آخر 10 مشاركات
سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          18 – بعدك لا أحد - مارجورى لوتى -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          604 -الحب أولاً وأخيراً - ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          مُقدرة لمصاص الدماء(8)للكاتبة:Bonnie Vanak(الجزء1من سلسلة القدماء)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          العاطفة الانتقامية (19) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          130-كلمة السر لا-أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          عروس من الخيال (75) للكاتبة: آنا ديبالو (الجزء 2 من سلسلة عرسان أرستقراطيين) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          إغواء البريئة (67) للكاتبة: جيني لوكاس .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          عذراء فالينتي (135) للكاتبة:Maisey Yates(الجزء 3 سلسلة ورثة قبل العهود) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-07-21, 10:44 PM   #10721

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7


الفصل الحادي والسبعون الجزء الأول

" المشاركة "١"
ملحوظة قبل الفصل الواحد والسبعون والفصل القادم: قد تتركز الأحداث (المتسارعة) على ثنائي خالد وسبنتي وبالطبع المحيطين بهما.. لأنهما الثنائي الوحيد الذي لم تنتهي قصتهما بعد لذا رجاءً صبرًا قليلاً فالرحلة أوشكت على الانتهاء.
***********

‏وجهكِ الجميل لم يخلق للحُزن، فسيمضي كل مُرّ وكأنه لم يكن، ابتسمي فأنتِ جميلة عندما تبتسمين، وفي عينيكِ يسكن الأمان، أنتِ مثل الصحراء الممتدة بلا نهاية، تبدو قاحلة، قاسية، باعثة على اليأس، لكن في داخل أعماقكِ تخفين سحراً وأسراراً وكنوزاً وحياة، جمالكِ ليس بين حنايا الجسد، بل يكمن في جمال الروح ورقة القلب.. أنثري الورد على ثغركِ يا جميلتِـي، أتمنى لكِ أيام جميِلة ولطيفة كلطافتكِ..
الخاطرة لقائلها... من اختيار الجميلة ميادة عبد العزيز

*************
تحب رائحته الرجولية التي تغمر حواسها… تلفح أفكارها وتدفء مشاعرها… هي لا تستطيع تفسير الأمر أو أسبابه ..ولكنها سمعت مرة لا تذكر أين، وربما هذا اعتقادها الخاص واختلطت عليها الأمور كالعادة …وأياً كان المصدر ..هي تصدق أن كل شِقيّ غرام اجتماعا لديهما رائحة خاصة مميزة لا يستنشقها غيرهما ولا يستطعمها سواهما… كما هي غارقة في عطر وسادته متلحفة بطبعة جسده على جسدها ..
ابتسامة ناعمة نابعة من القلب, لا أحد سواه يقدر على إخراجها ارتسمت على وجهها الصبوح وهي تفتح عينيها ببطء..
هل ما زال حلمها الجميل هنا؟!
تقلبت.. اعتدلت ..تشممت ..وأخيرًا استكانت وسقطت البسمة تتوارى تحت أطنان من الشك والاضطراب ..الغرفة خالية, لا أحد يسكنها، موحشة بدونه ومظلمة..
اعتدلت رهبة جلست وانكمشت تحت الغطاء تضم ركبتيها إلى صدرها.. والأفكار تتلاعب بها، كما هي توهمت التلاعب به!
ولكنها لم ترغب في التلاعب …بل أرادت أن يغفر أن يعود..
ابتلعت ريقاً جافاً وعيناها الواسعتان تحملقان في الفراغ تارة، وتارة بأرجاء الغرفة، سقط بصرها حول أدويتها وأشتعلت الإجابة القاسية منكمشة حول نفسها الضعيفة..
هل بالفعل خُيِّل لها؟!
لقد حذرتها ليلى أن للعلاج بعض الأعراض الجانبية ..مضادات الاكتئاب بالتحديد قادرة على نسج الخيالات في المرحلة ما بين اليقظة والنوم العميق…
أغلقت جفنيها بقوة وذقنها يسقط فوق ساعديها المستندين على ركبتيها همست: "كل ما حدث كان حلماً رائع الوصف… من الجيد أنه كان حلماً أليس كذلك؟! لقد كنت.. كنت أنا من…"
صمتت ووجهها يحمر حد الاختناق بالخجل: "يا إلهي لقد أجبرته تقريبًا، بمشاعر جامحة غير قابلة للكبح.. حمداً لله أنه كان حلماً…"
صمتت من جديد ووجهها المبتسم يتخذ النكد مرقدًا.. آه وكأنها تعرف غير الهم … لم يأتي، لم يزرها.. والسؤال ينبثق من جديد بصلف: "هل من الأفضل أنه كان في البلد ولم يحاول رؤيتها على الإطلاق، أم الأسوأ أنه زارها وحدث بينهما ما حدث ثم غادر وتركها خلفه؟!
تنهدت متمايلة بتعب، عندما سمعت خربشة شلبي ‏مواء قطتها على الباب الخارجي المغلق …وتجمدت برهبة أخيرًا وكل تفكيرها المحبط يتحول لكتلة من الذعر والـ…
لم يكن حلمًا.. لم يختلط عليها الأمر.. خالد كان هنا، هي تجزم بهذا الآن …تنبثق الذكريات على هوينا..
تركه لها للحظات وهي تجذبه إليها مُصِرة، حايلته محتالة البقاء ليضمها إليه …صرخت تقريبًا في أثره للعودة وهو يسحب شلبي خارجًا مع القطة …ثم يغلق الباب ويعود إليها…
إصراره, من بين قبلات التحمت دون هوادة، أن تكون في كامل يقظتها، بأنه لن يقبل منها تهربًا وحجة واهية أنها لا تدرك ما يحدث ..وهذا ما حصل عليه تحديدًا..
لم تكن تحلم.. لقد كان هنا ..رائحته التي تطغى على كل الأحاسيس حولها ..بصمته المختلفة التي تشعر أنها تتوغل فيها, همساته ،شغفه، واشتياقه, فقده وإحباطه…
ثم.. ثم دارت حول نفسها تتفحص الفستان الطويل ذا الأكمام الذي سقط فوق قدها العاري.. هي لم ترتديه!!
جلست وهي تضع يديها على قلبها تكبح نفساً لاهثاً.. وآخر يهدد بالبكاء.. رأسها اهتز بالحيرة والرفض.. في بادئ الأمر ظنته حلمًا جميلاً يطفو فوق سحاب الوجع، وفور أن سحبها إليه كانت امرأة بكل ما للكلمة من معنى ..امرأته هو.. حلالاً له كما لم تكن قط..
كيف انتهى؟! بماذا أخبرها؟! هل تحدث بعد انتهاء العاصفة العبثية التي شدته هي هذه المرة ليغرق داخلها؟! لا تذكر ..لا تذكر أي شيء إلا ذراعين يضمانها ثم انطفأ كل شيء.
"سحقاً لي.. سحقاً!"
مررت كف يدها على نحرها وكأنها تحاول محو الاختناق ..فمها مفتوح قليلًا.. وعيناها تتفحصان من جديد مكانه فوق الفراش..
والنظرة اشتعلت بالحذر في عينيها كما عقلها الذي تحفز مرة أخرى وهي تلمح الورقة الموضوعة في طرفه.. ألقت نفسها سريعًا تختطفها بلهفة ..علّ هناك إجابة، أي إجابة تطفئ نار الوقيد التي احتمت في جوفها!
وعندما فتحتها بأصابع مرتعشة… صدرت عنها شهقة عنيفة مذهولة لم تحدد أهو غضباً أم خجلًا
(كنتِ مذهلة ليلة أمس ..لو كنت أعرف أن الدواء يجعلكِ حارة, متقبلة ومطالبة بهذا الشكل، لفتحت لكِ مصنع من الأدوية ..أشكركِ على ليلة غير مخطط لها.. ملحوظة لا تنسي الاستحمام …ملحوظة أخرى احرقي الرسالة بدلاً من إحراق نفسكِ بثورة غضب وتنديد لا قيمة لهما)
انتصبت بثورة كما توقع، تشجب وتندد بصرخة مكتومة، مغتاظة ومهتاجة.. رسالته الوقحة بين أصابعها مهددة بتمزيقها إرباً ..كما تتمنى تمزيقه إن كان أمامها.. والرغبة انمحت من جديد بتنقل مشاعرها غير المسيطرة، ربما هي تحسنت ولكنها تدرك بعدم وصولها للشفاء التام بعد ..فمتى تنتهي محطتها المرهقة ويقلع قطارها الصدئ… كما أقلعت قطارات من حولها ومضوا في طريق الصلاح والنجاة؟!!
ارتعدت من جديد وهي ترمي كل جسدها على الفراش تضم الورقة البيضاء التي حملت خط يده إلى صدرها هامسة: "لن أمزقها يا خالد, سأحتفظ بها حتى يأتي اليوم الذي أستطيع مواجهتك وأنا على متن قطار رحلتك، أمسك بيدك وكلي ثقة في نفسي ألا أفلتها أبداً"
اختنقت وعيناها الدامعتان تتعلق فيهما بسمة من ندم بين الأهداب، ندم لا يخص استغلالها الفرصة، وفهم الرسالة التي وجهت لها مبطنة من شقيقته ..ندم على كلمات خرجت ذابحة من عقل مريض كبل بالخذلان …ندماً على نظرة سوداوية للحياة التي فقدت الثقة فيها …ندم على أخذه بذنب لم يرتكبه ..همست من جديد ملتاعة: "ليتك بقيت"
**********
عندما دخلت المنزل الكبير أخيرًا، ترددت الخطوات كما توترت يداها اللتان تعبثان في شعرها الرطب، وحجر فستانها الرقيق، لم يكن ذات الفستان الذي خلعته بالغرفة ووضعته في غسالة الملابس مع ملابسه أيضاً.. إذ أنه جهز الغرفة في الشهور الأولى لزواجهما لتكون مكان لهما, رغم صغر حجمه وإنما يحتوي على كل ما قد يحتاجاه كزوجين، أو شابين يهربان من الأعين المسلطة عليهما من الأهل..
لقد أخبرها مرة أنه يسعى لبعض الخصوصية …وإن أصبحا يرتاحا للعزلة فيها …فكان عليه أن يجهزها بكل ما قد يحتاجانه بدلاً من أن تنقل أشيائهما الخاصة هنا وهناك مثيرين أسئلة سخيفة تخنقه…
تعلم أنه متكتم لا يفضل مناقشة أموره العاطفية علناً ولو من باب الطرفة لأخواته الفضوليات أو بين الخدم.
لم يزعجها بل رحبت به ..كما لم يزعجها تركه لها صباحًا دون كلمة ..تركها لشعور القهر، وإحساس شوق أليم جامح إذ أنه لم يطفئ حاجاتها إليه بل أذاقها معنى وجوده وأطفأ لهيب الفقد ثم غادر يلوي دروبًا ويغلق السبل..
لقد أخذ نسختها من مفاتيح الغرفة… أول هدية منحها لها بعد عقد قرانهما.. حينها أخبرها أن هذه البداية فقط بدعوة مفتوحة لتجتاح حياته كما احتلت قلبه وفكره…
هل يعني هذا أنه يغلق كل السبل في وجهها، ويخبرها صمتًا برسالة مبطنة أن ما حدث بينهما لن يعدله عن قراره بالهجر، هو يطردها من حياته كما طردها من جدران الغرفة التي صبرتها على بعده متلمسة فيها روح خالد القديم الذي تعرفه.. لا الرجل القاسي في هجره الذي تركته…
للحظات أخرى كانت تقف على أول درجة في السلم مهتزة, ضائعة وملتاعة من الهجر والعقاب القاسي, مكسورة.. لقد كسر خاطرها كما روحها العليلة…
وأخذتها قدمياها لغرفة والدته، تتلمس عندها شيء من رائحته، وتقتنص منها مسكناً للألم.. هي ظنت أنها تتفهم استمرار غضبه و هجره.. ولكن كل التفهم طار مع الرياح عندما اكتشفت أخذه لمفتاح الغرفة ..ونفيها تماماً من عالمه ..ربما تحصين نفسه من الانجرار إليها من جديد ووقوعه في شيء لم يرده كما نوه في الرسالة …عالماً أنها لن تتوقف عن الانفراد بها، وستنتظر قدومه على أمل..
طرقت بتردد ..ودعتها منى للدخول على الفور… وعند فتحها الباب ووقوع عينيها في عيني منى …ندمت على الفور، إذ أنها كانت تنظر إليها بتركيز شديد واجمة الملامح التي خلت من المرح…
همست بارتباك علّها تقدر على التهرب ومعاودة أدراجها: "أين إياب؟!"
ردت منى بخشونة وهي تجلس على مقعدها المريح بمنتصف الغرفة: "أتى والده بالصباح الباكر وأخذه"
واهتزت برهبة محمرة الوجه حد الاحتقان وهي تسأل بتلعثم: "هل ..هل ..كان راشد هنا؟!"
ردت منى بهدوء ماكر: "ولماذا ترتعدين وكأنكِ ارتكبتِ جرمًا وتخافين من اكتشافه؟!"
احتقنت وهي تدير رأسها متهربة من النظر والإجابة..
قالت منى: "أجيبي ما سبب القلق ما الغريب في أن يأتي راشد للمنزل صباحاً أو مساءً؟"
ازدردت ريقها بعنف تجيب بتلعثم: "لم أقل أنه غريب ..الأمر ..الأمر أنه لم يسبق له أن سارع في أخذ إياب وهو في عهدتي، اعتدت أن يتحايل وزوجته قبل أن أقرر عودته إليهما"
مطت منى شفتيها وهي تقول: "ربما نضج أخيرًا من ناحيتكِ، ورغب في أن يتعامل معكِ بحسم قليلًا"
عبست وهي تنظر نحوها بضيق: "ما معنى كلامكِ بالضبط؟"
أجابت منى سؤالها: "أين كنتِ طوال الليل؟"
اضطربت من جديد وتعثرت وخافت بشدة.. ثم ببساطة كانت تأخذ نفساً طويلاً وهي تحرك قدميها تلقائيًا نحو جلسة منى …وردت بنبرة تعثرت بدايتها وثقلت بالثقة آخرها: "أنتِ… أنتِ تعلمين… أنتِ لديكِ علم بأنه كان معي"
أطرقت منى قليلاً متنهدة.. ثم قالت بهدوء: "وهل وجودكِ معه يستدعي هلعكِ من أن يكتشف راشد بقائكِ مع زوجكِ؟!"
هزت رأسها رفضًا وهي تقول: "الأمر مربك ليس إلا كما.. كما.."
اختنقت وهي تجلس أرضًا تطوي ركبتيها تحتها، ثم أسندت وجنتها في حجر منى التي رفعت كفها بتردد لحظي إذ أنها رغبت في التدخل الحاسم ..أن تقسو قليلًا عليها.. أن تواجهها بذنبها كما تحاملت على ابنها من أجل سَبنتي ..بالنهاية غلبتها العاطفة عندما استشعرت الدموع الرطبة التي بللت ملابسها الأنيقة..
سمعتها تقول بشيء من الجزع: "لم يبقى، رفض محاولتي لإجباره على البقاء.. هو ..لقد أخذ مفتاحي، نفاني عنه للمرة الثانية ..لا بل الثالثة"
عم الصمت بينهما ..إلا من نشيج بكاء تحاول إخفائه.. حتى هتفت من جديد بصوت هستيري: "لم يعد يريدني… لم يعد له رغبة بي"
توقفت يد منى كما قست ملامحها وهي تهتف بقهر قلب أم مفطور على ولدها الذي تحمل فوق طاقته …الجميع طلب من خالد، ولكن من منهم منح ..حتى هي لم تمنحه شيء بل حولت تسليمها إليه وحبها له لتفضل ومنة!
"بحق الله ظننت أنكِ أخيرًا تحررتِ من هواجسكِ، واستوعبت حجم الكارثة والشقاق الذي أحدثته بينكما!"
لم تتحرك من مكانها بل رفعت رأسها نحو منى تحدق فيها بحرقة: "لقد حاولت وهو رفض"
ضج صوت منى بعصبية: "وكيف حاولتِ؟! بالله لا تتفوهي بإجابة أتوقعها …إن كانت فلا تكبدي نفسكِ عناء الشرح"
توردت خجلاً بشدة وهي تجيب باقتضاب: "لم أعرف غيرها طريقة، لقد اشتقت إليه فأخبرته ببساطة.. أنا.. أنا أجهل كيفية الاعتذار بين الأزواج"
زمت منى فمها وهي تأخذ نفساً مطولاً تستعيد حنكتها, تعرف جيدًا أن لا ذنب لها في الجهل بالعديد من الأشياء منها كيفية التعامل مع زوج يحبها.. ثم أجابتها: "اسمعي، أنا في صفكِ حتى النهاية ..ولكني لن أقف متفرجة أصفق لكِ وأنتِ تفسدين حياتكِ وتزيدين الأمر سوءًا …بل حياتكما سويًا"
ردت بوجوم دون أن تترك التحديق داخل عيني منى الصارمتين: "لم أطالبكِ بالتخلي عنه لصالحي!"
حركت منى رأسها بيأس وهي تحاوط وجهها بكفيها برقة قبل أن تقول: "أنا لن أتخلى عن أحدكما ..ولن أنحني تحت موجة العناد والقسوة من جديد، لن أظل واقفة في الظل وأراقب حياة ابني وحياتكِ تضيع تحت وطأة التخبط ..لم يعد قلبي يتحمل التمزق يا سَبنتي "
شهقت تغص بدموعها وهي تضع يدها على كف منى تسألها: "أخبريني ما الحل؟ أرجوكِ كنتِ بالماضي عوناً لي ومنقذة من هواجسي… فقط أرشديني للطريق الذي سيرمم قلبكِ ويرممنا"
زارت الابتسامة وجه منى وسألتها: "هل تريدين حقًا الإصلاح؟"
هزت رأسها بتسارع دون تردد: "أرغب في أن يسامحني بقوة"
بهتت منى للحظات غير متوقعة منها رغبتها في مسامحته… ألم تندد لشهور أنها هي من لن تغفر له ..بأنها لم تعد تريده، بل ترغب في التحرر منهم جميعًا؟!
:-"أنتِ مدركة لحجم خطأك إذاً؟!"
عقد لسانها لثوان في حدث نادر.. ثم علا وجهها التمرد والغضب، ونوع من القهر الدائم: "خطئي؟! وماذا عن جرحه هو لي.. خيانته ..الخناجر المسمومة التي وجهها لقلبي.. وصفعه لي؟!"
أفلتت وجهها وهي تعتدل وتعقد يديها متشابكتين فوق بطنها …ثم قالت بهدوء متمعن: "لم يقل أحد أنه لم يخطئ ..بالواقع جميعنا لمناه ..حملناه فوق طاقته ..لم يحصل على دعم واحد استحقه ..وكله من أجلكِ أنتِ…تخلى عنه الجميع وتركناه منفيًا في بلاد لا يألفها …وفقط من أجلكِ أنتِ.. طالبناه بالسماح والعودة من أجلكِ أيضاً.. ألا ترين أن في الأمر ظلمًا يا سَبنتي؟!"
اكتسى وجهها بالألم ..تشعر أن كل كلمة من منى تخرج على هيئة صفعات ..لم تكن صفعات قاسية ..بل تلك التي تأتيك من شخص مهم يضع أمامك النقاط على الحروف بغرض الإفاقة…
قالت بخفوت: "أنا ..أنا لم أرغب أبداً في أن ينفى وأن يتحمل فوق طاقته"
هزت منى كتفيها وهي تقول بألم: "ولكنه تحمل حتى فاض به ..بالنهاية هو بشر يا سَبنتي ..لن أنكر أنه أجزم بالتحمل، مدركاً جيدًا حجم معاناتكِ ..ولكن حبيبتي لكل إنسان طاقة ونحن استنزفنا خالد حتى آخر قطرة"
لم تقل أنها من استنزفته… لم تحاول التلميح حتى.. ولكنها فهمت ببساطة ..لطالما كانت ذكية لماحة وربما هذا سبب كارثتها في المقام الأول..
أطرقت بعيداً وهي تهمس بخفوت: "يومها ..آلمني جداً وحطم كل ما حاولت بنائه ..أعادني للصفر ..لماذا لم يخبرني أو يلمح لي؟! ربما ..ربما كنت تفهمت!"
انحنت نحوها تحدق في عينيها بقوة قبل أن تسأل: "هل كنتِ ستتفهمين حقاً؟ ألن تنفجري ببركان من الغضب والصفاقة كما حدث تماماً؟!"
ساد صمت طويل بعدها ..كانت منى خلالها تحدق فيها بجمود ..بنظرة العارفة المجتاحة لكل أفكارها …نظرة تخبرها باختصار مؤكدة على الفكرة: "أنا أمكِ ..من ربيتكِ وأكثر من يعرفكِ"
توترت وهي تستنشق نفساً متقطعاً …ثم تحدثت تقر بالواقع: "ما كنت أبدًا أذنت ..ولا غفرت"
ردت منى بحزم ودون تردد: "تماماً لن تغفري له استغلاله للفتاة التي تركها لأجلكِ… من أجلكِ أيضاً"
ساد صمت طويل مجددًا. .ثقيل ملغم… حتى رفعت سَبَنتي يديها نحو أذنيها ببطء
"لا" هتفت منى بحزم وهي تتمسك بكلا ساعديها تجذبها نحوها…
وانحنت نحوها مرة أخرى تحدق فيها بعينين ثاقبتين متخللتين كل حواجز عقلها ..بينما تحدق فيها برهبة ومحاولة مضنية للهروب ..لا تريد السمع ..لا ترغب في اللوم..
:-"لقد جرحته قاصدة وباعترافكِ.. تلاعبتِ بكل دناءة بمخاوف تعرفينها ..لم يكن الغضب الذي يقودكِ بل أحقاد قديمة يا سَبنتي …أنا لا أعرف حتى الآن كيف نجحت في إقناعه بعدم طلاقكِ!"
قاومت وهي تجذب يديها منها تنظر إليها بعينيها الواسعتين بتلك الطريقة القادرة على جعل أي بشر أمامها يقتل نفسه تعاطفًا …هي لا تحب القهر في عينيّ سَبنتي ..ولكن عليها أن تفعل.. لن تظل تراقب الجميع يربت عليها دون أن يواجهونها بخطئها ومخاوفها سويًا… لن يقدر أحد على التحدث معها صراحةً وتتقبل منه دون محاولة لومه أو تفكر بسوء ظن إلا هي…
:-"هل توقعتِ منه أن يقف مكبلاً ويتحمل منكِ المزيد وأنتِ تخرجين عفاريته وأشباحكِ بينكما ليتباريا بقذارة ..بسكاكين مزقته إرباً كما ذبحتني؟!"
هتفت: "لقد سامحتني"
ردت منى بقوة: "وسأسامحكِ مهما فعلتِ لأني أمكِ …أما هو لماذا عليه أن يفعل بعد أن ذبحتِ رجولته أمامي؟!"
غصت بالدموع تنظر إليها بشحوب ..والإجابة صامتة بكماء في جوفها المحترق…
أكملت منى: "هل تدركين حجم المصيبة؟! لقد أهنته أمام نفسه وأمامي.. أمام والدته ..أتعلمين أنتِ كم جاهد ابني ليرفع عينيه لينظر لي بأول لقاء بيننا بعد ما حدث؟!"
ظلت كلا منهما تنظر للأخرى لوقت عقب السؤال الذي دوى داخل جوارحها كقنبلة هشمت الغشاوة.. وتركت دخان من ندم..
"لقد آلمني وجداً …هذا إن تغاضيت عن ضربه لي" ردت مهتزة
أغلقت منى جفنيها وهي تقول بخفوت: "ضربه لكِ لم يمر مرور الكرام، لقد أخذ تحذير جيدًا.. كما أنه كره نفسه لفعله ذلك …أنا أرفض العنف جملةً وتفصيلاً.. وإن كان صدر عن خالد رد الفعل هذا في غير موقف لكنت طلقتكِ منه ونفيته بنفسي عقابًا له"
ضغطت سَبنتي على إبهامها داخل قبضتها بعنف ..فمها اشتد بقسوة تمنع بقوة قول العكس أنها لم تنتبه للضرب من الأصل وكأن جزء منها حينها كان يقر بأنها استحقت رد فعله …إلا أنها أيضًا ترفض الإهانة، تبغض أن يعتاد الأمر إن لم تكن ذبحته بدورها على مقصلتها لما كانت غفرت له أبداً ولو وصلت للموت… فكررت قولها: ً آلمني"
انتصب جسد منى وهي تلوي رأسها بقسوة قاطعة وهي تضيف بنبرة تخفت فيها المرارة كوحش مترصد: "أعرف …لا أحد يدرك طعم الخيانة مثلي يا سَبنتي …لم يتجرعها أحد منكم علقماً يذبح مثلي.. أعرفها وأشتم رائحتها العفنة على بعد أميال، أتلمسها دخانًا يهزني ويخنقني حتى هذه اللحظة …أعرف جيدًا من نظرة شكلها وكيانها …تلمستها في العديدين حولي… ولكني أبداً لم أعرفها في ابني"
صمتت منى وبضحكة عصبية علها تداري حزام الأشواك الذي قسا حول فؤادها من جديد ..حزام تعرفه وتألفه لم يترك القلب أبدًا مهما مرت السنين ومهما تظاهرت بالتناسي والتآلف ..إلا أن حزام شوك الخيانة ما زال قويًا حازمًا محتلاً لا ينوي الجلاء…
:-"لم أرها فيه ليس لأنه ابني …بل لأنه خالد ..خالد الذي حارب طويلًا أشباح مدمرة لميراث ثقيل كبل فيه …قد يخون كل الرجال إلا ابني لأنه راقب لأعوام الأثر المر للخيانة على أمه وشقيقته"
صمتت من جديد بينما الأخرى تنظر إليها بندم يسحقها وعجز مدمر يجرح حتى الأعماق…
:-" أخطأ ومن منا بلا خطيئة؟! ولكنه أصر وتحمل اختياره حتى لا يظلم امرأة كان عازماً على الزواج منها ..فقط حتى لا يحمل فوق عاتقه لقب خائن …كان على استعداد كامل أن يعيش المتبقي من عمره متجمداً، ميتاً حياً .بعيدًا عنكِ فقط حتى لا يحمل لقب خائن"
بهتت وسحبت ملامحها وهي تهمس بصوت ضائع: "هنا تكمن المصيبة، لقد كان على استعداد للتضحية بي …ألم يكن كسره لوعدنا خيانة؟!"
غمر طيف من ماضي موجع وهي توضح بصراحة: "لم يكن من وجهة نظره .... فتاة عشقها حد الجنون، تبادل معها العهود ..ثم حلته ورحلت ولم تنظر ورائها من منظوره أيضًا حتى مكالمة هاتف ضنت عليه بها!"
توحشت نبرتها وهي تهتف بقهر: "وهل ملكت من أمرى شيئاً حينها ..تتحدثين وكأنه اختياري ..وإن فعلت لمن كنت سأبقى؟ ومع من سأبقى ياسر أم عزام؟!"
انخفضت نبرة منى وهي تقول بتحشرج: "لم أَلُمكِ أبداً، أوضح حقائق ربما غفلتِ عنها …لم يكن ذنبكِ ..كما لم يكن ذنبه.. كنتما ضحايا الزمان …قلوب سحقت بأخطاء الكبار"
أطرقت أرضًا وهي تهمس بشرود: "وما نفع الحقائق يا أمي ..إن تأخرت قليلًا في العودة لكان قدم حبه لي قرباناً حتى يثبت أنه ليس شبيههما!"
ضحكت منى ضحكة مهتزة عصبية وهي تسأل بكبت: "الآن اقتنعتِ بأنه يحبكِ!"
فتحت فمها قبل أن تغلقه بعجز ..ثم جاهدت من جديد وأظافرها المقلمة تنبش في يد منى: "أنا أعرف أنه يحبني ..كما لم أحب سواه ..أظنني للأسف نلت أمنيتي بالتشبه ببدور ..إذ أن قلبانا الغبيان تعلقا بمالكين فقط دون سواهما"
نفخت منى بضجر يائس وكادت أن تبعدها عنها للحظة إذ أن قدمها كادت أن تنزلق نحو المشاعر السلبية ..لا تريد أن تسمع مجددًا ندمها على حبها لابنها وكأنها تتفضل عليه..
ليس بعد صباح اليوم خاصةً ..ليس بعد أن دخل عليها خالد قبل مغادرته وأخبرها أنه قضى ليلته معها وشرح لها كل شيء عن نفسه ..وأخيراً ابنها الكتوم تحدث بحديث آلمها بقوة وما عادت تملك قوة من تحمل لتداري قهرها عليه…
إلا أن يديّ سَبنتي منعتها كما توترها وهي تقر بصوت يصرخ بلحن شجي: "لقد أدركت أيضاً أني كنت أكثر منه حظاً وأكثر غباءً، فبدل أن أخبره بمدى عشقي له ..جرحته عن قصد و أبعدته عني زاهدًا كارهًا"
تراخت ملامح منى ولكن حسمها لم يندحر وهي تسأل بقوة: "حددي ما الذي تريدينه يا سَبنتي وباختياركِ.. لأني أبداً لن أدفعكِ تجاهه ..ولن أسمح لأي يد أياً كانت أن توهمكِ بأنكِ مجبرة على الاختيار"
امتقعت والحيرة تضربها وشهقة بكاء قوية تضغط عليها كالحجر الغاشم… كررت منى تضغط على حروفها: "ما الذي تريدينه؟!"
تريد الصراخ.. هذا أول ما بزغ في عقلها …أول ما هدد بداخلها فور أن أدركت وجوده ومغادرته وأخذ مفتاح جنته ..جنتهما الخاصة!
رعدة عنيفة هزت جسدها بقوة فأحاطت نفسها بذراعيها علها تكبح الألم والقهر ..وشيء آخر يتمرد ..شيء يجتاح الذاكرة ولا ترغب في بزوغه الآن.. أمام عينيّ منى المقتنصة…
لقد نصبت له الفخ عن غير قصد فسقطت هي بداخله …لم تكن تبادلانه مجرد قبلات بل كل واحد منهما كان يحاول امتصاص روح الآخر عبرها ..زرع ألمه فيه .وحدته وعجزه ..إحباطه ومرارته …كبره ربما ..خالد يستصعب فكرة الغفران كما تظنها هي مستحيلة!
والإجابة أخيراً كانت طفولية مندفعة مليئة بالهواجس: "ما أرغبه لم يعد ذو أهمية ..لقد تركني خلفه وكأني مرض عضال ومعدي أصابه …وأخذ المفتاح خاصتي ..أنا أريد مفتاحي"
ابتسمت شفتا منى مرغمة، ثم علت الضحكة المكتومة وهي تحدق فيها بتعجب ساخر…
:-"لا تسخرين مني، يفترض أنكِ تنصحيني!"
رفعت منى حاجبيها وهي تضرب كف على أخرى ثم قالت بكبت: "كفى سوء ظن …أولًا في شأن المفتاح، بصراحة لديه أسباب قوية …رجل طال غيابه وعاد ليجد زوجته وحيدة شبه واعية في غرفة خارجية… ومنزله يعج بالحرس الغرباء حتى وإن كانوا محتجزين خارج أسوار المنزل …تخيلي معي كيف كان شعوره وما موقفه، وما الأفكار المرعبة التي قد دارت في رأسه؟"
فغرت شفتيها لبساطة التفسير غير المتوقع ..قبل أن تقول بتلعثم: "الغرفة مؤمنة يستحيل أن يقتحمها أحد …حتى أنه زودها بجهاز إنذار وقفل يستحيل كسره"
رفعت منى حاجب ماكر لوهلة ذكرتها بمكر بدور… ثم قالت ببطء: "غريب, لماذا لم ينطلق الإنذار إذاً عندما دخل خالد الغرفة؟!"
احتقن وجهها بالدماء ..ولم ترد…
تنهدت منى ثم قالت موضحة: "المسكين يعلم جيداً سوء الظن لديكِ لذا قبل أن يغادر شرح أسبابه معبراً عن رغبته في عدم تواجدكِ بالغرفة.. وأن لا أترككِ للوحدة مطلقًا"
عاد شيء من الحياة إلى وجهها وابتسامة تعلو فمها ببطء متوسعة شيئاً فشيئاً داخل صدرها: (ما زال يهتم)
واصلت منى بصوت ماكر: "ثانيًا أخبريني ما هو المرض العضال الذي أصبته به فهرب منه بعد أن بقي طوال الليل جانبكِ؟! وشيء آخر ما الذي يقصده بأنكِ كنتِ غير واعية وصدرت عنكِ تصرفات يستعجبها؟!"
شهقت بقوة وهي تضع يدها على فمها, تنظر لها من بين الخزي والصدمة هل أخبرها ..لا لا مستحيل…
رحمتها منى وهي تربت على يديها ناصحة بهدوء: "فكري جيدًا ، وقرري على مهل ..الشرخ بينكما يحتاج للاجتهاد سويًا لا طرف واحد ..قد ينفع قليلًا إقرار كل طرف منكما بجرحه للآخر يا سَبنتي"
أومأت بصمت… قبل أن تسمعها وهي تضيف: "المشكلة بينكما لن تحل بطرف يتحمل وطرف يضغط ..إن أردته كما أكد أنه يريدكِ في حياته …يجب أن تتخليا عن الماضي وتودعا أشباح الألم ..أنا لا أخبركِ أن تتنازلي ولكن حكّمي عقلكِ ..وسّعي الدائرة وأبصري كيف أن كل منكما جرح الآخر بالتساوي"
همست بخفوت: "كنت أدافع عن نفسي"
قالت منى بهدوء: "إن استمررتِ في وضع المبررات لا تأملي في الإصلاح"
قالت بلهفة: "أنا أرغب في الإصلاح"
دبت منى بإصبعها على قلبها وهي تقول بتشدد: "يجب أن تؤمني بداخلكِ بأنكِ تريدين الإصلاح ..لا مجرد التفوه به ..قول الشعارات لن يفيد, التظاهر بها لن ينفع ..لا حياة ومستقبل لكِ مع ابني إن ظللتِ بداخلكِ تكنين نحوه ضغينة أنه ابن ياسر الذي حطمكِ"
بهتت, ارتعشت وارتفعت أصابعها تتلف حول ساعد منى وكأنها تائهة في صحراء وجدت مرشدًا ينجدها ..وشيء من نور يتسلل إليها ليغمر الظلال الطويلة محاربة بشق الأنفس لتبدده: "أمي"
تنهدت: "معكِ حبيبتي"
هتفت سَبنتي بتحايل أضحك منى وأصابها بالعجب إذ أن التفكير لم يكن في محله بعد كل ما قيل: "أتوسل إليكِ لا تخبري فرقة الإعدام عني وخالد, لن أتحمل نظراتهن ولا مرحهن القاتل والسخرية مني"
قد تستحق أن تدفعهن دفعًا لعمل حفلة نميمة على حسابها بعد تغنيها بمدى كرهها لخالد وتنديدها بعدم الغفران له أو الرجوع أبداً ..ولكنها بكل أسف لن تفعل فهذا تحديدًا ما يبغضه ابنها حتى وإن لم يخبرها بشيء ..ولكن الأمر لم يحتج للذكاء لتفهم ما الذي جرى بينهما ….الحب لا يكفي ..ليس معهما تحديدًا فكيف لها أن تقدم يد المساعدة ليكسر كلاهما الحاجز الذي بُنيَ بينهما؟!
أغلقت منى جفنيها وهي تعود أخيراً تمسد على رأسها الذي أسندته في حجرها بهدوء ولأول مرة منذ زواجهما وبكل حسرة تعصرها.. حمدت الله أن لا أطفال بينهما ..إن كانت سَبنتي مصيبة في شيء واحد فهو لا داعي لوجود مزيد من الضحايا داخل العائلة، فيكفي أن أم الطفل المتمنى نفسها ضحية لجرائم الكبار…
********

يتبع الأن

: smi65:



التعديل الأخير تم بواسطة رغيدا ; 07-07-21 الساعة 12:38 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-07-21, 10:57 PM   #10722

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الواحد والسبعون الجزء الأول المشاركة "٢"

بعد أسبوعين…
منذ مروره العابر ..لم يحاول التواصل معها أيضًا.. وهي لم تفعل ولن تفعل… هي ترغب في الإصلاح ولكن هذا لا يعني قطعها العهد بعدم ملاحقته أبدًا كما الماضي …وهي بقدر إصرارها بعدم ملاحقته بقدر تمنيها أن يعود إليها لتخبره مرة أخرى لأي حد افتقدته…
تدرك أنها تبني نفسها من جديد ..تطور ذاتها التي تناستها لسنوات وخمدت تحت وطأة وقسوة التجربة، والمرض… ترغب في الاعتماد على سَبنتي جديدة دون الحاجة لأحد ..قوية كما كانت واثقة ومعتزة غير مهتزة ..إلا أنها تدرك حاجتها إليه أيضًا ليشد ذلك الضعف بداخلها، ليقوي قلة الحيلة التي تنال منها …قلة حيلة أصبحت تشعر بها تجاهه هو شخصياً..
الكلام سهل, الصوت الأحادي الذي ينال من عقلها بارع في الثرثرة …وتبقى الحقيقة العارية متحصنة ..كيف سينتهي الأمر؟!
"سَبنتي انتبهي"
العبارة القصيرة من صوت شيماء المتألم أفاقتها.. أمسكت بيدها وهي تتفحص بطنها الذي اصطدمت في سور السلم الزجاجي تهتف بوجل: "أنا آسفة.. هل تضررتِ؟"
زجت شيماء يدها بنزق يرافقها مؤخراً حتى اعتادوا مزاجها المتقلب وضيق خلقها: "لم أتضرر… عقلكِ هو من تضرر كما عينيكِ"
ضمت سَبنتي فمها بصبر ..قبل أن تقول بهدوء: "أنتِ محقة شوشو، الحق عليّ, هلّا هدأتِ؟"
هبطت شيماء على السلم وهي تحاصر بطنها المنتفخ بكفيها تهتف بخشونة: "هل تلمحين أني مجنونة… قوليها مباشرة.. هيا لوحي بأني مجنونة"
رفعت سَبنتي حاجبيها وهي تنظر إليها بشك ..ثم ألقت نفسها جانبها وهي تلف ساعدها تحت ذراعها عنوة …ومالت عليها تخبط رأسها بجانب رأسها مناغشة وهي تقول: "وإن كنتِ مجنونة ما العجيب في الأمر, أنتِ راوية أي أن من الطبيعي أن تصابي بلوثة عقلية …لا إياك وقولها.. هل صدّقتِ قصة أميرة آل هابر؟!"
ابتسمت شيماء من جديد بسهولة ..وهي ترفع أنفها بأنفة مضحكة ثم قالت: "أنا أميرة آل هابر قولًا ومكانة ..أشياءً وبرتوكولات لن يفهمها ويعترف بها العامة من أمثالكِ"
ضحكت سَبنتي مقهقهة وهي تضع رأسها على كتف شيماء… ثم تساءلت فجأة: "هل تظنين أننا ما زلنا بائستيّ آل الراوي؟!"
حركت شيماء كتفيها وهي تهمس مازحة بتآمر: "لا أعتقد ..أنتِ وحدكِ التي بقيت في حالة البؤس"
زجتها بضيق وهي تهتف: "بغيضة ومتفاخرة زيادة عن الحد"
قالت شيماء بإغاظة: "لا, أنا صريحة يا بومة"
تنفست بكبت ولم ترد …فهمست شيماء بتلاعب: "هيا اعترفي ما الذي تخبئينه عني؟"
ارتبكت: "أنا ..أنا أبداً.. مطلقاً ومتى خبئت عنكِ شيئاً؟!"
همهمت شيماء طويلاً وهي ترفع يديها لتثبت ملامحها حتى هتفت بدور فجأة: "هل ستظلان كالمشردتين طويلاً على الدرج؟"
أطلقت سَبنتي زفرة طويلة كمجرم خطير كان على وشك القبض عليه بالجرم المشهود ..وها قد أتى صوت بدور البارد لنجدتها..
وقفت شيماء مستندة عليها وهي تهمس: "لا تظني أنكِ أفلتِ ..لقد وافقت على الإقامة عندكِ خصيصًا لأحاصركِ وأستجوبكِ"
لم ترد بل أخذت يدها ضاحكة بسماجة لتساعدها للوصول للغرفة أعلى السطح ..تتبعان بدور التي تصعد بخطوات ثابتة بطيئة أمامهما..
"متفاخرة.. مغرورة"
همست سَبنتي لأذن شيماء التي كتمت ضحكتها وهي تهمس بتساؤل متأمر: "صفيها مرة أخرى, إلى أي حد تزهو بحملها؟"
قربت سَبنتي فمها من أذن شيماء وهي تهمس بالوصف: "مثل المرة الماضية لا ترتدي إلا كل ما يبرز بطنها المنتفخ بوضوح ..تمشي الهوينا وكأن لا امرأة في الأرض حققت معجزة الحمل غيرها ..طاووووس ..طاوووس يا ابنتي"
ضحكت شيماء ضحكة مكتومة وهي تهمس: "أشعر أنها تتخايل وكأن الحمل وساماً شرفيًا"
امتعضت سَبنتي وهي تهمس من جديد: "تخايل بدور لا شيء جانب انتفاخ صدر السيد راشد كلما وقعت عينه على حملها ..لقد ضجرت حقًا من مدى تباهيه.. بحق الله نحتاج أحد ليصفع مؤخرة رأسيهما ويخبرهما الحقيقة المُرة بأنهما أبوين فعلاً والمعجزة الكونية التي حققاها ..ينجزها الأزواج كل دقيقة"
كن قد وصلن لباب الغرفة عندما التفت إليهما بدور تمنعهما من التقدم وهي تمسك بكل واحدة منهما من طرف ملابسها قائلة بصوت شرير مهدد: "أنتِ يا قوقة وزعقوقة, احترما نفسيكما حينما تتحدثان عني من وراء ظهري"
انكمشتا حول بعضهما في رد فعل حماية وهما تضحكان في وجهها بسماجة …رجتهما بدور دون عنف وهي تنفض يديها متخلصة من آثارهما متظاهرة بالقرف ..ثم دخلت أخيرًا الغرفة..
لم تكد شيماء وسَبنتي تدخلان إلا ووجدتا مريم تهتف بفضول: "ما الذي تعنيه الألقاب العجيبة التي نطقتها؟"
استندت بدور على وسادة للظهر وهي تجلس على الأرض بحذر ..وقالت بسخرية: "نوة أخبري أختنا نصف الأمريكية عن التراث الشهير"
عبست مريم وهي تقول منزعجة: "هاااي أنا مصرية ونصف, أكثر منكِ شخصيًا"
هتفت شذى وهي تضع في المنتصف صينية ضخمة وضع عليها شطائر وحلوى وقطع من الشكولاتة وبعض المسليات: "طالما تجهلين بأهم علامات التراث، فأنتِ لستِ صافية العرق تماماً"
سألت مريم بنعومة ماكرة: "هل تعايرني يا شذى؟ أأنتظر بعد قليل طردي من المنزل حين تقولين بأني أخت غير شقيقة أيضاً؟!"
تلعثمت شذى وهي تصيح: "مهلًا.. مهلاً يا سيدة, لا تضعي كلامًا على لساني, لم أكن أنا البادئة به حتى بل أختكِ المبجلة"
أشارت نحو بدور ملوحة بإصبع شديد الاتهام…
ساد الصمت الحذر لدقيقة بينهن ..حتى مالت بدور تلتقط بأصابعها العاجية قطع من الحلوى التهمتها بشهية رحبة وهي تغمز لمريم: "ابتلعت طعمكِ الخبيث بسهولة ..شذى المسكينة على وشك رمي نفسها من النافذة من شدة الخزي والغضب"
انفجرت مريم ضاحكة وهي تحدق في وجه شذى المحتقن هاتفة: "أنتِ وهي لا تطاقان، لا عجب أن راشد شبهها بكِ مرة!"
التقطت نظرات مريم وبدور برفض تلقائي للفكرة ..بينما تدخلت سَبنتي وهي تقول بهدوء: "مريم وبدور بعيدتان بعد السماء والأرض ..لا أظن أن هناك بينهما شبهًا يتخطى المظهر الخارجي"
سخرت نوة: "ها هي الحاذقة تحدثت ..قالوا قديماً خذوا الحكمة من صغار العقول"
صححت شيماء ببساطة: "قالوا المجانين"
ردت مريم ضاحكة: "سَبنتي ليست مجنونة ..بل حمقاء أي صغيرة عقل أو معدومته تماماً تماماً"
هتفت سَبنتي : "احذرن كلمة أخرى وسأغادر"
رفعت نوة يديها الاثنتين مغلقة إصبعي السبابة والإبهام محركة عنقها وعينيها كما فمها في حركة ساخرة…
صاحت سَبنتي: "بدور"
شوحت بدور ببرود وهي ترتاح في جلستها وتضع قدميها الممدودة فوق بعضهما: "بدور ليست والدتكِ لتدافع عنكِ، لديكِ لسان كالسكين يمكنكِ استخدامه عليهن أم أنه حصري لشخص واحد فقط؟!"
ارتكت سَبنتي في ركن الحائط منكمشة بابتسامة مهتزة.. ولم ترد لا بسلب أو إيجاب مما جعلهن يتوقفن للحظة والنظرات تتعلق فوقها ما بين الندم والألم..
لمست بدور يدها وهي تقول بصوت أجش: "سَبنتي تدركين أن مزاحنا هنا حاد خالي من اللطف كما أنه أيضًا ليس هجوماً حبيبتي، فقط مرح أخوات"
أجبرت نفسها على الابتسام وهي تقول دون أن تنظر لإحداهن: "أعرف ..أنا فقط أحاول، لم أعد بالكامل يا بدور"
تداركها لهذا في حد ذاته يعد خطوة في طريق العلاج أليس كذلك ..تساءلت نوة بصمت وهي تنظر إليها بحزن… لم يدم للحظات عندما هتفت شيماء ما بين المرح والدفاع: "أتركن سَبنتي لحالها ..وإلا أقسم لأفضح كل واحدة منكن أمام مريم وأعد الصفات المخجلة في طفولتكن… هل تريدين معرفة أن بدور أيقونة الأناقة كانت تمشط شعرها بشق الأنفس ..ونوة كنا نطلق عليها اسم شارون الرهيب لأنها أجادت تمثيل دور الأخت الكبرى العاقلة متسببة في عقابنا جميعاً ..أما شذى امممم حسناً هي بكيزة كما هي أنظري مسكينة حقًا لم تبدل فيها السنين شيء"
انفجرن في الضحك علّ التوتر يزول حتى وإن ظلت شذى ممتعضة…
"لم تنسي رغم أنكِ أصغرنا" قالت نوة بمرح
وضحت شيماء ببساطة: "لديّ ذاكرة جيدة، وإلا ما كنت أفلحت بحياتي الآن"
ردت شذى مغتاظة: "وامتلكتِ لسان وجرأة لم نكن نعرفهما فيكِ شوشو هانم!"
لم تهتم شيماء بالرد وهي تسأل بلطف: "سَبنتي هل دللتني على كوب العصير, أشعر بأن ريقي جاف؟"
تناولت سَبنتي أحد الأكواب ووضعته بين يديها …بينما سمعن مريم تقول بخبث: "لسانها حلت عقدته مع الأشقر الوسيم ..أما عن الجرأة.."
تنحنحت بقصد.. مما تسبب في ارتباك شيماء التي هتفت بتحذير: "إياكِ.. لا أسمح لكِ"
قالت بدور بمرح: "تسمحين بماذا وبطنكِ أمامكِ مترين؟!"
هددت شيماء ملوحة بإصبعها: "قلت لا أسمح, أنا جادة"
سحبت نوة إحدى الوسائد ووضعتها على الأرض قبل أن تنبطح فوقها ثم قالت بنبرة طبيعية: "أتعملن أتمنى لو أن أمي وافقت على مشاركتنا الجلسة بدل تحججها بالاعتناء بيحيى"
ردت مريم وهي تخطف قطعة من الحلوى كقط حذر: "وتمنيت أن تكون هناء معنا أيضاً.. لقد اعتدت على تجمعنا ..ولكن يبدو أن الأخ تيام سيمنعها من المشاركة لوقت طويل"
قالت بدور ببساطة: "ولهذا السبب تحديدًا أصرت والدتي على أن تجلب شيماء بيننا رغم أنف نزار المعترض"
تدخلت سَبنتي من جديد وهي تقول ضاحكة: "وكأنه يتركها، لولا أنه يغادر آخر الليل لأصبح مقيمًا رسمياً عندنا"
هزت نوة رأسها في حركتها الساخرة بشدة ثم قالت: "وكأن المنزل ينقصه الأمير هابر ..ألا يكفينا سيد طرزان؟!"
رفعت بدور حاجبيها الباردين وهي تقول: "ما زال موضوع طرزان يؤثر فيكِ.. أتريدين أن أستدعيه ليناقشكِ في الأمر؟"
سحبت نوة الوسادة وضربتها نحوها وهي تهتف: "وقحة ..حمقاء"
صاحت شذى تقطع شجارهن القصير: "مريم توقفي لقد أكلتِ نصف الكمية، هل هذا مسمى الحمية عندكِ؟!"
بهتت مريم وهي تزج في فمها بقايا القطعة العالقة ..ثم تحدثت بفم ممتلئ: "والدتكِ قالت أن الحمية خطر على الرضاعة ..بعد فطام يحيى سنرى الأمر"
خبطت بدور جبهتها بيأس وهي تنظر مثلهن لمريم ..بينما علقت سَبنتي ضاحكة بشدة: "في الصباح فقط أصبتني بالصداع وأنتِ تسألين عن أفضل طريقة، وإن كان هناك دواء آمن يساعدكِ ..وصرحتِ بأنكِ بدأتِ الطريق قبل ساعات فقط"
شوحت مريم وهي تقول: "سأبدأ من يوم السبت إن شاء الله ..أنا أتفاءل ببداية الأسبوع في الحمية"
علقت نوة ساخرة: "كل نساء الوطن العربي يتفاءلن بالسبت ..كلي يا مريم كلي حبيبتي, لن يأخذ أحدنا من الدنيا شيئاً إلا الأكل"
ردت سَبنتي بلهفة وهي تنسحب من مكانها القصي تتناول شطيرة ضخمة: "أتعلمين يا نوة أنتِ دائماً المفضلة لي بينهن، لأنكِ تدركين القيمة الحقيقية للأشياء, والطعام أحدها، بالله من الأحمق الذي يترك متعة الأكل من أجل شيء آخر؟!"
ردت بدور بغيظ: "طبعاً يحق لكِ القول, فأنتِ تأكلين كالبقرة في الحقل, لا الحشائش تنفذ ولا البقرة تشبع أو تصاب بالسمنة"
أخرجت سَبنتي لسانها تغيظها وهي تلتهم من شطيرتها بنهم ..وتتناول اثنتين بين يديها وضعت واحدة في يد شيماء واحتفظت بالأخرى…
كانت عينا شذى تترصد سَبنتي كالصقر ممتعضة منها ولم تصفى لها رغم إرادتها …عندما قالت بجمود: "هل يمكننا التطرق لأمر عالق, ربما….."
هتفن جميعهن بصوت واحد عادى سَبنتي: "لا"
ساد الصمت لثوان قبل أن تعتدل نوة بتكاسل وهي تقول: "بالله عليكِ, أنا أصبحت أتهرب من زوجي كل حين حتى أراكن، فهلّا مرّرنا الأمر ولو لزيارة واحدة دون مشاكل؟"
امتعض فم شذى على جنب واحد ولم ترد …وقالت مريم بمرح في محاولة لكسر الصمت من جديد: "بدور هل عرفتِ نوع الجنين؟!"
نفت بدور وهي تقول بهدوء: "اتفقنا أن نجعلها مفاجأة لنا… كما تعرفين محاولة مجهدة لتعويض لكل ما فاتنا في حملي بإياب"
ردت نوة بإحباط: "نفس مكركِ المرة الماضية, أذكر أنكِ رفضتِ التصريح أيضًا"
تنهدت بدور وهي تهمس بابتسامة شجن: "أخبرت والده حينها، وحده من كان يعرف بقدوم نمري الصغير"
تساءلت نوة سريعاً بعفوية مرحة: "كيف يتعامل طرزان مع التوأم.. أرجوكِ أخبريني أنه يتحامق كالشباب ويجلس على ركبتيه ليسمع نبضهما"
ضحكت بدور وهي تترفع عن الرد ..بينما هتفت سَبنتي مدافعة: "ولما لا يفعل.. هو شاب فعلًا على فكرة ..وهي تستحق ..أم تظنين أن زوجكِ فقط من يحق له فعلها؟!"
لوحت مريم وهي تقول: "انظرن.. ما شاء الله الخجول الخانقة تتحدث عن الأزواج …هل أنتِ مريضة يا سَبنتي؟!"
سخرت شذى: "لا ..السؤال السليم هل تدرك البريئة البلهاء ما يحدث بين الزوجين؟!"
بينما ردت شيماء بضحكة مكتومة: "في هذه لن أستطيع الدفاع عنكِ.. معهن حق"
صاحت سَبنتي بحنق: "مزعجات ..متطفلات"
قالت نوة قاصفة: "كنت أتمنى ولكننا جميعًا نعرف يا بسبوسة أن ليس لديكِ ما نحاول التطفل عليه"
لم تسيطر سَبنتي على لسانها الذي هتف دون تفكير: "ربما لديّ الكثير ..أسرار وخبرات تفوقكن جميعًا، أداريها خوفًا من الأعين الحاقدة"
تهلل وجههن في ابتسامة حمقاء ..وهن ينظرن إليها نظرة القروش التي وجدت سمكة بلهاء سقطت في حوض الضواري…
سألت بدور بخبث وهي تغمز لها بقصد، ذكرها بالتقرير الذي خضعت له بعد يوم واحد من زيارة خالد العابرة: "وما الذي نجهله يا بسبوسة؟! أخبريني أنا حبيبتي.. سركِ في بئر عميق يسكننه أخواتي فقط"
هتفت بحنق محتقنة: "متن بغيظكن لن أتفوه بحرف ..يا بطل"
اعتدلت بدور بزهو تمسد بطنها بتفاخر قبل أن تقول بغرور: "بطل وصف قليل في حقي أليس كذلك …أمم ترى ما الذي يطلقه عليكِ هالك؟"
ردت مريم ضاحكة: "حمقاء طفولية ..ألم تري البدلة الرياضية التي لم تكن ترتدي غيرها أول شهر بزواجها …فقد كانت أصابتني شخصياً بالإحباط, فماذا عن المسكين؟!"
"توقفن" هتفت بدور بحزم لا يقبل مراجعة ..وفهمن الرسالة دون نقاش.. هي تحاول وهن أيضًا يحاولن جذبها ..ولكنها غير مستعدة بعد لتدخل معهن بالكامل ..ما زالت ترهب، تخاف وتتردد…
معظمهن لا يعرفن طبيعة حالتها إذ أن خالد وراشد سوياً تمسكا بعدم التصريح ..ولكن نوة تعرف كل شيء بالتفصيل وقد أخبرها راشد مرة في لحظة صفاء عفوية مصرحاً لها عن رعب يعيشه ويكبته بالصبر والأمل…
ابتسمت نوة وهي تسأل فجأة بعفوية: "ماذا عنكِ إذاً ..لم يسمح لنا الوقت بتقريركِ وقد وعدتِ ببعض المعلومات"
لوحت بدور بهاتفها وهي تقول مهددة: "أتريدين أن أحدثه؟!"
تأففت وهي تقول: "قصدت الجانب المعنوي ..تباً لعقلكِ المنحل"
همست مريم ممتعضة: "وأنا أردتُ الجزء المنحل تحديدًا.. ما هذا الإحباط.. لا قول ولا فعل؟!"
نظرت إليها شذى باستنكار شديد فصاحت مريم: "ماذا شذى هانم؟! ألم تمري بفترة محبطة من قبل؟! لا أظن, بل أصدق أن زوجك المسكين يعيش معكِ في برود وقحط دائم"
سألت شيماء ببراءة: "وماذا عن نوة، لم تحاول إحدانا سؤالها يوماً, ترى ما حال العم مدحت الطيب معها؟"
دبت نوة على صدرها وكأنها تعرضت لإهانة غير محتملة وهي تقول: "أتشكين للحظة بأني أعيش في هناء دائم؟! لا, لا أسمح لكِ, من المستحيل أن أفرط في مدحت أو سعادة مدحت وأنفذ كل ما يرغبه زوجي حبيبي.. طبعًا مؤكد وهل أنا ربحته في كيس شيبسي لأرهقه وأتعب قلبه؟!"
حملقن فيها للحظات من الرد العاصف والهزلي ..ثم انفجرن في ضحك مدوي…
تبعه قول بدور التي هدأت أنفاسها قليلًا من ضجيج الضحك: "أتعلمن تلك الأغنية الشهيرة التي يتغنى فيها المطرب بلوعة الحب والعذاب …ويبرر عودته بالقول (ضيعت عليه العمر يابويا وأنا ليا معاه حكايات)"
تنهدن بحالمية حمقاء ..بينما تابعت بدور مبتسمة بتعجب من نفسها قبلهن: "هذا تحديدًا يختصر الكثير بيننا، لقد ضاع عمرنا في التحدي والانتقام والعناد وربما الغباء المتبادل ..وبالنهاية اكتشف أحدنا الآخر بكل ألم وانتصار ..أن أحدنا لا يكتمل إلا بالآخر ..نحن نجاهد ونحاول ..نقاتل الماضي ومخاوف الحاضر والمستقبل.. ونكتشف السر الأعظم.. العمر ضاع سويًا ولا يمتلك أي طرف فينا حكاية إلا حكاياته مع ..حبيبه"
انعقد لسان نوة في فعل نادر..
بينما هتفت شذى بحرارة: "بدور تتحدث عن العشق والطرب ..يا إلهي هل اقتربت الساعة؟!"
نطقت شيماء ضاحكة: "بدور كانت رومانسية حالمة دائمًا ..العيب كان فينا لم نعرف باكراً"
"أريد أن أسمع الأغنية" نطقت مريم ببساطة شديد قبل أن تضيف بحالمية: "أنا لا أعرف إلا (والمطرُ الأسودُ في عيني
يتساقطُ زخاتٍ زخات
يحملني معهُ، يحملني
لمساءٍ ورديِ الشُرفات)"
تبعت قولها الحالم وهي تقف متراقصة متغنية متحركة كفراشة مكتنزة..
لم يسخرن كالعادة ..بل وقفت شذى سريعًا تشغل السماعات المعلقة في الغرفة وتوصلها بهاتفها…
على كلمات (على حسب وداد قلبي يا بوي)
ضجت الغرفة في المرح بينهن ..ضاحكات بسعادة وتآلف أخوي طال غيابه.. يحببن هذه الأوقات الخاصة ..يعدن فيها أطفال ..مراهقات لم تجرح قلوبهن ولم تظهر عقدهن بعد ..بم يتورط بعض فروعهن في حكايا مؤلمة أنَّ لها سائر أفرادها بالقهر حتى وإن عبرن بها بالتباعد..
جذبت مريم بدور بإصرار: "تعالي شاركينا ..حلمي أن أراكِ ترقصين"
ابتسمت بدور وهي تقول برفض أنيق: "أنا لا أجيد الرقص الشرقي يا مريم"
"كاذبة" هتفت شيماء ويدها تتسلل وراء ظهرها
قالت بدور بحنق: "تأدبي ولا تنسي أني أختكِ الكبرى"
قالت شيماء بتحايل: "أرقصي إذًا واسمحي لسبنتي أن تصف لي"
وقفت بدور مستندة على يد مريم الممتدة وهي تقول: "من أجلكِ فقط، لا تطمعي بشيء آخر"
أومأت بتصديق كاذب.. بينما سحبت بدور نفساً طويلاً قبل أن تتحرك وتتمايل على كلمات الشجن والأمل…
شكلها كان لطيفاً كما وصفتها ..بطنها المنتفخة بشكل محبب تتحرك معها بتناغم ملهم… وكأن الحمل يزيدها جمالاً.. لقد سمعت راشد مرات يصرح بزهو أن الحمل يليق بها وخلق من أجلها ..وهي لم ترى حقاً امرأة قط أكثر لطافة وجمال بأحشائها المنتفخة غير بدور…
تصاعد اللحن وتوالى شجن المطرب ولوعته كما ضجيجهن حول بدور التي تتمايل برقة ونعومة ..وهي وصفت لشيماء كما طلبت ..وكأنها عيناها تمتلكهما مثل الماضي تماماً.. وكأنهما سقطتا في فقاعة زمنية تمنت أن تبقى إلى الأبد ولا تخرج منها أبداً ربما ترتاح من الألم والحيرة والتخبط..
الكلمات تزداد علواً ولوعته بصوته الشجي تزيدها لوعة ..تلهبها بالشوق ..تحث فيها الأمل المتمني مثله..
لا هي لم تفكر حتى قبل أن تخرج هاتفها بأصابع خرقاء تتخبط وتكتب الكلمات وترسلها إليه أخيراً بعد عزوف وصل أربعة أشهر كاملة الآن..
(موال الصبر أهو داب من يوم الحب ماغاب
ولا عمري يا عين يا ليل ما تقرب لينا أحباب
وأنا صابر عالمقسوم يمكن يرجعلي في يوم
وتكون لي معاه تاني يابويا أيام حلوة وحكايات)
" يا الهي ما الذي فعلته ؟!اضطربت وهي تتخبط لتمسح الرسالة المتهورة سريعًا إلا أن الأوان كان قد فات اذ أوضح المؤشر انه قرأها بالتأكيد ..ولكن لوقت طويل ..طويل جدًا لم يكن هناك أي رد… حتى انتهى احتفالهن وعادت كل واحدة منهن تجلس مكانها بأريحية يتجاذبن الحديث في شؤون أخرى مثل العناية بالأطفال وطرق تربيتهم والمواقف الطريفة التي تحدث منهم ..ثم تطرقن لولادة شيماء القريبة التي ينتظرون حدوثها بأي لحظة ..وهذا بالطبع السبب الرئيسي لإصرار والدتهن للإقامة معها حتى تصبح تحت عينيها، فأول سبب السيدة هناء ما زالت مرهقة والعناية بالوافد الجديد تأخذ كل انتباهها… ونزار طوال اليوم في عمله بالجامعة ..وليلاً منشغلاً في مكتب المحاماة الذي افتتحه حديثًا… وشيماء بطبعها حساسة إن استشعرت أن وجودها أصبح ثقيلاً على أحد تنزوي في ركن خاص بها ..رغم أن نزار وعائلته رفضوا رد فعلها ..ورفضوا بتشدد اقتراح منى القاضي ..ولكن بالنهاية بناءً على رغبة شيماء بالتواجد بين أخواتها المجتمعات في زيارة لعدة أسابيع …رضخوا على مضض…
الحديث الذي يخضنه لم يعنيها بشيء.. ربما هي لديها خبره جيدة بالعناية بالأطفال ..ولكنها لا تحب التطرق إليها ولو من باب الحديث العفوي.. تحاول تجنب أي تعليق سلبي قد يزعجها …عالمة أنهن جميعًا ينتظرن بكل لهفة خبر لطفل خالد… لا أحد يفهمها ..لا أحد يستوعب ذعرها من الأمر برمته.. رغم ذلك الاجتياح والاحتياج العنيف الذي أصبح يلح عليها فجأة بالتمني أن تختفي العقدة يومًا.. وتتخلص من العلاج بالطبع..
تظن أن الشعور بحمل طفل خالد لا يضاهيه إحساس آخر بالعالم.. إن كانت بدور بذاتها تخطت أصعب مخاوفها وحملت مرة أخرى وبطفل من راشد ذاته ..فلما لا تفكر هي يومًا ما بالأمر؟!
رفعت هاتفها تراقب الشاشة المظلمة بإحباط ومن أين لها التفكير في طفل ..ووالد الطفل نفسه هارب منها؟!
لكن الرد أتى بمقطع آخر من الأغنية: (لا هسلم بالمكتوب ولا حرضى أبات مغلوب
وحقول للدنيا يا دنيا أنا راجع للمحبوب
ونغني أغاني جديده مليانه حكاوي سعيدة
وهانغزل توب الفرحه يابويا وحاقول يا حبيبي سلامات)
أنار وجهها المظلم في لحظات ..وتوسعت الضحكة الفرحة الدامعة داخل عينيها ..وهي تضم الهاتف إلى صدرها بحذر ..قبل أن تتسلل رويدًا من بينهن قبل أن ينتبهن لها ..فتحت الشرفة ثم أغلقت الباب خلفها ..ووجدت ركن متواري لتحشر نفسها فيه…
فتحت هاتفها من جديد بلهفة ..لتجد رسالة أخرى منه: (عذرًا للتأخير في الرد.. بحثت عن الكلمات وانتقيت منها ردًا مناسباً على الرسالة العجيبة)
ضحكت بخفوت وهي تضم فمها بكفها ..قبل أن تعود للمس الهاتف سريعًا وترسل: "المهم أنك أجبت"
ظل خالد لدقيقتين ينظر للرسائل دون مرح، وجهه جامد مناقداَ للهيب الفؤاد الذي يصرخ مطالبًا بفرصة جديدة..
عندما طال رده ..أرسلت من جديد بكلمات تفوح حزناً وتخاذلاً: (هل أزعجتك؟! لم أقصد أن أقتحم خصوصيتك.. الأمر أني تفاعلت مع الكلمات ولم أفكر قبل إرسالها)
تحرك من فوق المكتب الصغير داخل الشقة الضيقة التي لا تحتوي إلا غرفة واحدة وحماماً فقط… متوجهاً نحو النوافذ المطلة على شوارع لندن المظلمة.. ثم أرسل واجماً: (وما الجديد يا سَبنتي؟! أنتِ لا تفكري أبداً قبل أخذكِ قرار سيلازمكِ عمراً كاملاً)
سقطت الابتسامة عن وجهها ببطء وهي ترسل بأصابع مرتعشة: (نعم معك لا أفكر ..لم أظن يومًا أني أحتاج للتفكير ..كل شيء معك مختلف يا خالد)
قرأ الرسالة من جديد على مهل, متشرباً حروفها ما بين الألم المكبوت والتعب العاصف ليس منها بل تعب هو بدونها …نظراته امتدت داكنة شاردة…
:-(أتريد فراقي؟ قلها وأنهي الأمر فحصد الألم من جذوره دفعة واحدة، أفضل من تركه معلق يئن)
تسارعت يداه دون تردد: (أنا لن أتخلى عنكِ أبداً ..ألم تمنحكِ الكلمات المنتقاة إجابة كافية؟!)
ارتعشت ابتسامة مترددة على شفتيها وهي تكتب: (لماذا غادرت إذًا؟ لماذا لم تحاول لمرة واحدة التواصل معي؟!)
لأنه بين ذراعيها غرق فيها حد الثمالة.. فقد توازنه ونسي نفسه ..تذكر ملمس بشرتها الناعم جعله يرتعد كما تهاوى ليلتها فوق فراش شهد ليالي مؤرقة حالماً بها لا غيرها ..وشهد ليالٍ أخرى لحبيبة عادت بالجسد دون الروح..
ولكن تلك الليلة اختلفت ليس لتقديمها نفسها له فقط.. ومطالبتها بحبه، وأشواقه.. كان تنفسها داخل أذنيه نارًا أذابت صلابته حتى كاد قلبه يتوقف نهمًا وعجبًا… لقد كانت سَبنتي التي يعرفها، سَبنتي التي تمناها ورغبها دون كل مغريات العالم ..وهذا بقدر ما أبهج القلب العليل أخافه..
يريدها ..لا يستطيع التخلي عنها.. لا يملك هذه القوة حتى وإن أراد.. حتى والعقل يلح عليه بتسريحها إحساناً.. كيف يتخطى ما قيل، ما حدث …وإهانتها له ..وإهانته لها؟!
لم يتخيل خالد في أقصى أحلامه تطرفًا أن يرفع يده على امرأة.. فكيف الحال إن كانت هذه المرأة زوجته ..سَبنتي التي وعد بحمايتها حتى من نفسه؟!
أرسل بعد وقت بجفاء: (كنتِ واعية إذاً لما حدث؟!)
اختنقت بالخجل وهي تنظر لكل مكان حولها مفكرة بإغلاق الهاتف نهائيًا والهرب من الحديث ..إلا أنها تماسكت للنهاية وخاطر قوي غريزي ينسج دواخلها أنثى جديدة تجيد التلاعب وتخبرها أن لا ضير ولا حرج إن بدأت هي بإصلاح زواجها واكتساب زوجها …فكتبت: (أنت تعلم أن الأدوية تؤثر بإدراكي أحياناً ..ربما في البداية لم أكن واعية تماماً ..ولكن ..لكن عندما ضممتني أنا ..أعني..)
قطعت الحديث وهي ترسل له وجه قرد يداري وجهه..
ابتسم فمه القاسي أخيرًا وهو يكتب: (طريف الملصق وودت أن أقول يشبهكِ أحياناً ولكن هذا أوقع)
ثم أرسل ملصق للبومة.. ألحقته هي بوجه غاضب وآخر مندد…
تنهدت قبل أن ترجع رأسها للوراء وترفع الهاتف للأعلى وأرسلت من جديد بوضوح: (أنا لا أريد البعد عنك …تمنيت لو بقيت)
ضاقت عينا خالد بتشكك وهو يعاود النظر للاسم وقراءة كل كلمة مكتوبة ..ظاناً أنه يهلوس ..أو أن المرسل مخطئ!
بالنهاية كتب بوضوح صريح أيضًا: (لقد أخبرتك مسبقًا أني أريد زوجة لأبني معها حياة سعيدة.. بيت جدرانه صلبة وأساسه قوي)
:-(ألم أعد تلك الزوجة يا خالد, لهذا هربت مني؟!)
أرسل على الفور غاضب مهدداً: (إن تجرأتِ واتهمتني مرة أخرى بفعل لم أقم به ..لا تكلفي نفسكِ عناء التواصل)
أغلقت جفنيها متألمة مندهشة من الحدة والصد.. ثم فتحت عينيها من جديد وهي ترسل: (لم أقصد الإهانة ..لذا أعتذر عن مراسلتك كلها)
أغلقت الهاتف بتخاذل وهذا الشعور المريع يعود ويجتاحها دون تمهل أو شفقة ..حتى رن هاتفها باتصال هاتفي تقافز له القلب الأحمق مجيباً…
فتحت الاتصال دون تردد ولكنها لم تجب على الفور..
صوته كان متلهف رغم فتوره: "أرجو أنكِ لا تبكين، إذ أن نواحكِ أصبح خانقًا"
شعرت سَبنتي بخيط من نار يمر من عمودها الفقري .ولكنها تماسكت لآخر مدى وهي تجيب بهدوء: "لم يجبركِ أحد على سماعه ..يمكنك الإغلاق ونسيان الأمر نهائيًا"
ساد الصمت بينهما لا يتخلله إلا صوت أنفاسه الغاضبة ..ثم رد بنبرة لا تقبل التشكيك: "لم أهرب.. بل منحتكِ اختياركِ لآخر لحظة.. لم أرغب أن يتسبب ما حدث في التأثير على قراركِ يا سَبنتي"
ارتجفت شفتاها وهي تهمس مكررة: "أريدك أنت"
الفؤاد يتلوى، وتلك النبرة المجروحة تنغرس فيه للأعماق فتهشم حصوناً وتبني قلاعاً لها من جديد ..يا الله أنا عالق بها…
ولكنه أجاب مغايرًا خشنًا: "لأنكِ تحتاجيني أليس كذلك؟ لقد جربنا هذا قبلاً ولم يفلح"
هتفت سَبنتي بصوت أجش حاراً: "لم أعد أحتاجك …لا لا ..أعني أني أحتاجك، ولكن لأسباب مختلفة"
سأل بصبر والنبرة خشنة متعبة: "ما هي؟ هل يمكنكِ إخباري الآن بأنكِ تحبيني كما أحبكِ يا سَبنتي؟!"
شحبت ملامحها وهي تتراجع ملتصقة في الحائط وكأن الطلب العفوي والطبيعي عن أبسط حقوقه أخرج أمامها أسوأ مخاوفها من جديد.. نهتت وهي تهمس بتقطع: "لا ..لا أستطيع، ليس بعد ..ليس بعد"
تصلب وجهه الذي تلون بالوجع ..مسبل الأجفان, محبط الإحساس, والنبرة التي سمعتها منه أوجعتها بقدره: "لمَا يا سَبنتي ..ما الصعوبة في توجيهها لي بدلاً من تغنيكِ بها مع كل شخص عدا الإنسان الوحيد الذي يستحق سماعها منكِ؟!"
ساد الصمت لفترة.. عيناها تتعلقان في السماء كالعادة تراقب إنارتها بالقمر ..لا تحبها بنور القمر ..هي لا تحب القمر ..بل تهفو الروح لنور الشمس عندما يخفت ببطء منزلقة وراء الغيوم حتى تموت داخل الغسق ..
"سَبنتي" هتف صوته محذراً وكأنه يدرك حيلتها النفسية التي تتبعها للتهرب من ذكرى لا تريد التوغل فيها..
همست والدموع تنساب على وجنتيها بغزارة: "خائفة ..قولها لك مرعبًا.. أخاف أن تسمعها فتزهدني كلي ..وأنا ..أنا أريدك معي بكل أنانية.. إن كنت أنا الشيء الوحيد ذو القيمة الذي أردته من الدنيا …فأنت لي ..أنت الدنيا يا خالد، الحياة بدونك لا تستحق.. لقد كنت دائمًا حتى في غيابي أملي الوحيد وحلمًا عشت أصبر نفسي به حتى لا أنهي حياتي.. كنت أعرف أني بنهاية المطاف سأعود إليك"
تأوه بصمت وهو يلقي جسده الضخم على أقرب مقعد ..حاجباه معقودان, فمه مشدود, عيناه مطبقتان والنظرة الشاملة لا يمكن وصفها…
:-"أليس كل هذا اعترافاً تريده يا خالد؟! ألا يكفي لإقناعك؟!"
تحدث أخيرًا بنبرة خافتة خشنة: "أريدكِ الآن أمامي"
ابتسمت بحزن: "كنت معك واخترت تركي وراءك"
ساد صمت هادئ بينهما لا يتخلله إلا دقات قلوب مفطورة، ومهزومة بالاشتياق ..نطق هو أخيرًا وهو يسحب نفساً رهيباً: "أنا آسف"
انقبض قلبها وهي تسأل: "على ماذا؟"
أجاب بنفس النبرة: "آسف لأني وعدت نفسي بعدم ملاحقتكِ، أو البدء معكِ يا سَبنتي ..أنا أترك لكِ حرية الاختيار كاملة، أفتح لكِ قفص بيت الراوي وأطلب منكِ التحليق خارجاً.. اختاري حبيبتي ..اختاري دون أن يفرض عليكِ.. بدون أن تبقيكِ حاجتكِ لي"
شهقت باكية: "خالد ..أتسألني الفراق؟! ألن تغفر لي؟"
سأل بهدوء: "وهل غفرتِ أنتِ؟!"
هدرت بلهفة: "نعم ..نعم ..لقد اندفعت وأخطأت ولكن ..لكن أنا.. أنا.."
قاطعها ببساطة: "أعرف جيدًا الآن ما الذي عنيته.. أدرك حجم معاناتكِ، ولكن بماذا يفيد الفهم بعد فوات الأوان؟!"
هتفت بصوت حار: "لم أعني حرفاً مما قلته, كنت معمية بالغضب، بالغيرة وبالخذلان من نفسي قبلك"
ابتسم وهو يقول بصوت متحشرج قاسي: "أدرك أنكِ سليطة اللسان.. غبية ..ولم تعني الكثير ..عادى موضوع ابن ياسر طبعاً"
همست بضحكة مختنقة بائسة: "وأنا ابنة عزام ..لذا لا أظن أنك تأخذ الأمر ضدي إن وضعته في رأسي، ضع أنت أيضاً أني ابنة حيوان.. خالصين"
اعتدل خالد في جلسته متوتراً مصدوماً من بساطة المنطق.. ثم هدر ضاحكاً: "لا أريد حياة يخبئ كل واحد منا خنجراً خلف ظهره للآخر ..لن أقبل أن أضم امرأتي إليّ كل ليلة وهي تخبئ في عقلها الباطن أفكار قذرة حاقدة"
نشجت بيأس: "كنت أحتاج لإخراج الألم ..افهم ..افهم"
يفهم, يقسم أنه يفهم ..ولكنه عاجز عن تخطي إهانة رجولته ..عن سبه بأبيه حتى وإن كان أذاها حياً وميتًا.. ولكنه يتفهم ..يقسم أنه لا يريد جرحها ولا يرغب في جعلها تتحايل أو تكون هي من يبدأ الإصلاح.. ولكنه طريق عليها أن تقطعه، وهو عليه أن يدفعها لتخوضه وحدها…
قال أخيرًا بصوت أجش: "سَبنتي، أنا لن آتي، ولن أحدثكِ مرة أخرى.. هذا قرار نهائي"
شهقت كمن يخرج نفسه الأخير ..فسارع يقول بنبرة صارمة: "ولكني لن أمنعكِ أو أردكِ إن اخترتني بنهاية المطاف ..وأتيتِ إليّ بنفسكِ.. ولا يا حبيبتي هذه ليست محاولة إذلال.. بل أترك لكِ باباً مفتوحاً لتأخذي قراركِ واثقة بنفسكِ قبل ثقتكِ بيّ"
هزت رأسها موافقة ..والبسمة الغادرة تعود تحتل عينيّ البنفسج الذي على وشك الازدهار نافض الحزن بعيدًا…
لم يغلق الهاتف بعد ولم يرد أيضاً ..عندما دوت صرخة مرعبة من شيماء هزت جدران المنزل كما قلبها.. وقلب خالد الذي انتفض متسائلاً عن ما يحدث..
************
لقد استغرقت ولادتها يومًا كاملاً وليلة …رغم تسارع الطلق معها ..ولكنها أخذت وقتاً طويلاً فخطفت معها قلوبهم حتى وصلت الأميرة الصغيرة للحياة أخيراً…
حاولت سَبنتي الدخول معها فلديها خبرة مسبقة خاضتها مع جوان ..ولكنّ منى هي من منعتها ..لن تنكر أن الأمر أحزنها ..وإن لم تجادل أو تسأل عن السبب …كما أنها لا يعجبها نظرات بدور ووالدتها لها مؤخراً..
كانت نظرات حذرة متفحصة وكأنهما تتوقعان منها شيئاً معيناً وتجزمان بحدوثه …كانت تجلس على أحد المقاعد تجاورها بدور التي رفضت المغادرة من أجل الراحة ..وباقي العائلة عادوا صباحاً للمنزل من أجل الصغار بعد أن اطمئنوا عليها…
منى ونزار اختفيا داخل الغرفة التي نقلت إليها ..وجوشوا أو العم عبد الرحمن كما طلب منهم أن ينادونه… بقي أمام الغرفة التي نقلت إليها الصغيرة..
لم ترها حتى الآن ..رغم أن الجميع حاول إقناعها ..ولكن سَبنتي لم تستطع أخذ هذه الخطوة بعد حتى تطمئن على رفيقتها ..وتبصرا الصغيرة سويًا كما تعاهدتا قبل ولادتها…
نصبت قامتها ببطء وعيناها تتحركان بتوتر كما علت أنفاسها تأثراً، وهي تراقب والد نزار يرافق إحدى الممرضات التي تدفع أمامها سرير زجاجي ثم يختفيا خلف الباب..
وقفت بدور من مكانها تمسد بطنها بحلاوة وهي تقول بهدوء: "سأدخل إليها …ألن تأتي معي؟!"
ارتعشت ابتسامة سَبنتي وهي تقول بخفوت: "إن دخلت الآن سأفسد اللحظة عليها وزوجها ..قليلًا وسأتبعكِ"
عبست بدور متسائلة: "وكيف ستفعلين؟!"
فتحت فمها تجيب بمنطق خاص ..ولكن نزار الذي فتح باب الغرفة مبتسماً مهللًا قطع عليها كل الحجج: "بقة، زوجتي تريدكِ.. أسرعي"
حينها لم تتردد في الوصول إليها…عندما وصلت أمام الفراش الذي تمددت شيماء فوقه توقفت خطواتها ..تنظر للطفلة بين ذراعي جدتها بابتسامة جميلة وضاءة جعلت وجهها الذي استرد عافيته منذ تلك الليلة معه.. يتورد ويزداد جاذبية وجمال…
"تعالي" حدثها العم عبد الرحمن بحنان وهو يقف من مكانه مفسحاً لها الطريق…
تقدمت خطوتين حتى التصقت بالفراش وسقطت جانب شيماء التي بحثت عن جانبها حتى تتشبث فيها وهي تهمس بصوت أجش متعب: "حاول نزار أن يريني إياها ولكني منعته ..لن أستشعر حلاوة وصفها ويراها قلبي إلا بعينيكِ أنتِ"
لم تنزع سَبنتي عينيها المتوسعتين بذهول عن الصغيرة الشبيهة بقطة بيضاء زغبة بين ذراعيّ منى..
"يا إلهي أنتِ أم.. متى حدث هذا تحديدًا؟ بالأمس فقط كنتِ ابنة العم الرقيقة التي تتبع خطواتي وأوقعها في المشاكل!" نطقت أخيراً بنبرة مندهشة وكأنها لم يكن عندها خبر مسبق بحملها لتسعة أشهر كاملة وربما يزيد أياماً!
نظر إليها الجميع بتعجب ضاحك ..كما ضحكتها التي انفجرت ببلاهة ويدها ترتفع تضعها على فمها وتغص في ضحكة حمقاء للغاية غير مفهومة أو مناسبة للموقف، وما أثار ذهولهم حقًا هو رد فعل شيماء المطابق لها تضحك وتبكي وهي تهتف: "لقد أوقع بيّ.. أنا أم…"
وقفت منى من مكانها تنظر اليهما مبتسمة بكل حنان ورقة ..لم تستعجب أمرهما وإن كان القلب يرتجف رهبة لرؤية صغيرتيها اللتين لم تفلح أي أحقاد أو مصائب للتفريق بينهما…
نزار أيضًا استند على الباب يراقبها مبتسماً بعد طول عذاب وقلق…راضيًا جدًا ومتقبلاً إصرارها على أن تخوض معها سَبنتي أول لحظات اللقاء…
حركت بدور رأسها بيأس مبتسمة بينما تسمع والد نزار يهمس: "أشعر أن شيماء تتفتح للحياة والعالم مع هذه الصغيرة أكثر من نزار نفسه"
أجابته بدور بهدوء: "لطالما أفلحتا في العناية ببعضهما من بيننا جميعًا, أجادتا المحاربة للبقاء سويًا رغم كل الضغائن"
هتفت شيماء أخيراً بتعب وهي تضربها في كتفها برقة: "هيا احملي صغيرتي, أريد رؤيتها"
هدأت ضحكات سَبنتي دفعة واحدة.. واضطربت يداها وكل مشاعرها وهي تفرك كفيها في ركبتيها ..محاربة لرهبة اللقاء ..وأخيراً فتحت ذراعيها لمنى مستقبلة منها الكائن الصغير..
أطلقت سَبنتي نفساً طويلاً مرتعباً.. وهي تضم الصغيرة إلى صدرها ببطء ..بينما نظراتها لم تترك التحديق فيها للحظة…
"إنها ..إنها جميلة جداً..لا أظنني قادرة على وصفها"
أغلقت شيماء جفنيها وهي تريح رأسها على كتف سبنتي، الدموع تخونها لتهرب من محبسها سائلة ملتهبة على خديها المحمرين…
همست بصوت مرتعش: "امسكي يدي وأرشديني للمسها"
فعلت كما أمرت, أمسكت بأطرافها برقة وبنفس الرفق كانت تمررها على وجه الصغيرة في حضنها ..
شهقت منى بصوت عالٍ وهي تبتعد حتى أطراف الغرفة عاجزة عن التحمل أكثر ورؤية هذا المشهد ..مشاهدة ألم ابنتها ..عجزها عن تحقيق أعظم أمنية لأم: "ما عاذ الله أن أعترض على قضاءه ..ولكني أم"
أحست ببدور تقف خلفها تمسك بكتفيها من الوراء هامسة بلطف: "منذ متى تقابلين الفرح بالدموع يا دكتورة؟"
ابتسمت منى من بين الحزن وهي تربت على كفها فوق كتفها ثم همست بشجن: "أنا راضية الحمد لله ..راضية ونجحت معها وأوصلتها للرضا.. ولكني أمها رغمًا عني ستظل غصتها في قلبي، أه لو كان هناك فرصة واحدة ..والله ما كنت ترددت للحظة لمنحها عيناي"
انتفض عرق بجانب فم بدور وهي تميل لتضم والدتها بقوة مؤثرة هامسة: "قلتها يا أمي هي راضية ..وزوجها راضيًا فخورًا بها ..ونحن ما علينا إلا شد أزرها فتمني المستحيل لن يفيد بشيء …حتى المال والسلطة أن ‏سخرناهم جميعاً لن يرد قضاء الله النافذ"
همست منى بقلب ممتلئ بالإيمان: "الحمد لله ..الحمد لله"
أخذت منى دقيقة أخرى توازن مشاعر قبل أن تلتفت أخيرًا متابعة لشيماء التي تنتفض رهبة بين ذراعي زوجها الذي انتقل ليضمها بتشدد ..يداها لم ترتفع عن صغيرتها ..كما لم تتحرك سَبنتي من جانبها والتي كانت تنطق بخفوت شجي: "تشبهكِ كثيرًا يا شوشو، تذكرني بالنظر لوجهكِ ونحن صغار"
ضحكت شيماء وبكت وأناملها تصل لشعرها الكثيف الناعم ..علت الدهشة وجهها قليلاً وهي تتساءل: "أليس من المفترض أن يولد الأطفال صلع؟"
ردت منى بحنان: "لا ..أنتِ ولدتِ مكتملة مميزة, أتذكر أن جميع من بالمشفى كانوا يتحججون لدخول غرفتي لرؤيتكِ منبهرين"
حركت شيماء رأسها وهي تدفع الطفلة بين ذراعي سَبنتي قائلة بحرقة: "خبئيها يا بقة, لا أريد أن يراها أحد"
جذبها نزار من كتفيها وهو يقول بفظاظة مرحة: "لا تخافي لدينا الشيخ عبد الرحمن ليرقيها"
شد جوشوا ظهره بغرور وهو يقول مؤكداً: "بالطبع, سأرقيها هي وعمها كل ساعة"
"إنها شقراء" همست سَبنتي تقطع ابتسامتهم تعليقاً على الطرفة…
ثم أضافت بضيق: "توقعت أن تولد صهباء مثلي أيتها الخائنة"
فتح نزار يده الأخرى وسألها أن تعيد ابنته وهو يقول بفظاظة: "سنسجل طلبكِ على أولويات القائمة القادمة"
أبعدت سَبنتي الطفلة وهي تنظر إليه بغضب هاتفة: "إنها لي"
شب نزار هو الأخر وقال: "هذا على أي أساس؟ هل تظنين أنها أحد الألعاب التي تشاركتموها سويًا؟ أعيدي ابنتي"
وقفت سَبنتي من مكانها وهي تقول بنبرة حازمة: "ليس لديك بنات عندنا، ما رغبته منحناه لك, تفضل من هنا ..قديمًا كان هناك صفقات تجري إن حققت لك أمنية آخذ أول غنيمة تحصل عليها من أمنيتك ..وها هي الغنيمة أتت أخيراً"
حدق فيها نزار باستنكار شديد ..وقبل أن ينطق كانت شيماء تقول برقة مجهدة: "لديها حق ..أقنعتني"
ردت بدور ببرود فظ: "بالطبع فعلت ..إن سألتك أن ترمي نفسكِ في النهر ستتبعينها دون نقاش مقتنعة بحججها الحمقاء"
همست شيماء مبتسمة وهي تفتح عينيها الزرقاوين مصوبة وجهها نحو سَبنتي: "نعم وهذا أيضًا صحيح"
وقف جوشوا من مكانه ثم توجه نحو سَبنتي بقصد رؤية الصغيرة ..تتبع وجهها الجميل قبل أن يسأل بهدوء: "هل منحتها اسماً؟"
تبسمت شفتا نزار وهو يشبك يديه في يد شيماء محدقاً في عينيها بنظرة حملت معاني الحب والفرحة التي تواجدت في الأرض منذ بدء الخليقة …شددت شيماء على يده وهي تلقي برأسها على كتفه ..قال نزار أخيراً بصوت أجش: "فكرنا أن نسميها أميرة من أجل أن نحقق أمنيتك أنت ..ولكن قلبي يميل لأن أمنحها اسماً يضمني مع والدتها ويليق بوجهها المشع كالشمس الذهبية"
تبسم جوشوا وهو يهز رأسه بتفهم ثم قال بهدوء: "ستحمل لقب أميرة في كل الحالات ..لذا أحسن إليها وامنحها اسماً تحبه وتشكرك عليه"
"شيراز" نطقت بدور بالاسم أخيرًا وأفرجت عن السر الذي أخبرتها به شيماء قبل أشهر.
رحب جوش بالاسم فرحاً ..كما منى التي عادت لتضم ابنتها بقوة واطمئنان بعد عذاب القلق..
قالت سبنتي :-"أنا أعترض ..أردت أن أسميها ليما اسم عصفور مغرد"
اغتاظ نزار خاصةً من تحفز شيماء وكأنها ستعيد التفكير بالاسم المتفق عليه ..لذا هتف بفظاظة: "اسمعي أنا تحملتكِ بما فيه الكفاية ..إن أردتِ طفلة صهباء وليما أو بليما أياً كان اذهبي واصنعي ابنتكِ الخاصة"
احمر وجه سَبنتي بشدة الانفعال ..وكادت أن ترد عندما طرق الباب معلناً عن زائر غير متوقع.
***********
مر أكثر من نصف ساعة ما بين التهاني وتبادل الشوق والعتاب …تطرق الحديث وتجاذب لمواضيع عامة عن الأطفال بما أنه الحدث الأهم الذي يعيشونه بتوالي متلاحق هذه الأيام…
هي ابتعدت بتوترها واضطرابها في حضرته ..تضم الزغبة بين ذراعيها ..تجلس على مقعد قصي.. لم تستطع حتى اللحظة رفع عينيها عليه منذ دخوله وتسبقه رائحته التي تملئ الغرفة بهواء مشحون ومداعب للفؤاد والأعصاب سويًا.. تشعر بنظراته المسلطة فوقها حتى وإن لم ترها.. إلا أنها تحسها تلفحها بالعتاب قبل اللهفة.
أخرج خالد علبة مخملية من جيبة وأخرج منها سوار رقيق يتدلى منه لعب صغيرة على هيئة عصافير ملونة ..ثم أمسك بيد شيماء وألبسه إياها وهو يقول بنبرة رخيمة: "جهزته منذ ولادة مريم، واحتفظت به منذ ذلك الحين"
ابتسمت شيماء برقة وهي تلف ذراعيها حوله: "لم أحتج للسؤال، كنت أعلم أنك ستأتي إليّ حال أن تسمع الخبر"
طبع قبلة فوق جبينها قبل أن يقول بحنو: "ما كنت لأسمح لكِ للحظة بالشك بقدومي ..لولا تأخر الطائرة لأسباب الطقس لتواجدت معكِ منذ ليلة الأمس"
ابتعدت عنه وهي تقول ببراءة: "هل رأيت شيراز ..أتمنى أن تفعل إذ أن زوجتك تسيطر عليها رافضة أن تعطيها حتى لي"
ربت خالد على ساعدها قبل أن يتركها للوسادة المريحة التي تلقت إرهاقها ..وزوجها فوق رأسها لا يتركها ووالدتها وبدور حولها.. أما والد نزار فقد استأذن بعد أن تبادلا التحية من أجل زوجته وطفله حديث الولادة…
اتجه خالد نحوها شاعراً بقلبه ينقبض بين أضلعه ..ربما كان عليه الانصراف الآن وتجنب رؤيتها بالمجمل خاصةً بعد المكالمة الأخيرة بينهما ..بعد أن تشدق بفتح الباب أمامها ومنحها حريتها في البقاء زوجة له ..أو المغادرة وإغلاق أسوارها العالية تماماً في وجهه…
(كاذب ..كم هو كاذب يائس فهو يعلم أنه لن يسمح لها أبداً بالتحرر منه…حتى وإن أصرت على الفراق ..سيتعنت عندها ويبقيها رغم إرادتها كما تزوجها بالضبط ..إلى أي حد يمكنه أن يكون مثيرًا للشفقة …خاصة بعد ما نطق به فمها من إهانة؟!!)
وقفت سَبنتي من مكانها بتردد, وجهها مطرق أرضًا, جسدها كله يرتعد واضحًا للأعمى.. بينما الأنفاس داخل صدرها كانت غوغائية تنطلق منها عبثًا.. ذبذبات جسدها أيقظت كل خلية فيه بألم الاشتياق…
عبقها المألوف تغلغل بين أنفاسه.. ووقعت العينان المهتزة في عينيه الداكنتين المموهتين بمشاعر غامضة …فتحت فمها لمحاولة قول شيء ..أي كلمة تداري فضح اضطرابها ..ولكنها لم تجد شيء وكأنها فقدت النطق.
وهو لم يحاول المساعدة بل زاد الأمر سوءًا أو روعة لم تعرف ..ولن تشاء التفكير إذ أنها غرقت في المشاعر التي لفتها…
ذارعه أحاطت كتفها نزولًا لخصرها, كفه غطت كفها التي تسند الطفلة ..والتصق ظهرها في صدره فأصبحت بين ذراعيه أخيرًا جملة وتفصيلًا..
"اهدئي"
تصارعت خفقات قلبها ..رغم قولها الفج: "ومن أخبرك بأني لست هادئة ..أنا هادئة جدًا.. أنت ..أنت من تعاني"
لم يصدر عنه أي رد فعله غير أن رأسه انحنى ليبقي جانب وجهه الخشن قريبًا من وجهها ..يده الحرة ارتفعت تداعب وجه الصغيرة بين ذراعيها..
وقال أخيرًا بهدوء: "العذر منكِ, تحملي وجودي لدقيقة أخرى ..وسأغادر وأريحكِ"
(لا أريدك أن تغادر ..لا أريدك أن تغادر أرجوك ابقى) همس عقلها مكرراً بتوسل وهي تشد فمها في خط مستقيم لا ترغب في الضغط عليه بعد ما قاله في المحادثة..
لقد اشتاقت إليه، افتقدت وجوده، والآن عادت الراحة إليها، الاحتياج الغريب بدوافع أغرب يجتاحها بوحشة وفراغ امتلأ…
أحست سَبنتي بالعاطفة تكاد تخنقها ..وهي تفكر بأنه مهما طال تحججهما بالصغيرة ..سيتركها في أي لحظة ..ربما عليها التصريح الآن بما اختارته منذ أشهر ..منذ أن استطعمت مرارة فراقه..
يجب أن تخبره ..يجب أن يعلم والآن أمام الجميع أنها لو منحت حق الاختيار ألف مرة لن تختار سواه ..رباه أتُرى سيسامحها حقًا؟ أيستطيعان تخطي ما حدث من جراحهما؟ إن التفت إليه الآن وأخبرته أخيرًا كم تحبه وترمي بكل مخاوفها جانبًا إلى الأبد؟!
"تفضل"
فتح باب الغرفة بعد أن طرق أحد الزائرين ولم ينتبه لا هو ولا هي..
حتى أتى صوت راشد القاصف هادرًا: "سَبنتي"
انتفضت بين يديه التي لم تتركها ..وهي تلتفت بذعر نحو وجه راشد المكفهر ..ثم رفعت عينيها نحو وجه خالد الجامد بلا انفعالات..
:-"ما الذي يحدث هنا؟"
نفخت بدور بملل ..وهي تنظر لراشد باستهزاء وشماتة.. وكم تمنت في هذه اللحظة أن تقف وتخبره في وجهه بكل درامية أن ابنته المسكينة التي يحارب لتخليصها من أخيها نكست رأسه في الوحل، بعد أن التفت من وراء ظهره وقضت ليلة كاملة بين ذراعي زوجها..
تدفع نصف عمرها وترى النظرة على وجهه إن عرف بما تحتفظ به سراً وفاءً لخالد..
وقفت منى كالعادة لتنقذ الموقف وهي تقول: "تفضل يا راشد ..كنا ننتظرك، هل أتى إياب معك؟"
قاتل أن لا يذهب إليها ويأخذها من بين يديه قبل أن يعنفها بشدة ..ولكن احتراماً لمنى ورأفة بشيماء تقدم وهو يقول باقتضاب: "إياب مع خالته، لقد أتيت لأبارك للصغيرة"
اعتدلت شيماء بمساعدة نزار الذي بالغ في الترحيب براشد وكأنه فهم من تلقاء نفسه خطورة الموقف..
لم ينطق خالد بكلمة ولم يحررها أيضًا عندما حاولت إزاحة يديه بعيدًا بل تحدث بجانب أذنها بصوت خشن: "أنتِ زوجتي، وحتى إشعار آخر لا أحد يملك سلطة عليكِ سواي"
لم ترد بل ظلت عيناها معلقتان في عينيّ راشد بوجه ممتقع..
سمعته يقول من جديد بتصلب حازم: "سأترككِ الآن ..ولكن أحب أن ألفت انتباهكِ لم يعجبني مزاح نزار معكِ ..احذري المرة المقبلة لن يكون مجرد تنبيه يا سَبنتي"
أومأت دون جدال ..متمنية انتهاء الموقف..
لا.. هي لا تريده أن ينتهي ليته يبقيها في عالمه لفترة أطول ..وليفعل راشد ما يريد..
وفعل راشد كان سريعًا عندما تقدم بعد دقائق يسحبها من بين يديه عنوة.. وأبقاها بجانبه لدقائق أخرى ..حتى طالبت الصغيرة بأمها ..فانتهز الفرصة وسحبها من كفها بحزم وانصرفا..
*********
عندما دفعها داخل سيارته وتركا الجميع في المشفى، لم تتوقع أن يأتي بها لمقهى فاخر يقع في أحد الأماكن الراقية ..وبالطبع فور دخوله والتعرف على شخصه أفسح له جانب كامل..
لكم تكره تفاخره وتكلفه!
جلست سَبنتي على مقعد أمامه تكتف ذراعيها على صدرها وتضم فمها باعتراض ساخط ..خلع راشد معطفه ووضعه بجانبه وهو يطوي معصمي قميصه على ساعديه ..سألها بجفاء: "مرطبات أم مشروب ساخن؟"
عيناها تطلقان شعاع من خطر وهي تنطق بحرقة: "لا رغبة لي في شرب السم"
امتعض راشد وهو يشير للنادل الذي أتى على الفور طلب بهدوء: "كوب شاي لي، وليمون لها"
هتفت سَبنتي بحدة: "لا أريد الليمون، هل ستفرض عليّ شرابي أيضًا؟"
مط راشد شفتيه كما تجعد تحت أنفه وهو ينظر إليها بقرف …كانت ترتجف غضبًا من طريقته وأسلوبه ومحاصرته..
تباً لكل شيء.. لقد كادت أن تمنحه سبباً فعال للبقاء معه ولو لليلة واحدة, علهما يصلان لأي شيء في حياتهما المعلقة على كف عفريت..
وكأنه يقرأها جيدًا عندما فتحت فمها ترغب في الصياح ..والنظرة المرعبة المحذرة جعلتها تنكمش في مقعدها وهي تقول بنبرة سمجة: "هل لديكم كشري؟ أنا جائعة"
رفع راشد حاجبيه مستنكرًا.. كما تعجب النادل الذي قال بأدب: "قوائم الطعام مختلفة يا فندم ..ولكن من أجل سيادتكم يجهز خصيصًا"
لم تهتم كثيرًا لما يقوله عندما حدقت في راشد بتحدي وهي تنحني على الطاولة: "أزل تلك النظرة المترفعة من وجهك ..وإلا طلبت طبق كعاوي وأحشاء فخمة كالتي تأكلها بشراسة.. فيتسلل الخبر للصحف لتكون فضيحة كبرى"
أشار راشد للنادل بيده وهو يقول بهدوء: "أجلب لها ما تريده، وخذ وقتك نحن لسنا متعجلين"
هزت كتفيها وهي تقول بفظاظة: "أنا متعجلة وأريد الانصراف"
ارتخى راشد على مقعده محدقاً فيها من تحت جفونه بنظرة أربكتها قبل أن يقول: "هجومكِ الطفولي لم يعد يثير لدي الضحك ..وأصبح حيلة قديمة لتنالي الغفران والتفهم"
ارتبكت قبل أن تقول بخشونة: "ومن طلب منكَ التفهم أو أي رأي أصلاً؟!"
هدر صوته محذراً: "سَبنتي"
أجفلت وأغلقت جفنيها بقوة تأخذ نفساً وراء الأخر ..قبل أن تهمس بوضوح: "لم يكن من حقك سحبي كالشاة ورائك"
رفع راشد وجهه وهو يقول بحسم: "لديّ كل الحقوق عليكِ لأخر يوم في عمركِ"
ردت بحدة: "بأي حق؟"
اعتدل وأسند مرفقيه على الطاولة وهو يقول بهدوء مذكراً: "هل علينا خوض هذا الحديث من جديد يا سَبنتي؟"
أخفضت رأسها بقنوط مجيبة بالنفي..
أخذ راشد نفساً طويلاً قبل أن يسأل ببساطة: "هل هناك تفسير لما رأيته في المشفى؟"
ابتلعت ريقاً حاد قبل أن تواجهه بقوة: "وما الذي رأيته؟! هل ضبطتني في وضع مشبوه لا سمح الله؟!"
قال ببرود مستفز: "تقريبًا هذا ما حدث"
لهثت أنفاسها وهي تهتف بحرقة: "لا أسمح لك، خالد زوجي يحق له ما لا يحق لأحد حتى أنت"
ارتد وجهه متصنع الدهشة: "حقًا!"
رددت: "نعم ..نعم حقًا"
صمت راشد لوقت قاصداً وضعها تحت ضغط عصبي هائل ..يراقبها بكل هدوء وسكينة وهي تغلي أمامه توترًا ورهبة..
قال أخيرًا ببرود: "اسمعيني جيداً إذاً ..أنا لن أخضع للابتزاز العاطفي نحوه مرة أخرى سيدتي الصغيرة ..لذا طلبكِ للطلاق أخذ على صعيد جدي جداً من قبلي، وحتى تحصلي عليه وأعوضكِ عن إجباري لكِ على الزواج ..لن تتواصلي مع خالد أو تتحدثي معه بأي طريقة"
شحبت، وتسارعت أنفاسها برعب..
"لا أريد الطلاق" همست
ادعى راشد الاهتمام وهو يقرب رأسه منها: "عفواً, ماذا قلتِ؟"
بأعجوبة تمالكت أعصابها وبمخالب نمرة يذكرها على استحياء.. نشبت من بين الرماد ..كانت تقول: "أخبرك أنك قررت حياتي مرة متحججاً بأنك تملك أمري وأنا خضعت لهوى في قلبي …أما الآن لا يحق لك يا أبي بأي طريقة إبعادي عن زوجي"
كان مستفزاً لأبعد حد قاصداً إثارة أعصابها وأيضاً منحها درسًا قاسيًا.. لقد تعهد لنفسه بأن تنال هي الأخرى نصيبها من العقاب وهذا ما لن يتنازل عن فعله: "هل نتحدث هنا عن نفس الزوج الذي أهنته؟! أهو نفسه الذي صفعكِ حتى تورم وجهكِ؟! أنتِ تعنين نفس الزوج الذي صرحتِ أكثر من مرة برغبتكِ الأليمة في البعد عنه وهجره وعدم تقبلكِ له؟!"
انحنى خطا فمها ببؤس وهي تسأل بحرقة: "لماذا تفعل هذا؟!"
فتح كفيه بحيرة: "وماذا فعلت …أنا أضع لكِ النقاط فوق الحروف، حتى لا تلوميني مستقبلاً وتتساءلين عن السبب الذي منعني عن نصحكِ قبل حمايتكِ"
هزت رأسها بقوة وتسارع وهي تقول: "إن عنت النصيحة البعد عنه فأنا لا أريدها"
رد راشد بنبرة مستفزة: "أنا لا أمنحكِ الاختيار, بل أخبركِ بقراري لتلتزمي ببنوده"
هزت رأسها برفض متشدد: "لن تفعل"
خبط راشد على الطاولة مرة أخرى ..ولم يهتم إن التفت إليه أحد أم لا ثم قال من بين أسنانه بغضب: "ستفعلين من أجل كليكما ..اسمعي يا سَبنتي تعلمين جيدًا أنكِ لديَّ قبل الجميع ولكن خالد أيضًا منذ طفولته كان ابن روحي لي حتى وإن لم أظهر هذا ..وبسببكِ مددت يدي عليه، أهنت الشاب الذي أستند عليه وأتفاخر به بسببكِ"
شهقت بذهول وهي تضع كلا كفيها على فمها، الآن فهمت نظرة التهديد والغضب التي كست ملامحه، سفره المتعجل وقتها، ثم عودته ومحاصرتها باهتمامه الطبيعي، وقهره!
:-"كيف تجرؤ؟!"
ضم راشد شفتيه بغضب مكبوت وعيناه تطلقان شرر قاسي: "أجرؤ على حرق العالم كله من أجلكِ دون ذرة ندم أو تراجع ..ولكني لأول مرة أشعر بالقهر علي فعل ارتكبته دفاعًا عنكِ"
أرادت أن تصرخ في وجهه محتجة مدافعة: (لم يكن من حقك ..لم يكن من حقك أبدًا)
ولكنها لم تستطع نطق حرف محتج من جديد…
أمسك راشد يدها أخيراً ببعض الرفق ثم قال: "ما عرفته حينها كنت سأمرره ولا أتدخل، طالما الأخطاء بنفس المقدار …حتى وصل لي جزء العنف ..لا قدرة ليّ على الوقوف متفرجًا وأنت تهانين بالضرب حتى وإن استحققته"
ارتعشت ضحكة مستنكرة على وجهها.. مما جلبت إليه ابتسامة بدوره… ولكنه تابع مؤكدًا: "تعرفين في قرارة نفسكِ أنكِ استحققتِ رد فعله العنيف …ولكني أيضًا أبوكِ ولن أقبل الإهانة أياً كان مبررها ..إن اعتاد خالد عليها حتى وإن كانت ضد طبعه سيألفها"
أخفضت سَبنتي وجهها وهي تقول بخفوت دون أن تواجه عينيه: "لن يفعل ..لأني لن أكرر أبداً ما حدث ..نحن فقط نحتاج فرصة حقيقية لـ.. لنحارب "
ارتفع حاجبا راشد بشك قبل أن يقول: "أذكر أنكِ قلتِ بالنص أنكِ حاربتِ طويلاً من أجله ولن تعيديها وإن جز السيف عنقكِ"
رفعت وجهها ببطء وهي تقول بحرقة: "ما كنت أفعله بالماضي لعب أطفال ..لقد اكتشفت أنه هو من حارب نفسه، حارب مخاوفه ومخاوفي من أجلي، لذا حان دوري لأن أفعل ..كل ما يتطلبه الأمر مني أن أختار بإرادتي العودة"
تجمدت ملامح راشد بالقسوة وهو يتراجع في مقعده ثم قال مشدداً: "وهذا تحديدًا لن يحدث"
لعقت سَبنتي شفتيها وهي تنظر إليه بقهر: "لم أعتدك قاسياً معي لهذا الحد!"
حرك رأسه بلا معنى: "اعتادي إذًا.. لأن هذه البداية فقط"
الصراع بدأ يشتد على ملامحها ما بين الحدة والاختناق: "هل تعاقبني لأنك كسرت شيء بينكما؟ أنا لم أطلب هذا حتى"
تراجع راشد في مقعده وهو يقول ببساطة: "لم يفلح أحد من قبل في كسر علاقتي بخالد، وأنتِ رغم مكانتكِ لديّ لن تختلفي كثيراً عن الجميع ..ما حدث هو غضب بين والد وابنه ..سوء فهم سيمر بعد وقت ويعود كل شيء كما كان"
هدرت مهاجمة: "سيعود إليك، وينتهي الجميع في صورة سعيدة جميلة، ما عدا أنا سأنفر منها وأطرد من إطارها، أليس كذلك؟"
رفع كفه بغضب: "وهل هذا سبب رفضكِ للانفصال؟"
فركت وجهها بعجز وهي تهتف: "بحق الله سبب ماذا، أريد البقاء مع زوجي لأني أحتاجه, لا أريد الانفصال عنه هكذا ببساطة ..افهم ..افهم"
هتف بعناد :"لا"
وقفت سَبنتي من مكانها مقتربة منه هاتفة بقهر: "إذاً هذه المرة سأعصاك بكل أسف ..راشد أنا لن أطلب الطلاق وأرني بكل سلطتك وجبروتك كيف ستقدر على التفريق بين زوجين كلاهما يحارب من أجل الأخر"
أمسك راشد بمعصمها يمنعها من التحرك ..وبقيت هي ثابتة مكانها تنظر للبعيد بقلب ينتفض، ووجه شاحب متألم ..ترفض النظر اليه …بينما هو يجلس في مقعده عيناه تنال جانب من وجهها المحتقن ..بصمت مطبق لوقت أخر لم ينطق أحدهما بكلمة ..ولم يعلن منتصر ..

‫‬

يتبع الأن
:ridinghors e::ma3qool a:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-07-21, 11:24 PM   #10723

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الواحد والسبعون المشاركة الجزء الأول "3



دخلت لانا غرفة والدها بتردد…بعد أن طلب الحديث معها منفردًا…دافعاً والدتها تقريبًا لمغادرة الدور العلوي كله …
" تعالي حبيبتي ، وأغلقي الباب وراءك لا أريد لأحد أن يسمع حديثنا "
تسمرت في مكانها وهي تنظر لوجه والدها ما بين البهوت والصدمة ..منذ متى لم يناديها أبيها بلفظ تحببي؟!!…والاجابة لم تغفل عنها لحظة ..منذ أمد طويل ..طويل جدًا عندما أدرك أنها أبدًا لن تكون الابنة التي تتبع خطاه في الحياة بشكلها كم يحب يزخرفها بطموحه وأهدافه .يقيدها بتعاويذ المال والسعي للسلطة ثم يضعها في صندوق زجاجي ببيت الدمى خاصتهم …
رفع أبيها يديه مشيراً اليها بالاقتراب وهو يقول بحسرة :
" ترى الى أي مدى أبعدتك ، وكيف صورتي عندك الأن؟ "
اغرورقت عينيها بالدموع وهي تتحرك من مكانها لتجثو على ركبتيها تحت قدميه:
" أبعدتني جدًا ، صرت وحيدة منذ تركت يدي يا أبي ..كنت دائمًا الأقرب اليّ ، من يهتم بيّ ، ما أنا عليه اليوم صنيعك أنت.. من أسس نضجت عليها ..ولكني لا أعرف ماذا حدث وكيف تغيرت وابتعدت عني ، عن مبادئك وقيمك "
أخذ والدها نفس مؤلماً من أنفه قبل أن يقول بخفوت نادماً:
" الطمع ، الضلال ..وشيطان نفس لاحقني مخيلا لي أن العظمة في إلتهام ما بيد الأخرين …انها حرب ارادة يا لانا ..لعبة خاسرة تسمى المال واكتناز السلطة وفرض السيطرة …إناء ملعون فور أن تعلمت كيف أكنز فيه الغنائم حثني على المزيد حتى وإن دعست في طريقي الجميع "
عضت وجنتها من الداخل بأسنانها حتى أدمتها …ثم قالت بألم متردد:
" بالنهاية لم يكن الضحية أحد غيري وغيرك …"
أخذ والدها نفس أخر متشنج ..فسارعت تمسك بيديه وهي تقول بحرقة:
" أنا لا ألومك ..أقسم بالله أني لا ألومك ..ولا حتى أحمل الذنب لخالد الراوي ..انه نصيب يا أبي مكتوب في أقدارنا قبل ولادتنا وأنا راضية.. نعم ..حزنت قليلاً ،تألمت كثيرًا من أجل نفسي لاعنة غبائي ربما ..ولكن لم ألومك لحظة واحدة الأمر …… "
قاطعها والدها بخفوت:
" أردتُ لكِ الأفضل ، لن أنكر أني فكرت وتخيلت حجم الربح الذي قد يعود علينا أن تزوجتِه … كان هدفي الأول أنه يليق بكِ ، يستحقك وقد رأيت فيه خيرًا ، ظننته بأخلاق فرسان ندرت في شباب اليوم خاصة طبقتنا الاجتماعية ..ما الضير أن أطمع لكِ في المال والشباب وحياة هانئة "
هزت لانا رأسها بيأس قبل أن تقول بصوت أجش :
" وأنا لا ألومك …حزنت ،و انكسر قلبي قليلًا .قليلاً فقط يا أبي ولكني لم أحملك الذنب اذ أني أتحمل بعض الخطأ ، عمى البصيرة والكبرياء الأحمق الذي رفض أن يجعلني أنصاع للحقيقة المرة ..المصيبة أني رفضت التصديق بكل غرور أن هناك من هي أفضل مني تتفوق عليّ خاصةً ..خاصةً هي "
تنهد حميدة بنفس طويل عميقاً تألم له قلبه .. ثم قال بخفوت وهو ينظر لعينيها :
" الخطأ في حد ذاته مصيبة… والجريمة الحقيقة عدم تداركها والاقرار بها ..مستمرين في توابعها وهذا ما فعلته وقعت في خطيئة وذلة نفس زينها لي شيطان الطمع ، وشيطان أخر منتقم سمحت له أن يوسوس في أذني بالانتقام منهم ودعسهم دعساً …كما غدروا بكِ "
أخفضت لانا وجهها شاعرة بنار تكوي قلبها دون هوادة ولكنها ليست نادمة ..محترقة مقهورة لما فعلت بتعاونها معهم لكسر أبيها ..ولكنها غير نادمة !
ما كانت سامحت نفسها ان ظلت صامتة تاركة إياه ينحدر لبؤر شيطانية فيخسر آخرته كما دنياه ..همست أخيرًا بنبرة جامدة :
" لا يا أبي أنتَ تجبرت جدًا أخر سنوات ..تعديت كل المبادئ حد أنك كنت على استعداد للانتقام من نسائهم ..كدت ألا أعرفك "
رفعت وجهها تحدق في وجه والدها الشاحب ثم قصفت بقوة :
" المبادئ لا تتجزء ، ان رفضت الأذى لإبنتك لأنه بكل بساطة لم يستطع رجلاً أن يحبها فكيف خيل لك أن رد الفعل بجرم أكبر هو ما سيأتي لي بحقي ؟؟..إن أكملت يا أبي في طريق الضلال لكان ارتد لك أضعاف" صمتت تلتقط نفس ضعيف قبل أن تضيف دامعة:
" كُل ساقي سَيُسقى بما سقى ،ولا يظلمُ ربُك أحداً "
انحنت هامة حميدة دافناً وجهه في كفيه ..عاجزاً عن الرد أو القول ..أبيها بكل جبروته وذكائه أصبح خالي الوفاض بندم يتآكله ، والخسارة تقتله ..عاجزاً حتى عن إيجاد مبرر لما فعل !…
ولكن أليس هذا جيدًا؟! أفضل من أن يستمر في فكرة الانتقام ، شيطانه يهزمه مخيلا له أنه صاحب الحق للنهاية …
" والدي..أرجوك ،.أنا أسفة ..أسفة من أجلك وأجلي"
رفع حميدة وجهه المتغضن ..يمسح على كتفيها وهو يستغفر بخجل …ثم حاوط وجهها وهو يقول بخفوت:
" كل هذا لم يعد مهمًا …أريدك أن تعلمي أني سأعيد الحق لكل ذي حقه ..سأخرج من الحفرة التي حفرتها لنفسي على مدار سنوات …وعلّ الله أن يقبل التوبة "
جرت دموع لانا على خديها غير مصدقة لما تسمع ..فسر حميدة بمرارة:
" أعرف أن الأمر صادم ، لا أحد يتغير في لمحة عين ..ولكني لم أكن هكذا دائماً يا لانا ..لقد ضللت الطريق يا ابنتي ..ولكن لم أؤذي انسان ..حتى عميت تماماً في أخر الطريق وأنا شاكر للصفعة المدمرة التي أفاقتني "
فغرت شفتيها قليلاً تأخذ نفساً صعب لاهث يضغط على صدرها...
انها تلك الصفعة التي أخذها أبيها ..هي السبب ومن أوشت به عندهم ، ولكنه لم يكتشف وهي لن تخبره أبداً ..اختفاء بعض الحقائق رحمة بأصحابها.
عندما لم ترد أضاف والدها مبتسماً بهدوء :
" هل اعتقدت أن طريق الهُدى التي تحاربي فيه أتى من العدم ؟، لقد ورثته من نزعة بداخلي ..ولهذا تركتك ولم أحاول التضيق عليكِ كما حاولت والدتك أن تفعل ، بل رفعت يديها عنكِ بعيدًا بقدر ما استطعت"
ابتسمت لانا أخيراً وهي تدفن وجهها في صدره غامرة نفسها بين ذراعيه التي إلتفت حولها ..لكم افتقدت هذا الشعور …
الأن هي تملك الدنيا وما عليها ، ارسل طعم الصدئ المر في حلقها وإلتف قلبها البارد بحلقة دافئة تبث فيها الحياة ..
" انتِ الكنز الوحيد الذي أريد اغتنامه ..سعادتك أصبحت الهدف الوحيد الذي أسعى اليه "
هتفت من بين ذراعيه وهي تتشبث فيه بقوة:
" حصلت على كل سعادتى يا أبي بعد ما قلته ..فقط لا تترك يدي من جديد ..لا تقسو يا أبي وتبعدني عن حنانك وتفهمك "
حررها والدها ليستطيع النظر بوجهها وهو يبتسم بهدوء:
" للأسف يا حلوى القطن ، سأحب هذه المرة ترك يدكِ لشاب مزعج ومجنون قليلًا لاحقنى حد الاختناق في الشهور الماضية..محاولاً اقناعي كم يحبك ومتمسك بكِ "
فتحت فمها كما عينيها على متسعهما صدمة ومعرفة بهوية المطارد الخانق ردت بغباء:
" حلوى القطن ، لم أسمع الدلال منذ فترة ..والأن يبدو سخيف ومزعج اذ يتضارب مع لقب خانق يناديني به الأحمق ..سمكة باردة ..أنا سمكة باردة يا أبي"
رمش والدها بعينيه فاقد للحظات تركيزه:
" سمكة ماذا ؟!…ما الذي تقولينه .."
امتقعت ملامحها وهي تتراجع في جلستها ثم قالت بصوت اختنق :
"لا عليك ..لا تهتم ..أنا أقصد...أعني أني لا أفكر في الزواج..خاصةً هو ،لن أتزوج ذلك ال عبد الغفور ولو كان أخر رجل في الدنيا "
اعتدل حميدة منتصبًا بهيبة أحبتها..اذ أنها ذكرتها بمن كان عليه والدها حبيبها قبل أن توجه اليه الضربة التي أعادته اليها..وكسرته بشكل جعل قلبها يدمى بالحسرة ..سمعته يقول بقوة:
"أنا لم أنطق بإسمه يا لانا..أو أنك تعرفينه جيدًا ،ودون شك للحظة في هويته"
غزاها الاضطراب بعنف ،شاعرة بضعف موقفها ،والصراع ما بين طنينه المزعج الذي لم يتوقف حصاره الخانق ..بحق الله شهورًا لا يتركها تهنئ بيوم واحد دون طلة جنابه والأسوأ أنه بين فترة وأخرى يجلب لها واحدة من أخواته ويجبرها للتعرف عليها ..بدا الحظ السيء والعته العقلي الذي توقف ..
لقد أحبت أخواته أكثر منه شخصيًا..تباً..تباً ومن هو لتقارن مشاعرها ناحيته بأي مشاعر أخرى انها لا تحبه ..لا تحبه ..لن تستطيع أبداً الارتباط بكتلة الوقاحة والطنين المزعج ….
" لانا "
أجفلت من أفكارها الأحادية التي غرقت فيها وهي تنظر لوالدها شاعره بموقفها السيء جداً خاصةً عندما قال بنبرة جدية:
" لقد سألت عنه جيدًا ، الشاب ينتمي لعائلتين ذواتا مكانة واسماً وفصلاً
،مكافح ومجتهد حقق انجازاً واسماً معروفاً بعالم الصحافة والاعلام، وإلا ما كنت لجأت اليه حين ...."
صمت وهو يطرق أرضًا محركاً رأسه بيأس وخجل ..
" والدي ، أرجوك لا تدع تلك النظرة تسكن وجهك انها تقتلني"
تبسم والدها في وجهها وهو يقول:
" كلاً عليه تَحَمُل نتيجة أخطائه وقرارته ..وأنا لا أريدك أن تحسبي في ذنوب ارتكبتها …الشاب لا يعنيه المشاكل التي تدار حولي ، ولا يهتم مطلقًا لا بالحقائق ولا بالشائعات ، كل ما يريده هو أنتِ ، وأنا بصراحة أقدر جرائته وتمسكه بكِ"
لهثت شفتيها بتوتر وهي تشيح بوجهها بعيداً :
" هل هذا يعني أنك موافق؟ "
قال أبيها بصراحة :
" في وضع آخر لن أنكر أني كنت تمسكت بالرفض المطلق ، دافعك لارتباط أخر تحكمه المظاهر ظناً مني أنه الأفضل لك ..ولكن الأن الصورة تغيرت ولا أرغب حقًا إلا في الاطمئنان عليكِ مع رجل يقدرك " حركت لانا يديها في شعرها المجعد بحدة ، بحيرة وتخبط :
" لا أعرف ..الأمر أني ..أنا فقط "
أخفضت يديها تفركهما في بعضهما بتوتر أشد ..والصراع يحتد بداخلها يغلبه خوف الخوض في تجربة جديدة قد تفشل فيها ….
رغم يقينها بأن عبد الغفور يريدها حقاً ويتمسك بها ، يهاجمها بغير انصاف رغم صدها العنيف له ..
أمسك والدها وجهها رافعه للنظر اليه ثم قال بهدوء شديد:
" فكري على مهل ، لا تضيعي فرصتك في السعادة من بين يديك ، الشاب لا يعيبه شيء بشهاداتي شخصيًا.."
مازالت الحيرة تسكنها.. القلب يصرخ على خجل بنعم ، والعقل المعتم يصيح بألف لا ..همست يائسة:
" أمي لن توافق عليه يا أبي..ستقف في وجهنا منددة اذ أنه لا يرقى لمعاير ابتسام هانم وكيف بحق الله يفعل ان لم يكن يفوق عقدتها الأبدية بيت الراوي مال وسلطة و …"
قاطعها والدها بتشدد:
" انسي ابتسام نهائيًا ، فأنا لن أسمح من جديد بضياعك مني لن أضحي بسعادتك بكل مال وجاه الدنيا …ما يهمني الأن هو قبولك أنتِ فقط "
أطرقت أرضاً :
" صعب ، لا أعرف ..انه قرار سيتعين عليه العيش معه طوال عمري القادم "
ربت عليها بحنو قبل ان يقول بهدوء:
" فكري جيدًا ، وخذي قرارك على مهل لديك أسبوع قبل أن يهجم علينا عبد الغفور وعائلته كما هددني "
رفعت وجهها سريعًا ناظرة اليه بحنق وغضب مستنكر موجه للمزعج شخصيًا..ولكن والدها لم يكن هناك مشاعر على وجهه إلا ابتسامة هادئة ..ووجع ضمير يقتله ..
…………………………

بعد أسبوع أخر
ضمت بدور ركبتيها وهى تمسك بطرف فستانها شديد الاناقة قبل أن تترجل من السيارة الفخمة ممسكة بيد راشد الذى قدمها لها مساعدًا..متجهم الوجه عينيه المخيفة تبرق شرار وكأنه في أي لحظة على وشك الهجوم وقتلها…
فور أن نصبت جسدها الفارع وقفت في وجهه بتساوى قوة ..وتحدى بارد ..أرتسم في عينيها نظرة انتصار وتشفي ..وهي تقول بمكر خادع .. " ما رأيك في فستان سَبنتى ، جميل اليس كذلك ، فأنا اخترت تصميمه بنفسى قبل شهر مضى "
حرك راشد عينيها الشرستين نحو سَبنتى التي هبطت وحدها من الباب الأخر للسيارة وتقف الآن علي بعد خطوات منهم بتوتر …
" لن أمررها لكِ" همس من بين اسنانه ..
رفعت بدور كتفها في حركة غير مبالية ثم قالت ببرود " أعتمد على هذا تحديدًا "
أغلق جفنيه للحظات متنفس بعنف مجاهد للتماسك ، والصبر على الأثنان سويًا ،فل مكان غير مناسب بالمرة والحفل يضم أشهر الصحف العالمية ومراسلين التلفاز كما يوجد به أهم رجال الاعمال بالعالم وبعض السياسيون ، والشخصيات الهامة أيضًا…
حفل ثانوى يقام في لندن واعتادوا حضوره طبعا علي رأس المدعويين…جهزها له منذ شهور هو وهي وخالد ..ولكنه لم يتوقع أبدًا عندما ذهبا للمطار صباح اليوم مستقلين طائرته ..أن يجد بدور التي منحته حجة زائفة مخبره انها ستلحقه ….تطل عليه عند مدخل الطائرة مصطحبة معها سَبنتى ..لقد تشاجرا طبعًا كالمعتاد ..احتدا في الحديث ..هو لرفضه القاطع وهي باصرارها المميت لحل " تلك المهزلة " على حد قولها ..فالسيدة بدور تجد أن تدخله هو في حياة أبنته وحمايتها مهزلة ..بينما حشر أنفها في شئون أخيها وزوجته مرحب به تماماً ومنطقي … بالنهاية وجد نفسه يحتج بأنه لم يبلاغا في الجهة الخاصة بالمطار بعدد راكب آخر ، جاهل كيف سمح لسبنتى بدخول حظيرة الطائرة ..
وللمرة الألف وجد نفسه يرغب بكل قواه العقلية في هدر دم بدور عندما جلست بكل هدوء بارد وهي تقول بلا إهتمام " عدلت وراءك بالأمس وضفت أسمها ، كيف تتوقع بالضبط السماح لها بالوصول حتى هنا !"

اقتربت سبنتي منه عندما جذبت بدور ذراعها لتجاورها ..
ثم همست بارتباك: "أبي ..أنا أدرك سبب غضبك ولكنني… فقط…"
قاطعها راشد بنبرة خافتة هازئة: "أبي؟!…وهل أنتِ أبقيتِ فيها أبي؟!"
نظرت إليه بغضب محتقن .. ثم صاحت: "توقعت بعض التعاون منكَ ..هل تبصر صورتك الآن وما أصبحت عليه ..لقد تلبست روح شرير الحكاية بجدارة وأنت تسعى لخراب بيتي"
توسعت عينا راشد بقوة حتى لامس حاجبيه المعقودين جبهته ..وقد صدمته حقاً هذه المرة: "يا وقحة"
عبست وقد أوشكت على البكاء قبل أن تقول مختنقة: "تربيتك"
ضمت بدور أصابعها تداري فمها وهي تضج بضحكة مكتومة، تنقل عينيها بينهما بشماتة حقيقية..

رفع راشد يديه لأعلى وقد أوشك علي فقدان اعصابه حقًا
" المجال ألان لا يسمح بجذب لسانك ثم قصة مقدم خدمة جليلة للبشرية ..لنا حساب عند العودة "
رفعت سَبنتى عينيها المحتقنة متمسكة بعدم البكاء والجذع للنهاية …تحدق فيه بتحدى طعنه للصميم ، مذكرة بما كانت عليه قبل أن تتحول لكائن باهت أسود يجرح كل من يحاول لمسه ..اما الأن الوضع اختلف ، فهل عليه أن يحلم أخيرًا بأنه سوف يستعيدها يومًا ، متخلصة تمامًا من روحها الهشة الممتلئة بشت أنواع الألم والمرض النفسى …كم هو الشعور قاسى أن تكن أبنة قلبه بين يديه أمامه وفي نفس اللحظة يفتقدها وفاقدها لصالح الظلام …
راقب بدور وهي تتحرك بخطوات بطيئة أنيقة ثم استدارت تعدل ياقة فستانها المحتشم …وهى تقول بهدوء شديد " دعكِ منه ألان تعاملي أنه غير موجود من الأصل …وتذكرى نصيحتى لكِ جيدًا لا نرغب في أفساد ظهورك الأول في المجتمع كزوجة لخالد اليس كذلك "
افتر ثغر سَبنتى عن ابتسامة واسعة جميلة وهي ترد بأدب شديد ممتنة " شكراً لكِ يا بدور ..أن كنت أحبك في الماضى قراط فأنا ألان أحبك وأقدرك أضعاف .."
صمتت قبل ان تلتف لعينى راشد وهي تتتابع ببساطة وكأنها " تقطمه " .."فأنا في مشكلتى لم أجد السند والدعم ألا منكِ وفقط "
اعتدلت بدور من أمامها واخذت جانبها الطبيعي بجانب راشد وهي تلف ساعدها حول ذراعه ثم قالت بخبث متصنعة البراءة :" حبيبى قلبي أنتِ يا بسبوسة بالطبع ان لم اعتنى بكِ أنا وانصركِ علي الظلمه من سيفعل …"
ضغط راشد علي ذراعها بقصد تحت ذراعه مغتصب منها آنة الم خافته ..ناظر لكليهن بغضب مستعر مخبر نفسه بقهر " في الماضى كان كل أمنيته أن يرى يومًا هاتان الاثنان علي وفاق ، أن يسرق من بدور أى يلمحة عاطفة تخص بها سَبنتى ..والان عندما تحققت أمنيته يشعر بالغباء الفعلي بالحمق والرغبة القاتلة في خبط رأسه في الجدار حتى يهشمة عقابًا على تلك الأمنية الأجرامية في حق نفسه …"
ارتبكت سَبنتى من جديد وهي تنظر لوجه راشد الغاضب بحذر ثم همست " لا أفهم سر غضبه عليّ وكأنى أجرمت في حقه أو اقصد العناد معه ..أنه أختيارى ..أختيارى الذى دفعنى بنفسه اليه فلماذا يعتقد الان أن الأمر يمسه "

تحاملت بدور وهي ترفع ذقتها بآباء ثم قالت ببرود بحت "

يعتقد الرجال أنهم الموضوع الأهم دائمًا …وراشد رجل شرقي جداً بكل أسف إذًا للمرة الألف لا تهتمى أنا معكِ "

كان حان وقد دخولهم اخيراً اذ ان الأنظار بدأت في الاتجاه اليهم ..لذا مد راشد يده الخالية ممسك بسبنتى من الناحية الأخرى وتقدم نحو مدخل الفندق الضخم وهو يقول بصوت منخفض شرس" لأول مرة في عمرى اشعر حقاً برغبة حقيقة في كسر عنق كل منكما علّ ارتاح "
مطت سَبنتى شفتيها بلا معنى وهي تستلم للمشى بجواره ..
بينما رسمت بدور وجهها المعروف بهندسة موسيقى لا تليق بسواها أنف مرتفع ذقن بأباء ابتسامة جانبية شرسة محذرة وساحرة …
سمعت راشد يقول اخيراً قبل أن يختفى شجارهم في أجواء الاحتفال " بدور أنتِ محقه ، أنا أسحب طلبى في موضوع الفتاتين فيكفي جداً انتِ وهي في حياتى ..اكثر من هذا سيكن حرامًا صرفًا..والله أنه كثيراً جداً علىّ .."
……………..



كان دخول مسرحى مدروسًا كالعادة عندما دخل راشد وفي يده بدور يقتحمان الجموع الصغيرة …..حضورا جلب جميع الأعين تجاههم تلقائيًا بمشاعر متفاوتة.. ما بين اعجاب ..فضول ..حسد ..وربما طمعًا في اتفاق هناك ..أو ترتيب لصفقة هنا ..
لكم كرهت هذا العالم !!..وكم من مرة تخفت منه في صغرها لتجد نفسها الأن مجبرة على تحمل اقتحامه ، وربما وضع بصمة مميزة تخصها كزوجة للوريث خالد الراوي…الذي وقعت عينيها المتفحصه عليه من بين وجوه الحضور بلهفة،..
لم يكن انتبه اليها بعد اذ أنها وجدت نفسها تتأخر خطوة ، رغم تحذير بدور الحازم …انها لا تحب أضواء الشهرة ، لا تتحملها.. فهي شيء عكس طبيعتها وإن حاولت لألف عام قادم..
تقدم خالد على الفور مرحباً بوجودهم ، وجاورهم كما معترف عليه ليكتمل ثلاثي أقطاب مجموعة آل الراوي …
" شرفتم أخيرًا "
تلك الجملة التي نطقها خالد بهدوء رزين كان وراءها ألف حكاية من الغضب المكبوت …
أومأ راشد بصمت وهو يمد يده في سلام محرج ..اذ أنهما لم يتبادلا أي كلمة منذ ما حدث …قبل خالد سلامه بجدية ولكنه أُخِذَ للحظة عندما جذبه راشد في حضن رجولي حار ومستفز ..وهمس محذراً:
" أتركها وراءك من جديد وانتظر ما سأفعله بكَ "
عيناه الداكنتان إلتقطتا وجودها باتساع مندهش ..حتى خيل اليه أنه يهزي مستقيظاً .. وتخيله لم يدم طويلًا عندما همست بدور بطرفة وهو يتراجع لمكانه:
" هديتى الأخوية لكَ …أرجو أن تعجبك "
ضغط راشد على يديها من جديد بغيظ ، ولكن المستفزة العنيدة لم يبدو عليها أي رد فعل إلا ابتسامة أنيقة شامتة …
قال راشد بخفوت: " تستمعي بهذا؟ "
رفعت حاحبيها هامسة: " فوق تخيلك "
تحرك راشد مرافقاً لزوجته متبع منظم الاحتفال الذي أرشدهم لطاولتهم وهمس متوعداً:
" اذاً تمتعي بنصرك قدر الإمكان ، قبل أن أسحب منكِ هزيمة قريبة "
تأتأت وهي تجلس على المقعد الذي سحبه لها بنفسه ثم قالت بخبث أنثوي:
" نمري الغالي حتى نصرك انقلب لهزيمة لكَ ونصراً لي "
كست عينيه غشاوة من العاطفة وهو يتأملها بمهل متسائل كيف كان حاله ان رفضت منحه فرصة جديدة وأكمل طريقه بدونها ..نظرة عينيه أربكتها في فعل نادر أمام العامة...
" توقف " زمجرت محذرة ..
ابتسم وهو يقبل معصمها دون تردد أو مبالة بمن يرى أو يأخذ لقطة تخلد في الصحف ..
" مدمرة يا طاووس "
منحته ابتسامة ساحرة ..قبل أن ترفع وجهها لترى ما الذي حدث مع النواحة كما أصبحت تسميها سراً ..
……
كانت سَبنتي مازالت تقف أمامه كطفل مذنب ،يجاهد للعثور على غفرانه .. واستطاعت أخيرًا أن ترفع وجهها لتقابل عينيها عينيه ..والنظرة فيهما كانت عميقة ساحقة ، تجمد الزمن مرة واحدة واختفت الأصوات حولهما ..لفهما سحرًا خاص بهما غير معترف بالضجيج الذي يحيطهما كما ضجيج قلبيهما ..
تقدم منها مشرفاً عليها بطوله ورفعت هي وجهها لأعلى متمنية أن لا تقطع نظراتهما أبداً ..
" أتيت !"
ارتعشت شفتاها الناعمتان وهي تردد بارتباك :
" يأست من هروبك الدائم ، فحملت نفسي لأقبض عليكِ كما الماضي "
نفض وجهه عاجزاً عن استيعاب استمرار ضراباتها تحت الحزم ..كبتت شهقة نادمة وهي تصحح سريعاً:
" يا الهي عنيت ..أعني.. لم أقصد "
تحول وجهه للوحة رخامية لا تعبير فيها ..رغم تأمله لكل ذرة فيها بكل روية .. فستان أسود محتشم لا يبين منها انش واحد ، شعرها الذي استطال مفروداً حول كتفيها حتى منتصف ظهرها بحلقات حلزونية في تسريحة بسيطة ، زينة وجه أبسط حالاً بغير تكلف ..
ومنذ متى احتاجت لزينة؟!! انها وحدها كتلة من الفتنة ..وهذا أغاظه للصميم ان كان الأمر بيده لأخفاها في قصر عالي بعيد عن أي عين ترها ..
أمسكت خصر فستانها تفركه بتوتر سائله بتلعثم:
" هل أعجبك ، بدور من اختارته ليّ”
أجاب بصوت مقتضب وهو يمسك بيدها مرشدها لمكانها الطبيعي بجواره:
" واضح "
عندما سحب لها مقعد كانت تنظر اليه بعيني البنفسج مهددة بالمطر:
" الم يعجبك ؟"
أظلمت عيناه بنظرة لم تفهمها قبل أن يقول بنبرة عجيبة خشنة:
" لم أراك قبلاً في لباس أنثوي لهذا الحد ..ليست مسألة أعجبني أم لا ..الأمر جديد وغريب فقط "
حدقت فيه بإحباط ثم أطرقت بوجهها للأسفل ..شاعرة بجرح دامي ينزف داخل قلبها من الرد الجاف ،كما اللقاء البارد .. ولوقت غير قليل شعرت سَبنتي بأنها لا تنتمي للمكان ..ولا ترغب في تواجدها فيه ..
اندمج خالد بعدها ، كما راشد وحتى بدور في نقاشات مع بعض رجال الأعمال والساسة الذين نظم تواجدهم على نفس الطاولة الضخمة .. بطبيعة الحال هي ليست جاهلة بالأمور التي يخوضون فيها ..ولكنها لم تكن في حالة تسمح لها بالمحاولة رغم أن بدور حاولت ادماجها في بعض الأحاديث ..
الاختناق كان يزيد بداخلها ..خاصةً انه متشاغل عنها تماماً..لم ينظر اليها من جديد ..لم يحيطها كما اعتادت ..
رفعت رأسها وعيناها تتفحص وجوه الناس علها تجد أي شيء يشتت عقلها .. يديها مستقرتان في حجرها تفركهما بتوتر قانط … حتى شعرت به يقرب مقعده حتى إلتصق بمقعدها ..مستمراً في الحديث الجاد عن وضع الأسواق المالية المهددة ..
هذا وجه لم تراه من خالد ..ولم تهتم أن تفعل ..لن تنكر أنه أبهرها ووضع صورة جديدة له في عقلها زاحمت صور أخرى مهددة بمحوها تماماً .. ارتبكت وهي ترفع رأسها مجفلة حين امتدت يده في حركة خاطفة تحت الطاولة ..سحب كفها ووضعها فوق ركبته وإلتفت يده على يدها وابهامه أخذ يمسد فوق إبهامها بحنو ورقة … أخذ إمالة سريعة نحوها وكشر بأنفة مداعباً ….
حركته الدافئة الحميمية تلك كانت كفيلة أن تجذب بعض الأعين نحوهما بأعجاب و تقدير وفضول .. وحينها فقط استطاعت أن تمحو العبوث والحزن ليحتل مكانهما الثقة وابتسامة مشرقة كأشعة الشمس الدافئة رسمت الفم المنحني بتعاسة ودعتها الى الأبد ..كما تتمنى ..
………
مر وقت طويل، انسحب راشد وهو يشير لخالد أن يتبعه لخارج القاعة …الى مكان مبتعد قليلًا عن أنظار رواد الحفل أو أي أذن متطفل ..وقف الرجلان بجانب بعضهما ينظران الى لا شيء أمامهما …قال راشد بنبرة خشنة :
" أنا غير راضي عن قدومها أو عودتها إليكَ "
تقبضت يدا خالد جانبه وهو يقول بجفاء :
" ورغم هذا عصتك واختارت القدوم اليّ "
هز راشد رأسه وهو يقول ببرود رامياً الحقيقة بوقاحة كالعادة في وجه صاحبها :
" أن أردت منعها لفعلت ..وهذا ما أنا علي وشك فعله تحديدًا وقد أفشلت فرصتك الأخيرة، كالعادة متردداً وجافاً وغبياً "
استدار اليه خالد وهو يقول بتشنج " كفى ..لن أسمح بكلمة أخرى "
صمت لبرهة مبتلعاً ريقاً أجوف قبل أن يقول :
" أنا منحتها اختيارها وهي قررت ، ولن أتظاهر بأنني أرفض مبادراتها..أو أني سأسمح لها بالرحيل من جديد .."
اشتدت أصابع راشد جانبه عينيه يبرقان بقسوة ..قبل أن يقول من بين أسنانه:
" وما الذي يضمن ليّ ان أعدتها اليك أنك لن تجرحها من جديد أم تهينها"
لم يفكر خالد مرتين وهو يقول قاصفاً:
" نفس الضمان الذي منحته ليّ لعودتك لشقيقتي بعد كل ما جنيته "
سحب راشد نفساً طويلاً رغم جمود الانفعال على وجهه حدق فيه من بين جفونه بفم متصلب وعروق نافرة …وشيء من اعجاب تتضامن مع ضحكة قاسية :
" أصبحت تجيد التباري "
قال خالد متهكماً وأصابعه تفرك أنفه مكان ضربة راشد قبل أشهر:
" تلميذك النجيب سيد راشد .."
تحرك راشد بتصلب وهو يطرق بأصبع خالد على كتفه قائلا بصرامة:
" تعلم مكانتك لديَ ، وإلا ما كنت أبدًا منحتها لكَ بكل بساطة معيد إليك الفتاة التي حرمت منها بسبب أحقادنا..إلا أنى أباً راعياً منحتك بدافع الأنانية البحته أعرف أن قلبها البكر لم يعرف رجلاً سواكِ …تعشتمت فيكَ في رجاحة عقلك لتساعدني معها ..لا أن تزيد الأمر سوءً "
أغلق خالد عينيه لثوان وهو يأخذ نفساً طويلاً قبل أن يقول بهدوء:
" حاولت .،.ومازالت أحاول تعلم أني لن أتخلى عنها مهما فعلت ..لن أيأس منها مهما حصل "
هتف راشد بقلة صبر :" وكيف تفسر ما حدث "
هدر خالد " كنت تعلم "
قال من بين أسنانه بغيظ :" وحذرتك "
رد خالد صارمًا :
" واكتشفت الأمر ، وكان ما كان ..ورأيت واطلعت على وجهة نظر امرأتي عني ..ورغم كل شيء ..لم أرى إلا الجانب الأخر أقنعت نفسي على مدار أشهر أن الأمر كان في صالحها هي ..لقد حررت أحد كوابيسها ، عد للداخل وأنظر اليها ، هل هذه سَبنتي التي أعدتها اليّ..أم حبييتي التي أخذتها أنت وياسر مني؟ "
أحنى راشد جذعه قليلًا وهو يقول من بين أسنانه:
" هل تظن ولو لحظة أن كل هذا سيقنعني ، أنت البادئ من وجهة نظري من أين لي أن أثق بكَ من جديد ، أن أسلمها لك دون خوف أنك ستعيدها اليّ محطمة .."
تشنج فك خالد وأخذ نصف استداره وهو يرفع يديه حول رأسه بيأس ..لقد تاه الكلام وضاعت المعاني ومهما دافع عن نفسه لن يفهم المتجبر الذي أمامه اذ أنه علق عند شيء واحد لا سواه ، وهل يشك راشد ولو للحظة أنه أيضاً يكره نفسه ألف مرة عندما يتذكر أنه مد يده عليها …
" لا ضمان ….."
هدر صوت راشد خشنًا غاضبًا :" ماذا قلت؟ "
التفت خالد ببطيء وحدق في عينيه بتصلب قبل أن يقول بصوت أجش:
" لا ضمان للحب "
صمت قبل أن يفتح يديه لأعلى بقلة حيلة ثم تابع مردداً:
" أحبها ، وأنتَ أحببت أختي حد تخطي المنطق ..وأبي أحب أمي ، نحن نعرف هذا جيداً بكل أسف … وهذه أمثلة بسيطة دون تطرق للأخرين ..أخبرني أنتَ ما هو ضمان كل نموذج فينا؟ ..لا شيء ..لا شيء مطلقًا ..أنا وأنت نحاول ..تعرف أن كل رجل فينا يحارب جرح نال من رجولته بغباء وكأنها طبيعية ثانية لبنات الراوي ..ورغم هذا ها نحن نحارب للبقاء وفرصة أخرى لا نعيد فيها أخطاء ياسر الراوي أو من سواه …"
صمت خالد من جديد مبتلعاً ريقاً جافًا مريراً ..ثم تابع وهو يشب بقامته الضخمة حتى تفوق على وقفة راشد بإنشات رغم ضخامة بنيان راشد أيضا :
" لن أضيع فرصتي في الكبرياء والتحدي المريع ، لن أدمر المتبقي منها طوعًا فقط لأني جرحت ، لقد أتت اليّ.. اختارتني كما أنا موقن أنها ستفعل للمرة المليون ان تكرر الاختيار ..تخلصت من عقدة جديدة وهي فرضنا عليها حياتها بحد ذاتها …لم تعد زوجتي تفكر أنها أجبرت للزواج مني ، ستبقى معي باختيارها الحر يا راشد …وهذا ضماني الوحيد..وقولي الأخير لا ضمانات في الحب"
تردد ارتياح حائر على وجه راشد مأخوذًا معجبًا بكل كلمة قالها … ولكنه قال في حماية أخيرة :
" لقد قلتها ،جرحت رجولتك ، فهل أنتَ متأكد أنك تستطيع تخطي ما حدث "
رفع خالد ذراعيه ثم خبطهما على جانبيه وهو يضحك بعصبية مفرطة … ثم قال أخيرًا باعتراف مرير يعلم أن لا أحد سيتفهم كراشد ، كما أنه لن يخرج سره أبداً :
" أنا ضعيف بها ..ضعفًا مرغوبًا في قلبي وعقلي .. ضعيف بحبها ولا نية لي أبدًا أن أمحو هذا الضعف "
اعتلي وجه راشد ذلك التعبير المتفهم جدًا غير المدين بالمرة وكيف يفعل وهو نفسه مر به قبلًا!
قال راشد بعد تفكير بصوت أجش:
" الكلام السهل ..والتجربة لم تكن سهلة..الأمر أشبه بأنك ستبدأ بناء كل شيء من جديد لا من مكان ما توقفتما "
هز رأسه موافقا :
" أنا لها ان شاء الله ..أخرج منها أنتَ أرجو لك الهداية "
حك راشد صدغه وهو ينظر اليه ضاحكاً باستنكار ..ثم أفرج عنه أخيراً وهو يقول بجدية فظيعة:
" لكَ فرصة أخيرة ، ولكن بشرط ستخبره لزوجتك بنفسك "
تحامل خالد للنهاية متفهماً مخاوفه وحمايته لها على مضض:
" أسمعك "
دب راشد بكفه على كتف خالد وهو يقول بصرامة:
" اخترتما بعضكما ، حاربتما من أجل البقاء معاً ..لذا أعتبر هذا وعدًا لن أتراجع فيه ..المرة القادمة عندما تأتي هي باكية وأنت غاضبًا زاهدًا..سأزج كلاكما من أمامي مغلقاً بابي في وجهيكما "
نظر اليه خالد بشك شاعر بالغباء للحظات ..
" ستتخلى عنها ؟!"
أخذ راشد نفساً طويلاً قبل أن يقول بهدوء:
" لا …بل لا أريد خسارتك لأي سببٍ كان ..صداقتنا يا ابن العم لم تبنى بين ليلة وضحاها..ان كانت سَبنتي ابنتى ، فأنت ساعدي وظهري ، الانسان الوحيد الذي أثق فيه بالعالم أجمع "
عقب جملته ..استطاع كل منهما أن يتنفس الصعداء أخيرًا..لقد انزاحت الغمة وانمحى التوتر بينهما ….وبقي الأن مهمة ترميم علاقته بزوجته هشة النفس ، شرسة الطباع ان جاز جمع الوصفين سويًا …
………….
" لماذا تأخرا ، هل تراهم يتشاجران مجددًا ، أم اتفقا أن يعيدني نزولاً على رغبة راشد"
ضغطت بدور بين عينيها قبل أن تنظر لزوجة أخيها القلقة وهي تقول:
" اهدئي..تحتاجي لكل تركيزك الليلة "
فركت سَبنتي كفيها بتوتر قبل أن تسأل وعينيها تراقب الباب الذي خرجا منه من جديد:
" رأسى سينفجر من التفكير ..ترى ما الذي يتفاوضان عنه واستدعى تركِ وحيدة في هذا المكان؟ "
رفعت بدور حاجب بحنق وهي تقول :
" أنتِ معي …والأهم عليكِ أن تعتادي على الأجواء اذ أنكِ ستكوني مجبرة لمشاركة زوجك لاحقًا في بعض الحفلات المهمة ودعوات العشاء المشترك "
فركت من جديد مكان مسكته المميزة وهي تبتسم بتورد ثم همست:
" هل تصدقي أنه غفر ليّ "
وضعت بدور ساق فوق الأخر رغم تكور بطنها الواضح خاصةً مع الفستان الرقيق الذي اختارته خصيصًا محدد بروزها … ومالت نحوها وهي تقول بجدية :
" تذكري أنه أخطأ أيضاً لذا إياك بالتنازل والخضوع ..لا تقبلي بأقل من أن يعترف كلاكما بإخفاقه تجاه الأخر…لا تضيعي حقك يا سَبنتي ، لا في الحزن ولا في جذب اعتراف منه مليئ بالندم "
ظلت سَبنتي صامتة قليلًا وهي تبادلها النظر بقلق ..ثم قالت أخيرًا بمرارة:
" لا أريد الحزن بيننا … لقد تشبعت منه بحد لا يحتمل "
اعتدلت بدور في مقعدها وهي تنظر اليها بجدية وحزم شديد ..
ثم قالت :
" هذا يتوقف على طبيعة الحوار الذي يجب أن تخضونه لتصفية الأمور بينكما ..نصيحتي لكِ لا تخفي شيء في نفسك.. بوحي بكل ما تكتميه كل شيء يا سَبنتي ..أول طريق العلاج أن يتصارح الشريكان فيصبح كل منهما كالكتاب المفتوح أمام الأخر "
أومأت دون رد وعينيها تعود تنظر نحو الباب بنفس النظرة القلقة …
" بدور الراوي سعيدة برؤيتك "
ضيقت بدور عينيها للحظات قبل أن ترفع وجهها دون أن تتحرك من جلستها المهيبة ..تتفحص الصوت المألوف والوجه الساخر …لم تهتز انش ولم يظهر على صفحة وجهها أي انفعال وكأنها لم تفاجىء عندما ردت ببساطة:
" أوه برنسيس أدلين "
كانت أدلين أيضاً في قمة بهائها ومظهرها المتكلف جميلة لن تنكر مغرورة كالعادة وواثقة …رغم قولها بصوت منفر :
" هل تكنين نحوي مشاعر سلبية حد أن لا ترحبي بيّ ؟"
رفعت بدور طرف ذقنها وهي تقول ببرود:
" أنا لستُ بغبغان لأردد ما لا أقتنع به ..بصراحة رؤيتك من عدمها لا تفرق معي لا بسعادة أو عكسها "
انتفخ صدر أدلين بإحساس مكبوت من الإهانة الصريحة…ثم قالت بوقاحة:
" أرى أنك لم تضيعي فرصتك فور أن حصلتي عليه سارعت لتوريطه من جديد .."
صمتت قبل أن تسند كلا كفيها على الطاولة ومالت نحو بدور وهي تقول بلهجة لاذعة :
" منطقكن غريب ومهين ، هل تصدقي حقًا أن لعبة الأطفال قادرة على إبقاء رجل ان فكر في الهروب والهجر بعد أن روض الشرسة …"
هتفت سَبنتي بحدة محذرة:
" هاااي أنتِ راقبي كلماتك .."

إلا أن بدور قاطعتها ممسكة بيدها بقوة وهي تنظر لأدلين بهدوء شديد وابتسامة رائعة جميلة الوصف غير شاعرة بأي إهانة ..هواء …مجرد امرأة حاقدة تلقي بالتُراهات بدافع الحسد والغيرة …
اشتعلت أدلين بالغيظ عندما لم تبدي بدور أي نية للرد عليها ..
تابعت ساخرة:
" وااااو لقد أجاد ترويضك حقًا…. ترى هل استكفيت بدور الزوجة فقط ، أم تلاحقينه في العمل أيضًا..أظن أنكِ المساعدة الشخصية أليس كذلك "
هل تظن أن المبالغة في التظاهر بالغباء والجهل اهانة موجهة اليها؟! ..الحمقاء لقد أهانت نفسها للتو ..
" دعينى أقفز على تلك القذرة وأمزق وجهها المتبحج "
نطقت سَبنتي بشراسة وهي تستعد فعلا للهجوم ..ولكن بدور أيضًا شددت عليها تعيدها مكانها …
ثم وضعت يديها الاثنان مضمومين على الطاولة ناظرة لأدلين بنفس الابتسامة الجميلة وإن تحولت في لحظات لإبتسامة شرسة ومخيفة …
" يبدو أن الأمر اختلط عليك وأنا لا ألومك اذ إن كان لكِ اهتمامات معاكسة للاخلاقيات.."
صمتت بقصد مراقبة وجهها الذي احمر بالغضب قبل أن تضيف ببراءة :
" أخلاقيات العمل طبعاً ..اذاً سأذكرك .. أنا مساعدتة الأولى لا شريكته فقط "
صمتت مجدداً وهي ترفع جبهتها لأعلى مضيفة بثقة وقوة :
"وبالطبع زوجته.. والدة أطفاله ..وسيدة منزله وقلبه ….وعند اللزوم يلجأ اليّ لأخلصه من القمامة العالقة أمام باب مكتبه "
شحب وجه أدلين معتدلة وهي تزدري ريقها بعنف..كانت ضربة موفقة تمامًا وكأنها صفعتها بالتوالي دون توقف وختمتها بتذكيرها بالموقف الأخير المهين بينهما ..حرفيًا لقد أزاحتها يومها ككيس قمامة وهو خرج يولي دربه تاركها خلفه ليطارد أخرى …
ارتاحت بدور في مقعدها من جديد وهي تربت على بطنها بتفاخر فظيع وهي تضع ضربتها النهاية:
" فوضوي ..راشد فوضوي أدلين ولم يستطع أحد ترتيبه وترويضه سواي"
حدقت سَبنتي في بدور بإنبهار لقد غسلت المرأة ونفضتها دون أن تبتل يداها أو يلومها أحدٍ حرفيًا..دون انفجارات أو غضب أو هز من مكانتها…
طرقت أدلين كعب حذائها بغضب مكتوم قبل أن تستدير من جديد وهي تقول بلا معنى:
" لقد أردتُ إلقاء التحية بالنهاية بيننا قرابة من نوع ما ..فرصة سعيدة "
ردت بدور بمنتهى الهدوء الفظ :
" فرصة أتمنى أن لا تكرر أدلين "
عندما غادرت ظلت عينا بدور تتابعها للحظات بنفس الهدوء البارد راقبتها تنضم لرجل أحاط خصرها من فوره مرحباً بعودتها بسعادة لقد سمعت أنها خطبت وعلى وشك الزواج أخيرًا لأحد السياسيين الايطالين ..رجل أسمر وقوي البنية من عائلة معروفة في بلده بجانب المال والمنصب المرموق ..نوعها المفضل ..هذه الأدلين لا تضيع وقتها …
" كنتِ تركتني لأفرغ فيها غضبي لعلّي أرتاح من التوتر الذي أشعر به "
عادت بدور تنظر لسَبنتي بابتسامة حقيقية هذه المرة وهي تقول:
" دعك منها ، أانها مجرد امرأة تعاني من كبرياء جريح ، الموضوع ليس حبًا في راشد نفسه أو لأني فُزت .. لأننا لم نكن في مجال للتنافس من الأصل …"
ردت سَبنتي متنهدة:
" ليتني أملك نصف ثقتك يا بدور "
ضحكت بدور ضحكة رائقة وهي تقول :
" أحدثك الحقيقة لا علاقة للثقة هنا ..نحن لم نتنافس لأني ما كنت لأدخل المنفاسة مع أحد …"
صمتت لبرهة ملتقطة نفساً طويلاً وهي تقول :
" أنتِ لا تعاني من الثقة يا سَبنتي وإلا ما كنتِ هنا الأن تناضلي أخيراً من أجل حياتك ..نصيحة أخوية أخيرة ..من فضلك لا تقارني علاقتك بزوجك بأي علاقة أخرى من فضلك ، فكل زوجين يحملان تفاصيل خاصة ، معاني لا يعرفها سواهما ..ما قد ينفع معي أنا في التعامل مع راشد أو عواقب تقابلني ..لن يفلح معك بالضرورة "
نفخت سَبنتي وهي تزيح شعرها للوراء قائلة :
" يا الهي أشعر أن الليلة أول يوم ليّ معه في الحياة الزوجية "
همست بدور بخبث:
" وهي كذلك فعلًا ان نفذتِ ما أخبرتك به دون تحفظ "
هزت رأسها بنفي قاطع وهي تنظر اليها باستنكار ..وما كادت تفتح فمها لقول حانق ..منعتها يد خالد الذي أمسك بكتفيها وهو يقول بخفوت:
" نحن انتهيا من هنا..هيا ستأتي معي "
وقفت تضع كفها في كفه الممدوة وحينما أطبق عليها بقوة كان الحنين الحارق يختلط بقوة الارتجاف والترقب بداخلها …
فور أن انسحب خالد وسَبنتي شعرت بدور بعودة راشد الذي انحنى نحوها وهو يقول بصوت رجولي عميق :
" سنغادر نحن أيضًا لدينا شجار طويل سيدتي ينتظرنا "
التفت من وراء كتفها تدعي الرعب وهي تسأل :
" أليس لدي أي فرص للعفو ، يمكنني استخدام حجة أني أحمل طفليك مثلاً وأعاني من هرمونات متهورة تحثني على تغفيلك "
مط فمه هازاً رأسه برفض قاطع :" لا ..ولا حتى هما سيشفعان لكِ"
رفعت حاجبها الشرير وهي تهمس بخبث أنثوي شديد الخفوت :
" وما أن أخبرتك أني أحضرت معي غلالة ذهبية "
توهجت عينيه الداكنتين بنظرة خطرة ..وهو يقول بتحذير :
" لا تمزحي في أمنيات منكل بها يا صوانة"
أكدت بحزم فظيع :
" أنا جادة ..لم أجلب في حقيبتي إلا الغلالة الذهبية علمت أني سأحتاج لسلاح جديد وفعال لم يستخدم ضدك من قبل لذا لن تملك محاربته .."
تنحنح راشد مدعياً الهيبة والجدية قبل أن يقول أمراً :
" من الأفضل لكٍ أن تتحركِ أمامي حالاً ..لأن لدي فكرة جيدة أين أرض المعركة التي نستطيع استخدام فيها سلاحك بحرية مستقبلاً طلقاته..وربما تطبيبك أنتِ من شظايا المعركة "
جلجلت ضحكة أخرى رائقة من بدور غير مهتمة بما يفهم منها ..ثم وقفت تتأبط ذراعه وهي تقول بإدراك :
" أنت تعلم أن السفر المتكرر بالطائرة ليس محببًا لي أليس كذلك ؟!"
لف ذراعه حول خصرها وهما يخرجان من المكان قبل أن يقر بجدية:
" الرحلة من هنا لجورجيا لن تستغرق أكثر من ساعة ونصف ..كما أني ناقشت طبيبتك وهي لم تعطي أي ملاحظات سيئة وإلا ما كنت سمحت لكِ بالقدوم "
ردت بتفكهه: " عليّ أن أقلق منكَ اذا "
رد راشد بنفاذ صبر :
" بل كلينا عليه أن يقلق من قدم القميص الذهبي تُرى ما المصيبة التي يخبئها هذه المرة "
زادت ضحكات بدور توهجاً بينما هو ينظر اليها مسحورًا وكأن ليس على الأرض نساء سواها ..ولا ضحكة تعادل نغمات ضحكاتها سحرًا وجمال …
" سلطانة يا بطل "
……………………………

لم يقطعا مسافة طويلة في شارع ريجنت سائران على الأقدام بين المباني الأثرية الأنيقة المدرجة على قوائم التراث … عندما أحست سَبنتي بالبرد يغزو عظامها من خلال نسيج فستانها الرقيق .. كانت تفرك كتفيها بغرض التدفئة وهي تتمشى جانبه بصمت مطبق..
منذ خرجا من الحفل لم تسمع صوته إلا بكلمات مقتضبة كان بعضها لحارسه الذي أمره بالانصراف ..وأخرى اليها عندما أخبرها أن سكنه قريب ويفضل أن يتجولا سوياً قبل العودة …
" باردة "
رفعت عينيها بحدة أبعدت التوتر عنهما فحولتهما لحجري نار بلونهما البنفسجي المميز
" لا أسمح لكَ "
امتعض وهو يقول :
" لا حول ولا قوة إلا بالله ..نحن لم نبدأ حتى وبدأت صفاقتك تطفو على السطح ..عنيت تشعرين بالبرد "
امتقعت وهي تطرق أرضًا متنفسة بصعوبة …
" انتَ قصدت معنين لا تنكر "
توقف خالد مكانه ثم أزاح معطفه الشتوي عن كتفيه وهو يقول بهدوء :
" سوء الظن أسوأ صفاتك ، أتمنى أن تكوني جادة لتغيير هذا أيضًا "
لوت فمها تعبيراً عن الخجل وعدم القدرة على الرد ..وشعرت به يعلق المعطف الذي غرقت فيه على كتفيها ..ضمته حولها على الفور مستمتعة بدفئه ورائحته !!
انها تجهل ما السر الغريب منذ تلك الليلة لتعلق رائحة خالد في أنفها ..لقد اشتاقت اليها وافتقدتها حد العته ..
سارا مجددًا بصمت متجاورين شاغلة نفسها عن الصمت الحذر بينهما بتأمل المباني الجذابة والأنوار البراقة ..
" كيف حالك "
نطق أخيرًا الصنم الأبكم بجانبها ..فهي تشككت للحظة أنه فقد صوته لأسباب طبية مفاجئة تجهلها ..
" ان كنت تسأل عامةً ، فأنا لست بخير …أما ان كنت تخص هذه اللحظة فقدماي تؤلماني بسبب الحذاء العالي الذي أصرت والدتك أن أرتديه"
حدق خالد فيها بحاجب مرفوع وهو يقول بتهكم:
" والدتي أيضاً شاركت في المهمة المستحيلة ، وحققت معجزة قدومك"
توقفت خطوات سَبنتي فجأة مجبرة إياه على التوقف أيضاً ليواجهها..هتفت من بين أسنانها المصطكة في بعضهما:
" لا أحد..أي أحد أثر على قراري هذه المرة لقد اخترت القدوم اليك بإرادتي الحرة وبإختياري أنا وحدي ..وان كان هناك انسان تريد تقديم شكرك وامتنانك أو حتى غضبك منه أنه دفعني للقدوم فعليك أن تلوم نفسك في المقام الأول "
لا مشاعر على وجهه.. لا شيء يفسر تستطيع الفهم منه ان كان عند رغبته فيها كما قال في أخر محادثة بينهما ، أم هو زاهد ومضطر أن يكمل معها بأخلاق الفرسان التي تجعله لا يرد أحد فما بال إن كان الأحد هي زوجته حلاله؟
" أدخلي ذراعيك "
اعتلت الدهشة وجهها وهي تنظر اليه بوجنتين محمرتين من أثر البرد الذي يلفحها .. وهي تراقبه يقترب منها فاردا معطفه ثم ساعدها ان ترتديه وأغلق لها ازراه ..
" كبير جداً " همست مرتبكة
انحنى خالد قليلا. يخلع حذائه وهو يقول ببساطة :" أعرف "
" أخلعي الحذاء "
" ماذا "
تسألت بذهول متلعثم وهي تراقبه يضع حذائه أمام قدميها وأشار بعينيه أمراً أن ترتديه ..استندت على ذراعه دون تفكير منفذة أمره ..اذ انها ضاقت ذرعاً من حذائها العالي والمزعج … كما أنها أحبت الفكرة ممتنة لها ..
سألت بارتباك: " وأنتِ كيف ستقطع الطريق "
انحنى خالد مجدداً وأمسك حذائها بين يديه وهو يحثها على التقدم:
" سأكون بخير ، المهم أن لا تصاب قدميك أنتِ بالتورم "
قالت مرتبكة: " وان رآك أحد "
أجاب بعدم اهتمام :
"من يرى يرى يا سَبنتي ….كما أن هنا لا أحد يهتم بما يفعل الأخرين "
شرد مرة أخرى وهي تحارب مع كمي المعطف ..وساد الصمت القاتل بينهما مجددًا ..قبل أن تحاول هي كسر الجمود عندما أضافت بطفولة:
" هل أنت متأكد أن هذا حذائك ، اد أني أشعر أن هناك قاربين عالقين في قدميى"
رفع كتفيه وأخفضهما بلا معنى وظل على صمته ووجومه ..همست والخوف والألم يعود يضربها بغير عدل:
" قديمًا كنت تضحك على أي طرفة أنطق بها "
كان ثقيل الدم متباعد ، وجامد كما لم تعرفه أبداً عندما أجاب:
" ولم تعودي تضحكيني ..لا شيء يظل ثابت على حاله اذاً تخطي الأمر ولا تجذعي "
لا لن تتحمل ..تقسم أنها لن تستطيع ولن تكمل مشوارها معه للنهاية ان لم ينطقها ..
توقفت مرة أخرى ثابتة مكانها عينيها تواجهه بقوة خالية من الخوف و الاضطراب ..واثقة جدًا بعينيها الناريتين الهاربتين من بين صفحات ماضي قلب كيانه وذكره بالدعسوقة خاصته ..يديها مضمومتين جانبها حتى ابيضت أناملها.. فمها مشدود على أشده بينما الصوت العاصف يحتل حصونه ويقلب كيانه واضعاً بصمته,,,
هي والله هي ..وكأن الزمن عاد بهما في سفرة زمنية ، لشاب بقلب أخضر وطفلة حمراء بنفسجية يخطوان ببراءة لأول بنود العشق النقي
" فتحت لي قفص بيت الراوي وخيرتني مانحني أمري بيدي ..واخترتك لأني أريدك لا أحتاجك ..وعليك الأن في التو واللحظة أن تأخذ قرارك..هل تريدني أم أرحل ..ولكن ضع في معلوماتك ان رحلت لن أعود هذه المرة أبداً يا خالد ..لذا..لذا أتمنى أن تحمل ذرة عقل وتختارني لأني أستحقك ولأنك ليّ ..ليّ وحدي ولن أسمح لكَ أن تكون يومًا لسواي "

#انتهى
قراءة ممتعة والاسبوع القادم أن شاء الله سنواصل باقى الفصل



Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-07-21, 11:59 PM   #10724

Asmaa mossad

? العضوٌ??? » 429548
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 818
?  نُقآطِيْ » Asmaa mossad is on a distinguished road
افتراضي

روووووووعه سلمت يدااااااااااك

Asmaa mossad غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 12:29 AM   #10725

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

واوو واو رهيب الفصل قنبلة تسلم ايدك ي نوور فصل جميل جميل جميل جميل جميل فوق الوصف الله يسعدك و يعطيك العافيه ❤️ ❤️ ❤️ ❤️ ❤️

وأخيراً سبنتي و خااالد ياااه طلعوا روحنااا 😍😍❤️❤️❤️

راشد و سبنتي كوميديا 😂😂😂😂❤️
فطسوني ضحكك و زينهم
الله مبارك العصفورة و نزار الحمار أخيراً جاات الأميرة شيراز هااابر
شيماء و رقتها و حنانها يااه عيشتينا مشاعر جميلة جدا رغم الوجع فيها بس حلاوة الاحساس و الرضا إلى بيكملهم ❤️❤️😍

الله يسعد قلبك و يرضيك ي نور ماننحرم من جمالك ولا جمال كتابتك

❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️


المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 12:31 AM   #10726

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 766 ( الأعضاء 211 والزوار 555)
‏المشاغبة, ‏Amanykassab, ‏صوفيا جمال, ‏nadjou, ‏سمسمه عبده, ‏اميرة بأخلاق, ‏آمنة كعكة, ‏aliah ha, ‏ام ثائر حبايبة, ‏دلال حسن, ‏رغد ورؤي, ‏Vlora, ‏مرام مرمرة, ‏sira sira, ‏fadia fahed, ‏حنان حجاج, ‏شامو كريم, ‏رغيدا, ‏فيزياء, ‏Lulu9, ‏exolove, ‏منالب, ‏Koch, ‏حورررررر, ‏ميرا حوا, ‏ماسال غيبي, ‏هبه رفعت, ‏عبير دندل, ‏روكااااااا, ‏من هم, ‏أمل رياض, ‏ليلى عمرو, ‏ادم الصغير, ‏حبيبيه, ‏امي احمد, ‏ابتسامة مشرقة, ‏Nagat farouk, ‏دره بارق, ‏nur vattar, ‏مريم راجية الفردوس, ‏نسائم ., ‏mareen, ‏yawaw, ‏بهيرة المعداوى, ‏ديناعواد, ‏رهف ااحمد, ‏بنت سعاد38, ‏shimaa hamdy, ‏Asmabak, ‏frau zahra, ‏Abeer Hida, ‏shammaf, ‏Hagora Ahmed, ‏ميالة, ‏Dreamdida, ‏مروة عارف, ‏فداء ابو غوش, ‏اكليل الزهرة, ‏مياده سعد, ‏nano mahmoud2, ‏Roroadel228, ‏زهرة الحنى, ‏ندوش ندود, ‏Mira Gabr, ‏باسل حبيبة, ‏كادىياسين, ‏mariam sayed, ‏ines e, ‏mayna123, ‏Asmaa mossad, ‏هدير علاء الدين, ‏aber alhya, ‏Rofy totos, ‏lobna_asker, ‏[email protected], ‏emytroy2, ‏ميمات4, ‏تحرير عجور, ‏Meera Alromaithi, ‏مريم مري, ‏ريهام اسماعيل, ‏sara_soso702, ‏همسة الحنين., ‏ندى رمضان 35, ‏Amal Essam, ‏Fatema sharq, ‏awttare, ‏جنا احمد, ‏Duaa abudalu, ‏الذيذ ميمو, ‏ronza ahmed, ‏reemabdo, ‏شيماء عيد, ‏رودى رامى, ‏آلاء1999, ‏سمراء جنين, ‏Dilan, ‏انشكاح, ‏أم أنس, ‏hedia1, ‏Ayaomar, ‏Eman Sultan 99, ‏نورا كمال, ‏yara elmniawy, ‏لميس رضا, ‏ناديه كليب, ‏Dalia Huzaien, ‏nona-1061, ‏هدى هدهد, ‏رشا عبد الصمد, ‏shaimaa abdellah, ‏سارة الحداد, ‏faizasi, ‏Hoda.alhamwe, ‏احمد حميد, ‏gehan amir, ‏الصلاة نور, ‏ام نود وريم, ‏hanane aba, ‏فضل من الله, ‏وفاء غانم, ‏redrose2014, ‏Roro Rania, ‏أنثى متمردة, ‏عفة وحياء, ‏Marwa07, ‏..هناك أمل .., ‏saff06, ‏Rosyros, ‏اسماء155, ‏دودو مجدى, ‏داليا حسام, ‏سهام زيد, ‏Menna23, ‏Hnady, ‏shatha14, ‏الدعسوقة, ‏Time Out, ‏شيرين الحق, ‏مريااااام, ‏باااااااارعه, ‏homsaelsawy, ‏منه العسيلي, ‏نسيم88, ‏راما عثمان, ‏yasser20, ‏عفاف ن, ‏mina10, ‏taljaoui, ‏ناهد رزق, ‏أحمد نورا, ‏شيمو عصام, ‏لبابةة, ‏AROOJ, ‏شفق النهار, ‏Dina abd elhalim, ‏شهباروزا, ‏ارض اللبان, ‏nanash, ‏mooogah, ‏Bassma Rabie, ‏Um-ali, ‏lotus baka, ‏Beenim, ‏Kendaaaa, ‏رقيه95, ‏نصيبي و قسمتك, ‏كنابيس, ‏اسماء عبد السلام, ‏نورا سل, ‏نهى خيرى, ‏اسمااء محمد, ‏Hoba Nasry, ‏جنى ياسر جمال الدين, ‏TasneemIshahab, ‏dill, ‏هبة طه, ‏tamy, ‏الاءعزيز, ‏علا اسعد, ‏Omsama, ‏رحاب نبيل, ‏زهره الافندر, ‏Samaa Helmi, ‏سوما, ‏alyaa elsaid, ‏Nora 1234, ‏rahafe, ‏maha elsheikh, ‏Mummum, ‏جنوني عشقك, ‏نسرين كامل سعيد, ‏Emaimy, ‏Nor BLack, ‏آية العيسوي, ‏Shyra, ‏Abcabc, ‏موجة هادئة, ‏Ho.pe, ‏ندايا محمد, ‏dm992, ‏OM MOSTAFA, ‏دعاى علي ابوبكر, ‏نور الطعاني, ‏مها العالي, ‏أزهار الخريف, ‏ام نعيم, ‏Autumn in my heart, ‏بريتى لينا, ‏هبة الله 4


المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 12:31 AM   #10727

دلال حسن

? العضوٌ??? » 487789
?  التسِجيلٌ » May 2021
? مشَارَ?اتْي » 13
?  نُقآطِيْ » دلال حسن is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اتمنى فصل جميل بنكهة كوب ليمون بارد فى صيف حار


دلال حسن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 12:47 AM   #10728

redrose2014
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 300444
?  التسِجيلٌ » Jun 2013
? مشَارَ?اتْي » 106
?  نُقآطِيْ » redrose2014 is on a distinguished road
افتراضي

الحمد لله عقلت سبنتي واخيرا

redrose2014 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 01:37 AM   #10729

داليا انور
 
الصورة الرمزية داليا انور

? العضوٌ??? » 368081
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,195
?  نُقآطِيْ » داليا انور is on a distinguished road
افتراضي

الله عليكى وعلى جمال كلماتك ووصفك سلمت يداكى

داليا انور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 01:42 AM   #10730

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

جبار الفصل جبار فعلا تسلم ايدك

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:38 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.