آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          سارية في البلاط الملكي * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : هديرر - )           »          نساء من هذا الزمان / للكاتبة سهر الليالي 84 ، مكتمله (الكاتـب : أناناسة - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          قبل الوداع ارجوك.. لاتذكريني ! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          السر الغامض (9) للكاتبة: Diana Hamilton *كاملة+روابط* (الكاتـب : بحر الندى - )           »          عشقكَِ عاصمةُ ضباب * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-04-19, 02:51 AM   #721

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نرمين نحمدالله مشاهدة المشاركة
السلام عليكن
بعتذر عن فصل النهاردة حبايبي
وفي معاده الخميس الجاي باذن الله

وعليكم السلام ورحمة الله

ولا يهمك ياحبيبتى كان الله فى عونك
فى انتظارك ان شاء الله




ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 25-04-19, 01:42 PM   #722

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم

موعدنا الليلة باذن الله مع القطعة الخامسة عشرة من

سينابون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-04-19, 09:08 PM   #723

مها هشام.
 
الصورة الرمزية مها هشام.

? العضوٌ??? » 367308
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » مها هشام. is on a distinguished road
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسجيل حضووووور😍😄😄😄

مها هشام. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-04-19, 10:00 PM   #724

د. شيمو2

? العضوٌ??? » 420113
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 142
?  نُقآطِيْ » د. شيمو2 is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضوووووور

د. شيمو2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-04-19, 10:08 PM   #725

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة الخامسة عشرة
=========

اشتعل الغضب في عينيه وهو يتابع المشهد مصدوماً ....
سارقة؟!!
حفيدة المرأة الصالحة سارقة !!
كان قد حضر لاستفتاء الشيخ في بعض أموره ليسترعي انتباهه في البداية -عبر النافذة -مشهد لجين الجالسة وحدها بملامح واجمة استجلبت شفقته ...
قبل أن يفاجأ بالفاجعة !!!

بريئة المظهر هذه تسرق الشيخ!!

كز على أسنانه بغضب وهو لا يدري كيف يتصرف لتتسع عيناه أكثر وهو يراها تمسح دموعاً تهطل على وجنتيها بحرقة فضحتها ملامحها البائسة !

_عابد ...أنا هنا!

نداء الشيخ من بعيد في ركنه المخصص بحديقة البيت ينتزعه من شرود أفكاره ليتنحنح بحرج وهو يتحرك نحوه بخطوات مهرولة ...

كان الشيخ جالساً فيما يسمونه "تعريشة" خشبية واسعة جعلها محلاً لجلسات ورده اليومي من القرآن
أو
لاستقبال من يريد أن يستفتيه من أهل البلدة ...
ولم يكد يرى ملامح عابد المتجهمة حتى وضع مصحفه جانباً برفق ليسأله بقلق :
_مالك ؟!


تردد عابد قليلاً بينما يفكر ...
هل يستر فعلتها أم يفضحها كي يأخذ الشيخ وأهل بيته حذرهم منها ؟!
لو كانت مجرد سارقة فلماذا كانت تبكي بهذه الحرقة بعدما فعلتها ؟!
حتى ولو كانت محتاجة للمال لماذا لم تستقرض الشيخ بدلاً من سرقته ؟!

لا!
لن تأخذه بها رأفة في دين الله !
لو تهاون هذه المرة فربما تسرق ما هو أعظم !!
لهذا انفرجت شفتاه وهو على وشك البوح بما رآه لكنه لا يدري أي إلهام قذف ذاك المشهد في خاطره ...

مشهده هو عقب وفاة والده وكأس الخمر في يده بينما أحد الغواني تهم بعناقه !
هذا المشهد الذي أنقذه منه "الصالح" وقتها ليعتبره وقتها طوق نجاة وتذكرة لقلب ضل الطريق!!

هذا الذي جعله يعاود إطباق شفتيه بعزم وقد اتخذ قراره بالستر عليها !!
ربما لو عاملها بمنطقه المتشدد القديم لما رضي بأقل من أن تقطع يدها ...
لكنه الآن صار يدرك ما يتعدى "ظاهر" التشريع ليهتم أكثر ب"باطنه"!
لهذا تجاهل الأمر عمداً ليسأل الشيخ في مسألة فقهية كانت تقلقه من فترة وكأنما هي سبب حضوره ...
أشار له الشيخ بالجلوس جواره وهو يستفيض في شرح مسألته لكن ذهن عابد كان منشغلاً بتلك "السارقة الباكية " التي عجز أن يزيحها عن خاطره ...
مزيج متوازن عجيب من الشفقة ،الفضول ،والازدراء يجتاحه نحوها فلا يدري كيف يصف شعوره ...
لكن ...
هل يجرؤ على جلدها بالذنب وهو الذي جرب فتنة الزلل؟!

_السلام عليكم .
صوتها المرتبك ينتزعه من شروده ليلتفت نحوها بدهشة وكأنما قفزت من أفكاره ...
بينما ازداد ارتباكها وهي تميز وجوده فتردف بخجل :
_كنت فاكراك لوحدك يا شيخنا ...هاجي وقت تاني .

لكن عابد هب واقفاً مكانه ليطرق برأسه مخاطباً شيخه بقوله :
_سآتي أنا في وقت لاحق ...عذراً يا شيخنا .

أشار له الشيخ موافقاً ليتحرك هو مغادراً وقد عجز أن يرفع بصره نحوها من جديد ...
لكن رغبة ملحّة بصدره جعلته يقدم على فعل شيئ لم يتصور نفسه يوماً بفاعله ...
لقد دار حول "التعريشة" ليقف في ركن خفي يستمع لما جاءت لأجله "تلك السارقة الباكية"...
ضميره يخزه للحظات مذكراً إياه بخطإ ما يفعله لكنه يبرره لنفسه برغبته في حماية الشيخ وأهله من تلك المرأة لو ثبتت عليها تهمتها ...

لهذا أرهف سمعه يستمع ...

بينما كانت لجين هناك جالسة قبالة الشيخ رابطة الجأش للحظات قبل أن تغلبها دموعها التي عادت تنهمر من جديد والتي فسرها الشيخ بقلقها على ثمر فمضى يدعو لها بتفريج كربها ...

لكن لجين مسحت دموعها لتخفي وجهها في وشاحها خزياً مع قولها :
_هسألك على حاجة ياشيخنا بس عهد الله بيننا ما تفضح سري لأي مخلوق ...أنا ما اتسجرتش أقوللك لولا خوفي إن ربنا يكون بيعاقبني في ستي ثمر ...ويكون اللي حصللها ده ذنبي أنا !

رمقها الشيخ بنظرة قلقة متوجسة لكنه منحها وعده فرفعت رأسها من جديد نحوه قبل أن تقوم من مكانها لتضع "فردة الحلق" المسروقة في كفه إزاء نظراته المندهشة ....

_أنا حرامية ...سرقت ده من عندكم .

تقولها بين سيل دموعها الذي لم ينقطع ليحوقل الشيخ بصوت مرتفع ...
قبل أن يردف بنبرة خبيرة :
_اقعدي واتكلمي يا بنتي ...الموضوع شكله غير ما هو باين .

فعادت للجلوس مكانها لتخبره عن "مرضها" بحروف باكية ...
عن هذا الإحساس الغريب الذي يتملكها ب"نشوة" السرقة والذي يتحول لشعور رهيب بالخزي بعدها
فلا تشعر إلا وهي تتخلص مما سرقته ...
عن مفاجأة ياقوت بالأمر وعن الطبيبة التي بدأت
بعلاجها لكن الجلسات انقطعت بمصابهم في ثمر ...
وعن خوفها أن تكون نكبتهم الآن عقاباً من الله لها على ذنبها !!

ظل الشيخ يستمع لها صابراً لدقائق طالت قبل أن يستغفر الله جهراً لترقّ لهجته بقوله :
_الله سبحانه وتعالى أرحم بنا من أنفسنا ...إذا كان ده مرض زي ما بتقولي فليس عليكِ حرج ...الابتلاء مش عقاب ...الابتلاء للّي يفهمه منحة من ربنا عشان نرجع له بعد ما شردنا ...فاطمني يا بنتي وشيلي الوساوس دي من دماغك ...خدي بالأسباب وارجعي لجلساتك مع الدكتورة بس خللي قلبك متعلق برحمة وقدرة اللي خلقه وإن هو بس اللي بإيده تفريج الكرب .

مسحت لجين دموعها وهي تشعر براحة غامرة من حديث الشيخ الذي أردف بابتسامته الصبوح وهو يطرق برأسه :
_ابتلاؤك كبير ...لكن اعلمي أن الله إذا أحب عبداً
ابتلاه ...والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "يُبتلى المرء على قدر دينه ،ومايزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على
الأرض وليس عليه خطيئة ...وفي رواية أخرى "حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة"...فاصبري واحتسبي.

ابتسمت لجين لأول مرة منذ بدأ اللقاء لتعاود مسح دموعها مع قولها المرتجف:
_الله يبارك لك يا شيخنا ...كلامك ريحني وطمن قلبي ...بس هو لازم عشان ربنا يسامحني أقول لستي ثمر ؟!

فعاود الدعاء لها بتفريج الكرب قبل أن يردف ببصيرته :


_لا...من حسن الأدب مع الله عز وجل ألا نفضح ستره ...ياريت ماتعرفوهاش...ست بسنها ومرضها وعزة نفسها ممكن ما تستحملش تعرف...الجهل ساعات نعمة يابنتي .

أومأت رابحة برأسها وقد وافق حديثه هواها لتقف مكانها معاودة شكره قبل أن تعود أدراجها لرابحة وأمها بداخل البيت ...

وفي مكانه ظل عابد مختبئاً للحظات بعد رحيلها قبل أن يغادر مكمنه بخطوات حذرة يتلفت حوله حتى خرج ...
يتفكر في حديثها بشرود وهو يسترجع كل كلمة أوصاه بها "الصالح" يوماً ...
الدرس الذي تعلمه من خبرته الأليمة السابقة...
أن الأمور لا تبدو دوماً بظاهرها !!


لهذا حمد الله سراً أن لم يتسرع بفضحها ...
قبل أن يعود لبيت عم يامن حيث يقيم ليتكئ مستنداً على فراشه ...
ابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه وهو يشعر بقلبه يخفق لأجل تلك "السارقة" خفقة خاصة ...
أجل ...ربما لم تسرق "قرط الشيخ" لكنها فيما يبدو سرقت نبضة من قلبه لن يعود بها لانتظام دقاته !!
هذا الشعور الغريب غير المنطقي لهذه الألفة التي وجدها في صدره نحوها ...
ربما هي مجرد شفقة لما عرفه قدراً عن ماضيها ومرضها ...
ربما هي فقط ألفته لملامحها التي تشبه عزيزة رحلت ...
وربما لأنه رأى فيها صورة نفسه القديمة التي افتقدت يداً تمتد إليها بالسند ...
وربما هو كل هذا !!


ابتسامته تتسع والخواطر تتقاذفه لتسلمه لنوم قصير ...

رؤيا ناعمة تداعب خلايا عقله يراها فيها بثوب أبيض ساتر طويل إنما ينقصها وشاحها ...
هذا الذي وجده هو بين أنامله فتحرك نحوها ليضعه فوق رأسها فترفع إليه عينيها بابتسامة هامسة :
_أكملت الستر يا شيخ!

يفتح عينيه فجأة على صوت الأذان القريب فينتبه من نومته مستعيداً هذه الراحة الغامرة لهذه الرؤيا القريبة ...
تراها إشارة ما؟!
هو اعتاد احترام إشارات القدر!!
لهذا استغفر الله بخفوت وهو يردد الآذان خلف المؤذن ليقوم ويتوضأ استعداداً للخروج للصلاة التي ما كاد يفرغ منها حتى وجد "قراراً ما" يقفز لعقله !
هذا الذي سيجعله غايته في "صلاة استخارة" طوال
الأيام القادمة...
حتى يأذن الله بعودة ثمر !
=========













ترددت شوشو في وقفتها أمام باب غرفته قبل أن تسأل الممرضة جوارها :
_متأكدة إنه سأل عليّ؟!
فابتسمت المرأة لترد بخبث:
_مش عليكِ بالضبط ...هو أصلاً مش فاكر حد ...بس سأل ع اللي بتبعت الورد كل يوم !

فأطرقت شوشو برأسها للحظات قبل أن تسألها باهتمام دون أن تنسى دس بعض النقود في جيبها كما تفعل يومياً نظير الاطمئنان عليه قبل أن يزوره أحد من أهله :
_الدكاترة ماقالوش هيفتكر امتى؟!

لكن الممرضة تحسست جيبها مطمئنة على حصيلتها لتجيبها بما تعلمه :


_هم مخبيين عليه مصيبة أبوه وبيحاولوا يفكروه
بالباقي بس ...أخته دكتورة ياقوت بتزوره كل يوم واقترحت عليهم امبارح يخرجوه من هنا ويرجعوه بيتهم النهارده عشان يفتكر ...بس أخوه الكبير خايف عليه من الصدمة لو خرج وعرف إن أبوه مات ...

ثم مصمصت شفتيها لتردف :
_حكاية ولا في الأفلام !! والغريب بقا إن "جدة" أخته دي هي اللي قتلت أبوه لما كان عايز ...

استمرت الممرضة في ثرثرتها المعهودة التي غابت عنها شوشو وهي تشرد ببصرها ...
إذن من المحتمل أن يغادر هيثم المشفى اليوم وساعتها لن تتمكن من رؤيته يومياً خلسة كما تفعل
الآن ...
حتى هذه الدقائق المختلسة ستحرم منها !!

لقد رضيت بهبة القدر المؤقتة هذه لعلها تتزود بقربه قبل طول صيام ...
وهاهي ذي رغبته في رؤيتها تمنحها المزيد من المتعة المسروقة ...

لهذا ما كادت تنتهي الممرضة تنتهي من ثرثرتها حتى هتفت بها برجاء :
_هادخلله خمس دقايق بس لوحدنا ...راقبي الطريق عشان لو حد من أهله جه .

فغمزتها المرأة غمزة ماكرة قبل أن تتركها لتطرق هي الباب قبل أن تدخل ...
ملامحه الحبيبة التي تعشقها تواجهها بحيرة صارت مرادفه في كل ما ومن حوله ...
من الصعب أن يستيقظ المرء فجأة ليجد نفسه لا يذكر شيئاً ...حتى نفسه !


كان واقفاً أمام النافذة يراقب حديقة المشفى قبل دخولها والآن يشعر بجمالها الهادئ هذا أكثر راحة لعينيه من المشهد الذي كان يراه ...
لهذا رمقها بنظرة طويلة لعله يتبين صلته بها قبل أن يسألها باهتمام:
_انتِ تعرفيني؟!

فارتجفت ابتسامتها مع دموعها التي تجمعت في عينيها :
_طبعاً .
ضيق عينيه للحظات والعاطفة المشعة في محياها الجميل تجعل حدسه يسألها :
_انتِ اللي بتبعتي الورد كل يوم ؟!

أومأت برأسها بخجل حقيقي لا تدعيه وهي تشعر بغرابة الموقف !!
أن تقابل حبيبها بعد تاريخ طويل بينهما فلا يذكر عنها شيئاً !!
كأنما حقاً تكتب بداية جديدة ناصعة البياض لقصة لم يكن لها أبداً أن تكتمل !!

بينما أشرقت ملامح وجهه ببراءة حائرة وهو يشير لها بالجلوس لتجلس قبالته بخجل مشبكة أناملها في حجرها مما استجلب ابتسامة نقية لشفتيه مع قوله الآسف:
_بيقولوا اسمي هيثم حسين ...بيحاولوا يفكروني بس دماغي فاضي ...ممسوح بأستيكة ...ماتزعليش لو ماافتكرتكيش ...أنا حتى أهلي مش فاكرهم .

عضت على شفتها بقوة كاتمة انفعالها وهي تود لو
تصرخ به أنها لا تريده أن يتذكرها ...
ليته يتذكر كل شيئ وينساها هي ...
لعل القدر يكتب لهما بداية أخرى!!

_بيقولوا الحادثة ماكانتش قوية بس أنا اللي رافض أفتكر ...غريبة صح؟!

_فعلاً ماكانتش قوية .

قالتها بتشوش ليسألها باهتمام وهو ينحني بجذعه ليقترب منها متفحصاً ملامحها أكثر:
_وانتِ عرفتِ منين ؟! آآه...معقول انتِ اللي قالوا إنها نقلتني هنا؟!!

"الخوف المتشح بالذنب" يظلل عينيها في نظرة بدت له غريبة ...وآسرة !!
خاصة عندما أومأت برأسها إيجاباً ليبتسم هو ابتسامة مشرقة ناسبت قوله :
_ده أنا على كده مديون لك بحياتي بقا !

وجدت ابتسامته صداها في ابتسامة مشابهة على شفتيها لتجد نفسها تقول دون تدبير :
_كنت يومها ...معايا .

انعقد حاحباه يتفحص ملامحها أكثر قبل أن يسألها بتشوش:
_أنا آسف جداً ...كان المفروض أسألك عن اسمك من الأول بس موضوع الأسماء ده مش فارق معايا ...حتى اللي بعرف أساميهم مش بفتكرهم ...

_شهد .

قالتها بمواربة وقد خشيت أن يحمل له اسم "شوشو" أي ذكرى تعيد له الماضي ...
فظل يكرر الاسم لحظات وكأنه يحاول استعادة أي تاريخ معه ...
قبل أن يهز رأسه بأسف... لتهتف هي بلهفة :
_مش فاكر أي حاجة عني ؟! خالص؟!


عاد يهز رأسه أسفاً لتدهشه اللمعة الفرحة التي تألقت في عينيها ...
والتي جعلته يغمغم بحذر ولازال ذهنه مشوشاً :
_مش عايز أبقى قليل الذوق بس أنا فعلاً مش فاكر أي حاجة تخصك...تخصنا ...ممكن تحاولي تفكريني؟!

انفرجت شفتاها للحظة وتاريخها الطويل معه ينساب في ذهنها من أول لحظة التقته فيها ليجتذب قلبها بسحر "الحب الأول" الذي وضع فيه بصمته ...
إلى تلك اللحظة التي اعترف لها فيها بحبه ورغبته في خطبتها لكن بعد فوات الأوان !!

يريدها أن تُذكّره ؟!
فلتفعل!!
ستقتطع من قصتهما هذه ال"بقع السوداء" التي لم تلطخها يدها ولا يده ...
وستمنحه فقط أطياف عشقهما الملونة دون سواها ...
لا تعلم إلى أين سيوصلها هذا لكن لا بأس ...
هي مجرد "أيام متعة مسروقة" ستتزود بها قبل صيام الهجر الطويل...

لهذا مضت تحكي له بابتسامة دامعة عن ذكرياتهما معاً ...
في أغرب لقاء قد يعيشه عاشقان !!
وكيف لا ؟!
وجزء بداخلها يطارد هذه الابتسامة الشاحبة على شفتيه والتي تتمدد مع سيل كلماتها بشغف كأنما يسعدها فقط أن يصادف هذا صدى لديه ...
بينما جزء آخر يستصرخها أن تحذر...أن تتمهل ...بل أن تصمت ...فلا تدري ما الذي قد يحدث لو صادفت كلماتها ما يجعل ذاكرته تعود لتعود معها ترانيم النهاية !!

وبين هذا وذاك كانت ملامحها كما ملامحه ترقص رقصة بائسة على لحن مشوش قاطعته طرقات الباب ...
الطرقات التي جعلتها تقفز من مكانها قفزاً ليهتف هو بها :
_خفتِ كده ليه ؟!

النبرة الحنون المطمئنة خاصته لا تزال كما هي ...
حتى ولو لم يذكرها !!
لهذا فاضت عيناها بالدمع وهي تشيح بوجهها عندما فتح الباب لتدخل منه ...
"ياقوت"!
=======




_احنا بعيد عن هيثم دلوقت ...ممكن أعرف بقا الحقيقة بصراحة .

قالتها ياقوت ببعض الحزم وهي تختلي بشوشو في أحد الأروقة الجانبية للمشفى عقب خروجهما من غرفة هيثم ...
هيثم الذي لايزال يدهش ياقوت حقاً بشخصه الغريب تماماً عن تركيبة أبيه ...
ربما لهذا كان أكثرهم انهياراً بعدما حدث ...
عقله -البريئ - رفض تصديق حقيقة كون عالمه كله مجرد خدعة !!
ربما لهذا تشعر أن عاطفتها -الأخوية- نحوه تمتزج بنوع من الأمومة ليس فقط لصغر سنه عنها ...
لهذا -وبقلب أم قلق- عادت تسأل شوشو الصامتة تماماً :



_أنا شفتك يوم تحقيق النيابة...وبحسبة بسيطة كده أقدر أعرف إنك انتِ زميلة هيثم اللي ساعدت في القبض على حسين رجائي ...صح؟!

لم يكن هناك مجال للإنكار لهذا أومأت شوشو برأسها إيجاباً قبل أن تنهمر دموعها بصمت مذنب ...
فتفحصتها ياقوت ببصرها للحظات وهي تحاول ربط الخيوط بذكائها كالمعتاد قبل أن تسألها مشيرة بعينيها لدموعها بحذر:
_ذنب واللا حب؟!

ورغم بساطة تركيب السؤال لكنه مس المعضلة الحقيقية لهذه الباكية أمامها والتي رفعت إليها عينين فائضتين بالجواب ...
فتنهدت ياقوت بحرارة وقد أغناها حدسها عن السؤال عن التفاصيل ...
يبدو أن هذه الفتاة تورطت في حب هيثم حباً حقيقياً رغم ما كانت تنتويه بأبيه ...
هكذا حدثت نفسها قبل أن تجد شوشو أخيراً كلماتها لتغمغم بصدق حار:
_أرجوكِ ما تقوليش لهيثم حاجة...أنا عارفة إنه يوم ما ترجع له الذاكرة مش هيعرفني تاني ...عارفة إن فيه حب ينفع يكمل وحب ما ينفعش...بس غصب عني ...غصب عني طمعانة أعيش معاه أي لحظة ينفع أعيشها حتى لو كدب...حتى لو عارفة إن آخرها فراق ...

كلماتها كانت تضغط بقوة على جرح ياقوت النازف خاصة بعد سفر زين منذ أسبوع مضى دون أي كلمة بينهما ...
لتشرد ببصرها للحظات وأناملها تداعب -خفية- قرطه الثمين من فوق وشاحها ...
منذ نعومة أظفارها وهي لم ترتدي واحداً كبقية الفتيات ...
ثمر التي كانت تخشى عليها من جمالها الأخاذ كانت تبعدها دوماً عن أي زينة وقد صادف هذا هوىً لديها هي ...
فلم تكن تربط جمالها في عيون الرجال إلا بصورة من اثنتين ...
أمير فارس لا يراها إلا "بعين العشق" فلن تعنيه المظاهر...
أو وغد طامع لا يراها إلا "بعين الشهوة" فلن تمنحه بغيته في تبهرج ...
والآن يأتي -هو- ببساطة ليقف على حد الشعرة بين
الاثنين ...
فلا هو "المنقذ" ولا "الطامع"...
إنما مجرد "عابر سبيل" تقاطعت بهما الطرق ومصيرهما إلى فراق ...
ومع هذا لن تنسى له أنه كان أول من وضع قرطاً في أذنيها !!

ابتسامة متشحة بالشجن طافت فوق شفتيها وهي تعود بنظراتها المشفقة نحو شوشو وقد أدركت كم هما متشابهتان في حظيهما العاثر بالحب
...


ربما لهذا وجدت في نفسها الكثير من الدعم لها ...

_أكلمك على إني "أخته"؟! واللا "الدكتورة" بتاعته ؟!
تسألها بنبرة محايدة محاولة إزاحة عواطفها جانباً لترمقها شوشو بنظرة راجية جعلتها تردف بينما تكتف ساعديها :
_طيب...لو هنتكلم إني الدكتورة بتاعته وبس ...هاقوللك وجودك مهم جداً عشان يفتكر ...احنا عايزينه يفتكر كل حاجة بس بالتدريج عشان الصدمة ما تضروش أكتر من كده ...لكن لو افتكرت إنه أخويا ...فيصعب عليّ قوي أغشه وأخبي عليه خصوصاً إن الوضع بيننا زي ما انتِ عارفاه ومحتاجين نبني الثقة بيننا من الأول ...

شحب وجه شوشو مع مغزى كلماتها الأخيرة لكن ياقوت ابتسمت ابتسامة شاحبة لتردف :
_إلا إذا ....
_إلا إذا إيه ؟!
سألتها شوشو بترقب لتتسع ابتسامة ياقوت
بإجابتها وهي تفك ارتباط ساعديها لتربت على كتفها :
_إلا إذا أكدتيلي فعلاً إنك بتحبيه لدرجة إنك هتفضلي مصلحته على مصلحتك في أي مرحلة من مراحل العلاج .

_أوعدك...والله العظيم مش هاعمل حاجة بعد كده
إلا اللي فيه مصلحته هو وبس ...حتى لو قلتيلي دلوقت أبعد وماعدتش أكلمه مش هاتشوفي وشي تاني .



هتفت بها شوشو بإخلاص وسط دموعها لتهز ياقوت رأسها باستحسان قبل أن تقول بنبرة مشفقة :
_مش عارفة أقوللك إيه ...حكايتكم فعلاً صعب تكمل ...لو نسي اللي عملتيه في أبوه مش هينسى إنك خدعتيه وخبيتي عليه ...لكن ممكن ...ممكن تكون حكاية فقدانه للذاكرة دي هدية ربنا لكم انتم
الاتنين ...خلليه يعرفك من أول وجديد ...زودي الرصيد الحلو اللي يشفع للي فات ...اعملي تاريخ جديد بينكم يمكن يمحي التاريخ القديم ...

_تفتكري ...ممكن ؟!
تسألها شوشو بتشكك لتلتوي شفتا ياقوت بابتسامة شاحبة ناسبت قولها :
_ممكن ...كل شيئ ممكن ...بس حتى لو ماحصلش ...كفاية إنك من جواكي هتبقي حاسة إنك عملتي اللي عليكي ...

ثم لمحت إسلام قادماً من بعيد مع والدته في موعدهما اليومي المعتاد فتنحت بها جانباً كي تمعن في الاختباء عن ناظريهما مردفة بنبرة ازداد اشفاقها :

_وماتنسيش "جيلان" هانم دي قصة تانية لوحدها...حربك مش هتبقى سهلة أبداً !
=========













وقف إسلام يراقبها بأسى على باب المطبخ في الشقة التي وفرها لها كسكن مؤقت بعدما علم عن ظروفها الأخيرة...
الأيام السابقة -على قصرها- لكنها قربت كثيراً بينهما خاصة وهو يتفقد في رعايتها لهيثم ما أعطاه انطباعاً عن مهارتها في عملها وطيبة قلبها رغم مضايقات أمه -المتوقعة- لها .
كم تثير إعجابه بهذه الطلة القوية الصامدة التي خدعته لأول وهلة قبل أن ينتبه أنها تداري بها هشاشة روحها ...
لهذا يشعر برغبة حقيقية في التقرب منها أكثر ليس فقط لحمايتها بغريزة الأخوة إنما "للتعلم" منها !


_اتفضل...يارب يعجبك طبيخي .


قالتها أخيراً بمرح شاحب تقاطع بها شروده وهي تحمل طبقين من المكرونة نقلتهما نحو المائدة الجانبية في زاوية المطبخ...
فتحرك بدوره نحو الموقد ليقلب الدجاجة التي كانت تقوم بتحميرها ...
تطايرت بعض قطرات الزيت المشتعل على ذراعه فهتفت هي بجزع:
_حاسب...هاقلب أنا .

لكنه ضحك ضحكة قصيرة وخوفها -العفوي- يحمل له شعوراً صادقاً بالأخوة قصيرة العهد بينهما ...

_ما تخافيش ...محسوبك مدقدق قوي في شغل المطبخ...دي من ميزات عيشة العزوبية ...لو كنت فاضي النهارده كنت طبخت لك أنا .



ابتسمت بارتياح حقيقي للهجته البسيطة غير المتكلفة وقد مر بها نفس الشعور المستحدث بهذه
الأخوة والذي لا تزال تتعامل معه بحذر ...
ربما لأنها تخشى تصديقه !
أجل ...رغم ما يبديه نحوها إسلام من لطف مخالفاً نهج والدته المتعجرفة لكنها -كعهدها- تخاف التعلق بما لا تضمن بقاءه ...
تماماً كما كانت مع ...زين !!
كانت ؟!
هل صارت حقاً تتحدث عنه بصيغة الماضي وكأنه لن يعود ؟!!

الخاطر الأخير يستبدل ابتسامتها بدمعة كبيرة سقطت على طرف عينيها وانتبه هو لها فأغلق الموقد بسرعة ليتقدم منها خطوة ...
يحيط كتفيها بكفيه قائلاً:
_معلش...الأيام اللي فاتت كانت صعبة علينا كلنا ...بس عندي أمل في اللي جاي .

قالها وهو يشعر بها حقيقة بكل جوارحه ...
فبرغم سواد البلاء الذي عاشه في الأيام السابقة لكنه احتسبه ك"صفعة إفاقة"!!
مرضه الذي بدأ رحلة علاجه منذ عاد وكاد يمتثل للشفاء التام الآن ...
شقيقه الذي كان بلاؤه رحمة لعله لا يعاصر معهم -برقّة طباعه - هذه المحنة العصيبة ...
حتى الخسارة المادية اعتبرها دافعاً للبحث عن عمل جديد ...

هذا الذي فكر فيه بصوت مرتفع :
_كنت عايز أكلمك في موضوع ...أنا عندي مبلغ كويس من فلوس شغلي أنا ...إيه رأيك لو تشاركيني ونعمل سوا مركز تأهيل نفسي خاص بيكي انت بدل اللي سبتيه ؟!


اتسعت عيناها بصدمة للحظة من سخاء العرض قبل أن يتجول خليط من مشاعر فوق ملامحها ...
مشاعر بدأت بالذهول ...ثم الرضا...
الامتنان ...وأخيراً ...الرفض ...

الرفض الذي قرأه هو في عينيها متفهماً سببه ليقول مؤكداً:
_دي فلوسي أنا صدقيني ...مالهاش أي علاقة
بفلوسه الحرام ....عشان خاطري يا ياقوت ...اديني فرصة أصلح اللي فات .

رمقته بنظرة طويلة مترددة وشفتاها ترتجفان بانفعال ...
أين أنتِ يا ثمر؟!
أين رأيك في كل هذا ؟!


أين صدرك أرمي عليه حمولي ؟!
أين جلبابك أخفي في طياته وجهي وأحكي ...
أنا ...صار لي أخ ...
بل اثنان !!
معجزة جاد بها القدر بعد طول منع ...
لكن تبقى بالروح غصة مبعثها فراقك !!

_مش هاقدر أفكر في حاجة قبل ما ستي تخرج
بالسلامة ...عموماً شكراً.

ورغم جفاف عبارتها الظاهر لكنه صار يفهم أي عاطفة جياشة تختفي خلف هذه الواجهة الصلبة ...
لهذا ابتسم بلطف وهو يربت على كتفيها قبل أن يتركها ليتحرك نحو الموقد فيكمل ما بدأه ...

يجلس أمامها أخيراً يتناولان الغداء ليبدأ الثرثرة بقوله :
_حلوة المكرونة بس معجنة شوية ...جربي تحطي معلقة زيت في المية وهي بتغلي .

هنا ضحكت ضحكة صافية وهي تتناول الشوكة لتتناول الطعام وتجاريه في الحوار:
_لا واضح إنك خبرة فعلاً .
_امال !
قالها وهو يقطع الدجاجة أمامها ليقسمها متسائلاً:
_بتحبي الصدر واللا الورك ؟!
_أي حاجة !
_خدي الصدر ...مابحبوش!

قالها ممازحاً وهو يعطيها نصيبها لتزول المزيد من الحواجز بينهما بضحكتها القصيرة قبل أن تتفحص ملامحه باهتمام لتسأله :


_ماعرفتش عنك غير إنك مهندس كمبيوتر وكنت بتشتغل في تركيا ...ناوي على إيه هتفضل هنا واللا هتسافر؟!
لكنه يلوك الطعام في فمه ليقول بمرح مصطنع:
_التاريخ المشرف للوالد مش هيسمح بفرص كتير ...وبصراحة حاسس إن في رقبتي دين نفسي أسده ...
_دين إيه ؟!
_لا دي لفة طويلة ...بس مفيش مانع ندردش ...صاحبي الأنتيم اللي زي أخويا اسمه سيف ...أخوه اسمه رامز ...أخو مراته يبقى أشرف ...أشرف ده بقا عنده مصنع لعب أطفال ...واحد خربهوله واستغله عشان يهرب المخدرات في اللعب ...
_طب وانت مالك ؟!
سألته باستغراب ليرد بسخريته المريرة المميزة :
_ماهو اللي خربهوله يبقى السيد الوالد !

اتسعت عيناها بإدراك للحظة قبل أن تهز رأسها لترد بإدراك آسف:
_خلاص وصلت ...
ثم عادت تقول بترقب:
_وانت بقا عايز تساعد أشرف ده عشان خاطر
علاقته بصاحبك ...؟!

فتنهد بأسف ليقول بجدية تامة عبر شروده :
_مش أشرف بس ...لو بإيدي أعمل حاجة لأي حد اتأذى بسبب "السم الهاري" اللي كان "هو" بيوزعه ع الناس ما كنتش اتأخرت ...اسم حسين رجائي بقا وصمة عار على جبيننا كلنا ...لو كنت بفكر بعقليتي القديمة كنت استسهلت ورجعت تركيا من غير تفكير ...بس الأيام اللي فاتت علمتني إن الهروب مش حل ...وإن المواجهة هي الطريق
الأقصر ...عشان كده قررت أفضل هنا ...
ثم عاد إليها ببصره ليردف بابتسامة حنون :
_ماعدتش هاهرب!

ابتسامة إعجاب طافت حول محياها الشاحب لتتسع ابتسامته باستطراده :
_غريب قوي إن الواحد بعد العمر ده يكتشف إن عنده أختين ...وبمناسبة "كرسي الاعتراف المكروني" ده أحب أنتهزها فرصة وتعرفيني انتِ كمان عن نفسك .

شعور غامر بالحميمية ينتابها الآن وهي تشعر بنفسها تعدو بقلبها -لا تحبو كما يأمرها عقلها- في إحساسها الصادق بأخوّته !!
ربما لأنها تحتاج هذا الشعور الآن بضراوة مع هذا الخواء الذي تركه "زين" برحيله ...

يسألها أخوها أن تعرفه عن نفسها ؟!
هل تبالغ لو قالت أنها ما عادت تذكر نفسها دون "زين"!!
أنها لا تذكر كيف كانت أيامها قبله !!
أن عمرها كله يساوي فقط عشر "عناقات"!!

لهذا تنهدت بحرارة محاولة كتم شعورها وهي تعود للثرثرة معه مكتفية بدفء هذه العلاقة التي جاد بها القدر دون موعد ...
كعوض -غير كافٍ- عن حب يائس!!
ومقنعةً نفسها أن ما سقط من أعمدة روحها قد تقيمه الأيام بعد فراقهما ...
غافلة عن أنها وهي في فورة قسَمها على تجاوز أسوار حبه هذه كانت أناملها تتلاعب خلسة بقرطه في أذنيها !!
========





_لسه مُصرّ ع المقابلة دي؟!

قالها رامز ببعض الإشفاق مخاطباً إسلام وهو يقود به سيارته نحو مصنع أشرف ...
رغم قصر معرفته بإسلام لكن وصايا سيف -أخيه- المتكررة له عبر الهاتف جعلته يصر أن يكون له دور في مأساة هذا الرجل الذي انقلبت حياته فجأة بفعل أبيه ...
لهذا ما كاد يطلب منه إسلام مقابلة أشرف حتى سعى لهذا رغم اقتناعه بحرج الموقف ...

_طبعاً مصر ...عارف لما تبقى عايز تعمل حاجة بس عشان تعاند نفسك ؟! عشان تثبت لروحك إنك اتغيرت فعلاً مش كلام ...الأيام اللي فاتت كانت صعبة قوي عليّ ...خلقت مني واحد تاني...واحد مش عايز يرجع للي كان فيه ...ولأني عارف إن
إسلام القديم عمره ما كان هيعمل حاجة زي كده وكان هيستسهل يهرب ويسيب الجمل بما حمل ...فأنا دلوقت مصرّ إني أعمل العكس .

قالها إسلام بنبرته المتحررة التي يجيد بها التعبير عن نفسه كعادته ليبتسم رامز وهو يعود ببصره للطريق قائلاً :
_من كتر ما سيف بيوصيني عليك حسسني إنك شخصية ضعيفة ...بس أنا شايف العكس ...عموماً بحييك على جرأتك دي قليل قوي اللي ممكن يعمل كده الزمان ده ...

ثم عاد يلتفت نحوه مردفاً:
_أشرف كمان مقدر الموقف ده منك جداً ...ونفسه يقابلك ...بصراحة هو حاسس كمان بالذنب إن ممكن يكون بسببه علاقتك بناصر صاحبك اتهزت !

لكن إسلام ابتسم ساخراً كعادته ليرد :
_من كتر اللي خسرته الأيام اللي فاتت ماعدتش بحسبها ...اللي يهمني بجد اللي جاي .

فربت رامز على كتفه بحركة مؤازرة خاطفة قبل أن يسأله بحذر :
_بس مش شايف إنها غريبة شوية إنك تعرض عليه تشتغل مهندس بسيط في مصنعه ؟! يعني ...أفتكر ممكن تعمل مشروع كويس خاص بيك أحسن من كده !
_المشروع هاعمله فعلاً بس مع أختي ...يعني جزء من الدين القديم ...تقدر تقول كده إني حاسس إني مش هاقدر أبدأ حياة جديدة إلا لو حسيت إني وفيت ديوني القديمة .

قالها إسلام بنبرته الحاسمة التي لم تخلُ من مرارة بينما توقف رامز بسيارته أمام مصنع أشرف ليلتفت نحوه قائلاً بتقدير حقيقي رغم نبرته المازحة :
_سيف ده حظه في صحابه الرجالة حلو رغم إن حظه في الستات "نيلة" ...تعرفش وانت شاطر كده تقنعه يتجوز بقا عشان خاطر الحاجة اللي هتموت وتشوف عياله دي؟!

فابتسم إسلام محافظاً على سر صديقه لتجتاحه صورة خاطفة لغادة تنهد معها بحرارة ليرد :
_سيف يستاهل كل خير ...ماتعرفش يمكن الزمن عاين له أحسن نصيب بس كله بأوان !

قالها بمرارة مشوبة بالخزي اكتسحت ملامحه بعدها وهو يغادر السيارة مع رامز نحو الداخل للقاء أشرف ...
ورغم الودّ الذي ساد هذا اللقاء الثلاثي والذي حرص فيه أشرف على مشاعر إسلام بنبله المعهود ،
فتجنب الحديث عن الماضي تماماً متفهماً رغبة
الأخير في تصحيح خطإ أبيه ...
لكن وخز الخزي الذي كان يستشعره إسلام ك"عزيز قوم ذَلّ" كان أكبر من أن يتجاهله ...

_هه يا باشمهندس ...تحب تبدأ شغلك امتى؟!
قالها أشرف ببشاشته المعهودة ليرد إسلام بابتسامة مريرة :
_لو عليّ عايز أبدأ من امبارح يمكن الواحد ينسى نفسه في الشغل ...بس الظروف ملخبطة زي ما انت عارف وهيثم محتاج عناية خاصة بعدما خرج من المستشفى خصوصاً إننا بنحاول نخبي عليه الكارثة الأخيرة دي لحد ما الذاكرة ترجع له ...إخواتي البنات كمان عندهم مشاكلهم ...فاديني فرصة كده كام يوم أظبط الأمور وأرجعلك تكون ...

صوت طرقات قوية على الباب تقاطع كلامه قبل أن تفتحه نشوى التي دخلت هاتفة باندفاع:
_انت فين يا أشرف م الصبح عايزة....
انقطعت كلماتها وهي تنتبه لوجود رامز الذي هتف بها مشاكساً كعهده :
_أستاذة نشوى على طول حامية كده !
فابتسمت لتقول معتذرة :
_آسفة يا رامز كنت فاكراه لوحده ...م الصبح بتصل بيه ومابيردش .

ابتسامتها الرقيقة تركت صداها في إسلام -كعهده-مع أي "تاء مربوطة" تمر في طريقه !!
أجل ...
"بتاع البرقوق" لم يفقد ذائقته الخاصة بالنساء بعد رغم عهده الحديث بالتوبة مع كثرة المغريات ...
وآخرها تلك الطبيبة التي تعالجه هنا والتي لمس في كلماتها وعوداً جريئة غير منطوقة لكنه تجاهلها بعزم حسد نفسه عليه !!
لا ...لن يعود لذاك الطريق الماجن وقد وجد بداية لهذا الدرب القويم ...

ومع هذا وجد نفسه يتفحص نشوى بنظرة ذكورية تقييمية من بقايا "العهد البائد " لترتسم ابتسامة رضا على شفتيه وهو يستمع لحديثها الذي استطردت فيه بعدها مع أشرف بنبرتها العملية المسترجلة نوعاً ...


قصيرة القامة نوعاً ..خمرية البشرة عادية الملامح بجمال "مقبول"...
لكن "منحنياتها الأنثوية" تمنحها درجة "الامتياز" في عيني خبير مثله ...
فبادرته نفسه "العابثة" بتعليقها التقييمي لها كأنثى:

_مش برقوقة لا !..."برتقالة بلدي"؟! برضه لا! شكلها قالب على "تين شوكي" وأنا أموت في الحاجات المخربشة دي!

_اهدي ع الشغل شوية مش هايطير ...أعرفك الأول
بالباشمهندس إسلام ...هيشتغل معانا قريب.

قالها أشرف وهو يزيح الملف الذي أعطته هي له جانباً ليشير بكفه نحو إسلام الذي التفتت هي نحوه بنظرة عابرة لتقول باقتضاب :
_تشرفنا ...

ثم تنمرت لهجتها نوعاً لتردف بصلاحيات منصبها الجديد في المصنع -وقد ساءها أن يتخذ أشرف قراراً بتعيين أحدهم دون مشاورتها- غافلة عن حقيقة شخصيته :
_احنا بنحاول نوفر في الميزانية حالياً ومش بنشغل حد إلا لو محتاجين له ...رامز عارف أنا بحترمه أد إيه بس لو دي بس واسطتك في الشغل مش هتنفعك هنا...ابعتلي ال"سي في" بتاعك ع الميل وهنرد عليك في خلال أسبوعين .

_أنا مضيت العقد يا نشوى...باشمهندس إسلام معانا خلاص .

قالها أشرف بحزم مشوب بالعتاب لها إذ أحرجته هكذا لتلتفت هي نحوه بحركة عصبية ...
فتنحنح إسلام ليقول بنبرة شابها بعض التحدي وكأنما راقه استفزازها:
_إسلام حسين رجائي .

_إيه ؟! حسين رجائي؟!
هتفت بها مصدومة للحظات وهي تنقل بصرها بينهم جميعاً تريد التيقن مما سمعته ...
قبل أن تردف بنبرتها العصبية :
_ده تشابه أسماء ؟! صح؟!
ليرد أشرف بحرج محاولاً تدارك الموقف :
_هاشرح لك بعدين .

_طيب نقوم احنا بقا !
قالها رامز مستشعراً الذبذبات العدائية التي نقلتها النظرات بين نشوى وإسلام الذي -رغم حرج الموقف- راقته ردود فعل هذه "المتنمرة" أمامه ...
المتنمرة التي احمر وجهها غيظاً وظنّه أنه لولا وجود رامز لطردته شر طردة !
هل يلومها ؟!
لا ...ربما لو مكان مكانها لفعل المزيد !!

لكنه وجدها "تحدياً جديداً" لامرأة يريد تغيير نظرتها فيه ...
وربما لو نجح لاستطاع تغيير نظرة الجميع له !!

لهذا وقف بدوره مع رامز يقابل نظراتها النارية بابتسامة باردة بينما يستمع لاعتراضات أشرف الذي تشبث -ذوقياً- ببقائهما لمدة أطول ...

هنا سمعوا صوت طرق الباب من جديد ليصبح اللقاء الخماسي أكثر إثارة بدخول ...
"ناصر"!
========






_إسلام !
هتف بها ناصر بدهشة وهو يتعرف على وجه صديقه هاهنا بالذات ...
ليبتسم إسلام ابتسامته الساخرة المميزة بينما يرد :
_الدنيا طلعت صغيرة قوي ...يا "صاحبي"!

ضغط حروف الكلمة الأخيرة ببطء ذي مغزى بينما يراقب بذكائه ردة فعل نشوى إذ رأت ناصر ...
ملامحها التي كانت متنمرة -لتوها- تحولت لأخرى مرتبكة يشوبها خزي لا يستشعره إلا من مر بها بحرقة مثله هو!!
لهذا ازداد تحفز ملامحه وهو يراها تهم بالانصراف لكن ناصر استوقفها بقوله :
_استني يا نشوى من فضلك ...أنا كنت عايز أشرف في موضوع يخصك ويهمني تبقى موجودة .


تململ رامز في وقفته وهو يشعر بالحرج الذي شاركه فيه أشرف وهو يشير لإسلام قائلاً بنبرة ودود :
_باشمهندس إسلام هيشتغل معانا يا ناصر .

فارتفع حاجبا ناصر بدهشة للحظة قبل أن ترتخي
ملامحه بإدراك متفهماً ما يريد إسلام فعله لهذا تقدم منه يربت على كتفه قائلاً:
_تبقوا كسبتوا فعلاً.

رمقه إسلام بنظرة طويلة حملت مشاعره نحوه بهذا المزيج المتوازن من العتاب والخزي ...
قبل أن يتجاهل عبارته مراقباً ملامح نشوى التي ازداد ارتباكها منذ أعلن ناصر أنه يريد التحدث
لأشرف بشأنها ...
ربما لو لم يكن يعلم أن صديقه متزوج من امرأة يحبها لظن الأمر يتعلق بعرض زواج !!

لكزه رامز في خاصرته خفية في إشارة بوجوب انصرافهما فاستجاب له ليصافح أشرف بقوة ...
قبل أن ينتقل لنشوى التي مد لها يده لتصافحه بارتباك بينما تختلس نظرة جانبية لناصر زادت من يقينه هو أن الأمور بينهما تحمل أكثر من الظاهر بكثير ...
لهذا كانت مصافحته الأخيرة لناصر تحمل الكثير من التحفز وهو يقول بنبرته الساخرة كالعادة :
_ابقى خللينا نشوفك...عنوان بيتنا زي زمان !

عبارته التي وخزت قلب ناصر بشعور الذنب من جديد وهو يشيح بوجهه ...
ليزفر أخيراً بانفعال بعد خروجهما وهو يفكر للمرة
الأخيرة بالتراجع عما جاء لأجله ...
إنه حتى لم يرتضِ أن يذهب لبيت أشرف -كما اقتضى العرف في شئون كهذه - كأنما يريد أن يمنح نفسه فرصة الانسحاب في آخر لحظة ...

_مالوش داعي التأخير يا ناصر ...وبعدين انت زعلان ليه ؟! أنا راضية وموافقة ...حد طايل مراته تخطب له ؟!!

يسمعها بصوت سها كما ودعته بها صباحاً تدعي الرضا لكنه يدرك بداخله أنها كعهدها تريد أن تكون المبادِرة بزمام الأمور ...
تختار ولا يُختار لها !!
اختيارها الذي بدا له هذه المرة منطقياً إذ تنتقي له امرأة توقن أنه لا يحمل أي مشاعر نحوها ...
لكنه كذلك لا ينكر أنه يحمل بعض الأنانية !!
لو كانت نشوى ستمنحه الطفل المنشود ...
فماذا سيمنحها هو؟!!
عقله يخدعه بدعوى غرور منطقه العملي أنه سيحقق لها حلمها
بالزواج منه ...
لكن صوت ضميره الخفي يستصرخه أنه لن يحقق لها حلماً كما يزعم ...

بل سيمنحها بعد عسير مخاضٍ مجرد جنين مشوه !!

_خير يا ناصر ؟!

ينتزعها بها أشرف من شروده وهو يشير له
بالجلوس فتحرك نحو أحد الأرائك بينما تحركت نشوى بحركة لا إرادية تلتصق بأشرف كأنما تستمد منه دعماً ...
ما الذي يريده بشأنها ؟!
ولماذا كان يقف يراقبها وابنتها ذلك اليوم من خلف زجاج المطعم ؟!
وما سر هذه النظرات الغامضة التي يواجهها بها منذ عاد القدر يجمع بينهما ؟!
ولماذا ترتجف روحها بهذه الطريقة كلما رأته كأنما عادت مراهقة ترى فيه كل العالم ...
ألازالت حقاً تحبه ؟!
قلبها يخفق بقوة كأنما يمنحها جواباً لا تدري صدقه من كذبه ...
بينما يصرخ بها عقلها أنها فقط تشعر بالخزي أمامه !!
الخزي من رفض حبها القديم الذي أعلنته له ...
الخزي من فشل اختيارها لرجل بعده ...
الخزي من وضعها كمطلقة بائسة ترعى طفلتها وحدها في مقابل وضعه هو كزوج يعشق التراب الذي تسير عليه زوجته كما يعلم الجميع عنهما !!
لهذا تشعر أنها مهما تعاظمت قيمتها ستبقى مجرد "قزمة" في عينيه !!

ترى ماهو الأمر الذي يخصها ويريد الحديث مع أشرف بشأنه ؟!
هل جاء لها بعريس من طرفه ؟!
ربما ...
ربما يرى هذا حلاً لتكفير ذنبه القديم معها وتحسيناً لصورتها المستحدثة في عينيه كامرأة فاشلة !!
ليته لا يكون كذلك !!
لو فعلها فسيذبحها حقاً بنصل بارد بعد كل هذه السنوات التي بالكاد تعافت فيها من جرحه القديم !!

لكن ما لم تتوقعه حقاً وجعلها تشهق للمفاجأة هو رده الصادم :
_من غير مقدمات ...عايز أتجوز نشوى.
========










بعد أسبوعين ...

_ما أنا كنت عندك من يومين يا ماما !

هتف بها رائد عبر الهاتف مخاطباً أمه وهو يقف في صالة البيت الداخلي له مع همسة ...
ليصله ردها الهستيري كالعادة :

_يومين ؟! وفيها إيه لما تجيلي كل يوم ؟! انت قاعد عندك بتعمل إيه أصلاً؟! هتفضل تضيع عمرك وانت بتحرس الست هانم ؟!

ورغم ضيقه بما تقول لكنه كظم غيظه ليهتف بها مهدئاً:



_اهدي بس يا حبيبتي ...أنا خلاص صفيت أموري مع زين وهارجع أشتغل معاه ...اعتبريني في أجازة...مش انتِ اللي كنتِ بتتحايلي عليّ دايماً آخد أجازة م الشغل وأفك عن نفسي ؟!

_تفك عن نفسك واللا تنسى نفسك ؟!

تهتف بها بذات الاستنكار العصبي ليصمت هو للحظات بينما يزيح الستار عن النافذة أمامه ليرى همسة تخرج من الكوخ تسير جوار الخادمة ...
ابتسامتها المشرقة تنير ملامحها ...
عيناها الواسعتان اللتان حُرّمت عليه رؤيتهما من قريب ترنوان للسماء الصافية وهي تفتح ذراعيها على اتساعهما كأنما تحتضن الكون ...الكون كله ...
خطواتها تتقافز برشاقة وهي تدور حول نفسها كحورية أسطورية فرت من جنان النور لا تعرف شيئاً عن دنس أهل الأرض ...

لهذا لم يملك ابتسامته هو الآخر ليتنهد بحرارة بينما يجيب أمه أخيراً:
_لو تهمك سعادتي فأنا بحلفلك ...عمري ما كنت مبسوط زي ما أنا دلوقت ...أرجوكِ يا ماما سيبيني أكفر عن ذنبي للآخر ...همسة كل يوم بتتحسن وقريب قوي هترجع زي زمان ...

ثم صمت لحظة ليردف برجاء اخترق نبرته الحازمة :
_ما تضغطيش عليّ بخوفي عليكِ ...انتِ عارفة إن ضغطك عالي ومابتستحمليش انفعال ...بس غصب عني مااقدرش أسيبها هي كمان دلوقت .

صوت زفرتها الحانقة يكون جوابها الوحيد قبل أن تغلق الاتصال في وجهه فيطرق برأسه بأسى وهو يشعر بأن الهوة بينه وبين أمه تزداد عمقاً يوماً بعد يوم ...

لولا خوفه من مرضها لكان موقفه معها أكثر حسماً لكنه يعلم أن أي انفعال قد يؤذي حياتها لهذا يحاول قدر استطاعته موازنة الأمور ...

صوت ضحكة همسة العالية يصله مكانه فيرفع وجهه من جديد...
لتعود الابتسامة لشفتيه وهو يرى الخادمة تجاريها عدواً في الحديقة فيما بدا كسباق كسبته همسة التي انثنت على جذعها أخيراً بضحكة ظافرة وسط أنفاسها اللاهثة في مشهد ذكره بتاريخهما القديم ...

ابتسامته تتسع وهو يراها تعود لشرودها فجأة لتستقيم بجذعها من جديد وكأنما نفس الخاطر راودها ...
هل تفتقد ماضيهما كما يفتقده ؟!
يعقد حاجبيه بترقب وهو يراقب ملامحها خفية خلف الستار ليجدها تتلفت حولها كأنما تبحث عنه ...
قبل أن تضع كفها في جيب سروالها لتستخرج منه عصابة عينيها التي وضعتها بنفسها كأنها... تناديه !!

النداء الذي لم يستغرق بضع ثوان حتى شعرت بعطره يداعب حواسها لتعود لها ابتسامتها وهي تفتح ذراعيها على اتساعهما من جديد ...

_رائد !

تهمس بها بتلك الطريقة التي تذيب فؤاده ليختصر المسافة بينهما ...يضمها بين ذراعيه ويدور بها بضع دورات ...
صوت ضحكاتها الرقيقة يغرد من جديد في أذنيه فيضحك بدوره قبل أن يسقط بها أرضاً ليجلسها بين ذراعيه ...
رأسها يستقر بين ذراعه وصدره يهدهدها كالرضيع بينما تثني ساقيها لتتكور في كنفه...
قبل أن يتناول زهرة من جانبه داعب ببتلاتها باطن قدميها لتغرد ضحكاتها من جديد وهي تحاول إبعاد ساقيها بينما تخفي وجهها في صدره ...

_فاكرة أول مرة عملنا فيها كده ؟!

يهمس بها في أذنها وشفتاه تغازلان وجنتها الناعمة لتصمت للحظات كأنها تجاهد للتذكر قبل أن تهمس له بخفوت :
_يوم شم النسيم...حفلة ...بيت بابا ...

يبتسم بأمل وهو يعود ليداعب باطن قدمها لكن برقّة أكبر هذه المرة ...
يود لو ينطلق لسانها بالحديث كالسابق لا مجرد كلمات متقطعة كهذه ...
لكن لا بأس !!

_الوردة كان لونها إيه ؟!


يسألها وأنامله تداعب وجنتها بينما يثبت رأسها على صدره لتصمت قليلاً كأنها تجاهد للتذكر قبل أن تتمتم بخفوت :
_"روز"!

قبلته الناعمة على شفتيها بدت كمكافأة على تذكرها ...
مكافأة شجعتها لتفاجأه بتفاصيل الموقف كله يومها ...

كيف تركت الحفل لتهرب إلى الحديقة كي تلتقي به سراً ...كيف دارت حول نفسها وهي تريه ثوبها الوردي بتفصيلته شديدة الأنوثة ...وكيف قطف لها زهرة بنفس لون الثوب ليضعها في شعرها لكنها تهربت منه عدواً ليلحق بها فيسقطان -تماماً كما الآن- ...
ينخلع كعب حذائها فيشاكسها وهو يرميه بعيداً قبل أن يبدأ في دغدغة باطن قدمها بزهرته ...


قلبه يخفق بجنون وهو يستعيد هذه الذكرى بصوتها ...
لا يكاد يصدق هذه السعادة التي تجتاحه وهو يشعر بها بين ذراعيه تتحدث إليه هكذا ...
لهذا شدد من قوة ضمه لها لينثر هدايا شفتيه فوق بشرتها ...
قبل أن يقبل عينيها فوق عصابتها هامساً بنبرة ذائبة :
_فاكرة وقتها كنت بحبك أد إيه ؟!

همهمتها الناعمة تجيب بخجل يلون وجنتيها فيتناول راحتها ليبسطها على صدره بينما يهمس أمام شفتيها بما سمعه قلبها قبل أذنيها:
_أنا بقا بحبك دلوقت أد وقتها ألف مرة !

تمرغ وجهها في صدره وضحكتها تغرد من جديد فيضحك بدوره وهو ينظر في ساعته مرغماً ...
إنه موعد حضور ياقوت اليومي الذي لا تخلفه !!

يرمق البوابة من بعيد بنظرة خاطفة ليلمحها تفتح بينما ظلها الواثق يقترب ...
يلوح لها بكفه فتبتسم برضا وهي تطالع جلستهما الهانئة بشرود...
قبل أن ترى همسة تقفز بحيوية من بين ذراعيه
لتصلها كلماتها المتقطعة :
_تلعب؟! اجري انت ...هامسكك وأنا... مغمضة ؟!

تتسع ابتسامتها وهي تراهما يلعبان بهذه الطريقة فلم تشعر بنفسها وهي تتناول هاتفها لتصور هذا "الفيديو" لهما وترسله ..."إليه"!!
أجل ...زين!!
لماذا فعلتها رغم أنه لم يحاول مهاتفتها مرة واحدة منذ سافر كأنه يؤكد لها أنها حقاً النهاية ؟!

ربما ...لأنها -بعين مهنيتها- تريد أن تثبت له تطور الحالة ...
ربما ...لأنها -بعين إنسانيتها- توقن أنه يشتاق رؤية أخته سعيدة هكذا خاصة في سفره ...
وربما ...لأنها -بعين قلبها - تريد أن تشعر أنه -مهما ابتعد - قريب!!

الخاطر الأخير يوجع روحها بهذا الوخز المؤلم وهي تطالع هاتفها بترقب ...
لقد رأى رسالتها لكنه ...لم يرد !!
"رسالة صامتة" وصلتها واضحة لتضعها جوار شبيهاتها فتكمل مشهد النهاية المنتظر!!

عيناها تمتلئان بالدموع وهي تشعر بالمزيد من
الانهيار بينما تتسلل أناملها خفية تتحسس قرطه في أذنها ...


لقد دفن ورقة "العشر جنيهات" زاعماً أنه يقتل ذكرى موجعة...
ليمنحها عوضاً عنها ذكرى أشد وجعاً ...
أناملها لم تعد تتحسس ذاك الموضع في صدرها حقاً لكنها صارت تتلمس موضع قرطه في أذنيها ...
وكأنما كتب عليها أن تبقى للقلب ندبة وجع يتحسسها في كل حين !!

تغمض عينيها بألم وهي تتخيل جلسة في حجر ثمر اشتاقتها حد الجنون ...
لا بأس !!
الحلم كان أروع من أن يتحقق على أي حال !!

صوت ضحكات همسة ينتزعها من شرودها فتعاود فتح عينيها كأنها تنفض عنها ضعفها بقوة تتناقص يوماً بعد يوم ...
لكنها ستقاوم لآخر رمق !!!

وفي مكانه كان زين يطالع هاتفه بعينين جامدتين تناقضان هذا الحريق المستعر بصدره !!
شبه ابتسامة تكلل شفتيه لمرأى همسة الضاحكة بين ذراعي رائد ...
مشهد مشرق يوحي ب"وهج البداية" لهمسة لكنه رغماً عنه يحمل له "ذبول نهايته " معها ...هي !!

هي التي صار يصحو كل يوم كي يعقد في حبل فراقهما عقدة فوق عقدة لعله يوصد الباب في وجه قلب يعانده بجنون !!
قلب لم يعد يرى سوى صورتها في جميع وجوه النساء !!

هذا القلب الذي يستحلفه الآن أن يهاتفها ...
مجرد لمسة للشاشة تحمل إليه صوتاً بات عشقه هوساً ...
هوساً يجتاح يقظته قبل أحلامه ...

لكنه يقاوم كل هذا بعناد رجل طالما تباهى بقهر مشاعره !

لهذا تلاعبت أنامله بالشاشة ليتجاهل فيديو همسة مؤقتاً ...
لكنه عينيه اصطدمتا ببقية الفيديوهات على هاتفه ...
وبالتحديد -اثنان - منهما ...
الأول - القديم - له مع ياسمين يساوي "فضيحة"...
والثاني- الحديث- ل"ياقوت" ليلة حادثة القطار و
أهل بلدتها يستقبلونها في شبه مظاهرة عاطفية تساوي "تاج شرف"...
فكم بينهما؟!!

يزفر زفرة قصيرة وهو يمسح "الفيديو الأول" بسرعة تساوي سرعة تقبله لخسارة ياسمين ...
بينما تتلكأ أنامله ببطء على الثاني ليجد نفسه عوضاً عن أن يمسحه يعيد تشغيله من جديد ...
مرة تلو مرة دون ملل ...
وفي كل مرة يستعيد صورتها ب"قمرين سجينين" في عينيها يستصرخانه أن يحررهما ...

القرار لايزال صعباً على رجل اختار العقل سيداً على القلب ...
فباغته القلب بثورة عصية !!

تنهيدة حارقة تغادر صدره وهو يعيد الهاتف بحسم لجيبه ...
أي "ياقوت" يجب أن يرى؟!
ابنة الخادمة والمجرم التي تطاردها الفضيحة ونظرات الناس؟!
أم الطبيبة الذكية الحاذقة التي يفتخر بها كل من عرفها ؟!!
بل والسؤال الأقوى...
أي "زين" هو؟!!
الابن الذي عاش عمره يشمئز من ضعف والده باتباعه نزوات قلبه ويكره أن يحذو حذوه ؟!
أم الرجل الذي وجد "كل نسائه" في امرأة بعينها ؟!
امرأة هزت عرش رجل طالما زعم أنه لا يُقهَر؟!

ربما لو عرف الإجابة عن أسئلته هذه لكان القرار المنتظر أكثر يسراً ...
لكنه لايزال يدور في متاهات ماضٍ لوث حاضره ...
فكيف يكون الغد إلا لغزاً غامضاً ؟!
=======







عاد زين من سفره إلى هنا رأساً وكأنما قلبه يخبره أنه لن يجد راحته إلا في مكان يحمل عبقها ...
تتردد أنامله وهو يضع المفتاح مكانه في ثقب الباب...
ماذا لو وجدها هنا ؟!
ماذا لو كانت عادت هي الأخرى تترقب مجيئه ؟!!

ابتسامة مريرة تمنحه الجواب وهو يفتح الباب أخيراً ليصطدم بمشهد الشقة البارد ...
رائحتها تملأ المكان حتى وهو يعلم أنها لا تتعطر!!
رائحتها لا يدركها أنفه إنما يستشعرها قلبه بما تمنحه إياه من سكينة ...
تعلمون شعور الصمت المفاجئ بعد طول صخب؟!!
هكذا بالضبط هو وصف إحساسه بالأنس بها ...
هذه بالضبط ...رائحتها ...
رائحتها التي لن تشبهها فيها امرأة ولن تشترى بكل أموال الأرض!!

يزفر بقوة وهو يغلق الباب خلفه ليتوجه نحو
الأريكة القريبة ...
هنا حيث قرأت بين ذراعيه له أول كتاب ...
وحيث شرب ما أعدته له بيديها ...
وحيث ظن أنه امتلكها كشعاع شمس يغشي عينيك فيملأ الكون حولك لكنك تدرك فجأة أن أصابعك أبداً لن تناله !!

يقف أخيراً ليتجول في الشقة الخالية...
الغرفة المقيتة التي كسرت مرآتها ...
الغرفة الأخرى التي بقي كل شيئ فيها لا يزال يحمل ذكريات ليلتهما الأخيرة هنا ...
كيف نامت بين ذراعيه ليجمعهما دفء الحلم ....
وكيف استيقظ كلاهما بعدها على برودة الحقيقة !!


افتقدها ؟!!
لا...لم يكن شعوره مجرد افتقاد ...
ولا حتى مكاناً بأكمله تركته بروحه شاغراً بعد رحيلها ...
بل كان يشعر أنه هو بأكمله قد انصهر بغيابها ليتحول لآخر !!
آخر هان في عينيه كل ما يملكه سواها ...
وصارت هي المغنم الحقيقي!!

هل هكذا شعر أبوه وهو يستهين بحياته لأجل امرأة ؟!
ألهذا استخف به وبأمه كي يتبع قلبه ؟!
القلب الذي يخفض جبين الرجال؟!!

يعقد حاجبيه بشدة والصراع القديم يعاود سحق روحه ...



الصراع الذي لم يعشه من قبل مع ياسمين رغم اعترافه لها بالحب ...
ربما لأن ياسمين بصفاتها لم تكن تناقض مواصفاته القياسية في امرأة يريد إعلانها كزوجة !!
وربما لأنه وقتها ما كان يعرف معنى شعور كهذا الذي يكتسحه بجنون مع ياقوت !!

علاقته بياسمين كانت سهلة القيادة...سهلة السيطرة ...كذلك كانت سهلة الإنهاء!!
لكنه هذه المرة يشعر كأنما تنجرف به عربته من علوّ ليهوي دون تحكم ...
دون حول ولا قوة !!



قلبه يناحر عقله بضراوة لم يعرفها قبلاً ...
وهو الشريد بينهما ...
لقد ظن السفر سيحسم الأمر لصالح أحدهما ...
لكنه لم يزد قلبه إلا تعلقاً ...
ولم يزد عقله إلا عناداً ...
فأين المفر؟!
========










متكئة على الأريكة بإرهاق تحاول الخلاص من أفكارها الخانقة ...
ثمر وحالها المقبض في السجن لولا الأمل بقرب خروجها ...
لجين ومرضها الغريب ...
هيثم وعلاقتها التي تحاول توطيدها به رغم حساسية الوضع مع والدته التي تظهر كراهيتها لها كلما رأتها لولا تدخل إسلام في كل مرة لتلطيف الوضع ...
عملها بين المركز القديم الذي لفظها والمركز الجديد الذي يعرضه عليها إسلام ...
وأخيراً...
هو!!
هو الذي تشعر بحبه ك"مخدر" أساءت استخدامه حتى أدمنت أثره !!


تتلفت حولها في المكان فينتابها حنين غريب لشقته "هو"!!
رغم أن هذه تماثلها في الأناقة لكنها باردة ...موحشة ...
كتمثال بلا روح!!
تماماً كحياتها كلها الآن !!

صوت رنين الجرس يقاطع أفكارها فتبتسم ابتسامة حقيقية وهي تتوقعه "إسلام"!!
إسلام الذي صار في أيام قليلة هو النسمة الوحيدة الباردة في جحيم حياتها الذي تعاصره هذا !!
لهذا هبت من مكانها لتضع عليها وشاحها احتياطياً ثم فتحت الباب بلهفة لتتسع عيناها بصدمة وهي تطالع الوجوه الغريبة أمامها بينما تميز في أحدهم زي رجال الشرطة ...



_الشقة دي بتاعتك ؟!
يسألها أحدهم بفظاظة لتجيبه بارتباك :
_لا ...بس ...

عجزت عن إيجاد وصف مناسب والموقف كله يثير ذعرها...
ليقاطعها الرجل بنفس الفظاظة :
_ملبوخة كده ليه ؟! بتاعتك واللا مش بتاعتك ؟! معاكِ عقد تمليك ؟! عقد إيجار؟! واللا صفتك إيه هنا؟!

صعد الدم لرأسها من لهجة الضابط المهينة لتهتف بانفعال:
_دي شقة أخويا وهو سايبهالي؟!
_أخوكِ؟!


هتف بها الضابط بازدراء ليشير للرجل جواره والذي تقدم منها ليجذبها بعنف من ذراعها نحو الخارج فهتفت وهي تحاول تخليص نفسها منه ...
_سيب دراعي ...هو في أيه ؟!


_فيه إنك بجحة !! أصحاب الشقة دي مقدمين بلاغ إنك واضعة يدك عليها بلطجة وكمان سارقة منها مبلغ كبير ...اتفضلي معايا يا "بتاعة أخويا"!!

اللهجة الحادة المهينة التي نطقها بها ألجمت لسانها وهي تتلفت حولها مصدومة ...
ما الذي يحدث ؟!
هل خدعها إسلام؟!
هل كان يستدرجها لينتقم منها بهذه الطريقة ؟!!
بماذا ستبرئ نفسها ؟!!
هي لا تملك عقد إيجار ولا مايثبت سبب وجودها في هذا المكان ...
والأدهى أنها لا تعلم من هم أصحاب الشقة هؤلاء؟!
لقد وثقت في إسلام عندما أخبرها أنه وفر لها سكناً وافترضت أنها له !!
ما الذي يحدث ؟!
وأين يذهبون بها ؟!

الأسئلة تتوالى من بين شفتيها تباعاً تصرخ بها في وجه الضابط الذي لم يكبد نفسه عناء الرد عليها بينما رجاله يسحبونها قسراً ليهبطوا بها الدرج نحو سيارة الشرطة ...
صراخها الحاد ينكمش رويداً رويداً وهي تطالع وجوه الناس الذين فتحوا أبواب شققهم يطالعونها بفضول ...
والذين تجمعوا حول سيارة الشرطة التي دفعوها فيها دفعاً كجوال بلا قيمة !!
بلا قيمة !!
بلا قيمة !!

هكذا كانت تشعر ودموعها المتجمدة على وجنتيها تبصر النظرات المستهينة المزدرية في عيون من حولها ...
الآن فقط ينهار ما بقي من قناع قوتها ...

الآن تنسى "ياقوت سليمان" ولا تبقى سوى "ابنة الخادمة والمجرم"!!
هاتفها في جيب تنورتها لكنها لا تقوى على إخراجه ...
بمن عساها تستغيث ؟!!
إذا كان إسلام من فعلها !!
لكن ...لا !!
هي لن تخطئ فهم الناس إلى هذا الحد !!

إذن ...ماذا يحدث ؟!
وأين يذهبون بها ؟!!

الرحلة القاسية تنتهي بها في زنزانة ضيقة مع وجوه مشبوهة تأملتها بفضول قاسٍ ...
وتأملتها هي في البداية بصدمة...
صدمة تحولت لرعب ..ثم لانهيار.. ثم لخواء!!

خواء امتص روحها وهي تلتصق بالقضبان محاولة تجاهل ما يدور خلفها...
تحاول تنفس الهواء بالخارج تقنع نفسها أن النجدة قريبة ...
هل هكذا تشعر ثمر في سجنها ؟!
هل هو نفس الشعور بالهوان ...بالظلم ...بالقهر ؟!!

الوقت يمر ولمزات النساء حولها تكاد تعريها من ثيابها ...
إحداهن تقترب منها وهي تلوك قطعة من العلك في فمها بتلك الطريقة المستفزة لتجذبها من قميصها هاتفة بلهجة أثارت اشمئزازها :

_جاية في إيه يا حلوة ؟! شكلك كده مش بتاعة آداب ...
_واللا يمكن دي الموضة الجديدة ...رجالة اليومين دول ذوقهم بقا "..."!!

تتسع عيناها بصدمة والألفاظ النابية التي تخدش أذنها تكاد تصيبها بذبحة صدرية ...
هي حقاً هنا ؟!!
ياقوت سليمان هنا ؟!!
وسط هؤلاء يسخرون منها كما شاءوا؟!
وحدها ...وحدها تماماً يتخبطها الموج دون سند !!

_بالراحة عليها يا جماعة ...دي مهما كان "وليّة مكسورة الجناح " زيينا!!

تهتف بها إحداهن لتتبعها بضحكة رقيعة ساخرة كانت لتثير اشمئزازها في أي وقت ...
لكنها الآن تشعر بها وكأنها جرس تنبيه أخير أن وقت "الأمل الكاذب" قد انتهى ...
أن الجبل الذي عاشت عمرها تصعده خطوة خطوة حتى كادت تصل لقمته الآن تنحدر منه نحو الهاوية ...
الكذبة التي عاشتها أنها تصنع اسمها ومكانتها لم تكن سوى فقاعة وهمية انفجرت فجأة لتذكرها ...
تذكرها أنها بعد طول تحليق هوت ...
لتبدو لها الحقيقة العارية أنها في هذا العالم ...
بلا قيمة ...
بلا قيمة حقاً!!
=======





_باقول كفاية عليها كده وأروح أخرجها ؟!
قالتها جيلان عبر الهاتف بتردد وهي تتلفت حولها خشية أن يسمعها هيثم أو إسلام ...
لترد سوزان عبر الجانب الآخر من الاتصال :
_فعلاً كفاية ...ده لوي دراع بس عشان تعرف قيمتها كويس وتفهم إن اللي زيها حشرة تتداس في أي وقت .

قالتها سوزان بغلّ واضح وهي تسترجع كيف كانت هذه فكرتها التي حرضت عليها جيلان ...
ياقوت هذه يجب أن تبتعد عن همسة !!
لن تسمح لها أن تستمر في هذه التمثيلية السخيفة التي يقوم فيها ابنها رائد بدور البطولة دافناً عمره ومصلحته بين أنقاض وهم !!

_خايفة إسلام لما يعرف ياخد مني موقف ...ماعرفش البنت دي قدرت إزاي تخلليه يتعلق بيها كده هو وأخوه !


غمغمت بها جيلان وقد بدأت تشعر بعواقب فعلتها التي دفعتها إليها صديقتها واتبعتها هي بواعز من شعورها بالحقد تجاه ياقوت ...
الصورة الحية المجسدة لخيانة رجل ضاع معه عمرها -السابق- بخديعة و-الآتي- بفضيحة !!!

_ماهو عشان كده كان لازم نكسر شوكتها ونعرفها مقامها ...لو داخلة طمعانة فيكم وفاكرة إنها هتميّل دماغ الولدين بحدوتة زمان يبقى تنسى ! اسمعي
كلامي الصنف اللي زي دي يخاف ما يختشيش!!

هتفت بها سوزان بنبرتها الهستيرية لتردف بعينين متوهجتين حقداً:



_انتِ تروحي دلوقت وتخرجيها ...قولي للضابط إنك لقيتي الفلوس وإن إسلام هو اللي دخلها الشقة وانتِ ماكنتيش تعرفي ...بس بعدها تاخديها على جنب وتعملي اللي اتفقنا عليه ...اكسري رجلها من بيتك ...لا مش من بيتك بس ...من البلد كلها ...خلليها ترجع بلدهم تشوف لها كام غنمة ترعاها ...هي دي قيمتها اللي لازم تعرفها ...وهدديها لو ماسمعتش الكلام إن اللي حصل ده هيتكرر بأفظع منه ...
ثم ضحكت ضحكة محتقرة لتنهي حديثها بقولها الساخر:
_"الست الدكتورة" اللي فاكرة نفسها هتصلح الكون !!
=======





وقفت ياسمين في الركن الخاص بها في المطعم تراقب العاملين بشرود ...
أحداث الأيام السابقة غريبة حقاً !!
لقد استمعت لنصيحة ياقوت وصارحت يامن بشأن هواجسها !
يامن الذي بدا مصدوماً في البداية قبل أن يسعى للتأكد من الخبر ...
والنتيجة ...لا شيئ!!
هي مجرد واهمة !!
سيلين ليست في مصر أصلاً!!

هل ترضيها هذه النتيجة ؟!!
الغريب أن لا!
هلاوسها هذه تزداد ضراوة مع اقتراب موعد ولادتها والمصيبة أنها لا تصدق أنها مجرد هلاوس!
إنها ترى سيلين حقاً!

تراها تتوعدها بعينيها ونظراتها لبطنها المنتفخ كأنما تترصدها وطفلتها بانتقام !!

ياقوت؟!
لقد أخبرتها هي عما اكتشفه يامن بذعر لتهون عليها الأمور بزعمها أن ما مرت به صعب حقاً ولا بأس أن تكون هذه من تبعاته ...
اقترحت عليها بعض الجلسات التي استجابت لها كمجرد ثرثرة في النادي دون اقتناع حقيقي ...
لا يمكن أن تكون قد وصلت إلى هذه الدرجة من الهلوسة !!

صوت رنين هاتفها يقاطع أفكارها فتبتسم وهي تتعرف إلى هوية المتصل ...

_إزيك يا عابد ؟! لو كنت أعرف إن البلد هتاخدك مننا كده ماكنتش وافقت يامن ع اللي عمله !

قالتها باشتياق حقيقي ليرد بود مماثل:
_أنا أيضاً افتقدتك ...كيف حالك ؟!ألم تصل الصغيرة بعد ؟!

لم يعد تحدثه بالفصحى يدهشها بل صار أيقونة مميزة ل"تدين حقيقي" تلمسه في أفعاله وليس مجرد "مظهر خارجي" كالسابق ...
لهذا ضحكت وهي تجاريه في طريقة حديثه
بالفصحى:
_نعم ...لم تصل بعد ...لازلت في الشهر الثامن ...النساء يلدن في شهرهن التاسع لو كنت تفطن لمثل هذه الأمور!

ضحكته العالية تطرب صدرها فتجزيه بمثلها لتعاود سؤاله بحذر مشفق:
_والدتك أخبارها إيه ؟!


_بخير ...تريد مني العودة لماليزيا لكنني أحاول إقناعها بالبقاء هنا مدة أطول ...أحببت صحبة الشيخ وأجواء القرية هنا .

جوابه يفضح لها ارتياحاً حقيقياً اطمأنت له روحها فصمتت للحظات لتعاود قولها بحنان راجٍ:
_ادعيلي يا عابد ...محتاجة دعاءك قوي!

_أنتِ بخير؟! هل آتِ إليكِ؟!
يهتف بها بجزع مستشعراً القلق في نبراتها لترد بضحكة مصطنعة :
_لو عليّ هتدلع عليك وأقوللك تعال ...بس حقيقي مش عايزة أتعبك ع الفاضي ...لكن اعمل حسابك من أول الشهر التاسع هاعلن حالة الطوارئ وأطالب الجميع باستنفار عام وقهري!

قالتها بدلالها الفطري الذي قابله هو بحنانه :

_لا تقلقي يا "وصية أبي" ...يكفيني منك نداء واحد !

ابتسمت برجفة قلب ذات شجن وهي تسمع منه هذا اللقب الذي صار يميزها به منذ التقاها بعد وفاة أبيه ...
وقد حكى لها عن رؤيا صديقه "الصالح" بمشهد أبيه وهو يحمل في يده "الميدالية الكريستالية الملونة"...وكيف اعتبرها من يومها وصية والده التي لن يفرط فيها أبداً!!

لهذا أغلقت معه الاتصال بقلب مطمئن لتعود لمراقبة عملها ...
الغريب أن هلاوسها ب"سيلين" اختفت تماماً بعدها كأنما "يذكيها" الفراغ و"يطفئها" شعورها بالحب ممن حولها كما أخبرتها ياقوت قريباً!



لهذا شعرت بالكثير من الارتياح وهي تغادر المطعم لتستقل سيارتها نحو بيت بيللا التي اقترب موعد عيد ميلادها...
هذا الذي تذكرته وهي تفكر في المرور على أحد المحلات كي تفاجئها بهدية تليق بها ...
لكنها ما كادت توقف السيارة جانباً حتى حانت منها التفاتة عابرة لمقعد السيارة الخلفي لتصرخ فجأة بهلع !!

صرخة كان لها ما يبررها وهي ترى لباس رضيع قد تلوث كله بالدم !!
==========






_رد يا يامن ...رد !!

هتفت بها بين صرخات بكائها المكتومة بينما تتحاشى النظر للخلف ولازالت قابعة في سيارتها ...
تمسك هاتفها بيسراها بينما كفها الأيمن يمسد بطنها برعب تتلمس حركة صغيرتها كأنما تريد التيقن من أنها بخير !!

_لا بقا!!!
صرخت بها بعجز وهي تخبط هاتفها بالمقعد جوارها بعدما أدركت أن هاتف يامن خارج التغطية !!

جسدها كله يختض بهلع وهي تختلس نظرة أخرى للمقعد الخلفي لم تزدها إلا رعباً !!
تهيؤات؟!!
هلاوس؟!!
حقاً؟!!

انهمرت دموعها غزيرة وهي تشعر بالرعب يجمد أطرافها ...
تمد أناملها ببطء مرتعب نحو المقعد الخلفي لتتحسس القماش الملطخ بالدم بينما تغمض عينيها ولاتزال غير قادرة على رؤيته من جديد ...
وهم ؟!!
هل هو حقاً وهم ؟!!
لا!!
إنها تستشعر خامة القماش الناعمة !!
هل أصيبت بالجنون حقاً؟!


تتلفت حولها بعجز وهي تحاول الاتصال بيامن من جديد ولما عجزت وجدت ملامحها تتجمد فجأة وهي تدرك أين هي ...

إنها قريبة تماماً من بيت ياقوت الذي عرفته يوماً ...


لا مجال لتفكير ...
فلتذهب إليها ولترَ بنفسها إن كانت هذه حقاً مجرد هلاوس!!
=======









بعدما حدث وفي هذا الوقت المتأخر من الليل لم تجد لها ملاذاً إلا شقته !
هذه التي أقسمت على نفسها ألا تدخلها أبداً !
لكن ما حيلتها وقد صارت نفسها الآن أهون عليها من أي وقت مضى؟!

عزاؤها أنه -هو- ليس فيها ...
ستقضي ليلتها ها هنا وتغادر صباحاً في أقرب قطار لقريتها ...
ستترك كل شيئ خلفها هنا لعلها هناك تلملم شظايا روحها المكسورة ...

بقايا "قناع قوتها " يمنحها بعض التماسك الذي
تلاشى سريعاً بمجرد أن أغلقت الباب خلفها ...
عيناها تجوبان المكان تستعيدان كل ذكرى تركها هنا ...


كيف يمكن أن يختزل العمر في دقائق؟!
أن يختزل الكون في بضعة أمتار؟!
أن تختزل المشاعر -كل المشاعر- في ضمة عناق؟!!
وأن يختزل اليأس في مكان خلا منه !!

لكن ...هل كان هو حقاً أملاً؟!
أم أنه فقط أثر الفراق الذي ينتزع من الأشياء قشرة سوادها ليغرينا بما فقدناه...فافتقدناه ؟!!

آهة خافتة تشق صدرها شقاً وهي تتذكر أنه لم يحدثها بكلمة منذ سفره ...
إنه حتى لم يطمئن منها على أخته !
لكن لما العجب؟!
هو اتبع درب العقل وكان من الذكاء ألا يتوه في دروب قلب اختار لظبيانه المرعى الخطأ!!


تعلم أنه أحبها!
لم يقلها لسانه لكنها سمعتها منه ألف مرة ...وبألف وعد ...
تماماً كما تعلم أنها أحبته ...
أنه كان "الأول" في كل شيئ...
أول حب خفق له قلبها بتمرد عاصٍ...
أول لمسة لجسد تفتحت تحت شمسه براعم أنوثته ...
وأول حلم يراوغها بمكر وقد ارتدى قناع "الحقيقة"...
لكن ...
آن لل"الجواد الآبق" أن يتلقى سوط وجعه كي لا يعود للهرب من السياج!!

الخاطر الأخير أجرى المزيد من الدموع على وجنتيها لتخلع عنها حجابها فتصطدم عيناها بمرأى وجهها في مرآة قريبة ...
وجهها الذي كادت تنسى تفاصيله منذ ألبسها بيديه ذاك "القرط"!!
لونه الأحمر الصارخ يترقرق في عينيها بلون الحب والألم !
أجل تماماً مثله !!

اختار هديته لتخترق لحم أذنها بذاك المزيج من
الألم والحميمية ...
اختارها قريبة معذّبة ...لكنها مغرية ...كهواه !!

خطواتها تنسحب نحو غرفة المكتبة التي لا تدري كيف صارت تألفها هكذا كأنما عاشت فيها ألف عمر ...
نظراتها تتلكأ على أريكة شاركها فوقها النوم يوماً كعاشقين ...
قبل أن توقظهما صحوة الإدراك !!

على الأرض مستقرة تلك الرواية منذ ليلتها ...
"نحن لا نزرع الشوك "...
أجل ...لا نزرعه ...ولا نريد حصاده ...لكنه يستعمر
الأرض تحت خطواتنا رغماً عنا ...
فأين المفر؟!


تتحرك ببطء نحو المكتب الفخم هناك ...
تستند على حافته بكفيها مطرقة الرأس ...
جسدها الذي أرهقها إعياؤه يكاد يستحلفها جلسة على الأريكة لكنها لم تستطع ...
لم يعد القلب الجريح يحتمل سهم اشتياق غادر ...
ولا ثوب الكبرياء يحتمل المزيد من "الرقع"!!

ستقضي ليلتها واقفة هكذا ...
لعلها تمرن نفسها بعده ألا تقع !!
لعلها تخدع هذا القلب أن له بعده غداٌ ...!

لم تدرِ كم ظلت واقفة مكانها تجتر ذكريات عناقاتهما واحداً واحداً...
لو يدرك أي خراب سيتركه في روحها برحيله لما فعلها ...
لكنها تعلمت بالطريقة الأقسى أنّا مهما ارتجينا لن نعيش العمر كله حالمين ...

_ياقوت!

هل سمعت صوته حقاً؟!
أم أن عقلها صار أشد بؤساً من قلبها حتى يخدعها بضلالاته ؟!

التفتت لتجده هناك واقفاً عند باب الغرفة يرمقها بنفس الذهول المصدوم كأنما لا يصدق هو الآخر أنها هنا ...
لحظة من الصمت المشحون بمشاعرهما مرت بينهما قبل أن يختصر هو الطريق بينهما لتجد نفسها من جديد بين ذراعيه ...

العناق الحادي عشر ...
بمذاق "الاشتياق"!!
الاشتياق الذي أذابهما معاً وهو يشعر بها لأول مرة تبادله عناقه !!

أجل ...ذراعاها كانا يتعلقان بعنقه بقوة توازي ضعفها هي الآن !!
قوة جعلته يكاد يعتصرها بين ذراعيه وهو يستعيد مرارة كل لحظة قضاها دونها ...

لم تكن وحدها من يستعيد مذاقات عناقاتهما واحداً تلو الآخر ...
هو أيضاً كان يحترق بنيران فقدٍ تفحمت معها روحه فلم تزهر إلا عندما رآها من جديد ...
هنا !
وأي دلالة أعظم من أن يجدها ...هنا ؟!
كأنهما قالبان من ثلج جمدهما الكبرياء وأذابهما لفح الحنين!!

_لو قلتلك وحشتيني ...هتصدقيني ؟!


يهمس بها بنبرته القوية التي زادتها مشاعره ثقلاً بينما يردف :
_وحشتيني لدرجة إني قابل إن حياتي كلها تتقلب عشانك !!

لكنها لم تكن -تستمع- فضلاً عن أن -تصدق-!!
"أحداث الساعات الأخيرة" كانت كالقطرة التي فاض بها البئر !
الوهن الذي ينخر في روحها كالسوس لم يدع مجالاً لأي قوة !!

تهديد "جيلان" العاصف منذ قليل يصيب هدفاً بكبريائها الذي أذلوه !!
صوتها الملطخ بحقدها لايزال يدوي في أذنها من ساعتها عقب خروجها من القسم ...

_أنا اللي خرجتك من هنا زي ما دخلتك ...اعرفي قيمتك بقا وارجعي بلدك يا شاطرة ...مالكيش دعوة بولادي ...المرة دي قرصة ودن خفيفة...المرة الجاية أوعدك تشرفي مع جدتك في نفس الزنزانة لحد ما تعفني هناك .

فلتنظر للجانب الوحيد المشرق هاهنا ...
إسلام لم يخدعها ...
هي لم تخطئ قراءة حنانه على أي حال !
لكن لتدرك قيمتها حقاً ولتتوقف عن الركض في مضمار ليس لها !!


لهذا بقيت صامتة ك"ليل صحراء" في كنفه....
فقط دموعها كانت تترجم كل هذا بينما ترتجف بقوة بين ذراعيه ليبعدها عنه أخيراً وقد ساءه صمتها هذا ليهمس بقلق:

_بتعيطي كده ليه ؟! وإيه اللي جابك هنا الليلة دي ؟! أنا رجعت من السفر امبارح على هنا ومالقيتكيش !

لكنها ترفع إليه عينين ذابلتين ولازالت لا تصدق هذا كله ...
كأنما مصائب الأيام السابقة كلها قد انزاحت غشاوتها عنها الآن فقط ...
وقد صار السقوط فريضة !!

_أنا تعبت ...تعبت قوي يا زين.

بلسان "غير لسانها" تقولها كأنما نزفتها روحها في غفلة عن سيطرتها المعهودة ...
نزفتها بآخر "جناح" قصوه لها منذ ساعات !!

لتجتاحه كلماتها كإعصار!!!
ليس فقط من النبرة الذبيحة التي ظللت حروفها ...
بل من "اسمه" الذي يسمعه منها لأول مرة ...!
لا...
لم يكن مجرد نداء لاسمه !
وكيف وهي تنطقه ك"تميمة" تلوذ بها من ضعفها ...
ك"لحن يائس" تدرك أن لن يسمعه سواهما ...
بل ك"استغاثة غريق" يلفظ معها آخر أنفاسه !

ومن هو كي لا يلبي؟!!
جسدها يكاد يتهاوى بين ذراعيه بهذه الرجفة القاتلة وعيناه تتشبثان بنظراتها بمزيج من رجاء وقلق ...

مارد "جنونه" الذي طالما تباهى بقدرته على إلجامه
الآن يتحرر ليعربد بين حنايا روحه ...
فيرجها رجاً بين ذراعيه هامساً بها بأنفاس لاهثة :
_قوليه تاني ...قوليه !

لم تكن تعي ما يقول!
ذهنها الغائب ارتاح في غيبوبة اختيارية فر إليها عقلها بعد عجزه عن الصمود ...
فقط شفتاها انفرجتا ببطء و"القمران السجينان" في عينيها يبزغان له كأوضح مرة يراهما فيهما ...
دون غيوم !!

هنا فقد سيطرته تماماً على مارد جنونه وشفتاه تطاردان بقايا "تعويذة اسمه" على شفتيها ...
العناق "الثاني عشر"...
بمذاق الرغبة الحسية الخالصة هذه المرة !!

لم يشعر أبداً في حياته بهكذا امرأة تثير حواسه حد هذا الجنون !!
انصهاره بها لم يشبه ولو من بعيد أي إحساس مشابه ذاقه ...
كأنما هاهنا فقط أدرك اللذة التي اشتهاها في كل النساء!!

بينما ازداد تهاويها بين ذراعيه ك"جبل" نسفوه -لتوه!!
تتلقى عاطفته الجموح ب"اشتعال منطفئ"...أو "انطفاء مشتعل" !!
كأنما انفصلت في ثانية ل"جسد" يشاطره نشوته ...
و"روح" هائمة تتلقفها الذكريات تتلظى بجحيمها دون معين ...

لكن المشهد القديم يطفو للسطح فتهوي مشاهده
كالسياط تجلدها ...

السكين ...
الجلباب الأحمر ...
الوشاح الممزق ...
السكين ...
الأصابع الغليظة ...
الصوت الثمل ...
السكين...
الساعة المكسورة ...
السكين ...
السكين ...
السكين !!!

ليلتها كانت عائدة من لعبها بالخارج ...
طفلة ذات عشر سنوات لاتزال براءتها تكلل ملامحها ...
اندفعت نحو غرفة ثمر ذات الباب الموارب لتفاجأ بأمها تبكي وهي تحكي لثمر عن واقعة تلك الليلة التي انتهكها فيها حسين ...
تروي لها التفاصيل تبرئ نفسها ...
فاختبأت خلف الباب تستمع بفضول تحول لرعب ...
كيف حاول في البداية إغراءها بذاك الجلباب الأحمر الذي أهداها إياه وطلب منها ارتداءه لكنها رفضت ...
كيف انتهز فرصة غياب زوجته ليختلي بها في مطبخ بيته ...ينقض عليها ...يمزق وشاحها وقد أفقدته الخمر عقله ...
كيف حاولت المقاومة بدفعه لكنه دفعها بدوره لترتطم بالحائط فتسقط الساعة الجدارية من مكانها ...
وتسقط هي معها ...
تلمح سكين المطبخ في متناول يدها ...لكنها تجبن عن فعلها!!

_ليه ما قتلتوش بالسكينة ؟! ليه ما غرزتهاش في صدره زي ما غرز عاري في صدري وصدر بناتي العمر كله ؟! والله يامّه لو رجعت بي الأيام كنت عملتها وماندمتش ...بس هو نصيبه يعيش ...وأنا وبناتي نتدفن بالحياة !

كلمات أشواق التي صارحت بها أمها انحفرت في ذاكرتها ليلتها ...
تخدش براءة طفلة لم تتعرف على هذا النوع من
العلاقات إلا بأسوأ وجوهه ...
لم تشعر بنفسها ليلتها إلا وهي تهرب من بيت ثمر للساقية القديمة تختبئ خلفها ...
تستعيد المشهد بذهنها قسراً لا طوعاً ولا تدري أنه لن يغادر مخيلتها ماعاشت ...
خاصة وقد كانت هذه آخر ليلة عاشتها أشواق!!
أجل ...وجدوها صبيحتها ميتة في فراشها كأنما قتلها "قهر الاعتراف"!
أو كأنما أرادت استجداء غفران ثمر وقد شعرت بدنو أجلها !!!

لهذا ظل المشهد الأليم مرادفاً لنهاية "أشواق" في ذهنها ...
يقرع الأجراس بين دهاليز روحها كي لا تنسى ...
كي لا تسقط ...
طوال عمرها وهي تتهمها بالتقصير ...بالتخاذل ...
لو لم تضعف حينها لما نالهن ما نالهن !!

وعيها يعود إليها الآن جزئياً لتشعر فجأة بعريها هي !!
كيف سقط قميصها لتجتاحها لمساته بهذا الشعور الحارق ؟!!
جسدها "الخائن" يستجيب بأناته ...
وعقلها الذي استرد بعض شتاته يصرخ بها أن أفيقي!!

_لا ...زين ...لا...!


تكررها بصوت مرتجف لم يعد يفرق ماضياً من حاضر ...
بل لم يعد يميز شخصاً من آخر ...
هي ياقوت أم أشواق؟!
هو زين أم حسين؟!

بينما لم يكن هو قادراً على كبح جماح جنونه وتكرارها لاسمه يشعره بها قريبة كما لم تكن من قبل ...
ولو أدرك الحقيقة لفهم أنها لم تكن يوماً أبعد منه
الآن ...
وأن استجابتها لم تكن رغبة بل سقوطاً!!!

كفاها يتخاذلان عن صدره أخيراً لتستند بهما على حافة المكتب خلفها ...
عقلها لا يزال يصرخ بها أن تقاوم ...
فتجاهد نفسها كي تفيق ...
أناملها تتعثر ب"فتاحة الخطابات" هناك فيراها عقلها بعين الماضي ...

"السكين "!

الصور تتداخل في ذهنها والمقاومة "الواهية " تتحول لأخرى شرسة وهي لا تدري أي صورة ترى ...
فقط عندما سمعت صرخته المكتومة أدركت ما اقترفته يداها ...
لتتلاشى كل الصور فجأة فلا تميز أخيراً إلا صورته وقد سقط أمامها والدم ينزف من عنقه حيث أصابته فتاحة الخطابات !!

تشهق شهقة عالية كأنما هي من ذبحت !!
جسدها يتجمد بصدمته وكأنما فارقتها الحياة ...

__مش حقيقي ...ده كابوس ...كابوس!!


تتمتم بها بانهيار وجسدها يرتد لانتفاضته قبل أن تتحرك كالمغيبة لترتدي قميصها وتعدو مغادرة الشقة هاربة -مما تظنه-كابوساً يطاردها ...

بعد دقائق عبر الباب المفتوح ...
تدخل ياسمين بعدما طرقت الجرس لتتقدم نحو الداخل بحذر وهي تنادي باسم ياقوت ...
قطرات من الدم على الأرض لفتت انتباهها لينقبض قلبها بجزع وهي تفتش في المكان ...
قبل أن ينقبض قلبها برعب والصدمة تلجمها مكانها عندما تتبين هوية الجسد النازف أمامها !!
========






الصدمة تجمدها مكانها للحظات لتحيط بطنها بكفيها بحركة حماية غريزية ...
زين ؟!
هنا ؟!
لماذا؟!
ومن الذي فعل به هذا ؟!
هل تكون ياقوت ؟!
كيف؟!
والأهم ماذا ستفعل هي الآن ؟!!

رنين هاتفها برقم يامن يخرجها نسبياً من صدمتها فتتأمله برعب ...
يامن ...
ماذا ستكون ردة فعله لو أخبرته ...
هل سيصدقها ؟!

نظرة عابرة لجسد زين عاري الجذع تقبض قلبها أكثر بشعور بالرعب ...
تستعيد مشاهد الفيديو بجزع ملتاع وتتصور استنتاج يامن لو رآه الآن ...

لكن ماذا عن زين الذي ينزف هذا ؟!!
هل ستتركه يموت ؟!!
لحظات تردد طالت قبل أن تحسمها مضطرة ...
تفتح الاتصال لتجيب بسرعة:
_الحقني يا يامن ...بسرعة...

_انتِ فين ؟!
دموعها المنهمرة تختلط بحروفها وهي تهتف بانهيار:
_مش هتصدقني ...مش هتصدق ...

_انتِ فييييين؟!

يصرخ بها بقلق لتحكي له الحكاية بحروف متلعثمة ليغلق الاتصال في وجهها بسرعة ...
قبل أن تجده أمامها في دقائق مرت عليها كدهور وهي لا تدري ماذا سيحدث ...
تستقبله بملامحها المصدومة مع مروان الذي تصادف وجوده معه عندما كانت تهاتفه ...

نظراتهما تلتقي للحظات مشتعلة هادرة ليزيحها هو جانباً يطالع المنظر بغضب ...
قبل أن ينحني مروان فوق جسد زين يتفحصه بسرعة بينما تناول يامن هاتفه ليتصل بنجدة سريعة ...

صوت نشيجها المكتوم أمامه يجعله يرفع عينيها إليه وسلطان وساوسه يعاود بسط سلطانه ...
حكايتها عن أن هذه شقة ياقوت تبدو صعبة التصديق ...

لو أن هذه شقة ياقوت ما الذي يفعله زين هذا هنا عاري الجذع هكذا ؟!!
مشاهد متفرقة من "الفيديو القديم" تعاود غزو مخيلته فيكاد يفقد عقله ...

لكن ...لا!!
لن يعود لهذه الدوامة من جديد !!
لن يكفر بهذا العهد الجديد الذي أخذه على نفسه ...
ياسمين هي "مركز" إيمانه وما حولها مجرد دوائر تلتف مراوغة ...
هي وحدها "الحقيقة" وما دونها زيف مهما تشوشت الصورة !!
الصراع صعب...
لكنه سيحسمه !
ولو كان هذا اختبارهما الأخير فسيجتازه بجدارة !!


لهذا عقد حاجبيه بعزم وهو يستقيم بجسده ليتقدم منها عبر نظراتها الزائغة التي تفضح رعبها ...

لكنه ضمها إليه بقوة مهدئاً ليصلهما قول مروان المطمئن الذي حاول فيه كظم انفعالاته بعد تعامله
الأوليّ مع جرح زين النازف:
_ماتخافوش الإصابة مش خطيرة قوي...غالباً هو أغمى عليه عشان اتخبط في الكنبة دي مش من النزيف .

لكن يامن هتف مخاطباً ياسمين بحزم :
_أنا طلبت الإسعاف عموماً بس انتِ لازم تمشي حالاً.

_أمشي إزاي ؟! لا مش...
_ياسمين ...اسمعي الكلام !

صرخ بها هادراً لتفضح لها هذا الصراع الداخلي الذي يقاومه فتصرخ به هي بدورها :
_انت مش مصدقني ومش هتصدقني ...بس أنا مش جبانة عشان أهرب من حاجة ماعملتهاش .

نقل مروان بصره بينهما بتوتر وهو يدرك صعوبة الموقف على يامن إزاء تاريخهما المشترك مع زين ...

لكن يامن أطلق نزيف انفعاله في زفرة ساخطة قبل أن يعاود ضمها إليه محاولاً السيطرة على انفعالهما معاً:
_لو مش مصدقك ماكنتش فضلت هنا ثانية واحدة ...كنت هربت زي زمان ...لكن الوضع صعب دلوقت ووجودك هنا هيأزمه ...عشان خاطري ...عشان خاطر يمنى ...روحي دلوقت وأنا هاتصرف .


_يامن معاه حق يا ياسمين ...الحقيقة كده كده هتبان ...بس وجودك انت بالذات هيصحي اللي فات وهيدخلك في إشاعات مالهاش لزوم .

هتف بها مروان بحسم مدركاً خطورة الموقف على جميع الأطراف ...
ياقوت وزين ؟!!
ما الذي جمع هذه بذاك ؟!!!

_مفيش وقت ياللا !!


هتف بها يامن بحزم صارم فرفعت عينيها إليها بتردد لكن النظرة التي مزجت القلق بالرجاء في عينيه جعلتها تحسم أمرها ...
يامن يثق بها!
يؤمن بها !!
يكذب عينيه في مشهد رهيب كهذا ليصدقها هي !!
هل هذا صحيح ؟!
أم أنها فقط مجرد دعوى كاذبة ؟!

انقباضة مؤلمة في بطنها جعلتها تطلق آهة ألم خافتة وهي تضع كفها عليه ...

_وصلها يا مروان ...ماينفعش تروح لوحدها دلوقت في حالتها دي ...أنا اللي هافضل هنا .

هتف بها يامن بجزع ليتردد مروان للحظات في تركه هنا يواجه الموقف وحده...
لكنه كان يدرك أن حاجة يامن في إبعاد ياسمين أقوى لهذا ربت على كتفه مؤازراً مع قوله :
_هاوصللها وأرجعلك .


قالها ليتحرك مع ياسمين التي رمقت يامن بنظرة طويلة تدفقت بمشاعرها الصاخبة نحوه لتغادر مرغمةً وهي تشعر بآلام بطنها تزداد ...

وفي مكانه وقف يامن يراقب جسد زين بتشتت وصراع نفسه يزداد احتداماً ...
لكنه زفر أخيراً بقوة وهو يغادر الغرفة نحو الخارج يتفحص المكان ...
لو كانت هذه شقة ياقوت فما التفسير لما حدث ؟!
هل هي من فعلت بزين هذا ثم هربت ؟!
جسده العاري لا يترك له سوى تفسير واحد خاصة مع فكرته السلبية عنه !!

أطلق سبة خافتة وهو يتحرك في المكان محاولاً البحث عن أي شيئ يخصها ...
لا شيئ!!


عيناه تصطدمان أخيراً بوشاحها ذي الألوان الفاقعة المميزة الذي يعرفه والذي وجده ملقياً هناك أمام الباب ...

يبدو أن هروبها السريع أفقدها إدراك شيئ كهذا !!

صوت سارينة الإسعاف يصله مكانه فيقلب الوشاح بين يديه للحظات ...
ياسمين لم تكذب!!
ياقوت كانت هنا حقاً !!

كز على أسنانه بغضب وهو يعاود السباب بخفوت قبل أن يأخذ قراره ليطوي الوشاح ويخفيه في جيب سترته قبل وصول أحدهم ...
========


_ما تجيبش سيرة ياقوت في التحقيق ...

قالها رائد بحزم راجٍ مخاطباً يامن الذي انتحى به جانباً في المشفى الذي نقل إليه زين ...
رائد الذي تحرك فوراً بمجرد أن أخبره الحرس الشخصي لزين عن الأمر والذي كان ينتظره أسفل العمارة حسب أوامره .
رمقه يامن بنظرة متفحصة سبقت قوله المقتضب:
_كده كده مكنتش هجيب سيرتها .

تبادل الاثنان نظرة متوترة قبل أن يشيح رائد بوجهه وهو يشعر بالغضب ...
عندما أخبروه بما حدث هرع إلى هنا ليستنتج بذكائه ما كان ...
لكن ما لم يستوعبه هو تصرف ياقوت المتطرف هذا !!
هو يعرف زين جيداً ...
يعرف أنه لم يكن ليرغمها على فعل شيئ غصباً !!
فأي انفعال أوصلها لهذه الدرجة من الانفلات ؟!!
المصيبة أن هاتفها اللعين لا يرد !!
خرجت هاربة دون وشاحها وحقيبتها لكن يبدو أنها تحتفظ كعهدها بهاتفها في جيبها ...
فلماذا لا تجيب ؟!
حدسه يخبره أنها ليست بخير ...
أنها ربما الآن تحتاج المساعدة أكثر من زين نفسه الذي طمأنه الأطباء أن الإصابة ليست خطيرة لكن تزامنها مع جرح الرصاصة القريب يجعله بحاجة للمكوث هنا بعض الوقت حتى يسترد عافيته .

_ياقوت تعرفه منين؟!

سؤال يامن ينتزعه من شروده ليرمقه بنظرة طويلة صامتة ...
يبدو أنه قد آن أوان رد الجميل !!
خاصة أن يامن هذا يوحي بالثقة وهو لا يريد به إساءة الظن بها !!

لهذا زفر زفرة قصيرة ليرد :
_أنا هاقوللك الحقيقة بس تفضل سر بيننا ...ياقوت ماتستاهلش تتبهدل في حوار زي ده ...وأنا عن نفسي هاحل مشكلة التحقيق وشهادة بواب العمارة ...هاقول إنه ممكن يكون هجوم من نفس الناس اللي ضربت علينا نار قبل كده .

عقد يامن حاجبيه بقوة وهو يمنحه وعده لتتسع عيناه بصدمة مع سماع التفاصيل ...
زين تتبع ياقوت لأجل ياسمين في البداية عبر
علاجها لأخته ...قبل أن يجبرها على الزواج منه سراً مستغلاً مرض شقيقتها هي!!

_قريبك ده ندل ويستاهل أكتر م اللي جراله ...خسارة إن ياقوت ماكملتش وخلصت عليه !


هتف بها يامن بانفعال غاضب ليرد رائد محاولاً تلطيف الموقف:
_مش هدافع عنه دلوقت بس مافتكرش الوضع ده هيطول ...زين أكيد هيصلحه أول ما يفوق .

_غصب عنه هيصلحه ...هو فاكرها غلبانة ومالهاش حد ؟! قسماً بالله لو ...
عاد يامن يهتف بها بانفعال ليقاطعه رائد بقوله محاولاً تهدئته :
_اهدا يا دكتور ...مش عايزين شوشرة...الفضيحة دلوقت مش في مصلحة ياقوت نفسها ...أوعدك وعد شخصي الموضوع يتحل أول ما يفوق ...الحاجات دي لازم تتحسب بالعقل .

احمر وجه يامن بانفعاله الساخط وهو يحمد الله سراً أن انتهى الموقف هكذا بأقل قدر من الخسائر ...
لكن هل انتهى حقاً ؟!
ماذا عن ياقوت ؟!
أين هي وكيف حالها الآن ؟!
وياسمين ؟!
هل حقاً ترى ما تراه أم أنها فقط مجرد هلاوس ؟!!

لهذا زفر بقنوط أخيراً وهو يلوح في وجه رائد بسبابته هاتفاً :
_أنا هاصبر لحد ما ياقوت تظهر وأتفاهم معاها ...وقريبك الندل ده حسابه تقل معايا قوي ...فهمه يحلها بالذوق وإلا ورب الكعبة أطلع عليه القديم والجديد !
=======






في شقة والدتها القديمة تفرش سجادة الصلاة لتؤدي صلاة خاشعة تتضرع إلى الله أن يمر الموقف على خير ...
دموعها تغرق وجنتيها وهي تشعر بانفعالات هذه الليلة تكاد تفقدها صوابها ...
آلام بطنها هدأت قليلاً لكنها لا تزال تستشعر هذه الوخزة في صدرها ...
مروان طمأنها على مصير زين لكن يامن لا يرد على اتصالها ...
تراه غضب منها لأنها أتت إلى هنا بدلاً من أن تعود لشقة بيللا كما يفترض؟!!
أم أنه لا يزال يرزح تحت وطأة وساوسه ؟!!


صوت جرس الباب يقاطع أفكارها فتتحرك ببطء لتفتحه ...
لا ريب أنه يامن !!
يالله !!
كم تخاف هذه المواجهة !
لو خذلها هذه المرة فلن تلومه !!

لهذا ما كادت تفتح الباب حتى أغمضت عينيها بقوة كأنها تخاف اتهام نظراته ...
لكنه أزاحها برفق ليدخل ويغلق الباب خلفه متسائلاً بنبرة عاتبة :
_إيه اللي خلاكي تروحي على هنا ؟!

_كنت مدياك فرصة تفكر!

قالتها ولا تزال تغمض عينيها خشية مواجهة نظرة شك تعيدهما لنقطة الصفر ...
لكنه اقترب منها ليحيط خصرها بساعده فيضمها نحوه هامساً :
_في إيه ؟!


هنا لم تستطع منع شهقاتها الباكية وهي تخفي وجهها في صدره فربت على ظهرها مهدئاً قبل أن يرفع ذقنها نحوه ليردف بنبرة واثقة :
_لو كنت شاكك فيكِ للحظة ماكنتش وصلت لحد باب بيته ...كنت عملت زي ما عملت زمان وطلقتك غيابي من غير حتى ما أفكر ...

ثم ابتسم ابتسامة شاحبة وهو يمسح دموعها بأنامله ليردف :
_مش انتِ بس اللي كنتِ خايفة مانعديش امتحان صعب زي ده ...أنا كمان كنت مرعوب أرجع للدوامة دي تاني بعدما صدقت إني خلصت منها ...المرة دي بجد حسيت إني فعلاً خفيت ...إن وساوس زمان ماعادلهاش أي وجود ...وحتى لو كان المنظر أصعب من كده ألف مرة كنت هاكدب عنيا وأصدقك انتِ!



ابتسامته الشاحبة تنتقل إليها لتهمس بانفعال:
_ياقوت كان معاها حق لما قالتلي أصارحك بكل حاجة وماعدتش أخبي ...
ثم شهقت لتهتف بإدراك والحقائق تختلط في ذهنها المتوتر :
_ياقوت ؟! صحيح!! هي فعلاً كانت هناك ؟!!

فتنهد بحرارة وهو يستخرج وشاح ياقوت من جيبه ليفرده أمام عينيها المستنكرتين ...
قبل أن يحكي لها كل ما عرفه ...

لتهتف أخيراً بذهول :
_مش ممكن !! ياقوت مراته ؟!مراته ؟!!

_ماتعصبنيش وتكرريها !! يشمّ نفسه بس وأخلليه يطلقها ال"...." ده !!

هتف بها بحدة مطلقاً سبة عابرة والموقف كله يجعل الدماء تغلي في عروقه ...

فانفرجت شفتاها وهي على وشك قول شيئ تراجعت عنه بحكمة ...
تريد الدفاع عن زين لكن هذا ليس موضعه !!

أجل ...هي تفهم زين جيداً ...
من المستحيل أن يكون بهذه البشاعة التي يحكي عنها يامن ...
قد تصدق أنه يسعى خلف ياقوت لأجل تخليصها من يامن مادام يظنها كارهة له ...
لكن أن يستغل مرض شقيقتها ليجبرها على الزواج منه !!
أن يغصبها على علاقة معه فلا تجد سوى الدم كي تنقذ نفسها منه !!

لا لا لا ...
هذا الأمر لن يتقبله عقلها أبداً !!
لابد أن تعرف الحقيقة من ياقوت !!


لهذا هتفت به بانفعال وهي تتحرك لتحضر هاتفها :
_ياقوت فين دلوقت ؟! لازم نعرف اللي حصللها !

_ما تتعبيش نفسك ...تليفونها ما بيردش .

هتف بها بضيق وهو يستعيد قرابة مائة محاولة حاول فيها الاتصال بها دون جدوى ....
لتهز رأسها بضيق مشابه بينما أردف هو وهو يستعيد الدقائق السابقة :
_وبالمناسبة أنا عديت شفت عربيتك ...

فارتفع حاجباها بترقب وكانت قد نسيت شأن ما دفعها للذهاب لياقوت أصلاً ...
فمضت تمسد بطنها قلقة لتهتف بصوت مرتجف:
_بهلوس؟!


لكنه هز رأسه نفياً ليقول بشرود :
_أنا شفت اللي شفتيه ...بس برضه متأكد إن سيلين مش في مصر ...فيه حاجة لسه غامضة !

قالها وهو يسترجع المشهد الذي رآه في سيارتها وجعله يعذرها في انهيارها وذهابها المفاجئ لياقوت ...
إذا كان هو قد شعر بانقباضة صدره وهو يرى المنظر ...
لكن السؤال هنا ...
ما الذي يحدث بالضبط ؟!


تغاضى عن خواطره القلقة مؤقتاً وهو يراقب شحوب ملامحها ...
ليتقدم منها ويضمها إليه بحنان هامساً :
_أياً ما كان اللي بيحصل أوعدك مش هاسمح بحاجة تأذيكِ أو تأذي بنتنا ...اطمني ...

"اطمني"!
مجرد كلمة من خمسة أحرف لكنها -وللعجب- حملت لها أمان العالم كله !!
فلم تشعر بنفسها وهي تخفي وجهها في صدره كأنها ترمي الدنيا كلها خلف ظهرها وتستقبل دنياها الخاصة بين ذراعيه !!

تنسى هذه الليلة العصيبة بكوارثها وتذوب بهذه العاطفة التي تشع كشمس دافئة بين ذراعيه ...

_الليلة دي كانت صعبة قوي ...تعالي استريحي .

يهمس بها بحنانه المعهود وهو يتحرك بها نحو غرفة النوم هناك ليمددها برفق فوق الفراش ...
قبل أن يميل على بطنها بقبلة ناعمة بينما يربت عليه بقوله :
_البنت دي شافت كمية مغامرات معاكِ تخلليها تطلع المفتش كرومبو !

فانفلتت منها ضحكة قصيرة صافية جعلته يتنهد بارتياح وهو يتمدد جوارها على طرف الفراش قبل أن يضمها إليه ليسند رأسه على صدرها هامساً :
_هنفضل متلطمين في بيوت الناس كده ؟! شوية عند الست والدتي وشوية عند الست والدتك ؟!مش نرجع بيتنا بقا يمكن النحس يتفك !

كانت تعلم أنه يحاول التسرية عنها بمزاحه هذا رغم ما عاناه بدوره من قلق لهذه الليلة العصيبة ...
وقد كان هذا يساوي لديها ألف كلمة غزل!!
الآن فقط يمكنها الاطمئنان لما بقي لهما من عمر!!
يامن تخلص من سلطان وساوسه حقاً !!

لو كان أحدهم أخبرها أن ليلة كهذه ستنتهي بها بين ذراعيه لاتهمته بالجنون ...
لكنها الآن فقط تشعر أنهما قد وصلا سوياً لبر
الأمان ...
أن رباط الحب الذي اشتد وثاقه في قلبها منذ سنوات الآن يجد مثيله في قلبه هو ...
الآن يمكنها الوثوق أنهما التقيا فلن يفترقا...!!
_يامن !
_مممم؟!
_شكراً يا طيب!
تهمس بها بنبرة تدفقت بعاطفتها بينما تقبل جبينه بعمق ليرفع إليها عينيه بهمسه :
_دلوقت بس حاسس إني سامعها منك دافية زي زمان ...عارفة ؟! الليلة دي عايزة حدوتة من بتوعك ...مش عايز غير إني أنام على صوتك وبس!

قالها وهو يمسد بطنها برفق بينما يحمد الله سراً أن هدأت الأمور بعد انفعال الساعات السابقة ...
بينما ضمت هي رأسه بذراعيها لتسند ذقنها عليه وتبدأ في الرواية ...
حتى استسلم كلاهما للنوم ...

يشرق الصباح عليه فيجد الفراش خالياً منها ...
ينعقد حاجباه بخوف وأحداث الليلة السابقة لا تزال تؤرقه ...
فيندفع للخارج ليجدها واقفة في المطبخ ...

_عملتلك سينابون كراميل ...عارف بقالي أد إيه ما عملتوش؟!

تهتف بها بنبرة مشرقة تذيب مخاوفه ...
فيتقدم نحوها بابتسامة تليق بقوله :
_والله زمان يا شيف!

يقولها وهو يجمع لها شعرها على جانب كتفها ليبدأ في صنع جديلته الأثيرة لها قبل أن يطبع على شفتيها قبلة عميقة سبقت همسه الدافئ:
_بحبك .

عيناها تدمعان من فرط شعورها لتنثر قبلاتها الناعمة فوق وجهه قبل أن تسحبه من ذراعه لذاك
الإصيص من الزرع هناك حيث كانت قد دفنت خاتمه ...

هذا الذي استخرجته الآن لترفعه أمام وجهه هامسة بكل الأمان الذي صار يغرسه بين ضلوعها :
_دلوقت بس ممكن أرجع ألبسه ومااقلعوش تاني أبداً ...دلوقت بس ممكن نرجع بيتنا !
=======

_والله العظيم ماعملت لها حاجة ...انا لقيتها وقعت قدام العربية لوحدها !

هتف بها سائق السيارة أمام إسلام وهو يقف معه أمام الغرفة التي نقلت إليها ياقوت في المشفى ليرمقها إسلام من خلف نافذة الغرفة الزجاجية بنظرة مرتعبة وهو يرى الدم الذي لوث ذيل تنورتها ...
عجباً !!
جسدها ليس مجروحاً ...
مجرد كدمة خفيفة إثر سقوطها أمام السيارة فمن أين أتى هذا الدم ؟!
والأغرب ...أين وشاحها ؟!
ما الذي يجعلها تخرج هكذا دون حجاب ؟!
هل هي صدمتها بما فعلته أمه ؟!!
تباً!!
لقد كاد يفقد عقله عندما أخبره الجيران بالفضيحة التي حدثت في غيابه !!
لم يتصور أبداً أن تجرؤ والدته على فعل شيئ كهذا !!
لكنه لن يمررها لها أبداً !!

_لو جرالها حاجة هاوديك في داهية ...مابتفوقوش وانتو سايقين ليه ؟! وفين طرحتها ؟! انطق عملت فيها إيه !!

صرخ بها إسلام بحدة وهو يمسك بتلابيب الرجل ليرد الرجل مدافعاً:
_يمين الله ما عملت حاجة ...هي كانت كده ...أنا ضربت كلاكس عشان تقف بس هي كانت سرحانة في وادي تاني ...وأول ما العربية وقفت لقيتها فجأة وقعت ...دورت على أي حاجة تثبت شخصيتها
مالقيتش غير تليفونها ...جربت كل الأرقام لحد ما رقمك رد ...وبعدين جبتها دوغري على هنا !

قالها محاولاً درء التهمة عن نفسه ليخرج الطبيب من الغرفة فيحاول تخليصه من يد إسلام قائلاً :

_شكله معاه حق ...اللي عندها ده صدمة عصبية !

توقف إسلام عن قتال الرجل ليلتفت للطبيب بقلق بينما الأخير يردف بنبرة آسفة :
_هنضطر نحجزها هنا كام يوم لحد ما نطمن ...مافتكرش هتقدر تتكلم دلوقت .
=======











مادامت كل الطرق لا تؤدي إليكِ ...
فلتبقيْ أنتِ عصفوراً "على الشجرة" خيراً من أن تكوني في يدي!
مادمتُ "السجين" بقبو ذنبي ...
فلتبقيْ أنتِ المحلقة في سماء بلا قضبان ...
مادام ما بيننا ثرياً ك"جنة"...فقيراً ك"سراب"...
فليبقَ مستحيلاً ك"ثمرة محرمة"!

مادمتِ أنتِ أنتِ...ومادمتُ أنا أنا ...
فلنبقَ نسير في طريقين متوازيين ...أبداً أبداً لا يلتقيان!

"سيف"!
========




من قال إن "المتوازيان" لا يلتقيان؟!
كم جلست مبتسمة أرى القدر يدور بهما فيتقاطعان ...ينصهران...ثم -بغرابة- يمتزجان
فلا ينفصلان !
من قال إن السجين بقبو ذنبه سيموت مرجوماً بخطيئته ؟!
أو أن السراب "المظلوم" دوماً خادع؟!

هاتِ يدك واسأل مثلي عن جميل هدايا القدر...
لا يزال خلف الغيوم طريق...
ولا يزال في العمر عمر...
و"الحلم" العتيق لا يزال ينتظر تأويلاً...!

"غادة"
=========






_الست قريبة آنجيل دي مش مريحاني!
هتفت بها إيناس صباحاً وهي تعدل لغادة وضع حجابها أمام المرآة بحركة أمومية خالصة جعلت
الأخيرة تقبل وجنتها بحنان قبل أن تنتبه لكلماتها فتسألها بقلق:
_ليه؟! سيف بيقول إنها غلبانة ...ومساعدته ليها بتخفف ذنب آنجيل عن كتافه .

لكن إيناس تمط شفتيها باستياء لترد :
_ده لو في حدود الطبيعي ...لكن دي تقريباً ما صدقت ...ماعدناش عارفين نتلم عليه ...وبصراحة ...حاسة إنها بترسم على حاجة أكبر .

_زي إيه ؟!
سألتها غادة وشعور القلق ينتقل إليها وقد انتبهت لسبب تباعد زياراته عنهم مؤخراً ...
لترد إيناس بضيق:
_ربنا يخلف ظني ...بس إحساسي إنها عايزة تورطه في جوازة ...لابسة له وش الغلبانة اللي كل الرجالة طمعانة فيها ...وبتضغط على نقطة إنها خايفة تقع في واحد معندوش ضمير وتموت بحسرتها زي آنجيل .

اتسعت عينا غادة بارتياع وهي تدرك خطورة الوضع!!
سيف لم يتعافَ تماماً من شعوره بالذنب نحو زوجته السابقة ...
ووجود قريبتها هذه -كما تصفها إيناس- ربما يجعله يضعف بدافع النخوة ورد الدين!!
لكن ...هل يصل الأمر به لهذه الدرجة ؟!
حد أنه يضحي بمستقبله ويتزوج امرأة لا يحبها !!

_صباح الخير!
يقولها علاء بمرح قبل أن يلاحظ وجوم كلتيهما فيمط شفتيه باستياء ليخاطب غادة بقوله :

_مادام وش الجميل متعكر كده يبقى هي كلمتك في الموضوع إياه ...

ثم التفت نحو إيناس معاتباً بقوله :
_مش قلنا بلاش؟!

لكن غادة تتصنع ابتسامة باردة لتهتف متكلفة المرح وقد ساءتها ملاحظتهم لمشاعرها الخفية نحو سيف:
_الموضوع مش مستاهل ...سيف مش عيل صغير عشان نختار له قراراته ...بالعكس ...أنا شايفة إن جوازه من قريبة آنجيل دي ممكن يكون حل عقدته ...وممكن ربنا يسعدهم سوا ...إيه المشكلة ؟!

تبادل علاء وإيناس نظرات غير مقتنعة لتردف غادة متظاهرة بتجاهل الموضوع:





_مش عايزين نكد ع الصبح ...أنا ماصدقت حضرتك وافقت أرجع أنزل معاك "البازار "...وحشني بجد وحبستي هنا هتقتلني .

فامتثل علاء لرغبتها غير المنطوقة وهو يفسح لها الطريق بكفه هاتفاً بنبرته المرحة :
_اتفضلي ...بس ماتعيطيش م الزحمة آخر اليوم ...
الأيام دي موسم شغل ناااار .

_قدها وقدود ياعمو !!

هتفت بها وهي تتناول حقيبتها الصغيرة لتودع إيناس بقبلتين سريعتين متجاهلة نظراتها المتحسرة قبل أن تتحرك لتلحق بعلاء...
دعابات الرجل المشاكسة تخرجها مؤقتاً من حالة الضيق التي تقبض صدرها ...
لكن شرودها يعاود التهام أفكارها طوال الطريق ...
سيف لا يزال مكبلاً !!

حتى وهي تدرك أنه يحبها لكن خطواته لاتزال راسخة بأرض ذنبه القديم ...
والآن زادتها تلك المرأة رسوخاً !!

ترى لو اضطرته الظروف أن يختار بينهما ...أيهما سيختار؟!
من الواضح أنه اختار فعلاً ...
وغيابه طيلة الأيام السابقة خير دليل!!

الخاطر الأخير يملأها غيظاً لكنها لا تملك ما تفعله ...
هو لايزال يحرث الأرض الخطأ ويتعجب أن لا حصاد !!

نحت خواطرها السلبية جانباً طوال النهار محاولة إلهاء نفسها بالعمل ...
لكن اليوم ما كاد ينتهي حتى فوجئت به أمامها في البازار ...
ملامحه شديدة الإرهاق كأنه لم يذق النوم منذ ليال...
وعيناه ...
آه من عينيه هاتين!!
نظرتهما التي تستفز كل ذرة حنان بداخلها إزاء هذا "الحزن الأخرس" في حدقتيهما !!
هاتان اللتان كانتا تناجيان عينيها الآن بمزيج حائر هربت منه سريعاً وهي تسمع هتاف علاء المرحب خلفها :
_أهلاً بابن الناس الكويسين ...تعال عشان أملص لك ودانك .

ابتسمت رغماً عنها مع مشاكسات علاء له لترقب
بالمزيد من الخجل أذنيه المحمرتين اللتين صارتا تشكلان لها نوعاً من "الهوس"!!
كيف يكون هذا "الخجول" أخا رامز؟!!

_ماسلمتش على غادة ليه ؟!
يسأله علاء بمكر فيلتفت الاثنان نحو بعضهما بدهشة ...
هل حقاً لم يسلم عليها ؟!!
لماذا شعر كلاهما إذن أن العيون تبادلت من التحية ما يفوق المصافحة ...وما يجاوز العناق؟!!

لهذا ازداد احمرار أذنيه هو ليكون أول من يقطع تواصلهما البصري هذا بقوله الخافت :
_آسف...مخدتش بالي ...إزيك يا غادة ؟!

منحته رداً تقليدياً هادئاً لتتركهما خلفها داخل البازار قبل أن تفسح لهما مجالاً من الخصوصية محاولة التشاغل بحركة البيع حولها في السوق ...

بينما كان سيف يختلس نظرات خفية نحوها وهو يشعر بثقل الأمر الذي جاء لأجله ...
لكن لا مفر!!

القدر يمنحه الآن الفرصة الذهبية لكي يزيح عن كاهله وزر آنجيل ...
فكيف يرفضها؟!
قريبتها البائسة تعاني وحدتها وتسلط بعض الأوغاد الطامعين في امرأة جميلة فقيرة تعيش هنا وحدها ...
حتى أن أحدهم اقتحم منزلها منذ أيام وكاد ينتهكها لولا استغاثتها بالجيران ...
لهذا لم يستطع الرفض وهو يراها بعدها تعرض عليه الزواج منها ولو على الورق فقط كي تحافظ على نفسها !!

ساعتها رأى فيها صورة آنجيل الشاحبة تناجيه بعينيها الراجيتين كما كانت في آخر ليلة رآها فيها ...
فكيف يصمد ؟!!

_أنا هاتجوز!

قنبلته التي تفجرت فجأة في المكان جعلت علاء يرمقه بنظرة آسفة بينما دوى سقوط تحفة ما كانت تمسكها غادة -مساعدة بها أحد الزبائن في اختيار بغيته -لتهوي متهشمة على الأرض!

_آسفة .
تمتمت بها غادة بارتباك معتذرة للزبون أمامها ليغادر علاء مقعده ويتقدم نحوها ليزيح البقايا المكسورة جانباً..
قبل أن يمنح غادة نظرة خاصة مواسية صامتة استفزتها أكثر لتغتصب ابتسامة باردة متكلفة المرح:
_الظاهر نزولي الشغل جه عليك بخسارة ...ماكنت قاعدة في المزرعة كافية خيري شري !

قالتها وقد عز عليها أن تبدو متأثرة بالخبر إلى هذه الدرجة ...
ليتنهد علاء بحرارة وهو ينقل بصره بينهما بغيظ ...



لو كان الأمر بيده لسلمهما من يديهما بنفسه إلى أقرب مأذون كي يزوجهما قسراً مادام كلاهما من الغباء أن يتقدم ليصرح بمشاعره نحو الآخر ...
لكن لماذا يلوم غادة ؟!
اللوم كله على هذا الأخرق الذي لايزال يحبس نفسه بسجن ذنبه القديم !!

لهذا تقدم نحو سيف ليهتف بضيق غاضب:
_ده قرار واللا جاي تاخد رأيي؟!

فتنهد سيف بحرارة ليطرق برأسه قائلاً :
_ماينفعش أتخلى عنها في محنتها والبلطجي ده كل شوية بيهددها ...دي ما صدقت أظهر في حياتها عشان أخلصها منه ...هاسيبها تموت زي آنجيل ؟!!

_فوق بقااا ...فوووق ...هي مش آنجيل ...وآنجيل مش هترجع خلاص ...غلطة وغلطتها زمان وندمت عليها ...هتضيع اللي باقي من عمرك عشانها ؟!! تعرف إيه عن قريبتها دي عشان عايز تتجوزها؟! تعرف إيه عن ماضيها غير إنها قريبتها ؟!

وقف سيف مبهوتاً أمام ثورة العم علاء التي يراها
لأول مرة هادرة هكذا بينما الرجل يردف بنبرة أكثر انفعالاً:
_وياترى هتقول لأهلك في مصر إنك اتجوزتها واللا هتتجوزها هنا في السر زي آنجيل زمان؟! خلاص؟! الجواز عندك بقا لعبة ؟! مابقيتش قادر تميز الست اللي ممكن تشيل اسمك وتآمنها تربي عيالك ؟!! تحب أقوللك عرفت إيه عنها واللا نخللي الطابق مستور أحسن؟!

لكن سيف الذي أخذته العزة بالإثم هب واقفاً مكانه وقد استنزفته انفعالات الأيام السابقة ليهدر بحدة :

_أنا مش صغير يا عمو ...أنا جيت عشان بقدر حضرتك وبحترمك وببلغك عشان تبقى معايا في الصورة ...لكن قراري خدته خلاص!

الصمت المشحون يسود بينهما للحظات بينما استرعى هتافهما انتباه بعض الزبائن الذين لم يفهموا اللغة بطبيعة الحال لتحاول غادة احتواء الموقف بما تعلمته من بعض المرادفات التركية البسيطة ...
بينما تغلي مراجل الغضب القلق في روحها!!
لم ترَ علاء يوماً غاضباً هكذا إلا تلك الليلة التي أهانها فيها سيف في بيته ليطرده وقتها!!

لهذا لم تتعجب ردة فعله عندما تحولت نبرته الثائرة لأخرى باردة متباعدة :
_مادام خدت قرارك خلاص يبقى ماقداميش غير إني أقوللك مبروك ...




ثم دمعت عيناه بما خلع قلب سيف والرجل يردف بنبرة هزها انفعالها:
_بس اعمل حسابك ...لو ده حصل هاعتبر ابن تاني ليا مات .

قالها علاء ملوحاً بسبابته المرتجفة في وجهه لتزداد ملامح سيف شحوباً وقد فهم تهديده المستتر ...
قبل أن يتحرك ليغادر البازار بخطوات عصبية ...

هنا تقدم علاء لينهار جالساً على كرسيه بألم فتقدمت منه غادة قائلة بنبرة مشفقة :
_قسيت عليه قوي يا عمو ...انت عارف إنت و"أنّا" عنده إيه ...ليه كده ؟!

فالتفت نحوها قائلاً بأسى:
_عشان يفوق لعمره اللي بيضيعه ...عشان يحس بقيمة اللي بيخسره ...سيف ده ابني اللي ماخلفتوش ...مش هاقف متكتف وأنا شايف واحدة زي دي بتستغله بماضيه ...الجوازة دي مش هتتم ...ولو ركب دماغه وعملها مش هاعرفه تاني!!

_هو معذور يا عمو ...لو كان الموضوع بالسهولة دي كان قدر ينساها من يومها ...سيف شهم والمرة دي الموضوع مش بس إحساسه بالذنب ...لكن واضح إن قريبتها دي بتضغط عليه كمان .

قالتها محاولة كتمان خيبتها ليتنهد علاء بحسرة
لازمتهما معاً بقية اليوم الذي ما كاد ينتهي بغادة في غرفتها حتى استسلمت لفيض دموعها وهي تشعر بمذاق الخسارة ...
سيف خسر معركته في حرب نفسه ...
استسلم لوحش الذنب يمص دمه لآخر قطرة !!


رنين هاتفها يقاطع أفكارها وقد بدت لها أي مكالمة مقبضة في هذا التوقيت من الليل خاصة والرقم لوالدتها ...
لكنها تمالكت قوتها لتفتح الاتصال ...
وتتلقى الخبر المؤسف!
======















في ساحة المطار وقفت تودع علاء وإيناس الباكية بحرارة لتهتف معانقة إياها:
_غصب عني يا "أنّا"...ماتصعبيهاش عليّ بقا!!

قالتها لا تتمالك دموعها وهي تشعر أنها ستترك روحها هنا ...
لكن ما حيلتها ؟!
والدتها أصيبت في حادث فقدت معه قدرتها على
الكلام والحركة ...
وحان وقت دورها الذي لن تتخلى عنه مهما كان ماضيهما المشترك مليئاً بالقصور!!

_بطلوا عياط ...كلها كام يوم وننزل احنا كمان مصر أكون دبرت أموري هنا .
قالها علاء محاولاً منح نفسه وإياهما السلوان على هذه الأيام القصيرة ليردف وهو يخاطب غادة بقوله :
_أنا فتحت لك حساب باسمك عشان لو احتجت أي حاجة لحد ما أنزل .
_ليه كده يا عمو؟!
هتفت بها غادة باستنكار ليقاطعها الرجل هاتفاً:
_شششش...انتِ بنتي ...ولولا إني مزنوق في شغل هنا ماكنتش سبتك خطوة واحدة ...لكن معلش ...كلها كام يوم وأجيلك نشوف هندبر موضوع والدتك إزاي .

فابتسمت غادة بامتنان وقد ودت في هذه اللحظة لو كان يحل لها أن تمنحه عناقاً يوازي مشاعرها
بالأبوة نحوه ...

تماماً كهذا الذي عاودت منحه لإيناس هاتفة :
_خللي بالك من صحتك يا "أنّا" ...ومن "شيبوب"...الغلبان ده هاوحشه قوي ...
قالتها محاولة صبغ لهجتها بالمرح لكن عبارتها جعلت "أنّا" تهتف بقلب مرتجف:
_بتقوليها كده ليه ؟! انتِ مش ناوية ترجعي؟!!

انهمرت دموعها بعدها لتشاركها غادة إياها في مشهد مؤثر قاطعه علاء بهتافه الذي تعمد صبغته
بالمرح:
_نكد المصريين ده بطلوه بقا ...فضحتونا قدام
الأجانب!

فرفعت غادة إليه عينيها بابتسامة حانية قبل أن تصطدم بوجه "سيف" خلفه ...
هل جاء هو الآخر يودعها ؟!

_أنا اللي قلتله ...صعب عليا تسافري من غير ما تشوفوا بعض!
همست بها إيناس في أذنها بخفوت مفسرة ليرتجف جسدها في وقفته ...
لماذا فعلتها ؟!
لماذا تزيد من تصعيب الأمر عليها؟!
بل وعليه؟!!

لكن ...لعل سفرها هذا منحة القدر لها كي تنساه !
مادام اختار طريقاً يريح ضميره فلا تملك إلا الدعاء له بالخير ...
هو لم يعدها بشيئ ...
ولولا اعترافه السري لها في غيبوبتها لما علمت عن شعوره شيئاً !!
فعلامَ تلومه ؟!!
على شهامته التي أحبته لأجلها ؟!

شعرت بإيناس تسحب علاء الممتعض جانباً كي تخلي لسيف مساحة من خصوصيةالحديث معها ...
فازدادت ارتجافة جسدها لتضم ياقة قميصها حول عنقها بينما تقدم سيف نحوها بهاتين العينين اللتين تغنيان عن أي حديث ...

_هترجعي؟!

كلمته الوحيدة حملت كل مشاعره في هذه اللحظة وقد أطلقها كصرخة غريق ...
يعلم أنه ربما قد أحرق كل قواربه معها بذاك القرار
الأخير الذي اتخذه ...
لكنه لم يملك سواه !!

تماماً كما لم تملك هي الرد سوى ببقايا دموعها التي خذلتها في هذه اللحظة وهي تشعر أنها توشك أن تفقد الجنة التي منحها لها القدر هنا ...

وللحظة واحدة ...
شعرت أنها تفقد نفسها من جديد !!
أنها تعود مجرد أرنب مذعور ...طفلة تبكي "بيت مكعباتها" المكسور ...
لكنها انتفضت من حزنها كالعنقاء وهي تأخذ نفساً عميقاً استعادت به قوتها لتصطنع ابتسامة مرحة تليق بقولها:
_شفت تصاريف القدر ؟! كان المفروض تسافروا قبلي وكنت بتسألني هانزل مصر واللا هافضل هنا ...آديني هاسبقكم !

نبرتها المرحة لم تخدعه وهو يشعر بها تداري خوفاً عظيماً في عينين يقسم الآن أنه لم يعد يعشق سواهما !!
عينين تصرخان به أن تحرك ..انطلق...اعدُ...بل حلّق ...
لكن كيف وهو مكبل اليدين والقدمين ؟!!

_غادة...أنا ...

همسه البائس يتعثر على ضفتي لسانه كالعادة فلا يسعفه لكنها تقرأ كعهدها اعترافاً كالشمس يبزغ في عينيه ...
ويبزغ معه اعتذار بمذاق الوداع!!
هو اختار أن ينهزم ...
أن يقدم بقية العمر قرباناً للذنب القديم !!

لهذا أسبلت جفنيها بيأس يشبه يأسه لتغمغم بخفوت :

_انت سيف ...زي ما عرفتك ومش هتتغير ...الحاجة الوحيدة اللي هاطلبها منك إنك ترتاح بقا...طالما اخترت امشي ورا اختيارك للآخر وماتبصش للي خسرته ...أسوأ حاجة ممكن نعملها في حياتنا إننا نعيش العمر كله بنتمرجح على سلمة مكسورة اسمها "لو..."!!..لا عارفين نطلع ولا ننزل ...ارتاح بقا يا سيف مادام عملت اللي يرضي ضميرك .

أغمض عينيه بألم وهو يقاوم رغبة عارمة أن يحتجزها الآن بين ذراعيه فلا تغيب شمس عينيها عن عينيه أبداً ...

لكن صورة تلك المرأة قريبة آنجي تعاود اقتحام ذاكرته برجائها المتذلل له منذ أيام ...
وبلكنتها المميزة لبنات بلدها والتي تشبه لكنة آنجي كذلك ...






_اتزوجني ولو عالورق بس كرمال تحميني منه ...
طمعان فيا لاني وحدانية ومالي حدا ...بيرضيك أموت لوحدي في الغربة متل آنجيل ؟! بيرضيك يضيع شبابي متلا؟!

فيفتح عينيه فجأة كأنما يهرب من هذا الصراع بأعماقه ...

الصراع الذي قرأته هي لتهتف بنفس الابتسامة مدعية المرح:
_ بس ابقى افتكر إني أنا السبب في الجوازة دي ...أنا اللي اقترحت عليك تحول شعورك بالذنب ناحية آنجيل لحاجة إيجابية ...ماعرفش بقا هتدعيلي واللا تدعي عليّ .

الدموع المترقرقة في عينيها تجاهد للسقوط كانت تناقض هذا المرح المتكلف الذي تحاول به استيعاب حزنها ...

بينما ظل هو يتأمل ملامحها للحظات قبل أن يخرج من جيبه ما منحه لها صامتاً ...

ميداليتان ...
كتب على أحدهما "للأبد؟"
وعلى الثانية "حتى تحترق النجوم!"

أجل ...إنها العبارة الأثيرة ل"رفعت" و"ماجي" بطلا سلسلة "ماوراء الطبيعة" الشهيرة للعراب والتي تشاركا هما عشقها !!
البطلان اللذان لم يكتب لهما القدر وصال المتقاربين لينتهي بهما الأمر عاشقين لكن متباعدين ...
وفي كل مرة كانت البطلة تسأله "للأبد؟" ستحبني
للأبد؟
كان يرد بإيمان ..."حتى تحترق النجوم"!!

أغمضت عينيها بقوة وهي تقبض كفيها على هديته التي أوجعت قلبها بمعناها ...
بينما هو يقول بصوته المتحشرج:
_أول ما شفتهم افتكرتك ...في يوم من الأيام هتقابلي حد يستاهل تديله واحدة منهم والتانية تبقى معاكي ...حد يستاهل تفرحيه ويفرحك .

وفي هذه اللحظة بالذات ودت لو تصفعه !!

أجل ...تصفعه ثم تضمه بقوة ناعتة إياه ب"أغبى أهل الأرض"...و"أطيب أهل الأرض"!!

لهذا أشاحت بوجهها للحظات ولاتزال تقبض يدها على هديته ...
قبل أن تلمح علاء يشير لساعته مدركة وجوب الرحيل ...

هنا رمقته بنظرة قصيرة حملت كل مشاعرها قبل أن تغادره مع علاء وإيناس ليتحركوا نحو البوابة
الأخيرة بينما ظل هو واقفاً مكانه يراقب ظهرها بنظرات متحسرة...

هل توقفت مكانها أم أنه فقط يهيأ إليه ؟!!
نعم...توقفت !!
لم يكد الإدراك الأخير يصله حتى فوجئ بها تعدو نحوه ليجد نفسه يعدو إليها هو الآخر ...

قبل أن يشعر بإحدى "الميداليتين" تستقر في كفه هو في رسالة منها لا تحتمل خطأ التفسير !

ظل مصدوماً مكانه للحظات لكنها لم تمنحه المزيد من الوقت وهي تعدو من جديد في الاتجاه الآخر لتختفي عن ناظريه وتذوب بين الجموع ...
شهقة ملتاعة غادرت حلقه وهو يفتح كفه على "اعترافها غير المنطوق" الذي تركته له ...

"حتى تحترق النجوم"!!

يقرأها بصوتها العذب ذي الدلال الفطري فيذوب لها قلبه وهو يتلفت حوله لا يصدق أنها اختفت هكذا بسرعة بعدما فعلتها !!
========

وقف إسلام يراقب وجهها النائم بفعل المسكنات وقد بدت له خلف الأغطية ككيان ضئيل هش يحاول الجميع دهسه دون رحمة ...
ضحية من هذه ؟!
أبيه الذي كان من بدأ هذه المأساة ؟!
أم أمه وصديقتها التي ختمتها بفعلتها الشائنة ؟!!
لكن ...هل يعفي نفسه من المسئولية ؟!
ربما لو كان قد قام بدوره نحوها ونحو شقيقتها منذ علم عنهما لكفاهما هذا المصير!!

رنين هاتفه برقم لجين ينتزعه من شروده فيلتقطه ليحاول تمالك الحزن في صوته كي لا تشعر تلك البائسة بما تعانيه شقيقتها :
_أيوة يا لجين ...إزيك ...ياقوت كويسة بس عندها شغل في مكان مفيهوش شبكة ...لا ماتقلقيش ...أنا كنت عندها امبارح ...

قالها ليستمع إليها قليلاً قبل أن يعقد حاجبيه ليقول مطمئناً إياها :
_عارف إن جلسة الحاجة بعد كام يوم ...ماتخافيش ...أنا وياقوت متابعين مع المحامي ...

_زين ...زين...

تمتمات ياقوت تجعله ينهي المكالمة سريعاً ليجلس جوارها على طرف الفراش مربتاً على خدها برفق قبل أن يراها تفتح عينيها تتأمل المكان حولها بوعي أخيراً بعد ثلاثة أيام كاملة مرت بها غائبة تماماً عن هذا العالم ...

_حمداً لله ع السلامة ...



تميز صوت إسلام فتفتح عينيها على اتساعهما قبل أن تشهق بقوة لتنتفض مكانها ...

_تليفوني ...فين تليفوني؟!

تهتف بها بلوعة وهي تحاول تجميع شتات ذهنها ليرد هو مهدئاً:
_تليفونك قفلته من يوم اللي حصل .
_هو إيه اللي حصل ؟!
تسأله بعينين زائغتين ليرد هو بحذر:
_ماهو ده اللي عايز أعرفه ...رحتِ فين بعد اللي ماما عملته ؟! وإيه تفسير الدم على هدومك وخروجك الشارع من غير حجاب؟!

_دم ؟! دم ؟! يعني صحيح ؟! زين ...زين ...هاتلي تليفوني يا إسلام بسرعة !!


تهتف بها بارتياع وهي تنفض عنها غطاءها لكنه يحيط كتفيها بقبضتيه هاتفاً بصرامة :
_ماينفعش تقومي دلوقت إلا لما الدكتور يسمح ...فهميني مين زين ده وإيه اللي حصل ؟!!

لكنها تنفض كفيه عنها لتهتف بانهيار:
_مش وقت أسئلة يا إسلام ...أطمن عليه
الأول ...سيبني أقوم ....سيبني ...

هتافها يتحول لصراخ هادر فيحاول تهدئتها دون جدوى قبل أن يشعر بتجمد ملامحها وهي تنظر لشيئ ما خلفه ...
فالتفت خلفه ليجد هذا الرجل مهيب الهيئة الذي لا يعرفه ...

_رائد !...طمنني ...زين ؟

لم تستطع إكمال عبارتها وشحوب ملامحها يزداد لينقل إسلام بصره بينهما بقلق حذر وقد آثر الصمت كي يفهم ...
يبدو أن ياقوت متورطة بشأن خطير !!

_زين كويس ما تخافيش ...بقا أحسن .

قالها رائد مشفقاً على هيئتها التي بدت ذابلة
كالموتى خاصة عندما هتفت بصوتها المبحوح :
_يعني أنا عملتها بجد ؟! أنا ...أنا ....

انهارت بعدها في بكاء ارتجف معه جسدها من جديد ...
ليعاود إسلام ضمها إليه في دعم صامت رغم كونه لا يفهم شيئاً ...

_اهدي يا ياقوت ...كلنا عارفين إن الموضوع كان خارج عن إرادتك حتى زين نفسه ...

هتف بها رائد بحنان مشفق وهو ينقل بصره بينها وبين إسلام بحذر فلايزال لا يعرف حدود علم أخيها عن الأمر ...
ورغم أن زين لايزال يرفض الحديث عن الأمر من وقتها -إلا من رجائه له عقب إفاقته أن يبعدها هي عن أي شبهة-
لكنه كان يعلم أن زين يفهمها بالقدر الكافي كي يدرك أنها لم تكن في وعيها حقاً ...
وانهيارها هذا خير دليل !!

_لو كويس بجد خلليني أسمع صوته !

هتفت بها بانهيار أدهش الرجلين أمامها وهما يريان منها هذا "الوجه" لأول مرة !!

أين هذه من "ياقوت سليمان" الحديدية التي طالما أبهرتهما برباطة جأشها ؟!!
لهذا تبادل كلاهما النظرات الآسفة قبل أن يتناول رائد هاتفه ليتصل برقم زين ويعطيها الهاتف الذي تناولته منه بأنامل مرتجفة ...

_أيوة يا رائد !

صوته رغم شحوب نبرته يجعل ملامحها تتجمد للحظة قبل أن تعود لانهيارها الباكي...

_رائد ؟!
يهتف بها زين بشك لكن رائد يستعيد هاتفه ليخاطب زين بقوله :
_هاكلمك بعدين !

قالها مغلقاً الاتصال بل وهاتفه مدركاً أن زين لن يهدأ حتى يفهم ...
بينما دخلت الممرضة أخيراً لتحقنها بحقنة أخرى مهدئة استرخت بعدها في مكانها لتطالعهما بشرود وهي تشعر بنفسها في كابوس!!

لا!!
لم يكن كابوساً!!
هي حقاً طعنته !!
بل طعنت صورة "حسين" فيه !!
انتقمت من كل ما فعلته بها الدنيا فيه هو !!
آآه !!

تخرج من صدرها حارقة ملتاعة لتدفن وجهها بين كفيها هاتفة بألم :
_مش قادرة أصدق إني عملت كده ! مش قادرة أصدق إني خذلت نفسي للدرجة دي !!

لكن رائد تقدم منها ليهتف بحرارة مشفقاً :
_خذلتِ نفسك ؟! ده لو جبل كان اتهد !! أنا عرفت اللي حصل ليلتها ...ومقدر الظروف اللي خليتك توصلي لكده ...ماتحمليش نفسك فوق طاقتها .

ليلتقط إسلام منه الخيط -رغم جهله بالتفاصيل -فيهتف بها هو الآخر بينما يشد بقبضتيه على كفيها مؤازراً:
_كلنا جنبك يا ياقوت بس انتِ شدي حيلك واهدي ...أزمة وهتعدي!

نقلت بصرها بينهما بامتنان عبر دموعها قبل أن تغلق عينيها لتستند برأسها على وسادتها ...

فتنهد رائد بحرارة ليقول بمروءة لا يدعيها :
_أنا هاسيبك ترتاحي دلوقت وهاعدي عليككي بعدين ...مش محتاج أفكرك إن في رقبتي دين ليكي هاعيش العمر كله أوفيه .

فارتجفت شفتاها وقد عجزت عن منحه نظرة امتنان حقيقي شعرت به وقتها ...
لينسحب هو بهدوء تاركاً المجال لإسلام الذي سألها بحذر:
_لو محتاجة تتكلمي أنا سامع ...ولو عايزة تخبي مش هاضغط عليكِ ...

لكنها في هذه اللحظة بالذات كانت تود لو تصرخ لا تحكي ...
لو تتخلص من هذا الحمل الذي ثقل على ظهرها ...
لو تنزف بين دموعها حكايتها معه لعلها ...ترتاح!!

لهذا تشبث كفاها به بقوة وهي تحكي له حكايتها معه ...
لينعقد حاجباه بغضب وهو يهتف بحدة والدم يغلي في عروقه حمية لأجلها :
_كل ده ومخبية عليّ ؟!

لكنها مسحت دموعها لتغمغم بوهن غريب على طبيعتها :
_عشان خاطري يا إسلام ...ده موضوع خاص بي ما تتدخلش فيه ...هو كده كده هيطلقني والموضوع هيخلص من غير شوشرة ...جلسة ستي بعد كام يوم وبعدها كلنا هنرتاح ...هارجع البلد ومش هاجي هنا تاني !

_هتنفذي لجيلان هانم اللي هي عايزاه ؟! لا يا ياقوت ...أنا اللي هاقوللك لأ!

هتف بها بحزم وهو يلوح بسبابته في وجهها مردفاً بانفعال :
_أنا اللي هاقف قصادها وقصاد أي حد يمسّك ...المركز بتاعنا هنعمله سوا ومحدش هيتعرض لك ...الظلم اللي شفتيه انتِ ولجين زمان مش هيتعاد تاني ...على جثتي...

ثم كز على أسنانه ليردف بنفس النبرة :
_والبيه المحترم ده هاحترم خصوصيتك واسيبك تتعاملي معاه ...بس لو الموضوع ما خلصش زي ما أنا عايز أنا بقا اللي هاقف له !
======













_هي عاملة إيه ؟!

يسأله زين في غرفته بالمشفى بملامحه الغامضة التي لا تفصح عن شيئ منذ أفاق من الحادث ...
ليخبره رائد بتفاصيل ما حدث ...
وسبب انهيار ياقوت ليلتها بعد الساعات التي قضتها في الحبس إزاء ما فعلته بها زوجة أبيها ...

لكن ملامحه بقيت على غموضها بينما ينهي رائد حديثه بقوله :
_اللي هي ما تعرفوش إن جيلان دي صاحبة ماما ...أنا شبه متأكد إن لها يد في اللي حصل !

هنا التمع الغضب في عيني زين للحظة قبل أن تعود ملامحه لغموضها وهو يتجاهل الأمر بسؤاله :
_الشغل عامل إيه ؟!

رمقه رائد بنظرة متفحصة مشفقة وهو يدرك بحدسه أنه ...يهرب!!
هذه المنطقة بالذات تظل محظورة لدى "زين الفايد" الذي يخاف التعبير عن مشاعره !!
يخاف حقيقة لا مجازاً !!
ويداري هذا خلف هذه الواجهة الصلبة لرجل يتخذ
عقله سيداً !!

لكنه احترم "نقطة ضعفه" هذه ليجاريه في الحديث كما أراد ...
قبل أن يأخذ استعداده ليغادر ...
لكنه توقف قليلاً عند الباب ليلتفت له بقوله الذي مزج عتابه بإشفاقه :
_أنا قلت لك ما تكسرهاش ...طلقها يا زين وخلليها ترجع لنفسها ...يمكن ساعتها تسامح نفسك ع اللي عملته فيها !


لوهلة هيئ إليه أن العينين القويتين أمامه ارتجفتا بوهن ...
الشفتين موزونتي الكلام تنفرجان بعجز ...
الملامح الغامضة الصلبة تلين بألم ...
قبل أن يختفي هذا كله فجأة ليعود كل شيئ لأصله بينما يهتف به زين ببرود :
_اخرج يا رائد واقفل الباب وراك .
=======









تفتح باب غرفته بالمشفى لتدخل وتغلقه خلفها ...
تلتقي عيناهما للحظات فلا تبدو الدهشة عليه كأنما كان ينتظرها ...
ملامحه الغامضة تستقبلها ببرود لم يدهشها بعد ما كان ...
حتى صمته المهيب لم يثر حفيظتها وهي تتقدم بخطوات متمهلة لتجلس على الكرسي جوار فراشه ...

تطرق برأسها مشبكة أناملها في حجرها وجسدها
يرتعش برهبة مستعيداً ذكرى ليلتهما الأخيرة ...
لم تستعد كامل عافيتها بعد ...
لا تزال أطرافها الباردة ترتجف عاجزة عن التحكم بها ...
لايزال ذهنها مشوشاً متأرجحاً بين حقيقة وخيال ...
لا تزال دموعها رفيقة المشوار الطويل تغزل معها ثوب انهيارها الآن ...

ولا يزال قلبها يلعنها على فعلتها حتى وإن لم تقصدها تلك الليلة !!

بينما كان هو يناظرها بعينين غامضتين وهو يحتضن أدق تفاصيلها كعهده ...
يراقب ملامحها الشاحبة ...هيئتها الذابلة...جسدها المرتجف ...
بمزيج من أسف وندم !!

الصمت المشحون يطول بينهما لدقيقة كاملة قبل أن تقطعه هي بقولها وهي ترفع عينيها إليه بينما تلوح بكفيها بعجز عزيز على امرأة مثلها :
_محتاجة... أشرح ؟!

لم تكن تعلم هل تسأله أم ترجوه !!
لهذا كانت أكثر من شاكرة عندما سمعت صوته المتحشرج يعلو بقوله :
_لأ!

كلمته اليتيمة عادت تفجر الدمع في عينيها فأخفت وجهها بين كفيها لتطرق به وقد ارتجف جسدها ببكائها ...
فوصلها صوته الذي لم تشعر يوماً بغموضه كما الآن :
_انتِ ليلتها ما كنتيش شايفاني أنا ...ولا حتى كنتِ شايفة نفسك ...انتِ كنتِ شايفة السيناريو القديم لحسين وأشواق بيتكرر قدامك ...

بكاؤها يتحول لأنّات خافتة وهي لا تدري بماذا ترد ...
هو يفهمها هذا الحد الذي لا تحتاج معه للشرح ...
لكن هذا لا ينفي حاجتها لاعتذار ...

_أنا آسفة .

تغمغم بها بين دموعها ولازالت عاجزة عن إزاحة كفيها عن وجهها ...
ليصلها صوته بنفس النبرة الغامضة :
_أنا اللي آسف ...انتِ ما دبحتنيش ليلتها زي ما كنتِ عايزة ...بس أنا اللي دبحتك باللي عملته !

هنا ترفع وجهها نحوه بنظرة حارة وشفتاها تنفرجان بعجز ...
"القمران السجينان" في عينيها ينزفان بوجع امتزج بحروفها ...

_انت ماغصبتنيش ليلتها ...كانت أول مرة في حياتي اضعف كده ...بس لو عايز تتأسفلي بجد نفذ لي اخر طلب هاطلبه منك ...

نظراته الغامضة مع صمته القصير تبدو لها كجبل جليدي تصطدم به نظراتها لتردف هي بنبرة حاولت جعلها أقوى:


_جدتي جلستها بعد بكرة ...والمحامي طمنني إنها هتطلع بعدها..مش عايزة أحط عيني في عينها وانا حاسة اني لسه بكدب عليها ...عايزة احس اني استاهل حضنها بعد الغيبة دي ...

يغمض عينيه بعدها متوقعاً كلمتها التالية بعد المقدمة هذه :
_طلقني .

إيماءة قبول سريعة كانت جوابه قبل أن يفتح عينيه بقوله :
_المحامي بتاعي هيخلص الموضوع ده بكرة ماتقلقيش .

يقولها بنفس النبرة الغريبة على أذنيها لتهمس بخفوت :
_دلوقت بس ممكن أقوللك ...شكرا...

قالتها وشريط ذكرياتهما يمر أمامها ساعة بساعة ...
لحظة بلحظة ...
فترتجف شفتاها أكثر بهمسها :
_شكرا على كل مرة وقفت جنبي فيها بقصد أو من غير قصد.

لم يرد عليها وهو يشيح بوجهه فوقفت مكانها تتأهب للمغادرة ...
آلاف الكلمات يغرسها قلبها علي لسانها لكنها تموت على الشفاه الجافة ...

فلتمت أيها الحلم الغريب ...
نكس على أرض اليأس راياتك فقد جاءت رياح القدر بما لاتشتهيه سفينتك المثقوبة !



تعطيه ظهرها لتغادر لكن أنامله تتلقف راحة يدها فجأة تتشبث بها للحظات ...

فتستدير لتواجه عينيه بعينيها الدامعتين ثم لم تشعر وهي تنحني فجأة لتلقي بنفسها بين ذراعيه ...

العناق الثالث عشر والذي تراه هي الأخير ...
بمذاق "الخلاص" هذه المرة !!

الخلاص لها وله من هذه الدوامة التي ابتلعتهما معاً ليعود كل منهما لطريقه ...

وكعادته "عناقه"يفتح لها كل أبواب "البوح"المحرم على من سواه !!
إذا كان هو اللقاء الأخير فلتحكي له عن أبشع ذكرى احترق بها صدرها طوال هذه السنوات ...
وجعلتها تؤذيه ذاك اليوم ...
لهذا وجدت نفسها تحكي له عن السكين...الوشاح الممزق ...الساعة المكسورة ...
التفاصيل التي لم تتخيل يوماً أن ترويها لأحدهم !!

بينما كان هو يشعر بجبال جليده تنهار لتذوب بلفح أنفاسها ...

لم يستغرب كلماتها بل وربما كان يتوقع مثلها خاصة وهو يسترجع الرعب الذي اكتسح ملامحها عندما أخبرها لأول مرة أنه يريدها للعمل في بيته ...
الرعب الذي أدهشه وقتها ...والآن يتفهمه !

لكن ما زلزله حقاً أن تبادره هي بالعناق هذه المرة ...
أن تتحرر من ثقل ذكرى بشعة كهذه بين ذراعيه ...
وأن تمنحه ثقتها في لقاء يبدو أنه الأخير بينهما !!


ربما لو كانت امرأة سواها لظنها تريد إعادة وصالهما بموقفها هذا ...
لكن مع "أسطورة " كياقوت ...فبوحها هذا لا يعني سوى ثقتها أنها تضع النقطة الخاتمة لسطر حكايتها معه !

هذا ما فاضت به نظراتها بعدها وهي تنتبه من فورة عاطفتها لتصطدم عيناها بمرأى أثر جرحه على رقبته ...
جرحه الذي أطالت النظر له كثيراً ليقرأ هو بعينيها ما لم تجسر على البوح به من أسف ولوعة...
قبل أن تهمس بابتسامة مكابرة :
_في يوم م الأيام كنت فاكرة إني أنا اللي هعالجك...مكنتش أعرف إنك انت اللي هتعالجني من عقدة أشواق ...الدكتورة الشاطرة في نهاية المطاف طلعت برضه عيانة ...عيانة بماضي خرب روحها من غير ما تحس ...


ثم مسحت بقايا دموعها لتتسع ابتسامتها المكابرة باستطرادها :
_لكن خلاص خفيت ... دلوقت بقيت متأكدة إني عمري ما هابقى زيها حتى لو اتحطيت في نفس الظروف .

_لو اللي حصللي ليلتها تمن إن الذكرى دي تتدفن ... زي ما دفنّا العشرة جنيه ...فأنا راضي !

عيناها تتسعان للحظة كأنما تحاول استيعاب هذا الكم من المشاعر الذي حوته كلماته القليلة ...
قبل أن ترتجف شفتاها وهي تغمضهما بقوة ...
ما جدوى المشاعر ها هنا ؟!
لا محل لها أبداً من الإعراب!!

هو لقاء الوداع ...
فليكن الأصدق...الأدفأ ...والأجمل!!

لهذا اغتصبت ابتسامة باهتة على شفتيها لتعاود فتح عينيها بقولها :
_قلت لك وانت ماصدقتنيش...الرهان المرة دي ماكانش لايق عليك...لا هو قيمتك ولا انت قيمته .

لكنه يشدد ضغط ذراعه حولها ليقترب بوجهه من وجهها معانقاً ملامحها بأنفاسه ...
ارتجاف شفتيها يزداد فيود لو يحتويهما بما يليق ...
لكنه يحيد عن مطمع قلبه فيهما ليقبل عينيها ...

حيث قمراها السجينان لايزالان يحتجبان حول غيوم من ألم لكن مطر العشق الذي يهطل حولهما لايزال يمنح المشهد بعض الأمل !!

شفتاه تنتقلان أخيراً لجبينها الذي ودعه بقبلة اعتزاز قبل أن يهمس أمام شفتيها :
_ما كانش رهان يا ياقوت ...ما كانش رهان!

ابتسامتها "الباكية" تتسع وهي تبتعد بجسدها أخيراً لتعاود الوقوف ...
ترمقه بنظرة أخيرة قبل أن تأخذ طريقها نحو الباب الذي ما كادت تصل إليه حتى سمعت صوته خلفها بنفس النبرة الغامضة :
_مش معنى إني هاطلقك إني هاخرج من حياتك ...لسه بيننا حاجات كتير ...همسة مش أولها ولا آخرها .

لكنها تستدير نحوه بابتسامة لا تدري هازئة أم متحسرة ...
قبل أن تغادر الغرفة مغلقة الباب خلفها في جواب غير منطوق لحديثه ...
حيث بدا كلاهما وقد تحرر من متاهة دورانه في حلقات الماضي ...
ويبقى مذاق القرفة اللاذع للسينابون ...
=======
انتهى الفصل الخامس عشر


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-04-19, 11:03 PM   #726

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 344 ( الأعضاء 71 والزوار 273) ‏Just Faith*, ‏الوفى طبعي الوفى, ‏anasdody, ‏مريم توليب, ‏Statin, ‏safaa fathy, ‏sunsat, ‏ندى سلام, ‏دعاء محمد مصطفى, ‏نسرين زين ٩٩, ‏سوما+, ‏Marina hany, ‏Shimo debo, ‏NoOooUr, ‏Malak assl, ‏simsemah, ‏جميله سعيد, ‏لولو73, ‏amal2004, ‏ام الارات, ‏mi5mi5, ‏أميرةالدموع, ‏romiakoke, ‏Tamaa, ‏eithar, ‏وسام عبد السميع, ‏samah 02, ‏Ghufrank, ‏Alice laith, ‏*ماريان*, ‏nada22, ‏farah99, ‏Omsama, ‏شيماء بشير, ‏هند عثمان, ‏مها هشام., ‏ولاء نبيل, ‏فاتن شوقى, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏lolo emad, ‏مارسيليا٤٤, ‏Rehab.rm, ‏amiraadel19, ‏جنة محمود, ‏Hala yehia, ‏amanyayman, ‏amira_adel, ‏moh khedre, ‏رينو فريد, ‏كوتي كوتي, ‏فاطمه 900, ‏مها العالي, ‏sansonah, ‏Hebagamel, ‏د. شيمو2, ‏الكاتبة نورهان أحمد, ‏المحب لله, ‏Jody mostafa, ‏affx, ‏Doaa Ahmed Hafez, ‏Reem ali 13, ‏**منى لطيفي (نصر الدين )**, ‏حسناء_, ‏reham nassef, ‏ستغبتو, ‏sayowa, ‏نهله صالح, ‏Gehan hassan, ‏noorhelmy, ‏نرمين نحمدالله+, ‏imansalem

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 25-04-19, 11:38 PM   #727

Malak assl

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وقاصة وقلم مشارك في منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات ونجمة كلاكيت ثاني مرة و راوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية Malak assl

? العضوٌ??? » 387951
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,870
?  نُقآطِيْ » Malak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond reputeMalak assl has a reputation beyond repute
افتراضي

هو انا استرجي اعلق باي حرررررررف ..
انت فوووق كل الحرررروووف ...


Malak assl غير متواجد حالياً  
التوقيع
ملاك عسل
رد مع اقتباس
قديم 26-04-19, 12:03 AM   #728

samah 02

? العضوٌ??? » 417183
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 284
?  نُقآطِيْ » samah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond reputesamah 02 has a reputation beyond repute
افتراضي

أنا مش عارفة أقول إيه! صدقا لا حدود لإبداعك .
.


samah 02 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-04-19, 12:18 AM   #729

مها هشام.
 
الصورة الرمزية مها هشام.

? العضوٌ??? » 367308
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » مها هشام. is on a distinguished road
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل رائع جدا جدا جدا يعطيكي الف عافية
وكل عام وانتي بالف خير


مها هشام. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-04-19, 12:22 AM   #730

الوفى طبعي الوفى

نجم روايتي ومُحيي عبق روايتي الأصيل

 
الصورة الرمزية الوفى طبعي الوفى

? العضوٌ??? » 375323
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,359
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
?  نُقآطِيْ » الوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

فصل مشحون بالمشاعر وأحي الكاتبة على قدرتها بإظهار لنا مشاهد واقعية تنسينا ان هذه رواية فكما يقولون ان الخيال ما هو الا الهام من الواقع..

لكن بعيد عن الكتابة فانا اعترض على شيء واحد..

احببت شهامة رائد ومساندة اسلام وحمائية يامن..

لكن ياقوت وزين ما بينهما لا يمكن وصفه بمجرد كلمات او عدة جمل وحوارات ما بينهما يفوق احاديث الأعين وتناغم القلوب.. فالاثنين مترابطين ومتباعدين بالقدر ذاته.. كالعملة التي لا يمكن لطرفيها ان يلتقيا او يجتمعا الا اذا وقفت على ارض ثابتة وبشكل أفقي..

لقد تغلب الاثنان على اطياف الماضي ودوامته.. فكل منهما كان الداء والدواء ليبقى في النهاية العلاج فقط.. وكم كنت اود ان يبقى الامر كذلك دون اطياف ودوامات جديدة..

كنت أتمنى ان يبقى ما بينهما سرا عن الآخرين ، وكان يكفي لحفظ سمعتها ان يعرفا انها فقط زوجته ولم تفرط بشرفها.. وان ماضيها كان يزاحم افكارها حتى وصلت الى نقطة النهاية..

لم اكن أتمنى ان يعرف يامن وإسلام بالحقيقة لان ذلك قد يشعرها بالإذلال والإهانة لو حاولا ان يقتربا من بعضهما من جديد..

فيامن وإسلام لن ينسيا ابدا ما بدر من يامن وما فعله وقد تشكل هذه الحقيقة سوطا اخر في حياة ياقوت..

أتمنى ان تتمالك نشوى نفسها وان ترفض ناصر بشكل صريح العبارة، فانا لم احب موقفها المتزعزع أمامه والمرتبك وانا موقنة ان شهورها نحوه مشاعر شعور بالعار والندم لا شيء اخر..


الوفى طبعي الوفى غير متواجد حالياً  
التوقيع
تمردت على قلبي وتنكرت لمشاعري... فأنا رجل له ماض.. وان صدف ان سمعتني اناديك بفاتنتي فاهربي, فتلك ستكون لحظة انهياري..

[imgr][/imgr]

[imgl][/imgl]
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:57 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.