آخر 10 مشاركات
زوجة بالميراث (127) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          صدمات ملكية (56) للكاتبة: لوسي مونرو (الجزء الأول من سلسلة العائلة الملكية) ×كــاملة× (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          صفقة زواج(103) -قلوب غربية- للكاتبة الرائعة: * رووز *[حصرياً] كاملة & الروابط * (الكاتـب : رووز - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          إغواء متنكّر (78) للكاتبة: Stefanie London *كاملة+روابط* (الكاتـب : *دلال* - )           »          عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رهاني الرابح (90) للكاتبة: سارة كريفن ...كاملة... (الكاتـب : silvertulip21 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree9Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-08-19, 05:26 PM   #51

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عشقي بيتي مشاهدة المشاركة
بدايةرائعه واحداث مشوقه يعني اقدراقول فصل رائع بكل ماللكلمه من معنى
شخصيةقمر حلوووو واثقه من نفسهاومن تصرفاتها عندهاكبرياءوعزةنفس وفي نفس الوقت طيبه وحنونه وتهتم لاصديقاتها
تماضر احس شخصيتهاضعيفه على رغم القوه اللي تحاول ان تظهرهاامام الناس ياترى هل لابراهيم علاقه مع شادي وهل شادي فعل حركةالحافله حتى يظهرامامها بقصد ماذايقصد بظهوره فجاةفي حياتها
اخاف تتعرض لمؤامره خبيثه من إبراهيم وشادي
يسلمويداتك غاليت امتعتيني بجد
موفقه حبيبتي باذن الله

تسلميلي حبيبتي
حبيت تعليقك و تحليلك للأمور
هنعرف إذا كان الأمر مؤامرة من شادي أو ابراهيم أم مجرد صدفة بحثة في الفصل القادم بإذن الله 😍
تحياتي وودي⁦❤️⁩




Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-19, 05:26 PM   #52

حفصة عزوز

نجم روايتي وقاصة في قلوب أحلام وراوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية حفصة عزوز

? العضوٌ??? » 426673
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 458
?  نُقآطِيْ » حفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل الحضور في انتظار الفصل الثاني.
😘💙💜💗💟💞💓😍💖💝💕💘💚💛❤


حفصة عزوز غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-19, 06:50 PM   #53

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

مساء الخير
سيتم تنزيل الفصل الثاني بعد لحظات
قراءة ممتعة مسبقا
⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-19, 06:56 PM   #54

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثاني:

(أكابر...بفراقك
أكابر...بحبك
أكابر...بشوقي و حاجتي إليك!
أكابر ...بكل شعور ينبض به قلبي من دونك
أكابر...و أنا أعلم أنني أجني على نفسي بموتي بحبك
و أنا على قيد الحياة من دونك!
منقول)

ارتسم الجمود على ملامحها فور أن سمعت المعلومة، لكن عقلها كان بعيدا كل البعد عنه...كان كبركان مستعد لقذف الحمم من قلبه...قال سليم مقرا بعد لحظات من الصمت: "من ردة فعلك هذه أستنتج أن هذا الشاب يريد أن يرتبط بصديقتك تماضر".
كانت الإيماءة الصغيرة هي الحركة الوحيدة التي دلت على إنسانيتها...زفر سليم بعمق قبل أن يقول: "ربما الأمر مجرد صدفة يا قمر و لا يعرف هذا الشاب أن صديقتك كانت تهوى قريبه -لأن شعور تماضر وقتها لم يكن حبا بالتأكيد فلم تتعد سن المراهقة- و تعلقها بشادي زال مع الوقت".
نظرت إليه قمر بعمق قبل أن تقول: "كنت سأصدق أن الأمر صدفة لو لم يكن شادي قد ظهر في حياتها مصرا على فتح صفحة جديدة صباح اليوم".
ثم تابعت بحزن: "كما أنها لم تتجاوز تعلقها بشادي، لو تجاوزته لتوقفت عن اللهو و المرح مع أي شاب ينقطع طريقها مع طريقه ".
زفر للمرة الثانية قبل أن يقول: "ليس من واجبك حل مشاكل كل من حولك صغيرتي...و صديقتك إنسانة ناضجة و بالتأكيد ستتعلم من أخطائها السابقة...إن تدخلت في هذا الموضوع ستخسرين صداقتها فقط".
انقبض قلب قمر و هي تتذكر ما حدث قبل سنة و نصف تقريبا...صوت صديقتها الذي وصلها منهارا عبر الهاتف في الثالثة صباحا من ذلك اليوم كان لا يزال ملتصقا بأذنها كالتصاق صوت أمواج البحر بالأصداف...صوت كان بداية حكاية رغم مأساتها لم تأخذ صديقتها منها العبرة و لم تجد وقتها سوى أن تهمس بينها و بين سرها: "غبية أنتِ يا تماضر...غبية غباء شخص يستمع لصوت أمواج بحر تنذر بعاصفة فيظن أنها موجة مسالمة"...
كان يبدو أن سليم يشاركها التفكير في نفس القصة...القصة التي أخبرته بها بما أنه كان الشخص الوحيد الذي يمكنها أن تعتمد عليه في مساعدتها...و كما اضطرت لتعتمد عليه، اضطرت أن تخبره عن أساس المشكلة المرتبط بشادي مفيد، رغم أنها أقسمت بعد الذي حدث قبل سنوات عندما علم شادي بحب تماضر أنها لن تخبر أحدا بهذه القصة، كما لن تخبر أحدا بأنها هي قمر بن سودة التي سماها الكثيرون سيدة الكبرياء كانت و لازالت مغرمة بوسيم الثانوية سابقا، و الجامعة حاليا مالك البقالي...
لكنها أخلفت الوعدين، و الغريب في الأمر أنها أخلفتهما بشكل متقارب...بداية بإخبارها لسليم عن شادي ذلك اليوم المشؤوم، و بعدها بأيام اضطرت أن تخبر أمها عن حبها لمالك بعد التصرف المجنون و اليائس الذي قامت به حتى تجعله يغار عليها...الشيء الوحيد الذي يضمد جرح كبريائها ذلك اليوم المشؤوم أن والدتها لم تصر على معرفة الشاب الذي تحبه، لأنها لو عرفت كان كبرياؤها سينهار تماما...
قالت أخيرا بتصميم: "مستعدة لأخسر صداقتي معها في سبيل أن يبتعدا عنها معا".
صمت سليم عارفا أنه لا يمكن أن يقف أمام عناد فرد من أفراد عائلة بن سودة الشهير...ليقول أخيرا: "تذكري فقط أنني سأكون بجانبك إن احتجت إلى مساعدة".
أومأت قمر برأسها لتقول بجدية :"هل حصلت على رقم هاتفه أثناء بحثك هذا سيد سليم؟"...
*********************************************
كم تتمنى في هذه اللحظة أن تقتل ندى و تمثل بجثتها و أن ترسم بدمها لوحة سريالية على أحد جدران الكلية...
لم تكن يوما دموية التفكير، و لم تكن من محبي العنف بجميع أنواعه، لم تحب يوما مشاهدة أفلام الرعب كبقية أبناء جيلها، لكن ما حدث لها جعلها تتمنى أن تكون مخرجة لفيلم رعب واقعي و أن تجعل ندى بطلته حتى تنتقم منها...
الأمر بدأ منذ بداية أول حصة صباحية لهما في الكلية، كانت حصة للأشغال التطبيقية و منذ أن دلفت هي و ندى إلى المختبر حتى بدأت الأخيرة تغلي و تزبد عندما لمحت صاحب القميص الأزرق يتحدث مع إحدى الفتيات...فلم تتوقف عن شتمه و شتمها و كأنه زوجها و رأته و هو يخونها...إنها لا تعرف اسم الشاب حتى، و لا أي معلومة عنه حتى تتصرف بهذه الطريقة الدرامية ليجعل أستاذ المادة يوبخهما معا لأنهما كانتا تتبادلان أطراف الحديث بخفوت أثناء شرحه للدرس، فكان عقابه أن تنظفا معا جميع المعدات التي استعملها أفراد مجموعتهم في إعداد التجربة...لتكون النقطة التي أفاضت الكأس عندما انتهت الحصة لتهرب ندى و هي تغمغم لها أنها لن تصبر أكثر و ستتحدث مع الشاب و تترك قمر هناك وحدها مع الأستاذ الذي ظل يراقبها بصرامة حتى أنهت عملها هادرة وقت استراحتها الثمين الذي كانت تنوي أن تتمتع بشرب كوب من القهوة لتستعيد تركيزها بعد أن قضت ليلة مجهدة في التفكير بصديقتها الأخرى...
كانت تسير ناحية الجهة الذي يقع فيها المدرج الذي تدرس فيه المادة الموالية، حاملة في يدها دفترها و كراسة ملاحظاتها لأنها لم تستطع إضاعة وقتها في وضعهم بقلب حقيبة ظهرها...رن هاتفها فأخرجته من جيب سروالها لتلمح اسم ضحية أفكارها على الشاشة، فأجابت عن الاتصال قائلة بفضاضة: "إن كنت ستخبرينني أن الدكتورة قد دلفت إلى القاعة و ستبدأ الدرس، فأقسم أنني لن آخذ بعين الاعتبار عند وصولي وجودنا في مدرج و سأصفعك".
وصلها صوت ضحك صديقتها المرح قبل أن تقول: "لا تقلقي عزيزتي، لقد اتصلت بك لأخبرك أن الأستاذة ستتأخر كما أخبرني الحارس صاحب الوزرة الطويلة و ملابسه ذات الألوان الفاقعة التي يظنها مبهجة للنظر...يمكنك أن تذهبي لشرب فنجان من القهوة في المقصف...أراهن أنك غادرت للتو المختبر".
حركت قمر رأسها بتناغم قبل أن تقول: "بعد ما أخبرتني به الآن سأنظر في ملف قضيتك سيدة ندى و ربما تحصلين على حكم مخفف".
ضحكت ندى ثم ودعتها و هي تغلق الخط، و قبل أن تضع قمر الهاتف كانت تصطدم بأحدهم حتى أوقعت دفاترها و هاتفها أيضا، فانحنت بعد أن استعادت ثباتها تلملم الأوراق التي كانت بقلب دفترها التي تبعثرت بعد اصطدامها...
رفعت عينيها للشاب الذي انحنى يساعدها أيضا، فحبست أنفاسها عندما تعرفت عليه رغم رأسه المطرق...تعالى وجيب قلبها و لم تستطع منع نفسها من الهمس بلوعة: "مالك"
رفع مالك عينيه الفيروزيتين ليأسر عينيها للحظتين قبل أن يقول: "قمر".
استقام مادا يده إليها، فتنحنحت بحرج و هي تعتدل واقفة بسرعة فيقول لها بابتسامة: "مر وقت طويل مذ أن رأيتك، كيف حالك؟"
-"بخير الحمد لله، ماذا عنك".
قال بهدوء: "أنا بألف خير خصوصا بعد أن رأيتك".
تهور قلبها بسبب جملته و كأنه سمع كلمة غزل منه، فتعالى وجيبه محتفلا و كأنه حصل على كنوز الدنيا...أخرجها صوته من مراقبة فوضى قلبها: "هل لديك حصة الآن؟"
أومأت برأسها، فقال بهدوء: "لن أؤخرك إذن، كنت أود أن أتحدث معك أكثر، لكن ربما في وقت لاحق فبالتأكيد سنلتقي بما أننا ندرس في نفس الكلية...إلى اللقاء الآن".
ابتعد في الاتجاه الذي كانت قادمة منه، و هي اتجهت ناحية مدرجها بخطوات ناعمة و كأنها خطوات راقصة باليه تسير فوق السحب الوردية...
*********************************************
-"تبدين و كأنك ارتويت من ينابيع السعادة يا قمر منذ دخولك".
التفتت قمر إلى عائشة -صديقة ندى منذ أن كانتا في السلك الإعدادي حتى أنهما جارتين كما سبقت و أخبرتها ندى- شكرت الله في سرها لأن ندى كانت منشغلة بالتحديق في صاحب القميص الأزرق الذي يجلس أمامهما على غير العادة، و لم تلاحظ الهالة الولهانة التي تحيط بها منذ لقائها مع مالك...
نظرت إلى رفيقتها ذات البشرة القمحية ثم قالت بمراوغة: "حتى تخبرينني ما الذي يجعل الحزن مرتسما في عينيك؟"
كانت قد تعرفت على عائشة بداية الموسم الدراسي، و قد أثار إعجابها هدوء الفتاة المخالف لصخب ندى مما جعلها تتساءل كيف ظلتا صديقتين طوال سنوات؟ و رغم هدوء عائشة و كلامها القليل كانت ترى هالة السعادة المحيطة برفيقتها...الهالة التي اختفت عندما رأتها هذا اليوم بعد غياب طال لأسبوعين عندما ذهبت لزيارة عائلتها.
قالت عائشة بهدوء:" أنا مخلوقة عجنت طينتها من ماء حزن، لترى الناس من حولها سعداء فتظل تبحث عن تلك السعادة حتى وجدتها لتكتشف في النهاية أنه مجرد وهم".
صمتت عائشة فقالت قمر باهتمام :"هل الأمر مرتبط بخطيبك؟"
لم تجبها عائشة، فاحترمت قمر رغبتها بعدم البوح بمشاكلها...غمغمت قمر بتفهم: "يمكنك أن تخبريني في أي وقت بمشاكلك إن كنت تريدين الفضفضة".
أومأت عائشة برأسها و هي تشكرها لتقول بعد لحظات: "إياك أن تتعلقي بوهم سعادة يا قمر، إياك".
ثم صمتت كلتاهما ليتابعا شرح الدرس...
كانت عائشة أول المغادرين عند انتهاء الحصة في الوقت الذي كانت كل من قمر و ندى تجمعان حاجياتهما...استعجلت هذه الأخيرة صديقتها بقولها: "هيا قمر، أريد أن أقوم بشيء قبل أن يغادر".
عرفت قمر أن صاحب القميص الأزرق هو المقصود، غادرت الفتاتان المدرج و قمر تسألها:"ما الذي..."
قاطعتها ندى و هي تتجه ناحية الشاب الذي كان قريبا من المدرج و كأنه ينتظر أحدهم...راقبت صديقتها و هي تصافحه و تسأله عن أحواله قبل أن تقول: "هل كتبت محاضرة اليوم، فلا أنا و لا صديقتي قمنا بكتابتها...لقد كانت الأستاذة تملي الدرس بسرعة كبيرة".
أرادت قمر أن تخبرها بأنها كتبت المحاضرة بأكملها، لكنها توقفت فجأة مدركة ما تسعى إليه صديقتها...لقد اختارت المحاضرة كحجة لتتحدث مع الشاب الذي أثار إعجابها منذ بداية الموسم الدراسي...حركة جريئة أثارت إعجاب قمر و امتعاضها في نفس الوقت، فلم تكن من الفتيات اللاتي يرتمين أمام كل شاب يعجبهن...دائما كبرياؤها أولى من كل شيء...
لمحت الشاب الذي ناول الدفتر لندى ثم انخرطا في حديث حول الدراسة طوال طريقهم إلى المكتبة المتواجدة بقلب الكلية حتى تقوم بنسخ المحاضرة...كانت قمر تشارك في الحديث بعفوية، تعلق بذكاء أثار إعجاب الشاب الذي يرافقهما و قد ظهر الأمر جليا على ملامحه مما جعل الغيرة تتوقد في عيني صديقتهما التي تركتهما لتدخل بقلب الزحام المتواجد حول المكتبة كالعادة و كأنه شيء مفرغ منه...وقفا بجوار المكتبة ليسألها بهدوء:" أنت ابنة كمال بن سودة صحيح؟"
رمشت قمر بعينيها قبل أن تقول باستفهام: "هل تعرف والدي؟"
أجابها قائلا:" والدي يعمل في شركة والدك... كنت قد مررت لزيارته ذات يوم في الصيف الماضي فرأيتك برفقة أبيك...منذ أن رأيتك أول مرة في الكلية و أنا أتساءل، هل هي أنتِ حقا أو مجرد فتاة تشبهين ابنة السيد كمال".
غمغمت بعد تفكير: "تذكرت! أظن أننا التقينا في المصعد...والدك يعمل مهندسا في شركة والدي كما أظن".
حرك رأسه إيجابا، فلمحت ندى تغادر الجمع لتقول له: "حسنٌ، فليبقى أمر انتمائي لعائلة بن سودة بيني و بينك...لا أحب أن أكون محط أحاديث الناس".
وقفت ندى أمامهما لتقول بسرعة: "هل لديك نقود قمر؟ أحتاج إلى سلفة بسيطة لأدفع ثمن النسخ".
أخرجت قمر النقود من حقيبتها و هي تقول: "ما بك واجمة؟"
-"لم أجد حقيبة نقودي و أنا متأكدة أنني وضعتها بقلب حقيبتي قبل مغادرتي البيت"...
*********************************************
للمرة المئة كانت ندى تخرج جميع الكتب من حقيبتها لتبحث عن حقيبة نقودها الصغيرة و لا تجدها...تخللت خصلات شعرها المائلة إلى الحمرة بيدها ثم قالت: "لا أدري حقا أين هي؟ أنا متأكدة أنني وضعتها هنا".
قالت قمر بمرح و هي تؤرجح ساقيها و كأنها طفلة في العاشرة: "لن تبتلعها الحقيبة يا ندى، متأكدة بأنك نسيتها بالبيت".
ولولت ندى قبل أن تقول: "رباه! أتمنى فقط أن تكون بقلب الخزانة...لو تركتها فوق السرير لن أجدها بالتأكيد بما أنني أعيش مع جماعة من الهمجيات".
ضحكت قمر عاليا، ليهتف محمد -صاحب القميص الأزرق- بعد سماعه لجملتها حين اقترابه منهما :"لن يحدث إلا الخير يا ندى، ستجدين إحدى رفيقاتك في السكن قد احتفظت بها عندما وجدتها حتى تعيدها لك".
لكن يبدو أن الهدوء قرر أن يهجر ندى ليتركها تضع ألف تخمين لفقدان حقيبتها، فقد قالت فجأة بجزع: "يا إلهي! فيها بضع صور فوتوغرافية خاصة بي و بأمي، أخاف أن تأخذها إحداهن و تقوم بأخذها إلى أحد المشعوذين فيؤذيني بسحره و لا أستطيع الزواج مستقبلا...رباه! أنا لن أشك إن حدث ذلك فأغلبيتهن يكرهنني".
انفجرت قمر ضاحكة و قهقه محمد عاليا حتى شرق بالطعام الذي في فمه...ربتت ندى على ظهره و هي تقول بقلق:" هل أنت بخير؟"
أومأ برأسه و هو يرتشف من قنينة الماء ثم قال :"رباه يا ندى، أفكارك لا تصدق يا فتاة".
قالت قمر بمرح: "إنها مجنونة رسميا، اسألني أنا بما أنني صديقتها من قبل بداية الموسم الدراسي".
ابتسم محمد ثم قال لقمر: "لا أدري كيف وقعت فتاة عاقلة مثلك يا قمر في صداقة فتاة مجنونة".
هزت قمر كتفيها و قالت بقلة حيلة: "النصيب".
ادعت ندى الغضب و هي تخرج غداءها من حقيبتها لتأكله بهدوء...رفعت الشطيرة إلى محمد و هي تقول بدلال: "تذوق من طعامي يا حمادة".
ارتفع حاجبه باندهاش ثم ابتسم لها برقة ليقول: "حسنا آنستي، سأتذوق قليلا".
كانت قمر تتابع ما يحدث بتسلية لتقول بعد لحظات بعد أن طالت النظرات المتبادلة بينهما: "لا ينقصكما سوى التمر و الحليب و خاتمي الزواج و صوت الصلاة والسلام على رسول الله".
ضحكت ندى عاليا، و احمرت أذني محمد خجلا ليقول لها بفضاضة:"ألن تتناول طعامك يا آنسة؟ أم أنك تتبعين حمية غذائية؟"
-"لا، أنا أنتظر عمي سيأتي و يصطحبني إلى المنزل".
قالت ندى باستنكار: "ألم تعديني البارحة بتناول الغذاء معا في الكلية، ما الذي جعلك تغيرين رأيك؟"
قالت قمر بهدوء: "محمد معك، يشاركك الغذاء...أنا سأذهب إلى المنزل لأشارك أمي غذاءها بما أنني ابنة بارة".
رن هاتفها، فقالت بعد أن نظرت إليه: "ها هو قد وصل...أراكما زوالا يا جماعة".
قامت ندى من مكانها و هي تقول: "انتظري قمر سنرافقك إلى البوابة".
لم تستطع قمر الاعتراض بعد إلحاحها، فرافقاها معا إلى الخارج...لمحت السائق المستند على السيارة في انتظارها فقالت بهدوء: "لا داعي لأن تصلا معي حتى البوابة، يمكنكما العودة و أنا ذاهبة".
تركتهما لتتجه ناحية السيارة الرياضية الحمراء تفتح بابها الخلفي ظنا منها أنهما استدارا عائدين إلى المقصف حيث كانوا قبل قليل...لكنها شتمت نفسها عندما لمحتهما من زجاج النافذة لا يزالا في مكانهما...انطلق السائق فقالت له باهتمام: "من المفترض أن تصطحبني بسيارة أمي".
قال السائق بهدوء: "السيدة والدتك استغنت على خدماتي هذا الصباح و ذهبت إلى عملها بمفردها...لذا أخرجت سيارتك من المرآب لأحضرك بها".
غمغمت قمر باستياء: "كان بإمكانك أن تحضرني بسيارتك يا صلاح".
-"سيارتي في التصليح آنستي، كما أنها قديمة و لا تليق بك".
تمتمت قمر بين أسنانها: "و كأنني مخلوقة من مادة أسمى من الطين الذي خلق منه جميع البشر".
-"عفوا؟"
رفعت عينيها و قالت باقتضاب: "لا تشغل نفسك بما قلته، و أسرع قليلا أرجوك...أريد أن أصل إلى البيت بسرعة حتى لا أتأخر في العودة"...
*********************************************
أثناء عودتهما إلى المقصف كانت ندى تنظر إلى الأفق البعيد و قد بدا عليها و كأنها تفكر في شيء ما...جلسا متقابلين على طاولتهما ليسألها محمد بهدوء: "ما الذي يشغل بالك؟"
قالت ندى بغموض: "لا شيء مهم".
غمغم بعناد: "أريد أن أعرف".
تنهدت ندى قبل أن تقول: "قمر تحيرني".
نظر إليها باهتمام فاسترسلت قائلة: "السبت الماضي رافقتها حتى تشتري فستانا من أجل أن ترتديه في مناسبة عائلية...توجهنا إلى أحد المحلات المشهورة و اختارت فستانا باهضا جدا، يمكن أن أقول أن ثمنه مطابق للراتب الذي يتقاضاه أستاذ في أغلبية المدارس الخصوصية...و عند عودتنا اتصلت بعمها هذا ليقلنا و كان يملك سيارة رباعية الدفع و الآن أتى بسيارة رياضية حمراء...كما أنها جلست بالمقعد الخلفي".
قال محمد باهتمام:" و هل أخبرتك أنه عمها؟"
أومأت برأسها، فقال بهدوء:" لا أظنه عمها...بل سائقها الخاص".
ارتفع حاجب ندى و هي تكرر ما قاله و كأنها ستستوعبه عندما تكرره، لتقول فجأة: "لكن كيف؟ لقد أخبرتني أن والدها مهندسا".
ابتسم محمد ثم قال: "بل إن والدها مالك لإحدى الشركات الخاصة بالصناعات الغذائية، كما أنه يملك نادي رياضي كبير يقع في أحد المناطق المعروفة في المدينة و مجموعة من المدارس الخصوصية تعد الأفضل في المدينة...و عديد من محلات الصاغة التي ورثها عن والده الذي كان صائغا كبيرا ذاع صيته في المدينة التي ينحدر منها و في العاصمة".
كانت ملامح ندى تزداد جمودا مع كل جملة يقولها، لترفع عينيها و تسأله فجأة: "و كيف عرفت كل هذه الأشياء؟"
-"والدي موظف في شركة والدها، كما أنني تدربت هناك طوال العام الماضي بعد أن قررت أن أنقطع عن الدراسة...أتدرين، لقد كان والد قمر من أقنعني بمتابعة دراستي قائلا لي أنني سأندم عندما أرى أصدقائي حاصلين على شهادات عليا و أنا لا أملك سوى شهادة الثانوية...إنه رجل رائع".
وضعت ندى علبة عصيرها على الطاولة بحدة ثم هتفت: "لا أريد أن أستمع إلى المزيد".
قامت من مكانها، فلحق بها متسائلا في سره عن سر غضبها هذا...دارا حول الكلية لتقول أخيرا: "أنا أكره الأغنياء".
نظر إليها باندهاش و قبل أن يسألها عن سبب كرهها قالت: "لأن المسمى والدي واحد منهم، و كما حرمني من حبه و حنانه طوال العشرين سنة السابقة، حرمني من حقي في أمواله أيضا...بخلاف ابنيه من زوجته الأخرى".
اعتلت الصدمة ملامحه عندما فهم من كلامها أن والديها منفصلين، لتتابع بيأس: "كل صيف، أراقب الصور التي يقوم من يسميا بأخوي بنشرها على حسابهما على مواقع التواصل: عطلة في باريس، و أخرى في روما...صيف صاخب في نيويورك و آخر هادئ في جزر لم أكن أسمع بها حتى رأيتهما فيها...أما أنا، فكنت كل صيف أخرج لأعمل، لكي أزيل بعض العبء عن كتفي أمي التي اشتغلت أكثر من وظيفة لتأمن لي كل ما أحتاجه...ثم أضطر للانقطاع عن الدراسة عاما كاملا عندما ضعف بصر أمي...أضطر لأعمل أعمالا لم أتوقع مرة أنني سأقوم بها فقط لأؤمن مصاريف عملية والدتي بنفسي دون أن آخذ قرشا واحدا من المال الذي قدمه لنا خالي كصدقة جارية".
ضحكت بسخرية ثم قالت: "و أنظر الآن إلى أين انتهى بي الأمر؟ انتهى بأن أصادق فتاة ثرية مدللة لا تعرف في حياتها معنى للشقاء...فتاة ظلت تدعي طوال المدة السابقة أنها من عائلة عادية و ما إن رأت شابا يحوم حولها أخبرته بهوية عائلتها...يال السخافة!"
قال محمد بجدية: "إياك أن تظلمي قمر، أنا عرفتها بنفسي لأنني رأيتها قبل أشهر في شركة والدها...و عندما أخبرتها بذلك، طلبت مني ألا أخبر أحدا لأنها لا تحب أن تكون تحت الأضواء".
هتفت بشراسة: "أجل، أجل، حتى لا يقول الناس أن قمر المليونيرة تصاحب ابنة من الطبقة الكادحة".
-"لا تجعليني أندم لأنني أخبرتك بالأمر يا ندى...ثم توقفي عن هذه الدراما السخيفة، أنت فتاة رائعة تقدر العائلة، بعكس الكثيرين الذين يملكون أشياء لا تملكينها أنت وأنا من هذا النوع".
ارتفع حاجبها باندهاش، فزفر بعمق قبل أن يخبرها بأنه ابن عائلة ميسورة الحال: والده يعمل مهندسا ووالدته تعمل ممرضة...عاش في رغد طوال سنوات عمره هو و إخوته حتى أنه تدلل و رسب سنتين متتاليتين في الثانوية قبل أن يقرر ترك الدراسة عارفا أن والده سيوفر له كل ما يحتاج...لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد كان قرار والده صارما عندما ترك الدراسة...أخبره بصراحة أن عليه أن يعمل ليتحمل مصاريفه الشخصية بما أنه لا يريد أن يدرس...وافق على اقتراح والده ووعده بالبحث عن عمل، لكن موافقته كانت مجرد كلام قيل...لم يبحث عن عمل، كان يقضي يومه في التجول مع أصدقائه ليعود إلى المنزل مساء و يطلب المال الذي يحتاجه اليوم الموالي من أمه بعيدا عن أنظار أبيه...لكن الأمر لم يطل طويلا، فقد كان أبي النفس في النهاية، فقرر البحث عن عمل في نفس الوقت الذي قرر فيه اجتياز امتحان "الباكالوريا الحرة" حتى على يمتلك على الأقل شهادة ثانوية...
قالت ندى بارتياح: "إذن عمرك واحد و عشرون سنة".
أومأ برأسه فتنهدت و هي تهمس في سرها:" الحمد لله، لو كان أصغر مني لابتعدت عنه الآن بدون أن ألقي السلام حتى".
قاطع تفكيرها صوته الهادئ: "و أنت لم أتوقع أن عمرك عشرون سنة ...ظننتك في الثامنة عشرة كقمر".
ابتسمت ثم قالت بهدوء: "ربما تراني أكبر منها، لكنني أظنها أنها تملك حكمة تفوق عمرها و عمري بمراحل و هذا ما يجعلها مميزة"...
*********************************************
عندما ترجلت قمر من سيارتها لمحت بوابة المنزل التي فتحها الحارس مجددا لتدخل سيارة والدتها...صفتها والدتها بجوار السيارة الحمراء و ترجلت منها لتقول قمر: "سعيدة لأنك أتيت أماه...كنت سأحزن لو تناولت الغذاء بمفردي".
قالت والدتها بحيرة و هما تتجهان إلى مدخل البيت: "ألم تقولي أنك ستتناولين الغذاء مع رفيقتك في الكلية؟"
هزت قمر رأسها ثم قالت:" غيرت رأيي في اللحظة الأخيرة...لن أترك حبيبة كمال تأكل الغذاء بمفردها في البيت، لا أريد أن يغضب مني".
نهرتها والدتها، لكنها لم تهتم بذلك بل تابعت قائلة: "كما أنني أريد تغيير ملابسي".
دلفت إلى غرفتها لتفتح خزانتها بحماس و تنظر إلى الفساتين المعلقة بانتظام...لم يسبق أن ارتدت فستانا أيام الثانوية و لا حتى طوال الشهرين المنصرمين في الجامعة، لكن لا تدري لماذا شعرت الآن برغبة بأن تكون هيئتها أنثوية؟ ربما مقابلتها لمالك هي السبب في ذلك...
ستكون ظالمة إن قالت ربما فقط، فبالتأكيد مقابلتها لمالك هي من جعلت الفراشات الذهبية ترفرف في قلبها...هي من جعلت السحب الوردية تغطي طريقها، و موسيقى الحب الصادرة من القلب تلف أذنيها...هي من جعلتها تضرب وعدها بتناول الغذاء مع صديقتها عرض الحائط لتعود إلى البيت و تتزين كحبيبة ستخرج لأول لقاء مع حبيبها...
ارتدت فستانا من الجينز، تداعب تنورته ركبتيها برقة و يحدد خصرها حزام أسود عريض تحبه كثيرا...جلست أمام طاولة الزينة تصفف شعرها البني ثم لفته على شكل كعكة أنيقة...وضعت زينة لا تكاد ترى على بشرتها الصافية ثم ارتدت حلقا طويلا ينتهي بحجر فيروزي اللون...وضعت كتبها بحقيبة مناسبة لطلتها ثم ارتدت حذاءً رياضيا أبيض اللون، فبدت هيأتها عفوية جدا كأي طالبة تحب التأنق لنفسها بدون إفراط...
نزلت الدرج و هي تدندن بلحن ما لتنظم إلى والدتها على طاولة الطعام...نظرت نجاة إلى طلة ابنتها باندهاش، قبل أن تقول: "ألست ذاهبة إلى الكلية؟"
-"بلى، لدي محاضرة بعد ساعة تقريبا".
تفوهت بها بهدوء، فقالت والدتها: "ليس من عادتك ارتداء مثل هذه الملابس أثناء ذهابك للكلية!"
هزت قمر كتفيها ثم قالت ببساطة: "تغيير".
لتقوم من مكانها و تغمز أمها و هي تقول بمرح: "أحاول أن أغوي أحد أساتذة الكلية، كيف أبدو؟"
ضحكت والدتها بصخب لما قالته قبل أن تغمغم: "جميلة كفتاة رقيقة في الثانوية".
زمت قمر شفتيها و قالت بإحباط: "حطمت سقف أمالي العالي أماه".
حملت حقيبتها ثم لوحت لأمها التي همست بدهشة مجددا: "إلى أين؟"
-"إلى الكلية، قلت لك عندي محاضرات".
تمتمت والدتها باستياء: "لم تأكلي سوى السلطة".
قبلت قمر وجنتها ثم قالت: "لا رغبة لي بالأكل حقا، لكن أعدك أنني سآكل شيئا في الخارج إن شعرت بالجوع"...
غادرت قمر تحت أنظار والدتها التي اختفت ابتسامتها بعد أن ابتعدت ابنتها...تذكرت الجملة التي همست بها ممازحة قبل قليل ليتألم قلبها و هي تتذكر ما أخبرتها به ابنتها قبل سنة و نصف عن الشاب الذي تحبه...الشاب الذي دفع ابنتها العاقلة للقيام بعمل متهور جعلها تكره نفسها...لم تكن غبية، فقبل أن تخبرها ابنتها بشهور كانت تراقب تغيراتها بعينين متسائلتين دون أن تجرؤ شفتاها على طرح السؤال...كانت تراها شاردة، مهمومة، قل طعامها كما قلت جمعاتها مع أصدقائها...مرات كانت تجدها تبتسم ووجنتيها متوردتين، و مرات كانت تمر بجوار غرفتها فكانت تستمع إلى صوت بكائها الخافت...لقد رجحت تقلباتها هذه لوفاة جدها في نفس تلك الفترة و كانت قمر متعلقة به...لكن بعد أن أخبرتها ذات يوم بكل شيء عرفت نجاة أن تخمينها السابق كان خاطئا...
تتذكر نجاة أنها أخبرت ابنتها أن ما تشعر به نحو زميلها ليس حبا بل إعجابا فقط...ففتاة في عمرها الحساس آن ذاك ستفسر كل اضطراب مشاعر تشعر به على أنه حب...ربما مرت مدة على ذلك اليوم و الأيام التي تلته...حيث استيقظت قمر صباح اليوم الموالي و كأنها فتاة أخرى، أكثر ثباتا مما كانت عليه، حتى أنها رفضت التحدث في الموضوع أكثر معتبرة أن الأمر قد انتهى...انغمست بقلب دراستها ووافقت بهدوء على القرار الذي اتخذه والدها لتعلمها ركوب الخيل...مع ذهابها الدوري للنادي عادت نشاطاتها مع زملائها إلى أوجها، كما اجتازت الامتحانات النهائية بتفوق...خططت بحماس للعطلة الصيفية و الأماكن التي تتمنى أن تزورها و أظهرت استمتاعا كبيرا أثناء رحلتهما...لكنها أمها و تعرف جيدا أن ابنتها لم تعد كما كانت، و كأنها رغم عمرها الصغير أحبت ذلك الشاب بعمق و صدق و هذا لا تستغربه أبدا فقد كانت قمر دائما تتصرف بشكل يفوق عمرها بكثير...

رورو نونو likes this.

Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-19, 07:02 PM   #55

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

*********************************************

-"كنت أنتظركِ".
أجفلت تماضر على صوته ثم التفتت ناحيته هامسة باستياء: "لقد أخفتني يا شادي".
غمغم شادي باعتذار خافت، فهتفت بحنق و هي تمرر أنظارها حول الحي الهادئ و الفارغ إلا من بضع سيارات عابرة: "ما الذي تفعله هنا؟ أليس الوقت باكرا عن بداية حصصك الدراسية؟"
غمغم شادي بهدوء: "كنت أنتظرك".
ارتفع حاجبها باستنكار، فتابع قائلا: "كما انتظرتك صباحا في موقف الحافلات".
-"يقلني والدي صباحا أغلبية الأوقات...عموما، ما الذي تريده مني؟ لأنني لا أريد أن أتأخر".
همس بنبرة مستاءة: "منذ يومين و أنا أنتظر اتصالا منك أو رسالة".
قالت بفظاظة: "لم أكن متفرغة لأتذكر الأمر...عن إذ..."
قاطعها و هو يمسك بيدها ليقول بنعومة: "لم تهربين مني الآن؟"
شمخت بذقنها ثم قالت: "لا أهرب...كل ما في الأمر أنني أريد الذهاب حتى لا أتأخر".
أخرج هاتفه من جيبه ليقول: "حسن، حتى لا أطيل الحديث معك أكثر و تتأخري...اكتبي لي رقم هاتفك".
أخذت الهاتف من يده بعنف ثم بدأت بالكتابة ليقاطعها صوته المرح: "إياك أن ترتكبِ أي خطأ لأنني سأتصل بك الآن حتى أتأكد من صحته".
عضت تماضر شفتها السفلى و هي تمسح الأرقام لتكتب الرقم الحقيقي...كانت عيناه قد تعلقتا بشفتها المسجونة بين أسنانها في حركة عفوية جعلته يتمنى لو كان بإمكانه أن يعانقها الآن و يقبلها حتى لا تعيد القيام بهذه الحركة التي تستفزه مرة أخرى...سمع رنين هاتفها، فأعطته هاتفه و هي تقول: "ها قد اتصلت كما أمرت سعادتك حتى تتأكد بأنني كتبت لك رقمي الصحيح ....الوداع الآن".
سارت في اتجاه موقف الحافلات و هي ترغي و تزبد وكم تمنت أن تجد حجة مقنعة تخبر بها والديها عندما تنفذ ما خطر في بالها...أن تكسر شريحة الهاتف اللعينة...
*********************************************
-"أليست تلك قمر؟"
رفع مالك رأسه لتلتقي نظراته نحو المجموعة التي كانت تتقدم في الاتجاه حيث كان يجلس مع صديقه زيد...كانت قمر برفقة فتاة و شاب و يبدو عليهم الانسجام في الحديث...رفعت عينيها فجأة لتضبطه و هو ينظر إليها فاكتفت بهز رأسها كتحية صامتة قبل أن تبتعد مع أصدقائها...
أخرجه سؤال زيد المهتم حول من يرافق الفتاتان من شروده، ليقول بهدوء: "لا أعرفه".
تابع زيد المجموعة بنظره حتى لم يعد يلمحهم لينظر إلى ساعته في الوقت الذي قال له مالك باهتمام:" هل ستحضر المحاضرة أم أنك ستفر هاربا مجددا و لن نراك حتى بعد أشهر من الآن؟"
ضحك زيد ثم قال و هو يربت على كتفه: "لا تقلق يا ستراني في هذه الكلية قبل حلول العام الجديد...لكن الآن علي الذهاب حقا، لدي عمل مهم علي القيام به"...
ابتعد زيد في اتجاه بوابة الكلية، ليتحرك مالك ناحية المدرج الذي سيدرس فيه...وجد وسط الباحة مجموعة من الطلاب يتظاهرون حول شيء ما...همس بعد أن سمع الشعارات: "وقفة احتجاجيه بسبب المنحة المتأخرة".
زفر بعمق و هو يبحث عن مكان خال ليمر منه ليلمح قمر تسحب صديقتها التي دفعها حماسها كما يبدو لتشارك في الوقفة الاحتجاجية...ابتعدت عنها قمر بيأس و ظلت تراقب الوضع فاستغل الأمر ليسحبها من كفها، التفتت إليه فزعة، لتطمئن بعد أن رأته...أشار إلى الاتجاه المؤدي للمقصف ثم قال: "هيا بنا"...
*********************************************
جلسا على إحدى الكراسي البعيدة عن المقصف و قاعات المحاضرات...مكان مميز للعاشقين لتبادل أحاديث جريئة و للمدخنين لتدخين سيجارتهم بدون إزعاج من أحدهم...توردت وجنتاها قليلا بعد تخمينها هذا، ثم همست في سرها متسائلة: "أ تراهم يظنوننا عاشقين؟"
رغم أن كل من يحيط بهم كان منشغلا في عالمه الخاص إلا أنه حقا لا يبدو عليهما كذلك، بجلستهما المتباعدة و تحريكها الطفولي لساقيها أثناء تناولها من علبة البطاطس الكبيرة التي اشترتها قبل لحظات...مدت العلبة في اتجاه كدعوة صامتة بأن يتذوق منها فأومأ برأسه نفيا ثم شكرها و هو يقول: "توقفت عن أكل البطاطس المقلية المعلبة منذ مدة طويلة".
أعادت العلبة إلى حضنها ثم تابعت تناولها و هي تنظر إلى السماء مصرة أن يكون هو من يبدأ المحادثة...لم يطل انتظارها طويلا فقد استهل حديثه بقوله: "لقد مر وقت طويل منذ أن التقينا أو تحدثنا يا قمر...أصبحنا غريبين منذ الذي حصل لنا آخر مرة".
مجرد تفكيرها في الأمر يؤلمها، و كم تمنت أن تعذب السبب في آلامها هذه طويلا ثم تقتله...كما تمنت لو يعود الزمن إلى الوراء لتمنع نفسها من إخبارها بكل شيء عن حبها بدافع الصداقة فدفعت ثمنا غاليا لإفشاء سرها لشخص لا يستحق حمل أسرار الناس دون تحويرها على هواه و أذيتهم بها...أخذت نفسا عميقا مخمدة نار الخيانة التي اشتعلت في أوصالها قبل أن تقول بهدوء: "أنتَ من اختار أن نصبح غريبين يا مالك، رغم أنك ادعيت وقتها أنك صدقتني و لم تصدقها هي".
غمغم بهدوء: "لقد صدقتك يا قمر و أنت تعرفين هذا جيدا، لو لم أصدقك لما كنت جالسا الآن هنا أتحدث معك".
مرحت على شفتيها ابتسامة ساخرة ثم همست بطريقة مسرحية: "شكرا على الفرصة التي منحتها لي سيد مالك".
زم شفتيه بغيظ و هتف بين أسنانه: "لا أمزح معك قمر"، فردت بجدية صدمته: "و أنا أيضا لا أمزح"....لم يكن يعرف أن قلبها يئن ألما، أكثر من سنة و نصف مرت على تلك الحادثة التي غيرت عالمها و تفكيرها و ثقتها بالناس...الحدث الذي كان سببا في قيامها بتصرف أرعن جعلها تعض أصابع الندم من بعده...زفرت بعمق، فقال بهدوء: "لننس ذلك اليوم قمر، لننس قذف شيماء و لنتابع حياتنا كما كنا في السابق أصدقاء...لطالما كنت و ستظلين غالية بالنسبة لي يا قمر...غالية جدا".
في لحظة تمنت أن تهمس له: "لا أريدك صديقا يا مالك، لأنني لم أراك يوما كذلك!" لكنها ألقت بأمنيتها الكامنة فوق سحب أحلام الحب إلى أرض الواقع...الواقع الذي عليها أن تقبل به في سبيل كبريائها لأنه أولى من كل شيء...
صافحها بمودة و عينيه الحبيبتين إلى قلبها تأسران عيناها الغامضتان، ثم قامت من مكانها لتقول بهدوء: "علي أن أذهب الآن إلى محاضرتي، وداعا".
قال بثقة: "إلى لقاء قريب يا قمر".
ارتج قلبها عندما لمحت تلك الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه، فهرولت ناحية مدرجها محافظة على تماسكها العلني بما أنها لا تملك رفاهية الاختباء و الانهيار حاليا"...
********************************************
عندما دلفت إلى المدرج، كان الأستاذ قد بدأ بإلقاء الدرس...لمحت أصدقاءها جالسين على أحد المدرجات الخلفية على غير العادة فتوجهت ناحيتهم و على شفتيها ابتسامة هادئة...أفسحت لها عائشة المجال للمرور فجلست بجوارها و كانت ندى المنشغلة بالتحدث مع محمد جالسة على جانبها الأيسر...تعلقت نظراتها بالثنائي الذي كان يبدو من حديثهما الخافت و الابتسامات المتبادلة بينهما و كأنهما حبيبين رغم أن الوقت لازال مبكرا على ذلك...حانت منها التفاتة ناحية عائشة لتجدها منشغلة بالتحدث مع أحدهم على "الفايسبوك"، الحزن منحوت على ملامح وجهها المليح و نظراتها شاردة في اتجاه غير محدد و لا يخرجها عن حالة الشرود العجيبة سوى أزيز الهاتف، فتقرأ ما أرسل لها قبل أن ترد، فترقص أصابعها على شاشة هاتفها تارة بنعومة و كأنها تؤدي رقصة البجع...و تارة تتحرك أصابعها بعصبية فتكاد قمر تشعر بالنيران المشتعلة بقلب صديقتها قبل أن تعود للخمود مجددا دون أن تترك أي أثر لاشتعالها السابق غير أنفاسها العنيفة المتلاحقة...
نظرت قمر إلى الأستاذ و بدا لها ما يشرحه غير مفهوم...تثاءبت ثم أخفضت رأسها لتتكئ على الطاولة و هي تعد نفسها بالحضور صباح يوم غد أثناء إلقاء الأستاذ للمحاضرة على المجموعة الأخرى...
رفعت رأسها عندما تسرب إلى أذنيها صوت نشيج بكاء تحاول صاحبته أن تكتمه...نظرت باندهاش إلى الدموع التي تسيل من عيني عائشة ثم قالت بقلق: "عائشة، ما بك هل أنت بخير؟"
كانت الفتاة تجمع أشياءها في حقيبة يدها بيد مرتجفة، همست بصوت متقطع:"علي الذهاب إلى المنزل...أنا متعبة".
وضعت قمر دفترها في حقيبة ظهرها ثم التفتت ناحية ندى و محمد لتزم شفتيها بغيظ...صديقة ندى منذ سنوات تبكي و هي لم تبالي حتى بالنظر إليها...لم يكن لها وقت للعتاب، عليها أن تلحق بعائشة التي غادرت المدرج...تحركت إلى الخارج باحثة عنها فوجدتها جالسة بقرب النافورة دافنة وجهها بين يديها...اقتربت منها قمر بسرعة و جلست بجوارها لتسحبها بدون كلام إلى أحضانها...ازداد بكاء عائشة حتى أثار انتباه بعض الطلبة و حاول بعضهم الاقتراب من الفتاتين بفضول لكن قمر حدجتهم بنظرة نارية جعلتهم يعرضوا عما كانوا ينوون القيام به...خفت حدة بكائها بعد لحظات حتى انقطع فابتعدت عن أحضان رفيقتها التي قدمت لها قنينة الماء، فأخذتها و هي تشكرها ثم ارتشفت منها ببطء و كأنها تؤجل أمرا تعرف أنه محتوما...لقد كانت تؤجل جوابها عن السؤال الظاهر بوضوح في عيني صديقتها...رغم أن جزءا منها يريد الفضفضة لشخص ما، الجزء الآخر يمنعها بعناد مستخدما جميع الحجج...لكن يبدو أن النظرة المتفهمة التي أطلت من عيني قمر كانت كافية لتئد كل الحجج قبل مهدها...و الدعوة التي التقطتها مسامعها بالحكي جعلت شفتيها تتحرك لا إراديا هامسة بصوت بعيد و عيناها تنظران في اتجاه غير معلوم: "البداية كانت قبل أكثر من سنة، كنت قد رسبت في امتحان الباكالوريا بسبب ظروف عائلية أثرت في نفسي كثيرا، أخي الأكبر لم يسمح لي أن أجتاز الدورة الاستدراكية رغم أنني حضرت لها جيدا و كنت أحلم أن أحصل على معدل عالي بعد اجتيازها...وجدته يخبر والدي أنني سأضيع الوقت فقط، فالدراسة لن تنفعني لأن مآلي في النهاية بيت زوجي".
زفرت قمر بحنق و قالت بغضب: "ما هذه العقلية المتحجرة؟"
أطلقت عائشة ضحكة ساخرة قبل أن تتابع: "أتدرين أنني كنت وقتها و لازلت أعتبر مدللة العائلة فقط لأنني تابعت دراستي إلى الثانوية...لدي سبع أخوات كلهن لم يتعدين الإعدادية، واحدة فقط من حصلت على شهادة الثانوية و عندما أرادت أن تتابع دراستها الجامعية منعها أخي رغم أنها كانت متفوقة دراسيا و حصلت على معدل عال جدا...لكنها كانت أعند منه و رفضت جميع الخطاب الذين تقدموا لها و في كل مرة كانت ترفض أحدهم يتعالى صوت صراخهما في البيت فينتهي الأمر به مستسلما رغم حنقه من تصرفاتها...أختي قوية جدا و طائشة جدا و كنت أستغرب عن السبب الذي منعها من الهرب من المنزل حتى تحقق حلمها...المهم بعد أن أصدر أخي الفاضل قراره السامي بأسبوع كنت عائدة من بيت جدتي بعد أن عدتها فوجدت ضيوفا في البهو، أخبرتني أختي بسخرية أنه شخص أتى لخطبتي و طلبت مني أن أرتدي ملابسي الجديدة و أقدم لهم القهوة...
لن تدركي مقدار الغضب الذي أصابني وقتها، أنني تمنيت لو أدخل عليهم بإحدى مناماتي القديمة التي لا أرتديها سوى عندما تقوم أمي بالحملة الشرسة لتنظيف المنزل و جعله يلمع و كأنه قطعة من المجوهرات...لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فأنا كنت أعرف كيف سينتهي الأمر بي إن قمت بذلك...خصوصا أن والدي كان غير متواجد في البيت و لن يعود إلا بعد أيام".
توقفت عن الكلام و أخذت نفسا عميقا من هواء الخريف الذي يعزف سمفونية من الحزن من حولهما...تمنت قمر لو استطاعت أن تسألها عن مكان وجود أبيها ضمن هذه المعادلة؟ كيف يكون بهذه القسوة و يسمح لابنه بأن يتصرف كما يشاء في أختيه؟ يحرك حياتهما كما يشاء و كأنهما دميتان خشبيتان لا حول لهما و لا قوة...و كأن عائشة كانت تقرأ ما يجول في بالها من أفكار فقد قالت بهدوء حزين يشبه هدوء و حزن رياح الخريف: "والدي رجل ضعيف البنية مقارنة مع أخي، كما أنه مريض قلب...هو بالفعل لم يكن يستطيع مواجهة أخي، لكن كلمته دائما كحد السيف...لذا لطالما استغربت السبب الذي جعله يوافق على قرار أخي الجائر في حق أختي و في حقي أيضا بعدم متابعة دراستنا...المهم، قمت بما طلبته مني أختي: ارتديت ثيابي و أخذت القهوة التي أعدتها لغرفة الضيوف...ما إن ألقيت التحية حتى توقف الجميع عن الكلام...مرت عيناي بسرعة خاطفة حول الوجه: كان أخي و أمي و أكبر أخواتي جالسين على أحد الأرائك و في الطرف الآخر جلس رجل و امرأة لا أعرفهما، و على الأريكة المنفردة كان يجلس خاطبي...عرفته منذ أن رأيته، لقد كان زميل أخي في الثانوية، و كان يزورنا كثيرا و رغم اختلاف تخصصه و تخصص أخي في الجامعة إلا أن صداقتهما لم تنقطع...كان اسمه أيمن، و كما كنت أعرف من حديث أخي العابر عنه أنه درس طب الأسنان في العاصمة و بدلا من عمله هناك في أحد المستشفيات، اختار العودة إلى مدينتنا الصغيرة و افتتاح عيادة خاصة به في أحد الأحياء الشعبية...قدمت القهوة للضيوف و جميع ذكرياتي حول أيمن تعود إلى ذاكرتي؛ كنت أتذكر أنه كان يخيفني عند زيارته لنا في صغري، يخبرني دائما أنه سيسرقني ذات يوم من بيتنا و يبعدني عن أمي...وجدت نفسي أضحك بسخرية للذكرى و أنا أفكر في سري أن مزاحه سيتحول إلى حقيقة ربما و أنه سيصبح زوجي عاجلا أم آجلا...مرت الأمسية على خير و انصرف الضيوف بعد أن قرروا أن يمهلوني وقتا للتفكير...لا تستغربي يا قمر، هم من قرروا كل شيء بدلا عني و كأنني غير موجودة و أنا كنت كمن أصاب بالجمود لم أتدخل و لم أعلق على أي شيء...لم يخرجني من حالتي سوى صوت أخي عندما انصرفوا يسألنني عن رأيي...استغربت من سؤاله لكنني قلت له أنني لن أتخذ قرارا قبل عودة أبي و إبداء رأيه في الموضوع...
بعد عودة أبي التقى بأيمن، بدا والدي سعيدا جدا عند عودته...أخبرني أنه شاب صالح و سيصونني...الجملة التي يعيدها جميع أولياء الأمور عندما يزرهم خاطب يرتدي عباءة الطهر و الأدب و لا أحد يعرف ما تخفيه نفسه من سوء...وجدت نفسي سأوافق على الخطبة، ففي النهاية لم يعد لي شيء لأناضل عنه...دراستي فقدتها و تبعثرت جميع أحلامي بعد ذلك، و كتب علي أن أعيش حياتي كباقي أخواتي: مجرد امرأة قيدت بزواج لا تريده لأنها أنثى استضعفتها تقاليد بالية...لكن يبدو أن مصيري قدر أن يكون مخالفا للمصير الذي رسموه لي"...
قبل سنتين:
دلفت عائشة إلى غرفتها التي تتشاركها مع أختها أسماء فوجدتها جالسة على سريرها تعبث بحاسوبها المحمول...جلست عائشة أمام طاولة الزينة ثم قالت بهدوء و هي تمشط شعرها الأجعد :"ألازلت تبحثين عن منحة دراسية؟"
أشارت لها أسماء بالصمت ثم قالت بحنق: "ألا يمكنك أن تتكلمي بصوت خافت يا فتاة، ماذا إن مر الثور و سمعك ستصبح ليلتنا دموية".
لتتابع بخفوت بعد أن اقتربت من أختها: "لقد وجدت منحة دراسية لأدرس في إحدى الجامعات السويسرية، لكن المشكلة أن علي أن أتقن الألمانية بما أنها إحدى اللغات الرسمية في سويسرا".
غمغمت عائشة باهتمام: "و ماذا عن الدراسة؟"
همست أختها بخفوت: "يدرسون باللغة الانجليزية و هو أمر جيد إذ إنني أتكلم بها بطلاقة".
ضمت يد أختها ثم قالت برجاء: "لكنني أحتاج مساعدتك يا عائشة، عليك أن تساعديني في إقناع والدي بأن يتركني أعمل...أنت مدللته و سيوافق على ذلك...علي أن أؤمن مصاريف تذاكر السفر و إيجار شهرين في حالة إن استغرق إيجادي لعمل هناك وقتا طويلا...كما علي أن أجتاز امتحان المعهد الأمريكي حتى أحصل على "التوفل" لأن حصولي عليها قبل السفر ضروري جدا".
هتفت عائشة باندهاش: "و كيف ستؤمنين كل هذه المصاريف في ثلاثة أشهر فقط؟"
قالت أسماء بجدية و هي تتحرك ناحية خزانتها: "سأعمل في مركز للاتصال و ستقنعين آدم بأن أعمل معه في تصوير الأعراس، ففي النهاية سيمنعك خطيبك المغرور من عملك الصيفي الذي اعتدت على القيام به منذ سنتين".
زفرت عائشة بحدة و قالت: "من أخبرك بأنني سأوافق على هذه الخطبة؟"
عادت أسماء إلى مكانها و هي تحمل صندوقا خشبيا متوسط الحجم في يدها...ثم تمتمت بسخرية و هي تفتح الصندوق: "حبيبتي، أنت تبدين راضية تماما على زواجك ب "عريس الهنا" أقسم برب العزة لو أتانا قبل أيام ليطلب يدي ما كنت سأتردد أن أطلب من أطفال الحي ثقب إطارات سيارته التي يتباهى بها ثم ألقي في وجهه القهوة و أطرده من المنزل بعد أن ألقي عليه سطلا من الماء المثلج أمام الجيران، فلن يجرؤ على وضع قدمه مجددا في حينا".
بدا و كأن عائشة قد راقها تخيل اللحظة، فقد تعالت ضحكاتها العالية فجعلت أختها تبتسم بشرود و هي تنظر إلى أختها التي اغتيلت ضحكاتها التي لطالما ملأت هذا البيت الحزين عندما عانقت ربيعها الثاني عشر، بعد أن سمعت صدفة حديثا لوالديها حيث كان والدها يحمد الله لأنه لم يستمع لكلام زوجته قبل سنوات عندما طلبت منه أن يوافق على طلب ابنة أخته بأن تربي عائشة هي و زوجها -بما أنها عاقر- مقابل أن تعطيه مقدارا من المال كان يحتاجه لتسديد ديون عليه، لكنه رفض فرغم أنه لم ينوي هو و زوجته إنجاب طفل أو طفلة بعد أسماء لكن قدر أن تحمل زوجته بطفلة أخرى بعد ثلاث سنوات لم يكن شخصا يبيع ابنته مقابل المال...كانت صدمة الخبر كبيرة على الفتاة التي غادرت أحلام الطفولة لتخط بخجل في دروب الصبا، فجعلها الخبر تصعد بسرعة البرق نحو سن الرشد...روحها أصبحت راشدة بعد أن اكتشفت أنها عاشت في كذبة كبيرة، أن والديها لا يحبانها و لم يكونا يريدانها حتى أنهما فكرا في التخلص منها...لازالت أسماء تتذكر أن والديها قد استغرقا وقتا طويلا ليستعيدا ثقة ابنتهما الصغرى و هما يؤكدان مرة بعد مرة أنهما يحبانها و أنها مدللة العائلة...و رغم أن عائشة صدقتهما في النهاية سيظل جزءا من قلبها مجروحا بتلك الجمل التي غرست فيه كخنجر مسموم...لكن ها هو علاء يبيعها الآن إلى صديقه بمباركة من والديها، الاختلاف فقط أن البيع الآن يعد مشروعا لأنه مظلل بزواج...أليس من الغريب أن تربط ميثاقا غليظا عند الله كالزواج بالبيع و الشراء؟ لكن عندما يكون الزواج قيدا يوضع في يد الأنثى، يمنعها عن تحقيق أحلامها، حتى أنها تكون مجبرة على الموافقة عليه فهو عقد بين بائع و مشتري و العروس تعامل فيه معاملة السلعة كجماد لا قدرة له عن التعبير عن رغباته...و ستظل كالجماد الذي لا يستطيع التعبير حتى تغادر الروح جسدها...
زفرت بضيق و هي تتمنى للحظة لو كانت ولدا، فأنقدت عائشة و من قلبها أخواتها الأخريات من المصير الذي رسمه لهن علاء...التفتت إلى عائشة فوجدتها تنظر بتركيز إلى الصندوق و هي تهمس باستنكار: "ما الذي ستفعلينه بذلك الصندوق؟"
-"أتساءل في نفسي إن كانت أمي لازالت تملك فاتورة شراء القطع الذهبية التي أملكها حتى أتمكن من بيعها".
نظرت عائشة إلى أختها بصدمة و هي تخرج السلسال الذهبي الرقيق الذي تدلت منه صفيحة نقشت آية الكرسي عليها و أقراط صغيرة كانت قد اشترت والدتها زوجا لها و آخر لأختها قبل أربع سنوات...رفعت عينيها مجددا إلى أختها ثم قالت: "هل تريدين بيعهما حقا يا أسماء؟"
أومأت أسماء برأسها ثم قالت: "و سأبيع أيضا كل هذه القطع الفضية...حاجتي للمال أسمى من حاجتي لهذه المجوهرات و أنا مستعدة لأفعل المستحيل لأرحل من هنا و أتابع دراستي".
لم تكن تملك سوى أن تساند أختها مقرة إعجابها بقوتها و بطموحها الذي لا ينضب...لتتقوس شفتيها بحزن و هي تتساءل لم لا تكون مثل أختها؟ لم لا تقف في وجه علاء من أجل تحقيق أحلامها؟ التمعت عيناها البنيتان ثم قامت من مكانها لتلتقط حاسوب أختها و هي تقول بغموض: "أسماء، أيمكنني أن أستخدم حسابك على الفايسبوك قليلا؟"
ارتفع حاجب أختها و جلست بجوارها على السرير و هي تقول: "ما الذي تفكرين به؟"
لم تجبها عائشة بل كانت أصابعها تتراقص على لوحة المفاتيح و عقلها يفكر فيما قالته لها صديقتها قبل أيام بعد أن حكت لها ما حدث: "لا تتسرعي عائشة و ابحثي عنه جيدا، الشاب عاش لأكثر من ست سنوات في العاصمة دون أن يعود إلى مدينتنا إلا في الصيف...ربما يخفي أمورا لا يعرفها حتى علاء صديقه الصدوق".
قالت لها عائشة باهتمام: "و أين سأبحث عنه يا فهيمة زمانك؟ هل سأذهب إلى العاصمة مثلا و أسأل عنه؟"
-"يا لك من غبية يا فتاة! ألا يوجد شيء اسمه فيسبوك...رغم أن سعادتك لا تملكين حسابا عليه كباقي البشر الطبيعيين لكن أظن أن أسماء تملك واحدا...ستكتبين اسمه الكامل، فبالتأكيد طبيب سينشئ حسابا باسمه الكامل و ربما يضيف أول الاسم اختصار كلمة "دكتور" للتباهي...ستبحثين في حسابه عن أي شيء يوصلك إلى ماضيه...منشور، صورة و حتى تعليق و إن لم تجدي شيئا أرسلي له طلب صداقة، ليس بحساب أختك، بل بحساب جديد تنشئينه أنتِ و لا تجعليه باسمك الشخصي حتى لا يعرفك...ابحثي جيدا عائشة لا تتركي منشورا بدون أن تقرأي جميع التعليقات المكتوبة".
بحثت عنه بالفعل فوجدت حسابه بسرعة حتى أن لديه أصدقاء مشتركين مع أختها، نظرت لهذه الأخيرة و قالت بهدوء: "ألم تقولي أنك لا تقبلين طلبات الصداقة من الرجال؟ هل تغير الأمر الآن؟"
أومأت أسماء برأسها و قالت: "لازلت لا أقبلها...يبدو أن خاطبك المبجل من لديه صديقات على حسابه...الأمر عادي ففي النهاية هو طبيب".
قالت أسماء الجملة الأخيرة بنبرة ساخرة، فلم تعلق عائشة بل اكتفت بالبحث لكن لم يظهر لها سوى صوره الشخصية...هتفت أسماء و هي تأخذ منها الهاتف: "سأرسل له طلب صداقة و سأرى ما يخفيه حسابه".
تبادلت نظرة غامضة هي و أختها قبل أن تقول بهدوء: "أنشئي لي حسابا خاصا و سأرسل له طلب صداقة بنفسي"....


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-19, 07:09 PM   #56

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

*********************************************
منتصف الليل:
وضعت الحاسوب فوق المكتب ثم اتجهت إلى سريرها لتستلقي عليه...مدت يدها لتطفئ ضوء المصباح الجانبي فقالت أختها: "ألم تجدي شيئا؟"
-"لقد أجفلتني يا فتاة...لا لم أجد شيئا لكن..."
بثرت جملتها فحثتها أسماء عن متابعة حديثها فغمغمت بشرود: "لقد قبل صداقتي بعد دقائق من إرسالها...كما أنه أرسل لي رسالة".
سألتها أسماء: "هل أجبته؟"
-"لا لم أجبه...لم أكن متفرغة لذلك".
ظلت أسماء صامتة للحظات قبل أن تقول بعقلانية: "اسمعي يا عائشة، ليس عيبا أن يكون لديه صديقات أو زميلات على الفايسبوك، فقط أن يكون حديثه معهن في إطار الاحترام".
قالت عائشة بحيرة: "و أنا كيف سأعرف إن كان حديثه معهن في إطار الاحترام أم لا؟"
أجابتها أختها بذكاء: "أظن أن هذا هو الغرض الذي قصدته صديقتك من إنشائك حسابا باسم مستعار...ستتحدثين معه دون أن تخبريه بأنك الفتاة التي خطبها و سترين إلى ما سيؤوله حديثكم هذا".
بدا على عائشة التفكير العميق قبل أن تقول: "أليس الأمر سيئا؟ ربما ما كان علي أن أوافق على ما قالته سعاد، فليس جميع الرجال مثل خطيبها السابق".
-"و ليس جميع الرجال كيوسف عليه السلام، و أنت عليك أن تكوني يقظة حتى لا تتعلقي به فيطعنك بخيانته".
احمرت وجنتا عائشة ثم قالت: "و من قال أنني سأتعلق به؟"
-"لأن هذا ما سيحصل بالفعل، أنت فتاة ذات قلب بكر و أكيد إن بادلك الاهتمام و التفهم ستحبينه".
غمغمت عائشة بشرود: "لن أستطيع أن أحب سجاني يا أسماء...لن أستطيع أن أحب من له يد في اغتيال أحلامي".
توقفت الفتاتان على الصمت لمدة طويلة قبل أن تقول: "أنت لم تعرفي بعد إن كان قيد أحلامك أو من سيطلقها إلى العلن يا عائشة".
لكن عائشة كانت قد غطت في النوم و لم تسمع همس أختها الذي كان صحيحا...أو هكذا ظنت في البداية...
*********************************************
تفاجأت عائشة صباحا عندما ناداها والدها لتنضم إليه في مكتبه عندما تنهي تناول طعامها، فتوجهت إلى هناك و هي تتمنى أن يكون أيمن قد أعرض عن أمر خطبتها أو أن يكون والدها قد غير قراره...لتتسع عيناها اندهاشا عندما أخبرها والدها أن أيمن يريد مقابلتها في مكان عام و أنه موافق على ذلك كما وافق علاء...كان اللقاء في المساء فأخذت وقتها الكافي في اختيار ملابسها رغم أن فعلتها قد أثارت استغرابها...و رغم أن أخاها الفاضل سمح لها بالذهاب وحدها إلا أنها رفضت و أصرت أن ترافقها أسماء...استقلتا سيارة الأجرة و أخبرتا السائق بعنوان المطعم الذي اختار خطيبها المستقبلي أن يلتقيا فيه...دلفت الفتاتان إلى المطعم الأنيق، فلمحتا الذي كان يلوح لهما و على شفتيه ابتسامة واثقة...سارتا ناحيته فقام من مكانه يسحب الكرسي لعائشة في الوقت الذي همست فيه أسماء: "سأجلس على طاولة مجاورة".
رمقها بطرف عينه ثم قال بسخرية: "لا، ما رأيك أن تجلسي معنا أسماء، لا مانع لدينا أليس كذلك حبيبتي؟"
فغرت عائشة شفتيها و الاحمرار يغزو وجنتيها لأنه ناداها حبيبتي...أما أسماء فزمت شفتيها بغيظ ثم منعت نفسها من ضربه بشق الأنفس و توجهت لتجلس قبالتهما...قالت عائشة بجدية: "أنا من طلبت منها الحضور، لا أريد أن أعود وحدي!"
أشار أيمن للنادل ثم قال بهدوء: "لن أكون رجلا نبيلا إن سمحت لخطيبتي الجميلة أن تعود بالحافلة و أنا أملك سيارة...لقد كنت أود اصطحابك حتى لكن كان لدي عمل قريب من هنا لذا أخبرني علاء أنك ستستطيعين المجيء بمفردك...هل تودين شرب شيء محدد أم أختار لك على ذوقي؟"
ألقت نظرة على القائمة التي وضعها النادل أمامها، ثم فتحتها لتمرر عينيها عليها، فينعقد حاجبيها و هي تقرأ الأسماء الغريبة المكتوبة و تتساءل في نفسها بأي لغة كتبت؟ فبالتأكيد لم تكن الفرنسية فرغم مستواها المتوسط فيها إلا أنها كانت ستتعرف على كلمة أو كلمتين على الأقل...و لم يكن مكتوبا بالإنجليزية فهي لغتها المفضلة و تفهمها كفهمها للغة العربية...أخرجها صوت أيمن الهادئ من فوضى تخميناتها: "لائحة الطعام مكتوبة بالإيطالية، سأختار عنك شيئا مميزا سيعجبك".
سمعته يهمس للنادل باسم طويل فأومأ هذا الأخير برأسه قبل أن يبتعد عنهما لتتركز نظرات أيمن فوق وجهها و يقول بصوت عميق: "لقد اخترت لك شرابا رائعا يعد بالشوكولا و الفراولة ستحبينه بالتأكيد لأنه يشبهك".
رفرفت بأهدابها و قالت بحيرة: "يشبهني؟"
أمسك بيدها المستريحة على الطاولة ثم قال بهدوء و إبهامه يداعب راحة يدها برقة أثارت الرجفة في أوصالها: "لون عيناك كلون الشوكولا الداكنة و خديك عندما يتوهجان يصبحان كحبتي فراولة ناضجة تغريك بأن تقطفها و تتذوقها".
احمرت خجلا و أسبلت أهدابها بخفر جعل ابتسامة غريبة تتراقص على شفتيه...حاولت نزع يدها من حصار يده لكنه منعها و هو لا يزال يداعب باطنها بنعومة فكان قلبها يفلت نبضات صغيرة مع كل مرة يعيد تلك الحركة...أخيرا وجدت صوتها فقالت برجاء: "أيمن، أترك يدي أرجوك".
ترك يدها ثم قال بصوت أجش: "لو لم تكن أختك تراقبنا الآن كشرطي متأهب لما منعت نفسي من تقبيل كفك متذوقا لذة الخمر بين طياته".
نواقيس الخطر كانت تدق برعونة في عقلها منبهة قلبها الذي بدأ بالغرق منذ أول لقاء...و من مجرد كلمات...وقوف النادل أمامهما واضعا طلباتهما على الطاولة جعلتها تستجمع نفسها، تشبثت يدها بالكأس الكبير و كأنه طوق نجاتها، ثم تناولت منه القليل دون أن تتبين طعمه...أخرجها صوته الهادئ من ضياعها: "لقد طلبت لقاءك حتى أحدثك حول موضوع مهم".
رفعت عينيها إليه منتظرة سماع ما سيقوله باهتمام، همس بهدوء: "أخبرني علاء أنك لم تتوفقي في امتحان الباكالوريا".
أخفضت رأسها بخزي دون أن تحرك ساكنا، أمسك بيدها مجددا فنزعتها من يده لتعيدها إلى طوق نجاتها...بهدوء و صبر همس أيمن: "عائشة أنظري إلي".
رفعت أنظارها إليه فقال بهدوء: "لا يوجد فشل بدون نجاح عزيزتي...كلنا نسقط في وقت ما لكننا علينا أن نتعلم النهوض و المتابعة، لا الجلوس في مكاننا و البكاء على أطلال الفشل...أنتِ ستعيدين السنة و ستحصلين على معدل عال و ستتابعين دراستك في الجامعة...أخبرني أخوك أنك تريدين أن تدرسي البيولوجيا، صحيح؟"
أومأت برأسها فقال بثقة: "متأكد أنك ستصبحين أفضل دكتورة بيولوجية و أنا سأكون فخورا بك وقتها".
غمغمت بحزن: "علاء منعني من متابعة الدراسة".
-"فليبلل علاء رفضه في ماء و يشربه، من الآن فصاعدا أنا من أقول و ليس علاء".
ثم أخرج علبة قطيفية من جيبه ليقول و هو يبتسم: "بالتأكيد إن وافقت على الزواج بي".
نظرت بانبهار للخاتم الذهبي الذي بقلب العلبة ثم رفعت عينيها ناحية أختها التي كانت تنظر لهما بغموض ثم أعادت نظراتها ناحية أيمن و أومأت برأسها فدفع في اتجاهها العلبة برقة و قال: "ستكون الخطبة الأسبوع القادم في منزلنا ووقتها سأكون سعيدا بأن ألبسه لك قبل أن أتذوق لذة الخمر من كفك يا خمريتي"...
*********************************************
بعد أسبوع:
يوم الخطبة:
لم تتوقع أن يكون منزل عائلته بهذا الشكل...
ترجلت عائشة من سيارة أخيها و نظراتها لازالت معلقة على المنزل الفخم الذي يقع في أرقى حي في المدينة...حي معروف جدا بمنازله الكبيرة و بسكانه الذي يعيش أغلبيتهم خارج البلاد، فيأتون كل سنة لقضاء إجازتهم هنا بقلب الهدوء و السكينة بعيدا عن ضوضاء المدن الكبيرة التي يعيشون فيها...فتحت لهم خادمة الباب ثم دعتهم للدخول فساروا على الطريق المعبد الذي شق الحديقة الخلابة التي تمنت عائشة أن تظل بقلبها إلى آخر العمر...
لم يكن داخل المنزل أقل فخامة عن خارجه بأثاثه و طابعه اللذان جمعا بين التقليدي و العصري...تعلقت عيناها بالمرأة الخمسينية التي وقفت تستقبلهم: السيدة بهيجة -والدة خطيبها و حماتها المستقبلية- معلمة في إحدى المدارس العمومية و كانت قد درست عائشة في سنتها الأخيرة من السلك الابتدائي...امرأة تتذكرها دوما صارمة و مثال المعلمة المجدة التي أحبتها و كانت ذات فضل كبير في تفوقها...بجوارها كان يقف السيد توفيق -والد أيمن- محام و مالك مكتب المحاماة الذي يشتغل فيه علاء...لا تعرفه بشكل شخصي لكنها رأته مرتين: مرة عندما زارت علاء بعد أن أصيب والدهما بانتكاسة فهرولت إلى حيث يعمل لتخبره أنه تم نقله إلى المشفى، و مرة يوم أتى مع زوجته و ابنه لطلب يدها...رحب بهما الزوجان و جلس الجميع في البهو ليدخل عليهم أيمن بعد دقائق يرتدي حلة سوداء...سلم على الجميع و ترك له علاء مكانه ببساطة ليجلس بجوارها...
كانت أسماء تجلس على يمينها، فهمست باستنكار و هي تنظر لعلاء: "هل هذا هو علاء أخي الثور صاحب العقل المتحجر أم أنني أحلم؟"
أشارت لها عائشة بالصمت و هي تكتم ضحكتها، ثم التفتت إلى أيمن الذي همس لها بسحر في أذنها و تحت أنظار الجميع: "ما هذا الجمال؟"
توردت وجنتيها دون أن تعلق ثم تعلقت عيناها بالسيدة بهيجة التي كانت تنظر إليها و على شفتيها ابتسامة صغيرة فازداد توهج وجنتيها و هي تفكر فيم تفكر والدته؟ استعادت تركيزها في الحديث الدائر رغم أنه لا يهمها، لكنها فقط كانت تتهرب منه قبل أن تغرقها كلماته أكثر...
كانت الخطبة عائلية حتى أنها استغربت من سبب إصرار أيمن أن تكون في منزل عائلته و لا وجود سوى لوالديه...تناول الجميع العشاء في جو من الألفة و أثناء شربهم للقهوة طلب أيمن بلباقة من والدها بأن يأخذها في جولة في الحديقة...
سارا ببطء في المكان الذي تنيره المصابيح الصفراء الشاحبة حتى وصلا إلى الحديقة الخلفية التي تتصدرها نافورة جميلة...توقفا ليقول أيمن بهدوء مبددا لحظة الصمت التي كانت تلفهما: "هذا أفضل مكان عندي في المنزل كله".
غمغمت بخفوت: "إنه جميل جدا".
أومأ برأسه ثم قال فجأة: "هات يدك".
مدت يدها اليمنى باستغراب، فنزع الخاتم الذي ألبسه لها قبل قليل فنظرت إليه باندهاش و تساؤل...بحركة سريعة كان يجثو أمامها على قدم واحدة ليلبسها الخاتم ببطء شديد و عيناه تأسران عينيها...استقام واقفا ثم رفع يدها إلى شفتيه يقبلها ببطء أصابها بالخدر...عندما تركها ترنحت قليلا فأمسك بها و هو يقول بقلق: "هل أنت بخير؟"
أومأت برأسها ثم حاولت نزع يده من خصرها لكنه كان يمسك بها بقوة...اقترب وجهه من وجهها لتلفحها أنفاسه الحارقة قبل أن يهمس لها بصوت أجش: "إن كانت كفك بمذاق الخمر، فما المذاق الذي تحمله شفتيك يا خمرية؟"
حبست أنفاسها عندما سمعت جملته و أطرقت بنظرها بعيدا عنه، فابتعد عنها و هو يقول: "لازال الوقت طويلا قبل أن أعرف، و حتى ذلك الحين علي التحلي بصبر أيوب و عفة يوسف حتى لا أتهور".
ظلت متسمرة في مكانها، أنفاسها تتلاحق و عيناها معلقتان بالقمر الذي كان شاهدا على قربهما، همس مجددا بصوته الهادئ دون أن ينظر إليها: "هيا بنا إلى الداخل، قبل أن نجد شرطية الآداب واقفة أمامنا...هذا إن لم تكن قد لحقت بنا و مختبئة في الزاوية كقطة حشرية".
كانت تعرف أنه يتكلم عن أختها، لكنها لم توبخه و لم تأخذ ما قاله على محمل الجد لأنها كانت لا تزال تائهة بسبب ما قاله قبل قليل...وضعت يدها على قلبها الثائر ثم تساءلت بحيرة و هي تلحق به: "هل هذا هو الحب؟"...
*********************************************
همست قمر بشرود و هي تؤرجح ساقيها: "هل أحببته؟"
قالت عائشة بصوت حزين: "إن كان الحب أن أقلق عليه عندما أتصل به و لا يجيبني فقد أحببته...إن كان الحب هو أن أشتاق لرؤيته و لسماع صوته فقد أحببته...إن كان الحب بأن أجد نفسي أقلد حركاته لا إراديا فقد أحببته...إن كان الحب بأن أشعر في كل مرة أتذكر بأنه كان يخونني فقد أحببته...إن كان الحب أن أصمت على خيانته و كأنني لم أراها فقد أحببته...إن كان الحب بأنه قتلني آخر مرة و لا زال يقتلني إلى الآن بكلامه و رغم أنني ألقيت خاتمه في وجهه إلا أنني أتمنى أن يأمرني أخي بالعودة إليه و أن قلبي سيحثني على العودة فقد أحببته...لكنني لن أعود إليه حتى لو جاء زاحفا يترجاني، حتى لو هددني أخي بمنعي من دراستي التي أحبها لن أعود إليه".
-"ما الذي حصل بينكما؟"
تنهدت عائشة بتعب ثم قالت: "مر عام...عام عشت سعيدة فيه كما لم أكن طوال سنين حياتي...لكن يبدو أن لكل شيء نهاية و قد كتبت نهاية سعادتي ذلك اليوم...كنت قد توجهت إلى الثانوية لأرى إن كنت قد نجحت في امتحان الباكالوريا فوجدت اسمي مدونا على قائمة الناجحين...كنت أحلق فوق سحب السعادة، رفعت هاتفي لأتصل به لكنني توقفت و قررت أن أذهب إلى عيادته و يا ليتني ما ذهبت إلى هناك...لم أجد مساعدته في مكتبها و كانت العيادة فارغة على غير العادة مما أثار استغرابي، كنت سأنصرف لكنني سمعت همهمة قادمة من مكتبه...توجهت إلى هناك و عندما فتحت الباب صعقت و أنا أرى مساعدته بين أحضانه...و بدون أن أهمس بكلمة استدرت و رحلت".
تعالى صوت بكائها مجددا، فربتت قمر على ظهرها و هي تشتم هذا الخائن في سرها...مسحت عائشة عبراتها ثم تابعت قائلة: "عدت إلى المنزل بعد أن قتلت فرحة نجاحي بما رأيت...أخبرتهم أنني نجحت ببرود ثم صعدت إلى غرفتي و انكمشت في سريري و لم أتوقف عن البكاء...تمنيت لو كانت أسماء بجواري لكانت ساعدتني في اتخاد قرار حول ارتباطنا، لكن أسماء كانت قد رحلت و رغم انتهاء امتحاناتها منذ أيام رفضت العودة خصوصا بعد أن أقسم أخي بأغلظ الأيمان أنه سيقتلها فور أن تطأ هذا المنزل بعد أن هربت منه قبل أشهر لتغادر البلاد...وجدت نفسي وحيدة، و كان علي أن أتخذ القرار بمفردي...وجدت نفسي أفكر أنني إن أنهيت هذا الارتباط سيصر علاء على معرفة السبب و إن عرفه فلن يتردد بقتل صديقه لأنه متهور، سيدخل إلى السجن و سيموت أبي و تنهار أمي و ستظل زوجة أخي و ابنه بغير معيل...لذا قررت الصمت و متابعة الخطبة لكن بشروطي الخاصة...لم أجب على اتصالات خطيبي طوال يومين و في اليوم الثالث طلبت منه أن نلتقي في المكان الذي التقينا فيه أول مرة...جلسنا على نفس الطاولة و أخبرته بجمود أنني أريد الانفصال، فترجاني أن أغفر له و أخبرني أنه مستعد ليطرد مساعدته و سيحضر مساعدا بدلا من فتاة...أخبرته أنه يمكن أن يخونني مع مريضة أو أي فتاة أخرى فأقسم أنه لن يفعل...كان شرطي لكي أعود إليه أن ألغي موعد عقد القران الذي كان مقررا بعد شهر فوافق...أنني لن أرتدي خاتمه مجددا إلا أمام عائلتي و عائلته حتى أتأكد من حسن سلوكه فوافق...و أن يعطيني كلمة السر الخاصة بحسابه على الفايسبوك فوافق مقابل أن أعطيه كلمة السر الخاصة بي فوافقت".
عدت إلى المنزل و فتحت حسابه، لم أجد أي أثر لأي محادثة مع أي فتاة غيري فاستغربت الأمر...حتى حسابي الأول لم أجد الرسائل التي بقلبه رغم أنني تحدثت معه لمرتين قبل خطبتنا فأغلقت الحساب و أنشأت آخر باسمي...حذفه للرسائل أثار استغرابي و جعلني أشك لكنني تعوذت بالله من الشيطان الرجيم و أغلقت حسابه و ذهبت لأنام...أيقظتني أمي بعد ساعتين و هي تضع أمامي باقة كبيرة من الورد و علبة شوكولا كبيرة من النوع الذي أحبه...أخبرتني أنه من أرسلها و التقطت البطاقة التي كانت بقلب الباقة لأقرأ تهنئته لي لنجاحي مرفقة بعبارة غزل كعادته...وضعتهما جانبا كما وضعت ما حدث و تابعت حياتي بشكل عادي...أتيت إلى الجامعة من أجل التسجيل في الصيف و بحثت عن منزل للإيجار برفقته بما أن أخي الفاضل مشغول دائما...أصر على أن أستأجر شقة لوحدي لا مع الطالبات و قال لي أنه من سيدفع إيجارها...تقبلت الأمر على مضض...بدأ بالدراسة، أوصلني أول يوم و تمنى لي التوفيق ثم انطلق عائدا إلى مدينتنا...
بعد شهر بدأت المشاكل، كنت أتلقى طلبات صداقة من الطلاب فأقبل من أعرفه و أحذف من لا أعرفه و هو كان يرى كل شيء...يرى محادثاتي و ما أنشره بعكسه هو فقد أصبح قليل النشاط على الفايسبوك...ذات يوم كتبلي أحد زملائنا أنه معجب بي و يود أن يرتبط بي، فأخبرته أنني مرتبطة رسميا فاعتذر الشاب و أخبرني أن أنسى الموضوع...قمت بحظره لأن جملته التي قالها وقتها أثارت استفزازي (هل تريدين أن تكوني حبيبتي؟) عندما قرأ أيمن المحادثة تشاجرنا و أخبرني أنه سيأتي و يلقنه درسا لن ينساه...أخبرته أنني حللت الأمر و لا داعي لتدخله فثار و أغلق الخط و لم يتصل لثلاثة أيام...في اليوم الرابع غادرت المدرج فتصادفت مع طالب آخر كان زميلي في الثانوية طلب مني أن ينسخ محاضرة و أثناء توجهنا إلى المكتبة كان يذكرني بلحظاتنا الطريفة في الفصل العام الماضي، فبدأت أضحك بتلقائية للذكريات...لم أعرف أن أيمن كان يراقبني حتى لمحته أثناء عودتنا متكئا على سيارته فتوجهت أنا و زميلي ناحيته...صافحني بترفع و عندما مد صديقي يده ليصافحه كان أيمن يباغته بلكمة قوية فسال الدم من أنفه...سحبني و أدخلني إلى السيارة و لم يتوقف عن الصراخ في وجهي، أخبرته أنه مجرد زميل فاتهمني بالخيانة ووجدته يعيدني إلى المنزل...عند وصولنا سحبني أمام جميع سكان الحي كنعجة تساق للذبح إلى المنزل...كان أبي و أمي جالسين في غرفة الجلوس مع زوجة أخي...أخي لم يكن متواجدا، دفعني حتى سقطت على الأرض و قال لأبي بسخرية أن أظل في المنزل حتى نعقد قراننا فلا يريد أن يسمع الناس يتحدثون عن خطيبة السيد أيمن العظيم العاهرة، هنا ثار أبي، لأول مرة أراه يدافع عن إحدانا، حتى أنه كان من نزع الخاتم من يدي و ألقاه في وجهه...انهرت باكية بعد انصرافه و أخبرتهم بكل شيء منذ الذي رأيته في مكتبه، فأقسم أبي أن يرفع عليه دعوى قضائية إن رآه يحوم بجواري".
غمغمت قمر بانفعال: "الخائن يرى جميع من حوله خونة...ما الذي فعله أخوك عند معرفته بالأمر؟"
أطلقت ضحكة ساخرة ثم قالت: "أصر على أنني المخطئة و أصر على أن أعود إليه و إلا لن أعود للعاصمة فرفضت...تشاجر هو و أبي حتى أغمي عليه و أخذناه إلى المشفى ...كان هذا هو سبب عدم حضوري إلى الكلية طوال الأسبوعين الماضيين...أما أيمن فلم يتوقف عن تهديدي حتى أعود له؛ حظرت حسابه و رقمه و حتى أنني غيرت رقم الهاتف و لا يزال يرسل لي رسائل التهديد...و قبل قليل وصلتني بعض الصور له مع مساعدته في أحد المطاعم و هما في وضع حميمي، لهذا انفجرت بالبكاء".
وضعت يدها على قلبها ثم قالت: "يؤلمني الأمر كثيرا يا قمر...لو كنت أعرف أن هذا سيحدث ما كنت لأوافق على هذه الخطبة فيتورط قلبي في الموضوع...الألم يمزق قلبي يا قمر، ألم الخيانة و الغدر لا يطاق".
ضمتها قمر ثم قالت بثقة: "سيزول الألم يا عائشة، أنت أقوى منه بكثير و ستتغلبين عليه كما ستنتزعين حبه هذا من بين أضلعك لأنه لا يستحق قلبك النقي".
نظرت إليها عائشة و قالت بصدق: "أشكرك لأنك استمعت إلي...كنت بحاجة لمن يبثني القوة عند انهياري".
شدت قمر على يدها و هي تقول بثقة: "سأبثك القوة دائما كلما ضعفت، وعد مني يا عائشة، و أنا لا أخلف وعودي إطلاقا"...
*********************************************
لأول مرة في حياتها تمتن لأن لها سائق...
ارتمت بقلب السيارة و هي تشعر بالتعب، سمعت صلاح يسألها عن حالها فأخبرته فقط أنها محتاجة للنوم بعد هذا الزوال المتعب...لقد انفعلت كثيرا مع قصة عائشة التي أثرت بها دون أن تنسى تأثير لقائها العجيب مع مالك...رن هاتفها معلنا عن وصول رسالة نصية، فامتدت يدها لتلتقطه من حقيبتها و تفتح الرسالة التي أرسلها سليم...قرأت بخفوت ما كتبه لها: "هذا هو رقم ابراهيم، إن أردت أن أتحدث معه حتى يبتعد عن صديقتك فسأفعل ذلك بسرور".
أرسلت له الإجابة: "لا داعي سأتولى الأمر بنفسي، أشكرك".
ثم ضغطت على الرقم لتتصل به...رنتين و فتح الخط ليتخلل صوته الهادئ مسامعها: "مرحبا، من معي على الخط؟"
قالت بهدوء: "أنا قمر بن سودة...صديقة تماضر".
تغيرت نبرة صوته، و كأنها أصبحت متحفزة أثناء قوله: "أهلا آنسة قمر، هل أخدمك بشيء؟"
-"هل يمكننا أن نلتقي بعد ساعة و نصف في النادي، إن كنت متفرغا؟"
أجابها بهدوء: "رغم أنني أرغب في أن أسألك عن سبب هذا اللقاء إلا أنني سأجله إلى حين التقائنا...أنا موافق"
غمغمت بهدوء قبل أن تغلق الخط: "ستعرف كل شيء عندما نلتقي"...
*********************************************
دلف ابراهيم إلى مقهى النادي، فلمحها جالسة في نفس المكان التي كانت تجلس فيه يوم الجمعة هي و صديقتها...ترتشف بهدوء من قدح قهوتها و عينيها تراقبان بضعة أطفال يلعبون في الحديقة الخلفية للنادي...كانت تبدو كملكة، بشعرها المرفوع في تسريحة أنيقة رغم بساطتها... جلستها المستقيمة و تلك الهالة من السكينة و الثقة تحيط بها...سار بخطوات هادئة نحوها فرفعت عينيها ما إن رأت ظلا يحجب عنها الضوء لتضع فنجانها على الطاولة و تستقيم برشاقة لتصافحه و تدعوه للجلوس...جلس قبالتها فسألته بهدوء: "أتريد شيئا لتشربه؟"
أومأ برأسه نفيا ثم قال: "أتمنى أن تبدأ حديثك بدون مقدمات آنسة قمر...لدي عمل في تمام الثامنة علي أن ألحق به".
همست قمر: "لن آخذ من وقتك كثيرا سيد ابراهيم...أنا فقط أريد أن أعرف ما تريده من تماضر؟"
-"أظن أن صديقتك قد أخبرتني بأنني شقيق زميلها و قد التقينا في المشفى عندما أصيب أخي بحادثة سير، لقد أعجبتني و أردت أن أتعرف عليها أكثر".
قالها بجدية، فارتشفت ما تبقى من كوب قهوتها ببطء قبل أن تقول: "كنت سأصدقك، لو لم تكن قريب شادي مفيد...و لم يلتقِ هذا الأخير بتماضر صباح اليوم الذي تلا لقاءكما...إن كانت خطة منكما أن تؤذيها فأخبر شادي أن الأمر سيصل إلى والده الفاضل هذه المرة".
كان هجومها شرسا، كهجوم قطة على شخص أراد إيذاء أبنائها...و رغم أنه لم يفهم ما علاقة قريبه بالأمر إلا أنه أعجب بها و بتقديسها للصداقة و الاستعداد لحماية صديقتها من أي شيء...قال بحيرة: "كلامك حيرني، ما علاقة شادي بتماضر و كيف سأنتقم له أنا؟"
تنهدت قمر و هي تستنتج من ملامحه أنه لا يعرف شيئا عن حب تماضر لشادي...بهدوء كانت تخبره بما حدث قبل سنوات فارتسم الاندهاش جليا على ملامحه بعد أن سمع مختصر القصة ليقول بتهجم: "لو كنت أعرفها قبلا و عرفت القصة لجعلته يتذوق الألم حتى لا يؤدِ فتاة أخرى مجددا بغروره...تماضر لا تستحق ما حدث لها، و إن كانت خططه الآن ضدها و لم يكن لقاء عابرا كما تظنين أعدك أنني لن أسمح له بأذيتها...ما لا أرضاه لأخواتي لن أرضاه لها أو لغيرها".
حركت قمر رأسها مصدقة كلامه، ثم قالت: "آسفة على ظني السيء بك سابقا... لكنني لم أستطع منع نفسي من التواصل معك بعد أن رأيتك صورتك معه و بعد ظهوره مجددا في حياتها".
تمتم بهدوء: "لا عليك، لو كنت مكانك و كانت أختي مكان تماضر لفعلت نفس الشيء...أنا معجب باهتمامك بصديقتك و كأنها أختك".
أومأت برأسها و قالت: "لأنها حقا أختي التي لم تلدها أمي"...
*********************************************
بعد أن عادت إلى المنزل و اعتكفت في غرفتها، أخرجت قمر المذكرة التي تكتب فيها و هي تتذكر المحادثة الإلكترونية التي أجرتها مع أحد أصدقائها الافتراضيين...حسنٌ هو لا يعتبر صديقا افتراضيا فقد التقته بالفعل قبل أشهر في حفل توقيع المجموعة القصصية التي نشرها حديثا...لكنها بالفعل تعرفت عليه عبر مواقع التواصل منذ سنتين في أحد المجموعات الثقافية حيث كان يقوم بالدعاية لأول رواية كتبها و من تلك اللحظة أصبحا صديقين يرسل أحدهما للآخر مقاطع من كتاباته...
لقد وجدت عند دخولها إلى البيت مقطعا من روايته التي يكتبها حاليا، و قد استفزها المقطع الذي يصف فيه سهولة نسيانه لحبيبته ...و بعد محادثة طويلة تشبث كل منهما بوجهة نظره بعناد وجدت نفسها تتساءل: "أترى النسيان هين بالنسبة للرجال؟ و صعب بالنسبة للنساء؟"
فتحت مذكرتها لتكتب ما خطر في بالها بعد هذا المقطع الذي ذكرها بلقائها بمالك هذا الصباح:
"لي صديق كاتب يرسل إلي دائما مقاطع من كتاباته...أرسل لي اليوم مقطعا ظننت و كأنه يتحدث بالنيابة عنك عندما قرأته...كتب فيه:
(نسيانكِ هين،
إن كان نسياني يتطلب جهدا كبيرا منك
فنسيانك بالنسبة لي أشبه بكتابة جملة على عجل
ألم تخبرك والدتك أن الكتاب جميعهم حمقى؟
يستبدلون النساء كما يستبدلون الجمل
ألم تحدثك عن تمتعنا بغباء خارق و ذكاء مفاجئ؟
نحتفظ به تحسبا في باحة دوركا
تلك الباحة المعقدة في الدماغ التي تحتفظ داخلها بالكلمات لا غير
عماد الصالحي) .

أخبرته وقتها أنه في بعض المرات لا يكون النسيان هينا أبدا، تتعلق ببعض الأشياء كتعلق كاتب لطالما وُصِف بقدرته على اللعب بالكلمات و استبدال الجمل بجملة واحدة...يقف عاجزا أمامها،لا يستطيع أن يمحيها و كأنها كتبت بحبر لا يمحى...لا تقل لي أن بإمكانه أن يمزق الورقة التي كتب عليها هذه الجملة لأنني سأجيبك قائلة أن ذلك مستحيل لأنه لم يكتبها على ورقة عادية يا سيدي، بل إنها منقوشة على القلب و كأنها ندبة لا يستطيع التخلص منها...أخبرني صديقي أن النسيان بالنسبة إليه كشرب كأس من الماء مضيفا مازحا جملة تستعملها إحدى شركات المياه المعدنية في الإعلان عن منتوجها: "شْرْبْ و صْفِي". أصابتني الغيرة ووجدت نفسي أهمس بحرقة: "آه لو كنت أملك مثله القدرة على النسيان لم أكن لأعيش وقتها في عذاب"...أظنك أنت أيضا تملك نفس القدرة على النسيان حتى أنني متأكدة أنك نسيت أول لقاء لنا عندما أنقدتني من الموت، أما أنا فظل ذلك اللقاء محفورا في قلبي كما حفرت جميع لقاءاتنا...متأكدة أنا أننا عندما اصطدمنا صباح اليوم لترفع عيناك إلى الوجه المألوف لهما، أرسلتا طلبا عاجلا إلى عقلك ليبحث بين سراديبه عن اسمي لذلك كنت صامتا طوال تلك الدقيقة قبل أن تهمس به أخيرا، و ما إن همست باسمك حتى زفرت بارتياح لأن عقلك أرسل للسانك الاسم الصحيح، فمعجباتك كثيرات بالتأكيد و بالتأكيد نسيت الظروف التي جمعتك بهن أول مرة كما نسيت الظروف التي جمعت بين دروبنا، الظروف التي كانت سببا في أن ينبض قلبي بلحن جديد...لحن حب صاحب السلسال الفضي الذي يحمل حرف "الميم" بالفرنسية...السلسال الذي لازلت متأكدة أن من قدمته لك كانت فتاة بالتأكيد، و لا شك في أن تكون إحدى معجباتك...لا تعلم رغبتي بأن أعرف من التي قدمته لك و أخربش وجهها بأظافري كقطة تخربش الحائط بأظافرها المذببة، هي و تلك الفتاة التي سمعتها تتحدث عنك العام الماضي بهيام، تكاد القلوب أن تخرج من عينيها و كأنها أحد أبطال الرسوم المتحركة عندما يعشقون...أتدري أنني كلما فكرت بفتاة أُعجبت بك تتقافز آلاف الأسئلة إلى ذهني، رغبة كبيرة تتملكني لأتعرف عليهن لأعرف كيف تعرفن عليك أول مرة...هل أنقدتهن يوما من حادث مشؤوم كما حصل لي؟ أم أن لقائهن بك كان عاديا؟ أريد أن أعرف هل يفكرن بك كما أفكر أنا بك؟ أهرب منك في صحوتي، فأجدك خليلا في منامي...كلما حملت أوراقي لأكتب لا أجد نفسي سوى أكتب عنك و كأن موهبة الكتابة التي أمتلكها خلقت عندما أحببتك فقط، و كأنني لم أكتب يوما قبل أن أكتب لك فقط رسائل و مذكرات لن تصل إليك ربما...ما إن أحببتك حتى نسيت كل شيء، فقدت قدرة على التفكير و التعبير عن شيء سواك...و في كل مرة أتساءل كيف ملكتني بهذا الشكل يا مالك؟"

وضعت قلمها و أعادت همس الجملة الأخيرة و يدها تمسك بالسلسال الفضي الذي لا زال بحوزتها منذ ثلاث سنوات، تتشبث به بقوة و كأنها تناجي صاحبه الأصلي من خلاله...تنهيدة مثقلة بالحزن و الاشتياق غادرت صدرها و هي تضع يدها على قلبها العاشق تهدئ جنون نبضاته التي ازدادت وثيرتها بعد أن تذكرت حديثهما زوال اليوم...حملت القلم مجددا لتكتب على الصفحة المقابلة بشكل مائل:
"أليس الأمر كالسحر؟ أن أتمنى رؤيتك في حلم يقظة فيتحقق الحلم بعد أيام!
و كأن رياح ليالي الخريف تحمل أماني الشوق بين نوتاتها الموسيقية الحزينة، تصعد بها لعنان السماء فتودعها بين النجوم لترسلها مجددا إلى الأرض متوهجة كشرارة نيزك ينفجر على أرض الواقع، فيأسر القلب بتوهجه...
أ ترى قلبك أسر عندما اصطدمنا صباح اليوم؟ أم أن خيوط الأسر تلف فقط قلبي الغارق في حبك يا مالك؟"

أغلقت المذكرة بعنف لا تدري سببه، ثم قامت من مكانها لتفتح باب الشرفة و تنظر إلى الحديقة التي تضيئها الأنوار الباهتة و والدتها تسقي ورودها...أما والدها، فقد جلس بارتخاء على العشب يقرأ كتابا...ابتسمت برقة و هي تسمعه يهتف لأمها: "نجاة، هناك حشرة كبيرة تتحرك في اتجاهك".
التفتت والدتها تنظر من حولها برعب لكنها لم تجد شيئا، تعالت ضحكات كمال الرائقة و هو يخبرها أنه يمزح معها، فتقذف والدتها قفازها الذي كانت ترتديه لتصيبه في صدره و هي تتوعده بكلمات لم تصل لمسامع قمر لكن الموقف بأكمله جعلها تضحك بخفوت...استقام والدها و سار ناحية أمها يعتذر منها...دلفت إلى داخل غرفتها لترتمي على سريرها فتذكرت فجأة عائشة، عليها أن تتصل بها و تطمئن إن أصبحت أفضل حالا...قرنت قرارها بالفعل و بعد حديث قصير مع صديقتها كانت تزفر بارتياح فقد كانت هادئة جدا و كأن شيئا لم يحدث...رن هاتفها معلنا عن وصول رسالة جديدة على "الفايسبوك" ليرن مجددا فتنظر إلى الرقم الغريب الذي يتصل بها...لم تكن ترد عن الأرقام الغريبة، لكن لا تدري لماذا حملت الهاتف لترد عليه بهدوء: "مرحبا، من معي على الخط؟"
وصلها الصوت المستفز الذي تعرفه حق المعرفة: "مساء الخير يا قمر".
زمت شفتيها و قالت بغيظ: "من أين حصلت على رقمي يا زيد؟"
ضحكة رائقة تخللت مسامعها فجعلت حاجبيها ينعقدان أكثر و يزداد وجومها...قال بغرور:" عندما يريد زيد شيئا يحصل عليه مهما كان ثمنه يا قمر".
ابيضت قبضتها و كم تمنت لو كان أمامها فتغير معالم وجهه الوسيم بلكمة...قالت بصوت مكتوم: "ما الذي تريده مني؟"
همس بحرارة: "اشتقت لك".
أرادت أن تطرب مسامعه بوابل من الإهانات، لكنه تابع كلامه بصوته الهامس الذي لم يحرك فيها ساكنا: "لم أستطع النوم، كلما أغمضت عيني أرى صورتك يوم خطبة مجد بذلك الفستان الخلاب، أستدير على جانبي الأيمن فأتذكرك زوال اليوم بمظهرك الأنثوي...أستدير على جانب الأيسر فأتذكر اصطدامك بمالك صباحا و أتنهد متمنيا لو كنت مكانه".
مرحى، لقد حضر اصطدامها، أتراه لاحظ ارتجافها عندما وقعت عيناها على توأم روحها أم أنه أعمى البصيرة كصديقه؟ سمعته يهمس مجددا: "لو كنت مكانه لما ترددت بأن أحتضنك لعلك تستمعين إلى قلبي الذي لا ينبض سوى باسمك".
هتفت بحدة: "اسمع أيها الوقح المغرور، إياك أن تتصل بي مجددا ثم إياك أن تتخيلني معك بأي شكل ما".
قال بنبرة هادئة استفزتها: "قد تملكين القدرة على منع اتصالاتي بك، لكنك لن تملكي القدرة على التحكم بخيالي و أحلامي".
غمغمت بحقد:" أظنني أن ذلك سيحدث بالفعل عندما أفتح رأسك و أستأصل مخك الفارغ فلن تجد القدرة عن التخيل أو الشعور أو الحلم".
ضحك باستمتاع، فأغلقت الخط في وجهه و هي تتنفس بصورة متلاحقة...ثم نظرت إلى الرسالة التي وردتها من جمال -صديقها الكاتب- حول مسابقة خاصة بالقصص القصيرة فقفزت من مكانها و حملت أوراقا و حاسوبها مقررة أن تكتب قصة رعب لتشارك بها في المسابقة...
و قد كان زيد بطل القصة و ضحية أفكارها المجنونة....
*********************************************
زفرت تماضر بتعب و هي تلقي بنظارتها الطبية على سطح مكتبها ثم تحركت بآلية ناحية سريرها و هي تغمغم بسخط: "فلتذهب الدراسة إلى الجحيم، لقد تعبت حقا".
استلقت على سريرها و قبل أن تمتد يدها لتطفئ النور رن هاتفها...حملته متسائلة عمن يزعجها في منتصف الليل فتعالى وجيب قلبها و هي تقرأ اسم شادي على الشاشة ثم أخذت نفسا عميقا لتجيب على اتصاله قائلة: "مرحبا".
-"ظننت أنك نمت و خفت أن أوقظك من النوم...أنا آسف إن فعلت ذلك".
غمغمت بصوت خافت: "كنت أستعد للنوم قبل أن تتصل".
-"ما الذي كنت تفعلينه حتى هذه الساعة؟"
تعجبت لسؤاله و احتارت بين اعتذاره عن إيقاظها في بداية الاتصال و عن نبرته الغريبة و هو يسألها عما تفعل و كأنه يغار....خفق قلبها بعنف و أرادت أن تعبث بمشاعره لكنها عجزت عن الهمس بشيء و عندما همس باسمها مجددا بنفاذ صبر قالت: "لقد كنت أدرس، لدي امتحان بعد يومين".
استعاد صوته هدوءه أثناء همسه: "أتمنى لك التوفيق".
تثاءبت ثم قالت بتعب: "تمنيت لو أتحدث معك أكثر، لكنني متعبة و أريد أن أنام...تصبح على خير".
هتف قبل أن تغلق الخط: "انتظري تماضر، لا تغلقِ الخط لم أخبرك بعد بسبب اتصالي".
-"أسمعك".
همس بصوت عذب: "غدا سأنظم حفلة في مقهى (****) ما رأيك أن تحضري، سأعزف الجيتار أتذكر أنك كنت تحبين الاستماع إليه".
نبضة خائنة غادرت الحائط المنيع الذي بنته قبل سنوات حتى لا تتعلق بأحدهم، لكن شادي قد عاد و مع عودته سيصبح من السهل أن يتسلل بقلبها من جديد بما أنها لازالت تكن له المشاعر...سيطرت على نفسها ثم قالت بجمود: "لا لم أعد أحبه، و أنا أكثر انشغالا من أن أحضر حفلة شبابية...الوداع يا شادي".
أغلقت الخط ليضيء هاتفها بعد لحظات معلنا عن وصول رسالة جديدة، قرأت عنوان المقهى الذي كتبه لها ليضيف تحته: "سأنتظرك حضورك في تمام السادسة و إن لم تأت سآتي لآخذك بنفسي و أنا أعرف بالتأكيد أين أجدك تماضر...تصبحين على خير جميلتي"...
*********************************************
مساء اليوم الموالي:
دلفت تماضر إلى المنزل و هي تلقي بحقيبتها على أول كرسي صادفته في طريقها ثم ارتمت بتعب على الكرسي الذي يجاوره...لمحت أختها تغادر غرفتها فسألتها باهتمام: "أين أمي؟"
قالت أختها بهدوء: "خالتي ثريا أجرت عملية صباح اليوم و ذهب والدينا لعيادتها...لن يعودا حتى يوم غد".
ارتسمت ابتسامة غريبة على شفتي تماضر، فقالت أختها بملل: "لا تخبريني أنك تحيكين شيئا ما مجددا!"
قالت تماضر ببراءة: "لا، لا أحيك شيئا، كل ما في الأمر أنني مدعوة لحفلة عيد ميلاد صديقتي و نسيت أن أخبر أمي البارحة بأنني سأحضرها".
تعلقت نسرين بعنقها و قالت برجاء: "خذيني معك تماضر....أرجوووك".
زفرت هذه الأخيرة بضجر ثم قالت: "ليست حفلة للصغار نسرين، أصدقائي هم المدعوون فقط".
لم تتوقف أختها عن طلبها، لكنها تركتها خلفها و توجهت بسرعة إلى غرفتها مغلقة الباب بالمفتاح...لقد أخرتها أختها بما فيه الكفاية و لا تريد لذلك المغرور أن يأتي من خلفها...جهزت ما سترتديه ثم دلفت إلى الحمام لتنتعش قبل أن تبدأ في تجهيز نفسها...نظرت لهيئتها في المرآة و هي تبتسم بخبث لجمالها و تشكر الله لغياب والديها حتى ترتدي ما تريده بدون أن تسمع محاضرة جديدة من أحدهما...
ألقت نظرة على الساعة الالكترونية بجوارها فشهقت بصدمة و هي تراها تشير إلى السادسة و النصف، لقد تأخرت نصف ساعة و احتمال كبير أن يكون شادي في طريقه إلى هنا...حملت هاتفها لترسل له رسالة تخبره أنها قادمة و لا داعي لحضوره، فأرسل لها الجواب بعد دقيقة من الزمن: "هذا جيد جدا، كنت أستعد لآتي لأسحبك معي إلى الحفلة".
ضحكت عاليا ثم تحركت إلى الخارج، لمحت أختها تشاهد التلفاز فقالت لها بوجوم: "إياك و التأخر يا تماضر".
-"سأعود بعد ساعتين، لدي امتحان غدا و علي التحضير له".
أومأت نسرين برأسها ثم انشغلت بما تتابعه على التلفاز، فقالت تماضر بمهادنة: "سأحضر لك حصة من كعكة عيد الميلاد".
التفتت إليها نسرين و هي تهتف بابتهاج: "حقا".
أومأت تماضر برأسها ثم لوحت لها و هي تنصرف مذكرة نفسها بضرورة شراء حلوى الفراولة المفضلة لأختها عند عودتها حتى لا تغضب...
انتظرت مرور سيارة أجرة، و فور أن استقلتها أخبرت السائق بوجهتها ثم همست في سرها بتوعد:" أعدك أن تسقط من عليائك القديم هذا المساء يا شادي مفيد"...


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-19, 07:16 PM   #57

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

نهاية الفصل الثاني
قراءة ممتعة و بانتظار آراؤكم و تعليقاتكم حول الفصل
دمتم بألف خير ⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-19, 08:06 PM   #58

affx

? العضوٌ??? » 407041
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 733
?  نُقآطِيْ » affx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond reputeaffx has a reputation beyond repute
افتراضي

غريبة قصة عائشة اذا اخوها بدرس ليش مانع اخواته يدرسوا؟؟يعني هنن ياخدوا ابتدائي وهو جامعة ؟!مش فاهمة ليش هيك .
غبية عائشة كان لازم من اول ما عرفت بخيانته تتركوا بتمنى تلاقي شخص يحبها بعيدا عن ايمن الخاين.
ندى بحسها مريضة نفسيا ما حبيتها .
تماضر شو قصتها مع شادي؟هي غبية هل البنت شو بدها في لترجعلوا هل البنت لازمها ترباي من اول وجديد .شادي شو بدو من تماضر وليش رجعلها هاد متل الحية .
شو قصة قمر ومالك وشو عملت شيماء فيهم؟
قمر وزيد حسيتهم لابقين لبعض اكتر قمر بتنفعل وبتعصب من زيد مو متل مالك بحسهم هادين زيادة عن اللزوم اما مع زيد في روح لعلاقتهم .


affx غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-19, 01:11 AM   #59

رنا رسلان

قاصة هالوين


? العضوٌ??? » 304310
?  التسِجيلٌ » Sep 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,154
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » رنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond reputeرنا رسلان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
افتراضي

#عجبني اوي الوصف ده رغم حزنه
(قالت عائشة بهدوء:" أنا مخلوقة عجنت طينتها من ماء حزن، لترى الناس من حولها سعداء فتظل تبحث عن تلك السعادة حتى وجدتها لتكتشف في النهاية أنه مجرد وهم")
#صدمة ندي لمعرفتها بان قمر غنية وكرهها الأغنياء بسبب والدها الاناني الغني لا عرف الابوة سوي مع ولديه من زوجته الثانيه اما هي لايأبه لها
#فهي تعمل لكي تعين والدتها
صغبت عليا اوي
#مفيش اصعب من اب صامت تارك ابنه يتحكم في بناته لمجرد انهم بنات مش حقهم الدراسه فماذا ستستد وهي في النهاية ستتزوج ايه القهر ده اخذين حقهم في الاختيار
#عائشة كانت مفروض عملت زي أختها اللي تصرفها عجبني جدا وهروبها من المنزل رغم انه امر سئ الا انها لو مش عملت كده هيتهدم حلمها وتكون زوجة لاخر مجبورة
#ايمن بعدما احبته خانها بعظما اعتقدت ان القدر في صفها
#دايما اسمع مقولة ان لا كبرياء مع الحب وانه بيقتله
#قمر تري كبريائها اهم من حبها لمالك حتي لما رأت ندي تدعي انها تريد المحاضرة من محمد قالت في نفسها ما هذا كبريائي اولي
#علي ما اعتقد بما ان شخصيتها كده هتقتل حبها لمالك في النهاية وممكن تحب يزيد اللي بيحبها ويطاردها ولكنها لا تريده


رنا رسلان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-19, 10:50 PM   #60

عشقي بيتي

نجم روايتي وكنز سراديب الحكايات


? العضوٌ??? » 427263
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 1,408
?  نُقآطِيْ » عشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond reputeعشقي بيتي has a reputation beyond repute
افتراضي

رووووووعه الفصل فاطمةوطويل وممتع بجد
قمر وشخصيتها الحمائيه لصديقاتها اعجبتني شخصيه قويه وواثقه من نفسهاوقراراتها
عائشه مشكينه وقعت ضحيه انسان خائن ومعقدلانه يغلط يظن ان الناس مثله لايعرف بان هناك قلوب نقيه وصادقه ....
اتذكر مقوله لدكتور عندمااخبرته ان صديقتي زوجها لايعجبه ان تتعالج عند رجل بل امرأه قال لي ..مادام الداخل وسخ فالخارج وسخ
اعتذر عن اللفظ بس حقيقه كلامه
تماضر ماذافي انتظارها في حفلةشادي ارجو ان تكون امورهاطيبه ولاتتهور في تصرفاتها
موقف ابراهيم شهم ورجولي جدا
يسلمو يداتك يامبدعه امتعتيني جداجدا بالفصل
موفقه حبيبتي باذن الله


عشقي بيتي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:59 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.