آخر 10 مشاركات
[تحميل] مكيدة زواج ، للكاتبة / سلمى محمد "مصرية " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          مـــا أصعب الإبتعاد عنها *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          مرت من هنا (2) * مميزة *,*مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          حرمتني النوم يا جمان/بقلمي * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : esra-soso - )           »          أحزان نجمة ( تريش جنسن ) 446 ـ عدد جديد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الوصية ـ ربيكا ونترز ـ 452 ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          533 - مطلوب زوجة وام - بربارة ماكماهون - قلوب عبير دار النحاس ( كتابة - كاملة ) (الكاتـب : samahss - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          يا أسمراً تاه القلب في هواه (21) سلسلة لا تعشقي أسمراً للمبدعة:Aurora *كاملة&مميزة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ظلام الذئب (3) للكاتبة : Bonnie Vanak .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: أي ثنائي جذبتكم قصته أكثر ؟؟
نديم و بريهان 23 34.33%
آصف و نادية 44 65.67%
أكرم و إيثار 10 14.93%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 67. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree407Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-02-20, 12:06 AM   #1151

Qhoa
 
الصورة الرمزية Qhoa

? العضوٌ??? » 436349
?  التسِجيلٌ » Dec 2018
? مشَارَ?اتْي » 1,308
?  نُقآطِيْ » Qhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نغم مشاهدة المشاركة
مسا الانوار حبايب
و الله لسه داخله البيت حالا
الجزء موجود لكن محتاج تعديل و انا مش عاوزه أأجل فهستأذن الإشراف و انشره بكره قبل الظهر بعون الله
شكرا لك القمرات الي كتبوا رفييوهات و ليا عوده طبعا للرد عليها
دمتم في حفظ الله
عنجد كنت متحمسه للفصل كتييييير..😟
بالانتظار غدا ان شاءالله😦


Qhoa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 08:41 AM   #1152

كف القمر

? العضوٌ??? » 385981
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 407
?  نُقآطِيْ » كف القمر is on a distinguished road
افتراضي

فى مشكلة عندى الروايات ناقصة فصول كتيرة المشكلة عندى بس ولا عند الكل

كف القمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 09:29 AM   #1153

Ho.pe

? العضوٌ??? » 434107
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 78
?  نُقآطِيْ » Ho.pe is on a distinguished road
افتراضي

شفت الاشراف كاتبين انه انحذفت فصول مع الصيانة وانو الكاتبات يرجعو ينزلوها
متى الفصل لجديد؟


Ho.pe غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 05:24 PM   #1154

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الفصل بعد حوالي ساعه إن شاء الله
بعد أن أعيد تنزيل الفصول التي حذفت بعد الصيانة
سعيدة بعودة المنتدى للعمل و اشتقت وجودكم جدا


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 07:26 PM   #1155

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل التاسع و العشرون



- نادية ، نادية .

همس آصف يناديها بينما يمد أصابعه يداعب بشرة وجهها بلطف .
لكن نادية لم تستيقظ ، فقط استجابت للمساته بهمهمة متأوهة و تململ بطيء لرأسها النائم على الوسادة .
نظر آصف إليها واجما ، تعاسة ملامحها مع ألم أناتها نشرا سوادا مؤلما داخل قلبه .
- نادية ، نادى ثانية و عندما لم تفتح عينيها قام من السرير و خرج من غرفة النوم إلى الشرفة .

في عالم الحلم ، كانت نادية تقف مرتبكة أمام غرفة مليئة بالنساء و طوال الوقت مجموعات تدخل و مجموعات أخرى تخرج .
وجوههن ممحوة الملامح .
لم ترغب أن تدخل لكن طرقات قلبها الموحشة أخبرتها أن لا خيار آخر أمامها .
نظرت إلى كومة الأحذية الملقاة أمام الباب ثم حطت بعينيها بخوف إلى قدميها .
- اخلعي حذاءك قبل أن تدخلي يا شابة .

لكن حذاءها جميل ، رائع الجمال ، مميز جدا و هي لا تريد أن تخلعه .
كل الأحذية الأخرى إلى جانبه تبدو قديمة جدا حتى و هي جديدة .
في اللحظة التالية كانت قد تقف حافية لا تدري متى خلعته من قدميها ، نظرت له بوحشة عميقة يقبع بين الآخرين و تأكدت في قلبها أنها لن تجده عند الخروج و مع ذلك دخلت تدفعها جموع جديدة من الوافدات إلى الغرفة ، لم تقدر حتى على إلقاء نظرة أخيرة عليه و كم مزق ألم كئيب صدرها .
بعد وقت لا تدري طوله و لا كيف مر ، خرجت من الغرفة و وجدت نفسها تنظر إلى مكان حذائها الجديد الخالي .
لم تنحن و تبحث بجنون بين كومة الأحذية التي كبرت فالحقيقة كانت داخل قلبها : إحداهن سرقته .
و الآن عليها أن تعود من حيث أتت حافية .
حافية .
أمام كل الناس ستسير حافية ، ناقصة ، دون حذاء يحميها .
كم سيكون منظرها بشعا ، تسير لوحدها تجر قدميها العاريتين فوق الأسفلت القاسي .
غبية ، غبية ، بكت بحرقة ، دموع كثيرة ، كثيرة و هي تستمر بتعنيف نفسها ، لماذا لم تتبعي حدسك و تدخلينه معك ؟
لماذا ؟
الآن سيضحك منك الناس ، ستكونين فرجة .
- خذي أي حذاء من الكومة كما سرقوا لك حذاءك .
سمعت الصوت يأمرها و لم تقدر أن تلصقه بأي وجه حولها .
لكنها لن تأخذ شيئا و لن تعود كذلك ، هذا كان قرارها .
ستنتظر هنا و بإصرار .
ستقف أمام الباب و لن تتحرك .
لن تتحرك .
لن تكون أضحوكة .
لن تكون .
لن تكون .
بتنهيدة طويلة متقطعة ، فتحت عينيها .
لثوان استلقت في غاية الإعياء كأنها دهست حية ، شاحبة ، باهتة النظرات و هكذا وجدها آصف حين دخل عليها قادما من الحمام الملحق بغرفة النوم .
- نادية ، همس بقلق و هو يجلس بلطف على طرف السرير بجانبها و يبدأ في الانحناء عليها .
- آصف ، ردت بخواء ثم رفعت عينيها نحو وجهه المشرف عليها و رفعت ذراعين ضعيفتين إليه .

فورا ضمها إلى صدره بقوة ، أحاطها بذراعيه و احتواها إليه .
لامس بشفتيه شعرها و بدأ يتمتم كلمات مهدئة .
صوته سرى كذبذبات رتيبة عميقة ارتشفتها روحها الضمئة بلهفة حتى سكنت أنفاسها المعربدة و هدأ صدرها المضطرب فوق صدره .
- كان حلما سيئا حبيبتي ؟
رأيتك تتقلبين في نومك بضيق لكن لم أقدر أن أفعل من أجلك أي شيء .

قلقه العاصف رغم تراخي نبراته اقتلع منها طمأنينتها الوليدة فانتفضت بين يديه و دون أن ترفع وجهها إليه ، أغمضت عينيها بقوة و همست بين لهاثها :
- كان بشعا ، بشعا جدا آصف .

تقلصت أصابعها المستندة على صدره العاري و شعرت بها باردة كأن تيار دفئه توقف عن السريان فيها .
ارتجفت بشدة و للحظة خاطفة شعرت بالغربة بين ذراعيه و بعدم الانتماء .
إحساس شاذ متطفل ، لا يصح أبدا أن يولد بينها و بينه ، أبدا و رغم أنه اختفى في الثانية ذاتها لكنه كان قد ضرب روحها بقسوة .
و دون شعور وجدت نفسها ترفع رأسها و بلوم عميق جدا تقول له :
- كان عليك أن توقظني آصف ، كان عليك أن تحاول أكثر .

ألصقها به يهديها أمان ذراعيه لكنها تململت بينهما بقوة و واصلت كلماتها تتخبط في الهواء القليل الفاصل بين وجهيهما :
- لو أيقظتني لأرحتني آصف لكنك تركتني أعيشه حتى اللحظة الأخيرة .

نظر إليها آصف طويلا ، التألم اللائم في صوتها و ملامحها جعلاه يرفع عينيه باستجداء إلى سقف الغرفة ثم دون أن يعيد نظراته إلى المجال الحزين الرقيق لنظراتها ، تمتم و هو يطوف بشفتيه بين أمواج خصلاتها :
- أنا آسف حبيبتي ، آسف .
لكني أنا من أيقظتك نادية .
مباشرة قبل دخولي الحمام هززت كتفك بقوة و لم أغادر سوى حين رأيتك تبدئين بالاستيقاظ .
- لماذا لم تبق بجانبي إذا ؟ كان بشعا أن أصحو بكل ذلك القلق في قلبي و أجد نفسي وحيدة .

كلمتها الأخيرة داست على نبض قلبه و قيدت نظراته القاتمة إلى عينيها العميقتين .
" نادية هل تقرئين روحي كما تقرئين المستقبل ؟ "
تألم بعمق من بساطة كلماتها و بصوت بدا فيه المرح كجندي مهزوم تمتم و هو يربت على ظهرها .
- كنت مضطرا لتلبية نداء الطبيعة حبيبتي .
أنا آسف
آسف .

رفعت يدها اليمنى تربت بها على وجهه بلطف و بنعومة تهمس :
- لا بأس آصف ، لا بأس
هل نعود إلى النوم الآن ، الكابوس كسر لي عظامي .
أكيد حبيبتي .

استلقت على جانبها الأيمن و هو على جانبه الأيسر ، متواجهان كما يفعلان دائما .
شبكت أصابعها بأصابعه و نامت .
أراح ذراعه على خصرها و نام .
و لم تفطن أنه لم يعدها بأن لا يتركها وحيدة مجددا و لم يفطن أنها لم تقل له حبيبي .
*
*

في الصباح وقفت أمام الباب الخارجي لشقتهما تودعه بقبلة طويلة جدا ، اعتقلت فيها حرارة أنفاسه بين دفء أنفاسها ، تسكب بين شفتيه فراولة أشواقها الحلوة و تأخذ منه بن اشتياقه اللاذع .
تعطيه كثيرا و تأخذ منه أكثر ، تأخذ ، تأخذ ، لا تريد و لا تقدر على التوقف .
ملهوفة حد الجنون .
لا تعقل و لا سيطرة ، فقط الرغبة في الأخذ منه بلا نهاية .
- نادية ، لهث بقوة عندما حررته أخيرا ببطء و عدم رغبة ، هل نعود للسرير .
- لا آصف ، هذا يكفي الآن ، ستتأخر عن عملك .

نبراتها الجدية مع تورد وجهها و احمرار شفتيها شكلا صورة متماوجة لم تفشل في إضحاكه و إثارته .
هكذا هو دائما مع نادية .
لا يقبض معها أبدا على شعور واحدة كأنها طعام يحمل عدة نكهات .
إلا نكهة واحدة لم يجدها عندها .
تلك التي يحترق لها جوفه و تزغزغ لسانه و يظل طويلا هائما بفكره يلاحقها و لا يفهم أهي حلوة مرة حامضة ؟
قتمت نظراته فجأة لكن نادية لم تلاحظ فقد كانت نظراتها مركزة باهتمام على ياقته التي جعدتها بلمساتها .
- رافقتك السلامة حبيبي .

انحنى يضع قبلة دون وعود فوق خدها ثم خرج يترك ظهره لنظراتها التي صار يتعب من ملاقاتها .
*
*
بعد أسبوع ، مساءًا
عادت نادية من دوامها داخل الصيدلية القريبة التي انتقلت إليها منذ ثلاثة أشهر .
دخلت الفيلا و هي تشعر بفتور غريب ، أعضاؤها مخدرة ، وعيها تائه و حتى تقاسيمها مرتخية جدا .
- كأني مصابة بشلل في روحي ، تمتمت لنفسها و هي تتوجه نحو الدولاب كي تغير ملابس الخروج .

اختارت فستانا ربيعيا طويلا ، بسيط القصة لكنه غني القماش ، مخملي كثيف الطبقات بلون أخضر غامق ينساب رقيقا فوق جسدها و ينتهي بشكل جرسي يبدو كموجة ناعمة تتحرك حول ساقيها حين تتحركان .
تأملت نفسها بلا شعور ثم انحنت تضع حذاءًا أسود بكعب عالي و هكذا حين رفعت عينيها راقبت الصورة الكلاسيكية التي رسمها انعكاسها على سطح مرآة الدولاب .
ضبطت الحزام الفضي بدقة فوق خصرها ثم غادرت الغرفة تتوجه بخطوات ثابتة نحو السلم لتنزل تجلس قليلا مع الحاجة ميرفت قبل عودة آصف .
لفت بجدار البيت الخارجي حتى وصلت إلى الحديقة الخلفية حيث من عادتها أن تجلس كل مساء تنتظر ارتفاع صوت أذان المغرب .
اتسعت ابتسامتها و هي تشاهدها تتصفح ألبوم صور فقد كانت من عادتها أحيانا أن تخرج بعض ألبوماتها الكثيرة و تري نادية صور آصف و هو يتدرج بين سنوات العمر .
- مساء النور ماما ميرفت .

جفلت الحاجة ميرفت و رفعت وجها بملامح متفاجئة نحو وجه نادية الذي اضمحلت ابتسامته و عيناها تقعان على الصورة التي استولت على تركيز حماتها جذبتها من هذا العالم .
- مساء الجمال حبيبتي ، أشارت الحاجة ميرفت إلى يمينها و أضافت ، اجلسي قليلا بجانبي .

ببطء جلست نادية بعد أن قربت الكرسي الخشبي منها .
كان هناك شيئ يشع من أعماق الحاجة ميرفت ، منذ مدة و هي تراه بعيني قلبها ، شيء غامض انتقلت عدواه لها فصار قلبها ينبض قلقا .
سحبت نفسا عميقا بطيئا ثم عادت لها ابتسامتها و قالت بخفوت و هي تنحني بوجهها قريبا من وجه الحاجة ميرفت .
تأملت الصورة بتفحص ثم تكلمت دون أن تتركها بنظراتها :
- هل هذه هي ؟ تساءلت نادية و هي تحدق في الوجه الأنثوي الذي يبادلها نظرة شبه متوحشة .
- نعم يا ابنتي هي .
عادت نادية باهتمامها للصورة تتفحصها بنظرة جديدة .
تأملت آصف طفلا في بداية عقده الثاني ربما في الثالثة عشر و هي أصغر منه بوضوح ، طفلة صعبة المراس ، تقف رافعة ذقنها بتحد ، تبصق نظراتها الغاضبة نحو من يقوم بالتقاط صورتها .
بضحكة مرتجفة تمتمت نادية :
- أتصدقين ماما ميرفت أني حتى اللحظة لا أعرف اسمها.

تنهدت ميرفت بصوت مسموع و أصابعها تتقلص بتوتر واضح فوق الألبوم .
شعرت بنظرات نادية المتسائلة فتمتمت ببطء :
- تدعى غنوة .

قالتها كأنها تلفظ لعنة و أشاحت بوجهها قليلا عن الصورة بينما جذبت نادية نفسا حادا و هي تشعر برقة الاسم يجرح صدرها .
ظلت كلا منهما صامتة ثم راقبت نادية يد الحاجة ميرفت تغلق الألبوم فقالت دون شعور :
- كم يشابهان في شكلهما .

بحدة عميقة التفتت نحوها الحاجة و قالت و هي تخبط الألبوم فوق الطاولة :
- معاذ الله ، ابني لا يشبه تلك الأفعى في شيء .
ابني ما شاء الله دائما وجهه كالبدر المنير بابتسامته التي لا تفارقه سوى نادرا أما هي ..

التوت شفتاها باشمئزاز فتساءلت نادية بفضول :
- هل كانت دائمة الغضب كما في الصورة ؟
- كانت دائمة الحقد نعم ، طوال الوقت .

ربتت بيدها المتوترة على يد نادية ثم تمتمت بشرود :
- عندما خاب ابني و تزوجها كنت دائما أفتح هذا الألبوم و أتأمل كثيرا في صورها و هي طفلة .
لم أكن أريد أن آخذها بذنب الكبار فهي مثلها مثل آصف لم تكن سوى طفلة عندما حصل ما حصل .
لكنها يا ابنتي صدقيني لم تترك لي أي فرصة كي أحبها أو حتى أتقبلها .
كل ما فعلته أنها يوما بعد يوم أكدت لي أنها صورة أكثر سوادا لأمها .

رفعت عينيها إلى الأفق ثم عادت بهما إلى وجه نادية الساهم ، ربتت على خدها بلطف و قالت بصوت استعاد دفئه :
- أشعر أن بداخلك كلاما كثيرا يا ابنتي و أنا أسمعك
- نعم في الواقع لدي ما أقوله لك يا ماما .

التفتت ناحية الباب بقلق خفيف ثم مالت نحو الحاجة ميرفت و أخذت تهمس .

*
*
حين دخل آصف الحديقة بعد أن اتصل بنادية و أخبرته عن مكانها و جدها تقوم واقفة و هي توجه ابتسامة خفيفة لأمه .
- مساء الخير حبيبي ، تمتمت بشيء من الارتباك و هي تتلافى عينيه بنية مبيتة كما بدا له من التعبير الغريب الغير مفهوم الذي رسمته قسماتها .

راقبها تخرج مسرعة الخطى كأنها تسرق نفسها من حضوره ، يلفها فستانها الزمردي كغيمة قاتمة من الشغف الخالص الحر .
ظل عنقه ملتويا للحظات خلف طيفها الغائب حتى انطلق اسمه من بين شفتي أمه فأعاده إلى برد الواقع .
تقدم نحوها يقترب من جسدها متمهلا كأنه لا يريد أبدا أن يصل .
قبلها بعمق على جبينها ثم قال بهدوء :
- مساء الخير يا أمي .

جحظت عينا الحاجة ميرفت و برزت عروق يديها .
منذ زمن أبدي لم ينادها ابنها سوى بالحاجة ، لم يذكرها الآن بأنها أمه و بأنه ابنها ؟
نظرت نحوه فرأت الشك الذي سكنها أياما يتحول لحقيقة .
بجمود تام و دون أن ترد تحيته واصلت التحديق فيه يجلس بجانبها على الكرسي الذي كانت تحتله نادية منذ لحظات .
كبر الفزع داخل قلبها و هي ترى نظراته تحيد بتصميم عن عينيها المتسعتين .
- كيف حالك حاجة ؟

لم تجبه فهي لا تريد أن تتكلم معه الآن و لم تكن لتقدر و لو أرادت ، شفتاها التصقتا بغراء من المرارة و شعور كبير بالسقم سرى تحت جلدها حتى نضحت مسامتها به عرقا باردا مرعوبا بينما تواصل النظر إلى وجه ابنها المطرق جدا أرضا .
- حاجة لدي ما أقوله لك .

رفع نظراته و تجاوز بسرعة عينيها فهو لن يقوى أبدا على هذه المواجهة ، استقرت عيناه على القطرات التي ولدت بين تجاعيد جبينها الشاحب وشعر بقبضة تقسو على قلبه .
واصلت الحاجة ميرفت الصمت كأنها تمد في عمر أملها الكاذب حتى آخر لحظة .
فقط أومأت برأسها عدة مرات لم يفهم منها آصف إن كانت تشجعه بها على الكلام أو إن كانت سمعته قبل أن ينطق و تحكي له بهزات رأسها يأسها .
في كل الحالات ، صمتها كان أعلى من صوتها، مرهقا ، قاسيا ، جافا للدرجة التي انعقد لها حلقه بغصة كبيرة .
أطرق رأسه ثانية و قال بصوت متحشرج باهت المخارج :
- حاجة سأرد غنوة إلى عصمتي .

لم يحدث شيء فقط سرى تيار هواء بارد بينهما سمع معه حفيف أوراق الشجر ليدله أنه لم يتجمد بهما الزمن ، رفع عينيه بتردد إلى وجه أمه فوجدها ساكنة جدا كأنها انتقلت إلى عالم آخر.
و قد كانت حقا في عالم آخر.
العينان تنظران للحاضر .
و الفكر و القلب يشرعان نوافذهما على الماضي .
و القلب تترنح دقاته ، دقة لهذا و دقة لذاك .
- حاجة .

أتاها صوت ابنها قلقا فتمنت في هذه اللحظة لو أنها تجيد كيد النساء لكانت افتعلت نوبة قلبية ، لكانت انتزعت روحه رعبا عليها كما انتزع هو روحها عذابا منه .
لكنها كميرفت اكتفت ببصق كلماتها في وجهه و هي تقول بقسوة مرة :
- ابن أبيك .

ثم رفعت عينيها إلى السماء و ضربت بعنف كفيها على فخذيها و هي تقول :
- اللهم أجرني في مصيبتي و اخلفني خيرا منها .
اللهم أجرها في مصيبتها و اخلفها خيرا منها .

*****


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 07:33 PM   #1156

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

ا
تحت شمس الأصيل الدافئ سارت إيثار متعانقة الخطوات تقطع ساحة المقهى المكشوفة السقف ، تتبع أكرم الذي تقدمها ببضعة أمتار و وقف خارج باب المقهى يمسكه من أجلها .
سددت له نظرة ناعمة لكنها لم تصبه لأنه كان مركزا مع مشهد قدميها الصغيرتين تدقان بكعبهما العالي ، رقيقتان جدا ، صاخبتان جدا جدا ، فوق أرضية المقهى الصلبة الخرساء .
فتحت فمها لتشكره بعشق لكنه سبقها يقول :
- دائما خطواتك قصيرة هكذا ؟

تهكم نبراته و التواء شفتيه أزاح أكوام العشق جانبا و استخرج منها الأنثى المعقدة المستفزة .
يدها استقرت بتحد فوق خصرها ، جسدها مال بزاوية هجومية ، حاجباها التقيا في عقدة مستعصية و رموشها الطويلة التفت حول نظرتها الدخانية تزيدها قتامة و تتوجه سهاما حادة ضده .
- خطواتي ليست قصيرة ، خطواتي متمهلة ، نطقتها حرفا حرفا و كعبها العالي يدق بإيقاع حانق مغتاظ ، أنت من تسير طوال الوقت بخطوات المحاربين .

بضحكة تراقصت بين ليالي عينيه و امتنعت عنها بصعوبة شفتاه تقدم منها و نظارته تتفحص المكان حولهما ، لم يجد عيونا فضولية فانحنى قريبا من ملامحها الغاضبة ، تظاهر بأنه يسوي لها حجابها و همس لها بحرارة :
- دست على الجرح ؟
- هه ، أطلقت صوت استهانتها و هي تدير وجهها قليلا لتهمسه أمام شفتيه القريبتين ثم ضمت شفتيها و رفعت عينيها نحو عينيه لتمتع قلبها بتأثيرها الكبير عليه .

تلوت ملامح أكرم بشيء كالألم و نظراته تتسمر رغم إرادته على العناق المتذمر لشفتيها ، عناق لذيذ ، حارق مذيب لنهايات أعصابه المسكينة التي يشك أن تتحمل لمدة أطول .
مال أكثر على وجهها ثم نفخ بقوة فوق بشرة جبينها .
- ما ماذا تفعل ؟ تمتمت بذهول بينما ستار رموشها يتحرك بجنون تحت هبات عاصفة أنفاسه .
- أطفئك لأنك ستحرقينني حيا .

همس بحميمية واضحة لم يعد يبذل أي جهد ليداريها ثم بنفاذ صبر أمسك يدها داخل قبضته و بدأ يجرها جرا وراءه .
تعثرت خطوات إيثار و تبعثر نسقها و هي تسير كالمقطورة وراءه .
رئتاها تلهثان و عقلها يلهث معهما يبذل جهدا محموما للتركيز على إيقاع خطواته حتى تجيد مجاراتها و لا تزيد رصيد فضائحها السابقة و تقع على وجهها أمام كل الخلق .
بينما في الأثناء تستغرب مسكه ليدها هو الذي سبق و أخبرها بوضوح عندما حاولت في السابق السير معه في شارع رئيسي شابكة أصابعها بأصابعه أنه يرفض مثل هذه التصرفات .
( حركات مراهقين ) كما وصفها .
( حركات محبين ) ،اعترضت حينها بإحباط و هي تبدأ بسحب أصابعها بسرعة من بين أصابعه لكنه تشبث بها و سار معها قليلا ممسكا بها حتى وقفا في مكان منزو ، حينها ضغط على يدها و تكلم مشددا على كلماته:
- إيثار تعرفين جيدا قوة عاطفتي تجاهك و لا أظن أني بحاجة لتأكيدها باستعراضها أمام كل من هب و دب في الشارع .
- ليس استعراضا أكرم ، انكمشت ملامحها في دفاع معاتب ، تستطيع أن تقول أنه نوع من الفخر بارتباطنا ببعض .
- و إن يكن اسمحي لي بأن أمتنع .
- لماذا ؟ همست محتجة و رموشها تتخبط أمام نظراتها الضائعة ، كل ما في الأمر أن ..

لكنه قاطعها بحسم :
- أنا رجل له مركزه بين الناس إيثار لذلك لا أحب مثل تلك الحركات احتراما لك ، لنفسي و للناس حولنا .

*
*
بعد قليل كانا يجلسان على الأريكة الخلفية لسيارته يتبادلان القبلة المعتادة التي أدمنها كلاهما .
كان قد ركن السيارة في شارع غير رئيسي كالعادة و أسدل حولهما الستائر التي أضافها خصيصا ليوفر لهما ركنا يقدران فيه على تبادل مشاعرهما دون رقابة و لكن بحدود .
حدود تمنت إيثار اليوم بالذات أن تضمحل لأن كيان أنوثتها استيقظ أخيرا تحت تأثير قبلاته و تكررها طوال الوقت لتصير أعمق ، أكثر انطلاقا و أشد جموحا .
النداء داخلها صار صاخبا جدا ، مزعجا للغاية ، لا تعرف و لا تفهم كيف تجاريه أو كيف تخرسه .
يفعل بها أشياء حلوة لا تريدها أن تصير إلى زوال ، يرسلها تدور و تدوخ كطائرة مصنوعة من ورق هش وجدت نفسها وسط رياح هائجة تلف ، تلف و لا تكف .
النداء مستمر و هو أكرم لا يساعد لتخفيفه ، جالسا بجانبها مقتربا جدا منها ، يميل عليها بكامل جسده لا يترك لها مساحة للتفكير و لا مسافة للتراجع إلى الوراء .
أما هو فجلس متململا لا يكاد يستقر ، بداخله أراض شاسعة تُفَجِّر فيها الغريزة براكينها و زلازلها و تجري بينها وحوش عاطفته تنهش بضراوة في كل قيود صبره و تَعَقُّلِه .
- هذه القبلات صارت عذابا صافيا ، خرج صوته متحشرجا محملا بنبرة حسرة شديدة الوضوح و هو يبتعد ببطء شديد عنها .

وضع وجهه بين كفيه يشد أنفاسا ثقيلة إلى سجن رئتيه ثم رفع رأسه و تمتم بيأس :
- أريد أن أتزوج الآن ، حالا .
ألا تشعرين مثلي أنت أيضا ، صر على أسنانه بغيظ و هو يراقب ملامحها المذهولة منه .
- أنا ..

لم تكن فعلا قد فكرت فيم تريد قوله و هو أراحها من العناء لأنه في اللحظة التالية قبض على خصرها و وضعها فوق حجره يمطرها بحمم عاطفته ، يخبرها بطريقته أن الصبر صار خيالا .
دوى صوت نفير عال بجانب السيارة فانتفض كلاهما بفزع و نظرا حولهما بقلق تلقائي ثم أخفت إيثار وجهها الشاحب في صدره تكتم فيه صوت قهقهاتها العالية المتوترة .
لثوان ظل أكرم يمرر يده على طول شعرها يتحسسه و يربت عليه بلطف بينما ضحكة هادئة تحرك صدره ، رنينها الرخيم أرسل خدرا سريعا لأوصال إيثار فاسترخت بين ذراعيه .
بتمهل رفع أكرم وجهها إلى وجهه و ظل لحظات قصيرة يتأملها و يشرب من أنفاسها الدافئة القريبة ثم بلطف أعادها لتجلس باحترام بجواره.
- إيثار ، تمتم و هو يحيط كتفيها بذارعه ، نبراته متثاقلة و عيناه لا تتركان عينيها ، لماذا لا نحدد موعدا للزفاف الآن ؟

أخفضت إيثار نظراتها تخفي لهفتها بخجلها .
- ليس لديك مانع ؟ سأل بإلحاح .
- أنت قلت أنك تريد إنهاء تجهيز الشقة و تريد أن يكون الزفاف الصيف القادم بحيث يوافق معاد إجازتك السنوية .
- أنا قلت ذلك ؟ متى ؟

رفعت نظرات بها مزيج مضحك من التشكك و الدهشة الساذجة فشقت ابتسامة عريضة فكه المربع حتى بانت غمازتاه الخفيفتان .
- كنت أبله ، كنت أحمق ، ، همس بحرارة و أصابعه ترسم حدود شفتيها ، لم أكن قد جربت تذوق أنثى ثم أحرم من أن أشبع منها .

مال يبثها شهد مشاعره للحظات قصيرة أخرى قبل أن يتراجع مطلقا آهة متأسية طويلة:
- عذاب فعلا عذاب .
- أكرم ؟ همست بتردد .
- عيون أكرم ، التفت يحفها باهتمامه فورا .
- أنت قلت منذ قليل أنك ، قوست حاجبيها و زمت شفتيها قليلا في تردد واضح ثم أطرقت برأسها قليلا و واصلت استفسارها همسا :
قلت أنك لم تجرب القرب من امرأة .
- فعلا ، لم أجرب القرب من امرأة في الحرام

قطب جبينه و هو يرى لمعة شك على سطح عينيها فأمسك ذقنها يرفع وجهها نحوه مستفهما.
- أنت كنت عاقدا قرانك أكرم .
- آه ، فهمت .

تركت أصابعه ذقنها ، تراجع يريح رأسه على أعلى المقعد ثم أغمض عينيه و تمتم بجفاف :
- تلك لم تكن امرأة .
تلك كانت (....) .
- أكرم !!

نظرت نحوه مصدومة من غوغائية لسانه لكنه فتح عينيه يبادلها النظر بثبات و لم يبد لها أنه يخفي وراء جمود ملامحه أي بادرة اعتذار .
بمشاعر نوعا ما متوجسة استدارت بجسدها إليه حتى اصطدمت ركبتها بركبته .
- أكرم ، همست بارتباك متزايد ، هل مازلت تحمل لها مشاعر ؟
- أكيد ، أحمل لها كل مشاعر الاحتقار و القرف .

راقبت تصلب فكه و الانكماش العميق لجلد ما بين حاجبيه فأضافت تتساءل بتردد قلق :
- هل كنت تحبها ؟
- كنت أظن أني أحبها .

فاض توترها عن احتمال كيانها فانتقل إلى أصابعها و أخذت تقتلع الزوائد الجلدية التي تحف أظافرها .
- أكرم ؟
- نعم .
- كيف كانت ؟ بلعت ريقها بتعسر و أضافت توضح ، أقصد شكلها ، هل كانت أجمل مني ؟

نظر إليها متهكما بوضوح ، عاشقا بجلاء .
- لا أدري كيف تخرجت مهندسة و عقلك بهذا السمك .
كم مرة أحتاج تكرارها : أنا أعمى عن سواك ، أنا لا أرى أجمل منك و عموما آنسة إيثار كي أروي فضولك عنها فهي شكلا كانت تشبهك ، ملامحكما متقاربة نوعا ما .

و كتأييد لرأيه في سمك عقلها رفعت وجهها إليه تسأل بهمس محتد :
- و أنت أحببتني لأني أشبهها ؟

هز رأسه بيأس ، برقت عيناه بكثير من التسلية ثم قرب وجهه منها يقول بهدوء جاد :
- ربما اخترتها هي لأنها تشبه ملامحك التي لطالما سكنت روحي .

مد أصابعه يجدد العهد مع بشرة وجهها بينما شفتاه تجددان الوعد لقلبها :
- أنا لم أحب سواك إيثار ، أنت من كنت في بالي طوال الوقت حتى قبل أن أراك .

عصافير وردية أخذت تزقزق برقة داخل عقل إيثار .
مهندس ، دكتور ، رائع في الجينز و يعرف كيف يقول كلاما عميقا .
أخيرا أشرقت عليها شمس الحظ و غُلِّفَت علبة حياتها الكئيبة بشريط من ورد الأحلام .
قبل أن تفيق من دوختها مال أكثر يمحو المسافة بين وجهه و وجهها حتى عادت أنفاسهما لتتمازج .
همس و هو يأخذ خديها في الأسر الدافئ لكفيه :
- أخبريني صراحة إيثار ، هل أنت مرتاحة معي ؟
- جدا جدا أكرم .
- لماذا ؟
- لأنك تفهمني حتى قبل الكلمات ، أول مرة أتعرض لهذا الشعور من
- من رجل ؟ سأل بسرعة و عيناه تضيقان .
- كلا ! ناظرته بعتاب مستنكر قبل أن تخفض عينيها و تقول بصدق ، أنا قصدت أن أقول أني لأول مرة أشعر بهذا الانسجام مع شخص لم يعرفني لمدة طويلة ، فقط صديقاتي المقربات جدا مني يحصل بيننا هذا التوافق الروحي .

لانت نظراته إليها و نعمت نظراتها إليه و كادا يؤكدان ذلك التوافق الروحي و يدمغانه بعناق حسي حميمي خاص حين اختارت شبكة النت الضائعة ضياعا أبديا تلك اللحظة بالذات لتعود للظهور و تبدأ دون هوادة بطعن نعومة سكونهما .
تعالى صوت هاتفها ينبئ بوصول إشعار أول يتبعه إشعار ثاني يلحقهما لاهثا إشعار ثالث .
و توالت الإشعارات و بتواليها ابتعد أكرم عنها و هلّ التعبير البارد المألوف على وجهه .
توترت أصابع إيثار و ارتخت مفاصلها و هي تحاول إخراس هاتفها الذي لا تعرف كيف نسيت أن تضبطه على الوضع الصامت .
أما أكرم فقد أعطاها دقيقتين من الظن الصافي ثم مع تزايد ارتباكها انسلت ثعابين شكه تغادر شقوق ذكرياته المظلمة و بصوت ثابت باتر قال و هو يمد يده نحوها :
- أعطني هاتفك .

زعق قلبها معترضا و ضرب أخماسه في أسداسه ، امتقع وجهها جدا ثم مدت يدا ميتة الإرادة نحوه .
- ما هذا ؟ تعالى سؤاله بعد لحظات من تأمل هاتفها .

الاتهام الحاد في نبراته حرر زفيرها المعترض من صدرها الضيق فنفخت بقوة بين شفتيها و أشاحت بوجهها باتجاه النافذة و التي كانت مسدلا عليها الستار… الأسود .
- سألتك ما هذا إيثار ؟

صوته الآن كان في الطريق ليصير صراخا معنفا ، ارتجفت شفتاها و بدأ ذلك الاحتراق المعتاد في زوايا عينيها .
نظرت إلى الأمام متصلبة القسمات و تمتمت بصوت غير ثابت :
- من فضلك أكرم لا تكلمني بتلك الطريقة .
- إذن أجيبيني فورا عندما أسألك عن شيء ما .
- عم تسأل ؟

طحن أكرم بعنف على ضروسه ثم قال بنبرات تخلى عنها كل دفئها السابق :
- هذا المجموعة التي تدعى ( قلوب آسرة مأسورة ) و التي تضم ، نظر إلى الشاشة و واصل يقول ، أكثر من خمسة آلاف عضو و التي بالمناسبة تخصك أنت ، لماذا لم تخبريني عنها قبل الآن ؟
- لم تكن هناك فرصة لأخبرك .
- طبعا ، مط شفتيه بتكذيب قاس محتقر صريح

سلط نظراته مطولا على تقاسيمها المرتبكة ثم قال ببرود جمد الهواء حولهما :
- أكثر من خمسة آلاف عضو و حسب ما أرى ربعهم أو أكثر ليسوا من البنات .
ما شاء الله ، و نعم الالتزام التزامك .

أغمضت إيثار عينيها بقوة و أخذت شفتها السفلى في الارتجاف لا إراديا .
- لماذا تكلمني هكذا الآن أكرم ؟

هوى بوجهه بسرعة خاطفة نحوها .
- لأنك رغم طلبي منك مرارا و تكرارا أن لا تخفي عني أي شيء مهما كان بسيطا تواصلين سياسة الغموض و عدم الصراحة .
- أنا لم أتعمد إخفاء أي شيء عنك ، أنا فقط اعتقدت أنك لا تهتم بتلك التفاصيل التافهة و لا تمانع .

التفت إليها بحدة و شرر عينيه السام يزهق حلاوة قبلاته السابقة .
- طبعا لا أمانع كون زوجتي تدير مجموعة خاصة تخفي عني وجودها ، مجموعة بها أعضاء من الذكور و منشوراتها كما أرى الآن أغلبها عن الحب و التفاهة و الغباء .

ارتجفت زاوية إيثار فم اليسرى ثلاث مرات متتالية ثم هوت رقبتها كأنما انقسمت نصفين و وضعت وجهها داخل كفيها و دخلت نوبة بكاء عنيفة .
ارتبكت نبضات قلب أكرم و عيناه تتسمران على انحناء كتفيها المتألم لكنه زم شفتيه و تمتم بجفاء مختارا الاستمرار في تبني نهج قسوته .
- إيثار ، أخبرتك من قبل أني أكره أسلوب إنهاء المشاكل بوصلة دموع .
البكاء هو حل مناسب للأطفال أما في حالتك و بما أنك راشدة على ما أعتقد فالحل هو النقاش .

انحنى كتفاها أكثر تحت ثقل قسوته ثم قالت بصعوبة و هي تبتلع شهقاتها :
- ما تفعله لا يسمى نقاشا ، يدعى اتهاما و شكا .
- أنا لا أشك و لا أتهم ، رد ببطء و هو يأخذ نفسا عميقا متمهلا يطفئ به بعض شعلات غضبه .
لو كنت أشك لكنت بحثت و دققت في البحث من قبل ، كنت اكتشفت موضوع مجموعتك منذ فترة لكن من حقي أن أعترض على أي خلل أراه منك و أحاول تقويمه .

حطت نظارته القاتمة على التواء فمها المعترض المتمرد فأضاف ببرود :
- لو كنت تظنين أنك تزوجت بغلا متحضرا يرى و يخرس فأنت مخطئة إيثار .

بحث قليلا بين منشوراتها ثم بحركة مباغتة لاستيعابها صارت يده الممسكة بالهاتف قريبة حد الالتصاق بوجهها ، دق على الشاشة بسبابته و قال بحدة :
- اقرئي لي من فضلك هذه الجملة هنا .

رفعت إليه عينين أغرق سطحهما الدموع و خلف حاجز البلل رأت ملامحه يتلاعب بينها قسوة و خشونة .
ما هذا الشخص المتلون المشاعر ؟ ما هذا الرجل الحرباء ؟ فكرت و مرارة ثقيلة تبدأ الارتفاع ببطء لتسكن حلقها .
أطرقت رأسها فاستمر في هجومه :
- حضرتك كتبت هنا " أريد أن أكون أنثى بطعم صباحك " .
ما هذا القرف ؟
- ليس قرفا ، همست بصوت به بحة متحدية ، اسمها رومانسية .
- اسمها قلة حياء حين تنشرينها في مجموعة فيها شباب و رجال .
- قلة حياء ؟ اتسعت عيناها و جفت منهما الدموع ليلمع بدلا عنها ذهول مصدوم .

زفر بعنف و هو يشيح بوجهه ثم قال بتمالك أكبر :
- كرجل ماذا تريدين مني أن أفهم من وصف أنثى بطعم الصباح ؟

باندفاع يائس بدأت تقول :
- كامرأة قصدت أنها أنثى مشرقة متجددة باعثة للأمل و الحياة مثل الصباح و …

نظر إليها باستعلاء بارد جمد باقي الكلمات فوق شفتيها ثم قال بتهكم غليظ :
- كرجل طبيعي تعلمين كيف أتخيل هذه الأنثى التي بطعم صباحي ؟ أتخيلها أنثى ممتعة تشرق عليها الشمس و هي عارية في فراشي .
هل هذا ما تريدين أن يتخيله أحدهم عنك ؟
- أنا لا أسمح لك بأن تحاسبني على نوايا غيري .
- تسمحين غصبا عنك .

قالها بقسوة و يده تمتد بالتزامن ليقبض على ذقنها و رغم الغضب المتبادل سرى تيار قوي من العاطفة الملتهبة ارتعش له كلاهما .
راقبت إيثار المدّ القاسي يبدأ في التراجع داخل عتمة نظراته .
هز أكرم رأسه عدة مرات ثم أغمض عينيه قليلا قبل أن يرفع جفنيه ببطء لعب بأوتار قلبها رغما عنها .
سحبت منه نظراتها و سلطتهما على أصابعها الجامدة فوق حجرها ، شعرت به يتململ قليلا ثم غمغم بصوت انحسرت عنه ّالحدة :
- إيثار أنا ليس لدي مانع أن تمارسي هواياتك كما تريدين و لن أحاسبك أبدا على أشياء لن تمسك أو تمسني أنا بسوء .
من حقك أن تنشري ما تشائين و من حقي أن أطلب منك أن تحذفي كل الأعضاء الذكور من مجموعتك .
- تريد مني أن أطردهم ؟ تمتمت بصوت خلا من أي طعم .
- نعم ، بكل بساطة أجابها .

و بنفس البساطة هزت كتفيها و قالت :
- لا أريد .

تصحر الصمت بينهما تحفه جبال صدمته و هضاب تمردها .
لحظات طويلة قضاها هو في تأمل ملامحها الغير مستقرة على تعبير واحد بينما التزمت هي وضعيتها المطرقة ثم فجأة دون كلام مد يده يزيح جميع الستائر بعنف و يقول في الأثناء دون النظر نحوها :
- و إن قلت لك إيثار إما أنا أو هم ؟

مستمرة في النظر إلى الأسفل همست بصوت مجروح النبرات :
- أنت تعرف أن لا أحد عندي يعلو عليك .
- ولكن ؟ أكمل عنها بجمود .
- و لكن ذاك عالمي الذي أنشأته وحدي من عدم ، عالم تعبت من أجل أن أصنعه ، عالم كان لي أسرة حين غاب عني اهتمام أفراد أسرتي ، تقلصت أصابعها في حجرها تروي ألمها و توهانها .
طول التجاهل ، الاستمرار في عدم الاهتمام أطفأ أضواء التوقعات حولي ، واقعي صار مظلما جدا فلجأت لنور الواقع الافتراضي .
ربما أنت تراه عالما زائفا لكنه في وقت ما كان كل ما لدي ، كان الحقيقة الوحيدة التي أعرفها .
و الأعضاء فتيات أو شباب وقفوا معي في أشد حالات تعاستي ، شردت نظراتها بعيدا و أضافت بخفوت ، لا أقدر الآن أن أطردهم ، ستكون قلة أصل .

ألقى أكرم نحوها نظرة أخيرة ثم دون كلام إضافي خرج من السيارة و فتح الباب الأمامي و جلس أمام المقود .
انتظرها حتى استقلت المقعد المجاور له ثم ضغط الزر ليزمجر المحرك و كانت تلك الزمجرة هي الصوت الوحيد الذي لون قتامة صمتهما المشترك طوال الطريق إلى شقة أسرتها .
حين وصلا ظل أكرم لحظات طويلة جالسا يتأمل دون نظر من خلال زجاج السيارة الأمامي ثم التفت نحوها أخيرا و قال بصوت رسمي :
- إيثار كما سبق و أخبرتك سأنشغل الأسبوعين القادمين بين عملي في الكلية و في المصنع و لن نتقابل خلالهما .

أطال النظر إليها ثم أضاف بلؤم مؤلم مقصود إلى أبعد الحدود :
- أنصحك أن تستغلي فترة غيابي عنك لتنضجي قليلا لأنه ينقصك الكثير حتى تشغلي منصب زوجة .


********
نهاية الفصل التاسع و العشرين



جولتا likes this.

نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 07:35 PM   #1157

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل الثلاثون


لليلة الخامسة يقف آصف شريد أفكاره أمام باب الشقة المفروشة التابعة لإحدى عمارات أسرة أبيه .
أدار المفتاح داخل القفل البارد ثم دخل بتثاقل ، سار قليلا حتى وصل الصالون ثم رمى جسده المتعب على أول أريكة .
منذ واجه أمه بقراره و هو يهرب من البيت فكيف يحتمل الحبس بين جدرانه و هو طريد قلبها.
و الآن ما تزال أمامه المواجهة الأصعب ، مع نادية .
انطلق اسمها بين أنفاسه الثقيلة متبعا بتنهيدة طويلة حارة ثم أسدل ستار جفنيه ليعطي الإذن لستار آخر بأن يرفع فورا .
و كعادته كل هذه الليالي وقف يواجه حشود الذكريات ، وحيدا ، غريبا ، فاقدا لكل سند .
كل ذكرى فخ لقلبه أو لضميره و هل يكون رجلا لو تخلى عن أي منهما ؟
لكن كيف يكون رجلا و ثمن أي اختيار هو جرح سينزف أبدا ؟
و هل كف النزيف يوما ؟
كلا ، لم يكف منذ بدأ و متى بدأ ؟
أ حين دق قلبه وجعا على قهر أمه أم حين نبض ندما على ظلمها هي غنوة ؟
غنوة قلب آصف كما كان يدعوها .
معشوقة الصبا و الرجولة التي لمعظم سنينه لم تُجِد دقاته سوى الرقص على نغم حبها .
تقلب بجسده على الأريكة يستلقي على جنبه الأيسر ، يجثم بثقله على قلبه لربما ينجح في كتم نبضاته .
تنهد و فتح عينيه ليهرب من ملاحقة أفكاره فأطبق ظلام الغرفة على روحه و أرسله في رحلة مريرة أخرى للماضي .
اعتدل في جلسته ثم أغرق وجهه في ظلام كفيه ، لا يريد المزيد من التفكير المظلم اليائس ، يريد أن ينسى قليلا كي لا يجن .
يريد أن ينام و يرتاح .
لكن أي راحة تلك التي ستزوره و قلبه كرة تتقاذفها أرجل الندم ، المرارة و تأنيب الضمير .
وقف فجأة فترنح قليلا من قوة ضربات صداعه ثم بخطى في ثقل حمله توجه نحو باب الخروج .
بعد دقائق كان داخل سيارته يقطع الطريق إلى شقته مع نادية .
طريقه كان يمر عبر الفيلا التي تجمعها هي و أمها .
رغما عنه توقف بسيارته بجانب الرصيف المقابل لبابهما الحديدي الكبير .
الباب الذي سيكون عليه أن يعبره كثيرا في القادم من أيامه ليكون معها هي ،
غنوة .
اسم لطالما رن بنغمة عجيبة بين أضلعه كأنما يعزفه ناي متوجع و كمانٌ عاشق شغوف .
عشقه لها كان لغزا ، أحجية لم يقدر قلبه أبدا على حلها .
رقيقة لطيفة كخيوط شباك العنكبوت التي تظل رغم نعومتها المخملية شباكا .
تنهد لليل البارد حوله و نزل برأسه يريحه فوق المقود .
سكنت حضنه لثلاث سنوات بنى لها فيها من دماء شبابه مسكنا لم يرتضيه لغيرها
و هي بالمقابل صدت و تصدت و هدت عليه بنيان عشقه .
يقترب منها فتظلم
و تطمس فجر جنونه بها في ظلام قسوتها
لعبته كانت العشق و الوفاء
لعبتها الهجر و الجفاء
حبه لها كان بذرة حية بل تفيض حياة زرعت داخل أرض عقيمة التربة و الأهواء .
كم استعملته ضده ، كخنجر تنغزه به في عمق قلبه .
كم كانت تتشفى فيه و تنتشي عقدها بإيلامه .
و هو مدفوعا بعشق لو سلمه لبحار الكون لفاضت به و هاجت و ماجت كان طوال الوقت يتجاوز و يغفر .
لكن السماح معها كان كمينا
وقعت فيه كرامته ، رجولته و احترامه لنفسه .
و في لحظة صراحة قالها لنفسه أنه كي لا ينتهي عليه أن ينهيها هي منه .
فالعلاقة بينهما كان عنوانها المستحيل .
كلمة شاركوا جميعا في كتابة حروفها و تزويقها و تنميقها .
حين أطلق سراحها و لعد شريكة أيامه و لياليه صام فكره تماما عنها .
تعود على تهميشها ، على طردها ، و نفيها من مماليك اهتمامه .
غلف جميع أفكاره عنها بالصمت عله ينسى و يدفنها .
و ها هو الآن يعود بقوة و عنفوان للتفكير فيها .
يعود ؟
المدة الأخيرة نسي فعلا أن يفكر فيها .
هل كان التفكير فيها إذن عادة ؟
كأنها ذنب أعقب توبة ؟
بالفعل هي ذنبه و نادية كانت توبته .
لكن يبدو أن إثم ذنبه كان أكبر من صدق توبته .
رفع عينيه المظلمتين يتأمل باب فيلتها الحديدي المقابل ، عريضا مصمتا مهيبا و هو يتوشح بهالة الماضي .
انتقلت نظراته إلى الأسفل يتأمل قدميه و بعيني خياله يكاد يرى نفسه مراهقا متردد الخطى و الأفكار يعتب بيت أبيه الثاني لأول مرة .
و هو في الحادية عشر من عمره توفي عمه الأصغر المغترب فعادت أرملته بابنتها لأراضي الوطن و ليت كلا منهما ظلت هناك بعيدة و غريبة .
فكم كان قربهما مؤذيا .
والده تزوج أمها بعد سنتين من وفاة عمه و هو آصف بالتبعية دخل عليها بيتها و حياتها .
كانت مجرد طفلة ناحلة في التاسعة وقت وقعت عليها لأول مرة نظراته المتسائلة ، عينان واسعتان حائرتان و جسد تحفه البراءة من كل جانب .
من كان ليتصور أنها في أربع سنوات ستتحول إلى قنبلة أنوثة تتفجر داخل كيانه بينما هو يتقدم بخطوات عرجاء داخل عامه السابع عشر .
بعيني عاطفته المراهقة الجامحة عن حدود تعقله راقب أنوثتها تنمو و تكبر ، تزحف xxxxب سامة على جدران صموده ثم تلتف حول قيود التقوى التي أحاطت بها والدته شبابه الباكر .
كل شهر تبرز منحنياتها أكثر حتى تزاحم نبضاته فيرتجع عليه قلبه و يتوجع.
الإغواء عندها كان فطريا كأنما رضعته في لبن أمها ،
تصافحه فترخي يدها في كفه ، تلوح له بوعد الاستسلام و النار في حطب عينيها تتمرد .
تسير تتمايل بجسدها فيشعرها تخطو فوق قلبه ، تجلس على طرف الأريكة فتميل عليه و تميل جدائلها السود تداعب جانب وجهه ، نسيجا قاتما تتشابك داخله أفكاره و يتعثر بين خيوطه الطويلة توازنه.
دلالها ، غنجها جعلا هواها سفاحا لأعصابه يذبحها كل ليلة .
جعلا شهواته جواري لديها يدرن حولها يرقصن بمجون مجنون في قصر جمالها .
صارت إثمه ، ذنبه ، خطيئته التي يخبئها عن كل حي بما فيهم نفسه .
شوهت عليه فطرته السوية و نزلت به من سماء البراءة إلى قبو الدناءة .
كل ليلة كان وعيه ينفجر برغبته بها فيحلم بامتلاكها و يصحو صبحا ليصطدم بالوغد الفاجر الذي أصبح عليه .
الذي بدل أن يكون كل همه حماية من بمثابة أخته الصغرى صار كل انشغاله نيلها و تملكها .
أربع سنوات من عذاب قاهر ممض قضاها يكتم نداء الذئب بداخله حتى حلت تلك الليلة بسوادها .
الليلة التي انقلب فيها كل شيء .
حين صعد إلى السطح ليدخن سيجارته المسروقة من قيود حزم والده فوجدها تختبئ في الزاوية المظلمة البعيدة المطلة على حديقة الفيلا الخلفية ، ترتدي قميص نوم صيفي خليع و تكلم شابا مكالمة فيديو .
حينها ادلعت الحرائق داخل جوفه تأكل كل شيء و لم يع كيف في لحظة كان ينقض على جسدها الغافل عنه ، يستولي على هاتفها ، يلقيه بعنف لتستقبله الأرض شظايا متفرقة ثم يلتفت لوجهها الذاهل المذعور بصفعة قاسية .
و بين أدخنة الكره في عينيها و فحيح شتائمها إليه عرف أنها منذ زمن لم تعد تراه ابن عمها ، حاميها ، رفيق طفولتها و صباها بل صار ابن الرجل الذي اغتصب مكان أبيها في حياتها و خان ذكراه مع أمها .
و لم يحتمل هو حينها نذالتها المتفجرة ناحيته .
أن تناصبه هو العداء و تقابل الآخر الرخيص بالاشتهاء .
فوضى مجنونة أرست قلاعها داخله و فتكت رياحها بكل من حواليه .
أطلق نيران رغباته المكتومة في وجههم جميعا .
و ليكن ما يكون .
فإما منتصرا لعشقه أو هو طوفان أعمى لا يبقي و لا يذر .
و انتصر و كم كان لانتصاره طعم الهزيمة .
ضغط على الزر يوقظ دورة الكهرباء الخاملة و بيدين خشنتين قبض على المقود يديره و يغادر .
بسرعة ، بعنف ، بصخب .
لكن لا ضجيج المحرك و لا صوت احتكاك العجلات المجنون على الرصيف ، لا شيء قادر أن يخرس كلماتها الأخيرة إليه .
" أحبك آصف ، أحبك ، أحبك
طوال حياتي أحبك
و حتى آخر عمري سأظل أحبك
و طلبت الطلاق لأني لم أقدر على تقبله بعدك أنت
لم أقدر أن أتركه يلمسني
و مهما يكن قرارك فلن يأخذ رجل آخر مكانك عندي آصف "

عبء ثقيل حط على كتفي آصف ، هل تركت له بعد هذا الكلام من قرار ؟

**************

ركن سيارته خارجا ثم فتح الباب الخارجي بهدوء و توجه إلى الطابق الأرضي .
بعد لحظات ، كان يتجاوز عتبة الصالون ، يدخل على أمه مهزوم الخطوات .
- السلام عليكم و رحمة الله حاجة

تنهدت ميرفت و أشاحت بوجهها عنه .
- نادية فوق ؟
تنهدت أعمق و أشد ألما .
صمت و هو يطأطئ برأسه ثم بتردد ارتجف به صوته غمغم :
- هل أخبرتها حاجة ؟

مستمرة في صمتها المتفجر خبطت ميرفت على حجرها بصوت مسموع ثم قامت و غادرت .
و كأن برحيلها رحلت أنفاسه عنه ، بخطوات مضطربة خرج آصف إلى الحديقة يتنفس بقوة كأنه يعب الهواء داخل رئتيه عبا .
تجول قليلا بخطوات فاقدة الوجهة ثم مد يده إلى جيبه و أخرج سيجارتين .
دخنهما بتوتر ملهوف ليقفل عدد سجائره لهذا اليوم لعشرين واحدة ثم داس على عقب الثانية مرارا و تكرارا إرضاء لرغبة متعالية داخله للسحق و المحق .
طأطأ برأسه و بدأ طريقه نحو الأعلى .
لأول مرة يشعر أنه يصعد السلم نحو الأسفل ،
ظلام برائحة القبور يجثم فوق صدره .
أدار المفتاح بحركة بطيئة كأن مفاصله أصابها الصدأ ثم تنفس ببطء و هو يخطو أولى خطواته داخل شقته .
غرفة النوم كانت خالية منها ، بسرعة سار نحو الدولاب ، فتح الجزء الخاص بها و مع رؤية ملابسها المعلقة داخله تحررت من بين أنفاسه المهتاجة تنهيدة مرتاحة .
تلفت حوله ملامحه تكتسب كل ثانية استرخاءًا أكبر و هو يشاهد غياب أي إشارات تنبئ عن الرحيل .
على العكس كان كل شيء في مكانه ...جدا .
في الحمام الملحق بغرفة نومهما كانت تعلق قميص نوم كالعادة .
لم تختره باللون الأسود و هذا ما زاد من راحته فهو لا يريد أي تلميح بالوداع حتى لو كان مجرد لون في قماش قميص .
الليلة هي اختارت اللون السكري في تناقض عجيب مع المرارة التي تملأ كأس لياليه الأخيرة و بلا شك كأسها .
تقاذفته أفكاره و تاه عقله عن محيطه فلم يشعر بنفسه إلا و وجهه مدفون في حرير قميصها ، تتقلص أصابعه عليه كأنه لا ينوي له تركا ثم يمرغ أنفه بين طياته يستنشق بنهم عميق رائحتها فيه .
كأنه يريد أن يتسلح ببعضها قبل مواجهة كلها .
- نادية ، همس برجاء مختنق كما تعود جميع لياليه السابقة و هو بعيد عنها .
- نادية ، كرر بصوت أعلى ثم خرج يبحث عنها .

بعد دقيقتين كان قد أجرى مسحا تاما على الشقة دون أن يجد منها سوى أثر بسيط لرائحتها .
كان في طريقه إلى الباب ، قلبه ينتفض مفزوعا داخله حين رأى الأكرة تستدير ببطء فتوقف ملازما مكانه .
مستغرقا في تفاصيلها ، عالقا في دوامة وجودها ، سكنت أنفاسه في صدره و ظل واقفا دون أن تتحرك خطواته .
تأملها تدخل بهدوء تاركة الباب مواربا وراءها .
- نادية ؟ ظن أنه نطقها لكن حروفها لم تغادر جوفه و رغم ذلك رفعت عينيها نحوه فرقّت شفتاه بابتسامة تلقائية لكنها لم ترها لأن نظراتها توقفت على وجهه ثانية واحدة ثم تجاوزته إلى باب غرفة النوم المفتوح .

في ذلك التلامس القصير بين روحه و روحها لم يقدر على قراءة شيء فلأول مرة توصد ملامحها في وجه فهمه .
نظراته انفصلت عن إرادته و مضت تتبع خطواتها و هي تتقدم نحو غرفة النوم متخذة مسارا يفصلها عن مجال جسده مترين كاملين .
مذهول المشاعر و القسمات تقدم نحوها يشطب المساحة بينهما ثم حين تقارب جسديهما قبض على كتفيها و أوقفها مديرا إياها نحوه .
- نادية ؟ همس و هو يبحث بلهفة بين عينيها و شفتيها .
- ماذا ؟ قالتها بكل هدوء و نظراتها تصطدم بصدره .
- ماذا ؟ كررها بصوت خفيض مستنكر ، حاجبه يعلو و نبضه يرتفع .
نادية ؟ ناداها ثانية .

هذه المرة نظرت نحوه دون رد .
و ظلت على نفس الوضع ، لا تتكلم و لا تتحرك بل تكاد لا تتنفس .
فقط عيناها مثبتتان داخل عينيه بتعبير لم يره أبدا فيهما ، لم يكن اتهاما بقدر ما كان استفهاما .
كانت تحدق فيه كأنها لا تعرفه .
- نادية ، كرر و القلق يستعر بين أنفاسه .

لكنها بدت ميتة الاستجابة ، كمن يعاني الثواني الأولى من فقدان الذاكرة .
فقط تملصت من بين ذراعيه ثم واصلت السير كأنها تعيش في عالم مواز له .
كأنها كفت عن الوجود جواره .
اقتلع نفسه من صدمته و لحقها إلى غرفة النوم فقابلت عيناه المتوترتان منظرها و هي تقف في طرف الغرفة بها شيء بعيد مكلوم معطوب .
- نادية ، همس برجاء و هو يتقدم بسرعة يختصر المسافة بينهما .
لا تقفي هكذا حبيبتي .
قولي أي شيء نادية
ابك على صدري لو شعرت أنك تحتاجين للبكاء .

التفتت نحوه مشاعرها ضاجة على عكس كلماتها التي وصلته جامدة ، ثابتة المقاطع :
- طوال حياتي تعودت أن أهرب من أي شيء يبكيني .
هل تريدني حقا أن أبكي لك منك آصف ؟

جملتها قطعت الهواء عن صدره ، نظراته أظلمت حد السواد و هو يسمرها على وجهها .
كانت هناك تلك الجذوة البسيطة في عينيها الذابلتين لكنه شعر بها تخفت ، تخفت حتى تكاد تزهق .
و لأنه لا يريدها أن تموت اقترب منها يمحو كل الحواجز و المسافات و يأخذها بين ذراعيه ، يحكمهما حولها و يلجئ رأسها إلى سكن صدره .
بتلقائية أغمضت نادية عينيها و هدأت أنفاسها و هي تسمع إيقاع قلبه المريح المألوف .
لكن ما هذا الذي تسمعه ؟
دقة لها و دقة للأخرى .
نبضة من أجلها و نبضة من أجل غيرها .
لا لا لا لا
عجت بها جميع ذراتها و خلاياها .
- لا أقدر ، تمتمت و هي تتحرك تنزع نفسها عنه .
أنا آسفة لم أعد أشعر بك .

ابتعدت خطوة و أضافت :
- آسفة آصف لكن حضنك صار آخر ما أحتاجه في هذا العالم .

ثم جلست على طرف السرير شاحبة ، مستهلكة ، ضعيفة جدا .
تنظر نظرات بعيدة كأنها تاهت إلى الأبد عن طريق روحه .
تيار بارد سار على طول ظهر آصف و هو يحدق فيها متلجلج الأحداق .
يريدها أن تتكلم ، تصرخ ، تصيح لكن أن تسكت هكذا لا .
هو من جُبِل على الصمت يعلم أنه يقول ما تعجز عنه الكلمات .
فالصمت يقول الهجر ،
الصمت يقول الغضب
و الصمت هو أفضل كلمات اليأس و التخلي .
تقدم مرة أخرى نحوها ، جلس بجانبها و مد يده ليلامس خدها لكن شيئا صادرا عنها ردعه فاكتفى بوضعها على الفراغ الفاصل بينهما .
- نادية ، حبيبتي .
تكلمي معي أرجوك .
- أخبرني ماذا كنت أنا آصف ؟
تمتمت دون صوت تقريبا فمال عليها يمتص بلهفة همساتهما الخفيضة .
- هل كنت امرأة للوقت الضائع بينكما ؟
عندما نامت عيناها عنك رأيتني ؟
و ما إن التفتت إليك حتى لم تعد ترى سواها ؟
- نادية ، اختنق صوته و هو يتوسلها ، رفع يده نحوها ثانية لكنها أحاطت جسدها بذراعيها بسرعة قبل أن يصلها فعادت يده لتتراخى بجانبه .

- أنت لم تجعل فقط القادم معك مستحيلا ، واصلت بهمسها المرهق ، بل جعلت كل ما مضى معك وهما .
أنا الآن خاوية اليدين .
خرجت من حياتي معك بصفر كبير يتيم .

كلماتها خرجت طلقات سريعة دون رحمة ، أحسها تغوص عميقا داخل صدره فتضعضع أنفاسه .
- لم تخرجي نادية و لن تخرجي أبدا ، همس بغصة .
أنت مكانك هنا ، مد يدا مصممة يقبض على يدها الباردة الشاحبة ثم ضغطها بقوة على موضع قلبه و قال بعمق ، و لن تخرجي منه إلا بطلوع روحي .
- أنت تحبها .
لم تنسها يوما .
كم كنت دون تأثير عليك .

أطلق آصف زفيرا طويلا مظلما .
لو تكلمت هكذا لمدة أطول فستنطفئ روحه لا محالة .
لكنها بنفس الثبات المدمر واصلت :
- منحتك كل ما أملك و أنت تريد الآن أن تأخذ مني نصفك ؟ بأي حق ؟
- استندت بمرفقيها على ركبتيها فبان له ظهرها المغطى بغزل كثيف من كستناء شعرها لكن الأخير رغم لمعانه تحت ضوء النجفة بدا خاليا من الحياة ، حتى تموجاته بدت الآن كمنعرجات ألم .
- لو استمررنا معا فأوقاتنا مع بعض ستكون مجروحة آصف
لن نعود أبدا حيث كنا
سنضيع من بعضنا

التفتت نحوه أخيرا عيناها مليئتان بالضياع والتكذيب
- ستتزوج علي آصف ، ستتزوج علي .

قالتها أخيرا ، نطقتها ، حررتها فأصبح لها فجأة وجودا حقيقيا .
حقيقيا لدرجة تفوق احتمالها .
بألم أمسكت صدرها اللاهث المنقبض .
هل هكذا يكون الموت ؟
حين تنسل الروح من الجسد مخلفة كل هذا الفراغ الموجع ؟
كان سعيدة ، سعيدة جدا معه
ليتها لم تذق كل تلك السعادة
الآن سيعجز أي شيء أن يكون حلوا
موجوعة النظرات حدقت إليه .
مألوف بطريقة جارحة
نحن لا نتعب أبدا من الغريب ، نحن نلتاع من القريب حين يصبح غريبا
أن تعتاد شيئا ثم تفقده ذلك هو مصدر كل الآلام
الآن هي عليها أن تعتاد عدم وجوده بعد أن صارت لا تتنفس سوى في وجوده
- سمعتها كثيرا ، كثيرا من قبل أن الحب يكسر و لم أقدر أن أتصور كيف حتى جعلتني أنت آصف ، أنت دونا عن كل الناس أعيشه .

فجأة فاض كل شيء عن سيطرته .
- لا نادية ، لا ، لا ، لا .

ضمها إليه بعنف ، صوته مبحوح أجش ، كلماته تخرج منه بطعم الدموع .
- نادية حبيبتي لا تفعلي هذا بنفسك و بي .

تجول فوق وجهها بشفتيه المحترقتين ثم همس بعمق :
- نادية أنا أحبك

قالها كثيرا لها من قبل أثناء حميمية لقاءتهما و لم تعلق أبدا عليها آمالها العريضة لأنها صدقت أنه كان يقولها للحظاته معها و ليس لذاتها هي .
- نادية أنا أحبك
أحبك ، كانت صادقة ، تنبض صدقا و مع ذلك بدت لها مجرد كلمة .

- و أنا متمسك بك أكثر من روحي .

كلمات حارة يلفحها برد مصيبتها فتصلها كطبق بارد بلا طعم .
- نادية أنا أحبك
- لم تعد الكلمة تعني لي أي شيء آصف .

انحنى محاولا أن يقبلها لكنها زمت شفتيها برفض متعب أمام شفتيه .
كانت تتسلل من بين أصابعه ، على وشك أن تتبخر من دنياه .
مال بيأس ليأخذ شفتيها غصبا ، يروي عطشه إليها و يحنو بعمق على وجعها منه .
حضن خديها الممتقعين ثم همس بتوسل حار :
- نادية أرجوك ، اسمعيني أولا .

تجولت أصابعه المرتجفة بين خصلاتها التي لأول مرة يلاحظ كم طالت .
لف إحداها حول سبابته كأنه باعتقالها يقيد صاحبتها إليه ثم وضع ذراعه حول كتفي نادية و تنهد بعمق .
يريد أن يرمي حمل قلبه لكن لسانه ثقيل جدا يتحرك بصعوبة داخل تجويف فمه .
نظر إلى الأرض ثم بدأ حديث ذكرياته .
- أنا أجبرتها نادية .
هي لم تكن تريدني .

شيئا فشيئا تماوجت الصورة أمام عينيه و رأى نفسه في ذلك اليوم العنيد على ممحاة النسيان .
يقف عاتيا ، يعصف بتعقله رياح حمق شاب عاشق حتى النخاع .
يواجه والده للمرة الخامسة برغبته فيها .
أطلق نفسا ثقيلا و هو يذكر ال " لا " الجامدة الثابتة التي أطلقها أبوها في وجهه فانطلق حينها جنونه بلا رادع .
- البنت ناشز يا حاج ناشز ، أخذ يصرخ بأعلى صوته محطما كل جدران الاحترام .
و حتى لو تمسكت أنت و الحاجة برفضكما فأنا سأتزوجها رغما عن الكل .

قالها بتحد سافر غير مكظوم لكيلهما : أمه و أباه .
والداه اللذان أدخلا مشاكلهما ، خصامهما ، عتابهما الذي لا يندثر بينه و بين رغبة قلبه و بطريقة ما بينه و بين ذاته لم يعودا أمه و أباه ، صارا الحاج و الحاجة .
و هو رجل لسانه لا يخون قلبه لذلك لم يقدر أن ينطقها من أجلهما و لو إرضاء لهما
- و ميرفت ، قال والده محاولا إيقاظ صوت عقله المغيب ، ألم تفكر ما الذي سيفعله ذلك بها ؟ إلى هذه الدرجة عميت عن قلب أمك ؟

استيقظ حينها كل غيظه من أبيه ، كل إحباطه ، نخوة البنوة فيه ، جينات أمه المظلومة المهدور حقها و المرمي حبها .
لذلك عندما قارعه أبوه برفضه الصريح الصلب صرعه هو بتلك الجملة التي وشمت بحبر الألم داخل قلبه .
تذكر كيف استدار بطوله الفارع يجابه هيبة أبيه و وقاره ، كيف ثبت عينين أظلمهما العشق عن البر و معانيه ثم قال كلماته التي قصدها رصاصا يدمر و يقتل
- أنتم السابقون و نحن اللاحقون يا حاج .
أم حلال علي و حرام عليك .

لهث و معول ندمه مع فأس تأنيب ضميره ينبشان جثث مشاعره لحظتها أمام انكسار نظرة أبيه نحوه .
- كانت ابنة عمي نادية ، عرضي و شرفي .
لم أستطع التصرف وقتها بطريقة أخرى .
أنا أجبرتها ، أجبرتها .

افترق بين جفنيه ليحضن صورة جسدها الساكن جدا بجواره .
- نادية ، همس بكل يأسه الماضي و الحاضر .
افهميني أرجوك .

دون أن تغادر الفضاء الممتد أمامها بعينيها همست بصوت ضاعت ملامحه :
- و ماذا عني أنا ؟
- أنت ؟
أنت كل شيء نادية
- سأصبح نصف كل شيء
- الموضوع لم يكن أبدا هكذا
- كيف سيكون إذن آصف ؟ ، انكمشت بجسدها و بروحها .
أريد أن أفهم ، أنت ستعدل بيننا ، ستقسم نفسك بين امرأتين ؟
بين حبك الماضي و بين حبك الحاضر ؟
كيف تقنعني بأني لن أكون الغريبة بينكما ؟
- غريبة كيف يا نادية و أنت تسكنين القلب و الروح .
أنا الذي سأكون غريبا بينكما .

حاول أن يضحك لكن بهوت ملامحها خنق حلقه لذلك عاد ليقول ببساطة صادقة .
- نادية أنا أحبك .
- لكن حبك لي لم يكفك آصف .
- حبيبتي صدقيني الموضوع ليس هكذا .
أنا لن أعيدها لعصمتي بسبب الحب وحده .

تؤلم ، تؤلم ، الإجابة و رنة الصدق فيه تؤلم .
هذه ليست الإجابة الصحيحة التي يحتاجها قلبها ليعود للنبض دون نغزات .
- هل اعتراضي من عدمه له تأثير ؟

لم يقل لا و تعرف أنه لم يكن في أية حال ليقولها لها .
لكن لا خاصته لا تحتاج أن تقال ، نطقها تصلب فكه ، صرخت بها قتامة نظراته .
تأملت الناظر بشرود للأمام .
قمر ظهر لها جانبه المدمي الدامي .
أحنت رأسها و هي تسمعه يتمتم بهدوء :
- أنت بالذات ظننتك ستفهمينني نادية ؟
- أنا أفهمك آصف ، ردت بخواء و كأنها تنفصل جزئيا عن ذاتها ، أنت تريد أن تقفل الجرح القديم
لكنك ستفتح جراحا جديدة في قلوب لا ذنب لها و الأهم ستعيد كل الماضي لقلب ماما ميرفت و هي لم تنس أصلا .

راقبت انفراج شفتيه بوعد جديد للكلام فقاطعته تقول بنفاذ صبر :
- أنت تقول أنك أجبرتها .
أجبرتها على ماذا آصف ؟
أنت أعطيتها فرصة الحياة مع رجل مثلك و أنا أعرف عما أتكلم حين أقول رجلا و مثلك .

بدأت ابتسامة مقتضبة تتشكل ببطء على زاويتي شفتيه حين أوقفت توسعها نظراتها داكنة الطعم و هي ترفع عينيها و تقول له بجمود :
- ببساطة أنت تريد أن ترضي من لا يرضى و ستخسر من يتمنى لك الرضى .
- نادية ، همس بقلق لكنها اكتفت بهز كتفيها بقوة كأنها ترغب بنفض ذراعه عنها و استمرت تقول ، ساكنة ، بعيدة .
- و على فرض أني تفهمت و وافقت هل تعتقد أني سأقدر أن أعيش بين ذراعيك و أنت تفكر بأخرى و أنا معك .
- ما هذا الجنون نادية ؟
- جنون آصف ؟ هزت كتفيها ثانية كأن لمساته تلسعها .
ماذا عن رجل يظن أنه يقدر أن يقسم نفسه بين امرأتين ؟
- نادية أقسم لك أني لم و لن أفكر بأي أخرى و أنت بين ذراعي أبدا ، أبدا نادية .
لن أقدر حتى لو أردت .
- و حتى متى هذا الحال ؟
هل تقدر أن تعدني أن لا تتداخل صورتها مع صورتي داخل قلبك ؟
- أقدر و أقسم لك بالله أنه لن يحصل .

ضرب بقبضتها على صدره عدة مرات قبل أن يرفع يدها إلى شفتيه يقبلها و يهمس :
- أصلا نادية أنت تحتلين هنا مكانة لم تصلها هي أبدا .
و لن تصلها .

صيغة المستقبل لم تطمئنها فالباب مفتوح على مصراعيه أمام دنيا من الألم الكبير الغازي .
- و لن تناديني باسمها أبدا ؟
لأني سأموت لو فعلتها آصف ، رفعت نحوه عينين تصرخان توسلا و رجاءًا ، سأموت من المرة الأولى لن تحتاج أن تكررها .
- أنا أحبك نادية ، كرر و هذه المرة أحست فيها طعم الهرب .

أخطبوط من الألم تلوى بداخلها ، كل من أطرافه تعتصر جزءًا من قلبها فأغمضت عينيها التين هجرتهما كل الدموع .
- أقسم لك بربي أنه لن يتغير أي شيء بيننا نادية .
صدقيني حبيبتي
صدقيني
صدقيني

كانت تهز رأسها لا تدري هي نفسها إن كان نفيا أو تأكيدا .
كل ما تعرفه أن الحرمان الآن يرتجف بين أضلعها و هي لا تتصور صدرها خاليا من أنفاسه .
الرجفة استولت على كامل جسدها فشعرت به يحتويها بين ذراعيه ، يضمها و يحضنها .
شفتاه تتحسسان نبض عنقها و يداه يعيدان اكتشاف أسرار جسدها .
قربها ألهب عطشه الحارق لها
لنادية التي يعرفها كما لم يعرف امرأة من قبل ، زوجته ، أنثاه .
- افتقدتك نادية ، افتقدتك حتى الموت .

لامستها نيران جسده الراغب لكن لم تستفق ذرات أنوثتها من جمودها كأن هناك شيء ما مات بداخلها ؟
- آسفة لن أقدر أبدا الليلة
- لا بأس نادية ، فقط نامي على صدري ، هذا كل ما أريده .

مرغ وجهه داخل بساتين عنقها و تمتم كأنه يستغيث :
- دعيني أغرق داخل أحضانك نادية
لم أذق نوما طوال الليالي الفائتة .

*************

جولتا likes this.

نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 07:37 PM   #1158

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي


ببطء تتحرك يدها على بطنها و بداخل قلبها تتعالى دقات الحنين .
نبضة تعانق نبضة ، تتسابق صارخة بحروف اسمه فتتنفس بصعوبة و تطلق تنهدا عميقا تكبت به رغبتها الدائمة المريرة هذه الأيام الأخيرة في البكاء .
شعرت بتنميل يركض فوق بشرة ساقها فمالت لجانبها الأيسر و مددت رجلها التي كانت مثنية تحتها في محاولتها المائة لإيجاد وضعية مريحة لجسدها لكن الأخير يأبى إلا مشاركة الروح في تألمها و قلقها .
- بريهان حبيبتي ، أنت بخير ؟

التفتت نحو مصدر الصوت الخافت فقابلت وجه أمها المجعدة الجبين بتعبير قلق شفاف :
- بخير ماما لا تقلقي ، فقط جلد بطني مشدود جدا ، تنفست بصوت مسموع و أضافت بتعب ، أشعر كأني أرتدي جسدا ضيقا علي و هذا يجعلني أتنفس بصعوبة .

جذبت نفسا آخر عميقا ثقيلا و وضعت يدها على بطنها و بحركة تلقائية وضعت أمها الجالسة مقابلة لها هي الأخرى يدها على بطنها فضحكت بريهان رغم كل ما هي فيه .
أي نعم ضحكة طعمها مر لكنها تبقى ضحكة بعد ليال صحراوية الجفاف روتها بسيول دموعها .
شحب وجهها و هي تعود لتتذكر و ذابت ضحكتها القصيرة لتتبلور لشهقة خافتة لم تلحظها أمها .
مدت يدها بسرعة تمسح زاويتي عينيها ثم سعلت مرتين تخلص حلقها من غصته و قالت :
- ماما ، من فضلك أريد منك أن تبقي أوس لديك هذه الليلة أيضا .
- حرام عليك يا ابنتي ، هتفت أمها فورا بينما عيناها تتنقلان من وجهها لتعانقا بأسى جسد الصغير القابع في حجر سنية ، تقلب أمامه كتابا مصورا و يتأملانه معا .

التفتت جلنار نحو وجه بريهان الشاحب و قالت بعتب و هي تهز رأسها :
- هذه خامس ليلة تتركينه لينام هنا و الولد يستيقظ كل ليلة و حين لا يجدك يبكي .
- ماما أنا لا أسكن في المجرة المجاورة ، تأففت نبرات بريهان بضيق و هي تميل على جنبها الآخر .
بيني و بينكم جدار ، حين يستيقظ أخبرتك أن ترسليه لي مع سنية و تركت لك المفتاح .
- و لماذا لا تلخصين الموضوع و تأخذينه من الآن ؟
عشاء و تعشى ، لعب و لعب مع سنية حتى داخ ، كل ما ستفعلينه له أنك ستضعينه داخل سريره و تثرثري معه قليلا قبل النوم .


تنهدت بريهان و أشاحت بوجهها تخفي رفضها و معه ألم قلبها .
هي لا تقدر ، ببساطة لم تعد تقدر الآن على العطاء حتى لو اقتصر على مجرد حكاية صغيرة قبل النوم لطفل صغير بريء .
لا تقدر على تحمل التعامل مع قطعتين منه واحد أمام ناظريها و الآخر يسكن دفء رحمها و هي محرومة من قربه هو .
تعجز هذه المرة على القبول بأنصاف الحلول فإما الكل أو لا شيء .
تلقت ركلة قوية من جنينها فنظرت إلى بطنها بعبوس ثم مدت يدها تربت على موضع الركلة برفق بينما ملامحها تلين بحنان طغى على بؤسها .
جلنار التي كانت تراقب كل خلجاتها أثارتها حركة ابنتها الأخيرة فعادت لتهز رأسها و قالت بنبرة هجومية :
- حرام عليك ، شددت عليها و هي تنطقها و كأن ضمير ابنتها يحتاج المزيد من الألم .
ألا يكفي أن أباه غائب منذ عشرة أيام من أجل مؤتمره الطبي لتأتي أنت و ترفضي مبيته بجانبك .

نظرت إلى الصغير و ملامحها تظلم بطيف من الحزن ثم همست بلوم :
- كيف من المفروض أن يشعر الآن ؟
أكيد يشعر بالنبذ المسكين الصغير .
- يكفي ماما يكفي ، يكفي ، انفجرت بريهان دون أية مقدمات .

و أمام نظرات أمها التي اختلط ذهولها بشيء من الاستنكار قامت تسبقها شهقاتها و سارت بخطوات مهتاجة رغم ثقل حملها و ما إن وصلت مكان أوس حتى انحنت برعونة و أمسكته بقوة كأنها تقتلعه من حضن سنية و استدارت لتبدأ السير به نحو الباب .
تحركت فقط خطوتين حين اختطفته أمها من بين ذراعيها و هي تردد للمرة الثالثة :
- حرام عليك .
أفزعت الطفل .

نظرت إلى عيني الأخير المتسعتين المصدومتين و همست بشفقة :
- قطعت عنه النفس المسكين .

مدت بريهان يديها تنتزعه منها و هي تقول بصوت خرج تماما عن نطاق سيطرتها فتحول إلى شبه صياح :
- يكفي ماما ، يكفي ، يكفي .
أرجوك يكفي .
أتركه فلا يعجبك ، آخذه فلا يعجبك أيضا .
لا أدري ما الذي علي فعله كي ترضي .

انقطعت أنفاسها فتوقفت دفعة واحدة عن الكلام و أغمضت عينيها بينما ترفع يدها تضعها فوق صدرها الذي أخذ يتشنج مرتفعا منخفضا بفعل قوة شهقاتها .
- لا أدري ما الذي تتوقعونه مني جميعكم ؟
أنا بشر ، بشر لست ملاكا ، لست منزهة عن الخطأ .
- بريهان ، حبيبتي ، اتسعت عينا أمها بقلق مذعور و هي لأول مرة منذ سنوات كثيرة ترى بوادر هستيريا ماضية في بكاء ابنتها المتقطع المختنق.

فجأة و دون إنذار وجدت نفسها في قلب الماضي ، في لب تلك الأيام القاتمة الحالكة السواد .
ترى ابنتها أمام عينيها تخلع رداء الرصانة و ترجع لتكون تلك الصبية التي بالكاد بدأت خطاها داخل دنيا شبابها ليهبط عليها القدر و يثقل قلبها و سنواتها الغضة بمصيبة الفقد .
دمعت عينا جلنار دون وعي منها و هي تلمح ظل الفتاة القديمة يلوح بين الدمع و الوجع .
هزت رأسها بقوة ثم تقدمت خطوة و ضمت ابنتها المرتجفة بشدة إليها كأنما لتسكن انتفاضة روحها في دفء حضنها الحاني بينما شفتاها تتمتمان :
- اسم الله عليك حبيبتي .
اهدئي يا قلبي ، اهدئي من أجل طفلك .
- أوس ليس فزعا مني ماما ، همست بريهان و هي تسند رأسها إلى كتف والدتها .
- أنا أقصد الذي في بطنك يا ابنتي ، مدت جلنار يدها و هي تتكلم و أخذت الطفل الفاغر الفم و العينين يتأمل بعدم فهم وجه بريهان المتألم الباكي .
هاتي الصغير حبيبتي ، لا بأس اتركيه عندي من الليلة و صاعدا حتى يعود أبوه .

أبعدت ابنتها عنها بلطف و التفت ذراعاها حول الطفل تحضنه إلى صدرها ثم مضت به نحو المطبخ و هي تتمتم بحنو :
- تعالى معي حبيبي لتشرب قليلا من الماء .

تنهدت و واصلت تبرطم و هي تلوي شفتيها :
- لا أدري ما هذه المؤتمرات التي تدوم أكثر من أسبوع و تجعل رجلا يترك زوجته وراءه و هي في هكذا حالة .

كلماتها الخافتة وصلت بريهان الواقفة تستجمع أنفاسها فشقت ما تبقى من صبرها نصفين .
برأس مطرق توجهت نحو الباب ثم غادرت شقة والدتها إلى شقتها الخاصة ، دخلت فحادت عيناها تلقائيا نحو غرفة مكتبه .
الباب المغلق صفع نظراتها الباحثة عنه فأشاحت بوجهها بعيدا عنه كأنما تهرب إلى …
إلى الماذا ؟ و هو قد أخذ معه كل شيء .
ارتفعت يدها بسرعة تكتم شهقات أخرى على حافة الانفجار .
الصمت الثقيل حولها ذكرها بأنها لوحدها ، مجددا لوحدها فجلست ببطء تسند رأسها لظهر المقعد و تعطي إذن البوح لأسرار قلبها .
تنهدت بمشقة وهي تتذكر المرارة المحترقة في زفراته الطويلة التي أطلقها يوم رحل عن البيت .
ما الذي يحدث له ؟
ما الذي قصرت هي فيه تجاهه حتى يتفنن في عقابها بهذه القسوة ؟
لم لم يتكلم معها ؟ لم لم يناقش ، يعترض ، يصرخ ، لم لم يواجهها ، لماذا اختار الهروب ؟
هل يظنه أقل ألما مما كان سيقوله لها ؟ أم تراه يعتقد أنها تتأذى بهجره ؟
أنها صارت محصنة و منيعة ضد ضربات الزمن ؟
هل طول التظاهر بالتماسك أمامهم جعلهم جميعا يستكثرون عليها الحق بالانهيار ؟
هل يتوقعون فعلا منها أن تكون بتلك المثالية ؟
إذن هي آسفة ، آسفة بشدة لتخييب أملهم لكنها الآن لا تعدو كونها امرأة باكية مُرّة مبتورة .
رفعت يدها تضعها على موضع قلبها و حلقها يغص بالمزيد و المزيد من شهقاتها .
أيامها بعد ذهابه صارت مملة ، خانقة ، كسولة الدقائق كأن منبه روحها ضبط على دقات وجوده معها .
مدت يدها إلى هاتفها الملقى بجانبها و بدأت تكون رقمه بأصابع مرتجفة ألما ممزوجا بشوق .
لحظات طويلة قفزت نبضات قلبها أثناءها بجموح فرس لم تروض ثم أتتها نبراته بطيئة متمهلة :
- مساء الخير .

هزت رأسها دون شعور بينما شفتاها تنحنيان ببؤس و هي ترد عليه تحيته باضطراب ثم انهار جدار تماسكها كعادتها كل ليلة و وجدت صوتها يتحول لدموع ناطقة و هي تهمس له بتوسل :
- متى ستعود نديم ؟
أنا أحتاجك و أوس يحتاجك ، أرجوك نديم عد قريبا بل الليلة ، حالا نديم لو استطعت .
أرجوك أرجوك .

تهاوى صوتها فأسندت جبينها على باطن يدها بينما يصلها صوت زفرته لتتغلغل حرارتها بتمكن بين مساماتها .
- بريهان ، سمعته يتمتم فرفعت رأسها بلهفة تنتظر .
سبق و أخبرتك أني حاليا بلا أدنى فائدة لأي شخص ، أحتاج وقتا مع نفسي .

و كأنما خرجت من لهيب ساخن إلى مطر صقيعي ، ارتجفت بقوة و ارتجف معها صوتها و هي تقول له بضياع :
- حتى متى نديم حتى متى ؟
فقط لو تفهمني ما الذي حصل بالضبط ؟ أين كان تقصيري أو خطئي ؟
- لم تقصري في شيء بريهان ، صوته صار بعيدا جدا بالكاد تلتقطه ، التقصير كان و مازال مني أنا .
- لا نديم ، اعترضت ملهوفة و دموعها تسيل بسخاء كأنما تصادق على كلماتها .
أنت لم تقصر ، صدقني نديم ، صدقني أنت لم تقصر في شيء نحوي .
لا تدع لتلك الوساوس طريقا إليك فقط عد إلينا أرجوك و لا تبقى لوحدك مع تلك الأفكار .

في الجهة الأخرى ، في تلك الشقة التي اعتادها مهربا له من العالم و ساكنيه ، جلس نديم مسدلا جفنيه ، سُهد الليالي السابقة يلون بالأسود القاتم ما حول عينيه ، يزم شفتيه بشدة كأنما يحبس بينهما نداءَات شوقه اليائس بينما يشعر بقلبه يدق ، برتابة ، دون حياة كجرس معبد قديم مهجور .
هي ، ابنه و جنينه الذي ينمو بداخلها كانوا الأسلاك التي تشد روحه للحياة و الآن بعيدا عنهم ليس سوى ميت في جسد حي .
لكنه رغم ذلك لا يقدر على العودة إليها كأن لا شيء حصل ، لا يقدر على مواصلة تمني ما سبق و طُبِع بملكية غيره حتى و إن كان هذا الغير مفارقا لدنيا الأحياء .
طريقه إلى قلبها مستحيل عليه حتى اللحظة التقدم فيه ، لو يخطو سيتوجع لو يتوقف ستموت كرامته .
- بريهان ، غمغم ، صوته يقطر تعبا و يأسا ، أحتاج وقتا ، مزيدا من الوقت .
دون ضغوط ، دون إلحاح .
أنا الآن كالبركة المعكرة ، أحتاج وقتا لأصفو .
- حاضر نديم ، تمتمت و خفوت نبراتها يعلن الاستسلام ، خذ وقتك حاضر .
لن ألح عليك و لن أزعجك بعد اليوم .

سكتت و هي تمسح دموعها بكف ازداد ارتجافها .
- سأواصل الاتصال بك فقط لأطمئن عليك .

سمعت تنهده الثقيل فأضافت و هي تريد بيأس المد في زمن الاتصال بينها و بينه :
- كيف حالك اليوم ؟
- بخير بريهان ، بخير .
- و أنا أيضا بخير و الحمد لله ، قالتها على سبيل العتاب فرد عليها بصمته .

جف نبع كلماتها فسمعته بعد لحظات يقول :
- تصبحين على خير .
- و أنت من أهل الخير نديم .

عضت شفتيها و أغمضت عينيها بألم ثم همست بتردد :
- سأشتاقك فوق الوصف .

رد على كلماتها بصمت طويل شعرت خلاله بروحها تحلق نحو روحه قبل أن يكسر صوته أجنحتها و هو يصلها هادئا مغلفا بكثير من الرسمية :
- سأتصل بك صباحا .

**

في الغد ، وقفت تتأمل جدران المختبر في الشركة حيث تعمل و هي تتساءل حتى متى تمتد فترة الصباح .
تأملت الهاتف تشاهد الأرقام المصطفة تعلنها الحادية عشر و هو لم يتصل بعد .
بدأت تكون رقمه لكن تيبست يدها و كلماته ترن بتقريع داخل عقلها ( دون ضغوط ، دون إلحاح ) .
- اصبري بريهان ، تمتمت تأمر نفسها و هي تغادر المختبر تبحث عن أي شيء مفيد لتفعله .

الساعات التالية بعثرت ما تبقى من ذرات صبرها لذلك ما إن دخلت شقتها بعد عودتها من دوامها حتى تناولت هاتفها تكون رقم رشا .
- بريهان ، مساء النور ، كيف حالك حبيبتي .
ردت عليها الأخرى بمرحها العفوي لكن بريهان عجزت عن الابتسام .

بصوت لم يغادره اللهاث ، ردت بارتباك :
- الحمد لله و أنت و الدكتور شوكت و الأولاد ؟
- كلنا بخير حبيبتي شكرا .

ترددت و اهتزت ثقتها قليلا ثم قالت :
- هل أقدر أن أكلم الدكتور شوكت بعد إذنك ؟
بخصوص نديم ، أضافت مختنقة بحرجها .
- طبعا حبيبتي ، طبعا وصلها صوت وقع خطواتها قبل أن تسمعها تضيف ، في الواقع بيري كنت سأتصل بك لكنك سبقتني .
شوكت أخبرني أنه ربما كنت أنت و نديم تتعرضان لبعض الصعوبات و أردت أن أساعد .

لم تجد بريهان إجابة مناسبة فاكتفت بالصمت في حين تعالى صوت رشا من الناحية الأخرى للهاتف تنادي زوجها بإلحاح .
وصل بريهان صوته المتأفف اللاذع قبل أن تسمعه يسرح صوته حين أخبرته رشا هويتها ثم يقول بترحيب هادئ :
- مدام بريهان ، كيف حالك ؟
- الحمد لله دكتور شوكت و حضرتك ؟
- الحمد لله .

شعرت بحاجز من التردد يعلو بينهما سرعان ما تجاوزته هي لتستفسر منه بثبات :
- أظن دكتور أنك تعرف بشأن نديم .
- نعم .

هزت حاجبيها و هي لا تفهم إن كان يقر أو يسأل .
- نديم غادر البيت و موجود الآن في شقة أحد أصدقائه و ..

سكتت فأقر هو بهدوء :
- أعلم .
- لماذا دكتور ؟ لماذا عاد ليهرب ؟

حركت رأسها بيأس ثم استمرت تقول محاولة السيطرة على تدفق كلماتها :
- هل انتكس ؟
هل اشتكى لحضرتك مني ؟ من حياته معي ؟
- نديم لا يشكو أبدا مدام بريهان .

كلماته البسيطة عزفت لحنا لم تجربه قبلا على أوتار روحها .
وخزها قلبها بين ضلوعها فهمست محتارة حتى عن إدراك أحاسيسها :
- أنا فقط لا أستطيع فهم ما يحدث معه الآن بالذات .
- الآن بالذات ؟
كلماتك تعني أن هناك شيئا ما استجد بينكما مدام بريهان .

رنة التحليل النفسي بين نبراته أزعجتها بشدة و قبل أن تعي تمرَّدَ صوتها ينطلق باستهجان خافت :
- لم يحدث شيء بيننا دكتور ، لم يستجد أي شيء أؤكد لك .
ما قصدته هو أني لم أتصور أن نديم سيعود للخلف بعد أن تخلص من حمله .
- أي حمل مدام بريهان ؟

تنهدت و جفناها ينسدلان ببطء ليتسلل بينهما مشهد نشيجه بين ذراعيها منذ أشهر قليلة .
ناظرة إلى الأسفل بدأت تتمتم و هي تنتقي كلامها بحرص :
- منذ فترة تكلم نديم عن ذلك اليوم .
يوم الحادثة .
- نديم تكلم معك عن الحادث ؟
ما الذي قاله لك مدام بريهان ؟

صمتت قليلا تهضم شكه المستفز ثم همست :
- حكى لي عن مشاعره وقتها و كان متأثرا جدا .
- اممم ، تمتم بعد صمت .
من المفروض أنها خطوة جيدة .
- هذا ما اعتقدته أنا أيضا دكتور و نديم تحسن كثيرا بعدها ثم لا أدري كيف عاد لما كان عليه .

اضطربت أنفاسها داخل صدرها تترجم حيرتها ، ترددها ، حرجها ثم علت أمواج يأسها تهزم تحفظ طبعها فوجدت نفسها تقول :
- هل تعتقد حضرتك أن قرار الحمل الآن كان خاطئا ؟

جف حلقها و هي تسمعه يهمهم بغموض قبل أن يقول أخيرا بعملية صريحة :
- أعتقد ذلك نعم .
أكيد مع تقدمك في أشهر الحمل ، تقترب لحظة المواجهة بالنسبة لنديم .
فالمأساة كانت مرتبطة بشكل أو بآخر بولادة إيمان ، سرح صوته بحرج ثم أضاف ، الدكتورة إيمان والدة أوس .

تغاضت بريهان عن العنف المفاجئ الذي خفق به قلبها للاسم و قالت تعترف شبه لاهثة :
- لا أفهم دكتور .

تنهد شوكت بعمق ثم تمتم :
- وقت الحادثة كان أوس في المستشفى داخل الحاضنة الصناعية و كانت حالته حرجة لدرجة أنهم لم يتوقعوا له النجاة .
لذلك لك أن تتصوري حالة نديم وقت الحادثة .

بانتهاء كلماته ساد صمت متأثر ثقيل غاب خلاله صوتها حتى صدى أنفاسها اختفى و انعدم .
- مدام بريهان ؟ ناداها شوكت بعد لحظات من الاحترام التام لسكوتها المصدوم .

لم تجبه فأبعد الهاتف ينظر إلى الشاشة بشك لكنه رأى أن المكالمة مستمرة فأعاده جوار أذنه و تمتم ثانية ، هذه المرة بأكبر قدر من المراعاة :
- مدام بريهان ؟ أنت بخير ؟

وصله صوت تقطع أنفاسها فهز رأسه و هو يعي أنها تبكي بصمت :
- مدام بريهان ؟
- لم أكن أعرف دكتور شوكت ، ردت عليه أخيرا صوتها متحشرج موجوع ، لم يخطر لي أن أسأل ، لا أعرف كيف .
لكني الآن أفهم .
كنت أنانية و تسرعت كثيرا في هذه الخطوة .
كان يجب أن أفكر في وضع نديم أكثر .

بكاؤها الذي ارتفع بصراحة خنق ما تبقى من كلماتها فعاد شوكت ليتنهد بقلة حيلة قبل أن يسمعها تواصل بهمس متكسر :
- أنا أريد رؤيته دكتور شوكت .
من فضلك ، أرجوك .

أطرق شوكت برأسه أرضا يراقب قدمه التي تدق برتابة على السجاد ثم تمتم بلطف :
- سأرى ما يمكنني فعله مدام بريهان .
في الأثناء اذكري الله و فكري في الطفل و لا تضغطي على نفسك و أعصابك .
- حاضر دكتور ، سأنتظر اتصالك .

كانت شاردة لدرجة أنها لم تسمع تحيته و لا رنة إنهاء المكالمة و لا صوتها وهي تهمس مغمضة العينين بألم : نديم .
أفاقت من شرودها على صوت تقريع ضميرها فرمت الهاتف من يدها و سارت نحو الباب تكاد تركض ، بلهفة ، بشوق ، بحنين هادر .
تخرج من شقتها و تدخل بعد لحظات قليلة شقة أمها .
خلال ثوان وجدت نفسها داخل الصالون ، انحنت تقبل خد أمها دون تركيز ثم التهمت المسافة بينها و بين أوس لتتلقفه في حضنها ، تضمه بقوة لصدرها و هي تغمغم لائمة بشدة لذاتها و نادمة :
- حبيب ماما ، أنا آسفة ، آسفة .
آسفة جدا ، نفثتها حارة كأنفاسها و هي تمرغ شفتيها بين خصلات شعره .
منذ الليلة ماما بريهان لن تترك أوس ثانية أبدا ، صدقني حبيبي ، صدقني ، أمطرت وجهه قبلات و هي تواصل همسها ، أبدا حبيبي أبدا لن أتركك .
و لن أتركه هو أيضا ، بعد اليوم لن أتركه .

***************

تتمة الفصل الثلاثين

جولتا likes this.

نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 07:46 PM   #1159

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل الواحد و الثلاثون



على الأريكة الرئيسية ، في الزاوية اليسرى لصالون شقة نديم و بريهان ، تجلس الفتيات ، متقاربات جدا ، يتململن من حين لآخر فتتصادم ركبهن .
تدور بينهن الحلويات المنزلية الصنع و بين لحظات المضغ الرتيبة ، تنزلق من بين الشفاه بعض الجمل دون أن تمر على القلوب ، خالية من الحماس ، عارية من الشغف .
دقيقة تسحب وراءها دقيقة فتمتلئ المعدة لكن تظل أرواحهن جائعة للدفء .
على الشاشة المسطحة الكبيرة المقابلة لهن ، تمر اللقطات المتتابعة لأحد أفلامهن المفضلة و على سطح أعينهن الفاقدة البريق تنعكس صورة الابتسامات و الدموع فلا تجد لها سوى صدى خافت جدا من حنين ماض عتيق داخل قلوبهن .
أخيرا ارتفع صوت إيثار يتجاوز حنجرتها المغلقة و يهز طيور الوحشة القابعة على أكتاف ثلاثتهن :
- طبعا ستطلبين الطلاق .

فزع قلب نادية من شروده و عاد تزعزع حواسها ليمسح بفرشاته الصقيعية على وجهها .
شحوبها المتزايد أيقظ مشاعر حمائية لم تغف يوما داخل قلب بريهان فنطقت دون تفكير ، صوتها يعلو دون وعي :
- إيثار !!
- ماذا ؟ جعدت الأخيرة ما بين عينيها بتحد ، هل ما قلته عيب و لا يصح ؟

التفتت نحو نادية الساهمة النظرات و أضافت :
- ما أستغربه هو ما سبب انتظارك حتى الآن ، هل تأملين مثلا أنه بطوال المدة سيألم لألمك ؟ سيتأثر بوجعك و يغير قراره ؟

كلا ، تكلم قلب نادية حين عُقد لسانها .
هي لا تنتظر أي شيء منه ، تنتظر كل شيء من نفسها .
فهل يحتلك و يستبيح مساحاتك آخر لو نفسك أرادت الحرية ؟
تمتمت إيثار برفق و هي تمسد بيدها الرقيقة على كتف نادية المتخشب :
- اختصري على نفسك العذاب حبيبتي و اطلبي الطلاق اليوم قبل الغد .

فتحت نادية شفتيها أو ربما فقط خيل لها لأنها في اللحظة التالية كانت تستمع إلى بريهان تجيب بدلا عنها :
- و لماذا تطلب الطلاق ؟
- و هل ترك حضرته خيارا آخر أمامها ؟

بكل هدوء ، ردت بريهان بعد أن أنهت رشفة طويلة متمهلة من فنجان شايها :
- ترك لها خيار البقاء على ذمته .
- يا سلام على الكرم و الشهامة و الرجولة ، ترك لها شرف البقاء على ذمته الكريمة مع… أخرى !!

رن الغضب الحاد بوضوح بين نبرات إيثار قبل أن تدير وجهها بينهما مرتين و أمام هدوء بريهان الذي رأته برودا و إزاء سكون نادية الذي ترجمته استسلاما عربد الغضب بداخلها و نفر عرق رقبتها كأنه يرقص على جنون إيقاعه .
- حقا لا أفهمكما بنات !! ما الذي يحصل معك أنت و هي ؟ توترت أنفاسها بوضوح و هي تضيف بصوت لاسع و قد برقت عيناها ، هل فاتني شيء من القصة ؟

تنهدت بريهان بقوة في حين ظلت نادية على بعدها الملموس .
- ردا علي بنات من فضلكما ؟
- إيثار حبيبتي ، تكملت بريهان بنفس الهدوء ، هل تعين ما تطلبينه منها ؟
- تريدين منها أن تطلق منه ؟ أن تهد حياتها معه ؟ هل هذا هو الحل ؟
- نعم أعي ما أطلب منها بيري ، تحفزت إيثار في جلستها و تقلصت أصابعها على جلد الأريكة فبدت كمخالب طير صغير جارح .
تهد حياتها التي لن تكون حياة معه لتعود و تبنيها مع غيره .
- إيثار ، تمتمت بريهان الجالسة على شمال نادية بينما يدها تمر صعودا نزولا على ذراع الأخيرة الهامدة ، نحن هنا نتكلم عن حياة بين اثنين ، عن عروة وثيقة ، عن ميثاق غليظ كما وصفه الخالق و لا كلام يعلو فوق وصفه .
ميثاق .. غليظ ، فهمت إيثار ، و هو بعد كل شيء لم يفعل حراما أو منكرا ، هذا شرع الله الذي لا نقدر على نكرانه أو استئصاله أو ...
- هل كنت ترضينها لنفسك بيري ؟ قاطعت إيثار و الغضب بداخلها يتوحش .

للحظة تعطل عقل بريهان و تلوى قلبها كأنما تلقى صعقة كهربائية تفوق احتماله و مع ذلك حافظ وجهها على تماسكه ، فقط رفيف رموشها السريع فضح ما خبأته من توترها .
- نعم كنت لأرضاها لنفسي إيثار ، قالت بعد أن أغمضت عينيها بقوة لمدة ثوان طويلة ، أي شيء إلا الطلاق من نديم و الافتراق عنه .
- لا تقولي لي بريهان أنك من المطبقات لذاك المثل الحقير " ظل رجل و لا ظل حائط ".
- نعم ، ردت بريهان بتصميم بارد ، حين يكون ظل رجل مثل نديم فنعم نعم و نعم ، ظل رجل مثله و لا شمس ألف رجل غيره .

مدت يدها تحضن بها كف نادية المرتخي و أضافت :
- لذلك أنا أتفهم نادية و أشعر بها أكثر من أي شخص .
- واضح فعلا ، قلبت إيثار شفتيها بقرف بينما قلبها يغوص في بركة غائرة من المرارة .
واضح أنك تشعرين بها جدا ، أشارت بيدها إلى الجالسة خاملة الجسد و الملامح بينهما و احتد صوتها و هي تضيف ، البنت تموت في مكانها و أنت تقولين أنك تشعرين بها !!!

مرة أخرى تغمض بريهان عينيها ليس فقط طردا لتهجم إيثار غير العادل لكن تجنبا لرؤية عيني نادية
الزجاجيتين كأنها دمية بلاستيكية بلا روح و لا إرادة .
- نعم أشعر بها ، كررت ببطء و إصرار و يدها تضغط و تمسد على كف نادية المثلج ، أشعر بألمها الحاضر والقادم لكن المشكلة أنها تحبه و أنه رجل لا يعاب .
- و هنا كل المشكلة ، هتفت إيثار في غيظ انطلق مفرقعا في وجههما بجنون ، المشكلة في أنها تحبه ، تحبه .
لو لم تكن تورطت في حبه لم أكن لأمانع في أن تحسبها بعقلها و تبقى معه .

رفعت يديها إلى الأعلى ثم هوت بهما على مكانهما السابق في الأريكة بعنف و هي تقول بينما تهز رأسها في يأس و عدم تصديق :
- لاأعرف كيف تفكرن يا بنات لكن الزواج بالنسبة لي ليس سترا و غطاء كي أقتسمه مع غيري .
الزواج بالنسبة لي رباط من دم و قلب و روح و لا أقدر على اقتسام هذا الرباط لأني ببساطة سأنزف حتى الموت .

أنزف ، قطبت نادية جبينها قليلا و الكلمة تضرب جدار وعيها الخامل بقوة فتخلخله .
أنزف ، اتسعت عيناها و افترت شفتاها عن الكلمة بصوت غير منطوق .
أنزف ، الكلمة تمشت بتمهل داخل طرقات وجدانها حتى تلملم صورا كثيرة مشتتة حتى تكون فيلم قصير من قصاصات الذكريات .
مواصلة الجلوس بينهما ، شديدة السكون ، رأت نفسها طفلة ، في التاسعة ، ممددة على سرير طويل بارد ، داخل غرفة العمليات ، في ذلك المستشفى ، في تلك الدولة الأوروبية حيث عمل والدها لعقد و نيف من الزمن .
و تماما كما حالها الآن ، قبعت في سكون ، مخدرة الجسد ، يقظة الوعي ، تستمع إلى الأصوات المناقشة لحالتها هي و لا تتدخل .
بلغته العملية تكلم ذلك الطبيب و يده الباردة تمسح بمجس جهاز الصدى على كامل بطنها :
" الطفلة تحملت ألم الزائدة في صبر عجيب حتى التهب بشكل خطير ، انظري إلى هذا الورم هنا ، شكله مخيف أليس كذلك ؟ لو كانت انتظرت ساعات أخرى لكان انفجر داخلها "
" يا إلهي !! "
" لذلك أعطانا الخالق خاصية الألم ، عاد صوت الطبيب و يده تضغط على جانب بطنها ، خلقه كي ينبئنا بوجود مشكلة ، تصوري لو أن هذه الطفلة تحملت أكثر كانت لتموت ربما "
شعرت بشيء يسري بسرعة فوق جلدها كظفر متلصص بارد فنظرت حينها إلى المرآة المستديرة العاكسة التي كانت فوقها ، كانوا قد نسوا تعديل وضعها فصار بإمكانها أن تراهم و هم يشقون بطنها بالعرض لإزالة الزائدة المتورمة .
خفتت الأصوات في أذنيها و تركيزها كله ينخطف للمشهد الذي تراقبه ..فوقها .
المشرط يمر ببطء واثق ، يمزق الأنسجة الحية بينما الجسد مشلول ، عديم الشعور .
العين تراقب و المخ لا يستقبل أية إشارات ألم من النهايات العصبية المخدرة فيرسل لها بغباء إحساسا زائفا بالطمأنة ، بأن لا وجع ، لا شيء سيء يحصل لها ، بأن كل شيء بخير .
و باستسلام دائخ استمرت هي وقتها تشاهد و تراقب بتباعد و غربة كأن الجسد الغائص فيه المشرط لا يخصها .
تماما مثل حالها الآن و هي تسمعهما ، بريهان و إيثار تتحدثان عنها ، تحللان جروحها و تقيسان ورم احتمالها .
كلامهما عنها و كأنها غائبة غير موجودة له ذات تأثير ذلك البنج ، كأن ما حولها صار ضبابيا جدا فتاهت خلاله كل التفاصيل و غاب الألم .
و لم يعد هناك أي شيء مهم .
استمرت إيثار تتكلم فيغوص المشرط أكثر و تبدأ أعماقها بالتعري أمام عينيها .
- ستكون هناك تلك الليالي التي يهجرها فيها إلى حضن الأخرى ، سيتركها وحيدة جسدا بلا روح ، ستشتعل هي قهرا بينما يشتعل هو اكتفاءًا .
- ستكون هناك أيضا الليالي التي يكون لها فيها وحدها بينما تظل الأخرى وحيدة تأكلها غيرتها ، ردت بريهان برصانة .

دون هوادة واصلت إيثار و معها المشرط يشق و يشق :
- ستكون هناك تلك اللحظات التي يشرد فيها فلا تعرف أبدا إن كان مجرد شرود بريء أو هو تفكير في الأخرى .

برصانة أقوى واجهت بريهان كأنها تخيط الجرح المفتوح المكلوم :
- ستعرف كيف تخرجه من شروده مهما كان سببه و تعيده لها ليكون خالصا لها هي .
- هه، استخفت إيثار بصوتها و بهزة من كتفيها ، صدقيني لو رضيت بمشاركة أخرى فيه فلن تهنأ بلحظة واحدة يكون فيها خالصا لها .

المشرط غاص عميقا ، عميقا و ذلك الورم المحاط بكتلة من الأعصاب المرابطة حوله تفجر و بدأ النزيف .
- ستتعود ، أكدت بريهان و هي تتململ بعصبية واضحة في جلستها .
- تتعود على ماذا ؟ على ألم الغدر ، على ذبح الشك المستمر .

نفخت بريهان في نفاد صبر ملحوظ لكن إيثار لم تتوقف .
- يكفيها جرحا أن تفكر كيف ستكون ليلته الأولى مع الأخرى ، يكفيها عذابا أن تقضيها هي وحيدة بينما السافل يحضن و يقبل و ينهش في جسد الأخرى .

بمنتهى الهدوء التفتت نادية لإيثار نصف التفاتة و تمتمت بصوت خامل :
- من فضلك حبيبتي لا تتكلمي عنه بعدم احترام .

باستهجان ، استنكار و قلب محتقن غيظا و قهرا لوحت إيثار بيديها بعنف و هي تحتد قائلة :
- انظروا من صمتت دهرا و نطقت كفرا .
- إيثار !!

كانت هذه بريهان و قد علا صوتها هي الأخرى بغضب مكبوت .
- إيثار ، إيثار ، إيثار .
هل أنا التي سأتزوج عليها و أقتلها بحسرتها ،
زفرت عدة مرات فكأنها نفخت على نار غضبها فزادتها التهابا .
- ما بكما يا بنات ؟ ما الذي يحصل معكما بالضبط ، تتكلمان ببرود ، تناقشان بتعقل كأنه عرض عليها مثلا أن يغير محل سكنهما .
أين الغيرة ؟ أين الإحساس ؟

كانت ستضيف أين الكرامة ؟ لكنها في آخر لحظة داست فوق مكابح غضبها و توقفت تلهث بصوت سمع بوضوح وسط السكون الذي ساد .
- هل هذا وضع يقبل ؟ خذاني أنت و هي على قدر عقلي و أفهماني لأني فعلا فعلا دقائق أخرى معكما و سأقتلع شعري و أمزق جلد وجهي .

أطرقت نادية برأسها أرضا و بنفس الصوت الرتيب الخامل تمتمت :
- لا تنسي إيثار أنني ساهمت في إيجاد هذا الوضع ، كنت أعرف أن الماضي لم يحل بينهما و مع ذلك وافقت أن أغامر و أتزوجه ، هزت كتفيها و أضافت بقلة حيلة ، يعني ببساطة أنا أتحمل بعض المسؤولية فيما وصلت إليه .
- كلا ! ضربت إيثار بقبضتها فوق الأريكة بنقمة ، كلا نادية ، أنت لا تتحملين أية مسؤولية ، هو منحك راحة الشك .

صرت على أسنانها تبتلع مجموعة من الشتائم الحارقة ثم أضافت بنبرات ترتعش غيظا :
- هو المسؤول الوحيد لأنه لم يكن صريحا معك ، لم يقل لك أن هناك احتمال بأن يعود إليها ، طوال الوقت كان كاذبا مخادعا ، منحك فقط نصف قلبه بينما احتفظ بالنصف المتبقي للأخرى .

وضعت وجهها المحموم تأثرا بين كفيها المرتجفين و هي تكرر بحرقة :
- السافل ، السافل ، السافل ، عديم الرجولة ، الحقير ، النذل .
أرجوكما اتركاني أنفس عما بداخلي قليلا و إلا سأقع من طولي قهرا .

حررت نادية نفسا طويلا عميقا ثم رفعت رأسها و تنظر أمامها و قالت :
- هو يشعر بالذنب نحوي .
- كلام فارغ تافه ، قالت إيثار بحدة و هي تلف بكامل جسدها نحوها ، يشعر بالذنب و أنت ما ذنبك ؟؟
- لا يقصد أن يؤذيني .

اتسعت حدقتا إيثار و هي تمعن التأمل في هدوء نادية الشاحب ثم حطت بيدها على خدها فارتعش قلبها لبروده ، أدارت وجهها نحوها و تمتمت و قد تحول صوتها إلى همس متأثر :
- لكنه يؤذيك نادية ، ، يؤذيك جدا ، يؤذيك للغاية .

حدقت مجددا في ملامح نادية الهادئة ثم أضافت بلوم ذاهل :
- يا إلاهي !! هل أنت نادية أصلا ؟
- إيثار ، عادت بريهان لتتدخل بشيء من الحدة ، لا تضغطي عليها أكثر ، يكفيها ما هي فيه .
- يعني تعترفين أخيرا بما هي فيه ، رفعت كفيها إلى السماء و قالت براحة ملفقة ، الحمد لله ، جعلتماني أشعر بأني المجنونة بينكما .
- لا أحد قال أنك مجنونة إيثار لكن حاولي إلى النظر للموضوع من زاوية أخرى غير زاويتك .
- بيري حبيبتي ، علقت إيثار و هي تربت بيدها على كتف الأخيرة ، لا يوجد سوى زاويتين هنا زاوية الرجل و زاوية المرأة .
- توجد زاوية الزوجة ، ردت بريهان و هي تهز رأسها ناظرة إلى وجه نادية الصامت المشاعر .
- و الزوجة هي كائن جديد يختلف عن المرأة !!؟

التوت شفتاها بين يأس و استهزاء بينما أكملت بريهان بتمهل متجاهلة المد الهائج لإيثار .
- هناك أشياء خاصة جدا تحصل بين الرجل و زوجته ، ضاقت عيناها و صور كثيرة لها مع نديم تُبعث فجأة للحياة أمامها فأطرقت برأسها و أكملت ، أشياء و مواقف تصل إلى درجة القدسية لا تستطيع الواحدة منا أن تتجاهلها بكل بساطة ، ستفهمين ما أريد قوله بعد أن تتزوجي .

هزت إيثار رأسها و الصدمة تتفاقم بداخلها ثم بمرارة ساخرة قالت :
- إن كان الزواج سيجعلني بهذا الخنوع ، نقلت عينيها بين وجهي بريهان و نادية ، فكلا شكرا ، أفضل أن أبقى على حالي .

بصبر تحسد عليه ردت عليها بريهان :
- من ناحية أخرى أنت أكثر من يعرف أن نادية قبل أن يدخل هو حياتها تعرفت على أكثر من عريس محتمل و لم تجد من يملأ عينها و قلبها غيره ، هل تريدين منها الآن أن تعيد الكرة من جديد ؟ بلا أية ضمانات ؟
- و أين الثقة بالله ؟
- لكنه لم يفعل ما لا يرضي الله إيثار .
و من ناحية أخرى ..
- ما أكثر النواحي ، سخرت إيثار مقاطعة بعدم مراعاة .

تجاهلتها بريهان ، بلعت غضبها و أكملت :
- من ناحية أخرى ، سيكون صعبا و شبه مستحيل على نادية أن تنتقل إلى رجل غيره بعد أن ألفت حضنه و تعودته .
- ستتزوج بريهان !! ستتزوج ، تتكلمين كما لو كانت ستصبح عشيقة لذلك الآخر .
- و لو ، أصرت بريهان ، أنا مثلا حتى لو فرقتني الظروف عن نديم يستحيل علي أن أسمح لآخر بوضع إصبع علي .

ابتلعت ريقها ثم واصلت باستفزاز لا تعرف صدقا ما هدفه :
- تعلمين لماذا ؟ لأنني ببساطة ملكه .
- ملكه !! استهجنت إيثار دون أقنعة ، كل هذا و أنت لم تتزوجيه عن حب ، إذن لا ألوم نادية أبدا على خضوعها و إن تزوج عليها ثلاثا .
- إيثار ! علا صوت بريهان نافضا أخيرا رباط السيطرة ، يكفي ، يكفي قلة احترام و انعدام إحساس ، على الأقل راعي فرق السن بيننا و بينك .

كانت تتكلم لاهثة ، زرقة عينيها تتوهج بقوة الغضب الحر و هي تصطدم بملامح إيثار الغير المذهولة .
- إيثو ، بيري ، انبعثت نبرات نادية القلقة تحاول عبثا أن ترخي أوتار التوتر المشدودة حولهما .

فجأة قامت إيثار و بخشونة التقطت حقيبتها ثم اتجهت نحو الباب تترنح خطواتها إهانة و عدم تصديق .
توقفت و خطوة أخيرة تفصلها عن الخروج ثم همست بانكسار :
- لأول مرة بنات تجعلانني أشعر بالضآلة بينكما ، مسحت دمعتين كثيفتين عن خدها و أكملت بصوت مختنق ، و خاصة أنت بريهان .
لا أدري هل أنا المجنونة جدا أم أنتما العاقلتين جدا ، هل ما قلته خطأ ؟ هل من الغريب أن أشعر بالظلم و القهر على نادية ؟ هل أخرس و أقول أنها تستحق أن يتزوج زوجها عليها ؟ نادية ؟ نادية بالذات يا رب ؟

ضمت حقيبتها إلى صدرها بيد بينما اليد الأخرى تواصل تشتيت مسار دموعها المنهمرة .
- تعرفان شيئا بنات ؟ ربما المشكلة في أنا بعد كل شيء .
ربما أنا لم أنضج حقا ، ربما عاطفتي مازالت في طور النمو .
ربما أنا أشعر بهذا القهر بسبب افتقادي للأمان .
أنتما مختلفتان ، لديكما كل المقومات لتنافسا امرأة أخرى ، أنا لا .

هزت رأسها عدة مرات في ضياع ثم استدارت لتكمل خطوتها و تخرج .
- بيري ، همست نادية باستعطاف .

بريهان كانت جالسة جامدة ، لا إنش فيها يتحرك أو يتفاعل ، فقط شفتها السفلى ترتعش تحت تأثير تقلصات متتالية .
بعينين جامدتين راقبت إيثار تصل إلى الباب ثم فجأة هوت بوجهها إلى الأسفل و ارتفعت كفاها لتصطدما به بقوة و تخفيانه بينما أخذت تبكي و تشهق و تقول بصوت وصلهما يائسا مقطعا :
- أنا كذبت عليكما ، نديم لم يسافر إلى مؤتمر طبي ، نديم انتكس و هجرني ، تركني و هجرني .
هجرني و لم يقل أية أسباب .

**
**

بعد دقائق كن يجلسن متلاصقات ، رؤوسهن متساندة و أصابعهن متعانقة .
- بنات ، همست بريهان و صوتها لم يودع بعد بكاءه .
سنفعل ما كنا نفعله أيام زمان .
- ماذا ؟ همست بها كل من نادية و إيثار .

تنهدت بعمق و تمتمت :
- كل واحدة منا ستضع نفسها بصدق مكان الأخرى و تنصحها .
سأبدأ أنا و أضع نفسي مكان نادية ، أغمضت عينيها تجمع في عمق قلبها كل الخيوط ثم ببطء بدأت تقول ، في كلتا الحالتين حبيبتي سيكون هناك ألم ، الكثير منه لكن هناك ألم نتعود عليه و هناك ألم يطفئ فينا الروح فأي الألمين ستقدرين على التعود عليه ؟
ألم مشاركته مع أخرى أو ألم غيابه عن حياتك ؟

أغمضت نادية عينيها و شحوبها يعلن عن نفسه أكثر فأكثر فمالت بريهان نحوها و قبلت جبينها ثم واصلت بهدوء :
- و لو كنت مكانك إيثو حبيبتي لظللت وراءه حتى أعلمه أن يثق بي أكثر مما يثق في نفسه ، فقط القليل من الصبر .

مالت تقبلها هي أيضا و تقول بلطف :
- الآن دورك .

زمت إيثار شفتيها و همست و هي تحيد بنظراتها عن كليهما :
- هل أتكلم حتى و أنا واثقة أنكما ستكرهان كلامي .
- تكلمي حبيبتي ، شجعتها نادية .
- نحن لا نكره أي شيء يخصك ، أكدت بريهان و هي تميل على خدها بقبلة اعتذار خفيفة .
- حاضر ، تنهدت و نظرت إلى الأمام بتصميم ثم قالت ، سأبدأ بك بيري .
- و أنا جاهزة .
- مادام هرب منك و ليس إليك فالمشكلة تتعلق بك أو علاقتكما ليست قوية ليثق بك لذلك واجهيه ، في أقرب فرصة فالبعد يكبر الخلافات و يطفئ المشاعر .

تنفست بهدوء ثم التفتت نحو نادية ، نظرت إلى وجهها المهتم و قالت بحسم :
- سأقول ما قالته بريهان منذ قليل .
هناك زاوية أخرى لموضوعك .

ضيقت نادية عينيها مهزومة التوقعات قبل أن تكمل إيثار :
- أطفالك نادية ، أهم من عليك التفكير فيهم قبلك و قبله .
تصوري كيف سيكون شعور ابنتك و إلى ماذا ستتحول شخصيتها و هي تنشأ و تكبر تحت ظل أبيها المتزوج على أمها ، كيف ستكون نظرتها لك ؟ له ؟ و الأهم لنفسها ؟
هل ستثق بقيمتها يوما ؟ هل ستثق برجل يوما ما ؟ عدم الثقة عذاب نادية عذاب ، اسأليني عنه فأنا أكثر من تعرف .

أطرقت برأسها أرضا ثم أضافت بصوت شاحب كوجهها :
- أما ابنك منه فحدث و لا حرج ، معروف من الآن أنه سينتهج نهج أبيه و يتزوج على زوجته و تتكرر القصة إلى أن تكسرها امرأة ما برفضها .

رفعت رأسها تواجه عيني نادية المضطربتين ثم قالت دون ترفق :
- ببساطة حبيبتي أنت و هو إن اسمررتما في هكذا وضع ستصدران عاهات جديدة إلى المجتمع .

**
**

بعد فترة ، كن قد أقمن بعض الليل و عدن للجلوس في انتظار تكبيرة الفجر .
- بنات ، همست بريهان بدفء ، ما رأيكن أن تدعو كل واحدة منا بأكثر ما تحتاجه هذه اللحظة ثم نؤمن جميعا على دعوتها ؟

أومأت نادية برأسها دون كلام بينما قالت إيثار :
- فكرة جميلة ، سأبدأ أنا هذه المرة .

رفعت كفيها أمام وجهها و همست بإخلاص :
- يا رب احترت في فهم نفسي ، أسألك مستقرا و أمانا لها .
- آمين .

رفعت نادية كفيها و أغمضت عينيها ثم تمتمت برجاء عميق :
- يا رب حبه يؤلمني فأرحني به أو أرحني منه .
- آمين حبيبتي ، آمين .

انحنى كتفا بريهان و وضعت وجهها بين كفيها و همست بصوت ارتجف حبا ، التياعا و خشوعا :
- يا رب ، أرح قلبه و لو على حساب قلبي .

*******

تتمة الفصل





نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-20, 07:48 PM   #1160

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل الثاني و الثلاثون



رن الجرس عاليا ثلاث مرات متتالية فهزم صوته أزيز آلة الحلاقة الرتيب .
أفاق نديم من شروده العميق و تنهد بينما يهز رأسه بملل .
- شوكت .
قالها بضيق و هو يضع من يده آلة الحلاقة التي لم يبدأ باستعمالها ثم يستدير مغادرا الحمام باتجاه باب الشقة .
" شوكت "
تمتم ثانية في سره ، هذه المرة بلوم تخالطه راحة صريحة و هو يتأمل بشيء من الصدمة وجه بريهان الواقفة في صمت ، تنتظر إذنه بالدخول .
تراجع خطوتين مفسحا لها المجال فرفعت نحوه نظرة شاكرة ثم دخلت ببطء و نظراتها لا تترك الأرض .
أغلق الباب وراءها ثم سار قليلا حتى عاد للوقوف أمامها .
سرح صوتا علاه الصدأ من قلة الاستخدام ثم قال :
- تفضلي إلى الصالون .

تعمد أن تكون نبراته خافتة خفيضة حتى يخفي نبض الانفعال الذي يجيش به صدره .
أشار بيده ناحية اليسار لكنها لم تتحرك من مكانها بدل ذلك رفعت عينيها إليه و ظلت تنظر إليه دون حراك .
وقف مكانه هو الآخر و استسلم لتيار الموج داخل عينيها ، كم اشتاق للسباحة في بحر روحها ، للغرق داخل لجج قربها ، كم اشتاق و كم كان شاقا بعده عنها لكنه حائرا محتارا ، مجبرا غير مخير لم يستطع تجنب جرحه و جرحها بأي طريقة أخرى ، وحده طريق الهرب كان متاحا فروحه شاخت على المواجهات .
بريهان وقفت هي الأخرى تواجهه ، شيء كالندم ينتابها و هي تشعر بنفسها فجأة صغيرة جدا أمام جسده ، أمام حزنه و أمام سنواته ، ضئيلة في ثياب الدور الذي اختاره القدر لها ، أن تكون زوجته.
مستمرة بالوقوف مقابلة له ، عيناها لا تحيدان عن عينيه و لو طرفة عين ، تغوص و تغوص في دوامة تبدو لها دون قرار ، دوامة من الظلال تتوسط مقلتيه القاتمتين بها شيء يدعوها و يرجوها أن تقترب و تقسم ظهر الهجر .
لكنها لم تقدر على الاقتراب فلأول مرة منذ زواجهما تشعر به عاد غريبا .
ببطء تركت عيناها عينيه و تحركتا تطوفان بهما فوق وجهه تتأمله كأنها لم تره من قبل .
و فعلا لم يسبق لها رؤيته من قبل بهذه الفوضى .
شعره طال و ثارت خصلاته ، تدلى بعضها فوق جبينه و البعض الآخر يداعب رقبته العريضة .
من الواضح أنه اغتسل منذ وقت ليس ببعيد لأن قطرات من الماء لمعت تشق حلكة شعره .
نزلت نظراتها إلى لحيته النامية التي لأول مرة تراها بهذه الكثافة و بهذه الخشونة .
رجفة غريبة غير بريئة اهتز لها كيان أنوثتها .
كان هناك شيء بدائي ، مختلف ينبعث منه تجاهها يجعلها تود أن تقترب و في ذات الوقت تهرب بعيدا عنه و عن مجاله .
هذا الواقف منها ليس نديم الذي تعرفه ، ليس زوجها ، هذا بوضوح رجل مختلف يبعث فيها أحاسيس غجرية .
- هل جئت هنا وحدك ؟

صوته بنبراته الثقيلة سرى كهرباء مرتفعة الفولت داخل أوردتها فارتجفت دون قدرة على السيطرة و مع ذلك جاهدت ليكون صوتها متماسكا و هي تجيبه بينما عيناها تعودان لعينيه :
- كلا ، أوصلتني نرمين و زوجها و هما ينتظراننا بالخارج .

هز رأسه ثم فتح شفتيه للحظة واحدة قبل أن يعود لغلقهما كأنما انتهى رصيده من الكلام .
- نديم ، نطقتها ببطء و تردد ثم عادت و سكتت و هي تعي فجأة كما اشتاقت حروف اسمه ، كم كانت تحن لمذاقها و مذاقه بين شفتيها .

أغمضت عينيها و بحركة لا شعورية رفعت يدها تضعها فوق صدرها .
اقترب منها نديم و القلق عليها يتفوق أخيرا على صدمته لرؤيتها .
- أنت بخير بريهان ؟
- أنا بخير نديم و الحمد لله ، مسحت وجهه الشاحب بعينيها القلقتين و همست ، و أنت نديم ؟ كيف تشعر ؟

أنا لا أشعر ، تمتم بها في سره لكنه هز رأسه و قال بهدوء :
- الحمد لله .
- ستعود معي إلى البيت ؟ سألته بلهفة لم تعد تبذل جهدا لتخفيه ، أرجوك نديم ، عد معي الآن و سنتكلم مطولا عنك ، عني ، عن حياتنا ، عن أي شيء تريده المهم أن تعود معي الآن ، الصمت و البعد ليسا الحل نديم أرجوك .

سكتت و نظرت نحو يديها ، كانتا ترتجفان بوضوح كأنهما من شدة الشوق خرجتا عن سيطرتها .
كم تريد أن توقف عقلها عن التفكير و تترك المجال لقلبها و تترك عاطفتها تخطو بها إليه ، فتلقي بنفسها على صدره ، تمرغ وجهها في قماش قميصه تستقبل بنهم عطره و رائحة رجولته التي حرمها دون سبب منها .
- نديم اشتقت لك ، أرجوك عد معي ، أرجوك ، لا تبتعد عني أكثر أيا يكن السبب ، أنا ، أنا أحتاجك .

إزاء استمرار صمته سكتت خجلة قبل أن تفضحها مفرداتها أكثر ، تريد حضنه الآن و حالا ، تريد أمانه ، حنانه ، تريد قربه و شوقه تريد أن تصارحه باحتياجها الصاخب له لكنه يصعب الأمر عليها و هو يقف عاجزا عن فهم لغة صمتها .
تنظر إليه فكأنها ترى رجلا غريبا لم يقربها يوما ، ، لم يلمسها ، لم يؤثر بها و لم يتأثر .
شكله ، الهالة القاتمة التي تشع منه كل ذلك يشوشها عن رؤية الزوج الذي اعتقدت أنها تعرفه في الرجل الماثل أمامها .
كأن أيام البعد سرقته منها ،
و هذا البعد لم يكن عادلا ، هي ازدادت شوقا و هو ازداد كما يبدو لها تماسكا و برودا و إلا فكيف لا يأخذها بين ذراعيه ، كيف لا يؤوي خدها إلى وسادة صدره ، كيف لا تلين إرادته و لا تذوب نظراته أو تنصهر أنفاسه كما تفعل أنفاسها الآن داخل صدرها المرتجف شوقا .
- نديم ، همست برجاء يائس كأنها تتمسك بقوة بحروف اسمه ، الشيء الوحيد الذي ظل مألوفا منه .

تنهد ثم رفع يده إلى ذقنه يحكها ببطء بينما يقول :
- بريهان انظري إلى حالتي ، أشار إلى وجهه و أضاف ، لا أقدر على الخروج بهذه الحالة .
سأحلق ذقني و آخذ حماما ثم أضع ملابسي داخل الحقيبة ثم أعود إلى البيت .
- سأضعها أنا لك بينما أنتظرك نديم .
- كلا لا داعي ، بما أن أختك و زوجها ينتظرانك فالأفضل أن تذهبي معهما ، بالإضافة أن السيارة ليست معي .
- لا بأس نديم أنا متعودة على ركوب المواصلات .
- و أنا لا أريدك أن تركبي مواصلات و أنت في هذه الحالة .

وضع يده على كتفها و تمتم ، كلامه هادئ لكن غير قابل للجدال :
- غادري الآن و سألحق بك .

أغمضت بريهان عينيها مطولا ثم رفعت جفنيها ببطء و هي تنطق بصوت بالكاد سمعه :
- حاضر .

أنزل يده من فوق كتفها ممررا إياها على ذراعها حتى مرفقها ، تلاقت عيناهما لحظة صمد فيها كلاهما ثم تنهد هو و ارتجفت هي قبل أن تخطو إلى الوراء و تسأله بهدوء :
- أين المطبخ ، أريد كوبا من الماء .
- تعالي معي .

هزت رأسها فتقدمها حتى وصل إلى باب المطبخ ، راقبها تدخل ثم اتجه هو إلى الحمام .
بعد لحظات و هو بالكاد بدأ في حلاقة ذقنه سمع باب الشقة يغلق بقوة ، نظر ثانية واحدة لهيئته الفوضوية في المرآة ثم فجأة ألقى آلة الحلاقة كأنها صارت ثعبانا ساما في يده و اتجه بخطوات سريعة مضطربة النسق باتجاه باب الشقة ، يلعن في الأثناء غباءه و انعدام مسؤوليته ، كيف يتركها تنزل وحدها إلى الشارع بعد أن قطعت من أجل أن تراه كل ذلك المشوار .
ساعة كاملة تقريبا قضتها في السيارة و هي حامل من أجل أن تراه و هو يبخل عليها بضع دقائق يوصلها أثناءها إلى سيارة زوج أختها و يطمئن عليها .
كيف ستكون فكرتهما عنه و هما يريانها تنزل وحيدة ؟ كيف ستكون فكرتها هي عنه ؟
انتظر المصعد متقلقل الأنفاس ، هائج التوتر ، عد إلى عشرة ثم اتجه نحو السلم و أخذ في قطع المسافة ركضا حتى يلحق المتبقي من صورته لديها .
وصل أسفل العمارة فلم يجد أثرا لها ، نظر إلى المصعد الذي فتح في تلك اللحظة و لم تكن بين الموجودين ، بآلية امتدت يده نحو الجيب الأيسر لبنطلونه ، تحسسه باحثا عن هاتفه ثم شتم نفسه بصوت مسموع و هو يتذكر أنه تركه فوق رف خزانة الحمام .
خرج إلى الشارع مديرا نظرات غائمة حوله ، ظل متسمرا مكانه قرب باب العمارة محدقا في صفي السيارات اللانهائيين على جانبي الرصيف ثم صر على أسنانه و هو يتمتم :
- غبي ، غبي .

ظل يكررها بإصرار بينما يستدير عائدا إلى الشقة يركض كأنه عاصفة من الفوضى ترافقه شتائمه لذاته كأنها ترنيمة عذاب لضميره .
دخل الشقة كالأعمى يسير فيصطدم بالموجودات كأنه لم يعش فيها يوما واحدا ، اتجه كآلة صماء إلى الحمام ، بحث عن الهاتف بحركات عشوائية حتى وجده على حافة حوض الاستحمام لا فوق الرف كما اعتقد .
- غبي ، كررها و هو يتجه خارجا بينما أصابعه تكون رقمها .

( الرقم الذي تحاول الاتصال به مغلق حاليا . )
أبعد الهاتف عن وجهه و نظر إليه بجنون يخالطه عدم التصديق ، كلا لا يمكن أن يكون هاتفها مغلقا الآن بالذات .
لكن الهاتف أثبت له و هو يكرر اتصاله برقمها مرات و مرات أنه يمكن و يمكن جدا كذلك .
بأصابع تمكن منها الارتجاف بدأ يبحث عن رقم أختها ، ما إن قبضت نظراته على أولى حروفه حتى ضغط زر الاتصال .
- نرمين ، اندفع يقول دون مجاملات ، هل بريهان بجانبك ؟
- أهلا نديم ، وصله صوت الأخرى يعتري تهذيبه شيء من الاضطراب ، كلا ، بيري ليست معي طبعا ، منذ حوالي نصف ساعة أوصلناها إلى العمارة التي بها شقة صديقك الذي دعاكما للغذاء لديه بمناسبة عودتك من السفر ، الحمد لله على سلامتك بالمناسبة و انتظرناها ربع ساعة و حين لم تنزل غادرنا كما سبق و طلبت منا هي .

أغمض نديم عينيه و كلمات شقيقتها مع غبائه يضربانه في مقتل .
- نديم ، وصله صوت أختها ثانية مظطربا بوضوح ، ما الذي يحصل ، ما بها بيري ؟
- لا أعرف نرمين ، لا أعرف ، ردد كطفل ضائع و هو يعيد النظر في الردهة .
طلبت منها أن تسبقني إلى شقتنا برفقتكما و كنت سألحقها لكني لا أجدها الآن ، لا أجدها .
- ربما حين لم تجدنا عادت إلى شقتكما بالمواصلات .
- ربما ، ربما .

دون تحية و دون وعي أغلق المكالمة ثم أخذ سترته المعلقة على المشذب قرب الباب و وضعها كيفما اتفق ، فقط تأكد من وجود محفظته في جيبها ثم خرج .
*
*
ساعة كاملة قضاها بين ثلاثة أنواع من المواصلات ، احتُضِر فيها صبره و عربد فيها فزعه ثم وصل إلى شقتهما روحه ملأى بأحمال من الهواجس .
- بريهان ، نادى بأعلى صوته و هو يتنقل بخطواته المتعثرة بين الغرف يفتح الأبواب على مصراعيها و نظراته يعيث فيها الجنون .
- بريهان ، صاح بخوف صريح و هو يتأكد للمرة الثانية من خلو الشقة تماما منها .

سمع همسا خافتا فتمتم بتوسل :
- بريهان .

صوته خرج ضعيفا ، خائرا شبه ميت .
اتجه نحو مصدر الهمس لكنه لم يكن سوى صدى ثرثرة بعض الجيران في البهو الخارجي .
الجيران !!
أيقظته الكلمة من وسواس القلق الذي تلبسه فتوجه من فوره إلى شقة أمها .
جذب نفسا عميقا ثم ضغط فوق الزر و أعادها مرتين حتى سمع صوت خطوات ، فجأة تذكر شكله و هيأته فمرر أصابع مرتجفة داخل شعره يحاول أن يروض فوضى خصلاته ثم مسح على وجهه بقوة و أخرج نفسا عميقا من صدره عله يطرد معه بعض خوفه .
سمع التكة السابقة لفتح الباب فكور يديه بعنف محاولا التظاهر بالهدوء لأجل أن لا يثير ذعر والدتها .
لكنه عاد و أطلق زفيرا مضطربا و عيناه تقعان على وجه سنية الصغير .
وضع يده على كتفها ثم قال بتوتر و لهفة كبيرة تسكن نظراته :
- بريهان عندكم ؟

هزت الطفلة رأسها نافية لكن عقله صمم على عدم التصديق ، تقلصت أصابعه قليلا على ذراعها ثم دفعها إلى الداخل و هو يقول مشددا على كل حرف :
- عودي إلى الشقة و ابحثي عنها جيدا ، ربما تكون دخلت و أنت لم تلاحظيها و لا تخبري السيدة جلنار شيئا حتى لا تقلق ، مفهوم ؟
*
*
بعد نصف ساعة ، كان يقف في منتصف الرصيف ، الناس يسيرون حوله أطيافا بملامح هلامية التفاصيل .
ليست في شقتهما ، ليست في شقة والدتها ، ليست عند أختها أو عند رشا زوجة شوكت ، ليست في أي مكان .
يتصل بهاتفها المغلق المرة تلو المرة و مع كل دقيقة تمر
تتحطم أسوار تعقله أكثر و أكثر .
نظر إلى السماء فوقه و كم بدا أمام نفسه صغيرا وحيدا مبتورا بلا نهايات .
هل سيتكرر كل شيء من جديد ؟
هل ستعود الأيام لتسرق منه طمأنينته و تحبسه خلف جدران العجز و اليأس ؟
كلا ، كلا ، هز رأسه بعنف دون مبالاة بالناس حوله فلم يعد الزمان عنده زمان و لا المكان بدا له مكانا .
كلا ، لا يمكن أن يفعلها معه القدر مرتين ، لا يمكن أن يعود هكذا إلى نقطة الصفر ، بل نقطة ما تحت الصفر .
لا يمكن أن يرسلها له لتحيي عمرا ظنه مقبورا و تضيء حياة احترقت كل شموعها ثم تختفي كأنها لم تكن .
- كلا يا رب ، همس و هو ينكس رأسه ، غير قادر على التحرك من مكانه ،أعلم أني ، أني أطلت الحزن و لم أشكر لطفك بي ، أعترف أني جاحد كافر بنعمك و لم أشكر كما يحق لك علي أن أشكر لكن لا تعاملني كما أستحق يا رب.

تقاطرت دموعه كثيفة ، تولد من مآقيه و تموت فوق قسوة الرصيف بينما يكمل بهمس متقطع :
- عاملني برحمتك ، رحمتك يا رب لأني لن أتحمل فقدهما مرة أخرى .
لن أقدر يا رب ، لن أقدر ، أنا ضعيف ، ضعيف جدا و أنت وحدك العالم بحالي .
انظر إلي بعين رحمتك يا رب ، رحمتك .

بدأت خطوات بعض المارة تتوقف حوله ، نظرات مشفقة مع عبارات متعاطفة ثم حط رجل مسن بيده فوق كتفه يسأله عن حاله ، عما ألم به لكن نديم لم تكن تصله الكلمات و لا حتى اللمسة أحسها .
ففي تلك اللحظة كان لاوعيه قد بدأ بدفعه دون هوادة إلى منطقة الأمان المغشوش ، حيث لا شعور و لا صدمات و لا ألم ، لا مزيد من الألم .
استرخت ملامحه قليلا و توقفت دموعه فبدأت المجموعة بالانفضاض من حوله و ربت الرجل على كتفه بلطف و هو يذكره بالله و فجأة عاد القلق و معه الخوف و كل الفزع السابق .
جحظت عيناه و هو يديرهما حوله و أراد أن يتكلم فلم يمكنه حلقه المتحجر سوى من قول :
- بريهان يا رب .

و في استجابة شديدة كشدة نداءه أنار الهاتف الذي لم يتركه من يده و أنار معه قلبه المعتم و حروف اسمها تتشابك أمام عينيه الزائغتين .
فتح المكالمة ثم رفع الهاتف حتى مستوى أذنه و فقط حين سمع صوتها يتردد متسائلا ثم قلقا فقط حينها انكسر القيد القابض على نبضاته و عاد قلبه يخفق ، صدره حيا يعلو و يهبط .
- بريهان ، همس بتعب ثم سقط الهاتف من بين أصابعه .

**********
في صالون شقتها الزوجية ، جلست نادية على الأريكة الثنائية قريبة جدا من إيثار .
تستمع بصبر و بنفس الصبر تجاهد للسيطرة زوايا وجهها فتبدو هادئة متماسكة لا تهتز تحت الارتجاج العنيف لدقات قلبها .

- و الطلاق هو الحل في نظرك إيثو ؟
- لم يترك لك خيارا آخر ، قالت إيثار بإصرار .

بلعت نادية ريقها ببطء و هي تتمنى أن تزول تلك الغصة التي اتخذت من حلقها مسكنا .
- الطلاق ليس مجرد فراق عنه ، غمغمت بصوت خاو ، الطلاق يعني أن أهد حياتي التي بنيتها معه .
- تهدين حياتك معه و تعيدين بناءها مع من يستحقك فعلا .
أنت تستحقين الأفضل حبيبتي ، همست إيثار و صوتها تغزوه شهقة خافتة .

وضعت ذراعها على كتف نادية و ضمتها إليها فاستسلمت نادية و هي تغمض عينيها دون شعور بينما شفتاها ترتجفان و تهمسان :
- لسنا نحن من نقرر ما الذي نستحقه و ما الذي لا نستحقه ، هي أقدار حبيبتي أقدار و علينا التحمل و الصبر .
- ما أنت فيه ليس صبرا نادية ، هتفت إيثار و هي تحرك وجه نادية لتتقابل عيناهما ، ما أنت فيه خضوع و استسلام .
- ربما ، غمغمت نادية وهي تعود لإغماض عينيها ، ربما أنا مستسلمة لقدري .

في الواقع هي إنسانة تؤمن جدا بالنصيب و ربما يكون هذا نصيبها في هذا الرجل ، فقط بضعة دقات من قلبه .
- لا أدري كيف تقدرين على تقبل وضع كهذا نادية ، كيف تتكلمين بتعقل عن أمر هو عين الجنون .
- أنا مختلفة عنك إيثو ، مختلفة عن الكثيرات ، ضمت جسدها الذي بدأ في الارتجاف بذراعيها ثم أضافت و الرجفة تنتقل لصوتها ، تعرفين لم أنا سهلة المعشر ؟
لأني أبحث دائما عن المبررات لغيري ، أدع لهم مساحة من العذر داخل قلبي و عقلي .
ربما لأني نشأت في وضع مستحيل علي فهمه و تقبله كوني أرى امرأة مثل أمي تواصل العيش مع رجل كأبي .
لذلك أنا نوعا ما أفهم آصف و نوعا ما أعذره .
- هو لا يستحقك نادية ، هذا رأيي .
هو أناني طماع ، يريد كل شيء في نفس الوقت ، حبه القديم و حبه الجديد .

أحاطت وجنتي نادية الذابلتين بكفيها و همست :
- كيف تقدرين على الاستمرار بحبه و هو سيدوس قلبك حتى يسعد قلب الأخرى ؟ كيف نادية ، و الله سأجن كيف ، كيف ؟

زاد امتقاع وجه نادية ، أسدلت جفنيها و بصوت ثقيل تمتمت :
- لا أقدر على بعده إيثو ، لا أتخيل نفسي من دونه .

انحنت إيثار تمر بشفتيها بحنان فوق خدها بينما تتمتم بعاطفة :
- ستقدرين حين تبتعدين ، البعيد عن العين بعيد عن القلب لم يكذب من قالها ، عندما يتوقف عن التواجد أمام عينيك ستنسين و ستبدئين حياتك مع شخص آخر و لن تتوقف حياتك و آمالك عليه .
- إيثو حبيبتي أنا زوجته هو ، قالتها ثم غصت بعدها بألم .

هو من طرق جميع أبواب روحها و فتحتها أمامه على مصراعيها .
هو من توغل في جميع طرقات قلبها .
وقعت على شيك المشاعر الأبيض معه فهل تبقت لها حياة في غير جواره ؟
- هل هناك وسيلة لأمحوه من قلبي ؟همست كأنها تتترجى ، أنا كما قالت بريهان له وحده ، كلي له ، لم أحتفظ بشيء لنفسي إيثو ، أعطيت كل ما أملك .
- و أعطاك فقط نصف ما يملك ، همست إيثار و ألم مع حب جارف يعصفان بقلبها المضطرب الصغير .
- إيثو حبيبتي هو لم يطلب مني شيئا ، هزت نادية رأسها مرارا بنفي قوي ، لم يرغمني أبدا ، قلبي هو الذي فعل و عقلي وافق و أيد .
لأول مرة في حياتي ، تنهدت بعمق و تلك الغصة تعيد غلق حلقها ، لأول مرة في حياتي أقابل رجلا بهذه الطريقة كأن الرجولة ثوب فصل على مقاسه و هو كان كريما معي إيثو و أنا ...

سكتت تهز رأسها ثانية قبل أن تهمس بضعف :
- هل كنت أقدر على التصرف بطريقة أخرى .
تقولين أن علي البدء مع رجل آخر ، لم يتبق مني شيء لذلك الآخر إيثو .
- نادية حبيبتي ، أصرت إيثار بصبر ، مع رجل آخر ستكتشفين نفسك بشكل آخر .
المرأة ليست جسدا فقط ، المرأة كينا من قلب و عقل و حب .
- لا يوجد بي شيء آخر ليكتشفه أحدهم ، أنا لست كثيرة التفاصيل و آصف وصل لكل شيء .
آصف كان هو الرجل الذي لن أجد أبدا مثله و إن وجدت فلن أكون له نادية التي كنتها لآصف .

رفعت إيثار عينيها إلى السماء ، فتحت فمها قليلا ثم عادت و أغلقته لأنها إما ستخسر عقلها أو صديقتها .
- حسنا ، حسنا كما تشائين ، تمتمت أخيرا و هي تضم جسدها هي الأخرى و تتكئ بخدها على كتف نادية ، أعلن استسلامي دون شروط ، أنت الآن في وضع مستحيل علي أنا و مثيلاتي لكنك طالما كنت امرأة المستحيل .
متى سيتزوجها إذن ؟

- ماذا ؟ همست نادية دون صوت تقريبا فردت إيثار و هي تغمض عينيها :
- لا شيء نادية ، اعتبري أني لم أقل شيئا ، كنت فقط أفكر بصوت مسموع .

لكن السؤال لم يغادر ذهن نادية و مع أنها سألته لذاتها مرارا لكن لأول مرة منذ صارحها قبل أسبوعين تسمعه من بين شفتي أحد آخر .
و بعد ساعات بينما تستسلم له و هو يأخذها إلى عالمه ظل السؤال يتردد حارقا موجعا كملح يوضع فوق جرح .
و في لحظة أثناء التلاقي تقابلت عيناها مع عينيه و رأت ذلك الظل .
ظل امرأة أخرى يطل منهما ، يجسد أفكاره يجسد مخاوفها .
يجعل منه رجلا آخر .
رجلا تكسر ظلال موحشة نظراته لها و فجأة أشاحت بعينيها بعيدا .
و صارت خرقة بالية بين يديه ، قطعا مبعثرة منثورة من كيان كان حتى اللحظة امرأة .
شعرت بقلبها خفيفا جدا كأنه لفظ كل مشاعره التي تثقله .
و أخذ عقلها يدور في فلك من الحيرة و مجنونا يتساءل كيف لقطرات سم قليلة أن تغتال سعادة بحجم المحيط .
انتهى لقاء الأجساد فضمها إليه كالعادة بقوة بشوق متجدد و للمرة الأولى حاولت أن تتملص ، في هذه اللحظة أقصى ما تشتهيه هو البعد و راحته
لكلنه لم يطلقها من عناق ذراعيه لجسدها ، كفت عن المقاومة و استكانت قريبا من صدره مغمورة داخل حضن أنفاسه بينما يبثها شوقا يظنه مطمئنا و تراه هي غادرا جارحا لأنه بعد فترة سيبثه للأخرى ربما أقوى و أصدق .
المرأة بداخلها مضت بعيدا عنه و وقفت وحيدة بعيدة تنظر إليها في حضنه و تفكر .
أهكذا سيكون الأمر ؟
أهذه ستكون المعاناة ؟
كل ليلة سيقضيها مع الأخرى ستموت كمدا .
و كل ليلة يقضيها معها هي ستفكر كيف تهزم الأخرى فيه
كيف تمحو آثارها من عليه ، كيف تحفر لها هي مكانا جديدا بداخله
ببساطة الأخرى لن تغادرهما
ذلك الظل الكئيب لن يتركهما
سيظل يطل من عينيه إليها يطعنها و يقتل كل ليلة منها جزءًا
ممتصا وهج لحظاتهما الخاصة
كانت تفكر و تفكر و هي مستسلمة تماما لأشواقه التي تعود بثها لها بعد كل لقاء .
مستكينة بجسدها ، متمردة بأفكارها
تذكرت كيف أن أخشى ما كانت تخشاه هو أن تربط مصيرها برجل بخيل
ما حدث هو أنها اختارت أخيرا رجلا كريما أكثر من اللازم لدرجة أنه يرى مشاعره كثيرة عليها و تفيض عن حاجتها لذلك قرر اقتسامها بينها و بين غيرها .
ابتسامة ولدت على شفتيها للفكرة ثم أخذت تتسع و تتسع فهمها هو خطأ فحط بشفتيه يقبل زاوية فمها .
تراجع قليلا و هو يشعر بجسدها يهتز ضحكا بل ينفجر .
ظل دون ردة فعل و هو يراقب ابتسامتها ترتجف ، تتكسر ثم تتهاوى .
تعابير وجهها صارت غريبة بينما تواصل ضحكها أكثر صخبا و أشد جنونا
جسدها يتلوى ، تضرب بكفها على السرير بعنف ، تضع يدها الأخرى على فمها تحاول أن تتوقف دون فائدة .
لم يقدر أن يقترب عجز أن يقول أي شيء فوجهها الخاوي امتص منه كل الكلام .
بينما نادية ترفع كفها إلى فمها ، تريد أن تتوقف عن القهقهة و لكن لا تقدر سوى أن تضحك و تضحك و تضحك .


******
نهاية الفصل


جولتا likes this.

نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:12 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.