هيمنة الصولجان (2) .. سلسلة أحباب الروح * مميزة ومكتملة*

[دنيازادة]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ساقوم حالا بتنزيل الفصل السادس
اعزائي لو سمحتم اقرؤا الفصل بتركيز ودقة وتريث..
بتمنى الاحداث والتطورات تنال اعجابكم
دمتم في حفظ الله ورعايته

[دنيازادة]

الفصل السادس

شهاب تلقى العناية ألازمة، حاول الكل تأمين سبل الراحة له ليجتاز المرحلة الصعبة من العلاج بأقل قدر من الألم.
خرجت زويا إلى الردهة فمشهد هدى مع شهاب يثير لديها الكثير من الهواجس.. قبل ان تغلق الباب وراءها سمعته يثني عليها وقد أدت وأنجزت ما طلبه منها دون أي هفوة أو خطأ..
زويا تعترف ان هدى تمتلك مميزات مذهلة تستحق الاحترام.. فهي مجتهدة بارعة في عملها، نبيهة وذكية تعرف كيف تلتقط أشارت شهاب بفطنة وتستجيب بسرعة لأوامره دونما نقاش... كما ان لها قدرة عجيبة على تحمل نوبات غضبه، فحين يصرخ غاضبا تتمالك أعصابها ولا تثور بوجهه أبدا، بل لا تحاول ان ترد عليه بتاتا.. تكتفي بالاستماع والإصغاء والمسايرة بصبر وتهذيب لا مثيل له.. حتى تنقشع غمامة غضبة ويهدأ، ثم تضع ابتسامة لطيفة على شفتيها وتقنعه بوجهة نظرها بكل روية دون انفعال..

زويا رأت شهاب مع هدى يتكلم ويبتسم بارتياح وأحيانا يضحك.. شتان بالفرق فمعها يكون متجهما متهكما عابسا بوجوم وبالكاد يكلمها.. يعاملها بجلافة وصلابة أو بإهمال غير مكترث لوجودها..

لكم افتقدت حبه وتاقت لاهتمامه وتفهمه وتسامحه، تاقت لتلك الأوقات التي كانا فيها معا منسجمان بتناغم وإلفه..
هذا الجفاء بينهما يعذبها، لم تتعود منه البرود المستمر.. لطالما كان يحتملها ويحتويها بحب متفانِ، ولكن من الواضح أنها استنفذت واستنزفت كل طاقة صبره وعشقه..
غيرة حارقة كوتها وهي تجتر تبعات ما فعلته في لحظة عناد وتعنت وتهور..

مشت زويا بالرواق فتناهت لأذنيها وشوشات الممرضات يتحاورن دون الانتباه لها:- الشريف شهاب له جاذبية خارقة، شجاع للغاية بعزيمة الإرادة.

ردت الأخرى:- جراحه تلتئم وتحسنه سريع ومستمر لذلك الطبيب انقص كمية الأدوية.. أنه قوي البنية وألا لما نجا وبدت عليه علامات الشفاء.

عندما عادت زويا إلى الغرفة وجدت هدى وشهاب مازالا يتباحثان حول بعض الأمور السرية..
تناولت من حقيبتها كتابا وغاصت في زاوية الأريكة، فتحت بين يديها دفتي الكتاب تقرأ بشرود ذهني.
من طرف عينيها اختلست النظر إلى شهاب وهدى وهما يتحادثان بسلاسة.. شعرت بقبضة قوية تستحكم قلبها.. رغما عنها تحس بالغيرة تقطع أحشائها وتجتاحها.. وضعت يدها على قلبها تضغط عليه علها تهدئ من الألم الذي تشعر به.. مؤلم رؤيتها لشهاب يبتعد لتحظى أخرى بمكانتها وتستحوذ على اهتمامه.
تمتمت في سرها:- لكني زوجته وما يحق لي لا يحق لغيري.
أخذت عدة أنفاس لتنظم تنفسها واعية لمرارة حقيقة أنها زوجته فعلا لكنها لم تفعل شيئا سوى توسيع الهوة بينهما.

رفعت زويا رأسها ففوجئت حين أبصرت شهاب يراقبها ويتأملها عن كثب بنظراته، لبرهة شعرت ان نظراته تغمرها برقه..
بادرت قائلة لتفتح مجالا للحديث بعدما تنبهت لمغادرة هدى:- أحضرت بعض الكتب للمطالعة.
رسمت ابتسامة واسعة على شفتيها وأكملت متحمسة بلهجة تودد:- سأقرأ لك أن أحببت.
أشاح بوجهه يجيبها باقتضاب:- ليس ألان.
وضعت الكتاب جانبا فوق المنضدة، أسلوبه البارد وعدم تشجيعه لم يمنعها من مواصلة محاولاتها لتقرب منه.. قامت تتجه نحوه تسأله:- هل تتوقع قدوم المزيد من الزائرين؟..
رمقها بنظرة جانبية وبإيجاز شديد أجابها:- نعم.

رفعت حاجبيها متمتمة بدهشة:- لديك معارف لهم أول وليس لهم أخر.

التفت إليها وفي عينيه لمحة إعجاب، رد متخليا عن تحفظه:- يعجبني استخدامك لمصطلح معارف.
أوضحت مسرورة لنجاحها باستدراجه في الكلام:- قلت معارف لأني لم أشعر أنك على صداقة معهم.

أومأ موافقا:- صحيح.
استدرك يبوح بصدق:- بالنسبة لي كل من يحيطوني في العمل أو بالعلاقات الاجتماعية هم في خانة المعارف.. ليس لدي أصدقاء مقربين.

باستعجال ودون تفكير استفسرت بعفوية:- وهدى ؟

بأطراف أصابعه حك ذقنه الخشنة.. بتأنِ أنتقى كلماته بدقة وقال:- طبعا هدى لها مكانه خاصة.. أصنفها كصديقة استثنائية.

عضت زويا على شفتها السفلى.. سحبت نفسا عميقا وسألته بنبرة مرتعشة:- وأنا .. في أي خانة تضعني؟ وأين تصنفني؟..

تعلقت بشغف وأمل بكل كلمة سينطقها..
كشر شهاب متجهما، رماها بنظرة غامضة ورد سريعا بصوته العميق:- لا أضعك في أي خانة.. أنتِ خارج كل التصنيفات.

ارتعشت باضطراب من عبوس وجهه وتصريحه الصادم المبهم، احتارت بما يقصده بالضبط.. شهاب يتقن المراوغة ويجيد صياغة الجمل لتكون محيرة بمعاني وتفسيرات متعددة..
بعقل يعج بالإستفهامات وبقلب خافق وأعصاب متوترة رددت :- لا تضعني في أي خانة!! أنا خارج كل التصنيفات!!

همهمت بصوت مختنق:- أهذا يعني أنك لم تعد تحبني؟!.

انتظرت إجابته.. رفعت رأسها نحوه فوجدته وقد استلقى متمددا فوق السرير مغمض العينان..

ابتعدت عنه بخطى متثاقلة ودموع القهر تتجمع في مآقيها وتغشى بصرها.. لقد سعت لكسب رضاه بكل السبل ولم تبوء ألا بالفشل.. سارت بوهن وانكسار إلى الباب، بهدوء فتحته وانسلت مغادرة الغرفة والمستشفى.

__________________________________

جلست دينا تذاكر دروسها بهدوء وتركيز في غرفة الجدة توجان، بين فينة وأخرى تسمعها وهي تتكلم مع أطيافها.. في البداية كانت ترتاب من أحاديثها وخيالاتها ثم شيئا فشيئا أصبح الأمر مألوفا واعتياديا.
قالت الجدة بصوت خافت وأنظارها معلقة ببعد خفي لا مرئي:- فدتك عيوني أنت هنا !!.. كيف دخلت دون أن ألاحظك؟!!..
صمتت الجدة كمن تصغي لكلام وحدها تسمعه ثم هزت رأسها دلالة على الموافقة:- صحيح .. الحواجز والجدران لا تعيقكم.. اقترب.. تعال.. أجلس إلى جانبي.
راقبت دينا الجدة وهي تتحرك ببطء وتؤدة لتفسح مكانا بطرف السرير..
بانت مهتاجة من شدة الفرح، حاولت دينا تخمين طيف زائرها هذه المرة من خلال كلامها:- كم أنا مشتاقة إليك.. اجلس قربي.. اشتقت لرؤيتك كثيرا.. أنها المرة الأولى التي تأتِ فيها لزيارتي، لقد رحلت باكرا يا روح أمك.
أطلقت زفير تنهيدة ممطوطة بحسرة:- لا اعتراض على مشيئة الخالق له ملك السموات والأرض ومن عليها.
فجأة سألته:- كيف علاقتك مع أبيك الشهم نارت؟.. جيدة بالتأكيد.. أنت لم تراه وتنعم بمحبته ودفئه في الحياة الدنيا، كنتُ حاملا بك عندما جاؤوا به شهيدا يحمله رفاقه الضباط على أكتافهم وقد لفوه بالعلم..
تأوهت بحرقة ثم ما لبثت ان تماسكت وهمست:- أبيك الشهم نارت كان سيدللك مع ان ذلك مرفوض في أديغتنا الخابزة(العادات والتقاليد) حتى لا يكون الولد رخوا.. لكن لا بأس من إظهار الحب.
أومأت بانحناءة خفيفة من رأسها وهي تبتسم:- نعم سأبلغ المئة عام.. لا تخشى عليي يا بني، أطمئن مازلتُ مستأنسة بين الأحياء، وأشعر أن روحي قوية كما الجبال فلا تصدق تخاريف ما يقولونه عن أنني أُنازع واحتضر..
تمتمت بخفوت:- نعم بتُ أراكم وأكلمكم.. وأحيانا يختلط الزمن عليّ بين الماضِ والحاضر، لكني واعية تماما لكل ما يجري حولي ولا أنسى شيئا أبدا.. ذاكرتي يقظة ودون شائبة.
ارتخت عضلات وجهها المتقلصة وارتفعت أجفانها المنثنية بالتجاعيد كاشفه عن بريق الزمرد بعينيها:- أبيك الشهم نارت زارني من قبلك.. مازال شابا رشيقا وسيما قويا كما عهدته.
اتكأت الجدة على يديها واندفعت تتحرك للأمام ترفع ظهرها باستقامة تستفسر:- اخبرني هل تزوج عندكم هناك؟..
راقبتها دينا منبهرة من تلك الطاقة الجبارة التي جعلت الجدة العجوز بحالة تحفز وتأهب. ألقت قلم الحبر من يدها فوق الكراسات وهبت سريعا تحاول ان تعيدها إلى حالة الاستلقاء، فكانت كمن تزحزح صخرة ثابتة في جبل راسخ.. سمعتها تسأل محذره:- لا تنكر .. وقل لي الحقيقة؟؟
استفهمت بإصرار:- أبيك الشهم نارت تزوج هناك مثلما تزوجتُ أنا هنا؟.. أصدقني القول يا نيازي؟.
تراجعت دينا مرتدة للوراء تخفي بيدها قهقهة ضحكتها الخافتة، الجدة تشتعل بنيران الغيرة..
عادت إلى الأريكة تستقر فوقها تتابع التركيز على محاضراتها دون ان تغفل عينها عن الجدة توجان وحديثها:- هل أخبرته أني لم أكن أريد زوجا من بعده؟.. الظروف أرغمتني في ذاك الزمان.. هل حدثته عن عمك شهبندر التجار مستافه(مصطفى)؟.. كان رجلا محترما عطوفا طيب الأخلاق.. وابنه سعد الدين، كنتما بمثابة الأخوة لبعضكما.. هل التقيت به؟.. أعلم أن سعد الدين أنتقل إلى عالمكم، يحاولون إخفاء الأمر عني كي لا أحزن، لكني عرفت بإحساس الأمومة..

كتمت دينا شهقة كادت تفلت من بين شفتيها، فوجئت ان الجدة تعلم بما حاولوا جاهدين إخفاءه.. أحيانا كثيرة يخبئون عنها فجائع الأخبار السيئة ليجنبونها لوعة الألم.
- يوم وافته المنية شعرت بضيق في صدري وأن قلبي ينخلع من بين أضلعي ويصعد إلى السماء السابعة.. سعد الدين ابني وان لم يلده رحمي، لقد ربيته واهتممتُ به تماما مثلما كنتُ معك، ويشهد الله أني لم أميز بينكما بالمعاملة.. أخبرني هل تعتنيان بأختكما زينب الجميلة كما كنتما تفعلان دائما.. لقد تأخرت عليكم وأنتم لابد هناك تنتظروني أليس كذلك؟..
سكتت للحظات ثم هتفت:- إلى أين أنت ذاهب؟.. اجلس براحه يا نيازي.. بعد قليل سيأتِ أبناءك وأحفادك وستراهم كلهم.. لا ليس كلهم.. فالبعض غائبين في سفرهم وآخرين اديغتنا تمنعنا من استقبالهم.. أنت تعلم مدى تمسكنا باديغتنا الخابزة وخاصة في ما يتعلق بزواج النساء من خارج قبيلتنا.. بحكم السلطة الممنوحة لي كمسنة قمت بتزويج أبنتك تيتيان لأبن عمتها زينب، أنت تعرف أن الشريف طلال أحبها وأحبته دائما وهاهما أخيرا يهنئا بالسعادة معا.. وفرضتُ على الشريف شهاب حفيد أختك زينب ان يعقد قرانه على زويا ابنة أبنك حوسين(حسين) قبل ان يختطفها، ما كنتُ فعلتُ ذلك لولا يقيني بصدق عشقهما..

رفعت يدها الطرية ببطء تشير بسبابة إصبعها اتجاه دينا التي لم تنفك تراقب بطرف عينها من فوق حافة الكتاب حركات الجدة:- نعم تشبهني كثيرا.. أنها حفيدتك أيضا، ابنة أبنك تامبر... تعال اقترب سأهمس لك شيئا.. دينا غارقة في غرام حفيدك الطبيب نارت ابن أبنتك نالقت، هو أيضا قلبه متيم بها ويعشقها سرا.
رفعت دينا رأسها عن كتبها عندما سمعت أسمها يتردد على لسان الجدة. سألتها:- جدتنا الجواشة الحلوة هل تريدين مني شيئا؟.
الجدة أخفضت صوتها بهمهمات غير مفهومه..
نهضت دينا برشاقة اقتربت وانحنت بجذعها ترهف حواسها.. لكن لم يصدر عن الجدة سوى وشوشة تتعلق بمخططات زواج.
استفسرت دينا حائرة:- جدة توجان من اللذان تخططين لتزويجهما؟!
الجدة ابتسمت بلطف في وجهها ثم استرخت بين الوسائد وأسبلت أجفانها غافية بارتياح بأنفاس منتظمة.

يتبع...

[دنيازادة]

لوقت طويل ضلت زويا ساهمة بائسة تجلس في مقعد بحديقة قرب المستشفى تحاول استجماع قواها حتى تتمالك صدمتها.. تطلعت أمامها بعينان لا تريان ألا الفراغ..
أعلنت الشمس وقت الرحيل.. نسمات باردة لفحت وجهها أيقظتها من شرودها.. قاومت الإحباط الذي راح يسيطر عليها.. استعادت طاقة عزيمتها ومثابرتها فتبددت نظرة الانكسار عن أساريرها.. التفتت حولها فلاحظت حلول الغروب..
عادت إلى المستشفى فوجدت هدى واقفة بالرواق تتبادل الحديث مع الممرضات.. ألقت عليهن التحية وهمت بمتابعة طريقها إلى جناح شهاب، لكن هدى استوقفتها تحذرها:- شهاب غاضب بمزاج سيء للغاية.. لقد تملكه صداع رهيب.

أجفلت وتجمدت في مكانها، سألت بقلق:- هل هذا الأمر فيه مؤشر خطورة.
ردت أحدى الممرضات:- الأدوية المعتادة لم تنفعه، عاينه أطباء الاختصاص وقاموا بإجراء فحوصات وصور إشعاعية جديدة.

استدركت الممرضة حين لمحت الذعر يجتاح زويا:- اطمئني .. النتائج لم تسفر عن أي سوء، ما مر به لم يلحق تلف بالدماغ.. ولم يظهر بالصور أي ضرر أو خلل.. ربما حالة نفسية سببها تراكمات ضغوط وإجهاد ذهني هائل.

أومأت هدى توافقها:- الشريف شهاب لا يعرف الراحة يصر على مواكبة العمل، واستقبال كل من يزوره بلباقة وترحاب.


زويا دونما انتظار أسرعت خطاها في الممر واندفعت تدخل إلى شهاب.. كانت الإضاءة خفيفة تنير جزء من الغرفة.. أحست بجو من الكآبة والحزن يحيطها..

رأت شهاب مستلقيا فوق السرير مغمض الأجفان، أغلقت الباب بتؤدة لكنه أصدر صوت خافت سمعه شهاب فزمجر باستياء بالغ:- لا أريد ان يزعجني أحد. أود البقاء لوحدي.

- قلت لك لن أتركك لوحدك.. سأبقى قربك حتى أخر نفس في حياتي.


فتح عينية فأبصرها أمامه، سطوعا باهرا غريبا شع من حدقتيه لوهلة، رمقها للحظات مأخوذا بالدهشة وعدم التصديق كمن تفاجئ بوجودها الغير متوقع..
دون ان يرف له جفن نظر إليها وكأن عيناه لا تشبع من رؤيتها.. تمتم متعجبا:- اعتقدتِ أنني لن أراكِ.. ظننتُ أنكِ غادرتِ ولن ترجعي!.

تقدمت منه خطوة :- كيف لا أرجع؟!!
أردفت مصرحة بنبرة رقيقة مفعمة بالدفء واللهفة:- أنت حبيب روحي وقلبي الذي لا أحتمل الابتعاد عنه.

سحرته جاذبية الرقة التي غمرت صوتها وكلماتها العذبة.. سكب نظراته بعينيها بحركة مباغته:- أكاد أصدق ادعائك الحب والاهتمام لولا اقتناعي أنكِ لا تحبيني ولا تهتمين لأمري مثقال ذرة.
تأوهت باحتجاج :- هذا ليس صحيحا البتة .
نظرت إليه بثبات، باحت بلا تردد:- أنا لا يهمنِ ولا أحب في هذا العالم سواك.

بانت حيرة الشك جليه على ملامحه..
اجتازت زويا المسافة التي تفصل بينهما ووقفت بجانب السرير، سألته قلقة:- كيف تشعر الآن؟.. قيل لي أنك تعاني من صداع فظيع.

انقبضت وتقلصت قسمات وجهه رفع يده يضغط على صدغه النابض بألم متمتما:- الصداع يفتك رأسي بشدة ويكاد يفجره.

بتلقائية مدت زويا يدها ووضعت كفها فوق رأسه.. انتفض شهاب كمن مسه تيار كهربائي سرى في أنحاء جسده ونفذ لشرايينه.. تلاحقت أنفاسه ثم ما لبث وان ارتخت عضلات المشدودة.

أخذت زويا تمسد جبينه برقه وتمرر أصابعها بين خصلات شعره.. تنفس شهاب بعمق.. تنهد بارتياح وكأن لمساتها الرقيقة أنعشت روحه وقلبه.


أقبلت الممرضة ومعها المعدات الطبية لقياس الضغط والنبض والحرارة، علقت بعد ان أتمت مهمتها:- النبض متسارع بعض الشيء، أما الضغط والحرارة ضمن الطبيعي، ليس هناك ما يستدعي القلق.. قد يكون الصداع ناتج عن التوتر.
قاطعها شهاب:- يبدو ان الصداع زال.

توقف لبرهة، رمق زويا بطرف عينه مصرحا باندهاش :- فجأة تلاشى الألم!!.. أليس الأمر غريبا؟!

فجأة تغير مزاجه المتكدر وبدا منشرح الصدر وقد ارتفعت معنوياته.

أخذت الممرضة تنقل نظراتها بين شهاب وزويا وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة، تمتمت قبل ان تخرج :- الدواء الشافي يكون أحيانا على هيئة شخص نحبه.

____________________________

تذمرت موليجان وهي تراقب شاها:- سيصيبنا الحول من ذهابك وإيابك أمامنا..
صبت نالقت فناجين القهوة فقامت دينا ووزعتها على الحاضرين.

زعقت موليجان في أبنتها:- بساشا(بنت) أجلسي .. دعينا نرتاح قليلا ونحتسي القهوة فمنذ الصباح وأنا منشغلة أعمل في المطبخ.. ما زال يتوجب علينا تحضير المزيد من أصناف المأكولات لرجال العائدين حتى تمتلئ معدتهم الخاوية بالطعام المفيد.

تناولت موليجان الفنجان وارتشفت قليلا من القهوة مصدره صوتا عاليا. لم تهتم لنظرات الاستنكار وانبرت تخاطب أبنتها:- لقد أتصل زوجك راسم بعد مغادرته معبر الحدود وطمأنك أنه خلال ساعة سيكون هنا.. لا داعِ لتوترك.

لكن شاها لمتمتثل لأمها ولم تكف عن التحرك وهي تفرك وتعتصر يديها.. تدخلت نالقت كي لا تثور موليجان:- اتركي البنت في حالها يا موليجان.. أنها لن تطمئن حتى يصل زوجها سالما وتراه بعينيها.

وقفت شاها في حديقة البيت تنتظر بفارغ الصبر، بين حين وأخر تتجه إلى السور لتستطلع الطريق المتعرج.. ما أن لمحت سيارة ميرزا قادمة من المنعطف لم تتمالك نفسها، أسرعت نحو البوابة الخارجية تفتحها مندفعة إلى الشارع..

شاهدت زوجها راسم ينزل من السيارة فركضت وارتمت في حضنه غير أبهة لأمها التي شهقت تصرخ باستهجان وخبطت كفا بكف:- قليلة الحياء!!
لطمت موليجان على وجهها مستنكرة سلوك أبنتها:- لقد هجمت على الرجل كالهجينة تقبله وتحتضنه في الشارع.

اعترضت نالقت:- أنه زوجها وليس بأي رجل.
موليجان وضعت يداها حول خصرها:- وان يكن زوجها.. هذا لا يبيح لها ان تتصرف بغير احتشام.. لتفعل ذلك في غرفتهما وليس أمام العالم باستعراض الفجور.
- لا تهولي الأمر يا موليجان، شاها معذورة من فرحتها بنجاة زوجها.. كادت تكون أرملة وهي في مقتبل العمر صبية صغيرة.

موليجان لوت فمها تصرخ:- لتعبر عن فرحتها له حين تنفرد معه لوحدهما.. أم أنها لم تعد قادرة على الانتظار.
تابعت تولول :- يا للفضيحة سنصبح حديث وأقاويل الناس.. تلك البلهاء ستجعلنا مضغة في أفواههم.

تمتمت نالقت في سرها:- لا أحد غيرك في الحي ينتقد ويثرثر.

واصلت موليجان ردحها: - نحن مجتمع محافظ.. هذا غير مقبول.. تصرفها قلة أدب.. لا يجوز..
بنفاذ صبر قاطعتها نالقت تسألها:- هل ستبقي واقفة هكذا متبرمة؟!!.. يا امرأة أذهبي لترحيب بزوج أبنتك وأبناء أخوتك.


أطلت دينا من البوابة الخارجية تناظر من بعيد متفحصة وجوه الرجال العائدين لعلها تلمح بينهم الحبيب نارت. لكنها لم تلمح ألا عينا ميرزا الوقحتان اللتان تحدقان بقدها المياس في نهم واضح.. رأته يتحرك مقبلا ناحيتها فاستدارت سريعا وولجت إلى داخل البيت.

دعا تامبر الأهل إلى وليمة طعام في بيته احتفاء بالناجين من الموت.
مُدت المائدة على طولها وجلسوا جميعا حولها يأكلون..
قال راسم وهو يمضغ الطعام بتلذذ:- لا أتذكر منذ متى لم أتناول أكل طيب كهذا!!.. أدامها الله من نعمة..
أخذت شاها تسكب المزيد من الطعام في صحن زوجها ونظراتها لا تحيد عنه:- أمي أعدت المأكولات.
- سلمت يداك عميمة موليجان.
استدرك راسم:- على فكرة لقد مررت بتجربة غريبة عجيبة أثناء احتجاز الإرهابيين لنا.. لا أعرف أكان ذلك حلما أم علما.. في تلك الليلة التي انتظرنا فيها تنفيذ حكم الإعدام الذي أصدروه في حقنا بعد ان كانوا قد ألبسونا الثياب البرتقالية.. نصبوا أمامنا المشانق في الساحة الترابية وجهزوا معدات التصوير استعدادا لتنفيذ الإعدام، تيقنا ان الأمر لم يعد ألا مجرد ساعات قليلة تبقت لنا في الحياة.. في ذلك المساء حدث شيء عجيب.. فجأة أنقلب الجو وهبت عاصفة رملية كثيفة.. قوة وشدة الرياح أرغمت الجميع بمن فيهم حرس التنظيم الإرهابي بالهروع ليحتموا داخل جدران وسقوف البيوت..
كنت من خلال فتحه ضيقة بغرفة الحبس التي وضعونا بها أراقب العاصفة الهوجاء التي حولت المكان إلى لون أحمر مصفر.. بغتة لمحت في وسط زوابع الغبار عميمة موليجان.. مشت تدور حول الساحة وبناء السجن عدت مرات..

سكت راسم متأملا حالة صمت التوجس التي سادت حول المائدة، لم يعد يسمع صوت قرقعت الملاعق والصحون والضحكات.. الرؤوس تستدير وتلتف بوجوه ذاهلة..

قال راسم متذرعا:- كنت بائسا ويبدو أن ذلك كان مجرد هلوسة ما قبل الموت، فلا يمكن لعميمة موليجان ان تأتِ هناك!!.. ذاك أمر مستحيل... حتما أمر مستحيل.. قطعا أمر مستحيل.

توقف لبرهة ثم أردف مؤكدا:- لكني أبصرتكِ حقا عميمة موليجان!!.. نعم.. بعيّنيّ هاتين رأيتكِ!!.. كانت ساعة غبش المغيب ومع زوبعة الغبار بدت الأشياء مظللة!!.. ألا أني شاهدتكِ وعرفتكِ.. كنتِ متأزرة بمعطف طويل وتضعين فوق رأسك غطاء أبيض..

من الأفواه انطلقت مرتفعه شهقات صيحات وقد استذكروا ان تلك المواصفات انطبقت على موليجان في ذاك اليوم الذي خرجت به عند المغيب..

استفاض راسم:- عرفتك يا عميمة من وجهك المكشوف ألا أني لم أتبين ملامحك جيدا بسبب الغبار وبعد المسافة.. لكن خيل لي وكأن عينيك تتقدان وتشتعلان كالشمس.. قمتِ بالدوران عدت دورات حول ساحة الإعدامات.. ثم اقتربتِ من المبنى الذي كنا نُحبس بداخله، كنت تتحركين وأنتِ تتمتمين بفمك مستغرقة بالقراءة ثم تنفخين... ودون ان تكفي عن القراءة والنفخ تناولتِ لفافة من تحت معطفك وقمتِ بفتحها، أخرجت حبلا مددته فوق التراب على طوله، ثم أخذتِ سكينا وغرستها بين حجارة الجدار أسفل الفتحة الضيقة.

ضلت موليجان صامتة لا تنفي ولا تنكر بل كما الآخرين أصغت بصمت لحكاية راسم:- عندما حل الظلام تناهى لسمعنا صوت أحد يعبث بإقفال الحبس، أصدر الباب صريرا مرتفعا، توقف قليلا ثم أنفتح ببطيء.. صوت غريبا قال لنا بصوت خافت وهو يتوارى وراءه الباب:- اخرجوا واتبعوني.
كنا أربعة مشينا خلف الرجل الملثم في العتمة ونزلنا درجات لطابق سفلي، أعطانا ثيابا وأمرنا بتبديل ما علينا، سريعا خلعنا ملابس الموت البرتقالية وارتدينا تلك الثياب السوداء ثم تبعناه للخارج.. وتحت ستار الظلام سرنا بمحاذاة أسوار البيوت المهدمة، مررنا من الطريق الخلفي حيث كان السجن يقع في الجهة المقابلة من المستوصف وهناك قرب الأحراش صادفنا الطبيب نارت.

لمجرد ذكر اسم الطبيب نارت اتخذت حواس دينا حالة الاستنفار القصوى.

- كان الطبيب نارت يحاول استخراج الماء من البئر للمرضى بعد نفاذ الخزانات من المياه وانقطاعها كليا عن المنطقة.. رآنا وحثنا على الإسراع لننجو بأرواحنا قبل عودة انتشار حرس الإرهابيين بعد انحسار العاصفة الرملية.. دعوناه ليجيء معنا لكنه رفض المغادرة قائلا ان واجبه الإنساني والوطني كطبيب يحتم عليه البقاء ومساعدة الناس.. لم يكن بيدنا حيلة لإقناعه، اضطررنا لتركه وعبرنا دغلة أحراش تمتلئ بالأشجار الكثيفة ومنها دخلنا نفقا سريا تحت الأرض، سرداب طويل جدا وعرضه لا يتسع ألا لشخص واحد.. سرنا بصف مستقيم لمدة نصف ساعة قبل أن نجد أنفسنا خارج منطقة سيطرة الإرهابيين، من هناك استطعنا إيجاد وسيلة نقل وتوجهنا إلى دمشق وقد نجونا بأعجوبة من الموت.. وها نحن هنا الآن بحمدالله .

نظر راسم إلى موليجان بامتنان وقال:- يالله كم وضع فيكِ الخالق من أسرار أعاجيب وكرامات!!

لاح على محيا موليجان ظل ابتسامة صغيرة ولم تقل كلمة.. ما لبثت ان نهضت متمتمة:- لا أطيب من شرب كأس شاي بعد الغداء.
توجهت إلى المطبخ فتبعتها شاها تسألها:- يامية(أمي) كيف وصلتِ إلى سجن راسم في مرج السلطان بدمشق؟.. أنت لم تخرجي إلا ساعة واحدة عند المغيب!!

موليجان أمرت أبنتها بالسكوت ثم قالت بصوت حازم:- هيا قومي اغتسلي ومشطي شعرك الأشعث، تأنقي بفستان جميل.. أهذا منظر تستقبلين به زوجك القادم من بعد البلاء العظيم الذي عانى منه.
هيا سيمتلئ البيت بالزوار وقبل ذلك علينا تحضير الحلويات.. لو اعتمدت عليكِ يا بلهاء لجلس زوجك خائبا بين ضيوفه ينتظرك وأنتِ تتعثرين في المطبخ بقلة تدبيرك.


يتبع ...

[دنيازادة]

كانوا جميعا يجلسون في الصالون يتهامسون بضجيج حول ما رواه راسم عن رؤيته لموليجان، فالعقل والمنطق لا يستوعبان ما قيل. المعجزات كانت للرسل والأنبياء فقط..

تمتمت دينا:- إذا صدق راسم فهذا يعني ان الخالة موليجان حققت ما لم تستطيع ثورة التكنولوجيا الحديثة المتطورة الذكية وثورة هندسة الجينات وعلم الفيزياء ان يحققه في الولايات الأمريكية وبأوروبا.. كيف لها أن تكون متواجدة بمرج السلطان في دمشق وبوادي السير في عمان بنفس التوقيت؟!!


تصاعدت همهات الاستعجاب والذهول.. الجدة توجان رفعت عكازها وطرقت بطرفها الأسفل الأرض الرخامية.. قالت:- قديما كنا أثناء سفرنا إلى دمشق نمر من مركز حدود الرمثا في الشمال.. في ذاك الزمن بالثلاثينات كانت الرمثا قرية حدودية مشتركة بين إمارة شرق الاردن وسوريا وهي إحدى حاضرات سهل حوران الشاسع ضمن حوض نهر اليرموك.. باباج (أبي) أنزور رحمة الله عليه كان كلما نزلنا بالرمثا يأخذني إلى السوق حيث يوجد هناك بين محلات الدكاكين مقام أثري يعتبر مزار لشيخ أرشيد.. وهو شيخ جليل من أولياء الله الصالحين وقد اشتهر بين الناس بكراماته الملموسة التي تجاوزت الزمان والمكان.. وله قصة معروفة في منطقة حوران.

هتفت دينا وقد استرعاها الفضول:- جدتنا الجواشة توجان أرجوكِ أخبرينا قصته .

عدلت الجدة من جلستها، أومأت برأسها بهزه خفيفة واسترسلت:- أرشيد لم يكن بالأصل من أهل الرمثا بل جاء إليها حين كانت خربة واستقر فيها حتى مات في 1789م.. كان رجل صالحا من التقيين الطيبين، بسيطا في ثيابه وحاله، درويشا على باب الله.. الناس لاحظوا ان له بعض التصرفات الغريبة التي لم يجدوا لها تفسيرا مقنعا.. أحيانا يرونه في الساحة الترابية يمسك بسيفه كما الفرسان الشجعان ويلوح به في الهواء ببراعة ومهارة لساعات وساعات وكأنه يقاتل في معركة حامية الوطيس.. ثم يجلس منهكا متعبا على عتبة باب بيته الطيني المسقوف بالقصب ساكنا لا يتحرك ولا يغادر مكانه، ألا ليصلي في المسجد حاضرا عند موعد كل صلاة.. وكان يوميا بين المغرب والعشاء يمشي ويهرول في المنطقة حافي الأقدام مرتديا عباءة بيضاء ولسانه يلهج بالدعاء والتسبيح والتكبير بصوت مرتفع.. ولم يقطع تلك العادة أبدا لا في عز حر الصيف ولا في زمهرير برد الشتاء.
ذات مره القوم سألوه عما يفعل فقال لهم أنه يذهب للعمرة ويطوف ببيت الله الحرام كل يوم..
الناس لم يصدقوه وراحوا يستهزئون به ساخرين منه ينعتوه بالأبله المجنون، ضحكوا مقهقهين وقالوا ان عقله مخبول على البركة..
الدرويش أرشيد لم يكترث واستمر في التسبيح والتكبير والهرولة بين المغرب والعشاء ولم ينقطع عن عادته تلك..
قافلة رمثاويّة ذهبت إلى الحج ضمن قوافل الحوّارِنَة وفي طريقهم التقوا بقوافل قادمة من فلسطين.. جميعهم مضوا في قوافلهم بسلام إلى الحجاز..
بعد أيام من رحيل القوافل شاهد أهل الرمثا الدرويش ارشيد يهرول بالطريق الترابي كالعادة وفجأة وقف وصرخ:- بجاه الله تبرك.
وكرر هذه الجملة أكثر من مرة، الأمر الذي صدم الناس الجالسين أمام بيوتهم والمارة من حوله ووقفوا يناظرونه وهو يتحرك ويتحدث ويتلو الآيات الكريمة..
وبعد عدت شهور رجعت قوافل الحوّارِنَة ومعهم قافلة الرمثاويّة، الحجاج العائدين ما ان هبطوا من ركوب إبلهم حتى راحوا يبحثون ويسألون عن الدرويش أرشيد.. قالوا مؤكدين:- لقد رأينا أرشيد في الحجاز بينما كنا نواجه مشكلة سببها جمل صعب المراس رفض ان يقعد بأمر من حاديه وعلى ظهره طفل مريض.. ونحن في شدة أزمتنا فجأة ظهر لنا أرشيد بعباءته البيضاء وقدميه الحافيتين، رأيناه قادما يهرول من قلب الصحراء.. توقف عن ركضه عندما شاهدنا وسمع صراخ وبكاء الطفل المريض في الهودج المتأرجح فوق الجمل الهائج.. اقترب منا وأحاط الجمل بحذر محاولا ان يهدئه ويروضه.. نجح بمسك لجام الجمل واقتاده من عنقه ثم أمره:- بجاه الله تبرك. ضل يكرر جملته حتى برك وقعد الجمل ساكنا..، انزل الطفل الصغير المريض المغمى عليه من داخل الهودج، حمله برفق ووضع يده على رأسه وأخذ يقرأ ويتلو الآيات الكريمة حتى فتح الطفل عيناه واستعاد وعيه، قام وسلمه لذويه.. ودون ان يخاطب أو يكلم أحد منا أكمل هرولته وغاب في عمق صحراء الحجاز.

أهل الرمثا ذهلوا مصدومين فكيف ذهب أرشيد إلى صحراء الحجاز ووصل هناك؟..
أجاب الرماثنة الحجاج العائدين:- ذاك الدرويش أرشيد لم يغادر الرمثا يوما واحدا بل لم يغب ولا حتى ساعة واحدة.. مازال كعادته يقاتل بالساحة الترابية ملوحا بسيفه في الهواء ثم يجلس ساكنا على عتبة باب بيته أو يصلي بالمسجد ويهرول في عباءته البيضاء حافي القدمين بين المغرب والعشاء.
لكنهم تذكروا ان بعد ذهاب قافلة الحجاج بأيام وأثناء هرولته توقف فجأة وصرخ أمرا:- بجاه الله تبرك.
عندها أيقن الجميع ان الدرويش أرشيد له كرامات ربانية من الخالق تجاوزت المكان والزمان.
ذاع صيت أرشيد في كل مكان.. وجاء لرمثا لشكره حشد كبير من الحرس والمرافقين مع والد ذاك الطفل المريض الذي كان داخل الهودج على ظهر الجمل الهائج، وقد تبين أن الطفل ابن الباشا أحمد الجزار حاكم عكا والشام..
وقد كان الحاكم أحمد باشا يقوم بحروبه المختلفة ويدفع الغزاة عن الشام وما حولها من البلاد، وكانت آنذاك الناس تقاتل دفاعا عن أوطانها.. وفي احد تلك الحملات كان الحاكم أحمد الجزار قد شاهد فارسا شجاعا مقداما له بأس شديد وحنكة وقوة لم يرَ مثلها من قبل يقاتل في صفوفه ويغير على الأعداء ويغوص بينهم كالسهم لا راد له بإذن الله. فما ان ينتهي يوم القتال يختفي فجأة.. حاول كثيرا ان يعثر عليه بعد كل معركة لكنه لم يكن يجد له أثرا..
ما ان وقع نظر الحاكم احمد باشا على الدرويش أرشيد حتى تعرف عليه فما كان ألا هو نفسه الفارس المقاتل بسيفه في شجاعة وبطولة..
وبدأت بين الحاكم أحمد باشا الجزار وأرشيد صداقة أخوية مميزة
قال الوالي:- اطلب ما شئت وبإذن الله سألبي ما تطلبه.
ظن الناس ان أرشيد سيطلب المال والثراء والجاه.. لكن أرشيد لم يطلب شيئا من ذلك.. بل طلب مصدرا للماء.. شرح للحاكم معاناة أهالي الرمثا من قلة الموارد المائية وجفاف الينابيع بعد انقطاع الغيث وكانوا اغلبهم مزارعين ولهم مراعي للإبل هي رزقهم وقوتهم.

وإكراما للفارس الشيخ أرشيد قام الحاكم أحمد باشا بإعفاء عشائر الرمثا من الضرائب وخصص لهم من الأراضي والأعمال التي تليق بهم.. كما أمر بإنشاء وتشييد سد البركة والذي أصبح يسقى منطقة حوران كلها وظل أهالي الرماثنة يشربون منه حتى انفجرت لوحدها بقدرة الله سبحانه في الوديان ينابيع المحاسي وبئر الجيال..

بعد تلك الحادثة أخذ الناس يتوافدون حاملين أطفالهم الصغار إلى الشيخ أرشيد ليطهرهم ويقرأ عليهم ايات الذكر الحكيم ويحوطهم ببركته بإذن الله العلي القدير..
وعندما انتقل الشيخ الجليل إلى رحمة الله تعالى تم دفنه في الرمثا التي أحبها وعاش فيها ولم يتركها يوما..
حين علم الحاكم أحمد باشا بموت الشيخ أرشيد أمر ببناء ضريح لقبره يليق بمنزلته، وقد أوعز ان يبني المقام حسن النابلسي الذي كان في ذلك الوقت أمهر وأشهر المعماريين في بلاد الشام.
أقيم الضريح في نفس المكان والموقع الذي كان يشاهدوه به الناس يقاتل في سيفه ويهرول في طوافه.. وقد أصبح من أهم المزارات الدينية وقصته من الموروثات الشعبية.


**********************

شاها سحبت دينا من يدها هامسة:- زوجي راسم يريد ان يكلمك.
تساءلت باستغراب:- يكلمني !!..
هزت شاها رأسها إيجابا:- نعم.. أخبرني أن بحوزته شيئا يخصك.
هتفت بصوت عالِ:- يخصني أنا!!
- اخفضي صوتك .. نعم بعهدته أمانة لكِ.
تلفتت شاها بحذر ثم غمزت بعينها ضاحكة:- يبدو ان هنالك معجب.
ما ان سمعت كلمة معجب تجهم وجه دينا تخيلت أمامها ميرزا بنظراته الوقحة.. ارتدت للوراء متمتمة:- لا أهتم .
استدارت فاستوقفتها شاها:- تمهلي لتعرفي من هو المعجب.
أصرت دينا بحزم:- لا أريد ان أعرفه.
- ألا يثير فضولك أسم المعجب.
كررت دون توقف رافضة:- لا.. لا.. لا..
ألحت شاها:- مع ذلك عليكِ مقابلة زوجي راسم.
- ليكن بعلمك لستُ موافقة على أخذ شيئا مما بحوزته.. ليعيد ما بعهدته لمن أعطاه إياه.
تنهدت شاها :- حسنا هذا الكلام قوليه بنفسك له.

على مضض التقت دينا براسم الذي دون مقدمات بادر قائلا :- ليلة عاصفة الغبار التي نجحنا فيها بالفرار من السجن.. وقبل ان ندخل سرداب النفق تحت الأرض فوجئنا بشخص يلحقنا في الظلام، لم نلبث وان اكتشفنا انه الطبيب نارت..
ازدادت دقات قلب دينا.. تغيرت ملامحها كليا وبدت مهتمة جدا..
استطرد راسم:- لوهلة ظنناه قد غير رأيه ولهذا عاد وتبعنا.. لكن تبين لنا بعلمه ومعرفته بوجود ذاك النفق السري القريب من مبنى المستوصف.. كان بإمكانه الفرار وقتما يشاء، لكنه يرفض التخلي عن الوطن وسيبقى في سبيل تقديم العون والمساعدة الطبية لمن يحتاجه من الأهالي الذين قرروا الصمود والبقاء في مرج السلطان.

تمتمت دينا خائبة بنشيج باكي:- ما زال رافضا العودة.
- لن يغادر المرج إلا بعد تحريرها من عصابات الإرهابيين.. لكن بإذن الله سيعود.. لو لم يكن يأمل ويرغب بالعودة لما حملني لكِ الأمانة.

تجمدت لبرهة ازدردت ريقها ملتفته تنظر إلى شاها ثم لراسم تسأله متلعثمة:- الشيء الذي أخبرتني عنه شاها وقالت انه بعهدتك.. من نارت؟
أحنى راسم رأسه جانبا وقال بجدية:- نعم.. الطبيب نارت كان قد تبعنا ليحملني هذه الأمانة لكِ.
شهقت بسعادة عارمة.. الفرحة التي غمرت كيانها كانت أكبر من قدرتها على كتمها:- أمانه لي أنا من نارت.
ابتسمت شاها تمازحها:- لا أهتم.. لا أريد .. رأينا من لا تهتم ولا تريد.

تضرجت وجنتي دينا بالاحمرار :- لما لم تقولي أنها من نارت؟.

شرح راسم وهو يرمق زوجته بنظرات شكر لتفهمها:- شاها نفسها لم تكن تعلم ممن الأمانة.
استفاض موضحا:- الطبيب نارت وثق بي وقال انه لا يحق لأحد استلام الأمانة بدلا عنكِ.. ولهذا أردت ان أعطيكِ إياها بنفسي دون وسيط لأتأكد أنها وصلتكِ.. طوال الوقت كنتُ حريصا على تخبئتها كي لا أفقدها أو تقع بين يدي أخرين.. حمل الأمانة جدا صعب والحمدالله الذي أعانني وقدرني على تسليمها.

وقفت دينا متسمرة للحظات كمن لا تصدق ما تراه عيناها عندما رفع راسم عن الطاولة صندوق خشبي بحجم الكف. أردف:- أنا لا أعرف ما يحتويه الصندوق ويشهد الله أني لم أحاول حتى فتحه لان ثقتي بالطبيب نارت كبيرة جدا.

أعطاها راسم الصندوق، مدت دينا كلتا يديها وأخذت الأمانة.. حملت الصندوق الخشبي المزخرف بحرص شديد كما لو كان كنزا عظيما.
قالت شاها بروية:- منذ الأزل معروف بيننا نحن الشركس ان في اديغتنا الخابزة توجد عادة تسمى (الأوج) ومازال البعض يتبع هذه العادة حتى يومنا هذا.. حيث يعطي الشاب للفتاة التي شُغف قلبه بعشقها شيئا مما يمتلكه كعربون ارتباط حبي، وبهذا يكون قد قطع وعدا لها بالعلاقة الحلال.. والهدية تصبح بمثابة طلب لزواج.. فإذا قبلت الفتاة الهدية وأخذتها يعني أنها تبادله ارتباط الحب وتوافق على الخطوبة.. وبهذا تكون منحته إشارة صريحة ليتفق رسميا مع ذويها وأهلها بشأن مراسيم الزواج.

ضمت دينا هدية الطبيب نارت إلى صدرها الخافق بشدة ثم طارت بابتهاج إلى بيت الجدة توجان.



نهاية الفصل السادس
بانتظار تعقيباتكم وارائكم.. قراءة ممتعة

[دنيازادة]

صورة قديمة موثقة رسمية لمقام الشيخ ارشيد

[دنيازادة]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 6 والزوار 3)
‏دنيازادة, ‏affx, ‏ميعاد احمد, ‏yasser20, ‏baadyoo, ‏منال سلامة

[affx]

شهاب لساتوا معصب من زويا وببهدلها وكمان علاقته مع هدى ما حبيتها ابدا ما في علاقة صداقة بين زلمة وبنت لازم يقطع علاقته معها ويخليها بس للشغل وحاسة انه هدى بتحبه وحتفرق بينهم بس لما زويا تركت شهاب وتوقع انها ما ترجع زعل وتوجع راسه ولما شافها فرح انا بحكي اذا رجع يعصب عليها لازم تتركوا لحتى يعرف قيمتها لانه اذا ضلت عنده حيفرغ عصبيته فيها وهو متأكد انها حتضل معه ...
دينا ونارت هنن اللي حينخطبوا 💋💋💋لئيمة خوفتيني ع الفاضي 😂😂بس نارت لازم يرجع وبعدين بفكر بوطنيته 😂
قصة موليجان خيالية صح بس شو الفايدة منها ؟

[دنيازادة]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة affx

شهاب لساتوا معصب من زويا وببهدلها وكمان علاقته مع هدى ما حبيتها ابدا ما في علاقة صداقة بين زلمة وبنت لازم يقطع علاقته معها ويخليها بس للشغل وحاسة انه هدى بتحبه وحتفرق بينهم بس لما زويا تركت شهاب وتوقع انها ما ترجع زعل وتوجع راسه ولما شافها فرح انا بحكي اذا رجع يعصب عليها لازم تتركوا لحتى يعرف قيمتها لانه اذا ضلت عنده حيفرغ عصبيته فيها وهو متأكد انها حتضل معه ...

هدى قريبة لشهاب ومو مجرد موظفة عادية ليقطع علاقته معها ونفسها زويا وضحت انو هدى لبقة ومهذبة جدا بالتعامل
زويا كانت دائما تتعصب على شهاب وتتركه وهي احيانا بتكون غلطانه بسبب تسرعها أو التباس الامور عليها ومع هيك شهاب يسامحها ويحتويها ويتفهمها.. فمعلش هلأ اذا اتحملته شوي

دينا ونارت هنن اللي حينخطبوا 💋💋💋لئيمة خوفتيني ع الفاضي 😂😂بس نارت لازم يرجع وبعدين بفكر بوطنيته 😂

ههههه مو قلتلك طمني قلبك ولا تخافي😋😁


قصة موليجان خيالية صح بس شو الفايدة منها؟

ما بدي اصدمك بس قصة موليجان مو خيالية
الفائدة منها بتكتشفوها الفصل القادم إن شاءالله

[دنيازادة]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 10 والزوار 2)
‏دنيازادة, ‏Khawla s, ‏آمِيرتٌ?, ‏ahmedman2010, ‏affx, ‏م ام زياد, ‏منال سلامة, ‏yasser20, ‏ميعاد احمد, ‏baadyoo

[دنيازادة]

اشرقت الانوار بحضوركم احبتي 😍😍😍

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 11 والزوار 3)
‏دنيازادة, ‏ward77, ‏zahra beja, ‏Khawla s, ‏آمِيرتٌ?, ‏ahmedman2010, ‏م ام زياد, ‏منال سلامة, ‏yasser20, ‏ميعاد احمد, ‏baadyoo