى وعلى شفتيها ابتسامة تحتضن ابتسامته ..
وفي عينيها نظرة تكاد تنطق أن لن يفهمك مثلي أنا !

فيميل عليها هامساً بنبرة دافئة صارت تهذب فظاظته الفطرية :
_كل حاجة فيكِ بتحضنني ..حتى حروفك بتحضن حروفي ..يامن وياسمين ..

ثم يتناول الصغيرة من بين ذراعيها ليضمهما معهما مردفاً :
_ويمنى !

تتسع ابتسامتها وهي تسند رأسها على كتفه بنظرتها التي تشعره أن هذا العالم بأسره لم يعد يحوي غيره ..
فيردها لها بمثلها ثم يعود ليرقب سعادة هانيا برضا ..

هانيا التي وقفت تتلقى مباركات الحضور الذين توافدوا إليها بنظرات اعتزاز وكفها يتشبث بكف رامز في إشارة واضحة ..
هو ليس نجاحها وحدها ..هو نجاحهما معاٌ !!

_مبروك يا دكتورة .

تأتيها من "زميلتها المنتقبة" التي أسرّتها يوماً بتلك النصيحة النافعة والتي كانت تنظر لكفها المشتبك بكف رامز نظرة راضية فضحكت لها هانيا وهي ترد لها مباركتها بنظرة ذات مغزى جعلت الأخيرة تضحك لها بدورها بصفاء ..

_عقبالي يارب ..أنجح بس ..أنجح .

تهتف بها داليا بنزقها المعهود وهي تتقدم نحوها لتعانقها فيهتف يامن بسخريته المعهودة :
_يا فاشل يا فاشل !

يضحك مروان ضحكة عالية وهو يضم كتف داليا إليه داعماٌ ليرد عنها :
_فشر! مين دي اللي فاشلة ؟!
_خلليه خلليه ..بكرة لما أنجح هادبسه في هدية تطلع من نافوخه .
تهتف بها داليا بمشاكستها المعهودة ليرد يامن :
_والله أنا مستعد لأي حاجة بس أشوفك متخرجة كده ورافعة راسي .

_يعني كان لازم تناقشي دلوقت يا هانيا ؟! ماكنتيش عارفة تأجليها شوية؟! حاسة إني هاولد وأنا واقفة !
تهتف بها رانيا باعتراضٍ واه وهي تمسد بطنها ليضحك أشرف مخاطباٌ هانيا بقوله:
_معلوماتي الستات حملها تسع شهور بس احنا دخلنا الشهر العاشر ..شكلنا بقا وحش قوي..مش عارف ليه البنت دي محجرة جوه كده ومش عايزة تطلع .

_ماتفكرنيش إنها بنت ..بإذن الله هيطلع الدكتور حمار وشايف غلط ..أنا عايش ع الأمل ده .

يهتف بها يامن بانفعال مرح فتعلو ضحكاتهم جميعاً لترقبهم هانيا بسعادة طاغية وهي تضغط كف رامز في راحتها أكثر ..
لم تشعر بالسعادة في حياتها كما تفعل الآن ..
كأنما اعتلت قمة جبل طموحها لتلوح برايتها من فوقه ..
هل بقي من السعادة ما لم تختبره بعد ؟!

والجواب تمنحه لها اللحظة القادمة وهي تراها تدخل من باب القاعة تتأبط ذراع سيف الذي تركته لتهرع إليها بخطوات راكضة ..
فاندفعت نحوها بدورها لتعانقها هاتفة :
_غادة ! إيه المفاجأة الحلوة دي ؟!

ثم رفعت إليها عينيها الدامعتين لتردف بانفعال:
_سافرتِ مخصوص عشاني ؟! وانتِ حامل كمان ؟!

_ماكانش ينفع أسيبك لوحدك في يوم زي ده حلمنا بيه سوا من زمان .
تقولها غادة بانفعال مشابه فتضحك كلتاهما وكل منهما تشبك كفيها بكفي الأخرى على صدريهما في "حركة قديمة" اعتادتها الصديقتان منذ عهد معرفتهما الأول ..

_فخورة بيكِ قوي .
تقولها غادة عبر دموع فرحتها فتهتف هانيا بانفعال مشابه :
_أنا كمان فخورة بيكِ قوي ..

تقولها وهي تنظر لسيف الذي انسحب لتوه من عناق أمه ليتقدم منهما فيبسط راحته على كتف غادة بدعم ثم يبارك لزوجة شقيقه بكلمات مناسبة ..
شقيقه الذي اندفع نحوه ليعانقه بقوة هاتفاٌ :
_نوسع بقا للكبير ..زيارة غالية والله .


تضحك غادة وهي تنتحي بهانيا جانباً لتهتف بسعادة :
_حماتك شكلها طايرة بيكِ .
فتتوهج ملامح هانيا مع كلماتها :
_من امبارح وهي هتموت م الفرحة ..اتصلت بكل قرايبها تعزمهم ع المناقشة ..ما تتصوريش فرحتي وأنا سامعاها بتتباهى بيّ قدامهم .."الدكتورة مراة ابني" ..

تقول كلماتها الأخيرة مقلدة لكنة حماتهما ورافعة ذقنها بإباء لتضحك غادة ضحكة عالية فتمسد هانيا بطن صديقتها بخفة لتردف بنفس السعادة :
_انتِ راضيتيها بطريقتك وأنا راضيتها بطريقتي ..نبقى خالصين .

فتعود غادة للضحك للحظات ثم تميل رأسها لتقول بترقب:
_عندي مفاجأة .
ترمقها هانيا بنظرة متسائلة لتردف بضحكة عاطفية :
_طلعوا بنتين ..اتفقت مع سيف نسميهم "هانيا" و"إيناس" !

_هانيا؟! هتسمي هانيا؟!
تهتف بها هانيا بانفعال ثم تنكب عليها من جديد تعانقها لتضحك غادة دامعة العينين بتأثر من رد فعلها ثم تربت على ظهرها لتردف بامتنان دافئ:
_اخترت أقرب اسمين في الدنيا ليّ دلوقت ..لولاكِ عمري ما كنت هاوصل لبر الأمان ..

ترفع إليها هانيا عينين دامعتين تأثراٌ فتمسح غادة دموعها بسرعة هاتفة بمرح :
_مفيش عياط النهارده يا دكتورة ..اتشطري بس والحقي هاتي بنت نسميها على اسم طنط عشان ما تقفشش علينا .

_بنت تاني؟! ده كان يامن قطع علاقته بيّ !
تهتف بها هانيا لتتعالى ضحكاتهما من جديد فاضحة ارتياحاً حقيقياً لصديقتين رست سفنهما فوق المرفأ الصحيح أخيراً بعد طول سفر ..

_بنتين يا كبير ! بتنتج ب"الجوز"؟!
يهتف بها رامز بمشاكسته الوقحة كالعادة فتحمر أذنا سيف بخجله المعهود مكتفياً بابتسامة لتلكز أمهما رامز في كتفه وتنهره هاتفة :
_صلي ع النبي كده وسمي ..الله أكبر ..واتشطر انت كمان وهات لنا فردة واحدة حتى !

_أوبا! الحاجة بتحرجني وأنا بتقمص .
يقولها رامز بمسكنة مصطنعة فيضحك سيف وهو يهم برد لولا أن انطلقت صرخة رانيا في الجوار لتعلن عن الحدث المنتظر ..
======




سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 09:10 PM   #1262

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

_مناسبتين في يوم واحد ! كتير عليّ كده والله !
يهتف بها يامن بمرحه الفظ وهو يدخل إليها غرفتها في المشفى عقب ولادتها مباشرة لتتقدم إليه نبيلة بالصغيرة التي فاضت لها ملامحه حناناً ناقض غلظة قوله :
_مرحباً بكِ في "جبلاية الحريم" اللي ربنا ابتلاني بيها .
_اخس عليك يا يامن ..البنات كلهم خير .

تهتف بها نبيلة بحنان فيضحك أشرف وهو يحتضن كف زوجته حيث جلس على فراشها قائلاٌ بود:
_سيبيه يا طنط ..بكرة يتحايل عليّ عشان يشيلها وأقولله أبداٌ .

وكأنما يعانده يامن فيتناول الصغيرة من بين ذراعي أمه ليضمها لصدره بقوة حنون مع قوله :
_بس ..بس ..أنا ليّ فيها زيي زيك ..قوليله يا رانيا .

تبتسم رانيا عبر ملامحها المتعبة لتقول بصوت شاحب:
_لولا إني مش عايزة أكبرك كنت قلت إن جدها مش بس خالها .

كلماتها مع صوتها المنهك ترسم المزيد من خيوط الحنان حول ملامح يامن الذي تقدم نحوها ليسألها باهتمام:
_انتِ أحسن دلوقت ؟!
تهز له رأسها مطمئنة فيضغط أشرف كفها في راحته بحنان ليسألها :
_وعدتك انتِ اللي تسميها ..هه؟! عايزة نسميها إيه ؟!

_ما تسموش من غيري
تهتف بها داليا وهي تدخل الغرفة لتوها فتهتف بها هانيا بتحفز:
_بس يا جبانة ..لسه جاية تظهري دلوقت .
_انتِ عارفاني ما بستحملش ..كنت هاقع منكم .
تقولها بنزقها المعهود وهي تتلقف الصغيرة من يامن لترمقها بنظرات مبهورة مردفة :
_قمر قوووي ...خدي قلبي مش عاوزاه ..دي نسميها "راوند" وش!

_وده إيه راوند ده ؟! قبل الفطار واللا بعد الفطار ؟!
يقولها يامن بتهكم فظ لتلكزه ياسمين التي وقفت تحمل يمنى في خاصرته لترفع داليا أنفها هاتفة باعتزاز :
_ده اسم فارسي ..معناه حبل تعلق عليه عناقيد العنب .
_والله ما حد عايز يتعلق غيرك يا مجنونة .

يقولها يامن وهو يمط شفتيه باستياء لترد رانيا بصوتها الواهن :
_لا ..عايزة أسميها "أماليا".
_وإيه أماليا ده كمان ؟!
يسألها يامن مستنكراٌ لترد مدافعة :
_ده اسم يوناني معناه اللطيفة الجميلة .

_يااخواننا نقوا أسامي بني آدمين بقا ..إيه ده ؟!
يهتف بها باستنكار فيقول أشرف عبر ضحكاته :
_خلاص اختار انت.

يصمت للحظات مفكراً ثم يقول بحسم:
_هيسكالاتاه.

_إيه؟!
يهتف بها الجميع في آن واحد باستنكار ليقول ببراءة مصطنعة عبر تهكمه :
_ده أصله منغولي ..ومعناه العبد لله مسك الحديد تناه .

ضحكاتهم تنطلق صاخبة في نفس اللحظة لترتج بها جدران الغرفة ..
فترقبهم نبيلة مكانها وهي تزداد يقيناً في كل يوم أن هذا هو الدور الذي ضلت عنه عمراٌ لكنه الآن وجدها ليمنحها جائزة "الأوسكار" !
فرحتهم وهم ملتفون حولها بسعادتهم الراضية ونظراتهم المطمئنة تساوي لديها الدنيا وما فيها ..

_بفكر أسميها نبيلة .
تقولها رانيا بحنان أخيراً وهي تقرأ بشخصيتها المستحدثة نظرات خالتها ..
فتدمع عينا نبيلة وهي تهز كفها برفض لتقول بصوت متحشرج:
_لا لا ..نبيلة ده اسم قديم قوي ..وبعدين عايزاها تطلع زيي مثلاً؟!

هنا يتحرك يامن نحوها شاعراً بانفعالاتها الداخلية التي ماعادت تتكلف إخفاءها تحت قناع "النجمة" كالسابق ..
فينحني ليقبل جبينها باعتزاز ثم يضم كتفها لصدره بينما رانيا ترد بحرارة لا تدعيها:
_وأنا أطول تطلع زيك ؟! لولاكِ انتِ ويامن كنا ضعنا بعد وفاة بابا وماما الله يرحمهم .

تتدفق الدموع من عيني نبيلة وهي تشعر بتاريخ تقصيرها الطويل معهم يكاد يطفو للسطح من جديد لكنها تطمسه بهذه النظرات الدافئة العطوف التي تتدفق من عيونهم جميعاٌ ..
فتعاود هز كفها برفض قائلة :
_برضه لأ ..نبيلة قديم ..
ثم صمتت لحظة لتدور بعينيها بين وجوههم من جديد مردفة :
_سميها فرح ..على اسم اللي كلنا دلوقت حاسيناه بعد مرارة الأيام اللي فاتت دي كلها .

_موافقة .
تهتف بها داليا بصوت عالٍ ليتبعها الجميع واحداً تلو الآخر ..
تلتفت رانيا أخيراً نحو أشرف بعينين متسائلتين كأنما تختبر رضاه عن الاسم ..
فينحني ليقبل وجنتها بحنان قائلاً :
_مش هتبقى أول فرحة ..مامتها قبلها كانت فرحة عمري كله.

_اوعوا تكونوا سميتوها من غيري .
تهتف بها نشوى التي دخلت لتوها مع ريما فيما بقي إسلام مع مروان ورامز بالخارج ..

_بصراحة ..آه ..كنا بنفكر في فرح.

يقولها أشرف بمرح فتتلقف نشوى الصغيرة لتتفرس في ملامحها بحنان قائلة :
_حلو قوي ..سبحان الله لايق عليها كأنها اتخلقت له ..

_عقبالك .
تهتف بها رانيا لترتبك ملامح نشوى وعيناها تغيمان بنظرة غامضة بينما تتطلعان لريما التي وقفت تشد ملابسها هاتفة :
_وريها لبابا ..وريها لبابا ..

_مش لما تشوفيها إنتِ الأول .
تقولها نشوى بابتسامة مرتبكة وهي تقرب الصغيرة بحذر من ريما التي أشاحت بوجهها برفض هاتفة :
_مش هاشوفها إلا معاه ..تعالي نوريهاله أو هاروح أندهله ..

تقولها ثم تندفع للخارج لتنفذ ما تنتويه فتتنهد نشوى ونفس النظرة الغامضة تزداد كثافة في عينيها ..

يطرق إسلام الباب ليدخل مع ريما التي تجذبه من ذراعه بلهفة هاتفة :
_مارضيتش أشوفها غير معاك ..ياللا بقا ..

يبارك لرانيا بمرحه المعهود ثم يتناول الرضيعة من نشوى ليقبل وجنتها من بعيد بخفة قائلاً :
_نسخة من أشرف .

فتضحك رانيا قائلة بعفوية :
_نبيلة بتقول لما الست بتحب جوزها قوي بيطلع ابنها شبهه ..عقبال ما نشوى تجيبلك نسخة منك .

_يااااارب!
يهتف بها بلهفة وهو يقرب الرضيعة من ريما التي قبلتها بحرص لتهتف بعدها باعتراض:
_لا مش عايزة نونو شبهك ..هتحبه أكتر مني ..

فتزداد تلك النظرة الغريبة في عيني نشوى تأصلاً وهي تطيل النظر نحوهما ليهتف هو مخاطباً الصغيرة :
_عمري ما هاحب حد أكتر منك ..انتِ البريمو .

_يعني إيه بريمو؟!
_يعني..الأولى ..السوبر ستار .
يقولها مفخماً لهجته بمبالغة لتضحك ريما باستمتاع فيناول الرضيعة لرانيا ..
ثم يبسط ذراعه على كتفي نشوى التي بدت واجمة نوعاً مع ابتسامتها المرتجفة ..
فغمزها بحركته المعهودة مستغلاً انشغال رانيا بين رضيعتها وريما ليميل على أذنها هامساً :
_عقبال ماتجيبلي نسخة مني ..يا عسل .

فتزداد ابتسامتها ارتجافاً وهي ترد له لهجته بمثلها :
_اتنين منك خطر على البشرية ..نسخة واحدة يادوب ربنا يقدرني عليها!
=======

_أنا فاشلة ..فاشلة !
تهتف بها داليا لنفسها وهي تخبط رأسها في طرف طاولة المكتب عدة مرات بيأس قبل أن تعاود رفعه وهي تنظر لكتبها التي تراصت أمامها ك"قتلى حرب" !!
موعد الاختبارات النهائية يقترب وتخشى بمستوى تحصيلها الرديئ هذا أن تضطر لإعادة العام !!

_يارب أنجح وأتخرج يارب ..دي آخر سنة !

ترفع كفيها بدعاء حار ثم تحاول فتح مذكرة ما أمامها لتجتهد في التركيز لكنها تعاود إغلاقها بزفرة ضائقة ..
تدور بعينيها في الغرفة حولها والتي تحولت لما يشبه "اسطبلات" الخيل من فرط ما تعج به من فوضى ..
ليست غرفة المكتب فحسب ..الشقة كلها كذلك !!

تدمع عيناها رغماً عنها وهي تنهض محاولة ترتيب المكان لكنها لا تدري من أين تبدأ ..
فتعاود إطلاق زفرة ساخطة وهي تمسد بطنها ..
لم تتناول شيئاً منذ الصباح ..
جائعة لكنها تشعر بالكسل عن الطبخ ..
بقيت ساعة واحدة على موعد عودة مروان ..
ستطلب منه أن يتناولا العشاء بالخارج هذه الليلة ..أيضاً!!

الخاطر الأخير يكدس المزيد من دموع إحساسها بالفشل في عينيها ..
تتحرك نحو الموقد لتضع القدر ببعض الماء فوقه تاركة إياه يغلي ..
ثم تتناول من الخزانة القريبة ما فضت غلافه بسرعة لتلقيه فيه ..

_اندومي!! تاااااني؟!!!

صوته خلفها يفزعها نوعاً فتلتفت نحوه بعينيها الدامعتين اللتين مسحتهما بسرعة وهي تقول بعنادها المعهود :
_برمي أكياس البودرة والزيت عشان مضرة ..وباعملها بالجبنة الرومي بس ..جيت بدري ليه ؟!

يجذبها من ذراعها نحوه ليتفرس ملامحها ثم يسألها بابتسامته الحنون التي ناقضت مشاكسة عبارته :
_مالك يا آخرة صبري؟!
_كويسة ..زي الفل ..
تقولها هي الأخرى بنبرة تناقض هذه التكشيرة فوق ملامحها خاصة وهي تتفلت من بين ذراعيه لتقلب محتوى القدر ثم تضيف إليه الجبن فيضحك وهو يبسط ذراعه على كتفها هاتفاً :
_أيوة أيوة والاهتمام ما بيتطلبش ولو كنت مهتم كنت عرفت لوحدك والاسطوانة إياها دي .

ترمقه بنظرة جانبية مختلسة دون أن تبتسم فيزيد المزاح بقوله :
_فعلاً الحياة ليست عادلة ..يعني صاحبي الأنتيم يبقى متجوز شيف عندها بدل المطعم اتنين ..وأنا أرجع البيت ألاقي الغدا اندومي !

هنا تلتفت نحوه فجأة بنظرة حادة ودموعها الحبيسة تتحرر من مقلتيها مع كلماتها :
_أول مرة تقارنني بحد !

_داليا .
يهتف بها بجزع حقيقي وهو يجذبها بين ذراعيه في عناق دافئ للحظات ثم يربت على شعرها قائلاً :
_انتِ عارفة إني ما أقصدش ..فيه إيه يا حبيبتي ؟! مالك؟!

تستسلم لبكائها للحظات بين ذراعيه ثم ترفع إليه عينيها بشكواها:
_حاسة إني فاشلة في كل حاجة ..لا عارفة أذاكر ولا عارفة آخد بالي م البيت ..مش عايزة أخذلك وأطلع عيلة ..بس كل الحاجات دي كبيرة عليّ .

فتنهد بحرارة وهو يتحرك ليطفئ الموقد دون أن يبعدها عن ذراعيه ..
ثم تحرك بها ليجلسها على الطاولة القريبة ثم يقف أمامها فيرفع رأسها نحوه قائلاً بمزيج حنانه وقوته المعهود :
_اتعودي دايماً لما تلاقي قدامك مهمة كبيرة قسميها لمهمات صغيرة ..كل ما تعملي واحدة فيهم هتحسي بالإنجاز يحمسك للي بعدها لحد ما تتفاجئي إن الحاجة الكبيرة اللي كانت زي الجبل قدام عينيكِ دي بقت سهلة جداً ..

ثم تناول راحتها في كفه ليدور فوقها بسبابته مردفاً :
_نبتدي الأول بالحاجات اللي ممكن غيرك يعملها ..تنضيف البيت هاجيبلك واحدة تساعدك ..الأكل ..ممكن نستحمل سوا ونقضيها بأي حاجة مش مشكلة ..

تتشقق شفتاها بابتسامة مرتاحة يدللها بشفتيه للحظة ثم يكمل حديثه بنفس النبرة :
_تتبقى مذاكرتك ..ودي محدش هيقدر يعملها غيرك ..بس أوعدك أفضي نفسي كل يوم ساعتين بعد العيادة نراجع فيهم سوا ..أنا طبعاً ما أعرفش في منهجكم حاجة ..بس ممكن أسمعلك مثلاً .

تمد ذراعيها فجأة لتعانقه بقوة وهي تقفز من فوق المائدة لتغرق وجهه بقبلاتها الطفولية فتصدح ضحكته العالية في أذنها وهو يتشبث بها أكثر بينما هي تهتف بانفعال:
_انت مش ممكن ..مهما الدنيا بتقفل في وشي دايماً عندك حل ..أنا بحبك قوي قوي قوي ..

_ربنا يقدرني طول ما أنا عايش ما أشيلكيش هم حاجة أبداً .
يقولها بحنانه الدافئ فتستطيل على أطراف أصابعها لتقبل رأسه بعمق امتنانها ..
رأسه "الأصلع" الذي طالما تندرت بقبح مظهره والآن تجده مع كل يوم يزداد في عينيها قيمة وجمالاٌ ..
حبه لم يكن مجرد كلمات خبا بريقها بعد تملكها بعقد زواج ..
لكن هاهو ذا يثبت لها في كل يوم أنه جنتها على الأرض ..
دعمه واحتواؤه لا يقلان أبداً عن جموح عاطفته ..

هذه التي اختبرت قبساً منها الآن وهو يضمها نحوه ليتذوق اعتراف شفتيها بطريقته التي يعشقها وتعشقها هي مثله ..

قبل أن يبعدها ليتنهد بارتياح وهو يحتضن وجنتيها قائلاً بصدق :
_مين دي اللي تتقارن بأي ست في الدنيا ؟! ده أنا تعب يومي كله بيروح أول ما برجع لك هنا وآخدك في حضني .

تضحك بدلال عاشق وهي تحتضن كفيه على وجنتيها فيضحك بدوره هاتفاً :
_اعملي حسابي معاكِ بقا في الاندومي على بال ما آخد دش ع السريع كده ..تصبيرة ع الماشي لحد ما نخرج نتعشى بره .

عيناها تكتسيان بالخزي من جديد فيضحك وهو يداعب أنفها بسبابته مردفاً باعتزاز:
_سيبك من قصة الأكل دي خالص بكرة تبقي أشطر ست في المطبخ ..ركزي بس في مذاكرتك عايزك تخلصي من الكلية دي بقا .

تهز له رأسها بامتنان وهي تراقبه ينصرف عنها ..
تغرف الطعام "البسيط" في طبقين متشابهين ثم تضعهما على المائدة لتصنع لهما مشروباً دافئاً وتصبه كذلك في كوبين فخاريين متشابهين ..
تراه يعود إليها بمنامته بلونها الأزرق القاتم والتي تشبه منامتها كما تصر هي -بهوس- منذ تزوجا أن تتخير له كل حاجياته متطابقة مع مثيلاتها لديها متى تيسر ذلك ..

تبتسم وهي تشاركة الثرثرة لدقائق مستمعة معه لنوادر عمله الصباحي ..
والتي ختمها بقوله :
_يتوب علينا ربنا! عيال اليومين دول مش أطفال أصلاً ..الولد بكشف عليه ألاقيه مكشر وضارب بوز ..وأول ما خلصت لقيته اتلفت ناحية مامته بيقوللها هاكل سبانخ وأشرب لبن لحد ما تطلع لي عضلات أكسر بيها العيادة دي على دماغه ..

قهقهت ضاحكة وهو يقلد صوت الطفل الذي يحكي عنه ليخبط هو كفيه ببعضهما مردفاً :
_سفاح صغير!

_مش بتحب الأطفال ..اشرب بقا!
تقولها بشماتة ضاحكة ليخبط بكفه على صدره بفخر مع رده :
_مين ده ؟! وأنا سبته إلا لما بقينا أصحاب ..واتفقنا في معاد الإعادة هيجيب التاب بتاعه عشان يلعب معايا لعبته اللي بيحبها .

رمقته بنظرة فخورة طويلة وهي تربت على كفه قائلة بالانجليزية باعتزاز:
_This is my man

فابتسم لها بحب وهو يرد بمشاكسة :
_الفضل لسعادتك ..بعد ترويضك كل ده لعب عيال .

تنهدت بحرارة وهي تتذكر تاريخهما المشترك معاٌ لتقول بهيام :
_عمري ما هانسى عمري الجديد اللي اتكتب بين ايديك ..انت وهو .

تقولها وهي تخرج له لسانها بحركة دلال مغيظة بينما عيناها تشيران لحاسوبه المحمول هناك ..
فضحك وهو يرفع كفها لشفتيه يقبله هاتفاً بغيرة مصطنعة :
_هتخلليني أغير منه ..بس مش هتبقى أول مرة ..ده أنا كان هيجيلي فصام بسببك يا شيخة ..ياااااه ! كل ما افتكر نفسي وأنا بكلمك من الحساب المجهول وبقوللك "لا تتباسطي مع مروان هذا ..أنا أغار" !

جلجلت ضحكتها عالية ليردف بغيظ :
_بتضحكي؟! ده أنا كنت هاضرب نفسي بالقباقيب ع اللي كنت بعمله ده والله !

_بعد الشر عليك يا مارو!
تقولها بدلالها العذب وهي تغادر مقعدها لتعانقه بقوة طابعة قبلتيها على وجنتيه ثم تردف بعجلة :
_هاروح ألبس عشان ما نتأخرش ..نتعشى ونرجع على طول .

لكنه يقف مكانه ليبتسم قائلاً بحنان :
_لا ..هنتعشى ونتمشى شوية تغيري جو عشان تشحني طاقتك كده لبكرة ..مش عايزة تاكلي درة ؟!
_وحلبسة !
تهتف بها بلهفة طفولية فيضحك ضحكة عالية وهو يضمها نحوه بينما هي تردف بنفس النبرة :
_من عربية "حمودة" اللي مكملة تعليمها بره !

تقولها لتتفلت من بين ذراعيه راكضة نحو غرفتها حيث وقفت حائرة أمام خزانة ملابسها ..
اكتسبت الكثير من الوزن بعد الزواج بطبيعة الحال وهو ما يبدو كارثياً لامرأة مثلها ..

لهذا تلكأت أصابعها على الثياب المتراصة أمامها لتفاجأ بهاتفها يرن بهذه النغمة المميزة ..

قدام مرايتها عادي
بتتدلع براحتها ..
بستناها وبستعجلها ..
تضحكلي وأبص لها ..
تختار ألوانها تسأل ..
عن رأيي في فستانها ..

_مين اللي غير لي نغمة الموبايل؟!
تسأله بنظرة متوهجة دون أن تحتاج لجواب وهي تجد الاتصال من رقم إحدى صديقاتها لتتجاهله ..
ثم تلتفت نحوه هو لتجده يهز كتفيه قائلاٌ بابتسامة واسعة :
_أول ما سمعتها قلت ما تليقش على واحدة غيرك ..

ضحكت وهي تجد الرقم يرن من جديد لتنبعث النغمة من جديد فيرددها هو معها بصوته العذب الذي تشعر برنّته تمس وتراً بروحها لم تعرفه قبله ..
فتتنهد بهيام وهي تتخير من ملابسها طاقمين رفعتهما أمام عينيه كأنها تخيره ..
ليكمل بنفس الصوت العذب:
_طب هاختار ازاي وجمالها بيحللي الدنيا بحالها !
=======
تسير جواره متشابكي الأيدي على الرصيف يمسك كل منهما كوبه من المشروب الدافئ الحار لتطلق هي زفرة حارقة هاتفة :
_مشطشطة قوي ..
_قلتلك بلاش شطة وانتِ اللي صممتِ .
_لا لا ..ده جمالها في كده .
تهتف بها مكابرة وهي ترتشف رشفة أخرى من الكوب بعناد تدمع معها عيناها فيضحك قائلاً بإشفاق:
_بالراحة .
يقولها وهو يجدها تسحب كفها منه لتحركه حول وجهها طالبة الهواء بينما تخرج لسانها لتحركه بسرعة فاحمر وجهه وهو يمسك كفها ببعض العنف هامساً بضيق:
_دخلي لسانك احنا في الشارع .

لم تعد ملاحظاته هذه تثير ضيقها وهي تراها تنتقص من شأنها بل صارت تفهمها حقاً كما يريد لها ..
هي نجمته التي يرى فيها الكمال ولن يسمح أن ينتقصها أحدهم يوماً بدلالة عيب ..
لهذا ابتسمت له وهي تطبق شفتيها بعد اعتذار قصير ..
قبل أن تشعر برذاذ المطر الذي بدأ هطوله حولهما وجعله يقول باهتمام:
_كفاية كده ونرجع ..عارفك ما بتحبيش تمشي في الشتا ..
فتتسع ابتسامتها وهي تتأبط ذراعه بقوة لتلصق نفسها به قائلة :
_بس انت بتحبه ..وأنا معاك مابقتش أخاف منه زي الأول ..خللينا نتمشى كمان ..

يبتسم لها بعمق عاطفته ليكملا مسيرهما تحت المطر فتتنهد بحرارة وهي تشعر أنها وجدت معه الأمان الذي عاشت ترجوه عمرها كله ..
لم تعد تخشى ماضياً أو غداً ..
هو كفاها كل هذا!!

يعودان معاً لسيارته فيقودها نحو متجر ألعاب قريب توقف أمامه ليفاجئها بهديته التي عاد بها ..

_ميريدا!

تهتف بها بسعادة وهي تضم الدمية القطنية لصدرها فيضحك قائلاً:
_من غير القوس بس معلش..انتِ مش محتاجة أسلحة ..لسانك كفاية .

تلكزه في كتفه بخفة وهي تغرق الدمية بقبلاتها طوال الطريق تحت نظراته الحانية ..
السيارة تتوقف أمام البناية فيخرج لها من "تابلوه" السيارة كيساً آخر :
_هارمونيكا ..وبِلي..لا لا ..ده كده دلع النهارده ماحصلش !

تهتف بها بفرحة طفولية وهي تضم كل هذه الأشياء لصدرها فيكتنف ذقنها بأنامله ليدير وجهها نحوه هامساً :
_عجبتك الخروجة ؟!
_قوي .
تهمس بها بامتنان ليرد بنفس الحنان الدافئ :
_يعني عوضت دموع النهارده ؟!

تتسع عيناها للحظة ثم تلقي ما بيدها جانباً لتعانقه بقوة دون محاذير فيضحك هاتفاً بخشونة مصطنعة :
_مفيش فايدة ! اصبري لحد ما نطلع طيب ..هاعلم فيكِ لحد امتى بس ؟!

لكنها تتشبث بعناقه أكثر لترفع إليه عينيها هامسة :
_مش هتأسف المرة دي ..حضنك مالوش مواعيد ..خصوصاً في لحظة زي دي ..شكراً يا مروان .

تدمع عيناها دونما سبب ..
وربما لأقوى سبب!!
هذه العاطفة الهادرة التي تزأر بين جنبيها والتي كان يشاركها مثلها وهو يتنهد بحرارة ليقبل جبينها هامساً :
_أنا اللي لازم أشكرك ..زمان كنت بخاف أحلم أحسن الحلم ما يتحققش ..لكن انتِ علمتيني أفضل ورا حلمي لحد ما أحققه ..الفرحة اللي حاسسها دي ..تستاهل!

تبتسم له ابتسامة عاشقة فيرفع أحد حاجبيه بنبرة موحية :
_يتهيألي بقية الكلام الحلو ده تبقى فوق .

فتغمزه غمزة شقية وهي تعاود تناول حاجياتها
لتترجل من السيارة ويصعدان معاً نحو الأعلى ..
أحد الأبواب يفتح لتطل من خلفه طفلة صغيرة ما كادت تراه حتى تهللت أساريرها وهي تهتف باسمه ..
فتلقفها بين ذراعيه قائلاً بحنان :
_خارجة ليه في البرد ده ؟! ادخلي اتدفي .

يطل خلفها والدها ليصافحه قائلاً بود :
_كانت بتتفرج ع الشتا م البلكونة وأول ما شافتك أصرت تخرج تشوفك ..أقوللها ده الدكتور بتاع الحقنة ..تقوللي مروان جميل ..

ضحك مروان ضحكة عالية وهو يقبل الصغيرة بحنان شعرت معه داليا بالغيرة خاصة عندما امتدت عينا الصغيرة نحو ما تحمله هي لتمد ذراعيها الصغيرتين فتنتزعهما منها هاتفة :
_بتاعتي ..ميريدا !

شعر مروان بالحرج والطفلة تتشبث بهدايا داليا ليحاول والدها التدخل وانتزاعها منها لكن مروان هتف مجاملاً :
_سيبهم لها مش مشكلة ..هنجيب غيرهم ..

_لا دي حاجتي مش هاسيبها .
هتفت بها داليا بعناد يشبه عناد الصغيرة وهي تعاود انتزاع حاجياتها منها فانفجرت الأخيرة في البكاء لينقل مروان بصره بينهما بحرج لكن والد الصغيرة ينقذ الموقف فينسحب بابنته ويغلق الباب خلفه ..
يرمقها مروان بنظرة عاتبة فترمقه بنظرة أشد عتاباً وهي تركض نحو درجات السلم لتسبقه ..
وما كاد يدخل ويغلق الباب خلفه حتى هتف بها بعتاب :
_كده ؟! تعملي عقلك بعقلها ؟!
_انت إزاي توافق تديها حاجتي؟!
تهتف بها بعصبية غيور وهي تلوح بذراعيها مردفة :
_إزاي تحضنها وتبوسها كده ؟! الدلع ده ليّ أنا ..أنا بس !

تدمع عيناها في كلماتها الأخيرة فاضحة انفعالاً حقيقياٌ لا تدعيه فيهز رأسه قائلاً بنفس العتاب الآسف:
_بتغيري من طفلة يا داليا ؟!

يزداد تكاثف الدموع في عينيها ثم يفاجأ بها تلقي ما في يدها لتهرع إليه لتطوقه بكل قوتها هاتفة بنفس الانفعال :
_بغير من أي حاجة وأي حد ياخدك مني ..حنانك ودلعك ده بتاعي أنا بس ..أنا بنتك ومراتك وحبيبتك .

لم يكن يعلم في هذه اللحظة هل يبتسم لهذه العاطفة الهادرة التي تسطع كالشمس بين حروفها ..
أم ينهرها ناعتاً إياها بالحماقة !!

_يعني لو جبنا بنت ..هتغيري منها ؟!
يسألها مهادناً ومحاولاً احتواء انفعالها غير المنطقي هذا لترفع إليه عينيها هامسة بصوت متحشرج :
_يمكن عشان كده مش عاوزة دلوقت ..أنا عايزة أشبع من حبك ده ..مش عايزة حد يشاركني فيه ..

فيهز رأسه بابتسامة وإبهامه يدور ببطء على شفتيها مع همسه :
_لا أنا كده أسيب "العاشق" التاني يرد عليكِ ..يمكن هو يقنعك أحسن مني .

تبتسم وسط دموعها فتبدو كحمقاء تماماً ليبتسم بدوره وهو يمسح دموعها فتأخذ نفساً عميقاٌ قبل أن تبتعد لتتناول حاجياتها وتغادر نحو غرفتهما ..
يلحق بها ليبدل ملابسه لكنه يفاجأ بها ترتدي أحد قمصان النوم المكشوفة ..

_هتبردي !
يهتف بها ناهراٌ بمزيج حنانه وحزمه لكنها تلتصق به هاتفة بدلالها الكارثي:
_ماانت هتدفيني !

_داليا ! بلاش هزار في صحتك ..انتِ عندك امتحانات ومش وقت تعب !

يقولها بنفس الحزم الرفيق وهو يتناول منامتها الشتوية ليعطيها إياها لكنها تحركت بسرعة راكضة نحو الفراش الذي انسلت تحت غطائه لترمقه عيناها بهذه النظرة التي تمزج شقاوة الأطفال بإغواء النساء!

يبتسم رغماً عنه وهو يتقدم نحوها قائلاٌ :
_يعني مفيش فايدة ؟!
_تؤ!
تهمس بها بدلالها العابث فلا يدري أيهما سبقه إليها ..
قلبه أم قدماه ..
معركة عاطفية شديدة الصخب ينصهران بها تحت الغطاء ليضمها أخيراً في عناق طويل لم تكن ترجو أفضل منه نهاية لهذا اليوم ..

تفتح عينيها صباحاً لتجد الفراش خالياً منه ..
كعهده يغادر مبكراً رافضاً إيقاظها معه ..
تتناول هاتفها وهي تتثاءب بكسل لتتسع عيناها بترقب وهي تميز رسالة من العاشق المجهول ..

(حرامٌ في عرف حبك الغيرة ! متى علمتِ بأنكِ طفلة القلب الأولى وامرأته الأخيرة فكيف لمثلكِ أن تغار!)


تتنهد بهيام وهي تعيد قراءة رسالته لمرات ومرات قبل أن تتصل به لتقول كلمة واحدة :
_بحبك .

هذه التي ضبطت مزاجه هو طوال اليوم حتى عاد في آخره ليفاجأ بطفلة الأمس جارته تستقبله على الدرج محتضنة دمية ميريدا ..
كان قد عاهد نفسه أن يشتري لها مثلها لكنه نسي في خضم انشغاله ..
والآن يجدها تضحك له وهي تشرح له بنبرتها الطفولية أن داليا زارتها صباحاً كي تمنحها إياها ..

يبتسم باعتزاز فخور وهو يقبل الصغيرة ليتركها نحو شقته هو بالأعلى ..
والتي فتحها ليفاجأ بترتيبها غير الاستثنائي مع رائحة الطعام الشهية ..
الطعام الذي رُصّ على المائدة جوار شموع رقيقة ..

_انت جيت!
تهتف بها بنزقها المعهود وهي تندفع نحوه من الداخل لتشير لما حولها مردفة بفخر طفولي:
_خلصت مذكّرة بحالها من اللي عليّ ..وطبخت الأكل ده لوحدي ..ونضفت الريسبشن على أد ما قدرت .

يضحك بفخر حقيقي وهو يتقدم نحوها لتتنهد قائلة بامتنان :
_شفت بقا ..كلامك بيعمل المعجزات .

_انتِ اللي معجزة !
يقولها بنفس الفخر وهو يحاول عناقها لكنها تبتعد مشيرة لهيئتها المزرية بشعرها المتعرق الذي التصق بجبينها ومنامتها التي اتسخت في مواضع عدة ..

_ممنوع اللمس لحد ما أستحم وأغير هدومي ..مش طايقة نفسي..ريحتي ..

لكنه يقاطعها غير آبه بملاحظتها ليجذبها نحوه في عناق قوي قبل أن يغرق وجهها بقبلاته ..
هذه هي صغيرته التي يحبها ويفخر بها ..
والتي لا يكفيها سوى قبس من حنانه كي تتوهج كشمس!

_للدرجة دي مبسوط مني ؟!
تهتف بها بدلالها المعهود ليغيب بين شفتيها مانحاٌ إياها جواباً غير منطوق ..
هو لم يروض جياد عنادها وطيشها الجموحة فحسب ..
هو عرف كيف يوجهها للمرعى الصحيح!
فنعم العشق والعاشق!
======

بلاش بالشكل ده نمشي
طريق العمر لنهايته
ويفضل كل واحد فينا
حاسس ان شئ فايته
جمعنا الحب يوم
لكن بقينا في بعض بنعادي
وصوت العقل قال نمشي
وفيه شئ بينا بينادي
هنبعد فتره ونفكر
عشان يبقى القرار هادي..

عبر شروده في المكان الذي قد يراه للمرة الأخيرة تبدو عيناه وكأنما تعلقتا بباب غرفة مكتب أبيه ..
مغلق!
كعهده منذ الأحداث الأخيرة لم يفتح أحدهم بابه ..
فهل يجرؤ هو الآن أن يفعلها ولو للمرة الأخيرة ؟!

خطواته تسحبه نحو هناك لكنه يشعر بكف أمه يقبض على كتفه بمزيج من حنان وحسم ..هذا المزيج الذي يليق بقولها :
_بلاش! مالوش لازمة يا هيثم !

يلتفت نحوها بعينين دامعتين لترتجف ابتسامتها وهي تشير للمكان الذي تم إخلاؤه حولها ..
مما جعل لصوتها صدىً خاصاً يتردد بينهما :
_البيت ده مش جدران وعفش ..البيت ده كان كل عمري اللي فات ..فاكر إنه سهل عليّ أسيبه دلوقت ؟! ...بس أنا هاعملها ..لازم أعملها ..عشان ألحق اللي باقيلي من نفسي ..ومنكم .

فتزداد كثافة الدموع في عينيه وهو يرى أناملها تتشبث بقلادتها في عنقها ..هذه القلادة التي حملت صورته هو مع إسلام ..

_كل يوم بفكر نفسي إني ما خسرتش ..كفاية قوي إني كسبتكم انت وأخوك ..هو ده المكسب اللي محدش هيقدر أبداً يحرمني منه .

كلماتها الممتزجة بدموعها تدوي برنين حقيقي وسط المكان الخالي فتبدو له كقرع الطبول وسط جدران روحه الخربة ..
تصفق له بإجلال أن اختار برّها ..
ولا عزاء لقلب مكلوم ينزوي خائباً بحسرته بين الضلوع !

_كده كله تمام ..نقلنا كل حاجة ..لسه عايزين حاجة من هنا؟!

صوت إسلام خلفه يدوي كذلك بحشرجة حزن غريبة على طبعه المرح ..
فيلتفت نحوه هيثم ليسأله بتردد :
_هو الراجل اللي هياخده هينقل فيه على طول ؟! يعني ..مش ممكن بعد كده نقدر نزوره ؟!

فيهز إسلام رأسه نفياٌ وهو يدور ببصره في المكان الخالي حوله ليقول بنفس الصوت المتحشرج :
_خلاص ..مابقاش بيتنا!

هنا تجهش جيلان في البكاء فجأة كأنما كل القوة التي كانت تدعيها تلاشت دون مقدمات ..
رغماً عنها تتتابع عليها قبسات من عمرها السابق هاهنا فيركع قلبها استجابة ل"سيد الحنين" الذي لا يُقهر ..
سنوات من العمر كانت هنا ..
والآن تتركها خلفها مشيعة بعار لا ذنب لها فيه !!

لكنها تشعر بحصادها الحقيقي في عناق ابنيها لها ..
هذين اللذين كانا يضمانها الآن بقوة وهما يقبلان رأسها ..
أربعة أذرع تحيطها كدائرة فتمنحها الأمان الذي تحتاجه في هذه اللحظة كي ترفع وجهها من جديد ..
تبتسم وهي تقبلهما تباعاً قبل أن يتحرك ثلاثتهم ليغادروا المكان ..

يقفون جميعاً أمام باب البيت الذي فيتبادلون نفس النظرات التي يغزوها مزيج الحزن والحسرة ..
تمد جيلان كفها نحو مقبض الباب تهم بإغلاقه لكن أناملها ترتجف بقوة ودموعها تخونها من جديد ..
فيهمّ إسلام بفعلها بنفسه مشفقاً عليها من هذه التجربة القاسية ..
لكن المفاجأة أن هيثم هو من سبقه لفعلها !!

الصوت القوي للباب الذي أغلقه بعنف يجعل إسلام وجيلان يرفعان إليه عينيهما ببعض الدهشة ..
لكن ابتسامته الكسيرة التي بدت وكأنها التصقت بشفتيه تمنحهما المبرر !

يرمقه إسلام بنظرة داعمة وهو يشد على كتفه بقبضته فيما تمسك أمه كفه الآخر وهم يتحركون ليغادروا المكان نحو بيتهم الجديد ..
بيت هو أكثر بساطة بكثير لكنه يناسب هذه المرحلة ..

_المنظر من هنا جميل ..

يقولها هيثم وهو يرمق السماء التي اعتدل جوها ..فلا شمس حارقة ولا غيم مؤرق ..
صافية ..هادئة ..كما يرجو لحياته القادمة أن تكون ..

_الميزة كمان إنه جنب بيتي ..ولو إنكم كده كده هتسافروا اسطنبول بعد ما نتيجتك تطلع .
يقولها إسلام وهو يقف جواره واضعاً كفيه في جيبي سرواله بينما يرمق الأفق بشرود ..
لترد جيلان وهي تبسط ذراعيها فوق كتفيهما معاٌ قائلة :
_مش هنفضل مسافرين العمر كله ..أكيد هنرجع .

تقولها بابتسامة مرتجفة فيلتفت نحوها هيثم لتردف هي بنبرتها التي عاد إليها عنفوانها :
_ودلوقت اتفضلوا من غير مطرود شوفوا حالكم ..عايزة أوضب البيت على ذوقي .

تقولها لتغادرهما منادية الخادمة فيبتسم إسلام وهو يتحرك بشقيقه نحو الخارج قائلاٌ ببعض المرح :
_بما إننا اتطردنا سوا ..تعال بقا أغديك ..فرصة أستفرد بيك زي زمان ..واهه تغير جو عشان تعرف تذاكر .

يهز له هيثم رأسه بشرود وهو يغادر معه البيت الجديد ليتوجها نحو سيارة إسلام التي استقلها الأخير ليسأله :
_تحب مطعم معين واللا أخلليها على ذوقي؟!

ورغماً عنه ودون أي تفكير وجد نفسه يذكر له اسم المطعم الذي كان يلقاها هي فيه ..
"شهد قلبه المرّ " الذي وجد نفسه يتجرعه قطرة قطرة فلا يدري هل يمتنّ لحلاوته التي اشتهاها ..أم يلعن مذاق علقمه الذي سيبقى في فمه العمر كله ؟!!

_كويس ده يعني؟!
يسأله إسلام غافلاً عن أفكاره فيجيبه كذلك دون وعي :
_ما بستطعمش الأكل غير فيه .

يهز له شقيقه رأسه موافقاً ليتوه هيثم من جديد في شروده ..
صورتها "نصف الظاهرة" خلف باب شقتها في آخر لقاء بينهما تجتاحه ..
ربما لأنها كانت أصدق مرة رآها فيها !!
هكذا كانت في حياته ..
نصفها فقط هو ما يظهر ..فلما ظهرت بكاملها آن لها أن تختفي!!

يبتسم بمزيج من حنين وشجن وهو يتذكر حلمها الذي حكته له يوماً ..

الشمس كانت خلفهما وهما يسبحان فلما ظهرت أمامهما ..لم تجده معها !!

حب كهذا لن يعرف سوى حياة الظلال ..
أي شعاع نور يقتله !

_وصلنا!
كلمة إسلام لا تبدو له كما هي بل يراها كأنما يقرّها عقله على خاطره الأخير ..
فيتنهد بعمق وهو يغادر السيارة نحو المطعم الأثير ..
مشاهد بعينها تغزوه من ماضيهما المشترك فيراها -بعين خياله- تنتظره هناك ..
بملامحها الفاتنة البريئة ..عينيها العاشقتين ..ولسانها الذي لا يكف عن الكلام ..
يالله !!
حتى ثرثرتها الفارغة هذه قد اشتاقها!!

_هيثم باشا! فينك من زمان ؟! نفس الطلب واللا نغيّر ؟!

يسأله النادل بود حقيقي فيرمقه إسلام بنظرة إدراك فاهماً لماذا اختار هذا المكان بالذات ..
لكنه شعر بالقليل من الارتياح مع جواب شقيقه :
_لا ..هاغيّر المرة دي .

يقولها مختاراً أن يفصل عقله عن تيه روحه وقلبه في جنة ذكرياته هنا ..
يتجاوب بلسانه مع حديث إسلام ..يتناول الطعام بظاهر وجهه المبتسم ..
لكن هناك ..
هناك داخل أعمق نقطة بروحه ..
كانت هناك دمعة كبيرة يشك أن تمسحها يوماٌ يد الحياة !

_الأكل حلو فعلاً هنا كان معاك حق ..بس أنا متأكد إن فيه حتت تانية أكلها أحلى!

يقولها إسلام بنبرة ذات مغزى وقد أدرك بحدسه ما يدور في رأس شقيقه فيرد هيثم بابتسامة جانبية باهتة وهو يهم برد موارب ..
لولا أن سمع صوت رنين هاتف إسلام والذي فتح الاتصال ليرد بمرح حقيقي:
_وحْش الشاشة ! كنت مستني تفتيشك ده من الصبح ..أنا مع أخويا ..أصور نفسي وأبعتلك الصور؟!

يضحك ضحكة عالية وهو يتلقى ردها "الشوكي" ..ليرد :
_جامدة ! أموت أنا في الستات الواثقة من نفسها دي ..والله وعلامي فرَق معاكِ يا ست نشويات !

يبتسم هيثم برضا عن السعادة الحقيقية التي تلون ملامح أخاه الذي يستطرد بحنان دافق:
_عنيّا لريما ولمامة ريما ..مسافة السكة أكون عندكم .
يقولها ثم يغلق الاتصال ليهتف بهيثم :
_ريما عايزة تشوف فيلم أنيماشن في السينما ..هاعدي عليهم في المصنع ..ما تيجي معانا .

يهز له هيثم رأسه موافقاً فيتحركان معاً ليغادرا المطعم الذي رمقه هيثم بنظرة مودعة أخيرة وهو لا يدري إن كان سيملك القوة ليعود هنا يوماً ..أم لا ..

ترى كيف حالها الآن؟!
قالت إنها ستسافر لعلها ستفعلها بعد انتهاء فترة الامتحانات !
هل ستقوى على البعد حقاً ؟!
وهل سيقوى هو؟!
يلمح النادل يلوح له من بعيد ثم يغمزه بحركة خاصة قرأها قلبه أنها تخصها هي ..
تراها لا تزال تزور المكان هنا مثله تتنسم رحيق ذكرياتهما ؟!
أم أنها تبذل جهدها في التناسي مثله ؟!

خواطره تبتلعه طوال الطريق الذي قطعته السيارة نحو مصنع أشرف حيث تنتظر نشوى مع ريما ..

يرصف إسلام السيارة ليغادرها معه نحو الداخل ..
لكنهما ما كادا يتقدمان حتى فوجئا بأشرف هناك يقف ..معها !!

شهد !!
هنا!!
يعقد إسلام حاجبيه بنظرة قلقة كان لها ما يبررها وهو يرى هيثم جواره وقد شحبت ملامحه وارتجفت أنامله التي شبكها جواره فاضحةً تشنج جسده ..

فيما كان هيثم يكاد يشتعل مكانه ورؤيتها هنا مع أشرف تعيد إليه تلك الذكرى الكريهة ..
مشهدها بثوبها المكشوف تتهادى خطواتها لتستقل السيارة ..
سيارة والده التي تبتعد بهما لوجهة لا يعلمها ..

يتفصد جبينه عن عرق خفيف وهو يشعر بصراع روحه يشتد ..
بين قلبه الذي بدا وكأنه بعث برؤيتها من جديد ..
وبين جحيم ذكرياته الذي يصهره لفحه !!

وأخيراً ..يأخذ قراره فيتقدم نحوها خطوة لكن إسلام يقف أمامه وقد ازداد انعقاد حاجبيه :
_بلاش !

كلمته الصارمة بدت كرجاء أقرب منها للنصيحة ..
لكن هيثم رفع أنفه وقد اشتدت ملامحه أكثر راسماً على وجهه قناعاً من جمود ..

_ما تخافش .

يقولها فيرمقه إسلام بنظرة طويلة متفحصة قبل أن يفسح له الطريق ليراه يتوجه نحوهما ..

_هيثم!
يهتف بها أشرف بنبرة مصدومة وهو يلمحه لأول وهلة فيما لم تكن شهد أقل منه صدمة وهي تراه أمامها !
الألم الذي ذبح ملامحه لم يكن يحتاج منها لكثير فهم ...
الآن تدرك ما يدور برأسه تماماٌ ..
ذنبها سيبقى حبلاً حول عنق حبهما لا تزيد الأيام حلقته إلا ضيقاً!!

_شهد كانت جاية تسلم عليّ قبل ما تسافر .
يقولها أشرف ببعض الحرج متفهماً حساسية الموقف ليرد إسلام الذي اقترب بدوره :
_طول عمرها الآنسة شهد صاحبة واجب .

لم يستطع منع رنة التهكم الضائقة في صوته وهو يناظرها الآن ..
رغم يقينه أنها تعشق أخاه لكنه كذلك لا يستطيع منع نفسه من هذا الشعور بالضيق نحوها ..
لو تهاون فيما حدث مع أبيه بزعم أنه كان يستحق ..
فماذا عن وجع أمه بسببها؟!
وماذا عن جرح أخيه الذي لم يبرأ بعد ؟!!
هو ليس ملاكاً ليعفو عن كل هذا ..
لكن هل هي كذلك ؟!

يقطع أشرف أفكاره وهو يسحبه جانباً تاركاً لهيثم وشهد حرية الحديث بقوله :
_نشوى مستنياك مع ريما ..

يتردد إسلام قليلاً وهو لا يريد ترك أخاه وحده لهذه الدوامة من جديد لكن أشرف يجذبه ببعض العنف مردفاً :
_تعال قوللهم إنك جيت .

يستجيب له أخيراً على مضض ليتحرك مبتعداً ..

وفي مكانها كانت شهد واقفة تراقب هيثم الذي أطرق برأسه أمامها وقد عجز عن مواجهة عينيها ..
كل القوة التي ظنها في نفسه تتبخر فلا يشعر إلا بهذا الوهن الذي يجتاحه ..

_خلصتِ امتحانات ؟!
يسألها بلا معنى وكأنه لا يعرف الجواب ..
وكأنه يبحث فقط عن مدخل ليسمع صوتها ..

هذا الذي وصله متحشرجاً مع جوابها :
_لسه مخلصة ..عقبالك ..وعقبالي السنة الجاية لما أتخرج زيكم ..أنا خلاص هانقل ورقي لجامعة الاسكندرية .

_وأنا كمان هسافر تركيا بعد النتيجة .
يقولها بنفس النبرة الضائعة وقلبه يستصرخه أن يرفع عينيه نحوها لكنه كان لايزال عاجزاً عن فعلها ..

_ربنا يوفقك .
تقولها بنبرة ميتة كأنها تودعه فيزمّ شفتيه بقوة لكن الكلمة تنفلت من بينهما حارقة :
_آسف .
_آسفة .

تقولها بعد صمت لحظات كأنها تمنحه صك غفرانها ..
ذنبه يقابل ذنبها ..فمن فيهما يملك حق العتاب؟!
لهذا ازداد تحشرج صوته وهو ينكس رأسه أكثر قائلاٌ :

_ لازم أبعد .
_لازم أبعد .
تقولها فتبدو صدى لعبارته هو ..لكن لمَ العجب؟!
كلاهما في هذه اللحظة كان يخطو معصوب العينين فوق الطريق الذي اختارته له الحياة ..
فمن يملك الشجاعة كي يحيد ؟!

لكنه وجد أخيراً بعض القوة ليرفع عينيه الحمراوين محتقنتين بدمعهما نحوها ليقترب منها خطوة هامساً :
_أنا..بحبك .

يقولها دون تفكير وقد شعر أنها فرصة قلبه الأخيرة في وداع يليق بغرامه ..
لترتعش ابتسامتها وحروفها تتراقص على سيف الوجع بحديث مشابه :
_وأنا ..بحبك .

يعض شفته بقوة كادت تدميها ولايزال حديثها يبدو فقط مجرد تكرار لحديثه ..
فيشيح بوجهه هارباً من فيض نظراتها السخي لكنها تردف بعبارتها الأثيرة :
_مهما حصل بيننا افتكر ..إني عمري ما حبيت ولا هاحب حد غيرك .

يغمض عينيه بقوة وهو يود لو يفعل مثلها فيكرر لها عبارتها ..
لكن الحروف تموت على شفتيه المرتجفتين ..

الشمس صارت أمامكما يا أحمق!!
والعوْم معها في بحر العشق صار عليك حراماٌ ..
فاقنع ب"نصف ذكرى" ..ب"نصف وعد" ..ب"نصف حب"..
هي كانت ولا تزال أيقونة ال"بيْن بيْن" خلف باب موارب!!

يفتح عينيه أخيراً كي يعانقها بنظرة أخيرة لكنه لا يجدها ..
شهقة جزع تنفلت من بين شفتيه وهو يدور بجسده في المكان حوله باحثاً عنها لكنها كانت قد اختفت تماماٌ ..
يفتح ذراعيه كأنه يعانق طيفها الراحل فلا يصله صوت السكون حوله ..
ذنبٌ سيبقى العمر بينهما ..
طعنة وسط الضلوع !


و أسلم حل دلوقتي
نغيب عن بعضنا شويه
يا جابنا البعد تاني لبعض
و ردّك من جديد ليا
يا نبعد واللي بينا يعيش
جميل في عينيك و في عينيا..
اعتبرنا خدنا هدنة من عهودنا ..
كل واحد فينا قلبه يكون وحيد ..
تبقى فرصة نداوي روحنا من جروحنا ..
أو نشوف الصورة أوضح ..من بعيد ..
========
_صباح الخير !
صوت همسة الرقيق يداعب أذنه كعهده كل صباح فيفتح عينيه ليطالع نظراتها العاشقة ..
يبتسم وهو يراها تميل على وجنتيه بقبلتين ناعمتين لتتشح ابتسامته بطيف من الذنب وهو يشعر بشفتيها تتلكآن فوق ملامحه ..

هو لم يقربها -كزوج- منذ عرف عن وفاة أمه بتلك الطريقة البشعة !
شعوره بالذنب منعه التمتع بوصالها الذي اشتاقه طوال هذه السنوات ..
لكنه لم يستطع أن يفعلها !
هو اعتاد كبح جماح نفسه معها طوعاٌ من زمن لكنه الآن يشعر أن الأمر لم يعد بيده ..
ربما استعاد بعض حيويته برجوعه للعمل وباختلاطه المستحدث مع الناس..
لكنه لايزال عاجزاً عن مد كفيه نحو نجوم سعادته الكاملة بعشقهما!!

لهذا اكتفى بقبلة خاطفة لثغرها قبل أن يدفعها برفق لينهض من رقدته ويغمغم بما يشبه الاعتذار:
_عندي شغل كتير النهارده ..لازم أفوق بسرعة كده عشان أروح .
_زين قاللي إنك ممكن تاخد النهارده أجازة ..وبصراحة ..كنت حابة نقضي اليوم سوا .

تقولها ببعض الحرج وهي تشعر بتباعده الجسدي عنها..
لتتشدد ملامحه بضيق حقيقي ..
ضيق من نفسه لا منها هي ..
هذا الذي ترجمته حروفه العصبية :
_مش انتم اللي كنتم عايزينني أرجع الشغل وأحتك بالناس ؟! أنا فعلاً مابقيتش عايز أبطل شغل .

تدمع عيناها رغماً عنها حساسيةً من نبرته المنفعلة لكنها تتفهم هذا الضغط الذي يعيشه فتعتدل بجسدها لتربت على ظهره قائلة بابتسامة مرتجفة :
_أنا فعلاً فرحانة إنك رجعت تشيل الشغل زي زمان ..بس مفيهاش حاجة لو نقضي النهارده سوا ..
_اشمعنا النهارده ؟!
يسألها بالمزيد من الذنب وقد لانت نبرته فتزداد ابتسامتها ارتجافاً وهي تشير لقرط أذنيها بشكله الغريب الذي كان يراه هو فراشة وتراه هي راقصة باليه :
_معقول نسيت؟!

يعقد حاجبيه للحظات ثم تتسع عيناه بإدراك وهو يميز أنه اليوم الذي اختاراه منذ سنوات طويلة ليكون عيداً لحبهما ..
اليوم الذي اعترف لها فيه بحبه لأول مرة وأهداها هذا القرط مع سلسلته التي تحمل دلايتها نفس الشكل ..
والتي لم يرها ترتدها طوال هذا السنوات ..لكنها الآن تفعل !!

_دي الحاجة الوحيدة اللي مش فاكراها ..إزاي ولا امتى قلعتها ..بس امبارح بالصدفة وأنا بقلب في حاجتي لقيتها ..وفرحت جداٌ إني لقيتها !

تقولها بعينيها الدامعتين برقتها الملائكية المميزة فيبتسم وهو يجذبها نحوه فجأة ليطوقها بذراعيه بقوة حانية امتزجت بطيف الذنب في حروفه :
_مش عارف أقوللك إيه ! يعني دلوقت انتِ اللي بتفتكري وأنا اللي بنسى!

حروفه تنتهي بعدة قبلات متتابعة لجبينها تحمل لها اعتذاراته فترفع إليه عينيها هامسة بنفس الرقة المتسامحة :
_وأنا إيه وانت إيه ؟! مش واحد !

تقولها ليعانق ثغرها شفتيه بحرارة عاطفتها ..
فيغمض عينيه بقوة وهو يغيب معها في دوامة قصيرة اقتلعت صبره من جذوره لتلقي به على ظهره في واديها بلا حول ولا قوة ..
لكنه يشعر أخيراً بهذه الوخزة في قلبه !
يبعدها ببعض العنف لينتفض من مكانه واقفاً مع قوله بصوت لاهث :
_معلش ..الشغل كتير ولازم ..

يقطع عبارته دون إكمال وهو يندفع خارج الغرفة كأنه يهرب من طغيان عاطفته الذي يجتاحه هادراً ..
يعلم أنه يظلمها بحياتها الناقصة هذه معه بل ويظلم نفسه قبلها لكن ..ليس بيده !

تحت الماء البارد يقف مستسلماٌ لاغتساله الصباحي وهو لايدري إلى متى سيبقى عالقاً هكذا في ذنب أمه ..
أمه التي أسلمها يأسها منه لأن تزهد حياتها !
فأي عقوق هذا لو سمح لنفسه أن يبني سعادته فوق أطلال عمرها المسكوب على أرصفة خذلانها ؟!

يشعر بلهيب جسده يهدأ قليلاً تحت الماء البارد فيغلق الصنبور أخيراً ليجفف نفسه ويعاود ارتداء ملابسه عبر شروده في حالها هي الآن ..
إلى متى ستحتمل خذلانه ؟!

وأمام باب الحمام المغلق كانت هي تقف بملامح بائسة تتحسس سلسلة عنقها بأسى ..
هي ليست حانقة عليه ..
هي فقط تشعر بالعجز أمام جبل حزنه الذي لا يبدو وسط البحر سوى النذر اليسير من قمته فيما يبقى بأكمله مغموراً وسط موج كتمانه ..
تراها تشق عليه بسعيها المتواصل هذا لإذابة الجليد بينهما ؟!
ياقوت نصحتها ألا تكف عن المحاولة لكنها طلبت منها كذلك ألا تلحّ عليه كي لا يشعر بالمزيد من الذنب ..
الموازنة بين الأمرين تبدو صعبة كثيراً ..
لكن منذ متى كان ما بينهما يفتقر إلى الصعوبة ؟!
هو احتملها صابراً طوال هذه السنوات ..
أفلا تحتمل هي بضعة أشهر؟!
إنه ميعاد قلب الأدوار كما تزعم ياقوت دوماً !!

تنقطع أفكارها وهي ترى الباب أمامها يفتح فجأة ليخرج هو منه ..
ينعقد حاجباه بتفحص لملامحها بقلق فضحته عيناه لكنها بددته بابتسامتها الواسعة التي ناسبت قولها :
_حضرت لك هدومك ..البس على ما أحضر لك الفطار .

تقولها وعيناها تمنحانه الطمأنينة التي يحتاجها في هذه اللحظة ..
فترتجف على شفتيه ابتسامة اعتذار وهو يهز لها رأسه ..
لتنصرف هي بخطوات شبه راكضة كفراشة تحلق في عالمه فلا تملك إلا أن تنيره بعاطفتها .

يتناولان الإفطار سوياً ليشعر بها تتحاشى الحديث عما دار بينهما منذ قليل تماماٌ ..
يحس بها تتكلف الانفعال المرح وهي تحكي له عن آخر فيلم شاهدته ..عن آخر تجولات تسوقها ..عن حاجتها للصداقات ..
قبل أن تردف بنبرة راجية :
_كنت بفكر بعد إذنك لو ترجعها تعيش معانا هنا .

تقولها ذاكرة اسم "خادمتها"الوفية التي لازمتها طوال هذه السنوات في مرضها والتي ظن هو أنها لم تعد بحاجتها منذ تزوجا ..

_عندنا خدامة غيرها ..بلاش هي ..مش حابب تفكرك بأيام زمان ..كده كده انتِ بتشوفيها عند زين .

يقولها مبرراً لترد بمزيج خجلها ورقتها :
_هي ماكانتش مجرد خدامة ..كانت أقرب لصاحبتي ..وبصراحة أنا حاسة إني محتاجاها هنا دلوقت ..خصوصاً إنك أغلب الوقت ..

تقطع عبارتها بالمزيد من الحرج وهي تخشى أن يسيئ تأويل الأمر ..
تماماً كما فعل الآن وهو ينتفض مكانه ليهتف بانفعال :
_سكتتِ ليه ؟! كملي ..خصوصاٌ إني أغلب الوقت مشغول ومش فاضي وانتِ متذنبة هنا لوحدك .

وهذه المرة لم تستطع تكلف ابتسامة أو مداراة دمعة ..
فقط أطرقت برأسها وقد كتفت ساعديها في مشهد أدمى قلبه وهو يذكره بعهدها القديم ..
لهذا لم يشعر بنفسه وهو يجذبها من كتفيها ليوقفها أمامه لكنها بقيت مطرقة برأسها عاجزة عن مواجهة عينيه ..
ومواجهة عجزها معهما !!

_بصيلي ..

تهز رأسها قليلاٌ كأنها تناشده التمهل لترفع إليه عينيها بنظرة مزجت قوتها المستحدثة برجائها ..
نظرة لم تسعفها فيها سوى ثانية واحدة قبل أن يحط رأسها على صدره كطير ملهوف..
ليزفر بقوة وهو يشدد قوة ضمه لكتفيها هاتفاً بنفس الانفعال :
_أنا آسف ..آسف ..آسف ..بس ..

يقطع عبارته عاجزاً عن إكمالها لكنها تبسط راحتها المفرودة في وجهه تناشده التوقف ولايزال رأسها مدفوناً بين ضلوعه ..
كأنما تخبره دون كلام أنها لا تحتاج تبريراً ولا اعتذاراً ..
لا تريد سوى نعمة السكن في حضنه ..
وحدها تكفيها كل هذا الشتات الذي يلفها دونه !!

يقبل كفها المرفوع بعمق مشاعره وإحساسه بالعجز يمنعه المزيد ..
تنفرج شفتاه يبحث عن اعتذار أو ترضية تليق لكنه يعاود إطباقهما من جديد بقوة ليكتفي بقبلة لجبينها..
قبل أن يتحرك ليغادر البيت بسرعة في هروب غريب على شخص بطبعه ..
لكن الحمل على كاهله هذه المرة أكبر من قدرته ..
هو عاش شعور الذنب مع همسة طوال هذه السنوات لكنه جعله حافزه كي يعوضها عن فعلته القديمة ..
لكن ذنبه هذه المرة لا يحتمل التكفير ..
كلما تخيل أن أمه زهدت حياتها لتموت وحدها بينما هو يتنعم بين ذراعي حبيبته يلعن نفسه ألف مرة !!

يصل بسيارته إلى الشركة فيرصفها ليأخذ نفساً عميقاً وهو يعاود الاحتماء بقناعه المعدني ..

يحاول الانشغال بعمله للساعات القادمة هارباً من جحيم مشاعره ليفاجأ أخيراً بمساعدته تخبره عن إحداهن تطلب لقاءه ..

يعقد حاجبيه باستغراب مشوب بالضيق وهو يستقبل المرأة التي دخلت لتوها !
معقول؟!
لماذا جاءت هذه إلى هنا الآن؟!
لكن قناعه المعدني لم يخذله هذه المرة أيضاٌ وهو يقف ليشير لها بالجلوس قائلاً :
_أهلاً جيلان هانم ..اتفضلي .

ترمقه جيلان بنظرة طويلة مشفقة لم يفهمها وهي تقترب لتجلس على كرسي المكتب أمامه ..
فيتنحنح ليقول ببروده غير الخادع :
_خير؟!

_تفتكر جايالك ليه النهارده ؟!
تسأله بوهن غريب على طبيعتها التي يعرفها فيهز رأسه بألم تسرب رغماً عنه عبر شقوق قناعه المعدني ..
وكيف لا؟!
ومرآها هي بالذات يذكره بأمه صديقتها المقربة !!

_انت عارف إن سوزان كانت أقرب صاحبة ليا ..وأنا كمان كنت أقرب واحدة ليها ؟!

تقولها بنفس الحنان المشفق فتلتوي شفتاه بابتسامة مريرة ..
هل جاءت تلومه هي الأخرى ؟!
ولماذا الآن ؟!!

لكنها تتنهد بعمق وهي تفتح حقيبتها لتستخرج منها هاتفاً وضعته أمامه على المكتب لتقول بأسف :
_الخط القديم بتاعي كنت قافلاه من فترة قريبة ..والرقم الجديد ماكانش مع سوزان الله يرحمها ..النهارده احتجت القديم فتحته لقيت رسالة منها ..كانت بعتتهالي يوم فرحك ..يوم وفاتها .

انعقد حاجباه بانفعال فضحته أنفاسه التي تلاحقت فجأة ليهتف بحدة رغماً عنه :
_رسالة إيه ؟!

رمقته بنظرة مشفقة أخرى وهي تضغط أزرار هاتفها لتنطلق الرسالة الصوتية بصوت أمه الذي يعرفه :
_اتفرجي واتعلمي ..أنا ما أتغلبش زيك ..النهارده هارجع رائد غصب عنه ..مش هاهني المجنونة اللي اتجوزها دي على فرحة ..

يزداد انعقاد حاجبيه مع تلاحق أنفاسه حتى شعر بقلبه يكاد يخرج من صدره وبقية الرسالة ينساب بصوت الراحلة يشرح تفاصيل خطتها ..
خطتها الحقيرة !

تتسع عيناه بصدمة والرسالة تنتهي بقولها:
_لعبة وهيصدقها! ..الدكتور مطمنني .. لعبة هتخلليه يسيبها ويجيلي على ملا وشه ..اسمعي كلامي واعملي زيي ..أنا مابحطش حاجة في دماغي إلا وأوصللها .

يغمض عينيه بألم ممتزج بالغضب وهو يسمع جيلان أمامه تقول بنفس الحنان المشفق:
_لما سمعت الرسالة ماصدقتش ..كلمت الدكتور بتاعنا أكد لي كلامها ..بس قاللي إن الدوا اللي سألته عليه مش هو السبب في وفاتها زي ما اتقال في تقرير الطب الشرعي ..تقريباً اتلخبطت وخدت واحد شبهه ..

_اتلخبطت!
يتمتم بها بمرارة تكتسحه الآن بضراوة !!
هي لم تكن تنتوي انتحاراً!!
لم تزهد الحياة يأساً منه كما كان يظن !!
هي كانت تخطط ..تدبر ..تحيك مؤامراتها كما تعودت طول عمرها كي تطارد سرابها القديم ..
وهو ؟!
هو كان مجرد بيدقاً بلا قيمة في لعبتها !!

_كان ممكن ما أقوللكش ..بس إسلام حكالي عن حالتك بعد وفاتها ..صعبت عليّ تعيش بذنب مش ذنبك ..الله يرحمها بقا كانت دماغها هادياها لكده !

تقولها شاعرة بالحنق الذي لا يفيد على صديقتها الراحلة ..
حمقاء ضيعت نفسها بحقدها ..
لكنها هي لا ترضى أن تضيع ابنها البائس هذا أمامها بأن يعيش بشعوره بالذنب عمره كله !!

_ما كانش ذنبك يا رائد ..انسى بقا وعيش .

تقولها وهي تنهض واقفة لتغلق هاتفها بهذا الرقم للأبد ثم تلقيه بعدم اكتراث في حقيبتها ليرمقها هو بنظرة مشتتة وهو يهز رأسه بلا معنى ..
يراقبها تغادر ولم تكد تفعل حتى طلب من مساعدته عدم الإزعاج..
هنا فقط سمح لرأسه أخيراً أن ينهار فوق سطح مكتبه ..
جسده يرتجف بدمع لا يدري هل هو غضباً أم شفقة !!
حتى الحادث الوحيد الذي ظنه يشير لمكانته لديها كان مجرد خطة منها !!
خطة لنبذ غريمتها من الماضي فحسب!!
همسة التي استكثرت عليه فرحته بحبها رغم يقينها بمكانتها لديه !!

لم يدرِ كم مر عليه من الوقت هكذا لكنه عندما رفع رأسه أخيراً كان قد اتخذ قراره ..
كفاه ترنحاً بحديث لم يعد يفيد أحداً !
كفاه اختناقاً بذنب لم يكن له ذنب فيه !!
كفاه احتراقاٌ بنيران لم يشعلها ..ولم يطفئها ..لكنه أكثر من تلظى بها !
هو اكتفى من هذا الماضي كله !
كله!
وليبقَ الغد له ..بل لهمسة ..همسة فحسب!!

_زين ..أنا أجازة شهر !

يقولها عبر الهاتف وهو يلم حاجياته ليغادر المكتب ..
فيرد الأخير بقلق:
_خير؟! همسة كويسة؟! انت كويس؟!

_هنبقى كويسين جداً ما تقلقش ..هاخدها نسافر نغير جو .
يقولها لتصله ضحكة زين الرزينة عبر الهاتف قائلاً بارتياح :
_إن كان كده ماشي ..براحتكم خالص وماتشيلش هم الشغل .

يغلق معه الاتصال ليهرول نحو سيارته التي استقلها ليقود بأقصى سرعة لديه ..
قلبه يخفق بقوة وهو يشعر بعاطفته تتحرر من قيود الذنب ..
سينسى كل هذا !!
سيطرح خلفه الأمس وما قبل الأمس ..
ولن يفكر سوى في غد يحتضن عشقه وعشقها !

يصل أخيراً ليتناول هاتفه فيجري اتصالاً ما ...
يغادر سيارته ثم يهرع لداخل الحديقة باحثاً عنها ..
يكاد يدلف لداخل البيت لكنه يلمحها هناك عند كوخها "السحري" وقد وقفت تنفث الهواء عبر العصا الخاصة لتنبعث الفقاعات الملونة حولها فتضحك ضحكتها الطفولية غافلة عن وجوده ..

تسمع صوت باب الكوخ يغلق فتلتفت نحوه لكنه يستقبلها بعناقه قبل عينيه ..
بقبلاته قبل كلماته التي انسابت في أذنيها دافئة عاشقة :
_وحشتيني ..قوي ..

ترفع إليه عينيها ببعض الدهشة شاعرة أنه قد غادر بوجه غير هذا الذي عاد به ..
لكنه لم يمنحها الفرصة للمزيد وهو يضع ما بيدها جانباٌ ليعود فيغمرها معه بهذا البحر الهائج من عاطفته السخية ..
هذا الذي لم تختبره منذ أيام بعيدة تكاد تقارب عمر زواجهما ..
قبلاته تحمل لها اعتذارات لم تكن تحتاجها ..
لكنها كذلك كانت تحمل لها ما تحتاجه من وعود للغد !
لهذا استسلمت له بكل ذرة في كيانها العاشق وهي ترد له عطاياه بمثلها وأكثر ..

_رائد ..

تهمس بها بهيام وهي تشعر بنفسها معه يعتليان هذه الموجة الهادرة من بحر عاطفتهما الذي جرفهما تياره بأقصى عنفوانه ..
وأخيراً ..يسقطان بشِبَع على رمال السكينة!

ذراعاه يطوقانها فوق الفراش الذي شهد -لتوه- عرضاً ساحراٌ لفصل من فصول قصتهما العامرة ..
بينما همسه يصلها دافئاً حنوناً متملكاً كقلبه :
_آسف على كل الأيام اللي فاتت ..وعد مني أعوضك عن كل لحظة وجع !

تضحك ضحكة رائقة وهي ترفع عينيها لأعلى حيث السماء تبدو لها عبر فتحة الكوخ العلوية لتسأله بحيرة :
_هو حصل إيه ؟! انت ..متغير .
_ما تسأليش ..ما تفكريش ..ماتعمليش أي حاجة دلوقت غير إنك تحبيني ..وبس!

يهمس بها بحرارة مشتعلة وهو يعود ليغرق وجهها بقبلاته مردفاً :
_هنحضر شنطنا ونسافر ..شهر عسل اتأخر كتير ..بس قبلها لازم نحتفل بمناسبة النهارده ..عيدنا اللي اخترناه من زمان ..

يخفق قلبها بسعادة طاغية وهي ترى قبلاته تجتاح قرط أذنها وسلسلتها حول جيدها مع استطراده :
_مش كان نفسك تحضري عرض الباليه اللي بتحبيه ؟! حجزت لنا النهارده قبل ما نسافر ..

_بجد ؟! الله !..دي مفاجأة تجنن يا رائد ..كنت ..

همساتها تنقطع بين شفتيه ولفح العاطفة يصهر ما تبقى من حروفها ..
أناملهما تتشابك بقوة واللحن القديم الذي تضافرت نغماته بنسيج العمر يتردد بين روحيهما بمزيجه العجيب من صخب وسكن ..
"النغمة الشاذة" تسقط منه قسراً فلا يبقى سوى عذب طربه !!
======
فرنسا ..باريس ..
تتناول معه همسة الإفطار في مطعم الفندق الذي اختاره لقضاء إجازتهما ..
يبتسم وهو يحتضن ملامحها بعينيه قائلاً بحنان :
_مبسوطة هنا؟!

تضحك ضحكتها الملائكية وهي تشبك كفيها تحت ذقنها لترد بسعادة حفرت فوق ملامحها حفراً :
_فوق الوصف ..كان نفسي آجي باريس من زمان ..الجو والأماكن هنا كلها تجنن ..

تقولها وهي ترمق طبق "البيض المسلوق" الذي وضع فوق المائدة أمامهما بنظرة خاصة ..
ثم تستخرج من جيب سترتها قلماٌ ترسم به كما اعتادت فوق إحدى البيضات ..
وجهاً يضحك !!

ترفعها في وجهه بضحكة طفولية لتفاجأ بتصفيق هؤلاء الذين كانوا يحتلون المائدة المجاورة ..
تضحك من جديد وهي ترى بعض الأطفال يتقدمون نحوها ويطلبون منها رسم بيضاتهم كذلك !!

"رهبة التجمعات" تعاود غزوها بطيف شاحب وهي ترى نفسها وسط هذا الجمع تجتاحها نظراتهم ..
لكنها صارت تملك من القوة ما يؤهلها لطرح كل هذا خلف ظهرها ..
عيناها تلتمعان بسعادة حقيقية امتزجت ببراءتها وهي ترسم لهم بيضاتهم تباعاٌ ..
الضحكات التي رسمتها لا تبدو وكأنها على قشرة البيض فحسب ..
بل على وجوه كل هؤلاء الأطفال ..
ووجهه هو أيضاً !!

_ماشفتكيش بتضحكي من قلبك كده من زمان .
يقولها وهو يغادر معها المطعم محتضناٌ كتفيها بذراعه ليضمها نحوه فترفع له عينيها قائلة بفرحة عارمة :
_شفتهم كانوا فرحانين إزاي ؟! أنا فرحت كل دول!!

تقولها بدهشة كأنها لا تصدق أنها خرجت من دور "المتلقي" لتأخذ دور "المانح" ..
هذا الذي وصله بخبرته القديمة عنها ليضمها نحوه أكثر هامساً بحنان :
_هتصدقيني لو قلتلك إني شايفك زي الشمس ..القريب والبعيد منها لازم نورها هيوصله !

يعجبها التشبيه فتضحك ..
تشعر بدفء عناقه فتضحك ..
تلفحها حرارة قبلته لوجنتها بعدها فتضحك ..
يسابقها في العدو في ذاك الطريق الممهد أمام برج إيفل فتجاريه بدورها وهي تضحك!
ضحكاتها تبدو وكأنها مثل أنفاسها لا يمكنها التحكم فيها ..
ولا في هذه السعادة التي تغتسل تحت مطرها من درن أوجاع الماضي!!

تقف أخيراً لاهثة تحت مياه هذه النافورة هناك "تروكاديرو" ..
تفتح ذراعيها كطفلة تتلقى رذاذ الماء حولها فلا يملك نفسه وهو يتقدم ليعانقها ..
يدور بها عدة دورات تحت الماء الذي بللهما معاٌ لكنهما لم يهتما ..
ضحكاتهما تمتزج مع زخات الماء التي انسابت تغمرهما من جديد ..
وذاك اللحن الرومانسي الذي يعزفه أحدهم بآلته التي تشبه الجيتار في الجوار ..
يحملها أخيراً وهو يدور بها فتشعر بقدميها لا تلامسان الأرض ..
تفتح ذراعيها كأنها تحلق مكتفية بضمته القوية لها..

_فراشة تحت المطر ..زي ما كنت برسمك زمان !

يهمس بها عبر أنفاسه اللاهثة وهو يتوقف بها أخيراٌ لتمتزج ضحكاتهما دون توقف ..
تحيط وجنتيه براحتيها لتعانق نظراته بعينيها هامسة :
_الفراش بيتحرق لما بيقرب من النور ..لكن أنا ما اقدرش أعيش بعيدة عنك ..انت نوري ..وجناحاتي .

يبتسم لها بحب وهو يضمها نحوه أكثر لتطوف شفتاه فوق جبينها بقبلات من ورد ..
من مطر..
من نور!

هكذا كان شعورها بحبه طوال هذه الأيام التي قضتها معه في أيامها هنا في باريس ..


لهذا لم تشعر بالكثير من الخيبة وهي تستقل معه الطائرة عائدين إلى الوطن ..
إن كانت باريس عاصمة للحب ..
فقلبه عاصمة حبها هي!!

_زين وياقوت وحشوني! تفتكر هنلاقيهم مستنييننا في البيت ؟!
تهتف بها وهي تهبط سلم الطائرة بينما يعانق كفها كفه ليرد بابتسامة خبيرة :
_البيت؟! أراهنك هنلاقيهم مستنيينا هنا في المطار!

تضحك ضحكة رائقة وهي تتأبط ذراعه بحب لينهيا معاً الإجراءات ولم يكاد يخرجان للقاعة الخارجية حتى وجدا زين هناك ينتظرهما بابتسامته الحانية مع ياقوت ..

_زين!
تهتف بها همسة بلهفة وهي تركض نحوه ليتلقفها بين ذراعيه هاتفاً بمرح :
_باريس بتحللي كده ؟!

فتضحك ووجنتاها تحمران خجلاً بانفعالها وعاطفتها لترد ياقوت وهي تحتضنها بدورها :
_ما تكسفهاش بقا ..هي على طول حلوة .

يبتسم زين وهو يعانق رائد عناقاً طويلاً ليرمقه بنظرة متفحصة طويلة كأنه يختبر حاله ..
ليهز له رائد رأسه بحركة خفيفة وعينين ملتمعتين كأنما يمنحه الجواب مطمئناً دون كلمات ..
لا مزيد من وجع الماضي ..لا مزيد !!

سحابة عاطفة دافئة تظلل أربعتهم وهم يغادرون المطار معاً ليستقلوا سيارة زين نحو بيت رائد ..
ابتسامة راضية تكلل شفتي زين وهو يستمع لثرثرة همسة حول الرحلة مع ياقوت التي بادلته النظر في مقعدها الخلفي عبر مرآة السيارة ..
فيقارن بين صورة همسة الآن وصورة طيف شاحب قديم لها لم يعد يريد تذكره ..
هذا الذي فاض في نظرته التي قرأتها ياقوت مكانها لتبتسم له ابتسامة صافية ..
وحديث العيون بينهما يجري كنهر رائق لا توقف تدفقه أي سدود .

يصلان أخيراً لبيت رائد فتشرق ملامح همسة أكثر وهي تفتقد تفاصيل جنتهما الخاصة ..
لتستقبلها أخيراً ..
مفاجأته !!

_يااااه ! انتِ هنا !! وحشتيني !!
تهتف بها همسة بلهفة فرِحة وهي تعانق "خادمتها" الحبيبة فتهتف الأخيرة بسعادة هي الأخرى:
_ما اتأخرش عنك أبداً ..أول ما رائد بيه قاللي آجي ما كدبتش خبر .

تلتفت نحوه همسة بامتنان وهي تتذكر حديثهما منذ بضعة أيام ليرمقها بنظرة خاصة وهو يبتسم لها ابتسامة دافئة كفته الحديث ..
ربما كان مخطئاًّ بشأن هذه الخادمة عندما ظن أنها قد تعيدها لذكريات ماضيها البائسة ..
بل هو حقاً كان كذلك ..
فالسعادة التي ارتسمت على وجه همسة الآن -وهي تعاود عناقها بحب- تخبره أنها حقاً تحتاجها الآن كما احتاجتها من قبل وربما أكثر ..
لهذا مال على أذن ياقوت ليهمس لها بامتنان:

_كان معاكِ حق!
لكن زين يبسط راحة كفه بين وجهيهما بحركة غيور ليقول بمرح لا يخلو من ضيق:
_ماعادش فيه أسرار هنا!

تضحك ياقوت ضحكة عالية وهي تتفهم غيرته غير المنطقية هذه فيما يشاكسه رائد بقوله :
_تفتكر؟!

يقولها وهو يرفع أحد حاجبيه بمكر فتضحك همسة ضحكة رائقة وهي تراهما يعودان لسابق مشاكستهما القديمة ..

_الأكل جاهز !

تهتف بها الخادمة بود وهي تشير للمائدة القريبة فيجلس أربعتهم يتبادلون الحديث ..
أربعة لم تجمعهم مائدة طعام فحسب ..
بل تاريخ طويل من صراع تخطفته أبجدية المشاعر بكل حروفها ..
والآن ينتهي بحرفين فحسب ..
حاء ..وباء!
==========

بيت العز يا بيتنا
على بابك عنبتنا ..
فيها خضرة وضليلة ..
بترفرف ع العيلة ..
وبتضلل يا حليلة يا حليلة ..
من أول عتبتنا ..
يابيت العز يا بيت السعد يا بيت الفرح ..
يا بيتنا ..

تغنيها رابحة في بيت ثمر بصوتها العالي فتنضم إليها ياقوت ولجين تصفقان مع اللحن وهما تدوران حولها لتهز رابحة رأسها وتستطرد بصوت أعلى:
_يا بيت العز ..ياااااا بيتنا !

_وطي صوتك يا مطيورة ..الراجل على وصول!
تهتف بها ثمر بضيق غير حقيقي فضحته ابتسامتها الطيبة وهي تقترب منهن مردفة :
_وبعدين الأغنية دي تغنيها في بيت أبوكِ مش هنا .

فتلف الفتاة ذراعيها حول عنق ثمر بعناق حميمي هاتفة :
_تصدقي وتآمني بالله يا ستنا؟! بيتك أقرب لي من بيت أبويا!
تتسع ابتسامة العجوز الطيبة وهي تربت على ظهر الفتاة لتهتف ياقوت بمرح:
_عارفاه أنا شغل "التثبيت" ده ..تلاقيكِ عاملة عملة ومزنوقة في دعوة حلوة من ستنا !

_هو حد يستغنى عن دعوة ستي ثمر برضه ؟!
تقولها الفتاة وهي تتمسح في ثمر كهريرة مطيعة لتضحك لجين وهي تمسد بطنها البارز قائلة :
_أكيد عريس! هو انتِ واكل دماغك غير سيرة الجواز ؟!

فترفرف رابحة بأهدابها عدة مرات في حركة مستعطفة وهي تنقل بصرها بين لجين وثمر ..
لتهتف ياقوت وقد فهمت مراد الفتاة :
_ادعيلها يا ستي خللينا نخلص ..الراجل قرب يوصل وعايزين نفضي البيت للرجالة ..

_ربنا يروق بالك يا رابحة ويرزقك باللي تتمنيه .
تهتف بها ثمر أخيراً وهي ترفع كفيها لأعلى فتصفق الفتاة بكفيها كأنما نالت مرادها حقاً لتعاود الغناء بصوت عالٍ:
_يا بيت العز ..ياااااا بيتنااااا.

تخبطها ياقوت على رأسها تزامناً مع صوت طرقات الباب لتشهق لجين وهي تسدل نقابها على وجهها هاتفة :
_ده أكيد هو وصل مع إسلام ..دخلليه يا بت رابحة وأنا هاروح أنده عابد .

يتوارين جميعاً في أحد الأركان فيما تتحرك رابحة بسرعة لتفتح الباب ..
تتسع عيناها للحظة وهي تميز الطلة الوسيمة ل"باسل" الذي رمقها بنظرة متفحصة ..

_لا لا لا ..مش هاخونك أبداٌ يا حبعمري ..مهما كانت الإغراءات !

تهتف بها في نفسها بإخلاص طفولي مستحضرة صورة "الصالح" كأنما تحدثه ثم تطرق برأسها فيهتف بها إسلام بمرحه المعهود :
_سادّة الباب يا آنسة ..وسعي لو سمحتِ !

تغمغم بكلمات ساخطة غير مفهومة وهي تفسح لهما الطريق فيشير إسلام بيده نحو الداخل مخاطباً باسل بقوله :
_اتفضل يا سيدي .

_ماكانلوش لزوم التعب ده يا إسلام .
يقولها باسل ببعض الحرج وهو يتخذ مقعده ليهتف إسلام وهو يجلس بدوره :
_الحاجة ثمر من ساعة اللي حصل وهي مصرّة تعزمك هنا ع الغدا عشان تشكرك على اللي عملته مع عابد ..بس سعادتك مش فاضي.

_ولا شكر ولا حاجة ..وأنا عملت إيه يعني؟!
يقولها باسل بتواضع وعيناه تجوبان المكان بنظرة حذرة فرضتها عليه طبيعته الشخصية ..
لا يدري لماذا استجاب أخيراً لدعوة الحاجة ثمر عبر إسلام للقدوم إلى هنا ..
لعله جو القرية الذي حمل إليه ذكرياتٍ ود لو تعود ..
ذكريات تحمل له بقايا عطر ماضٍ لم يعد يحل له الحلم به !




_تاني بتطلعي فوق الشجرة لوحدك ؟! مش هتبطلي حركاتك الطايشة دي؟!
يهتف بها بسخط يناسب عنفوان سنين مراهقته الأولى لترد الفتاة المذعورة وهي تتشبث بذراعيها بين غصن الشجرة وجذعها ..

_نزلني الأول يا باسل وبعدين نتخانق ..
_اقعي يا كريستين ..اقعي عشان تتكسري وتتعلمي من غلطك ..أنا مش هانزلك !

ارتجاف صوته الخائف يناقض القسوة الظاهرة لعبارته خاصة عندما انخرطت الفتاة في البكاء هاتفة :
_وعدتني عمرك ما هتسيبني أخاف .
_ووعدتيني تبطلي طبعك المتخلف ده ..بتكابري في أي حاجة يتقاللك عليها ممنوعة ..مفيش مرة آجي هنا إلا وألاقيكِ عاملة مصيبة .
_عشان خاطري يا باسل ..هاقع خلاص!
تشهق شهقة فزع وأحد ذراعيها ينفلت من تشبثه بالغصن لكنه يبادر ليتلقفها بين ذراعيه فيسقط بثقلها معه على الأرض ..
تمتزج تأوهاتهما والخدوش الصغيرة تنال من جسديهما ..
يبادر بقول آخر يعنفها فيه لكنها تفاجئه بهذه القبلة التي طبعتها بعمق على وجنته !!
قبلتها الأولى والأخيرة التي احتفظ بسحرها طوال هذه السنوات..
والتي امتزجت -كهواها- بمذاق الألم الذي سرى في جسده وقتها ..
يتحسس وجنته غير مصدق لجرأة فعلتها لكنها تبتسم بخجل وهي تفتح كفها على ما ظلت تتشبث به :
_خالتي تريز بتقول الشجرة دي ورقها ليه سر غريب ..لو كتبنا أسامينا عليه مش هنفارق بعض أبداٌ ..عشان كده طلعت أجيب منه دي ..عشان ترجعك ليّ ..
تلين ملامحه قليلاً مع هذه الحرارة التي تتحدث بها خاصة وعيناها تتوهجان بعمق عاطفتها بينما تردف :
_كل مرة بتسافر فيها ماببقاش متأكدة إذا كنت هترجع واللا لأ ..بقول لنفسي يمكن تشوف الأحلى والأغنى مني وتشغلك عني .

_بلاش عبط ..مش محتاجة تخاريف ورق شجر عشان تبقي متأكدة إننا مش هنفارق بعض ..احنا لبعض من يوم ما اتولدنا ولحد ما أموت مش هاشوف غيرك !

يقولها بخشونة نبرته المميزة التي تفشل في مداراة عاطفته فتضحك له ضحكة سطعت في ملامحها وهي تراه ينهض من مكانه لينفض ملابسه ثم يمد لها أنامله كي يساعدها في النهوض ..
تتشبث بكفه بقوة كي تنهض وليته كان يملك القوة في كل مرة تلتها أن يقيمها من عثرتها ..
أو يحميها من السقوط !!
ترى لو كان استمع لكلامها وقتها وتركها تكتب اسميهما على ورقة الشجر هل كان ليختلف قدرهما ؟!


_سرحت في إيه يا سعادة الباشا؟!
يخرجه بها إسلام من شروده فيفيق على مرأى هذه الشجرة الضخمة التي تظهر له من بعيد عبر نافذة البيت لترتسم على شفتيه ابتسامة شاحبة وهو يحدق فيها من بعيد للحظات أخرى وقد رأى طيفها الحبيب بين غصونها وجذعها ..
قبل أن يلتفت نحوه بابتسامة باهتة :
_برضه سعادة الباشا؟! أفكرك تاني اتقابلنا فين قبل كده !
_والله كنت عارف إنك هتقول كده وقلت أنكشك !
يهتف بها إسلام ليتشاركا الضحك للحظات قبل أن يرن الجرس معلناً عن وصول عابد الذي تقدم منهما ليصافحهما بود ظاهر ..

_نورت بيتنا يا ابني .

تقولها ثمر بترحاب دافئ عبر نبرتها المميزة وهي تنضم لثلاثتهم فيبتسم باسل بحرج لم يؤثر على لباقة رده :
_منور بأصحابه يا حاجة ..ماكانلوش لزوم التعب ده .

_ده مش تعب ياابني ..دي محبة ..شكر الناس من شكر ربنا ..وانت عملت كتير عشان عابد ..ربنا يباركلك .

تقولها بطيبة وهي تشير لمائدة الطعام البسيطة التي شغلت زاوية جانبية في ركن الصالة انضم إليها أربعتهم لتتولى ثمر غرف الأطباق لهم ..
يحاول عابد مساعدتها لكنها تمنعه بحزم رقيق يتفهمه بحكم خبرته عنها ..
تحب دوماً أن تكون هي من يقوم بواجب الضيافة على أفضل وجه .

يصدح صوت جرس الباب فيتوجه نحوه إسلام ليفتح ..

_أبو نسب!

يقولها بمرح معانقاً زين الذي ابتسم برصانته المعهودة لتهتف به ثمر باعتراض ناقض ابتسامة اعتزازها:
_سبت شغلك ليه ؟! ياقوت قالت لي إنك مش فاضي!

_مش هافضّي نفسي لأغلى منكم .
يقولها زين بود وهو يتقدم منها ليقبل رأسها ثم يصافح الرجلين ليتخذ مجلسه بينهم كي يتناولوا الطعام جميعاٌ ..
تحوطهم نظرات ثمر الحانية وهي ترقبهم بفرح ..
عيناها تلتقيان بعيني زين الذي امتدح الطعام مدحاً لا يدعيه قبل أن يردف وهو يشير لعابد :
_أنا وعابد محضرين لك مفاجأة حلوة .
تلتمع عيناها بترقب فضح اكتشافها لما يعنيه فيضحك عابد قائلاٌ :
_لا مفاجآت مع فطنة "أمي"..أراهنك أنها تعلم !

يضحك زين ضحكة رائقة وهو يقول بمزيج من فخر وودّ:
_معنديش شك ..بس قلت أجرب!

يرمقهم باسل بنظرة مترقبة فيضحك إسلام وهو يقول بغيرة مصطنعة :
_يعني الحاجة حاسة وعابد مظبط وزين باشا مش شاكك ..وأنا بتنجانة في القعدة مثلاٌ ؟! ما تقولوا يا اخواننا !

_وعدت أمي برحلة الحج هذا العام ..لعل الله يرزقني الوفاء بوعدي .

يقولها عابد بسماحة لتتنهد ثمر بارتياح وهي ترفع وجهها المنفعل لأعلى متمتمة بصوت متهدج:
_الحمد لله ..الحمد لله ..عمري ما استهونت بفضل الكريم ..

_مفاجأتي بقا إننا هنسافر سوا ..أنا وانتِ وعابد ..
يقولها زين باعتزاز ليهتف إسلام بسخط :
_وأنا ابن الغسالة مثلاٌ ؟! هو أنا كل ما أرضى عنك تقلبني عليك تاني ليه ؟!

يضحك عابد ضحكة رائقة وهو يرى زين يرفع أحد حاجبيه باستفزاز ليقول ببرود مصطنع مخاطباً إسلام:
_ماكنتش أعرف إنك عايز .
_لا اعرف بقا يا أخويا !
يقولها إسلام بنفس النبرة الساخطة ليبتسم زين وهو ينظر لطبقه صامتاً بالمزيد من المشاكسة ..
فيرفع إسلام وجهه نحو ثمر هاتفاٌ :
_اوعي تسافري من غيري يا حاجة !
_ربنا يكتبهالنا سوا يا ابني إن شاء الله .

تقولها بصوت زادت رجفة انفعاله لتعتذر منهم بالدخول فيرمقهم باسل بابتسامة واسعة وهو يشعر بافتقاده لهذا الجو الحميمي منذ عهد بعيد ..
ربما منذ فقد كريستين وفقد معها هالة الخالة تريز الدافئة .
كأنما أحرق رحيلها ذاك الحقل الأخضر بروحه فلم يذر له بعدها إلا هشيماً محترقاٌ !!

وفي المطبخ وقفت ثمر تكفكف دمعها بين ذراعي ياقوت التي عانقتها بقوة متفهمة مشاعرها لتقول لها بحنان:
_بكرة أهل البلد كلهم يحكوا إن الحاجة ثمر مسافرة تحج بيت الله مع ولادها التلاتة ..شفتِ عوض ربنا يا ستي؟!

فتكتم ثمر شهقة نحيبها وهي تجفف دموعها بطرف وشاحها قائلة :
_ونعم بالله يا بنت قلبي ..بس الفرحة المرة دي كبيرة عليّ ..يعلم ربنا كم مرة دعيت مااقابلش وجه كريم إلا وأنا مكملة ديني بزيارة بيته .

تدمع عينا ياقوت عفوياً وهي تضمها بحنان أكبر متفهمة انفعالها العاطفي هذا ..
لتقول لها أخيراً بابتسامة كبيرة :
_استريحي انتِ وأنا هالم الأكل وأدخل لهم الحلو .

_جرى إيه يا دكتورة ؟! ما انتِ عارفة طبعي ..محدش يخدم ضيوفي إلا أنا ..اوعي خلاص أنا بقيت كويسة .

تقولها ثمر بتماسك وهي تكفكف بقية دمعها لتتحرك نحو الحوض القريب فتغسل وجهها تراقبها ياقوت بابتسامة اعتزاز كبيرة لم تفارق وجهها حتى انتهت الزيارة بسلام ..

_هنستناك تاني ياابني ..اللي يدخل بيتنا وياكل عيشنا وملحنا يبقى مننا .
تقولها ثمر بحنانها الفطري ليبتسم باسل بشجن وهو يرمق الشحرة الضخمة إياها عبر النافذة ليقول بشرود :
_تسلمي يا حاجة ..من زمان مااتبسطتش زي النهارده .
_كررها يا كبير ومالكش دعوة ..عليّ أنا التوصيلة !
يقولها إسلام بمرحه المعهود ليرد عابد بود :
_دع لي أنا توصيله في رحلة العودة ..لديّ شأنٌ مهم في القاهرة يستدعي السفر .

تراقبهما ثمر يغادران قبل أن تلتفت نحو زين الذي بادرها بقوله :
_روحي انتِ استريحي يا حاجة ..أكيد تعبتِ النهارده .

يقولها بحنانه الرزين لتبتسم له ثمر مع نظرة طويلة قبل أن تقترب منه خطوة لتبسط كفها على صدره قائلة :
_قل لي يا "أمي" زي عابد ..حاسة إنك من زمان عايز تقولها بس مكسوف.

تتسع عيناه للحظة ببعض الدهشة من فراستها المذهلة قبل أن تلتوي شفتاه بشبه ابتسامة ..
لا ..لم يعد هناك مجال للدهشة مع فطنة هذه العجوز !
"أمي"!!
تعلم منذ متى لم ينطق بهذه الكلمة ؟!
تعلم أثرها عليه ؟!
تعلم هذه الغصة التي تتركها في حلقه عندما يفكر فيها ؟!!
لكن ..
ألم يأن الأوان لنبذ الماضي كله ..بجرحه وخذلانه ..ومرارة فقده ؟!


لهذا أطرق بوجهه صامتاً للحظة قبل أن يرفعه نحوها بابتسامة :
_حاضر يا أمي.

تضحك له ضحكتها الطيبة شبيهة تلك الخاصة بياقوت ولا تختلف عنها سوى في أسنانها المكسورة صنيعة الزمن ..
ثم تربت على كتفه برفق لتغادر نحو غرفتها فيبتسم إسلام وهو يراقب الموقف صامتاً قبل أن يرمق زين بنظرة ذات مغزى اتسعت معها ابتسامته وهو يربت على كتفه الآخر ..
قبل أن يتحرك نحو إحدى غرف البيت حيث كانت نشوى نائمة ..
أو هكذا ظنها ..
فلم يكد يدخل الغرفة ويغلق بابها خلفه حتى فوجئ بها تطبق بكفها على عنقه من الخلف هاتفة من بين أسنانها :
_انت قابلت باسل ده أول مرة فين ؟!

_بسم الله الرحمن الرحيم ! إيه "قفا المخبرين" ده ؟! حرام عليكِ يا شيخة قطعت الخلف !

يقولها عبر أنفاسه اللاهثة لتشدد ضغط كفها حول عنقه بينما تضغط فكه بكفها الآخر هاتفة بنبرة خطيرة :
_اعترف ..قابلته أول مرة فين ؟!

_انتِ يا بنت الناس مش قلتِ هتنامي هنا عشان تعبانة وقافلة على نفسك الأوضة من ساعتها ؟! كنتِ بتتجسسي علينا !!
يقولها وهو يخلص فكه من قبضتها لتهتف به مكررة بإصرار:
_خلّص !! انجز من غير تحوير ..قابلته فين يا إسلام ؟!
_تؤ! "انجز" و"خلص"و "تحوير" !!! تأثيري بقا وحش قوي على ألفاظك !
يقولها وحاجباه يتراقصان بمشاكسة لتشدد ضغط كفها على.رقبته حتى يتأوه ضاحكاً مع هتافه :
_خلاص يا "شرس" ..هاقول ..هاقول ..
تخفف ضغط قبضتها على عنقه فيطبع على شفتيها قبلة سريعة مفاجئة مع جوابه :
_في المكتبة !

ترمقه بنظرة متشككة فيسبل جفنيه ليردف ببراءة مصطنغة :
_قبل ما نصلي الجمعة في الحسين .
_باسل مسيحي!
تقولها بغيظ وهي تعود لتشدد ضغط قبضتها فوق عنقه ليعاود التأوه قائلاً بين ضحكاته :
_هو ده اللي لفت نظرك ؟! وبالنسبة للمكتبة عادي يعني؟! أنا وش قراية برضه ؟!

تخبطه بجبهتها في جبينه بقوة فيضحك ضحكة عالية وهو يمسد جبينه قائلاً :
_هي وصلت ل"الروصية" يا شرس؟!
_انطق وماتعصبنيش!
تقولها ملوحة بقبضتها في وجهه ليضحك من جديد مستمتعاً بهذا الوجه "الشوكي" منها ثم يقول بنفس البراءة المصطنعة :
_لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم .
_ياواد يا مؤمن !
تقولها وهي تلكزه في كتفه بقبضتها ليتعالى صوت ضحكاته فتهتف به من جديد :
_أكيد سكة شمال !
_يحرم علينا الشمال بعدك يا غزال!!
يغمزها بها بمشاكسة وهو يقرص وجنتها الممتلئة فتبتسم رغماً عنها لتقول بسخط مصطنع :
_مش هتبطل طريقتك دي؟!
_وانت بجد عايزني أبطل يا عسل؟!
يعاود غمزها بها من جديد وهو يضمها نحوه لتتسع ابتسامتها وأناملها تداعب شامته الأثيرة على عنقه في جواب غير منطوق ..
ليضحك ضحكة عابثة وهو يغمغم جوار أذنها :
_فرصة نلعب لنا ماتش مصارعة من غير كبسات من ريما .
يقولها مشيراً لوجود الصغيرة لدى أشرف في هذا الوقت لتتغير ملامحها فجأة وهي تقول بصوت متحشرج :
_انت مش ملاحظ إنها عكس كل الأطفال مش مرتبطة بفرح بنت أشرف أد ما هي مرتبطة بيك ؟!

لكنه لا ينتبه لرنة صوتها الوجلة ووتيرة عبثه تزداد بتراقص أنامله :
_غيرانة من بنتك يا ست نشويات ؟!
تسبل جفنيها بعجز وهي تخشى مواجهته بمخاوفها ..
ليشعر ببرودها المفاجئ فيرفع عينيه المتفحصتين نحوها ليسألها أخيراٌ بجدية وهو يرفع ذقنها نحوه :
_فيه إيه ؟! من يوم ولادة رانيا وانتِ متغيرة ؟!

تدمع عيناها بشيئ من الذنب فتتسع عيناه بإدراك ليغمغم بجواب هو أقرب منه للسؤال:
_لو كان اللي في بالي صح هازعل منك قوي .

تخفي وجهها في صدره وذراعاها يتشبثان به بقوة عاصرة ليتنهد وهو يقبض على خصلات شعرها برفق ليرفع وجهها نحوه هامساً بعتاب حنون :
_بعد كل ده لسه مش واثقة في حبي ليكِ ولريما ؟! خايفة لو جبنا لها أخ أو أخت أفرق بينهم في المعاملة ؟!
_مش قصة ثقة ..بس ..ريما روحها فيك ..ارتباطها بيك مش معقول ..دي رافضة تعمل أي حاجة إلا وهي معاك ..أنا بتمنى من كل قلبي ربنا يكرمني بطفل منك بس ..مرعوبة ..خايفة ..

يقطع حديثها بسبابته التي وضعها على شفتيها ليهمس لها بحزم رفيق:
_لو جبنا عشر ولاد ريما هتفضل بنتي الأولانية ..أول واحدة أحس معاها بجد يعني إيه أب يخاف ويتعلق ويحب من غير سبب ..حبيتها لأنها حتة منك ..وحبيتها أكتر لأنها كل يوم كانت بتقربني ليكِ ..وبحبها كل ساعة أكتر وأكتر عشان بقت حتة مني أنا كمان .

تدمع عيناها بتأثر فتسبلهما بالمزيد من شعورها بالذنب لتغمغم أخيراً بارتباك :
_مصدقاك والله ..بس ..
_انتِ مستفزة !
يقولها فجأة بغيظ متعمداً درء وجهها -الضعيف- الذي لا يحبه هذا ..
وقد صدق حدسه عندما تحفزت ملامحها وهي تكور قبضتها في وجهه هاتفة بانفعال :
_أنا مستفزة ؟!
_وما بتفهميش ..وقليلة التقدير !!
تشهق بحدة مع عباراته التي انتهت بتكبيله لقبضتيها خلف ظهرها وهو يستطرد متعمداً هذا الاستفزاز :
_وهتفضلي كده تطلعي روحي وتنكدي عليّ وعلى نفسك من غير سبب زي أي بومة بتحترم نفسها ..

_بومة !! بومة!!
تقولها محاولة تخليص نفسها من قبضتيه أو خبط جبهته برأسها من جديد لكنه كان يتفاداها برشاقة وهو يدفعها أمامه فلم تجد إلا عضه بقوة في كتفه ليتأوه ضاحكاً ..
لكنه لم يفلتها بل دفعها بقوة ليسقطها فوق الفراش ولايزال يكبلها بقبضتيه ..

_أنا مش راضية أعلي صوتي عشان احنا في بيت الناس ..دي آخرتها ؟! أنا بومة ؟!
تهتف بها بسخط احمر له وجهها الذي طافت فوقه شفتاه بتمهل ليغمغم بنبرة مشاكسة وقد سرّه استعادتها لطبيعتها الشوكية التي يعشقها هذه :
_بومة "كيرفي" ..جامدة ..تجنن ..بس بومة برضه !

تبتسم رغماً عنها وهو يذيب سخطها -وقبله شعورها بالذنب- في لحظات ..
تحبه عندما يجيد هدهدة مشاعرها بهذه الطريقة الآسرة غير التقليدية التي يحتوي بها شعورها الدائم بالخوف وعدم الأمان ..
كم تتوق لطفل يشبهه !!
بهذه الروح المتجددة التي لا تفقد رونقها أبداً مهما توالت عليها الأحزان ..
وبهذا القلب الكبير الذي لا يجيد سوى العطاء ..
وبهذا المرح القدير على طمس أي ألم يواجهه !!

خائفة ؟!
تنكر لو زعمت العكس ..
لكنها تتوق حقاً لمنحه ما يرجوه ..
لعله كعهدها به يصهر خوفها هذا كله ليمنحها عوضاً عنه جنة من أمان !!

يتأوه بدهشة وهو يجدها تحرر نفسها فجأة منه لتمسك كتفيه بقوة ..
يفاجأ بالوضع ينقلب لتشرف هي عليه من علو بينما يستسلم هو لسعادتها بانتصارها المؤقت وهي ترفع قبضتها أمام وجهه هامسة أخيراً بيقين امرأة تدرك سلطة إغوائها :
_كنت عايز ماتش مصارعة ؟! أنا جاهزة !
لتبدأ بعدها ألذ وأشهى مباراة عرفها كلاهما يوماٌ ..!
=======


سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 09:14 PM   #1263

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

_هه؟! إيه رأيك يا عم جميل ؟!
تهتف بها ريتال في غرفتها ببيته وهي تفتح ذراعيها مستعرضة ثوبها الأبيض ليلة زفافها فتدمع عينا الرجل وهو يتقدم منها قاىلاً بصوت مرتجف:
_النهارده مش عايزك تقوليلي غير يا "بابا" ..عايزة أسمعها منك زي ما كنتِ بتقوليها وانتِ صغيرة .

تدمع عيناها بدورها وهي تتقدم لتعانقه شاعرةً بهذه الغصة في حلقها ..
_ما تصعبهاش عليّ بزيادة ..انت فاكر فراقك بالساهل ؟! رؤوف واعدني أول ما نستقر هناك نبعت ناخدك .

تقولها وهي تتشبث بأناملها في عضديه بقوة ليرد بابتسامة واهنة :
_واسيب محلّي وناسي وبلدي عشان أروح أموت في بلد غريب؟!

_بعد الشر عنك يا بابا ..ماتجيبش سيرة الموت دي بالله عليك !

تهتف بها بلوعة وهي تخفي وجهها في صدره لتتسع ابتسامة العجوز وهو يمسح دمعة كادت تسقط من عينه مع قوله :
_ياللا عشان مانتأخرش على عريسك والناس اللي بره ..

يقولها وهو يربت على ظهرها برفق فترفع عينيها نحوه شاعرة بالذنب ..
هل كانت مخطئة عندما أصرت على هذه الزيجة رغم أنها تعلم كم سيعاني بفراقها ؟!
لا !
هذا البلد الذي يتنفس ظلماً لم يعد يحتمل المزيد من جثث أبنائه !!
ستخرج لبداية جديدة بعيداً عن هنا ..
وستأخذه معها هناك ..
ليس هو فقط !!
ليتها تستطيع أن تأخذ كل أحبابها هنا معها هناك !!
وأولهم ..سامر!!

وعند الخاطر الأخير تحيد عيناها لحقائبها التي أعدتها هناك ..
وبالذات لهذه التي كدست فيها "عرائسه" التي ظل يهديها إياها طوال هذه السنوات ..
يالله!!
كم ستفتقد الشعور بهذه الأخوة الصادقة بينهما!!

صوت طرقات على الباب يقاطع أفكارها يليه دخول السيدة روح وخلفها سامر الذي كان يهتف بمرح أجاد تصنعه :
_ياللا يا عروسة ..الناس ..

تنقطع عبارته رغماً عنه ومرآها بالثوب الأبيض وهذه الفتنة الاستثنائية يخز قلبه بالمزيد من شعوره المضطرب بها ..
ليس قلبه فقط ..بل ضميره كذلك !!
كونه لا يفهم نفسه لا يبرر له مثل هذا الإحساس بامرأة لم تكن يوماً له ..
ولن تكون !!

هل هذه ريتال الصغيرة التي كبر على هذه الأخوة المزعومة بينهما ؟!
كيف الآن إذن يشعر أنه ..
أنه ماذا؟!!

_اللهم صلي على كامل النور ..قمر يا بنتي ..الله يرحمها أمك كان نفسها تعيش وتشوف اليوم ده .

تهتف بها أمه لتنتهي بدموع تأثرها فيهتف بها سامر بنفس المرح المصطنع:
_وحدي الله يا ست حلاوة وماتقلبيهاش نكد بقا ..
ثم يلتفت نحو ريتال مردفاً :
_إيه يا بت يا تولا الحلاوة دي؟! تصدقي ما عرفتكيش!

تشرق ملامحها بفرحة تزيد من عمق هذا الإحساس الغريب بصدره لكنه يتجاهله قسراً وهو يسمعها تهتف بلهفة :
_بجد حلوة ؟!
_أجمل من أي سحلية شفتها في حياتي !
يهتف بها مشاكساً كعهده معها لتلكزه أمه في صدره هاتفة باستنكار:
_يوه! اتلم يا واد انت! هتفضلوا تتناقروا زي القط والفار كده لحد امتى؟!
_سيبيه يا ست حلاوة ! بكرة يترحم على أيامي ..سايباهاله مخضّرة !

تضحك المرأة بطيبة فيما ينقل الأب نظراته الخبيرة بينها وبين سامر الذي تجهمت ملامحه مع كلماتها ليتنهد بحرارة وهو يطرق برأسه ..
فيما تكلف سامر ابتسامة مصطنعة وهو يرى فرحتها تنير ملامحها كشمس صغيرة فلا يسعه إلا أن يرجو أن تكتمل سعادتها هذه ..

يرى والدها يتأبط ذراعها ليغادر بها الغرفة نحو صالة البيت حيث حضر المدعوون مع المأذون ليعقد القران فيسير خلفهما بخطوات متباطئة ..

صوت الزغاريد يدوي حوله فلا يملك المزيد من هذا الوخز الذي لا يفهمه !!
يطيل النظر في وجه عريسها فلا يدري سر هذا الشعور الغريب الذي يتملكه نحوه الآن وكأنه سرق جزءاً من روحه ..

يرى المأذون ينتهي من إجراءاته ليبارك لهما فتزداد كثافة الزغاريد حوله تذكره بموقف مشابه ..
يلتفت هناك نحو الزاوية فيرى باقة كبيرة من الزهور باسم سها وناصر ..
حتى وهي مسافرة في تركيا معه للعلاج لا تنسى مثل هذه التفاصيل الصغيرة !!
سها ..ريتال!!
هل هو مريض حقاً بتملك ما ليس له ؟!
هل عاش طوال هذه السنوات في وهم حب سها ؟!
ماذا عن ريتال؟!
وهم أيضاٌ؟!
لا ريب أنه كذلك !!
هي أخته التي تربى على صداقتها ولم يعد يجوز أن تزيد عن هذا !!

نظراته تلتقي بنظرات العريس رؤوف فجأة فتضطرب ملامحه هو وكأنما ضبطه بجرم مشهود ..
هل اكتست نظرات رؤوف بالعدائية أم أنه فقط يتوهم؟!
هل يغار؟!
هل يشعر بإحساسه نحو ريتال؟!
هل يفهم؟!

_يا شيخ اتلهي! مش لما تفهم انت الأول!

يخاطب بها نفسه ساخراً كعهده !
سخريته هذه هي ما تهون الأمور دوماً عليه !!

_عقبالك يا موكوس! ده أنا قربت ألف ع المشايخ أشوف معمول لك عمل واللا إيه عشان يفكوه ..يمكن يمشي حالك الواقف .

تهمس بها أمه وهي تميل على أذنه ليضحك ضحكة مفتعلة عالية وهو يتهرب من الحديث بقوله :
_بيوزعوا الجاتوه ! أجيبلك كريمة واللا شيكولاتة ؟!

_هاتلي عروسة على إيدك وانت جاي وريّح قلبي!

تهتف بها المرأة بحرارة وهي ترفع كفيها في وضع الدعاء فيضحك ضحكة حقيقية هذه المرة وهو يبتعد ليخترق صفوف المدعوين في سبيله لإحضار الحلوى ..


_شجرة الدر! طول عمري أقول حظك نار ..جاية على افتتاح البوفيه !
يهتف بها بمرح وهو يبصر ياقوت تدخل من باب الشقة الضيقة لتضحك الأخيرة بارتباك قائلة :
_اتأخرت غصب عني! هاروح أبارك لريتال !

تقولها لتخترق الحشد الذي تجمع في الشقة الضيقة حتى تصل للعروس فتعانقها بحرارة مباركةً لها ..
ثم تقف مكانها تراقب سامر من بعيد بنظراتها الخبيرة ..
يمكنها تمييز هذه النظرة المشتتة التي تغيم بها ملامحه ..
نظرة رأت مثيلتها يوماً في عينيه نحو سها ..
ليست سها فحسب..
بل نجلاء كذلك !!
ياللعجب!!
الطبيب الماهر الذي يجيد تحليل النفوس عاجز عن فهم نفسه !!
لكن لماذا الدهشة ؟!
ألم تكن هي أول من آمنت أن في مهنتهم هذه قد يكون "باب النجار مخلع" كما يقولون؟!!

تراه مكانه يضاحك أمه بحماس توقن أنه مفتعل فتشعر بأسى حقيقي نحوه ..
ليس أسوأ على المرء من أن يعجز عن فهم نفسه ..
فيضيع العمر لاهثاً خلف سراب خادع!!
======
في خلال بضعة أشهر ..


_أخوك نجح ..هاعمللكم حفلة بكرة بمناسبة نجاحه وعيد ميلادك ..هاستناك انت ونشوى وريما ..تعالوا بدري.
_عنينا للوالدة باشا ..باركي لهيثم على ما أشوفه !

يقولها إسلام بود ليغلق الاتصال مع أمه ..
كان قد أتم إنجاز عمله في المصنع فغادر مكتبه ليتوجه لغرفتها لكنه وجدها مغلقة ..
زفر بضيق وهو يتناول هاتفه ليتصل بها فوصله صوتها يهتف بعجلة :
_معلش يا إسلام ..رانيا ملبوخة بفرح كالعادة وكانت محتاجاني معاها فجيت هنا مع ريما ..لو الوقت اتأخر ممكن نبات .

قالتها لتغلق الاتصال بسرعة فعاد يزفر بضيق لم يخلُ من تفهم ..
فرح الصغيرة تشغل اهتمام الجميع منذ مولدها خاصة ومناعتها الضعيفة تجعلها عرضة للكثير من الأمراض ..ورانيا بطبيعتها تهول كثيراً في الخوف عليها خاصة بعد فقدانها لجنينها السابق ..
لكنه كان يتمنى لو تتذكر نشوى يوم مولده كأمه ..يعلم أنه لم يذكر موعده لها ..لكن ألا تهتم هي لتعرفه وحدها ؟!
خبرته بالنساء أنهن يهتممن كثيراً بهذه الأمور ..
لكن منذ متى كانت هي تشبه بقية النساء؟!!

_البس يا عم قفص التين الشوكي كله ! يا "بتاع البرقوق"!

يقولها لنفسه ساخراً بتهكم وهو يغادر المصنع ليتصل بهيثم فيبارك له نجاحه ثم بياقوت ليطمئن عليها :

_ازيك يا أبو التوت ؟!..الواد هيثم عملها ونجح ..والوالدة باشا عاملاله حفلة بكرة ..لجين على آخرها مش هتعرف تسافر ..تعالي انتِ وزين بقا !

يقولها بمرحه الودود وهو يستقل سيارته ليصله صوتها المرح:
_أخبارك بقت بايتة يا "رويتر"..هيثم كلمني وقاللي م الصبح .
_الوغد! كلكم أوغاد ! مفيش أي احترام لأخوكم الكبير يا غجر!!

تجلجل ضحكتها عالية فيضحك بدوره وهو يسمعها تقول بنفس النبرة المرحة :
_أيوة كده ارجع للسانك الطويل ..دور "الدروشة" اللي كنت سايق فيه من ساعة رجوعك من الحج ده ماكانش لايق عليك .
_اخرسي !
يهتف بها باستنكار مرح فتجلجل ضحكتها من جديد ليستشعر خلالها رضاها الحقيقي الذي أثر على حياتها في الفترة الأخيرة ..
رحلة الحج هذه لم تؤتِ ثمارها على ثمر التقية فحسب بل على جميع "أولادها" معها ..

عابد الذي وجدها خطوة جديدة في درب التقرب لخالقه ومولاه بعدما ناله من شتات ..
زين الذي اعتبرها إشارة جديدة بالغفران والصفح ..
وهو الذي شعر بها محطة أخرى في طريق التغيير الذي قلب حياته رأساً على عقب !!

_المهم انتِ كويسة ؟! زين كويس؟! قوليلي لو زعلك أملص لك ودانه !
يقولها بنبرة ماكرة متوقعاً الرد :
_اتكلم على أدك ! مين ده اللي تملص ودانه ؟!
_خلاص ..خلاص ..يا داخل بين البصلة وقشرتها !
_بصلة ! ياي ! بقيت بيئة قوي ..ماعدتش من مستوايا !
_الله يرحمك يا ملكة جمال العشوائيات ..إيش فهمك انت ؟!!

يقول عبارته الأخيرة بتهكم مرققاً صوته ومقلداً لكنتها لتجلجل ضحكاتهما معاً عالية قبل أن تقول هي بنبرة عاطفية جادة :
_كل سنة وانت طيب يا أجدع أخ في الدنيا !

_انتِ كمان عرفت ؟!
يقولها ببعض الخيبة فيبدو أن زوجته المصون هي آخر من سينتبه لهذا..
لترد هي غافلة عن أفكاره :
_هيثم قاللي ان الحفلة بكرة عند مامتك لكم انتم الانتنين .

_ماشي ..متشكرين ..أشوفك غداً متألقة كده بحاجة فوسفوري من بتوعك .
يقولها بتهكم ساخر فتضحك ضحكة أخيرة وهي تغلق معه الاتصال ليبتسم هو بمودة وهو مستمر في القيادة بينما يجري اتصالاً آخر ..

_لوجي !! سمراء الشيكولاتة الفاتنة ..كيف حالكِ يازوجة العابد وأم المؤمن ؟!
يقولها بالفصحى مفخماً آداءه بهذه الطريقة التي يختصها بها بالحديث لتصله ضحكتها الرائقة مع صوتها الخجول بطبعه :
_الحمد لله رب العالمين ..إزيك انت ؟!
_زي البمب ! طمنيني ع "الشيخ الفهلوي" حبيب خاله ..هه بيلعب كورة جوه واللا طالع هادي زي أبوه ؟!

تتأوه بمزيج عجيب من تعب وراحة لتقول بنبرة مفعمة بالعاطفة :
_لا اطمن ! شكله كده شقي قوي ..ما بينيمنيش .
_جااااامد ! هو ده حبيب خاله وخليفته في الملاعب .
يهتف بها ضاحكاً لتضحك بدورها وهي ترد :
_هيثم قاللي على حفلة بكره ..بس مش هاعرف آجي .
_هيثم العاق كلمكم كلكم قبلي ! بس لما أشوفه !
يقولها بغيظ مصطنع لتضحك وهي ترد بطيبتها المعهودة :
_وهو إيه وانت إيه ؟! واحد ! ربنا ما يحرمني منكم .

_الحاجة ثمر كويسة ؟!
يسألها باهتمام عن صحة العجوز التي تأثرت نوعاً بعد رحلة الحج الأخيرة لترد لجين مطمئنة :
_الحمد لله رب العالمين ..عمري ما شفت ستي فرحانة زي اليومين دول .
_يارب دايماً .

يقولها بتنهيدة ارتياح ليردف:
_سلميلي على شيخنا وقوليله يدعيلي .
_بيدعيلك من غير حاجة ..آه ..كنت هانسى ..كل سنة وانت طيب ..عابد بيقول إن عيد الميلاد ده بدعة بس ياللا بقا .
تقولها ضاحكة بخجل ليضحك بدوره قائلاً :
_انتِ كمان عرفتِ ؟! لسه فيه حد على ضهر الكوكب ماعرفش إنه عيد ميلادي ..غير "الست نشويات"؟!!

عبارته الأخيرة يحتفظ بها لنفسه سراً بحسرة خفية ليصله صوتها الغارق بحنانه :
_ربنا يديك طولة العمر على الطاعة والعمل الصالح .

يبتسم برضا وهو يدرك المزيج الرائع الذي آلت إليه شخصية لجين بين "بساطة حكمة ثمر" و"تقوى عابد" ..
هذا المزيج الذي تضافر مع عاطفة روحها هي النقية ليجعل لها بصمة خاصة مميزة ..
لهذا اتشحت نبرته بعاطفته هو الآخر وهو ينهي معها الاتصال بقوله المرح بالفصحى المفخمة :
_جزاكِ الله خيراً يا سمراء الشيكولاتة الفاتنة ..ونفع بكِ !

صدى ضحكاتها يملأ أذنيه طوال الطريق إلى بيته وهو يشعر بالرضا عما آلت إليه أوضاع الجميع ..
ربما ما يظل يؤرقه هو حال هيثم !
رغم أنه يخفي عنهم جميعاً حزنه محاولاً التظاهر بالاندماج والمرح ..
لكنه يقرأها في دمعة حبيسة بعينيه ..
هو لم ينسَ !
ربما عندما يسافر ويختلط بدنيا أخرى كما فعل هو ..
لا بأس ..هو يجهز له هذا الأمر ولن يهدأ حتى يطمئن عليه هو الآخر !

يصل أخيراً للبناية التي يقيم فيها فيرصف سيارته ليصعد للشقة الخالية ..
أو التي ظنها خالية حتى فوجئ بها هناك بعد إغلاقه للباب تستقبله بابتسامة عاطفية حارة ناقضت صوتها القوي بطبيعته :
_عندك تأخير نص ساعة ..كنت فين ؟!

تتسع عيناه بمزيج من صدمة وانبهار وهو يميز الأجواء حوله وقد أظلمت إلا من أضواء جانبية هادئة بلون وردي أخاذ أضفت على ملامحها هي رونقاٌ ساحراً ..
ثوبها الذي ارتدته بلون أرجواني قاتم يحيط تفاصيلها بنعومة بفتحة طويلة جانبية تظهر ساقها التي التف حول كاحلها نقش الحناء بشكل "الخلخال" ..
عدسات عينيها اللاصقة بلون بنفسجي جذاب ..
وأخيراً شعرها الذي أسدلته على كتفيها بلونه الجديد ال...!!

_يا بنت الإيه ! وربنا كنت عارف إنك هتصبغيه بنفسجي من ساعة ما اتكلمنا على "مشرفة الباص"!
يهتف بها بسعادة ماكرة تراقصت بين حروفه وهو يختصر المسافة بينهما بخطوة واحدة فيطوقها بأحد ذراعيه بينما يداعب خصلات شعرها بلونها المتألق بأنامله لترفع له أحد حاجبيها هاتفة بنبرة تهديد :
_يعني لسه فاكر لون شعرها ؟! هه وإيه كمان ؟!

يتراقص حاجباه بحركتهما المشاكسة فتكتم ابتسامتها وهي تجذبه بقبضتيها من ياقة قميصه بحركة قوية وقد أدركت أنه على وشك التفوه بما يثير غيرتها ..
فبادرت بقولها :
_إياك !! إياك !! هاقلب الليلة المفترجة دي على دماغك .

فرسم على ملامحه براءة مصطنعة وهو يقول بشفتين ممطوتتين :
_ومالها الليلة دي يعني ؟! فيها حاجة مميزة ؟!

ملامحها ترتخي تدريجياً وأناملها تنتقل لوجهه تداعبه برقة مع همسها الذي خرج أخيراً عاطفياً دافئاً :
_كل سنة وانت طيب .

_آآآآه ..هو عيد ميلادي ؟!
يهتف بها بنفس البراءة المصطنعة مردفاً :
_ولا كنت واخد بالي!

_إسلام!
تقولها بنبرة محذرة وقد اشتمت الكذب في كلماته ليضحك ضحكة عالية وهو يضمها نحوه بكلي ذراعيه هامساً أمام عينيها :
_بصراحة افتكرتك مش واخدة بالك ..ماكنتش أعرف إنك عاملة مفاجأة .
_بتتكلم جد ؟!
تهمس بها بنبرة خطيرة مغوية وهي تقترب لتطبع على شفتيه هدية ناعمة يردها لها أكثر جموحاً ..
لكنها تتراجع فجأة لتضع سبابتها على شفتيه هامسة :
_مش عايزين كروَتة يا هندسة ..سيبني أكمل "البروجرام"!

_بعشق "بروجراماتك" يا عسل!
يغمزها بها بحركته المعهودة لتضحك وهي تبتعد قليلاٌ تلاحقها نظراته المشتعلة بفتنتها الاستثنائية لهذه الليلة ..

_جامدة !
يهتف بها مصفقاً بإعجاب لتضحك وهي تتقدم منه حاملة هديتها التي رفعتها أمام عينيه :
_شوف هديتي الأولانية الأول وبعدين احكم ..

تقولها وهي تتحسس سلسلتها بصورته على عنقه ليبتسم وهو يتلمس هديتها التي كانت ميدالية طبعت عليها صورة زفافهما ..
هذه التي قبَّلها هو بخفة سريعة قبل أن يقول ببعض الاستياء:
_ماحطتيش صورة لينا احنا التلاتة ليه أحسن؟!
_بجد ؟! يعني كنت عايز ريما معانا ؟!
تقولها بمزيج ترددها وخوفها الذي يثير غيظه فلم يتمالك نفسه وهو يشد أذنها ببعض القوة ليهتف وسط تأوهاتها الضاحكة :
_هاقولها لحد امتى؟! لحد امتى ؟! لكن على رأي اللي قال ..يفيد بإيه البوح لو البعيد لوح ؟!

يعلو صوت تأوهاتها الضاحك وهي تخبطه بقبضتها على كتفه لتهتف مدافعة :
_خلاص ..خلاص ..صادق يا "سلمونتي" ..صادق!

_سماح !..عشان خاطر"سلمونتي" الجامدة دي!
يهمس بها وهو يعض خدها الممتلئ بخفة لتضحك وهي تبتعد خطوة هامسة :
_مش عايز تعرف هديتي التانية ؟!

يصمت قليلاً بترقب صامت ..
قبل أن تلتمع عيناه مع رجفة صوته :
_عارفها .
_بجد ؟!
تهمس بها بخيبة متشككة ليضحك وهو يعاود اقترابه ليطوقها بين ذراعيه هامساً جوار أذنها بعبث ماكر :
_عيب عليكِ ! ده أنا حتى هندسة وشاطر قوي في الحساب ..هه ؟! نقول مبروك يا عسل؟!

تلكمه من جديد في كتفه لتهتف به بغيظ :
_مش ممكن وربنا ! مش ممكن ! حتى دي ما فوتتهاش؟! مابعرفش أفاجئك أبداً !!

ضحكته تجلجل بنبرة عالية وهو يعتصرها بين ذراعيه ليغمر وجهها بقبلاته الدافئة ..
ترفع إليه عينيها وشفتاها تهمان بالحديث لكنها تتوقف أمام لمعة دموع حقيقية في عينيه تناقض مظهره العابث هذا !!
تدمع عيناها بدورها وهي تشعر بفيض عاطفته هذه الذي يخفيه ..
تراه يخشى أن يفصح عن سعادته بإفراط فيزيد من خوفها هي بشأن ريما ؟!
لاريب أنه كذلك !!

_قول إنك مبسوط قوي وأنا مش هخاف ..أنا عارفة إنك هتفضل تحب ريما زي ..

تقولها بتأثر فتنقطع كلماتها بين شفتيه وأنامله تداعب خصلات شعرها برقة ..
بينما ارتجاف جسده يحكي دون كلمات عن فرحته الطاغية الآن ..
تشعر به يبتعد أخيراً لينحني جالساً على ركبتيه أمام بطنها فجأة ليمسده بأنامله هامساً بحرارة :
_الحمد لله ..دي كانت أول دعوة دعيتها قدام الكعبة .

تتشبث بكتفيه بقوة وأناملها تكاد تنغرس هناك شاعرة بعمق عاطفته يخرسها ..
لكنه يميل بشفتيه على كفيها يقبلهما تباعاً قبل أن ينهض بسرعة ليتناول هاتفه فتحاول منعه هاتفة :
_مفيش تليفونات الليلة دي ..ما تبوظش البروجرام ..قوللهم بكرة.

لكنه يضحك هاتفاً بلهفة :
_إلا دي! ..لازم أعرفها حالاً !

يقولها وهو يطبع على وجنتها قبلة اعتذار تنتهي بعضّة خفيفة كعهده قبل أن يفتح الاتصال ليهتف هو بلهفة فرحة :
_زغرطي يا "أنّا" ..هاني الصغير في الطريق ..فعلتُها ..فعلتُها!!!!

تبتسم نشوى بعاطفة وقد كانت تدرك أن هذا سيكون أول اتصال سيجريه ..
الأحمق!! كأنه يثق تماماً أنها تحمل ولداً !!

_بجد ؟! بجد ؟! حبيب قلب "أنّا"! مبروك أنا ..

صراخ إيناس الفرِح يصلها مكانها وقد تقطع بدموع المرأة ليهتف بها إسلام بسعادة :
_عرّفي عمو بقا إني عملتها عشان ما بطلش يعايرني من ساعة ما اتجوزت ..وقولي ل"سيدنا" ما يفرحش قوي إنه سبقني بالبنتين أنا بعون الله اللي هاجيب هاني ..دعيتها وهنولها من غير مقاطعة ..
يقولها ليصمت لحظة مردفاً بنبرة أرق:
_وعشان خاطري بطلي عياط .
_حاضر ..اهه ..بطلت .

تضحك نشوى وصوت المرأة المنفعل يصلها مكانها :
_بارك لنشوى ..خلليها تاخد بالها منه قوي ..تاكل كويس وتبطل الدايت اللي كانت عاملاه ده .

_لا أنا هامشيها على "دايت القطط"!
ترمقه نشوى بنظرة متسائلة ليردف بحاجبين متراقصين :
_تاكل وتنكر!!

تنطلق الضحكات من ثلاثتهم في نفس اللحظة ليشبك كفه الحر بكفها فترفعهما معاً نحو شفتيها تقبله بعمق ..
لا تدري كم عمراً يكفيها لتعشق رجلاً مثله كما يليق به ..
رجلاً أجاد إتقان كل دور فرضه عليه القدر بمنتهى الإتقان ..
الأخ ..الابن ..الصديق ..الزوج ..الحبيب ..
و..الأب ..
لابنهما المنتظر ولريما قبله !!

_بحبك !
تقولها أخيراً وقد أغلق الاتصال ليفتح لها باب جنته الخاصة بين ذراعيه فيهمس لها بغمزته المعهودة :
_وأنا بموت فيك يا عسل!
=======
في حفل التخرج وسط فناء الكلية تقف داليا بهذا الرداء المميز الذي اختير ليرتدوه جميعاً بلون الكشمير الهادئ ..

_الولاد ماكانوش موافقين ع اللون بس فرضنا رأينا ..النساء قادمات !! هوووووه!!
تهتف بها بنزقها المعهود ليبتسم مروان بفخر وهو يحيطها بكتفيه بينما يهتف يامن :
_المهم إنك نجحتِ ..نفسي أعرف عملتيها إزاي .

_بركات مارو الجامد !
تهتف بها وهي تسند رأسها على كتف مروان الذي اتسعت ابتسامته وهو يرى استياء يامن من تصرفها المتحرر هذا وسط هذا الجمع ليقول له مهدئاً :
_ما تحاولش! دي بالذات ماعرفتش أظبطهالها!

يضحك يامن وهو يربت على كتفه قائلاً :
_هتقوللي؟! ربنا يعينك على ما بلاك !
ثم ينتقل لها ببصره مردفاً:
_مبروك يا شحرورة !

يقولها ليسمع صوت رنين هاتفه فيفتح الاتصال لتتغضن ملامحه قليلاً قبل أن يغلق الاتصال بعنف قائلاً بحدة :
_مش ممكن ! فيه حاجة مش مظبوطة ..من امبارح والتليفون بيرن بأرقام غريبة ومعاكسات ..الغريبة ان ده تليفون الشغل مش تليفوني الشخصي .
لم يكد ينهي آخر كلماته حتى فوجئ باتصال من رقم غريب آخر لكنه أغلقه دون رد لتصطدم عيناه ب...نظرة داليا المذنبة !!

_عارفها البصة دي! هبّبتِ إيه ؟!
يقولها بفظاظته المعهودة مشيراً بسبابته لوجهها لترد وهي تلتصق بمروان أكثر كأنما تطلب منه الدعم :
_والله كان بحسن نية ! جروب بنات بس مشتركة فيه عمل مسابقة هاشتاج "قريبك شبه المشاهير" ..حطيت صورتك وصورة "أنجين أكيوريك" جنب بعض والبوست دخل على خمسين ألف لايك ..كلهم شايفينك شبهه قوي ..

احمر وجه يامن بغيظ بينما مروان يكتم ضحكته ليهتف الأول بحدة :
_وجابوا رقمي منين؟!

فتنحنحت بارتباك وهي تلتصق بمروان أكثر :
_ما أنا قلت أنفعك وأعملّك دعاية ..اديتهم رقمك وقلتلهم إنك أحسن دكتور أسنان في مصر !

_شيلها من وشي يا مروان ..شيلها من وشي!

يهتف بها يامن بانفعال وهو يغطي وجهه بكفيه ليهتف مروان بين ضحكاته :
_وهي عملت إيه يعني؟! الحق عليها جدعة بتعملّك دعاية !

لم يكد ينتهي منها حتى سمع هاتفه هو الخاص بالعمل يرن برقم غريب هو الآخر ..
فرمقها بنظرة متشككة وهو يفتح الاتصال ليستمع قليلاً قبل أن يغلقه بسرعة هاتفاً بها:
_انت حطيتِ صورتي ورقمي برضه ؟!

_جيسون ستاثام!
تقولها ذاكرة اسم ممثل يشبه مروان وهي تتراجع بظهرها عنهما ليهتف يامن ضاحكاً بتشفٍّ :
_قابل يا عم قابل !

يكتم مروان ضحكته وهو يرمقها بنظرة مستاءة لتهتف هي بنبرة مذنبة :
_ماكنتش أعرف إنها هتقلب معاكسات ..قلت بنفعكم وأجيبلكم شغل!!

_روحي يا داليا لماما والبنات الله لا يسيئك ! واللا أقوللك ..خلليكِ ماتروحيش في حتة الواحد ماعادش ضامن بلاويكِ !

يقولها يامن باستسلام انتهى بضحكة متسامحة وهو يرى مروان يعاود اقترابه منها..
لكنه عاد يسألها باهتمام لم تفارقه فظاظته المعهودة وهو يشير بسبابته نحو مروان :
_قوليلي طيب ..مين جاب لايكات أكتر أنا واللا هو ؟!

تضحك ضحكة عالية وهي تهز رأسها لتخرج لهما لسانها مغيظة معلنةً امتناعها عن الجواب الذي كانا ينتظرانه ..
حركة خاطفة منها لم تستغرق سوى ثانية واحدة قبل أن تلتفت نحو مروان هاتفة بنبرة اعتذار مرحة :
_بنات عائلات محترمات ما يطلعوش لسانهم في الشوارع والحارات !

يضحك مروان ضحكة راضية وهو يقترب منها أكثر ليفاجئه الهتاف خلفهما :
_مبروك يا داليا ..نجاح مشرف السنة دي!

تقولها دكتورة سهام بنبرة راضية وهي تلمس تغيرها الحقيقي يوماً بعد يوم ليقول زوجها دكتور ياسر جوارها :
_داليا طول عمرها بنت حلال وتستاهل .

ترمقهما داليا بنظرة عميقة مع كلمات شكر تقليدية ثم تختلس نظرة جانبية نحو مروان كأنما تستمد منه الدعم ..
هذا الذي شعر هو به وهو يمسك كفها بقوة فتغمض عينيها تتمتم بكلمات مبهمة وهي تشعر أنها أخيراٌ ألقت سواد الماضي كله خلف ظهرها وما بقي لها سوى التشبث بحبالها الجديدة كي تصعد نحو حافة الغد ..

ترى نبيلة هناك قد وصلت مع هانيا ورانيا وياسمين فتندفع نحوهن لتعرفهن إلى صديقاتها ..
نظرة عابرة منها تجعلها تلمح ياقوت تقف مع هيثم هناك ..
فتغادر رفقتها بسرعة لتتحرك نحو مروان لتسأله بنبرة استئذان لم تخلُ من دلال:
_ياقوت "اللي مش صاحبتك" واقفة مع "هيثم اللي مش صاحبي" ..تسمح لي سعادتك نروح نسلم عليهم ؟!

فيضحك مروان وهو يمسك كفها ليجيبها عملياً وهو يتحرك بها نحو ياقوت فيلقي عليها تحية ودود ثم يبارك لهيثم نجاحه ..

هيثم الذي بدا شارداً وهو يدور بعينيه في المكان حوله وقد رسم على شفتيه ابتسامة جامدة تناقض خفقان قلبه الهادر وهو يشعر بالمكان يعيد إليه ذكرياته العامرة مع "شهده المرّ" ..
تباً لهذا الحنين الذي يكاد يعتصر روحه !!
ألم تكفه كل هذه الأيام كي ينسى؟!
يعلم أنها سافرت وتركت كل هذا خلفها ..
تماماً كما يعلم أنه سيسافر وسيترك كل هذا خلفه ..
لكن ..

حياتي وهو مش فيها ..
سنين عدت رضيت بيها ..
وفاكر لو قابلت عينيه ..
عادي جداٌ ..هاعديها ..
وأديك ياللي افتكرت نسيت ..
قابلته الليلة واتهزيت ..
طب ازاي فيه حاجات بتموت ..
وتيجي الصدفة تحييها!!


كلمات الغنوة تنبعث صدفة من مكان ما تزامناً مع رؤيته المفاجئة لها هناك ..
تتوارى خلف جدار مبنى مقابل ترقبه من بعيد ..
هل هي حقاً؟!
أم أنه يتخيل وجودها من فرط ما تمناه ؟!

عيناهما تلتقيان فيشعر بجسده كله يتصلب مكانه كأنما اختفى الوجود كله من حوله ..
لاتزال كما هي ..كما عرفها ..
بل تغيرت ..تغيرت كثيراً ..
لا ..ليس جسدها الذي ازداد نحافة ..ولا وجهها الذي ازداد شحوباً ..
بل هذه النظرة في عينيها كأنما كبرت في هذه الأيام مائة عام !!

وافتكرت لما جت عيني في عينه سنيني معاه ..
وافتكرت وعد كان بيني وبينه زمان خدناه ..
وافتكرت مسكته في إيدي ..وإيدي خلاص سايباه ..


تدمع عيناه رغماً عنه فيغمضهما بقوة وهو يطرق برأسه ..
لماذا جاءت اليوم ؟!
لماذا تلقي بهذا الحجر وسط نهر حبهما الراكد فتثير زوابعه؟!
يشعر بغصة في حلقه وهو يقاوم رغبة عارمة في ترك كل هذا الجمع والركض إليها ..
ولما عجز أخيراً عن المزيد من المقاومة وجد نفسه يرفع عينيه نحوها من جديد ..

قصادي عيونه محتارة ..
يقرب واللا يتدارى ..
جه اليوم اللي أشوفه أنا فيه ..
ومانتكلمش ياخسارة !
ده صعب عليّ وأعمل إيه ..
مفيش في ايديا شيئ تاني ..
خلاص اهه اسمي شفت عينيه ..
عشان دي بجد واحشاني !

يشعر بكف والدته على كتفه فيلتفت نحوها بحدة لتستقبله بابتسامتها الواسعة غافلة عما يحدث :
_سرحان في إيه ؟! سيبنا وروح لأصحابك فرفش شوية .

ترتجف ابتسامته وهو يلتفت نحو ياقوت التي قرأت بحدسها نظرته لتتنهد بحزن حقيقي وهي تلمح شهد تقف مكانها هناك ..
شهد التي كانت تشعر في هذه اللحظة بمدى حماقتها وهي تستجيب لرغبتها في وداعه الأخير ..
لكنها كانت فرصتها الأخيرة لتراه قبل سفره ..هنا!
هنا في نفس المكان الذي شهد أجمل ذكرياتهما معاٌ !
لقد ظنت فراقهما سيسير بها في الاتجاه المغاير لما يجذبها إليه قلبها ..
لكن هاهو ذا كل يوم يمر يزيد من تعلقها به أكثر ..
رغم يأسها منه ..يبقى هو الأمل الوحيد الذي يمنحها فرحة حقيقية وسط صحراء أيامها القاحلة !!

ترى حزنه الصارخ في عينيه ..
حنينه الذي يكاد يرجه مكانه ..
لهفته التي عجز عن كتمانها عندما رآها ..
تردده الذي يوقفه مكانه ..
ثم هروبه الذي استسلم إليه ..
فتتفهم كل هذا ..
وكيف لا؟!
وهي توأمه في كل هذه المشاعر التي ابتليا بها معاً!!

تراه يرفع رأسه نحوها من جديد وعيناه تتشبثان بنظراتها تارة ..
وتناشدانها الرحيل تارة أخرى ..
فتبتسم ابتسامة بنكهة الدموع وهي تلقي إليه سهم نظرتها الأخير ..
شفتاها تتمتمان بهذه الكلمات التي لم يسمعها مكانه ..
وإن كان قلبه قد قرأها كما حفظها منها ..
(مهما حصل بيننا افتكر ..إني عمري ما حبيت ولا هاحب حد غيرك)
========
_زين باشا العظيم سايب مشاغله وبيعلمني السواقة !
تقولها ياقوت بمزيج من مرح وفخر وهي تستقل معه سيارته وقد احتلت هي كرسي القيادة في هذه البقعة المنعزلة التي اختارها لتعليمها القيادة ..

فيبتسم وهو يرد بغيرة تسربت عبر نبرته الثقيلة :
_كنتِ فاكرة إني هاسيب راجل تاني يقعد جنبك كده ويعلمك ؟!

_مش لازم راجل ..ممكن ست؟!
تقولها مراوغة وهي تقرب وجهها منه بدلال ليرفع أحد حاجبيه قائلاً :
_الستات مهما اتعلمت مابتعرفش تسوق .
_نعم!
تهتف بها باستنكار رغم يقينها أنه فقط يحاول مشاكستها فيضحك ضحكة قصيرة وهو يرفع كفها لشفتيه بقبلة ناعمة سبقت قوله بعينين متوهجتين :
_ماتخافيش ..انتِ استثناء في كل حاجة .

تبتسم بدلال وهي تقبل وجنته بخفة ثم تنتزع كفها منه لتقول بلهفة :
_طيب ..ياللا نبدأ ..أنا لسه فاكرة المبادئ الأولانية ..الأول نعمل كده ..و ..كده ..

تقرن قولها بفعلها وهي تبدأ التحرك بالسيارة بحرص فتدور بها دورة كاملة في المكان الواسع نسبياً ..
تبعتها بعدة دورات ناجحة ليمنحها تعليقاً راضياٌ يجعلها تهتف بلهفة أكبر :
_اتعلمنا كتير هنا ..نخرج بقا على الطريق ..

يظهر بعض التردد على وجهه لكنها تمارس سلطات إغوائها لتقترب منه حد امتزاج أنفاسهما قائلة :
_مش واثق فيّ ؟!

فيتنهد باستسلام وهو يقترب بجسده أكثر منها تحسباً لأي مخاطرة ثم يشير لها بكفه نحو الطريق الجانبي فتصدر صيحة انتصار وهي تضغط دواسة البنزين ببعض القوة التي جعلت السيارة تندفع للأمام فجأة بسرعة فهتف بها محذراً :
_حاسبي!

_معلش ..كله تمام اهه ..صدقني ييجي مني .

تقولها بثقة تقلل خوفه عليها تدريجياً لكنه حافظ على جلسته الوقائية جوارها متأهباً لأي حدث ..
حيث يفرد ذراعيه حولها كأنه يحوطها من بعيد بحرص دون تقييد ..

تتسع ابتسامتها بثقة وهي تتابع القيادة عبر الطريق الذي ازدحم تدريجياً بالسيارات بما جعلها تشعر قليلاً بالرهبة ..
لكنها تغلبت عليها بقولها :
_طول عمري نفسي يبقى عندي عربية بسوقها ..شكراً .
تلتفت نحوه عفوياً في كلمتها الأخيرة فلا تنتبه لهذه السيارة التي جاءت من خلفها ..

_حاسبي!
يهتف بها بجزع وهو يسيطر على عجلة القيادة بكفه بسرعة فيتحكم في اتجاه السيارة ليحيد بها في اللحظة المناسبة !

تشحب ملامحها بخوف والصدمة تلجمها فالسيارة الأخرى مرت من جوارها بسرعة عاصفة لا تدري ما الذي كانت ستفعله بها لو حدث التصادم !
لكن هذا لم يكن شيئاً أمام رد فعله هو وهي تجده يلتصق بها ليسيطر على حركة السيارة بثبات انفعالي يحسد عليه ..
السيارة التي أوقفاها أخيراٌ جانباٌ قبل أن يغمرها بين ذراعيه مخفياً وجهها في صدره الذي كاد يضج بخفقاته !!

صمته الرهيب يروعها للحظات اعتصرها فيها بين ذراعيه لتستشعر مدى خوفه عليها ..

_أنا كويسة ..آسفة ..ماكانش ينفع أتلفت ..هاركز أكتر بعد كده ..زين !

تناديه عدة مرات محاولة رفع عينيها إليه لكنه كان يتشبث بعناقها بقوة محاولاٌ تمالك أعصابه ..
وأخيراً أخذ نفساً عميقاً لينظر لعينيها..
ظنته سيعاتبها لكنه اكتفى بقوله الحاسم :
_كفاية كده النهارده ..انزلي وأنا هاسوق .

_اوعى تقول مش هتخلليني أسوق تاني !
تهتف بها باستنكار يتحول لإشفاق جارف وهي ترى ملامحه الشاحبة وعينيه الزائغتين فتغمغم بنبرة أرق:
_خلاص ..بلاش .

لكنه يرمقها بنظرة عميقة وهو يتناول كفها بقبضته يشد عليه بقوة قائلاً:
_لو سلمت لخوفي عليكِ مش هاسيبك تخرجي من البيت أصلاً ..بس أنا واثق فيكِ وعايزك تعيشي معايا كل حلم حلمتيه ..ونحققه سوا .

_فعل فاضح في الطريق العام ..ولا يهمنا !

تهتف بها العفريتة العابثة داخلها وهي تدفعها لاحتضانه من جديد بقوة لتغمر وجهه بقبلاتها السريعة فيضحك ضحكة انفعالية وهو يبتعد قليلاً هاتفاً بمرح:
_طب نأجل شغل العفاريت ده لما نروح ..عشان أنا كمان أستعرض مواهب عفاريتي .

تضحك ضحكة عالية وهي تغادر السيارة ليتبادلا المقاعد فتهتف به بسعادة حقيقية تشعر بها تطوق روحها :
_عايزة أتعشى بره بس مش عايزة جو المطاعم الشيك بتوعك دول .

_مممم ...فول وطعمية مثلاً؟!
يقولها بهمهمته اللذيذة التي تثير جنونها فتهتف به بمرح :
_أيوه بقااااا لاغيني كده ..خلليك معايا على نفس الموجة .

يضحك مستمتعاً وهو يتناول هاتفه لتتلاعب به أنامله :
_سهلة ..نشوف على "جي بي إس" أقرب مطعم فول وطعمية نضيف.

_لا لا ..جي بي إس إيه ؟!! خللي البساط أحمدي كده ..أنا عارفة مطعم كويس قريب من هنا ..هاوصفهولك ..أنا زبونة هناك وبيوجبوا معايا .

تقولها بحماس ثم تصف له الطريق فيبتسم وهو يتتبع ما تصفه حتى يتوقف بها أمام المطعم بسيط الحال الذي وصفته بقولها :
_مايغركش المنظر ..نضاف جداً ..أحلى فول ممكن تاكله ..وزيت الطعمية بيبرق ..وحشوني قوي ..

_دكتورة ياقوت ..عاش من شافك !

تهتف بها المرأة الطيبة التي خرجت من المطعم عندما لمحتها لتغادر ياقوت السيارة فتعانقها بقوة هاتفة :
_وحشتيني ..بنتك عاملة إيه ؟! وجوزك كسب القضية ؟!

يرقبها مكانه بعاطفة هادرة وهو يشعر أنه يذوب عشقاً بكل تفاصيلها البسيطة هذه ..
هذه اللهفة الصادقة التي تبديها نحو المرأة متواضعة الحال ..
وهذا المزيج النادر من البساطة والفخامة الذي لا يظن امرأة غيرها بقادرة عليه !!

_ما تشيليش هم ..ربك كريم ..حقكم هيرجع ..المهم عايزة منك شوية ساندوتشات وصاية كده ..

تقولها ياقوت ببساطة مرحة لتلتفت المرأة نحو زين فتقول بترحاب :
_اتفضل جوه يا بيه ..مش قد المقام بس تنورنا .

يشكرها بخجل يتعجبه في نفسه وهو يشعر بهذه الهالة من البساطة الودود تحيطه ..
يرى المرأة تتحرك بحماس مع فتيانها ليحضروا لهم بغيتهم قبل أن تعانقها ياقوت بحرارة هاتفة :
_موصية ستي ثمر تدعيلك ..هاجيلك قريب تبشريني بالفرج .

تدمع عينا المرأة وهي تغمرها بقبلاتها ودعواتها قبل أن تستقل ياقوت السيارة جواره أخيراً لتتفحص ملامحه قائلة :
_واخدين على بعض من زمان ..غلبانة ..جوزها نصبوا عليه في القرشين اللي حيلتهم ..وسكة المحاكم طويلة .
_فكريني بكرة بالتفاصيل وهاشوف القصة دي ..لو قدرت أعمل حاجة مش هتأخر .
يقولها وهو يعاود الانطلاق بالسيارة فتضحك هاتفة باعتزاز:
_هو ده زين الفايد العظيم اللي هافضل فخورة بيه ..

ثم تردف وهي تفتح الكيس لتفوح الرائحة أكثر :
_لو استنينا نوصل البيت هيبردوا ..حلاوتهم وهم سخنين كده ..

_خلاص ..أكليني!
يهز بها كتفيه بمزيج هيمنته وعاطفته الفريد .. فتضحك وهي تتناول إحدى الشطائر لتقربها من فمه هاتفة :
_ابتدي بالطعمية ..هه ؟! إيه رأيك ؟! استنى ..دوقها مع المخلل كمان ..

تقرن قولها بفعلها وهي تطعمه فيرمقها بنظرة عميقة وهو يشعر بلذة روحها هذه تفوق لذة الطعام في فمه ..
عالم جديد يتفتح له معها ..ويشبهها!!
طيبتها ..بساطتها ..ذكاؤها ..
وأخيراً عاطفتها هذه المتشحة بأمومة لا يمكن أن يستشعرها سواه !!

_عجبك الأكل ؟! قول وما تجاملش !
تسأله أخيراً بعدما انتهيا من طعامهما لتصلها همهمته اللذيذة تسبق سؤاله :
_ممممم ..ما أجاملش؟!

ترمقه بنظرة مترقبة فيوقف السيارة جانباً ثم يتناول كفها فيقبل باطنه بهذه الحركة التي تعشقها ليتوهج سراجا الذهب في عينيه بوميض قوله :
_كل حاجة من إيديكِ طعم تاني ..لذة خاصة بيكِ بتبدأ وتنتهي عندك انتِ بس .

قمراها الحران يتلألآن بلمعة سعادة خالصة وهي تهز كتفيها بدلال قائلة :
_يعني ممكن أطمع في طلب كمان ؟!

عيناه تمنحانها وعده فتقول بحماسة منطلقة :
_نتمشى شوية بقا بعد الأكلة الحلوة دي .

فيضحك وهو يومئ لها برأسه ليغادرا معاً سيارته ويسيران متشابكي الكفين على الرصيف القريب ..
ضحكتها تعلو فجأة فيرمقها بنظرة متسائلة لترد بمرح :
_متخيلة لو حد بيراقبك ..وشاف زين باشا العظيم وهو بياكل فول وطعمية وبعدين نزل يتمشى ع الرصيف وسط عامة الشعب ..ناقصك بس تقعد على قهوة بلدي وتبقى كملت .

فيضحك بدوره وهو يشدد ضغط قبضته حول كفها ليقول بصدق :
_زين الفايد عمره ما حس إنه مبسوط بجد أد ما هو معاكِ ..مش مهم فين وإزاي وبنعمل إيه ..المهم إن احنا سوا .

تنفرج شفتاها وكأنها ستقول شيئاً لكنها تعاود إطباقهما فيسألها بترقب:
_كنتِ عايزة تقولي إيه ؟!

_مااحنا اتفقنا هنأجل شغل العفاريت للبيت!

تقولها بمرح عابث وهي تسير جواره فيضحك ضحكة رائقة تشاركه فيها وهي ترفع وجهها للسماء حيث اكتمل القمر بدراً ..
القمر الحبيب الذي يبدو لها دوماً صديق العمر وشاهدها على حكايتها ..
والذي بدا لها الآن ضاحكاً مستبشراً كأجمل مرة رأته فيها ..

_دكتورة ياقوت!

الهتاف يأتيها من أمامها فجأة فتلتفت للفتاة لتهتف بها بود حار:
_نجلاء! إيه الصدفة الحلوة دي!!

تصافحها الفتاة بحرارة ثم تصافح زين الذي تفرس ملامحها ليزداد خجلها وهي ترد بتلعثم :
_كنت قاعدة في عربية بابا بستناه ..شفتك جيت بسرعة ..

تبتسم لها ياقوت بحنان وعين مهنيتها تتفحص الفتاة باهتمام ..
تعلم أنها تماثلت للشفاء لكن رؤيتها لما بيدها أقلقها كثيراً ..
كانت دمية مما كان يهديها إياها سامر!!
هل تعلقت به إلى هذا الحد ؟!

ويبدو أن نظرتها للدمية قد طالت فقد تمتمت الفتاة وهي تخفيها خلف ظهرها بتلعثم خجول:
_صاحبتي ..مابخرجش من غيرها .

_نجلاء!
يظهر والدها خلفها بملامح قلقة تهدأ مع رؤيته ياقوت ليصافح زين بحرارة ثم يردف مبرراً :
_قلقت لما رجعت العربية مالقيتهاش ..كنت بجيب شوية حاجات .

يقولها مشيراً لما بيده فتبتسم له ياقوت بإجلال ..
شعورها بعظم دوره كأب يصطدم بتاريخها القديم فيجعلها تقدر دوره مع ابنته أكثر ..

_فرحانة قوي إني شفتك ..سلمي على دكتور سامر .

تقولها نجلاء ببراءتها الخجول فيزداد القلق على ملامح ياقوت لكنها ترد رداً تقليدياً وهي تودعها مع أبيها ..
الفتاة لا تزال كما يبدو على تعلقها القديم بسامر ..
وربما يكون هذا شارة خطر فالمريض النفسي يكون شديد الهشاشة عقب تماثله للشفاء !
سامر!
كم تشعر بالشفقة عليه مع ما تعلمه عن حيرته وتخبطه خاصة بعد سفر ريتال !!
من قال إن دروب القلوب يسهل التنبؤ بها !!
هاهو ذا أينشتاين العظيم الذي طالما أبهرها بعبقريته الطبية في علاج مرضاه النفسيين ..
يذهلها الآن بهذا التشتت الذي يعيشه غير قادر على فهم مشاعره !!

_مش هنكمل مشي ؟! واللا تحبي نرجع؟!
ينتشلها بها زين من شرودها فتبتسم له وهي تتأبط ذراعه لتجيبه عملياً وهي تتحرك به نحو السيارة من جديد ..

_بحب أشوفها نجلاء دي!

يقولها ببساطة فتتوقف مكانها فجأة لتلتمع عيناها بطيف غيرة عابر يجعله يضحك ضحكة رائقة وهو يجذبها ليعاود السير بها مردفاً وهو يرفع أحد حاجبيه بمكر:
_بشوف فيها نجاحك ..ومش هانسى إن أشهر عرض جواز في مصر كان يوم المؤتمر الصحفي بتاعها .

_إن كان كده معلش !
تقولها بدلال وهي تراه يفتح لها باب السيارة بحركة أنيقة تجعلها تبتسم له بحب ..
ليستقلها هو بدوره وينطلق بها نحو بيتهما ..
بينما تستسلم هي لشرودها من جديد ..
سامر ..نجلاء ..
هل يمكن أن تجمع هذين معاً قصة ما؟!
=====
_الحقني يا عمو ..أنا مع غادة في المستشفى ..بيقولوا ممكن يضطروا يولدوها دلوقت !

يهتف بها سيف عبر الهاتف بقلق ليرد علاء بقلق مماثل وإن حاول طمأنته :
_مسافة الطريق هاكون عندك ..ما تخافش ..ستات كتير بتولد في السابع!

يقولها ليغلق الاتصال بسرعة فتندفع نحوه إيناس هاتفة بجزع:
_مين دي اللي هتولد في السابع؟! اوعى تكون غادة !

هتافها ينتهي بدموعها الانفعالية كعهدها وهي تبدأ في تبديل ثيابها بالفعل مع جوابه الآسف لها ..

لم تدرِ كيف نهبت سيارته الطريق نحو المشفى القريب ولا كيف استقبلت وجه سيف الذي كان شاحباً كالموتى وكفاه متشبثان بباب الغرفة الموصد في وجهه ..

لكنها شعرت بزوجها وهو يجذب سيف من كتفيه ليضمه إليه بقوة هاتفاً بحسم غريب على طبيعته المرحة :
_جرى إيه يا ولد؟! خايف كده ليه ؟! هو ربنا الكريم اللي رزقك بيهم بعد كل ده مش قادر يحفظهم لك ؟! استغفر وادعي!

فيخفي سيف وجهه الدامع في كتف الرجل الذي ربت على ظهره مردفاً بصوت مرتجف:
_هيوصلوا بالسلامة ..كلهم ..هيبقوا كويسين!!

هنا لا تملك إيناس المزيد من فيض دموعها وهي ترفع كفيها بالدعاء بلوعة ..
تسمعه وهو يحكي لعلاء تفاصيل الحالة الدقيقة فلا تبالي سوى بأن ابنتها في خطر ..
تستعيد حرقة شعورها بفقد ابنها فيلهج قلبها بالدعاء وهي تخشى أن تعيش نفس الموقف مرتين ..
لكن ..

صوت البكاء الذي انبعث بصوت رضيع يصدح من داخل الغرفة أخيراً ..
فيشهقون جميعاً ببعض الارتياح تزامناً مع فتح باب الغرفة ليظهر من خلفه الطبيب هاتفاً بالتركية :
_الرضيعان بخير .

_وغادة ؟!
يهتف بها ثلاثتهم في نفس اللحظة وبنفس اللهفة ليبتسم الطبيب قائلاً :
_هي محاربة حقاً ! لا أخفيكم قولاً أنني كنت أخاف عليها في أول العملية ..لكنها بدت وكأن جسدها يقاوم بشراسة كي لا يستسلم ..يمكنكم رؤيتها الآن فقد استعادت وعيها نسبياً لكنها لا تزال تحت تأثير "البنج"!

يدلفون جميعاً للداخل فيحيطون بها لتستقبلهم بابتسامة سعادة كبيرة رغم الألم الذي أحاط بوجهها الشاحب ..
تحمل رضيعتيها بوهن تخاذل معه ذراعاها ليسبقهما سيف فيحتويهن جميعاٌ ثم يقبل جبينها بعمق هامساٌ :
_الحمد لله ..كنت عارف إنك مش هتخذليني .
_فسرتلك الحلم ؟!

تهمس بها بصوتها الواهن ولاتزال مشوشة الوعي فيضحك ضحكة عالية دمعت لها عيناه وهو يشدد قوة ضمه لهن وقد تذكر ما تحكي عنه من تلك الرؤيا التي رواها لها يوماً عن انجيل وابنتها الضاحكة !

_وسع كده يا سيف! عايزة أحضنها أنا كمان !
تهتف بها إيناس وهي تدفعه برقة ليفسح لها المجال حاملاً الرضيعتين فتضمها إليها بحنان هاتفة باستنكار مصطنع:
_بقا كده ؟! ده اللي اتفقنا عليه ؟! بعد كل الأيام اللي قعدنا نخطط فيها هنستقبلهم إزاي تغفليني كده ؟! ماكانش العشم !

تضحك غادة وسط آهة توجعها لتغمغم بصوتها الواهن:
_معلش يا "أنّا"! شوفي مين فيهم تختاري تتسمى باسمك .

تقولها فيهيأ إليها أن حنان الدنيا كله قد تجمع في عيني المرأة التي تطلعت للرضيعتين للحظات طالت ..
قبل أن تقول وسط دموع فرحتها :
_أختار إيه بس؟! الاتنين أجمل من بعض ..سبحان الخلاق!!

_الحمد لله يا بنتي إنك حسنتِ النسل! كنت خايف يطلعوا شبه الولد ده ويورثوا تكشيرته !

يهتف بها علاء مشاكساً كعهده وإن فضحت نبرته المرتجفة حنان لهفته ليهتف سيف مؤكداٌ :
_وأنا برضه كنت حامل هم كده ..بس الحمد لله !
_انت قمر ..وبحبك ..بحبكم كلكم ..بناتي ..عيلتي ..عيلتي ! بقا عندي عيلة يا سيف ..

تهمس بها بصوت متقطع ..مرتجف .. منهك بين نوم ويقظة فيظهر التأثر في وجوههم جميعاً ..
خاصة عندما مدت كفها بوهن نحو إيناس لتتمتم بنفس النبرة :
_ماما!!

تتسع عينا إيناس بصدمة وهي تسمعها منها لأول مرة ..
فلم تملك نفسها وهي تنكب فوقها لتحتضنها برفق مراعية إعياءها لتهتف بين فيض دموعها :
_يا قلب ماما انتِ! حلوة قوي "ماما"من بقك يا غادة !!

تدمع عينا علاء وهو يراقب المشهد صامتاٌ فيما يبتسم سيف بإدراك وهو يتذكر حديثها معه ..
الآن فقط يوقن أنها تخلصت من رواسب ماضيها القديم ..
وصالحت هذه "الكلمة" التي أجبرتها الظروف أن تكفر بكل معانيها!!

_مش هابطل أقولها .

تتمتم بها غادة أخيراً بصوت تخفت نبرته رويداً رويداً وهي تغمض عينيها رغماً عنها مستسلمة لنعاسها الإجباري فيرمقها سيف بنظرة قلقة لكن الطبيب الذي عاود دخوله يقول بنبرة عملية :
_دعوها تستريح ..الرضيعتان كذلك تحتاجان لرعاية خاصة .

يخرجون جميعاً من الغرفة ليتصل سيف بوالدته فيخبرها على عجل ..
قبل أن يفعل المثل مع إسلام ..
ثم يتنهد أخيراً وهو ينحني في "سجدة شكر" طويلة اعتادها في كل موقف كهذا !

قبل أن ينهض من جديد كي يراقب -عبر زجاج نافذة الغرفة -وجهها الذي استكانت ملامحه بهناءة يقسم أن يحافظ لها عليها ما بقي من عمره ..
هي صك غفرانه الذي تلقاه أخيراٌ بعد طول شعوره بالذنب ..
والآن يرتشف المزيد من عطاياه بهاتين النعمتين الصغيرتين ..
فسبحان مَن هذا فضله !
=======
_حمداً لله على سلامتك ياابني ..مش مصدق إني شايفك واقف على رجليك تاني!
يهتف بها والد ناصر وهو يستقبل الأخير مع سها في المطار عقب عودتهما من تركيا في رحلة علاج امتدت لشهور ..
وانتهت كما يبدو بالشفاء!

ليهتف ناصر بحيوية منطلقة تراقصت بين حروفه :
_الحمد لله يا حاج ..ربنا كبير!

يقولها وهو يستشعر عناق والده الدافئ كما لم يفعل منذ عهد بعيد ..
طالما ظن الأمان أيقونة مميزة لعباءة أبيه هذه التي انزوى في كنفها دون شعور بالذنب هذه المرة ..
كأنما تحرر من كل هذه القيود التي كانت تمنع كليهما الشعور الكامل بهذه العلاقة الخاصة ..
بل -بالضبط- كأنه عاد هذا "الطفل"الذي بشّر "هذه العباءة" بنجاحه ..
كأنه عاد هذا "المراهق" الذي بشرها بدخول كلية الشرطة ..
والآن يعود هذا "الرجل البالغ" الذي يبشرها برجوع عافيته ..
والأهم ..رجوعه لنفسه !!

_حمداً لله على سلامتك يا بنتي.

يهتف بها الرجل وهو يعانق سها بمثل هذه الحرارة التي منحها لابنه فتدمع عيناها بتأثر وهي الأخرى تشعر أن التجربة العصيبة التي مروا بها جميعاً قد آتت ثمارها رغم كل الألم !!

تتحرك بهم السيارة لتنهب الطريق نحو بيتهما الذي اشتاقته ..
تسمعه يثرثر مع والده بهذه الحيوية المنطلقة طوال الطريق فترتسم على شفتيها ابتسامة مشرقة وهي تشرد عبر زجاج نافذة السيارة ..

تستعيد الأيام السابقة التي قضتها في تركيا معه بين علاج جراحي وتدريبات بدنية شاقة حتى عادت بعدها ساقاه لطبيعتهما بصورة شبه طبيعية ..
لا تعنيها مشقة الجهد الذي بذلاه معاٌ بقدر ما تعنيها حلاوة الحصاد الآن !
هو ..عاد !!
عاد كما كان من قبل !!
لكن هل سيعود كل شيئ بينهما لسابق عهده كذلك!!
بحلوه ومره !!
الخاطر الأخير يتزامن مع سماعها لقول والده بفخر:
_أول ما تشد حيلك كده تيجي تبارك لولاد عمك ..الاتنين خلفوا ولدين زي الفل ..الله أكبر!

تشحب ملامحها وهي تطرق برأسها شاعرة أنها تكاد تعود للدوامة القديمة ..
لكنها تشعر بكف ناصر يحتضن كفها كأنما شعر بها ..
وكلماته الدافئة تصلها ك"ثوب أمان" لا يبلى ..

_ربنا يباركلهم ..أكيد هاروح لهم بس لما أرتاح شوية ..سها كمان محتاجة ترتاح ..تعبت معايا قوي الفترة اللي فاتت ..حقها ترتاح بقا !

كلماته بدت وكأنها نبهت والده الذي ابتسم بحنان وهو يلتفت نحوها هي ليربت على ركبتها قائلاً بما يشبه الاعتذار :
_بنت أصول! تستاهل كل خير.

تتكدس الدموع في عينيها اللتين أسبلتهما لتشعر بناصر يطوق كتفيها بذراعه بحنان قائلاً :
_لو عشت عمري كله أعوضها عن وقفتها جنبي مش كفاية .

يقولها ثم يلتفت نحو والده بنظرة راجية ذات مغزى وكأنه يخبره دون كلمات أن كرم الله معه هذه المرة لا يليق به إلا الرضا!
هذا المعنى الذي وصل الرجل كاملاً وهو يهز رأسه ليرمق سها بنظرة امتنان عميقة دون أي شائبة انتقاص ..
هذه التي وجدت أثرها في قلبها لتبتسم له ابتسامة امتزجت بدمعتها ..
إنما دمعة رضا هذه المرة !

دمعة ظلت تترقرق في عينيها طوال الساعات القادمة حيث وصلوا جميعاً لبيتهما فيشاركهما الوالد الغداء بمرح افتقدته جلستهم الثلاثية من زمن بعيد ..

_يااااه ! كان واحشني أكل البلد بشكل ! وبالذات البط ..دوقي يا سها!

يهتف بها ناصر باستمتاع وهو يطعمها ليبتسم والده بحنان وهو يشعر أنه لم يره على هذا الحال من هذه الحيوية منذ زمن بعيد ..
فيقول بنبرة حانية :
_مراة عمك باعتاهولكم مخصوص عشان عارفة إن سها بتحبه ..ألف هنا .
لترد هي ببعض الخجل من نظرات والده العميقة وهي تلوك الطعام في فمها :
_كتر خيرها ..هي عارفة إني بحب أكلها .

تقولها وقد زارها طيف قديم من اهتمام عائلته المغالي بها في أيام زواجهما الأولى ..
افتخارهم بها وهذا الاعتزاز الذي كان يسكن نظراتهم نحوها ..
هذا الشعور الذي تهاوى شيئاً فشيئاً مع تقدم الأيام بها دون إنجاب ..
لكن يبدو أن الزمان يدور دورته ليعود بكفه العامر بهذا الشعور من جديد !

_أستأذن أنا بقا عشان أسيبكم تستريحوا.
يقولها والده وهو ينهض مكانه ليهتف به ناصر باعتراض:
_لسه بدري يا حاج ..اشرب الشاي طيب .
لكن الرجل يرد برضا وهو يتحرك ليغسل يده في الحمام القريب :
_دايماً عامر بيك وبمراتك ..ورايا كام مشوار هنا هاخلصهم ..وهاستناكم عندنا .

يقول عبارته الأخيرة ثم يتقدم ليعانق ناصر بقوة ليهتف به بتأثر:
_حمداً لله على سلامتك يا بطل .
يبتسم له ناصر بتقدير ليتنهد الرجل وهو يعانق سها بدوره ثم يقول لها بما يشبه الاعتذار :
_ربنا يراضي قلبك زي ما راضيتيني وراضيتيه .

فتزداد كثافة الدموع في عينيها وهي تسمعه يعود لسابق عهده من الدعاء لها ..
لهذا ما كاد يتحرك مع ناصر نحو الباب حتى تقدمت بسرعة نحو الحمام القريب تتظاهر بغسل كفيها ووجهها لكنها كانت حقاً تواري هذه الدموع ..
جميلٌ هذا الإحساس الذي يغمرها باسترداد ما افتقدته يوماً ..
لكن هل يكفي هذا الشعور ليطفئ شعلة الخوف التي تتأجج داخلها من وقت لآخر ؟!

تشعر به خلفها فترفع عينيها لتصطدم بصورته في المرآة ..
ابتسامته الساحرة التي عشقتها منذ لقائهما الأول تحتضنها قبل ذراعيه اللذين مدهما ليطوقها بهما من الخلف متظاهراً بغسل يده ..
لكنه كان يحتضن كفيها تحت الماء المنهمر ليشبك أنامله بأناملها ..
كل ما فيه الآن كان يحتضنها ..
نظراته عبر المرآة ..
ابتسامته التي تلونت بطيف عشقه ..
أصابعه التي تتخلل أصابعها برقة ..
أنفاسه التي امتزجت بأنفاسها مع هذا القرب وهو يسند ذقنه على كتفها من الخلف هامساً :
_وحشتيني .

_وحشتك ؟! احنا ماسبناش بعض من شهور ..محدش فينا تقريباٌ كان بيشوف غير التاني !
تهمس بها بصوت لا يزال يرجفه انفعاله ليهمس لها بنفس النبرة الدافئة :
_وحشني شكلك وانتِ هنا في بيتنا .
_يعني البيت اللي وحشك مش أنا .
_وهو البيت ده إيه ؟! ماهو انتِ!
يهمس بها بصدق وهو يغلق صنبور المياه لتبتسم وهي تلتقط منشفة قريبة فتجفف يديهما معاٌ ..
يحيط خصرها بكفيه ملاحظاً هذه الدموع التي يعلم أنها تخفيها ..

_اوعي تسمحي للخوف يدخل بيننا تاني ..صدقيني أنا حاسس إن ربنا كتب لي عمر جديد عشان أعوضك بيه عن اللي فات .

يهمس بها وهو يقبل جبينها بعمق فتبتسم مقدرة له تجاوزه عن الحديث عن خطئها هي بشأنه ..
لايزال يقدر كبرياءها كما عهدته !
لكنها رفعت عينيها نحوه لتهمس له بابتسامة مرتجفة :
_بلاش نتكلم في اللي فات ..محدش عارف لو اتحاسبنا بجد مين هيطلع غلطه أكبر .

يومئ برأسه موافقاً ثم يقبل وجنتها برقة ليهمس لها بحب :
_محضر لك هدية بمناسبة رجوعنا البيت .

ترفع حاجبيها بدهشة حقيقية وهي تراه يسحبها من كفها نحو الخارج حيث إحدى حقائبهم التي عادوا بها ..
والتي فتحها ليستخرج منها علبة متوسطة الحجم رفعها أمام عينيها ..

_جبتهم امتى دول ؟!
تهتف بها باستغراب فهي لم تعتد أن يهتم هو بشأن هدايا كهذه طيلة فترة زواجهما ..هي كانت من يعتني بهذا الأمر ..
فكيف فعلها في سفرهما ؟!

يبتسم ابتسامة واسعة وهو يقول بنبرة مرتاحة :
_طول عمرك واخدة بالك مني ..مش هيجرى حاجة لما آخد بالي منك المرة دي ..وصيت عليهم قبل ما نسافر عشان تبقى ذكرى لينا من هناك ..نفتكر بيها أيامنا اللي جمعتنا على المرة قبل الحلوة ..بس قصدت ما تشوفيهمش غير هنا ..

ثم يصمت لحظة ليردف بنبرة أكثر دفئاً :
_في بيتنا.

تدمع عينا بفرحة هذه المرة وهي تطالع هديته من جديد ..
زوج من الساعات -إحداهما بتصميم رجالي والأخرى تشبهها بتصميم نسائي- من ماركة مشهورة تطابق خاصته القديمة التي أهدتها له يوماً فلم يخلعها من يده ..
والتي كسرتها هي بنفسها يوماً !!

_ناصر!
تهمس بها بتأثر وقد فقدت كلماتها وهي تراه يلبسها خاصتها الأنثوية برقة ليقبل معصمها قبلة عميقة ..
قبل أن يمد لها معصمه هامساً :
_مش هتلبسيني بتاعتي؟!

تضحك بارتباك غريب على طبيعتها المسيطرة المعروفة وهي تشعر أنها تستعيد علاقتهما بأفضل مما تمنت ..
تلبسه ساعته فلا تملك دموعها وهي تستعيد تاريخهما القديم ..
انتصاراته وانكساراته ..
كسره وجبره ..
حلوه ومره ..
لكنه يمسح دموعها بأنامله برقة لتنهمر قبلاته فوق ملامحها الحبيبة هامساً بعشق لم يعرفه قلبه إلا لها :
_انتِ علمتيني إزاي ست واحدة ممكن تساوي الدنيا كلها ..احنا عرفنا الطريق خلاص ..واللي يعرف الطريق مش هيتوه تاني .
======
_إيه رأيك ؟!
تهتف بها ياقوت بترقب وهي تدور حول نفسها أمام مرآة غرفتهما مستعرضة ثوبها الذي تستعد للخروج به ..
بلون الكراميل الداكن مع وشاح بدرجة أفتح قليلاً ..يحتضن جسدها باحتشام لكنها تبدو به شديدة الأناقة ..
أو ربما هو سحرها هي في عينيه ..!

همهمته "اللذيذة" تسبق جوابه وهو يغمرها بين ذراعيه بواحد من عناقاته التي تظنها لن تفقد أبداً مذاقها السحري هذا ..

_أنا آخر واحد في الدنيا ممكن تسأليه عن رأيه في شكلك ..انتِ يا إما جميلة ..أو جميلة جداً ..أو جميلة جداً جداً ..أو جميلة فوق الوصف ..المهم إنك في كل أحوالك أيقونة جمال !

تضحك ضحكة عالية وهي تطوق عنقه بذراعيها هامسة بدلال:
_يعني هاشرف زين بيه الفايد العظيم في حفلة النهارده ؟!

_هم اللي هيتشرفوا بحضورك يا دكتور !
يقولها باعتزاز حقيقي لتتنحنح مغمغمة بخجل:
_آخر حفلة حضرتها معاك أحرجتك لأني ماكنتش فاهمة شريكتك الفرنسية دي .

فيهز كتفيه ليقول ببساطة :
_وليه ما تقوليش هي اللي تبقى محرجة إنها مش فاهمة عربي!!

تبتسم له بامتنان عاشق وهي تدرك أنه -كعهدها به- يجتاز معها كل العقبات التي يمكن أن تضعها الفوارق الطبقية بينهما ..
لم يشعرها للحظة واحدة منذ تزوجها أنها لا تناسب هذا العالم الجديد الذي وجدت نفسها منغمسة فيه ..
بل إنه يشعرها في كل مرة يجتاحها إحساسها ببعض النقص أنها حقاً شمس عالمه التي يدور حولها !!

لهذا تأبطت ذراعه بفخر وهي تغادر معه غرفتهما ليهبطا الدرج نحو الخارج حيث أقلتهما سيارته نحو إحدى القاعات الفخمة التي أقيم فيها هذا الحفل حيث شركاؤه الجدد من المستثمرين الأجانب ..
لا تنكر أن مثل هذه الحفلات تثير حفيظتها وتصيبها بالاختناق ..
لكنها تعلم أنها جزء من عمله !
خاصة وهو يدير الأمور بذكائه المعهود فيتحفظ عما تراه هي تجاوزاتٍ دينية أو أخلاقية دون أن يحرج مرافقيه .

يصلان أخيراً فتشعر بالعيون تتمركز حولهما بهذه النظرات التي لم تعد تخيفها ..
هو منحها هذه الثقة التي توجت ملامحها وهي تخترق الصفوف بكبرياء يليق بها ..

تستجيب ل"البروتوكول" التقليدي لمثل هذه الحفلات والذي انتهى بجلوسه مع شركائه على مائدة كبيرة ضمتهم سوياً ..
تتركهم يتناقشون مؤثرة الصمت والمراقبة بطبيعة أكسبها إياها عملها ..
ليفاجئها سؤال شريكته الفرنسية بلغتها :
_كيف حالك ؟! ازددتِ جمالاً عن آخر مرة رأيتكِ فيها ..عفواً ..نسيت أنكِ لا تتحدثين الفرنسية !

يكاد زين يميل عليها ليترجم لها عبارتها لكنها تفاجئه بردها على المرأة بفرنسية سليمة المخارج :
_شكراً لإطرائك سيدتي ..صرت أجيد الفرنسية !
ترفع المرأة حاجبيها برضا فتتبادلان حديثاً قصيراً بينما يرمقها زين بنظرة مزجت اعتزازه بعتابه الماكر ..
الذي عبر عنه وهو يختلي بهما في غرفتهما أخيراً عقب عودتهما ..

_ما قلتليش ليه إنك اتعلمتيها؟!
يسألها وهو يزيح عنها وشاحها ليميل على قرطي أذنيها فيقبلهما بحركته المعهودة ..
لتهمس له بدلال ماكر:
_وانت فاكر إني هابطل أفاجئك؟!

يضحك باستمتاع وهو يعتصرها بين ذراعيه ليهمس أمام قمريها الحُرين :
_اوعي تبطلي تفاجئيني ! مش قلتلك ..عطشي معاكِ مابيرتويش ..جنة مش هاشبع منها العمر كله !!

فتضحك بدلال وهي تحيط وجنتيه براحتيها هامسة :
_كورس مكثف بقاله شهرين ..عشان عملت حساب موقف زي ده ..عايزاك تكون على طول فخور بيّ زي ما أنا فخورة بيك !

يضحك باستهانة وأنامله تتحرك على طول ظهرها بهذه الحركة التملكية التي تشعرها أنه يود لو يصهرها بين ضلوعه للأبد ..

_وانتِ فاكرة حاجة زي كده بس هي اللي ممكن تخليني فخور بيكِ؟! انتِ ماتعرفيش صورتك في عيني شكلها إيه !
_إيه ؟!
تهمس بها بدلال تستزيد من فيض كلماته الذي يأسرها هذا ليتنهد بحرارة وشفتاه تطوفان فوق وجهها بتبتل عاشق :
_انتِ الكلام اللي مايتقالش ..واللحن اللي ما يتغناش ..الأسطورة اللي من جمالها مستكتر تبقى حقيقة ..
تشتعل جوارحها بهذه العاطفة التي تسكب النيران في شرايينها وهمساته تتوقف عند حدود شفتيها :
_انتِ الحب اللي رجعلي نفسي ..فالعدل بيقول إني بقية العمر أفضل كلي ليه.
======
_وبعدين بقا ؟!
تهمس بها ياقوت لنفسها بضيق وهي تنفض عنها غطاءها على فراشها الخالي منه في غرفتهما بعد سفر زين لعمل مهم ..
لم تتصور أن تفتقده بهذه الطريقة وفي خضم انشغالها هي الأخرى بعملها ..
لكنها تشعر حقاً أنها تختنق !!

تتناول هاتفها لتتصل به لكن الاتصال يغلق بعد قليل لتصلها رسالة مكتوبة مسجلة "سأتصل بك لاحقاً"..

تعقد حاجبيها بغضب هي أول من تدرك أنه ليس منطقياً خاصة مع اختلاف التوقيت في البلد الذي سافر إليه ..
لابد أنه الآن في اجتماع مهم لهذا لا يستطيع الرد ..
لكنها لا تملك دفع هذه القبضة التي تعتصر قلبها وهي تشعر بقسوة الليلة الأولى التي تقضيها بعيدة عنه منذ زواجهما ..
خاصة وهو لم يهاتفها منذ ساعات تراها هي طويلة !

_أنا هنام ..لما سعادتك تفضى ما تتصلش عشان ما تقلقنيش من النوم ..أنا كمان عندي شغل مهم الصبح بدري!

لا تدري لماذا تسرعت بإرسالها بهذه الصورة لكنها فورة شعورها التي عصفت بها في هذه اللحظة تضخم لها شعورها أنه يتجاهلها لشيئ يراه أهم منها ..

دمعت عيناها وهي ترقب الهاتف في يدها للحظات تنتظر منه رداً لم يصل!

تنهدت بضيق وهي تكاد تلقي هاتفها جانباً لولا أن رن برقم ثمر ..
وكأنما الغالية تشعر بها !!

_مش جايلك نوم يا "بنت قلبي"؟! أول ليلة تباتيها لوحدك !

تقولها ثمر بفطنتها متفهمة مشاعر حفيدتها التي ردت بصوت متحشرج:
_أنا كويسة يا ستي ماتقلقيش .

ضحكة ثمر الماكرة تعلو في أذنيها فتبتسم هي بدورها وهي تسألها باهتمام عن صحتها لترد ثمر برضا:
_فضله كبير ..ونعمه مغرقاني ..

ثم تصمت لحظة لتسألها بترقب ملهوف:
_مفيش حاجة حلوة في الطريق ؟!

سؤالها يزيد من ضيق ياقوت لكنها تتفهم رغبة ثمر المغالية في أن "ترى عوضها" بطفل كما تخبرها دوماً ..
خاصة والمجتمع القروي يعتبر تخطي المرأة للثلاثين دون إنجاب كارثة !
لا تنكر أنها تشعر بالقليل من القلق هي الأخرى لكنها ابتلعت مخاوفها لترد بمرح مصطنع :
_لو فيه حاجة انتِ أول واحدة هابشرها ! وبعدين ده حظ ابن لجين عشان لما يشرف بالسلامة مايبقاش على الحجر غيره !

_ربنا يطعمك وما يحرمك يابنت قلبي ..خدي بالك من حالك ..وسلميلي على الغالي .

تقولها ثمر بحنانها المعهود لتختم الاتصال بدعواتها التي لا تنقطع والتي تجد دوماٌ أثرها في روح ياقوت ..
ربما لهذا هدأت فورة مشاعرها تدريجياً وهي تستعيد اللفظ الذي خصت به ثمر زين ..
"الغالي"!

تبتسم ابتسامة بمذاق الحنين وهي تتحسس موضعه الخالي على الفراش جوارها عندما أعلن هاتفها عن وصول رسالة ..

_إياك تنامي قبل ما أكلمك ..عشر دقايق وهافضى .

تتسع ابتسامتها وهي ترى بعض الحروف مكتوبة بصورة خاطئة واشية بسرعته في كتابتها ..
هذه الابتسامة التي اتسعت على مدار عشر دقائق بالضبط بعدها لتسمع صوت الاتصال الذي تجاهلته عامدة بنظرة ماكرة ..

مرة تلو مرة تلو مرة ..

_ردي..أنا عارف إنك ما نمتيش!

يرسلها لها مكتوبة فتشم رائحة غضبه عبر الكلمات لتجنح للسلم أخيراً فتفتح الاتصال لتصلها تنهيدته الحارقة :
_مش عرضت عليكِ تيجي معايا وانتِ رفضتِ عشان شغلك ؟!

_هاجي معاك أعمل إيه ؟! أباجورة في الفندق لحد ما تخلص ؟! أنا كمان عندي شغلي وناس مصيرها مرهون بيّ !

تقولها بعناد مكابر ليرد بحدة :
_خلاص ..زعلانة ليه إني مشغول ومش عارف أكلمك ؟!
_أنا مش زعلانة ..أنا عايزة أنام .

تقولها بالمزيد من المكابرة لتزداد حدة صوته :
_تمام ..تصبحي على خير .

تنتفض مكانها وهي تتوقع أن يغلق الاتصال مع هذه الشحنات السلبية المتزايدة بينهما ..
لكنه لم يفعل !
فقط بقي على صمته الذي طال لدقيقة كاملة ..

_وحشتني!
كادت تهمس بها بلوعة لعلها تذيب هذا الصمت بينهما لكنها أطبقت شفتيها بقوة تمنع نفسها التفوه بها ..
لا ..ليس دلالاً ..!
لكنها كانت تشعر في هذه اللحظة بحاجتها العارمة أن يحتويها هو ..
لهذا دمعت عيناها وهي تسمع صوته يرق أخيراً بقوله :
_وانتِ كمان وحشتيني!

وكأنه سمعها رغم أنها لم تنطقها !!

_أول مرة أكره السفر كده ..وأكره نفسي عشان احترمت رغبتك وماخدتكيش معايا ..غلطة مش هتتكرر .

نبرته تمزج هيمنته المعهودة بفيض مشاعره الذي يجيد إغراقها كالمعتاد ..
فتتراقص حروفها بمزيج من اشتياق ومشاكسة :
_مش بمزاجك على فكرة .

_يا بت لمي الدور ..الراجل مشتاق وعنده لوعةٌ لكن مثله لا يذاع له سرّ ..ذيعي انتِ بقا !
تهتف بها العفريتة العابثة داخلها لتضحك ضحكة قصيرة وهي تسمع زمجرة اعتراضه فتقول بدلال :
_بس أنا موافقاك المرة دي ..غلطة مش هتتكرر .

تنهيدته الحارقة تصلها مشتعلة عبر هذا البعد ليغلف الحنان نبرته المهيمنة :
_احكيلي يومك كان عامل إيه ..بالتفصيل !

_انت فاضي؟!
تسأله بمكر وتعلم الجواب من ذكرى مشابهة لهما :
_أفضى!

ضحكتها الراضية تذيب كل الحواجز الوهمية بينهما قبل أن تمضي تروي له تفاصيل يومها كما اعتادت منذ زواجهما ..
والتي انتهت بذكر مكالمة ثمر وسلامها الذي أرسلته إليه ..
ليتنهد من جديد قائلاً :
_حاسس إني سايبكم من سنين ..هاقفل معاكِ وأكلمها مادام لسة صاحية .

تبتسم بتقدير لهذه العاطفة الخاصة التي يكنها لثمر فترسل له قبلة عبر الهاتف تثير المزيد من جنونه فيهتف بها بعتاب:
_وبعدين معاكِ ؟! خلليني أعرف أعدي اليومين دول هنا !

تضحك ضحكة صافية وهي تسترخي على السرير أكثر لتنظر ل"لوحة الطائر" المعلقة أمامها بإضافتها الجديدة التي شملت ذكرياتهما معاٌ ..
فتتنهد قائلة برضا:
_قاعدة دلوقت على السرير وببص للوحة بتاعتك وبقول ..
_بتاعتنا!
يقاطعها بها مصححا عبارتها بحسمه المعهود فتضحك قائلة :
_مفيش فايدة فيك ! ما بتعديش حاجة أبداً ..

_أبداً !
يقولها بعناده اللذيذ الذي يجعلها تعشقه أكثر فتتنهد لتقول بهيام :
_ببص لها وبستغرب إزاي دلوقت بحبها قوي كده ..إزاي بقت أول حاجة أفتح عيني عليها ..خصوصاً دلوقت وانت بعيد ..
ثم تصمت لحظة لتردف بصوت أكثر تأثراً :
_لولا خوفي تتبهدل كنت خدتها في حضني وأنا نايمة لحد ما ترجع بالسلامة .

_أنا عملت حسابي ..وبعتلك اللي يفكرك بيّ وياخد باله منك لحد ما أرجع .
يقولها بمزيج مكره الغامض لتسأله بحيرة عما يقصد فيرد بعد ضحكة قصيرة :
_لو حساباتي مظبوطة ..هتخبط على الباب دلوقت !

_همسة !
تهتف بها بإدراك وهي تسمع صوت طرق الباب الذي هرعت إليه لتفتحه فتجد همسة أمامها فاتحة ذراعيها بقولها بملائكيتها المعهودة :
_آسفة على التطفل ..بس زين طلب مني ما أسيبكيش لوحدك .

تضحك ياقوت ضحكة عالية وهي تضمها بقوة ولا يزال الهاتف على أذنها ..
فيبتسم مكانه شاعراً بقلبه يخفق بعنف ..
كعهده في كل مرة تجتمع فيها شمسا عالمه معاٌ ..
حتى وهو بعيد !!

_ده زين؟!
تهتف بها همسة فتومئ لها برأسها لتختطف منها الهاتف قائلة له ببراءتها المعهودة :
_جيت في معادي اهه ..وسايبة رائد على نار ..بيقوللك مردودة لك ..وأول مرة هيسافر فيها ويسيبني هيخللي ياقوت تبات معايا ..بس أنا قلتله إني عمري ما هاسيبه يسافر لوحده .

_جرى إيه يا هموس؟! انتِ جاية تصفي النفوس واللا إيه ؟!
تقولها ياقوت بمزيج من مرح وحرج لتضحك همسة وهي تغطي شفتيها براحتها هاتفة :
_مش قصدي والله بس أنا فاضية ..لكن انتِ مشغولة ..

وجهها يحمر بانفعاله فتضحك لها ياقوت بتسامح وهي تتناول منها الهاتف لتقول همسة بحرج:
_هاغير هدومي على ما تخلصوا كلام .

تقولها مفسحةً لهما المجال الحديث فتراقبها ياقوت وهي تغادر نحو غرفتها التي خصها لها زين شاعرة بارتياح كبير ..

_شكراً !
تهمس بها له أخيراً بنبرة فاضت بعاطفتها فيرد :
_عشان ؟!
_عشان ما سبتنيش أنام زعلانة ..وعشان همسة ..وعشان عمرك ما خذلتني سواء كنت معايا أو بعيد ..وعشان ..دخلت حياتي!

_ياقوت!
لم يتفوه بسواها لكنها سمعت فيها كل ما تود سماعه ..
قرأت فيها كل سطور عاطفته ..اشتياقه ..ولهفته ..
وتلقفت بين حروفها كل هدايا وعوده لها بأن يبقى لها هكذا طول العمر ..

_كل كلامي معاكِ فقير ..هاستنى لما أرجع وأكلمك بطريقتي ..
_طريقتنا!
تقولها بحسم يشبه حسمه كأنما ترد له بضاعته ..
فتنطلق ضحكتهما معاً في نفس اللحظة بما كان أجمل نهاية للاتصال ..

ترى همسة أخيراً تقبل عليها وقد بدلت ملابسها لأخرى مريحة فتحتضنها لتسألها بود :
_فاكرة حواديتنا ؟!

_ودي تتنسي؟!
تقولها همسة بامتنان وهي تقبل وجنتها لتسيرا سوياً نحو الفراش الذي تشاركاه ..
لتطلب منها همسة حكاية خيالية معينة كانت ترويها لها أثناء فترة علاجها ..
هذه التي بدأت ياقوت في سردها بينما همسة تستجيب لها بتعابير وجهها الحالمة كأنما هي أول مرة تسمعها ..
يستمران في الثرثرة حتى يطلع الفجر فتستسلم همسة للنوم أخيراً وكذلك ياقوت توشك أن تفعل مثلها ..
لكنها تتذكر شيئاً ما يجعلها تغادر الغرفة بخطوات حذرة للغرفة المجاورة التي أغلقت بابها خلفها ..
تتذكر هذه المرة التي أرسل لها قصيدة بصوته ..
فتجدها فرصتها لترد له هديته ..
تعلم أنه يعشق لهجتها القروية المتثاقلة عندما تستسلم لها لهذا تخيرت له خصيصاً هذه الكلمات ..

سبحان ما زان حسنه ورسمه ..
دي الناس بيتغنوا باسمه ..
ورد وطرح قبل مواسمه ..
من غير لا زرع ولا سقاية ..

يابوي على جماله رواية ..
شربات عنب يروي رواية ..
عطشانة جابني على عمايا ..
ومشيت وقلبي يا ناس غالي..

وفي مكانه كان هو يستمع لكلماتها بلكنتها الخاصة فتتزين شفتاه بضحكة مستمتعة ..
يهاتفها من جديد دون تردد وهو يشعر أنه يشتاقها بحديثه معها أكثر وأكثر:
_انتِ عارفة أد إيه بعشقك لما بتتكلمي بطريقتك دي ؟!
_عارفة .
تهمس بها بثقة عبر نبرتها الناعسة وقد عادت لفراشها من جديد لتختلس نظرة جانبية نحو همسة النائمة فيصلها رده :
_سبحان من مصبرني أفضل هنا يومين كمان ..
ثم يتنهد ليردف بحنان :
_نامي بقا عندك شغل بكرة .
_زين ..
_مممم
همهمته "اللذيذة" تدغدغ حواسها فيسترخي جسدها أكثر وهي تستسلم لنعاسها هامسة بين يقظة ومنام:
_بحبك .

يبتسم مكانه وهو يشعر بالكلمة السحرية منها تحمله لجنته الأثيرة خاصتها ..
جنة لم يستشعر نعيمها إلا بين ذراعيها ..
هي فقط من بين نساء العالمين ..
فكانت له بداية الدنيا وآخرها!
========
"دار الياقوت والمرجان"

يتطلع طويلاً للافتة الفخمة التي تزين مدخل المكان وابتسامة شاحبة تزين شفتيه ..
هذا الصرح الذي يزداد تضخماً يوماً بعد يوم فيمنحه هذا الشعور الرائق أن توبته قد قبلت ..

يدلف إلى الداخل ليقوم بتفتيش مفاجئ اعتاده منذ افتتح المكان فلا يخفى عليه أن الفساد قد يطال أماكن كهذه لو لم تنله أعين الرقابة ..

النتيجة كانت مرضية تماماً وهو يرى الأوضاع شبه مثالية كما يبتغي ..
صور الفتيات اللاتي كنّ يبتسمن له بامتنان تتتابع في ذهنه بوميض متقطع لكن صورة "تلك الراحلة" تبقى قاسماً مشتركاً بينهن ..
لا ..لم تعد صورتها القبيحة بلسعة السوط التي كان يستشعرها تحرق صدره كل مرة كأنها أول مرة ..
بل صورتها الأولى التي التقاها بها أول مرة ..بذاك النقاء وتلك البراءة التي ود لو يحافظن جميعاً عليها فلا تدنسها يد ..أي يد !!

قلبه يسبق لسانه في دعوات لها بالرحمة يرجو لو تستجاب ..
وله هو بالغفران الذي يشعر أنه قاب قوسين منه أو أدنى!

_أقوللهم يحضروا لسيادتك القهوة في مكتبك ؟!
يقولها مدير الدار بترحاب فيشير له برأسه موافقاً قبل يتحرك معه نحو الغرفة المنشودة ..
يتناقشان قليلاً بشأن الميزانية الجديدة للدار والتي زادها زين راضياً ليقطع النقاش صوت طرقات ..

وجه ياقوت الحبيب يطل له فتتهلل ملامحه لهذه المفاجأة فيما يقف الرجل مكانه مرحباً بها قبل أن يخرج تاركاً لهما حرية الحديث..

_أكيد المفاجأة الحلوة دي ليها سبب!

يقولها بحب وهو يتقدم نحوها ليطوقها بذراعيه لكن هذه الدموع التي تكدست في عينيها تصطدم بنظراته ..

_ياقوت ؟!
يهمس بها بقلق متسائل وأنامله تحتضن وجنتها لترتجف شفتاها بهمسها :
_قول انت !..مش دايماً بتعرف تقرا اللي هنا ..وهنا ..
تقولها وهي تحتضن كفه بأناملها لتشير به نحو رأسها أولاً ..
ثم تتحرك به لموضع قلبها ..
فيعقد حاجبيه بالمزيد من القلق ..
لكن ابتسامتها تتسع وهي تهبط بكفيهما المتعانقين نحو بطنها لتهمس أخيراً :
_وهنا !!

تتجمد ملامحه للحظات قبل أن تنفرج شفتاه عن صيحة قصيرة خافتة وعيناه تنتقلان من وجهها لبطنها بصدمة ..
قبل أن يمتد ذراعاه ليضمها لصدره بقوة وشفتاه تتمتمان بكلمات لم تتبينها ..

تضحك دامعة العينين وهي تعانق خصره بذراعيها بنفس القوة هاتفة :
_هو ده الوش اللي مستنية أشوفه منك ..مش متخيلة هتبقى أب شكله إيه !

يضحك بدوره ولايزال عاجزاً عن النطق لترفع إليه عينيها فتفاجأ بسراجي الشمس في عينيه يتوهجان كما لم ترهما من قبل ..
هذا الوهج الصافي الذي لا تشوبه شائبة ..

_ياربي! ياربي! كنت فاكر إن مفيش فرحة في الدنيا هتغطي على فرحتي بيكِ وانتِ في حضني ..بس فرحتي دلوقت بيكم انتم الاتنين ..حاجة كده شبه ..

تتلجلج حروفه مع ارتجاف صوته بل رعشة جسده كله وهو يبدو لها في هذه اللحظة بعيداً تماماً عن إطار الفخامة الذي طالما يحيط به ..
خاصة وهو يردف بسعادة طفل وجد ضالته في أبويه وسط الزحام :
_لا ..لا ..مالهاش شبه ..مالهاش!!

كلماته تنتهي على حدود بشرتها وهدايا شفتيه تحلق فوقها فتمتزج بضحكاتها وهي تتعلق بذراعيها في عنقه هاتفة :
_فعلاً مالهاش ..أنا طايرة من ساعة ما عرفت ..ماستنتش لما نتقابل وجيتلك هنا .

تنهيدته الحارقة تصلها عميقة وهو يفرد ذراعيه حوله ليقول بنفس الصوت المتحشرج المختنق بعاطفته :
_كأن ربنا له حكمة اني أعرف الخبر ده هنا ..هنا بالذات !!

تتسع عيناها بصدمة للحظة من هذا الإدراك الأخير لتبتسم وهي تشدد ضغط ذراعيها حوله قائلة :
_ربنا كريم وعوضه كبير على قولة ستي ثمر .

_عرّفتيها؟!
يسألها وهو يعاود ضمها نحوه عارفاً الجواب الذي منحته إياه ببعض الخجل :
_ماقدرتش أمسك نفسي أول ما عرفت ..كنت عايزة أفرحها هي أول واحدة !

يضحك بتسامح مدركاً قيمة ثمر لديها فتضحك بدورها وهي تقبل وجنته هامسة بدلال:
_موصلالك رسالة ..بتقوللك مبروك.. ياغالي !

يضحك بسعادة غامرة وأنامله تداعب قرط أذنيها بحركته المعهودة فتتنهد بشرود قائلة :
_يااااه لو ربنا يحقق لي حلمي ويكون زين الصغير ..صورة منك تكبر قدامي يوم بيوم .

تقولها وأناملها تدور فوق ملامحه الحبيبة بعشق جارف كأنما ترسمها فيتناولها ليقبل أطرافها واحداً واحداً مع همسه :
_مش فارق معايا غير إنه هيكون منك انتِ ..حتة من روحي وروحك ..حبل تاني يربط بيننا العمر كله .

تضحك من جديد بسعادة وهي تحرك أناملها في الهواء كأنما تكتبها هاتفة بفخر:
_زين زين الفايد ..حاجة كده آخر فخامة ..

يضحك ضحكة رائقة وهو يهم بالرد لولا أن يرن هاتفها برقم إسلام فتفتح الاتصال لتهتف بفرحة :
_عندي ليك حتة مفاجأة .

_حامل!
يهتف بها على الجانب الآخر من الاتصال فتهتف به بشك :
_لجين قالتلك !
_إيه ده بجد ؟! يعني خمنت صح؟! طول عمري أقول فيّ شيئ لله وبلقطها وهي طايرة!.. مبروك يا أبو التوت !!

يهتف بها بمرح فتضحك هاتفة بمرح مشابه :
_الدنيا فجأة كده اتملت عيال .
_اه بس ادعي ربنا لو جبتِ بنت ماتورثش ذوقك الخزعبلي ده ..تبقى الأطفال كلها ب"توأوأ" ودي وسطهم بتقول :إيش فهمك انت !!

يضحك زين ضحكة عالية وصوت إسلام العالي يصله مكانه فيتناول منها الهاتف ليقول له مشاكساً:
_وانت فاكر بنت زين الفايد واللا ابنه هيبقوا زي أحد ؟!

_أهلاً أبو نسب! مبروك عليك يا راجل يا كُبّرة! أنا من دلوقت بخلي مسئوليتي عن أي جينات فوسفوري في النونو المنتظر .

ضحكات ثلاثتهم تنطلق في نفس اللحظة بينما زين يضمها لكتفه والمزاح الرائق ينساب بينهم واشياً بصفاء القلوب ..
فرحة تلو فرحة ..
وعوضٌ بعد عوض ..
والأرواح الظمأى ترتشف أخيراً كأس هناءتها قطرة قطرة ..
=======
_برافو يا ريمااااا ..ياللاااااا ...أسرع!!
يهتف بها إسلام بحماس وهو يجلس في مدرجات المشجعين في النادي جوار نشوى يشهدون هذا السباق الذي أقامته المدرسة للأطفال ..

_قربت تبقى الأولى يا إسلام ..هانت اهه!
تهتف بها نشوى بحماس مشابه فيقف مكانه ليرفع صوته أكثر مع صفيره الطويل :
_ريماااااا ...أسرع!

تبتسم له الطفلة وهي تلتفت نحوه ليرفع كفه المقبوض في وضع حماسي يزيد نشاط الصغيرة ..
يظل يهتف بحماس أكبر لكنه يفاجأ بها تتباطأ فجأة قبل نهاية السباق ..
لتحصد المركز الثاني!!

_ليه؟! ليه ؟! تعبت ؟! معقول الحساسبة تكون رجعتلها تاني؟!
تهتف بها نشوى بجزع وهي تقف مكانها لكنه يشير لها بيده مطمئناً مع قوله بحاجبين منعقدين :
_فيه حاجة مش مظبوطة ! مش تعب ! ريما عملتها بمزاجها ..قصدت تخسر !

_معقول؟! تكون بتعاقبنا عشان حكاية "البيبي" ؟! قلتلك تعلقها بيك مش طبيعي!
تقولها بضيق شديد فيرمقها بنظرة وجلة وهو الآخر يشعر بخوفه من نفس الشيئ !!
هل فعلتها الصغيرة عقاباً لهما حقاً؟!

يساعد نشوى في هبوط المدرجات بحذر ثم يندفع معها نحو ريما التي وقفت مبتسمة وهي تراقب لجنة السباق تعطي رفيقتها جائزة المركز الأول ..
بينما تحصد هي جائزة المركز الثاني !

_بابا! مامي!
تهتف بها ريما بفخر طفولي وهي تندفع نحوهما بجائزتها فيتلقفها إسلام بين ذراعيه ليهتف بمرح محاولاً إخفاء مشاعره السلبية :
_عاش يا بطل!
_زعلانين عشان ما طلعتش الأولى؟!
تسألهما الصغيرة بترقب فتقبلها نشوى بحنان هاتفة :
_مش مهم ..انتِ عملتِ اللي عليكِ .

تتسع ابتسامة ريما وهي تقلب بصرها بينهما للحظات ..
فيجلس إسلام على ركبة واحدة أمامها ليقول بابتسامة واسعة :
_قولي الحقيقة وريما مش بتكدب على بابا ..انتِ قصدتِ تخسري صح ؟!

يظهر التردد على وجه ريما قليلاً ثم تلتفت لرفيقتها التي حصدت المركز الأول وقد وقفت جوار أمها هناك ..
لتعود ببصرها إليه قائلة بمزيج من حزن وفخر:
_لانا زيي زمان ..ماعندهاش بابا ..كنت عايزاها تفرح مع مامتها ..أنا دلوقت عندي بابا ..مش مهم الجايزة الأولى .

ترتخي ملامح نشوى بارتياح عظيم وهي تنحني لتعانق صغيرتها فيما يضحك إسلام وهو يحمل ريما ليقف ويتحرك بها هاتفاً بمرح:
_هي دي تربيتي! تستاهلي الهدية اللي تحبيها بس بعد ما نروح نطمن ع النونو!

تصفق الصغيرة بكفيها بحرارة وهي تقبل وجنته بقوة فتبتسم نشوى وهي ترمقهما بنظرة حانية ..
يتحركون معاً نحو سيارة إسلام التي استقلوها نحو عيادة طبيبتها النسائية ..

على فراش الكشف تستلقي نشوى أمام الطبيبة التي كانت تحرك جهازها الصغير على بطنها لترمق صورة الجنين في الشاشة أمامها بنظرة راضية ..

_ده أخويا؟!
تهتف بها ريما بلهفة طفولية فيبتسم إسلام وهو يشعر بقلبه يخفق بهذا الشعور الخاص ..الخاص جداٌ ..
بينما يراقب الشاشة بدوره فيعجز عن الرد إلا عن إيماءة خفيفة ..
فتعاود الصغيرة هتافها بحيرة :
_وده جالها منين ده ؟!

تكتم نشوى ضحكتها وهي تتبادل نظرة خاصة مع إسلام الذي كان يكتم تعليقاٌ ساخراً يوشك أن يبوح به ..

_بس مش شبهك ولا حاجة ..أنا شبهك أكتر .

تقولها ريما وهي تقترب من الشاشة أكثر تتفحصها لتطلق الطبيبة ضحكة عالية وهي تلاحظ ثياب الصغيرة التي كانت مطابقة تماماً لثياب إسلام ..
قميص سماوي وسروال من الجينز وحذاء رياضي من نفس الماركة وبنفس اللون الكحلي ..
مع غطاء رأس رياضي بلون كحلي كذلك!!

_هتفضل تجيبلي هدوم زيك عشان أبقى شبهك أكتر؟!

تسأله ريما برجاء طفولي فيبتسم بحنان وهو يحملها بين ذراعيه ليقبل وجنتها قائلاً بحنان:
_كل ما هاحبك أكتر هتبقي شبهي أكتر ..وأنا بحبك كل يوم أكتر من اللي قبله .

تتنهد نشوى تنهيدة ارتياح طويلة تصله مكانه فيلتفت نحوها ليغمزها غمزته الساحرة التي تخترق قلبها كشعاع نور!

ابتسامة رضا تحلق فوق شفتيها وهما يغادران عيادة الطبيبة نحو بيت والدته الجديد حيث دعتهما لتناول الطعام معها وهيثم ..

_أخوك بيخلص شوية ورق عشان السفر ..معلش هاجوعكم شوية ونستناه عشان ناكل سوا ..سيبولي الحلوة دي ألعب معاها واستريحوا في أوضتكم ..نشوى زمانها تعبانة .

تهتف بها جيلان بعد استقبالها الدافئ لهما فتبتسم لها نشوى بامتنان وكفها يعانق كف إسلام بشعورها الذي يزداد عمقاً مع حماتها يوماً بعد يوم ..
خاصة بعد انتقال الأخيرة لهذا البيت الجديد ..
ربما هو ليس بفخامة البيت السابق لكن نشوى تشعر معه بألفة حميمية أكثر ..
لهذا ما كادت تختلي به في غرفته الجديدة حتى التفتت نحوه بقولها :

_مش عايزة أكون قليلة الذوق ..بس أنا حابة بيتكم ده أكتر ..أنا عارفة إن يمكن البيت القديم شايل لكم ذكريات حلوة بس ..

تقطع عبارتها عاجزة عن إكمالها وقد خشيت أن تثير زوابع الجرح القديم ..
لكنه يتأوه بعمق وهو لا يتكلف إخفاء وجعه أمامها فيغمغم بعينين مغمضتين:
_مش عايز أفكر ولا أفتكر ..فيه حاجات في حياتنا كده لازم تعدي ..بالذوق بالعافية تعدي ..عشان نعرف نكمل ..

يقولها ثم يفتح عينيه لها بنظرة عميقة مردفاً:
_ده اللي نفسي هيثم يفهمه ..كل التوهة اللي هو عايشها دي هتعدي ..هتيجي أيام حلوة بعدها تنسيه مرارتها ..هيقوم زي ما وقع .

تبتسم له ابتسامة واسعة تتحول لضحكة عالية وهي تتعلق بذراعيها في عنقه هامسة :
_لما بشوفك بتتكلم كده مابصدقش نفسي !
_الجد مش لايق عليّ ياعسل؟!
يغمزها بها مشاكساً وهو يخيط خصرها بكفيه لتتنهد بهيام هامسة بصدق مسّه :
_كل حاجة لايقة عليك ..فاكر لما كلمتك مرة عن إحساسي بحضن بابا وحضن أشرف ..يومها سألتني عن حضنك انت ماعرفتش أجاوب ..
_ودلوقت هتجاوبي؟!
يهمس بها بعينين أججتهما عاطفتهما وهو يضمها إليه أكثر لتومئ له برأسها هامسة :
_دنيا بحالها بتتفتح لي بين إيديك ..لما بتحضنني بحس بكل حاجة وعكسها ..فرحانة بيك وزعلانة على العمر اللي ضاع من غيرك ..مطمنة بيك وخايفة عليك ..شايفاك شقاوة ابني وأمان أبويا ..انت أجمل حاجة في كل حاجة .

تتسع عيناه بدهشة للحظات وهو يرمقها بنظرات عميقة ..
لا ..لم يدهشه إحساسها بقدر ما أدهشته هذه الكلمات التي انبعثت منها سلسة بانسياب ناعم ..
بتدفق بوح هادر لا توقفه سدود ..
بإخلاص امرأة يوقن أنه أهم انتصاراتها !

_مش بقوللك حظي حلو في الستات!
يهمس بها بنبرة غريبة تشبه شخصه بين عمق وعبث وهو يشير لشامة عنقه بخفة ..
فتضحك وهي تميل عليها تقبلها عدة قبلات متتابعة لتغمزه هي هذه المرة !

ضحكاتهما تمتزج بعدها وهي تدور بعينيها في الغرفة للحظات قبل أن تسأله باهتمام :
_فين صندوقك الأسود ؟! اوعى يكون ضاع وانتم بتنقلوا الحاجة !

لكنه يضحك بانطلاق وقد سرّه أن تشاركه هذا الاهتمام فيتحرك لينحني جالساً فوق ركبتيه تحت فراشه الجديد ..
ثم يستخرج الحقيبة الثقيلة يجرها جراٌ ليفتحها أمام عينيها قائلاً :
_ده ما يضيعش! ده أنا روحي كلها هنا !

تتأوه ببعض الألم وهي تحاول الجلوس مثله لكنها تمسك بطنها لتجلس على طرف الفراش قائلة بنبرة اعتذار:
_مش هاعرف أنزل وأقعد زيك كده .
_نطلع لك احنا يا بطل!
يغمزها بها بحركته المعهودة وهو يحمل الحقيبة ليضعها فوق الفراش ثم يجلس جوارها مستعرضاً محتوياتها الجديدة ..
فتهتف بسعادة وهي تميزها:
_زودت حاجات لينا؟!
_طبعا! دبدوب ريما اللي غضبت عليه ..توكة من بتوعها ..فستانها اللي صغر عليها ..فرد شراباتي اللي بتضيع في فجوة غسالتك الزمنية للأبد ..

تضحك ضحكة عالية وهي تتأمل هذه المحتويات معه لتشهق هاتفة فجأة وهي تميز خصلات شعر بلونها البنفسجي فتهتف باستنكار:
_ده شعري؟!
_قصيته وانتِ نايمة !
يتنحنح بها وهو يفرد كفيه في وجهها مهدئاً لتضع كفها على رأسها بحركة عفوية هاتفة :
_من غير ما أحس؟! بتسرق شعري؟!

يبتسم ببعض الذنب وهو يقول مفسراٌ :
_حاجة بسيطة من الطروف ..بصراحة كنت حابب أحتفظ بيهم ..زي ما بحب كل حاجة بحس إنك بتعمليها مخصوص عشاني!!

تقبض كفها في وضع اللكم وهي تقربه من وجهه فلا تدري هل تضربه غيظاٌ ..أم تعانقه حباً !!
هذا الرجل!!
ألا حدّ لجنونه ؟!

_سماح بقا يا ست نشويات !! دول حتى مقصفين ..شوفي!

يهتف بها محاولاً إغاظتها فتشهق بحدة هاتفة :
_أنا شعري مقصف؟!
_مش قوي ..بس ..آه!!
يتأوه مازحاً وهو يراها تشده من ياقة قميصه نحوها لتهتف به بانفعال:
_وإيه كمان مش عاجبك ؟! أظن هتعايرني إني تخنت ؟!

يعود برأسه للوراء يتفحصها في قميصها الذي تباعدت أزراره عند منطقة الصدر ليقول بنبرة عابثة :
_هي "الثغرة" يصعب تجاهلها الصراحة كالعادة ..قلتلك بلاش قمصان ..لا وضعك ولا امكانياتك يسمحوا بالرفاهيات دي!!

تنقطع كلماته وهو يشعر بها تدفعه للخلف فيسقط على ظهره على الفراش متأوهاً باستمتاع ..
بينما تلقي هي نفسها فوقه لتجثم فوق صدره بثقلها هاتفة :
_وإيه كمان ؟! أدوس أكتر ؟! أدوس؟!

تهتف بها وهي تضغط بساعدها فوق صدره فيستمر بتأوهه الضاحك هاتفاً بين أنفاسه اللاهثة :
_بالراحة علينا يا وحش ! احنا مش أدك !

_اتأسف الأول!
_بأي طريقة ؟!
يغمزها بها بنبرته العابثة فتضحك وهي تغمزه بدورها مقلدة مشهداً في فيلم شهير:
_أربعة اتنين أربعة !
_على بركة الله !
ضحكاتهما تمتزج بعدها مع هذا اللقاء العاصف الذي انصهرت فيه خلاياهما بكل عنفوانها ..
وجوارهما كانت حقيبته العزيزة يهيأ إليه أنها تبتسم لهما كشاهد على هذا الحب الذي وجده كلاهما بعد طول تعب ..
فما أجمل الغرس ..وما ألذ الحصاد !
======
_السلام عليكم ورحمة الله ..السلام عليكم ورحمة الله .

تراقبه لجين وهو يسلم من صلاته بعينين فائضتين بعاطفتها وهي تراه يرفع كفيه بالدعاء مغمضاً عينيه بخشوع ..
لم تسمع كلماته مكانها لكنها كانت تستشعر هذه القدسية التي تحوطها كلما رأته يصلي قيام الليل ..

تنتظره حتى ينتهي من دعائه فيلتفت نحوها بابتسامته المشرقة وهو ينهض مكانه فتتقدم نحوه بمشيتها المتثاقلة وبطنها البارز في شهر حملها الأخير ..
يمسك كفها ليجلس جوارها على الأريكة فتبادره بسؤالها :
_ليه بتغير مكان صلاتك كل مرة كده ؟! مش الأحسن يبقى مكان واحد ؟!

فتتسع ابتسامته وهو يقول باستبشار :
_تعرفين هذه الآية عن وصف الكافرين : (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )..فسرها أهل العلم أن الكافر لا تبكي عليه أرض ولا سماء فيما أن المؤمن يبكي عليه مُصلّاه من الأرض ومصعد عمله من السماء كما قال علي وابن عباس رضي الله عنهما ..ومما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت ..لهذا أتعمد أن أخص كل مكان جديد أزوره بركعتين من صلاتي ..وأغير موضع سجودي كل مرة عساه يشهد لي يوم القيامة .

_ربنا يباركلك ويرضى عنك .
تقولها باعتزاز وهي تسند رأسها على كتفه فيضحك وهو يحيطها بذراعيه قائلاً :
_وعنكِ يا حوريتي !

تتأوه بوجع حقيقي يشعره بالتعاطف نحوها فيمد أنامله يمسد بطنها بخفة مع رقيته المعتادة لها ..
فتبتسم أخيراً وهي تبسط كفها الأسمر فوق كفه الأبيض وقد بدا التناقض بين لونيهما واضحاً لتقول ببعض التردد :
_هو ينفع أدعي ربنا إن خلفتي كلها تبقى ولاد ؟!

_عجباً ! ولماذا تضيقين واسعاً ؟! إذا كان ربنا الكريم فلماذا نبخل على أنفسنا ؟!
يقولها بتعجب فتعض شفتها وهي تسبل جفنيها قائلة بخجل:
_أصلك ما تعرفش كنت مرعوبة إزاي أخلف بنت وتطلع شبهي ..
ثم تطلق ضحكة مكتومة مع استطرادها :
_دايماٌ حاملة هم يعايروها هنا بلونها زيي ..أو يقولولها ما طلعتش حلوة زيك !

لكنه يهز رأسه بأسف متفهماً عقدتها القديمة هذه والمقارنة التي كانت تخضع لها طيلة هذه السنوات بينها وبين ياقوت بالذات ..
ليرفع ذقنها نحوه هامساً بحنان مراعٍ:
_لا تسأمين من تكرارها ولا أمل من الرد! ..أنا أحب السمراوات وأثق أن العالم يمتلئ بمن يشاركني هذا الذوق ..أحب ملامحك هذه خاصةً وأراها فتنتي الخاصة التي لا أرغب أن يشاركني فيها أحدهم ..وأحب روحكِ الحلوة هذه التي تزيدكِ جمالاً ..وأتمنى لو يرزقنا الله ابنة تشبهكِ شكلاٌ وروحاً فأرى ملامحكِ الحبيبة تزداد ازدحاماً في كل ما حولي ..ليتها تملأ الدنيا كلها فلا أرى سواها !

تضحك بهناءة صادقة فتنتهي ضحكاتها بتوجع حقيقي وهي تحتضن كفه على بطنها لكنها تتجاهل ألمها لتهمس له بحب:
_انت مش بس حليت أيامي ..انت حليت صورتي في مرايتي ..مشتاقة قوي أشوف ابننا هيطلع شكله إيه ..
_سيكون أجمل طفلٍ رأيتِه في حياتك ..ثقي بي!

يقولها بيقين وهو يقبل جبينها برقة شاعراً بتأوهات ألمها تزداد فيسألها بقلق:
_أنتِ بخير؟!

تصرخ صرخة قصيرة مفاجئة وهي تشعر بتقلصات بطنها تزداد فينتفض مكانه هاتفاً :
_أستدعي الطبيبة ؟!
_هاتلي ستي ثمر الأول ..شكلي خلاص ..آه ..آه ..

صرخات توجعها تزداد علواً فيهرع نحو ثمر أولاً لتذهب إليها ثم يستدعي الطبيبة التي وصلت بسرعة لتفحص لجين وقد استقرت الأخيرة بين ذراعي ثمر التي لم يكف لسانها عن الدعاء..

_أتصل بعربة الإسعاف؟!
يسأل الطبيبة بقلق لتجيبه الأخيرة بهدوء :
_مش مستاهلة يا شيخ ..الراس في الحوض ..قربنا اهه بس هي تشد حيلها .

_اخرج صلي وادعيلي يا عابد .

تهتف بها لجين وسط صرخاتها ووجهها يغرق في بركة من الدموع والعرق فيتردد قليلاً وهو يرى ممرضتين مساعدتين يدلفان للداخل لمساعدة الطبيبة التي هتفت به مطمئنة :
_اسمع كلامها وما تقلقش ..الوضع طبيعي جداً .

تدمع عيناه بقلق مع كل صرخة تطلقها لجين حارقة وتدفنها في صدر ثمر التي هتفت تطمئنه بدورها :
_ماتخافش كده ياابني ..انت فاكر الضنى بييجي بالساهل ؟! صلي وادعيلها يجعل لها ساعة سهلة .

يرمقهن بنظرة قلقة أخيرة ولسانه يسبقه بالتسبيح كعهده عندما تشتد به الأمور قبل أن يخرج من الغرفة ليتوضأ ويستقبل القبلة ..
ركعتان من صلاة الحاجة قصيرتان خفيفتان لم يكد ينتهي من التسليم فيهما حتى سمع ..
يالله !!
إنه صوت بكاء الرضيع!!

ينهض بسرعة وقلبه يكاد يقفز بين قدميه حتى يتعثر في مشيته لكنه يستعيد توازنه بسرعة وهو يدلف بسرعة للداخل من جديد ..
تتسع عيناه بانفعال يكدسهما بدموع تأثر حقيقية وهو يرى الرضيع بين يدي ثمر تهتف به بصوت أرجفه انفعاله :
_سبحان الله ! وكأن الأيام بتعيد نفسها ! من تلاتين سنة كنت شايلة لجين وياقوت بين ايديا كده !
يحمد الله بصوت مسموع وهو يتقدم نحو لجين التي استرخت ملامحها بعد التعب لتقول بصوت غلبه إعياؤه :
_كده خلاص؟! وصل ؟!
_ماشاء الله ..أسهل ولادة شفتها ..ربنا يبارك !
تهتف بها الطبيبة وهي تربت على وجنتها ليتقدم منها عابد فيتناول الرضيع من ذراعي ثمر ..
يتفرس ملامحه المنمنمة بعينين جائعتين لكل هذه التفاصيل البريئة ..
يردد الأذان في أذنه اليمنى كما تعلم من السنة ليكون أول ما يتلقاه هو التوحيد ..
فتبتسم ثمر وهي تناوله تمرة ل"يحنكه" بها ..

_وروهولي بقا ..عايزة أشوفه .

_لقد استجاب ربي دعائي ..يشبهكِ أنتِ حوريتي !

يقولها عابد بفرحة غامرة وهو يقترب منها ليقرب الرضيع منها فتتأوه بخفوت وهي تضمه إليها هامسة :
_أنا حلوة كده ؟!

تقولها وقلبها يخفق بداخلها بعنف مع مرأى ابنها ..
كان يشبهها حقاً كأنه نسخة مصغرة لكن بشرته كانت شديدة البياض كأنما هي هالة من النور تحيط به !!

_حلو قوي يا ستي ..حلو قوي يا عابد !
تهمس بها بتأثر عبر دموع فرحتها فيضمها عابد إليه مقبلاً رأسها بحنان فيما تضحك ثمر وهي تحمد الله بصوت مسموع ..
فيما تعاود لجين هتافها :
_هو ما بيفتحش عينيه ليه ؟! عايزة أشوفه مفتح !

تتحرك ثمر نحوهما لتداعب ذقن الرضيع بحركة خبيرة قائلة بحنان :
_بكرة تقوليله نام مالحقتش أرتاح .

تتأوه لجين بخفوت وهي ترى الرضيع يفتح عينيه مع فمه الصغير يحركه يمنة ويسرة كأنما يبحث عن طعام ثم يبدأ في البكاء فتضحك ثمر هاتفة :
_مستعجل على رزقه قوي ! جربي ترضعيه !

تشعر لجين بارتباك المرة الأولى لكنها تتحامل على ألمها لتحاول فيما تهتف ثمر بفرحة عارمة وهي تتأهب لتغادر الغرفة :
_هاكلم أختك أقوللها ..
_وإسلام كمان يا ستي ..محلفني حتى لو عملتها وش الفجر أعرفه ..كأن قلبه كان حاسس!

فيضحك عابد وهو يتناول هاتفه قائلاً :
_دعيه لي ..

يقولها وهو يتصل برقم إسلام الذي رد بسرعة لا تتفق مع تأخر الوقت :
_ما تقولش "شيكولاتايتي" فقست!!

صوته الناعس يتراقص بلهفة تجعل عابد ولجين يضحكان في نفس اللحظة والأول يقول بارتياح:
_الحمد لله رب العالمين ..وصل "الشيخ الفهلوي" و أختك بخير .

_اللهم صلي ع النبي! حبيب خاله وصل!! بقيت خال يا ناس !! مسافة السكة أكون عندكم.
_لا تتعب نفسك الآن ..تمهل و...!
لم يمهله إسلام بقية الرد وهو يغلق الاتصال بسرعة لتهتف لجين بصوت منهك :
_ما تحاولش! ده ملهوف عليه أكتر مني!

_أخوكِ يحبكِ كثيراً !
يقولها مستخدماً كلمة "أخوكِ" هذه مدركاً قيمة شعورها هي بها فتتأوه بمزيج من تعب وارتياح وهي تنظر لصغيرها على صدرها ..
قبل أن تخفي وجهها في كتفه هو كأنما تتيقن من كل هذه السعادة التي تعيشها ..
الحلم الذي تحقق كاملاً كما تمنته !!

فيما تناول هو هاتفه ليتصل بياسمين التي ما كادت تفتح الاتصال في هذا الوقت المتأخر حتى هتفت بقلق:
_لجين كويسة ؟!

_مؤمن وصل!
يقولها بفرحة طاغية تجعلها تطلق عدة صيحات فرحة أيقظت يامن جوارها فتناول الهاتف منها ليصيح به بصوت ناعس امتزج بفرحته هو الآخر:
_مبروك يا أبو نسب !! ماقلتش بدري ليه كنا جينا من ساعتها !
_لقد حدث الأمر فجأة ..تعلم هذه الأمور!
_لا معلش احنا ما كناش زي حد ! مش بتاع مفاجآت أنا!!بنتي كانت ممشياها تسع شهور باليوم ..أستاذة تفاصيل زي أبوها !!

يقولها يامن بفخر لتمتزج ضحكاتهم جميعاً فيما تختطف منه ياسمين الهاتف لتخاطب أخاها بقولها :
_اديني لجين بسرعة .
يضع الهاتف على أذن لجين لتهتف بها ياسمين بحنان:
_مبروك يا لوجي ..هنلبس ونجيلك حالاً ..قوليلي محتاجة إيه أجيبهولك من هنا؟!
تبتسم لجين بامتنان لهذه الأخوة الصادقة التي تبديها لها فتشكرها برقتها المعهودة لتغلق معها الاتصال ..
ولم تكد تفعل حتى دخلت ثمر وبيدها هاتفها تناوله لها هاتفة :
_طمني أختك ..عايزة تسمع صوتك !
_حمدالله على سلامتك يا أوبرا ..كده تعمليها من غيري؟! كنت استنيتِ يوم أكون فيه عندكم !
تهتف بها ياقوت بلهفة فضحها صوتها لترد لجين بصوتها المنهك :
_اسكتي بقا يا توتة ..لحد دلوقت مش مصدقة ..كل حاجة حصلت بسرعة كأنه حلم .
_طمنتيني! ستي ثمر بتقول أسهل ولادة شافتها ! عقبالي يارب! الولد شكل مين ؟! ستي ثمر بتقول شبهك قوي بس مخدش مني أي حاجة ؟! لون عنيا ..شعري ..طرطوفة مناخيري حتى!!

كلمات ياقوت تتقافز بلهفة فرح عارفة تجد صداها في قلب شقيقتها التي تضحك ضحكة تزيد وجعها فتتأوه بألم لتهتف ياقوت بجزع:
_قلب أختك ! انتِ كويسة ؟!

تصمت للحظة تنقل بصرها بين وجه عابد الصارخ بفرحته ووجه ثمر المكتسي بالرضا وأخيراً ..وجه رضيعها الذي استسلم للنوم على صدرها لترد بصوت أرجفه انفعاله :
_كويسة؟! ...عمري ما كنت كويسة زي دلوقت!
=====
_فطار "السينوريتا" زي زمان !
يقولها أشرف بنبرته العاشقة التي لم تتغير طوال هذه السنوات وهو يحمل صينية الإفطار بمحتوياتها ليضعها فوق ساقي رانيا التي تمطأت فوق الفراش بدلال وهي ترمق رضيعتها النائمة جوارها بنظرة حذرة ..
ثم تعود ببصرها نحوه لتتعلق بذراعيها بعنقه هامسة :
_"السينيوريتا" بقت "سينيورا" يا "سينيور" أشرف ! ومعاها بنوتة كمان !!

تقولها مشيرة لأن اللفظ الأول يستخدم للآنسات باللغة الأسبانية...فيما يشير الثاني للمتزوجات فيضحك وهو يطبع قبلة خفيفة على شفتيها ليجلس قبالتها على طرف الفراش هامساً بنبرته الدافئة :
_مهما كبرتِ هتفضلي في عينيّ البنوتة الصغيرة اللي كانت بتلعب معايا على السلم ..مفيش يوم في عمري إلا ومتلون بيكِ .

تتنهد بهيام ثم تقبل وجنته بحرارة راضية عن هذا الفيض الغامر من عاطفته والذي لا يكون له أن يجف أبداً ..
تتلقف عطايا دلاله بسعادة وهما يتشاركان الطعام بحذر مخافة أن تتيقظ الصغيرة ..
ولم يكادا ينتهيان منه حتى فاجأها بهذه الأوراق التي تناولها من مكان قريب ليقول لها بعينين لامعتين :
_مفاجأة !!

تتسع عيناها بترقب وهي تتفحص الأوراق لتتجهم ملامحها قليلاً قبل أن تعاود رفع عينيها إليه قائلة ببعض الضيق:
_شقة جديدة باسمي ؟! ليه يا أشرف؟!

_حقك!
يقولها بحسم وهو يزيح الأوراق جانباً ليتناول كفها بين راحتيه مردفاً بامتنان:
_انتِ بعتي دهبك وشقتك القديمة عشان تساعديني وقت أزمتي ..ودلوقت الحمد لله المصنع وقف على رجله وربنا كرمنا آخر كرم ..يبقى ليه لأ؟!
_بس أنا عايزة نفضل عايشين هنا!
تهمس بها بعينين دامعتين وهي تدور بنظراتها في الغرفة حولها ..

_البيت ده غالي عندي قوي ..ده مش بس البيت اللي انت كبرت فيه ..أنا كمان عشت هنا أجمل أيام عمري مع عمو وطنط الله يرحمهم ..الأوضة دي مش أوضتك لوحدك ..ياما حلمت زمان أدخلها وأشاركك فيها ..البيت ده هو اللي اتولد فيه حبنا زمان ..وهو اللي رجعنا لبعض لما الدنيا خدتنا ..أنا مش عايزة أسيبه لأ !

صوتها يتهدج برجفة مشاعرها فيغمرها بين ذراعيه ليتخلل شعرها بأنامله متسائلاً باهتمام:
_يعني مش متضايقة إنه قديم ؟!
لكنها ترفع إليه عينيها الصادقتين بابتسامة كبيرة امتزجت بهمسها الصادق:
_مااسمهاش قديم ..اسمها أصيل ..زي اللي بيننا يا أشرف!

ضحكته القصيرة تتلون بعشقه وهو يزيد قوة ضمه لها لتردف هي بنبرة أكثر ارتياحاً :
_يامن بقاله فترة بيعرض عليّ يساعدنا نشوف شقة تانية بس أنا اللي كنت برفض ..أنا حقيقي بتفائل بالبيت ده ..خصوصاً بعد ما هي جت .

تقول عبارتها الأخيرة وهي تلتفت نحو الرضيعة النائمة فيبتسم وهو يهز رأسه موافقاٌ ..
ثم يمسك راحتها بأحد كفيه بينما يتشبث الآخر برقّة بكف صغيرته المنمنم بحركة موحية ..
هاهنا يجد كيف اكتمل طريقهما بعد طول عثرات !!
تتنهد وهي تتفرس ملامح الصغيرة النائمة بدورها هامسة :
_شفت جميلة إزاي ؟!
فتتسع ابتسامته وهو يلتفت نحوها لتلتقي عيناهما بنظرة عميقة ..سبقت همسه بجملته الأثيرة التي كانت تخصها هي يوماً ..والآن يتغنى بها لها ولابنتها معاٌ :
_ما يتحكيش عليها !
=======
يصعد رامز الدرج المؤدي لشقة أمه ولم يكد يتوقف أمام بابها حتى فوجئ بها تفتحه لتجذبه من كفه نحو الداخل فشهق بدهشة هاتفاٌ :
_خير يا حاجة ؟! إيه القفشة الجامدة دي؟!

فتبتسم المرأة بوجه محمر لترمقه بنظرة غريبة لم يفهمها ..
قبل أن تحرك شفتيها المزمومتين يمنة ويسرة بتتابع بهذه الحركة الشهيرة لتهمس له :
_مراتك اتغيرت قوي !

يكتم ضحكته متصنعاً الجدية وهو يحيط كتفيها بذراعه ليهمس لها كمن ينتظر سماع سر خطير :
_إيه اللي حصل؟! أنا راجل شقيان في الشغل طول النهار ..رسيني إيه اللي بيجرا من ورايا !

فتكرر أمه نفس الحركة بشفتيها وهي ترفع رأسها لأعلى لتعاود همسها :
_خبطت عليها من شوية والظاهر افتكرتني انت ..فتحت لي الباب ..و ...ياريتها ما فتحت !

هذه المرة كتم ضحكته بكفه متوقعاً المشهد الذي رأته أمه والذي تستقبله به هانيا كل مساء عقب عودته من عمله ..
لتهتف أمه بمزيج من استنكار وحرج :
_بقا دي اللي كنت بتحايل عليها تلبس بجامة لايقة على بعضها وتسرح شعرها قبل ما انت تيجي ؟! ده أنا كنت في نص هدومي وأنا ..

ضحكته العالية تجلجل في أذنها فتقطع حديثها وهي تلكزه في كتفه هاتفة :
_بتضحك ؟! ارتحت لما بهتت عليها بقلة أدبك ؟! أنا قلتلك تغيرها مش تشقلبها !!

_اهدي بس يا ست الكل واوصفيلي شفتي إيه ..وبالتفصيل لو سمحت ..عشان أنا بحب التفاصيل!!

يقولها بنبرته العابثة فتلكزه في كتفه من جديد وهي تهتف به باستنكار :
_بس بلاش قلة حيا !

_يا حلو انت غيران ! فكرتك بالذي مضى مع الحاج !!
يهتف بها بنفس النبرة وهو يرفع أحد حاجبيه فتغطي المرأة وجهها بكفيها هاتفة بمزيج من استنكار وخجل:
_أنا غلطانة إني بتكلم معاك ! المحترم سافر مع مراته وسابوا لي قليل الحيا !

فيضحك وهو يدغدغها في خاصرتها بخفة هاتفاً :
_وانتِ تستغني عن قلة أدبي برضه يا ست الحبايب؟! ده أنا اللي عامل للبيت حسّ!

_بس يا ولد !
تهتف بها وسط ضحكاتها وهو مستمر في دغدغتها رغماً عنها هاتفاً :
_أبداٌ !! قوليلي الأول شفتي إيه وبالتفصيل!!

تتمالك المرأة ضحكاتها أخيراً وهي تلهث مبتعدة عنه لتجلس على أحد الأرائك ..
لترمقه بنظرة عميقة أخيراً قائلة بحنان جاد :
_ربنا يسعدك يا حبيبي ويهنيكم .

_يعني مش هتقوليلي؟!
يمط بها شفتيه بخيبة مصطنعة لتمصمص شفتيها هاتفة بنبرة عاد إليها مزاحها :
_ياخبر بفلوس بكرة يبقى ببلاش! اطلع شوف بنفسك !

_ربنا يبشرك بالخير يا وش السعد انتِ !
يقولها وهو يحيط وجهها براحتيه ليقبل رأسها بقوة مبالغ فيها فتتأوه لتدفعه باعتراض ..
تراه يندفع للخارج شبه راكض حتى يتعثر في أحد درجات السلم فتهتف به باستنكار مازح:
_على مهلك يا شملول! وبطلوا هبد ورزع!
_ما ننضفش المراتب يعني؟!

يهتف بها ضاحكاً ببراءة مصطنعة فتمتم باستنكار:
_قليل الحيا!
تقولها لتغلق الباب فيتحول استنكارها لضحكة راضية طويلة ..
ثم دعاء رفعت بيه كفيها :
_ربنا يهدي سركم ويرزقكم بالولد الصالح !

وفي شقتهما فتح هو الباب ليغلقه خلفه بسرعة منادياً إياها :
_اظهر وبان عليك الأمان ..أنا لوحدي!

يقولها ملاحظاً جو الشقة بإضاءته الهادئة ووجبته المفضلة التي رصت أطباقها على المائدة ..
لتظهر هي بوجه أحمر خجول من خلف الستارة الجانبية التي أخفت جسدها هاتفة:
_شفت اللي حصل!!

تجلجل ضحكته عالية مع هتافه وهو يتقدم نحوها:
_يافضيحتك يا بسطويسي! أمي شافتك كده !!

يقولها مشيراً لمنامتها الحريرية الحمراء التي تشبه ثوب بحر من قطعتين لتلكزه في كتفه هاتفة :
_اضحك ..اضحك ..ماهو مش انت اللي اتقفشت !!

فيعاود الضحك بصوت أعلى وهو يضمها نحوه ليقبل وجنتيها هامساً بحنان :
_سيبك انتِ! الحاجة زمانها طايرة م الفرحة ..قلبها اطمن ان ابنها هايص ..ده انتِ كنتِ منشفاها علينا يا شيخة !! الستّ كانت قربت تشك إني متجوز واحد صاحبي!!

يخبطها في جبينها بجبهته في عبارته الأخيرة فتضحك بخجل وهي تخفي وجهها في كتفه ..
لكنه يرفع ذقنها نحوه هامساً بعينين لامعتين :
_هتصدقيني لو قلتلك إن أسعد لحظة في حياتي دلوقت بقت لما برجع البيت وألاقيكِ مستنياني ؟! مهما الشغل طلع روحي بصبر نفسي إني هارجع حضنك آخر اليوم !

_وأنا كمان ! بستنى اليوم يخلص عشان أرجعلك .
تقولها وهي تجذبه من كفه نحو مائدة الطعام التي أعدتها هاتفة :
_اغسل إيدك وغير هدومك على ما أكون غرفت الشوربة .
_لسان عصفور؟!
يسألها بمرح لترد بمرح مشابه :
_طلبات سعادتك أوامر .

ضحكاتهما الراضية تتشارك بهناءة طوال تناولهما للطعام تتخللها تعليقاته العابثة التي صارت تردها له بمثلها ..
فيضحك هاتفاً باستمتاع:
_بقيت خلبوص كبير يا دكتور ..الله يرحم بسطويسي وأيامه .

تضحك بدورها وهي تجمع الأطباق الخالية لتعيدها للمطبخ هاتفة :
_من عاشر القوم !

يساعدها في جمع الأطباق ثم يلحق بها نحو المطبخ ليحيط خصرها بكفيه هامساٌ بنبرته العابثة :
_الأكلة الحلوة دي والجو الهايل ده ..والبجامة اللي تجنن دي ..مش ناقصهم غير حاجة واحدة بس!

فتومئ برأسها إيجاباً وهي تميل على أذنه هامسة بنفس النبرة العابثة :
_دور "بلاي ستاشن"!

_أحبك وانت فاهمني!!
يهتف بها مصفقاً بكفيه باستمتاع لتضحك بدورها وهي تحيط خصره بذراعيها من الخلف فتدفعه برفق نحو غرفة المعيشة حيث يلعبان هذه اللعبة التي تنتهي دوماٌ بغير ما ابتدأت !!

يتخذ مجلسه ليفسح لها مكاناً بين ذراعيه فتتناول الذراع البلاستيكي لتبدأ اللعبة قائلة بدلال :
_ركز كويس عشان المرة دي ناوية اغلبك !
_وإيه الجديد ما كل مرة بتغلبيني!
يهمس بها بنبرته العابثة وأنامله تتلاعب بالذراع بدوره محاولاٌ التركيز في الشاشة أمامه ..
ليردف بعينين انشغلتا باللعبة أخيراٌ :
_بس شكلي هاغلبك فعلاً المرة دي!

يقولها بلهجة انتصار وهو يحرز بعض التقدم فتهتف وهي تحاول التركيز بدورها :
_ما تتغرش ..احنا لسه في الأول..أوف!
تصدر صيحة استياء يقابلها هو بصيحة انتصار وهو مستمر في حصاد فوزه عبر الجولات القادمة ..

لتلتفت هي نحوه برأسها أخيراً هامسة :
_هنسميه إيه ؟!

يلتفت نحوها بتشتت وهو لا يفهم ما تحكي عنه ..لتميل بجسدها للخلف ملصقة نفسها به أكثر مردفة بدلال:
_ادعي يطلع ولد ..لو كانت بنت يامن هيا.....آه !

تنقطع كلماتها وهي تراه يدير جسدها نحوه ببعض العنف هاتفاً بصدمة :
_ده بجد واللا بتشتتيني عشان تكسبي؟!
تهز كتفيها بجواب صامت وابتسامتها الغارقة بسعادتها تكفيه فيتأوه بقوة وهو يلقي ما بيده جانباً بعدم اكتراث ليعتصرها بين ذراعيه هاتفاً بفرحة عارمة :
_ياقلبك ! وقاعدة بتلاعبيني كده وسايباني على عمايا من ساعتها!!

_مبروك يا حبيبي!!
تهمس بها وهي تلقي ما بيدها بدورها لتحيط وجهه براحتيها مردفة :
_مبسوط ؟!
_جداً ! لا ..بس ..مش مصدق ..خدتيني على خوانة يا دكتورة !!
يهتف بها بانفعال دافق وهو يميل بها بحرص ليشرف فوقها بجسده فوق الأريكة متلمساً ملامح وجهها بأنامله المرتجفة ..
لتهمس له بتأثر :
_ما كنتش عايزة أبين لك ..بس طول الأيام اللي فاتت كنت بتمناه من ربنا ..فرحانة جداً ..جداً ..يمكن أكتر من فرحتي بالدكتوراة !

فيضحك ضحكة انفعالية عالية وهو يقترب من وجهها هامساً بنبرته التي عاد إليها عبثها :
_طب يعني انتِ فرحانة وأنا فرحان ..الفرعون العاشق يحتفل بقا!!

ترفع سبابتها في وجهه محذرة ومنبهة للوضع الجديد فيخبط وجهه براحته المفرودة وهو يبتعد عنها هاتفاً باستنكار:
_يعني إيه ؟! مفيش "بلاي ستاشن" !! ده أنا أروح فيكم في داهية !!

تعلو ضحكاتها رنانة وهي تنهض مكانها لتهتف بشماتة مرحة :
_افرح بقا بالدور اللي كسبته النهارده ..مين عالم هنلعب تاني امتى؟!

يرمقها ببؤس مصطنع فتهم بتقبيل وجنته لولا أن صدح هاتفها برقم نبيلة فهتفت به وهي تهرول نحو الخارج :
_هافرحهم بقا ..لسه ما عرفتش حد !

_باركيلي يا بيللا ..ربنا يستر وماتبقاش البنت التالتة ..يامن هيعلقنا!!

يسمع صياحها الفرح من الخارج فيبتسم بسعادة وهو لايزال لا يستوعب الخبر ..
يتنهد ببعض الحسرة وهو يرمق أرض الغرفة بغيظ هامساً لنفسه :
_آدي آخرة القر يا أم رامز !! إياكش تكوني مبسوطة لا عاد هيبقى فيه رزع ولا هبد !!
========
أمام الشاليه الخاص بهما في ذاك المكان المنعزل يراقبها يامن بافتتان وقد أجلست يمنى فوق أحد الكراسي على الشاطئ وجوارها هذه الدمية الضخمة بشكل دب كبير ..

"مشمش" آخر اشتراه لها عابد هذه المرة ليبقي على ذكرى والدهما الراحل في حياتهما معاً !

تمسك بيدها آلة الكمان الخاصة بها وتبدأ في العزف مغمضة العينين ..
يبتسم ابتسامة عاشقة وهو يرمقها بهذه النظرة التي لم يعرفها لسواها ..
سيدة الألوان ..التي بدلت بأطيافها سواد عالمه ..
امرأة الفوضى ..التي خرجت بصخبها عن وتيرته المملة ..
عروس البحر ..التي لم تظهر لإنسيّ دونه ..
عذابه وجنته ..
ناره ونوره ..
تعويذته السحرية التي ألقيت على صنمه الحجري لتعيده أميراٌ بمملكة الحب!

عطر ياسمينه الذي فاح وسط صحرائه القاحلة فأدمنه للأبد !

عزفها يحمله لذكرى تلك الليلة التي سمعه فيها لأول مرة ..
عندما تهاوت كل تلك الحصون بينهما ليرتشف رحيق أنوثتها قطرة قطرة ..
ربما لهذا كان يشعر الآن بهذه النيران التي تشتعل في أوردته ..
والتي زادتها ملامحها الهائمة مغمضة العينين توهجاً !!

_ششششش ! نامت !

يهمس بها بحذر وهو يراقب الصغيرة التي انقلبت على ظهرها فبدا الدب الكبير كأنه يحتضنها ..
ربما لهذا دمعت عينا ياسمين وهي تتذكر والدها ..
لقد لقي حتفه وهو في طريقه ليحضر لها مثله ..
لكن القدر عوضها بآخر ..أحضره عابد !!

تحمل الصغيرة بحرص لتتحرك بها نحو البيت حيث وضعتها في فراشها الصغير ..
ولم تكد تخرج من الغرفة حتى وجدته أمامها يحتضن خصرها بكفيه هامساً بعينين متقدتين:
_النهارده كنتِ بتعزفي بضمير قوي!

تتنهد بحرارة وهي تخفي وجهها في صدره هامسة :
_مشهد واحد خلّى عمري كله يدور قدام عينيا ..الدبدوب وبابا وعابد ..الكمانجا وماما ..انت بقميصك الأبيض ..ويمنى بيننا ..عارف إحساسك لما تعيش طول عمرك متبعتر ..كل حتة منك في ناحية ..وفي لحظة تحس إنك خلاص ..اتجمعت في كيان واحد من تاني ..هو ده إحساسي دلوقت!

تهمس بها بصوتها الآسر الذي يبدو له وكأنه لا ينتمي لهذا العالم ..
صوتها الذي يبدو له منطلقاً شديد الحيوية ..كأنما يحمل حماس الدنيا كلها بين حروفه !!

_شكراً عشان وافقت تجيبنا هنا النهارده في الفالانتاين .
تهمس بها بدلال وهي تسحبه من كفه نحو الغرفة المجاورة فيهتف دون وعي وقد غلبته طبيعته الفظة :
_ولا فالانتاين ولا بتاع! ماليش أنا في الشغل ده ..هو يوم نفع اخده أجازة من العيادة فاخدته .

تضحك ضحكة رائقة تشعل خلاياه أكثر وهي تبسط راحتيها فوق صدره هامسة بحروف من عشق:
_برضه هاقوللك ..شكراً يا طيب .

يبتسم لها بتلك الطريقة التي تذيب عظامها لكنها تبتعد خطوة لتغمغم بدلال :
_يعني مش فارق معاك مفاجأتي؟!

_اهه ! نشوف!
يقولها بخشونة ماكرة فتضحك ضحكة عالية وهي تدير ظهره لها قسراً هاتفة :
_خلاص! غمض عينيك وما تبصش غير لما أقوللك !

يفعل مثلما طلبت وابتسامة ترقب كبيرة تحلق فوق شفتيه ..
لايزال سحرها يجد أثرها في نفسه مهما مرت الأيام ..
شمس عذراء تشرق كل يوم ..له وحده !!

_خلاص يا طيب .

يلتفت نحوها لتتسع عيناه بتقدير وهو يميز قميصها الأحمر القصير الذي التصق بنصفها العلوي وانتفش نصفه السفلي القصير بهذا التصميم الذي يناسبها كثيراً ..
وبهذه الشرائط التي تشده من الخلف والتي تعلم هي كم يحبها ..
ربما لأنها تمنحه راحة التملك بعد التشابك !!

تدور حول نفسها ببطء مثير ثم تعطيه ظهرها فينتبه لتوه لرسم الحناء الذي امتد من معصمها مروراً بذراعها وانتهاء بتلك الندبة قاسية الماضي هناك ..حيث رسم هناك شكل القلب الشهير ..

فيتذكر ذاك الموقف بينهما من الماضي ..:


_خسارة إنك ما خلتهمش يرسموا لك دراعك بالحنة في البلد ...كانت هتعمل شغل جامد مع لون بشرتك ده.


يتناول ذراعها ليفرده أمامه ثم يدور على معصمها بسبابته مردفاً بنبرة زاد شغفها:
_تخيلي لو رسمنا هنا وردة كده ...يطلع منها خط طويل كده ...وينتهي بورقة شجر كده ...وكده...وكده...

كان يتحدث بينما يرسم بإصبعه ما يتحدث عنه ...
حتى وصل لأعلى ذراعها وكتفها وبالتحديد عند تلك الندبة هناك ...
والتي استقر عليها إصبعه للحظات قبل أن يهمس بحرارة أكبر:
_وهنا بقى نرسم قلب ...قلب كبير ...محبش غيري ...زي ما بتقولي.



يفيق من نشوة الذكرى على مرآها وهي تتقدم منه كأنما تكمل له ذكراه بهمسها الدافئ:
_ماحبش ولا هيحب حد غيرك .

يتنهد بعمق وهو يسير بإصبعه بتمهل فوق رسم الحناء خاصتها والذي رسمته تماماً كما وصفه لها ذاك اليوم ..
لينتهي بذاك القلب فوق ندبة كتفها من الخلف و الذي استقرت فوقه شفتاه بقبلات عميقة متتابعة وهو يضمها إليه بحرارة هامساً :
_وبتتكلمي عن عيد حب ؟! كل يوم معاك عيد حب .
=======
في مطعمها الذي حمل رمز "الياء" خاصتها بطريقة رسمه المميزة حيث ينثني طرفه ليصنع شكل القلب الشهير وقفت ياسمين جوار يامن الذي خاطب ياسمين بقوله :
_كانت فكرة حلوة إنك تعملي حفلة هنا وتجمعي فيها الكل بمناسبة وصول الشيخ مؤمن !
_فرحانة جداً ..شايف شكلهم حلو ازاي وهم كلهم متجمعين !
تهتف بها بسعادة طاغية وهي تراهم وقد ازدحم بهم المطعم تقريباً ..
المائدة الأولى تشغلها ثمر ،ياقوت ،زين ،رابحة ..
تليها أخرى تشغلها هانيا ورامز..
وأخرى رانيا وأشرف ..
وعلى أخرى داليا ومروان ..
وبين الموائد الثلاث الأخيرة كانت نبيلة تتحرك برشاقة تفوق سنوات عمرها وبفرحة زهو حقيقي ما عادت تخفى على أحد ..

على مائدة في الجانب الأيمن يجلس إسلام وريما فوق ساقيه وجوارهما نشوى ببطنها المنتفخ ..

تجاورهما مائدة سيف الذي عاد في إجازة قصيرة مع غادة وطفلتيهما ..

وعلى مائدة في الجانب الأيسر يجلس رائد مع همسة التي كان وجهها يشع بفرحة حقيقية وهي تلاعب يمنى الصغيرة على حجرها ..
تجاورها مائدة ناصر الذي استقر جوار سها متعانقي الكفين ..


وفي المنتصف كان عابد مع لجين والرضيع الذي أعدت له ياسمين مهداً مميزاً زينته بنفسها بالبالونات السماوية والفضية ..
وقد انبعث من الجوانب صوت إنشاد دون موسيقا تخيرته ياسمين ملائماً لطبيعة عابد ولائقاً بهذه المناسبة ..

_حلوة قوي العقيقة دي ..وأحلى من اللي عملناها ليمنى كمان !
يهمس بها يامن لها برضا وهو يدور بعينيه في المكان حوله لتلتفت له ياسمين هامسة بغموض ماكر:
_مين عالم ؟! مش يمكن عقيقة ياسين تبقى أحلى منهم هم الاتنين؟!

تتسع عيناه بصدمة للحظة قبل أن يضيقهما بتساؤل لكنها تضحك ضحكة عابثة وهي تغمزه هامسة :
_مفيش تصريحات لحد ما الحفلة تخلص ..
ثم مالت عليه مردفة:
_اعتبره عقاب على مكالمة لندن اللي ماقلتليش عليها !

تقولها بعتاب خفيف فيرد بفظاظته المعهودة التي خالطها طيف اعتذاره :
_محسساني كده إنك قفشتيني في شقة مفروشة !! قلتلك ضميري كان واجعني عشان ظلمت سيلين واتصلت بيها أعتذر لها .

ابتسامتها تتأرجح بين عتاب وإشفاق وهي تدرك أن ذنب ابنه الراحل لا يزال يؤرقه ..ربما هذا ما شفع له أخيراً وهي تستجيب للهفة سؤاله :
_قولي بقا !
_أقول إيه ؟!
تهمس بها بدلال عابث وهي تمسد بطنها المسطح فيزمجر هاتفاً بنفس اللهفة المحتدة :
_ياسمين !!
_بتزعق ليه يا "مانّو"؟!
تهتف بها نبيلة خلفهما فيلتفت نحوها هاتفاً بغيظ :
_كام مرة قلت بلاش "مانو" دي!! بقيت شحط كبير معايا بنت وشكل التاني جاي في الطريق!
_بجد !! ياسمين انتِ ؟!!
تهتف بها بحرارة وهي تطوق ياسمين بذراعيها فتضحك الأخيرة هاتفة :
_عشان خاطرك انتِ يا بيللا هاعترف ..ولو اني كنت عايزة أعذبه شوية !!

_مبرووووك يا مانو ..مبروك!!
تهتف بها نبيلة وهي تحيط وجهه بكفيها لتقبل وجنتيه اللتين احمرتا انفعالاً وهو يلاحظ نظرات الجمع له فيكز على أسنانه بغيظ تحول لابتسامة حقيقية كبيرة وهو يعانق أمه بقوة شاعراً بفيض مشاعرها الذي ترجمته حروفها الملهوفة :
_هاروح أفرح البنات !

يراقبها بعينين شبعتين من هذه اللهفة الأمومية التي طالما اشتاقها في سنوات عمره الأولى والآن تغمره كشمس لا يُنكَر ضياؤها ..
قبل أن يلتفت نحو ياسمين فيعانق كفها براحتيه هامساً بعينين لامعتين وبرجفة صوت فضحت حقيقة مشاعره :
_بجد ؟! الفرحة اللي حاسسها دلوقت دي بجد ؟!
تدمع عيناها بتأثر وهي تهز له رأسها لتفاجأ به على غير عادت يتناسى تحفظه و يعانقها!!
يعانقها وسط كل هذا الحضور!!!

تكتم آهة انفعالها في صدره المقابل لها والذي كان الآن يكاد ينتفض بصدى دقاته مع همسه المنفعل:
_المرة دي هاعيشه معاكِ يوم بيوم ..ساعة بساعة ..مش هتفوتني أي تفاصيل!

تبتسم وسط خيط من الدموع وهي تستعيد ذكرى حملها الأول مدركةً ما يعنيه بكلماته هذه ..
لكنها ترفع وجهها نحوه أخيراً لتضحك ضحكة انفعالية ناسبت قولها :
_مفيش فايدة ..يامن حمدي يعني هوس التفاصيل!!
_دي مش أي تفاصيل!! دي ..حكايتنا و ..عمرنا!
يهمس بها بنفس الانفعال فيلتقي "نهرا العسل" في العيون بصفاء متجانس ..
قبل أن ينتبه لنظرات الناس حولهما وضحكة مروان التي وصلته عبر هذا البعد ليفلتها من ذراعيه هامساً لها بنبرة عادت إليها فظاظتها العصبية :
_اتفضلي! آدي آخرة تصرفاتك! مش كنتِ تقوليلي في بيتنا بدل الفضايح دي!!

تضحك ضحكة رائقة وهي تتأبط ذراعه لتقاطعها مساعدتها التي تقدمت منها هاتفة بفرحة :
_شفتي الخبر الحلو ده ؟!
تقولها مشيرة لشاشة هاتفها فتنظر نحوها ياسمين لتلتمع عيناها بفرحة هاتفة :
_واااااو!!! شفت يا يامن ؟! هاشتاج "سينابون تجمعنا" بقى تريند واحد على تويتر !! المطعم بقى أشهر من نار على علم !

يرمقها بنظرة متسائلة فترد وسط ضحكات فرحتها :
_ده هاشتاج طلعته زبونة سكر عندي فلسطينية اسمها مرام من يومين ..معجبة جداٌ بالسينابون بتاعنا ..ماكنتش متوقعة إنه يوصل للرقم ده في الوقت القصير ده .

فيمط شفتيه مع رفعة أحد حاجبيه ليقول:
_واشمعنا مطعم سينابون يعني؟! خللي مرام دي تعمللنا هاشتاج للمطعم ده كمان !

_لا يا طيب!! سينابون الأصل!
_بقا كده ؟!
_معلش بقا! "بزنس إز بزنس"!
تهتف بها بمرح فيضحك وهو يجاريها المزاح فخوراً بإنجازاتهما ..

وعلى مائدته التي يجلس فوقها وحيداً ينهي سامر طعامه ليتفحص الوجوه المتباينة حوله بغبطة ..
يناظر فرحة عابد وامرأته بالرضيع وانشغالهما بالتقاط الصور فيبتسم ابتسامة باهتة وهو يتذكر شجاراته شبه اليومية مع أمه لأجل شأن الزواج هذا ..
لا ينكر أنها تحضر له فتيات أكثر من لائقات لكن كيف يفعلها وهو لايزال لا يفهم نفسه !!
جزء منه يشعر أنه فقد بعض روحه مع ريتال بسفرها ..لكنه لا ينكر سعادته لأجل رضاها -الظاهر- هناك ..
وجزء آخر غريب متمرد لايزال يرى في نجلاء شعلة متوهجة لعاطفة لا يمكنه تفسيرها رغم مضي كل هذه الأشهر على لقائه الأخير بها ..
هل يمكنه القول أن صورة ريتال ونجلاء تتماوجان داخل عقله بانسيابية ناعمة ..تمتزجان ..تنصهران ..فلا يكاد يميز إحداهما من الأخرى ..
رغم الفارق الشاسع بين الشخصيتين ..تبقى "العروس البلاستيكية" أيقونة مشتركة بينهما ..
والعجيب أن صورة سها القديمة توارت تماماً منذ يقينه أنها لم تكن سوى وهم صاغه خياله !!
تبا!
يبدو أنه مريض بالتعلق بما ليس له ..لا يمكنه وصف نفسه الآن سوى بهذا !!

يتنهد بعمق وهو يتناول هاتفه ليتفحص الحساب الخاص بريتال ..آخر مشاركة منها كانت منذ أيام تقارب الشهر ..

_تجري الرياح كما تجري سفينتنا ..نحن الرياح ونحن البحر والسفن !

يبتسم بعينين دامعتين وهو يفتقد روحها المقاتلة هذه ..
عساها تكون راضية بهذا المجتمع الجديد الذي هربت إليه من كل ما كرهته في هذا الوطن !

يترك لها تعليقاً محايداً لا ينتظر له رداً ليفاجأ برسالة تصله من رقم غريب ..

_دكتور سامر ..إزيك ؟!

يتفحص الصورة المرافقة لمرسلها فتتسع عيناه بمزيج من دهشة وسعادة خفية لم يدرِ مصدرها ..
خاصة وهو يراها تحتضن إحدى عرائسه التي كان قد أهداها لها يوماً في رحلة علاجها معه ..
أجل ..نجلاء!!

تزيغ عيناه قليلاً و"الصورتان" تتشوشان في عقله من جديد فلا يدري حقيقةً أي امرأة يراها ..
هي ..أم ريتال؟!!

_آسفة لو بزعجك ..بس ..لقيت بروفايلك صدفة ..وكنت ..

كلماتها تتقطع واشية بارتباكها فتتشنج أنامله وهو يشعر بالصراع مع وجه مهنيته ..
كل ذرة تعقل بداخله تناشده ألا يعطيها أملاً خاصة وهو يستشعر ميلها العاطفي نحوه ..
هذا الميل الذي لا يدري إن كان يشاركها فيه أم أنه فقط يتوهم !!

ربما لهذا آثر عدم الرد على رسالتها مغلقاً على نفسه وعليها هذا الباب !

_أما نشوف آخرتها يا "ملطشة القلوب"!
يهمس بها لنفسه ساخراً وهو يضع هاتفه في جيبه بحركة عصبية ومسدلاً ستاره على هذه الحيرة التي تبدو وكأنها لا تنتهي !


وعلى المائدة المجاورة له جلست جيلان وهيثم الذي بدا شارداً مشتتاً كعهده مؤخراً حيث وضعت الأولى كفها فوق كفه قائلة بحنان :
_وبعدين في السرحان ده ؟! مش قلنا بكرة هيبقى أحلى؟! حد يبقى مسافر بكره اسطنبول ومكشر كده ؟!

_سيبيه يا هانم ! بكره برقوق اسطنبول ينسيه اسمه !
يهتف بها إسلام خلفهما لتلتفت نحوه بابتسامة واسعة قائلة بلهجتها الأرستقراطية :
_سيب أخوك في حاله ..هو مالوش في الحاجات دي !

_قوليله يا طنط ! هو فاكر الناس كلها زيه !
تقولها نشوى بنبرة متوعدة وقد استمعت لعبارته ليلتفت إسلام نحوها هاتفاً بخوف مصطنع:
_اوبا!! كبسة !!
_ماله بقا برقوق مصر يا هندسة ؟!
تقولها بنفس النبرة المهددة فيرفع راحتيه في وجهها هاتفاً بمقطع من أغنية شهيرة :
_وعهد الله سكر محلي محطوط على كريمة ! هو فيه أحلى من كده ؟!

كلماته تنتهي بغمزته الحبيبة فتضحك ضحكة رائقة وهي تجده يحتضن كفها بحنو ..ليعاود التفاته نحو هيثم قائلاً بجدية هذه المرة :
_جهزت كل حاجة عشان السفر؟! بكرة تسافروا بالسلامة مع سيف وغادة ..عمو علاء هناك محضر كل حاجة ..ممكن تستلم شغلك من أول الشهر .

يرفع له هيثم ملامح ممتنة لم تخلُ من رواسب حزن قديم ..
يعلم أن الظروف تمنحه يداٌ تنتشله من الغرق في فرصة نادرة لا تتاح بسهولة ..
لكن ماذا عساه يصنع بهذه الندبة التي يظنها لن تبرأ في قلبه أبداٌ ؟!
من يدري؟!
لعل العلاج في البعد كما يزعمون!!
لعله يجد في المنفى وطناٌ!!

_فين ريما؟!
يسألها إسلام باهتمام لتشير بسبابتها لمائدة ما هناك دون أن تلتفت بعينيها عنه ليبتسم وهو يربت على كفها ..
قبل أن يتركهم ليتوجه نحو "صغيرته" التي كانت واقفة بين ناصر وسها تهتف للأول بفرحة عارمة :
_مبسوطة قوي عشان خفيت ..كنت بدعيلك يا بطلي!

فيضحك ناصر وهو يقبّل وجنتها بخفة ليداعب شعرها بأنامله قائلاٌ :
_عشان كده خفيت بسرعة !
_وكنت بدعيلك كمان ترجعي بسرعة عشان نعمل "آيس كريم" سوا تاني .
تخاطب بها سها التي ضحكت بحنان وهي تحمل الصغيرة لتجلسها فوق ركبتيها قائلة :
_بس كده ؟! تعالي بكرة ونعمل كتير ..وكمان أوريكِ اللعبة اللي جبتهالك ..هاعلمك نعمل بيها "أكسسوريز" حلوة ليكِ ولعرايسك .

_عارفاها! اللي فيها خرز كتير ملون دي ..شفتها عند صاحبتي وكنت عايزة زيها!
تهتف بها ريما بانبهار طفولي ليرد إسلام خلفها:
_وماقلتليش ليه ؟!
_صعبت عليا تصرف فلوس كتير ..ياعسل!
_يا سلاااام! بتفكريني بواحدة أعرفها! نفس جينات "عم دهب" دي كده !
يقولها إسلام مختلساٌ نظرة جانبية نحو ياقوت الجالسة بعيداٌ وقد انخرطت مع لجين في حديث جانبي ..
ليضحك ناصر باستمتاع قائلاٌ:
_تربيتك واضحة ..بشبه أنا على "يا عسل" والغمزة دي !
_امال! ولسه !!
يهتف بها إسلام بمرح وهو يحمل ريما فجأة ليجلسها فوق كتفيه فتتمايل الصغيرة بحركة راقصة شديدة الليونة تجعلهم يرمقونها بانبهار ..
قبل أن يضعها إسلام أرضاٌ ليفتح ذراعيه قائلاً بفخر:
_آخر عروض فرقة إسلام وريما المسرحية !
تتعالى ضحكاتهم معاً ليلتفت نحوهم أشرف الجالس على مائدته مع رانيا الحاملة لصغيرتها ..
والتي تميل عليه هامسة :
_مين يصدق بعد كل ده حكاية نشوى وناصر وإسلام تخلص كده ؟!
فيبتسم وهو يقول بتعقله المتسامح:
_ومين يصدق إن إسلام نفسه يقبل وجود الحاجة ثمر وبناتها في حياته بعد اللي حصل ؟! أو اننا نقبل وجوده في حياتنا وهو ابن حسين رجائي ؟! كل حقيقة في الدنيا ليها وشين ..والعاقل اللي ياخد الوش الحلو ويرمي الوحش وراه .

_عشان كده بحبك !
تهمس بها بهيام وهي تسند رأسها على كتفه فتتسع ابتسامته وهو يقبل رأسها بتقدير هامساً :
_ماينفعش نطلب من الناس تسامحنا لو كنا احنا نفسنا مش هنقدر نسامح .

تهز رأسها موافقة ثم تضحك وهي تشير برأسها نحو نبيلة التي وقفت تضاحك داليا وهانيا هناك ..لتقول بمرح:
_كلنا فرحانين قوي عشان يامن ..يارب يطلع ولد ..أصله ياحرام من ساعة ما عرف إن هانيا كمان حامل في بنت وهو هيطقّ من جمهورية التاء المربوطة اللي حواليه دي!

يضحك بدوره وهو يلتفت لتصطدم نظراته بإسلام الذي يحمل ريما ويتحرك بها نحو سيف الجالس هناك فيقول برضا:
_إسلام مهتم بريما بزيادة من ساعة حمل نشوى .
_هو ده الصح ..عشان البنت ما تغيرش ..إسلام ده هدية الدنيا لنشوى ..هدية تستاهلها بجد .

يهز رأسه موافقاً وهو يرمق إسلام بنظرة إعجاب طويلة ..
إسلام الذي كان الآن ينزل ريما أرضاً أمام سيف الذي حمل أحد الرضيعتين ..بينما حملت غادة الأخرى ليخاطب ريما بقوله :
_ياللا ..زي مسابقات مجلات الكرتون ..طلعي سبع اختلافات بين الصورتين!

تضحك غادة ضحكتها الكارثية فيرمقها سيف بنظرة محذرة بينما يبتسم ليخاطب صديقه بقوله :
_مش قوي كده على فكرة ..بعرف أفرق بينهم ..وعمك علاء و"أنّا" كمان ..انت بس اللي مستجد !
_مممممم..الظاهر إن الواحد بقا "شيش بيش" فعلاً ..أنا شايفهم نسختين !
يقولها إسلام بمرحه المعهود لتهتف ريما بلهجة انتصار :
_لا فيه فرق ..النونو دي بقها أكبر ..وعندها "واوا" هنا!

تقولها مشيرة لوحمة وردية شاحبة متناهية الصغر زينت جبهة أحد الرضيعتين ليهتف إسلام بانبهار:
_يا أروبة ..شفتيها إزاي دي؟!
ثم يقبل وجنتها بقوة ليرفعها بين ذراعيه في الهواء فجأة مردفاً :
_تربيتي!

يضحك سيف برضا وهو يميز السعادة الخالصة التي يحسها في نظرات صديقه والتي يظنه يستحقها بعد كل ما ناله في ماضيه ..
نفس الشعور الذي انتاب إسلام وهو يرمق الرضيعتين بنظرة طويلة ..
صديقه الذي عاش سنوات مقيداً بأغلال ذنب فقده لحبيبته وابنته ..الآن ترسم فرشاة القدر له العوض بحبيبة أخرى وابنتين لا ابنة واحدة ..
كذلك غادة التي عاشت عمرها السابق تفتقد الأهل والسند ..
الآن ترسم لها نفس الفرشاة القدرية لوحة كاملة من السعادة ..
فما أجمل الجبر الجميل بعد طول كسر!!

_باربي!
تهتف بها همسة على مائدتها وهي تلاعب يمنى الصغيرة التي كانت تضحك لها فتقبلها الأولى مردفة بحنان :
_كبرتِ خالص ..
ثم تنظر نحو رائد لتردف بنظرة شاردة :
_بقت بتمشي .. أول مرة شلتها بين ايديا كانت لسه مولودة ..يااااه ..فاكرة اليوم كأنه لسه امبارح .

يبتسم لها بإشفاق وهو يربت على رأس الصغيرة وقد تذكر بدوره ذاك الحادث الذي كان -رغم صعوبته- ذروة الانفراجة للجميع ..

_نفسي يبقى عندنا "بيبي" حلو زيها ..تفتكر هانفع أبقى أم ؟!

تقولها بتردد وهي تخشى آثار مرضها القديم لكنه يميل نحوها ليحتضن كفها بين راحتيه هامساٌ بنبرته التي تمزج قوتها بحنانها :
_هتبقي أحسن أم في الدنيا ..صدقيني وأنا في السن ده عمري ما حسيت الإحساس ده غير معاكِ انتِ وبس!

تدمع عيناها بتأثر وهي تدرك ما يعنيه ..
رغم تحفظه عن الحديث في الأمر بعدما أخبرها بما فعلته أمه قبل وفاتها لكنها تعلم أنه سيبقى غصة في قلبه طوال عمره ..

_انت كمان هتبقى أحسن أب في الدنيا .
تقولها ببراءتها المعهودة القادرة على إذابة همومه كلها فيبتسم وهو يلاعب الصغيرة فوق ساقيها للحظات ..
قبل أن يلتفت نحو زين الذي يجلس على المائدة المجاورة وقد انخرط في الحديث مع ياقوت فبدا منشغلاً بها عن كل الحضور ..
ليقول بنبرة راضية :
_خدتِ بالك زين اتغير ازاي بعد حمل ياقوت؟!
فتصدر همهمة موافقة وهي تنظر نحوهما بدورها لتجيبه بحنان:
_حساه بقا مطمن أكتر ..مرتاح ..عينيه بتضحك قبل شفايفه ..
ثم تصمت لحظة لترفع وجهها نحو الأعلى مردفة بنبرة دعاء:
_عقبالي يارب!

تتسع ابتسامته وهو يشاركها نفس الدعاء بينما يلاعب الصغيرة لتبدو له ضحكتها بعدها كبشرى بالقبول ..

وفي مكانهما كانت ياقوت ترقب لجين وثمر بنظرة حانية لتخاطب زين بقولها :
_كنت خايفة على ستي ثمر من السفر ..بس يظهر الفرحة بتقوي القلب فعلاً زي ما بيقولوا.

فيضحك وهو يضمها نحوه بذراعه بهذه الحركة التملكية ..لتلتفت نحوه مردفة بحب:
_الحفلة دي شوقتني لزين الصغير ..مش قادرة أصبر لحد ما أشيله بين ايديا .

تقولها وهي تمسد بطنها فيبتسم وهو يهمس لها بنبرته التي تمزج عاطفته بهيمنته :
_يشرف هو بس وأعملله حفلة تحكي عنها مصر كلها !

تتنهد بارتياح وهي تأنس لدفء عناقه لتشبك أناملها بأنامله بحركة موحية فتتسع ابتسامته وهو يضمها نحوه أكثر ..

وفي مكانها كانت لجين تهدهد الرضيع الباكي بين ذراعيها ليهتف بها عابد وهو يتناوله منها :
_دعيه لي .
تبتسم بتعجب وهي ترى بكاء الرضيع يهدأ رويداً رويداً بين ذراعي عابد الذي كان يتمتم في أذنه بما لم تسمعه ..
ولا تدري هل كان يهيأ إليها أم أن الرضيع حقاً صار يبتسم!

_سبحان الله !
تهتف بها أم عابد وهي تلاحظ بدورها ما حدث لتردف بحنان :
_انت برضه وانت صغير ماكنتش بتسكت كده إلا في حضن باباك ..الله يرحمه .

يبتسم عابد ببعض الشجن وهو يدعو بالرحمة لأبيه بينما تلاعب أمه الرضيع لتهتف بعفوية :
_شبه لجين قوي ..زي القمر .

فتبتسم لجين بفرحة وهذا المعنى الذي لمسته يزيد من ثقتها المستحدثة بنفسها ..
لقد صار اسمها بين الناس يقترن بالجمال ..أخيراٌ!!

_مش كان أصول جوزك يعزم صاحبه يفرح بالولد ؟!
تهمس بها رابحة في أذن لجين التي حمدت ارتداءها للنقاب تداري به ضحكتها وهي تلتفت نحوها لتهمس لها بعتاب مرح:
_مفيش فايدة فيكِ!
_الحق عليّ بقول على الأصول!
تهتف بها رابحة بتذمر فتلكزها لجين في خاصرتها لتنسحب الأخيرة بعيداً وهي تتمتم بسخط :
_كنت مستنياه ! ولابسة الحتة اللي ع الحبل!!

تقولها وهي تخرج هاتفها من جيبها لتلتقط لنفسها صورة بحكم هوسها المعهود ..أتبعتها بعدة صور للحضور ..
ولما شعرت بالملل وجدت نفسها تفتح حساب الصالح الالكتروني لتطالع آخر منشوراته ..
منشور جديد له يطلب من أصدقائه الدعاء لأنه أصيب بنزلة البرد ..
فتضحك في نفسها وهي تهمس له بهيام كأنه يسمعها:
_الف سلامة عليك ..مش كنت اتجوزتني كان زماني بسلقلك فرخة واللا بعصر لك شوية برتقان !!
ثم تتنهد بالمزيد من الهيام مردفة :
_مسير الحي يتلاقى يا "حبعمري"!!



_سبحان من إذا أعطى أدهش بالعطاء!
تتمتم بها ثمر لنفسها وهي تراقبهم من بعيد بعينين فائضتين بالرضا ..
لا تزال توقن أن الصبر الجميل لن يرد إلا بعِوض أجمل !!
وأن المِحن تحمل في قلبها المنح !!
وأن المعطي الكريم يرزق من لا حيلة له حتى يتعجب أصحاب الحيل!!
فسبحان من هذه حكمته ..وهذا عطاؤه !!

وفي مكانه وقف مروان يربت على كتف يامن هاتفاً بمرح:
_مبروك يا أبو اليمن !
_لا اتقل كده وما تباركش دلوقت! هاخد صدمة عمري لو طلعت تاء مربوطة تانية !
يقولها يامن بمسكنة مصطنعة ليهتف رامز جواره بمرح:
_كان بودي أخفف عنك يا أبو نسب ..بس وقع المحظور !

فتغطي هانيا وجهها بكفيها هاتفة :
_ماسورة بنات وضربت في العيلة !
_الحمد لله ! نصيبي وقسمتي!! اللهم لا اعتراض !
يهتف بها يامن بنفس المسكنة المصطنعة لتتعالى ضحكاتهم بينما يبحث مروان حوله متسائلاً :
_فين داليا؟!

والجواب يأتيه أسرع مما توقع وهو يراها تتوسط قاعة المطعم تصفق بكفيها بقوة لتجذب نظر الحضور الذين صمتوا فجأة ليلتفتوا نحوها ..
فتنحنحت لتجلي صوتها ثم هتفت بصوتها الجهوري:
_بالمناسبة الحلوة دي ..مروان هيغنيلنا اغنية للذكرى بصوته الجميل ..ومن غير موسيقا .
تقول عبارتها الأخيرة ملوحة بسبابتها مشيرة لتحفظ عابد الذي أطرق بوجهه بابتسامة متسامحة ..

ليحمر وجه مروان خجلاً وغيظاٌ فيما يقهقه يامن ضاحكاً ليميل عليه هامساً بعبارته المعهودة :
_والله يا واد وعرفت تنقي! ..قابل يا عم ..قابل!

يزم مروان شفتيه وهو يشعر بنظرات الحضور تتمركز حوله فتصفق داليا مكانها ليقلدها الجميع ..
ولا يجد بداً من الاستجابة !!

_حسابنا بعدين !
يهمس بها في أذنها بعدما اقترب منها لترمقه بنظرة اعتذار مشاكسة فيردف بنفس الهمس الخفيض:
_محرومة أسبوع من صباحات العاشق المجهول!
تضحك ضحكتها الحيوية وهي تهمس له بدورها قبل أن تبتعد لتفسح له المكان :
_مش هاهون عليك !

يبتسم رغماً عنه وهو يراقب انصرافها بنظراته العاشقة لينتبه لتوه للمأزق الذي هو فيه ..
أي أغنية سيختار؟!

والكلمات تقفز لذهنه فجأة كأنها تليق تماماً بهذا الجمع الذين كتبت قصصهم نهاية صراع بين نشوة الحب وقسوة الماضي ..


لسه في الأيام أمل مستنيينه
طول ما في الأيام في ناس عايشين عشانها
لسه للأحلام بقية مكملينها
طول ما في احساس قلوبنا مصدقينه


لسه في الأيام أمل مستنيينه
طول ما في قدامنا سكة يتمشيلها
واما تنزل دمعة لاقيين ناس تشيلها
طول ما لسه العمر بيصالح سنينه!


صوته العذب يصدح بها فيرسم البسمة على الوجوه ..
والمعاني تصطدم صدفة بحكايا القلوب ..

طول ما لسه في ناس بنتدفى بحنانها
والحاجات الحلوة واخدين بالنا منها
وحكايات الحب لسه بنقرا عنها
طول ما لسه الليل في عشاق سهرانينه



لو في اوقات عدوا بخسارة علينا
لو في ناس حوالينا بسببها اتأذينا
لو في لمحة حزن متشافة ف عنينا
باللي بينا كل دا مستحملينه.

كفوف العاشقين تتشابك ..
والنظرات تلتقي فاضحة عشقاً ليس له نهاية ..
دقات القلوب لا تزال تتراقص على صدى الكلمات ..
والابتسامة الهانئة هي القاسم المشترك فوق الملامح المتباينة ..

لسه في الايام امل مستنيينه
طول ما اسمك كل يوم بنطق حروفه
وطول ما بكره مسيري على حسك هشوفه
طول ما انا طريقي عنيك منورينه

طول ما لسه في ناس بنتدفى بحنانها
والحاجات الحلوة واخدين بالنا منها
وحكايات الحب لسه بنقرا عنها
طول ما لسه الليل في عشاق سهرانينه
لسه في الأيام أمل مستنيينه
=======
تمت

أو ربما لم تتم !!
هذه الحكايات هي صوت البيوت ..ونبض الشوارع ..
همسات القلوب الراضية بعد طول صرخات الصخب ..
ولذة الجبر الذي جاء بعد طول كسر ..
هي تنهيدة ارتياح ..ونقطة فرح وضعت أخيراً في منتهى سطر حزن طويل .
ومثل هذه الحكايات لا تنتهي ..ولا يكون لها أن تنتهي !!
سينابون ..هكذا نحن ..مزيج من مذاق القرفة اللاذع و"الصوص" الحلو ..والعجين المتخمر بماء الماضي !
٢٠١٨ بدأت كتابتها فبراير
٢٠٢٠وختمت فبراير

نرمين نحمدالله








هذه الرواية تضمنت بعض الأحداث الحقيقية التي عاصرها المجتمع المصري في نفس فترة كتابة الأحداث مثل حادث محطة القطار وبعض حالات الانتحار والحوادث الفردية..برجاء الدعاء للضحايا بالرحمة ولأهلهم بالصبر ...
كذلك تضمنت الرواية بعض المواقف الكوميدية المنتشرة على التواصل الاجتماعي لإكساب الأحداث المزيد من الواقعية ..







إهداء

إلى رجل يساوي كل العالم
إلى رجل دللني كابنته ..
وتعلق بي كأمه ..
واحترمني كمعلمته ..
وأحبني كامرأته ..
إلى رجل يستحق أن يقال عليه .."رجل"!
=======




اهداء خاص
====
إلى روح أمي وجدتيّ من استلهمت منهن شخصية ثمر ..
رحمكن الله جميعاً عسى الله أن يجمعنا في جنته دون سابقة عذاب أو مناقشة حساب .



سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 12:41 AM   #1264

Iremy

? العضوٌ??? » 386271
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 45
?  نُقآطِيْ » Iremy is on a distinguished road
افتراضي

يعطيكِ العافية على مجهودك روايات ولا اروع

Iremy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 08:00 AM   #1265

aroog...

? العضوٌ??? » 336687
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 826
?  نُقآطِيْ » aroog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond reputearoog... has a reputation beyond repute
افتراضي

روووعه الف شكر لك

aroog... غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 07:08 PM   #1266

Lubna Abd

? العضوٌ??? » 463294
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 37
?  نُقآطِيْ » Lubna Abd is on a distinguished road
افتراضي

جميلههههه كتيرررررر يسلمووووو

Lubna Abd غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 09:55 PM   #1267

hopehopa

? العضوٌ??? » 28485
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 2,044
?  نُقآطِيْ » hopehopa is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

hopehopa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 11:06 AM   #1268

kokoaia
 
الصورة الرمزية kokoaia

? العضوٌ??? » 410571
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 163
?  مُ?إني » المنصورة_الدقهلية
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » kokoaia is on a distinguished road
افتراضي

رووووووووعة ♥️💞😍

kokoaia غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-04-20, 05:50 PM   #1269

hebabob
 
الصورة الرمزية hebabob

? العضوٌ??? » 438225
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 13
?  نُقآطِيْ » hebabob is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايددددك جميلة 😍

hebabob غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-20, 07:18 PM   #1270

سليمة بشيني

? العضوٌ??? » 434931
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 126
?  نُقآطِيْ » سليمة بشيني is on a distinguished road
افتراضي نرمين نحمدالله

السلام عليكمممممممم

سليمة بشيني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:40 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.