آخر 10 مشاركات
ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          588-المساومة -ديانا هاميلتون -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          انتقام عديم الرحمة(80)للكاتبة:كارول مورتيمور (الجزء الأول من سلسلة لعنة جامبرلي)كاملة (الكاتـب : *ايمي* - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          سيدتي الجميلة ~ رواية زائرة ~ .. للكاتب الأكثر من مُبدع : أسمر كحيل * مكتملة * (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          تراتيل الماضي ـ ج1 سلسلة والعمر يحكي - قلوب زائرة - بقلمي: راندا عادل*كاملة&الرابط* (الكاتـب : راندا عادل - )           »          نيران الجوى (2) .. * متميزه ومكتملة * سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          420 - الوجه الآخر للحب - روبين دونالد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الملاك والوحش الايطالي (6) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-01-21, 07:13 PM   #7211

sira sira

? العضوٌ??? » 391432
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 325
?  نُقآطِيْ » sira sira is on a distinguished road
افتراضي


بانتظار الفصل 🌹🌹🌹❤❤❤💓💓💓

sira sira غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 07:14 PM   #7212

soso#123

? العضوٌ??? » 456290
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 389
?  نُقآطِيْ » soso#123 is on a distinguished road
افتراضي

ثرياقداح
تسجيل حضور


soso#123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 07:16 PM   #7213

Hevi Ali

? العضوٌ??? » 461318
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 75
?  نُقآطِيْ » Hevi Ali is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضضضضضضور

Hevi Ali غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 07:18 PM   #7214

Marwa..

? العضوٌ??? » 358550
?  التسِجيلٌ » Nov 2015
? مشَارَ?اتْي » 175
?  نُقآطِيْ » Marwa.. is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضوووووووور🥰🥰🥰

Marwa.. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 07:18 PM   #7215

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
:sss4:

بسم الله الرحمن الرحيم
شظايا القلوب
الفصل الثالت والخمسون
***

كم هم مساكين من ليس عندهم صبر.. هل من جرح إلا ويلتئم على درجات؟!
وليم شكسبير
:heeheeh::heeheeh::heeheeh:
******
هل من قلة الإحساس أن تشعر بمزيج من المهابة والسعادة، بالشوق والترقب وكأنها عادت إلى الطفلة ذات الضفائر التي ارتدت ثوبها الجميل تستقبل بهجة أول أيام العيد عند باب بيت جدها، تتدلل على أخيها وتنتظر والدها العائد من الصلاة كما كانت قبل التغرب، بينما زوجها وصغيرتها يودعانها بنظرات مأساوية يرجونها بصمت الاختيار الأخير والبقاء؟!
كل شيء كان مموه ما بين الشوق والترقب.. وما بين الحِمل الثقيل الجاثم على فؤادها الذي يهرع داخل صدرها وكأنه في سباق طويل مؤلم ليس له خط نهاية لإعلان الفوز...
تريد الخلاص من الوجع الكامن في تشييع عائلتها بنظراتهم المرجوة.. وإحساس آخر يجبرها أن تفكر، لماذا لا تختار الاستسلام أخيراً والبقاء؟!
وبينما تتجول عيناها على السيارة المصفحة التي حملت شعار الأمم المتحدة وتعلوها رايات الصليب الأحمر كعلامة سلام وحماية من نار الأوغاد المتربصين على المعبر داخل الأراضي المحتلة...
كان كل ما يدور في خلدها بكل صراحة مع النفس أنها ستتمسك لآخر لحظة بالعودة لأرضها، وبتحقيق حلم كل فلسطيني مهجر يحلم بأن يلمس تراب بلاده ولو لمرة أخيرة.. ولم يخط له القدر بعد القدرة على فعل ذلك...
لطالما كانت تبحث عن إجابتها وسكون نفسها هناك.. هي تعلم أن سلام روحها لن تجده إلا عندما تتشبع النفس بعبق عطر شجر الزيتون...
ولن يزول الطعم المر الدائم من حلقها إلا عندما يجلو ثمر الزعرور كل كؤوس الحنظل الذي تجرعته..
"دكتور لوسيرو أناخيل، لا تخلعي هذه السترة حتى نصل لمضيفنا بالداخل"
نطق تميم الخطيب الذي اقترب منها ومد لها سترة واقية من الرصاص وحقيبة صغيرة، تلك التي يزود بها الصحفيين والجند وتحتوي بداخلها على بعض الطعام المجفف وألواح البروتين وقنينة ماء.. حتى تساعدهم عند دخولهم خطوط النزاع وحدوث أي طارئ..
"لورين.. اسمي لورين أيوب الخليل، لن أدخل أرضي إلا باسمي الذي غادرتها به.." همست تجاهد لأن يخرج صوتها ثابت ذو سلطة وبأس...
وللغرابة لم يحاول أن يستفزها كما فهمت من شخصيته بعد اليوم الذي صاحبته فيه من القاهرة وحتى معبر رفح...
بل كان ينظر إليها بهدوء وكأنه يفهم.. يفهم مشاعرها.. تَرقُبها وتَخبُطها.. بهجتها ومخاوفها..
إذ قال بهدوء "كنت أتمنى يا دكتورة أن يحمل تعريفكِ مع الصليب الأحمر اسمكِ الأصلي، ولكنكِ مناسبة له باسمكِ الأمريكي لذا لحمايتكِ يجب علينا الالتزام بالقوانين.. وعندما نصل بسلام للضفة يمكنكِ التنقل بالهويّة التي تريدين.."
لم تحاول الجدال وهي تراقب بعينيها بعض الصحفيين والأطباء ضمن هذه القافلة يرتدون هذه السترة في استعداد للصعود والانطلاق إلى حيث يصلون للمنطقة العسكرية المصرية لتفحص تصريح سفرهم..
"أتسمحين بمساعدتكِ في ارتدائها؟" قال تميم بهدوء..
بتحفظ رفعت كفها بالرفض:- "سأفعل أنا.."
ارتعشت ابتسامة على فمها وهي تستدير نحو زوجها وصغيرتها.. ودون جدالها المعتاد أو عنجهيتها كانت تسلمه السترة..
انحنى ممدوح لينزل أمل التي هرعت نحو والدتها تحاوط ساقها بكلا ذراعيها تلاصقها بشدة.. إلا أنها لم تتحدث كما عادتها ولم تحايلها لأن تبقى معها دائماً وأبداً كما وعدتها بالسابق..
فتحها وهو يقف مواجهاً لها ثم ألقاها خلفها وهو يضمها إليه متظاهراً بأنه يساعدها لارتدائها..
ضحكت باهتزاز وهي تهمس من تحت عنقه بينما تضع ذراعيها في المكان المخصص بالسترة:- "ألم يكن الأفضل الالتفاف.. الأعين مسلطة علينا"
تمتم ممدوح:- "لا أظن هذا.. أرغبكِ قريبة منا أطول فترة ممكنة.."
"منا؟!" همست
ابتعد خطوة عنها وأغلق السحاب حتى تحت عنقها بقليل "نعم، أنسيتِ أمل؟!"
نظرت دامعة العينين نحو صغيرتها التي تنظر إليها بجفنين متوسعين بريئين ولكنهما خلوا من الدموع التي يفترض أن تبكيها بهم!
"أنسى أمل!! كيف وهي وشمك؟!"
تنهد ممدوح وهو ينظر إليها بمزيج من الحسرة والحرب الشعواء التي ينازع فيها لأن يجبرها على البقاء.. ثم قال بصوت خشن خفيض:- "عندما تعودين سوف نناقش أمر الوشوم هذا.. لن أستسلم حتى أمحوه من عقلكِ"
تعلم أنه لا المكان المناسب ولا الوقت يسعف لتخبره ما يحرقها لأعوام.. إلا أنها تستسلم الآن.. ترغب بكل كيانها في هذه اللحظة أن يؤمن بشيءٍ واحد لم تكذب أبداً فيه..
أمسكت بيده، ورأسها يميل قليلاً ثم قالت باستسلام:-"بلى هي وشمك.. وأنت ستظل أبداً وشم قلبي"
رفع ممدوح أصابعه يلمس بها جانب وجهها وهو يقول بصوت أجش:- "لورين أرجوكِ، يكفيني التعامل مع هروبكِ الآن"
اتسعت حدقتاها وهتفت باضطراب:- "هروب!"
أيهم يقصد؟؟
الهروب من مشاعرها ورغبتها في العودة إليه لتخط معه صفحة جديدة نقية.. يضعان فيها حكاية سعيدة مودعين أوجاعهما ومعانتهما.. أم الهروب منه كله وأخذ ابنتها وتركه للأبد؟!
وكأنه فهم.. هي تقسم بحق الرحمن أنه أصبح مزود بحاسةٍ ما تجعله يقرأ أفكارها عندما قال وهو يخبط على وجنتها بخفة:- "عنيت ذهابكِ للبحث عن عيسى، وربما أخذ فترة بعيداً عني لتعيدي حساباتكِ.."
أدارت عينيها نحو صغيرتها من جديد، ثم حملتها ترفعها على صدرها تضمها بقوة.. بتشدد عنيف ووحشي وهمست لها:- "ماما ستعود لأمل.. انتبهي لنفسكِ واسمعي كلام بابا.."
ضمتها أمل بيديها الحلوتين وهي تقول بتلعثم:- "أمل لا تريد أن تترك ماما، هل يمكنكِ أن تأخذيني معكِ، لن أزعجكِ"
تمسكت لورين برباطة جأشها وهي تبعدها قليلاً لتقبل عينيها, جبهتها, وجنتيها, وكل قطعة صغيرة استطاعت أن تطالها منها ثم قالت باختناق:- "وماما لا تريد تركها، وهذه المرة لن أترككِ لأني مشغولة.. ولكن ما يدفعني لدخول أرضي أمر لا أملكه بيدي صغيرتي, فيوماً ما ستكبر أمل وتفهم ما الذي تعنيه كلمة وطن"
عبست أمل وبدا عليها ضجر البكاء وهي تهمس معترضة مختنقة:- "أمل تعرف كل شيء، أنا لستُ غبية, بابا أيوب قال فيش شيء يغلو على فلسطين كلنا فداءً لها!"
ابتسم فم لورين ابتسامة كبيرة حقيقية وهي تمسح غلالة دموعها بقبضة يدها ثم همست:- "حسناً، طالما تعلمين هذا إذاً ستتفهمين لماذا سأترككِ قليلاً من الوقت"
هتفت بإلحاح:- "خذيني معكِ لن أكون مزعجة، وسأحميكِ من عفريت مرح"
سمع ثلاثتهم تميم يبرطم بتهكم من وقفته البعيدة نسبياً:- "والله إن تميم يحتاج لمن يحميه من مرح ومنكِ"
حانت من لورين نظرة باردة مستنكرة لم تستغرق ثوانٍ قبل أن تعود لصغيرتها وهي تقول بهدوء:- "لقد تحدثنا في هذا.. إن أخذتكِ معي من سيحمي ممدوح في غيابي.. أنتِ تعلمين أنه يخاف النوم في المنزل وحده"
عقد ممدوح حاجبيه قبل أن يرفعهما للأعلى بتعجب وذهول ثم همس:-"هل أخبرتِ الفتاة أن أباها طفل مدلل يخاف العتمة؟!"
قالت تتظاهر بالجدية وهي تقترب منه الخطوة التي ابتعدها تحمل الصغيرة بين ذراعيها لتصبح بينهما:-"نعم، وستهتم بإطعامك أيضاً، فأنت تنسى، فهل لديك اعتراض؟!"
كانت نظرة عينيه الآن غامضة مخيفة في معانيها، عندما رفع يده يلفها حول عنقها من الوراء ممسكاً بها ليقربها منه بينما يده الأخرى ارتفعت تحاوط جانبها الممسك بابنتهما.. ثم قال بخفوت:- "كيف أعترض على جزء منكِ تتركينه ليحرسني؟!"
تعمدت الغلظة وهي تأمر بتسلط مدعية المزاح:- "حافظ على أمل حتى أعود, إن جُرِحَ إصبعها سأقتلك وإن لم أعد سيطاردك شبحي لأقتلك أيضاً"
ضحكت شفتاه بأسى عندما قال بصوت مشحون بالعاطفة:- "وهل سأكون على قيد الحياة بدونكِ؟!"
فغرت شفتاها بنفس ساخن وهي تهمس باسمه بتأوه..
ضمها إليه أخيراً يحاوطها بذراعيه هي وابنتهما بقوة حضن وداع.. حضن توسل.. وحضن رجاء العودة.. حضن يرجوها وقف النزيف.. حضن كان يُرسي فيها أن تعود بالإجابة عن كل مخاوفها أوجاعها وتمحو كل السنين العجاف...
"حافظي على نفسكِ.. لا ترميها بالتهلكة وتذكري أنكِ لم تعودي معنية بنفسكِ فقط.. فهنا عائلة كاملة تنتظركِ.. أيوب لن يتحمل خسارة أخرى.. وأنا وأمل سنضيع إن تخليتِ عنا"
دفنت وجهها بكتفه بتسليم لمشاعرها, تبكي بحرقة دون خجل أو تمسك بزجاجها الجارح الخادع الذي أقامته طويلاً كدرع يحميها ممن يحاول كشف ضعفها.. إلا أنها همست من بين دموعها بتذمر:- "تهول الأمر كثيراً.. الناس بالداخل تعيش وتتعايش، ليس وكأني ذاهبة للحرب"
ربت على ظهرها بحنان وهو يدفعها إليه بقوة ثم همس جوار أذنها قبل أن يقبل جانب عنقها:- "الناس هناك ليسوا أنتِ.. كل العالم ليس أنتِ.. كل نساء العالم لم تجعلني أتألم بشدة الاشتياق كما فعلت أنتِ وأنا بعيداً عنكِ"
أغلقت عينيها بقوة وهي تضرب على ظهره بقبضتها بضعف وكأنها تحاول الاعتراض على غزوه لها وبعثرة نفسها ومشاعرها لآخر لحظة..
همست أخيراً بصوت مضني مختنق:- "لهذا أريد العودة.. لأريح قلبي وفكري من تشتتي.. وعندما يرضى داخلي، أعدك أن أكن جاهزة لك بما يليق بوشمك"
سمعا استعجال _مبدد الشمل_ من جديد يخبرهما بوجوب التحرك.. لذا أبعدها قليلاً وهو يمسح بباطن كفه دمعها ثم قال بسخرية عله يداري اهتزازه من لحظة الفراق:- "لا فائدة, أنا أغزل لكِ أرق الكلمات وأنتِ تصرين على الوشم"
عضت طرف شفتيها وهي تحدق في عينيه الخضراوين بالتهام الجوع علها تخزن نظراتهما لأطول وقت بداخلها..
"بل أحاول إخبارك أني أريد بناء جديد معك خالياً من عُقدِي، وهذا لن يصلح إذ أن ما بداخلي الآن هو فتيل منزوع ودخان عاصف يعمي"
قال بصوت أجش: "لدي الآن بصر يكفينا إن سمحتِ لي لأن أرشدكِ للنجاة، عودي من أرض الأبطال.. وبعدها أنا واثق أني سأستقبل لورين الخليل الحقيقية لأول مرة بين ذراعي.."
منحته أجمل ابتسامة قد يحصل عليها يوماً.. ثم قبلت أمل بقوة وضمتها لمرة أخيرة.. ثم وضعتها بين ذراعيه وهي تستطيل قليلاً لتقبل وجنته بعفوية شديدة...
تفاجأ قليلاً إلا أنه لم يعلق: "انتبه لنفسك ولابنتي.. وأبي، أخبر أيوب أن لا يغضب مني لعدم سماحي له بمرافقتي.."
"سأفعل حبيبتي..."
هزت رأسها بلا معنى وهي تبتلع ريقها بعنف.. ثم بصعوبة شديدة قدرت أخيراً أن تنتزع نفسها.. لتستدير بعيداً عنه، لتصعد للمكان المخصص لها..
اقترب ممدوح خطوة ثم أمسك بخشونة بذراع تميم الذي نظر إليه باستياء.. إلا أنه لم يهتم عندما قال بشرر: "أعدها بخصلة شعر واحدة ناقصة ووقتها ستندم على اليوم الذي رأيتني فيه"
مط تميم شفتيه قبل أن يقترب باستفزاز:- "للأسف هذا خارج صلاحياتي فالنساء يفقدن يومياً ما يقارب المائة شعرة.. أما عن الندم لمقابلتك فأنا صدقاً نادم من أول يوم هللت به عليَّ بكوارثك.."
هس ممدوح من بين أسنانه: "خفة الظل نعمة لا تتمتع بها.. لذا لا تستخدمها معي.. أنا جاد وجداً أيضاً.. ليس لدي ما أخسره.."
أبعد تميم يد ممدوح عنه بهدوء ثم قال ببساطة: "لا مشكلة أنا أحرص الناس عليها.. ليس لجنونك الذي لمسته فقط.. وإنما وصلني تهديد آخر من رقم غريب يخبرني بأني إن مسست شعرة منها سينهي ما بدأه ويتخلص مني في أكياس سوداء.. لذا ثق بي إن لم آخذ تهديدك على محمل الجد أجدني أرتعب من المجرمة الجبانة.."
توسعت عينا ممدوح وهو يهمس باختصار: "مرح؟!"
إلا أنه رغم وميض عينيّ تميم المرعب عند نطق اسمها لم يعلق إلا بـ:- "مشاعركم جميلة نحوها ولكن بحق الله ما مشكلة العائلة مع شعرها.. هل يتساقط وتجدونها حجة للتخلص مني؟"
لم يرد ممدوح بشيء إلا نظرة قرف بينما هتفت أمل وهي تشير نحوه بخوف:- "لا أحب هذا العفريت"
تراجع ممدوح وهو يضم الصغيرة ثم قال وعيناه تشردان نحو السيارة حيث زوجته:- "ومن يحبه صغيرتي.. ومن يحب كتلة الاستفزاز الشيطانية ؟؟"
تنهد تميم بصوت مسموع قبل أن يقول وهو يتحرك: "من يعلم سيد ممدوح.. ربما كان هناك أمل مرة أن يحب وجه الشيطان الخبيث هذا، ليهدأ ويصل للجنة.. ولكن طريق الجنة سد في وجهه بجدار منيع دون إثم ارتكبه.."
سخر ممدوح: "الشيطان الميت الباحث عن التوبة"
سخر تميم بنفس طريقته إلا أن صوته كان متحشرجاً بالألم عندما قال: "بل البشر الفاني.. الشياطين لا تموت سيد ممدوح"
صمت ممدوح وهو يحدق في أثره بجرح مألوف، بمأساة يعرف رائحتها التي تلوح في الأفق جيداً..
إلا أن عقله كما فؤاده كان أكثر انشغالاً واستغراقاً الآن من أن يركز معه.. خاصة عندما سمع صوت الإطارات التي على استعداد بالمغادرة وأخذ روحه معه...
"لورين" همس اللسان دون صوت.. وهو يضم صغيرته الباكية على ذراعه يحتضنها بقوة وكأنه يحميها من جرح جديد لا تطيقه طفولتها...
وكأن لورين سمعت ندائه عندما فتحت الباب الجرار تنظر إليه بنفس الضحكة والدموع وهتفت ببساطة: "معنى الوشم باللغة البولينزية الجرح المفتوح.."
هتف هو الآخر بنبرة قوية: "إذاً أنتِ الأخرى وشمي الذي أحب"
هزت رأسها موافقة قبل أن تجلس مكانها من جديد وتغلق عينيها بقوة, تسند رأسها على الزجاج وتسلم أخيراً لرحلة عودتها, يدها تضغط خاتم زوجها ذا الجوهرة السوداء ولسانها يهمس مردداً: "أنت وشمي.. و فلسطين بداخلي جرح مفتوح"
*************
:heeheeh::heeheeh::heeheeh:

ru'a and كريم الشيخ like this.


التعديل الأخير تم بواسطة رغيدا ; 19-01-21 الساعة 01:33 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 07:23 PM   #7216

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
:sss4:

المشاركة (2)

**********
"إياب هذا يكفي.. هل يمكن أن تنظر لي؟"
دفع يدها بضجر ثم أمسك الجهاز اللوحي من جديد وقال بفم متكور: "لا أريد.."
أخذت بدور نفساً طويلاً بصبر ثم جثت على ركبتيها أمامه وهي تبعثر شعره قائلة بعتاب: "لماذا حبيبي؟ ألم نتفق أن نقضي وقتاً ممتعاً معاً؟"
لوى جسده وفلت من حصارها يقفز من فوق الأريكة.. ثم قال بعناد الأطفال: "لقد لعبت معكِ صباحاً.. والآن أريد وقتاً لنفسي"
رفعت بدور طرف فمها وهي تردد باستهجان: "وقتٌ لنفسك؟!"
نظر إليها بطريقة باردة ثم صعد على مقعد آخر منفرد وجلس هناك يدفن رأسه في الجهاز اللوحي ولم يُعِرها أي اهتمام..
تهدل كتفيها بإحباط وهي تنظر إليه بعجز ثم نظرت لوالدتها وتمتمت بيأس: "أنا لا أفهمه.."
ربتت منى بجانبها في دعوة لها للجلوس وفور أن استلقت بجانب أمها ربتت على يدها وهي تقول بهدوء: "ابنكِ صعب المراس وهذا ليس اكتشافاً جديد"
ظلت تنظر إليه من تحت جفونها بحيرة ثم قالت: "ولكن ما معنى تضارب أفعاله؟ وقتٌ يصبح لطيفاً يتعلق بي وكأني كل حياته. .وباللحظة التي تليها لا يطيق صبراً ليتباعد عني.."
"أنا أحب ماما.. ولكنها شريرة" قال إياب وهو ينفخ كمن ضاق ذرعاً.
أشارت بدور نحو صدرها وهي تهتف بذهول: "أنا شريرة يا ابن راشد؟!"
رفع عينيه الغاضبتين نحوها ثم هتف بحدة: "أنا لستُ ابن راشد الشرير"
هتفت بدور وهي تقف من مكانها بطريقة مضحكة: "أقسم أنكَ ابنه ونصف.. جلافتك, صفاقتك, وشرك أيضاً.. كللللك قطعة غير مستحسنة منه.."
تبسمت شفتا منى وهي تمسك ساعدها بتشدد ثم قالت: "هل ستضعين عقلكِ بعقل ابنكِ أيضاً.. أتركيه"
:-"أتركه! ألا تسمعين ما يقوله؟!"
همست منى بخفوت: "ربما الأمومة فطرة، ولكن طريقة التعامل وتربية طفلكِ أمر مكتسب.. وأنتِ ما زلتِ تحتاجين للكثير من الخبرة لتتفهمي الطريقة الأمثل للتعامل مع طفل عنيد مثله.."
أطرقت بدور بوجهها للحظات قبل أن ترفع رأسها نحو والدتها وهي تقول بخفوت: "وغلطة من هذه؟! لن أعاندكِ وسأعترف بأني لا أعلم عن التعامل معه إلا الدلال ومنحه كل الحب المتراكم والمكبوت بقلبي لسنوات.."
مسدت منى بكلا كفيها على صفحة وجهها ثم أجبرتها أن تريح رأسها داخل حجرها..
سكنت بدور بهدوء شديد هناك للحظات متمتعة بعلاقة طيبة أصبحت تربطها بها.. علاقة افتقدتها داخل دائرة غيها والغضب الراعد المتواري الذي كانت تداريه بداخلها نحو والدتها لأعوام طويلة...
ولكن الآن أصبحت الصورة واضحة.. والخيوط بداخل عقلها تشابكت تمحو كل الذنوب.. ببساطة أصبحت تتفهمها وتحترم اختيارها بالبقاء مع أبيها.. حتى وإن كان جزء منها ما زال يُنكر هذا البقاء إلا أنها أصبحت ترى أبعاد صور أخرى لنساء كثر لم يملكن إلا اختيار البقاء..
"اشتقت لتدليلكِ لي يا أمي.."
ابتسم وجه منى البشوش وهي تتلاعب بأصابعها داخل شعرها ثم همست بحنان: "وأنتِ في عمر ابنكِ كُنتِ نارية الطباع, عنيدة كالحجر.. حتى النوم كنتِ ترفضين الانصياع لقوانينه كما إخوتك فكنتُ أدخلكِ لفراشي وأمددكِ هكذا على قدمي وأبدأ بالتلاعب في رأسكِ وأفكاركِ حتى تغفي كالملاك.." ضحكت وهي تعتدل لتواجه عيني أمها ثم قالت باستنكار: "أنا.. وملاك في جملة واحدة.. صحيح عينا الأم لا ترى إلا كل جميل.."
قالت منى ببساطة: "كيف ترين إياب؟"
اعتدلت من جديد تضع كلا كفيها تحت وجنتها المستريحة في نومتها ثم همست وهي تنظر إليه بحنان: "ملاك.. جميل المحيا والقلب.. هو كل شيءٍ يا أمي ليس قطعة من قلبي فقط.. بل هو قلبي يمشي على الأرض"
قالت منى بخفوت وهي مستمرة في التلاعب بشعرها: "ويراه الجميع طفل عنيد صعب المراس، متصلب الرأس، غير ودود نهائياً"
هتفت معترضة: "ابني ليس كذلك, ومن يراه هكذا يغار ويحقد عليه.."
قاطعتها منى مؤكدة:- "لا.. بل من يراه بهذه الصفات لا يملك عيني الأم.. وهذا لتعلمي أنه رغم كل ما فعلتيه.. رغم كل ما حملوكِ إياه.. وحدي كنت أؤمن أن طفلتي الصغيرة تحمل قلباً من ذهبٍ ستنفض عنه الغبار يوماً وتعود لي بكل محاسنها.."
همست بشرود بعد دقائق من الصمت: "ألا زلتِ ترين بداخلي ميزات؟"
قالت منى بهدوء وهي تقبل وجنتها: "وحدها الأم من لا تيأس من صغيرها مهما بلغ جحوده.. الأم وحدها صغيرتي من تحبكِ بعيوبكِ قبل ميزاتكِ.."
حركت ذقنها نحو صغيرها وهي تهمس بشرود: "وماذا عنه؟ متى يراني بميزاتي ويتوقف عن مقاومتي؟!"
قالت منى بخفوت حاسم: "إياب لا يقاومكِ.. بل يستغل دلالكِ وحبكِ غير المشروط ليفرض هو عليكِ سيطرته.. هكذا هم الأطفال حبيبتي وهذا ما يجب أن تكتسبيه معه.."
ساد الصمت للحظات بينهما قبل أن تقول بدور بهدوء: "علميني إذاً.. ساعديني لأفهم ما يعانيه ابني ولا أقدر على اكتشافه.."
أخذت منى نفساً عميقاً ثم قالت ببساطة: "لن يعجبكِ قولي وربما ستظنين أني أحاول دفعكِ لشيء لا تطيقه نفسكِ!"
صمتت بدور للحظات قبل أن تغلق جفنيها وهي تقول بصوت خشن: "تعنين أباه.. تريدين منّي التدخل لأنهي هروب إياب من والده؟"
أمسكت منى بجانب وجهها لتجبرها لمواجهتها ثم قالت ببطء وهي تنظر لعينيها بقوة: "لا.. لم أشير لتدخلكِ.. ولن تحاولي التدخل إذ أن ابنكِ هو من سيعود ليطالبكِ بعودة أبيه لحياته.. راشد يملك مفاتيح إياب.. وأب مثله ليس سهل نسيانه أو عدم التعلق به.."
دمعت عينا بدور وهي تقول بتخبط: "هل تقصدين إن وقع الاختيار سيتركني لصالحه؟"
حانت التفاتة بسيطة من منى نحو حفيدها عاقد الحاجبين, المليء بالسخط حتى وهو ما زال يلعب على جهازه.. ثم قالت بصرامة: "إياب لن يترككِ بعد أن وجدكِ.. إلا أنه يحتاج لسلطة أبيه لتستقيم معادلته.. ابنكِ أنائك أنتِ وحدكِ القادرة على وزن معاييره..."
قطبت بدور وهي تقول بحيرة: "لم أفهم!"
قالت منى بلهجة لاذعة: "لم تفهمي ماذا.. محاولة إياب فرض سلطته عليكِ.. أم عناده في كل صغيرة وكبيرة.. أم ربما لم تستوعبي بعد صراخه في وجهكِ دائماً ثم يعود يهرع لذراعيكِ يمنحكِ قبلة وضمة تتقبليهم مثل البلهاء.. حقاً لقد خاب ظني"
اعترضت: "أمي.."
أكملت منى بضجر: "ربما ابنكِ يبلغ الأربع سنوات.. إلا أنه يتعامل معكِ بعقلية طفل بالغ.. يعلم جيداً متى يثير أعصابكِ ومتى يكسب ودكِ متملصاً من العقاب، إياب يحتاج الحزم يا بدور.."
اعتدلت بدور وهي تقول: "أنا راضية مهما فعل.. بحق الله لماذا يحاول الجميع إفساد لحظاتي معه؟"
قالت منى ببرود: "أنتِ من طلبتِ المساعدة.."
قالت بدور بضجر: "ألا يمكنكِ المساعدة دون الإشارة لفشلي بإدارة هذا الكائن الذي لا يتعدى طوله ساقي؟"
قالت منى بهدوء شديد: "لا يا بدور.. أنا أفعل لأني لن أقف متفرجة وأنا أراكِ تضيعين حياتكِ وتتركين ابنكِ لعقد جديدة.. يكفيني والله رؤية أبنائي يتعذبون.. أنا لا أستحق منكم تلويع فؤادي على حفيدي أيضاً.."
نفخت بدور شفتيها بذنب ثم همست: "ماذا تقترحين إذاً؟"
ربتت على كفيها المعقودين ثم قالت برقة: "جدي طريقًا لتوازني بين الدلال والقوة معه.. ابنكِ يحتاج لأن يفهم أنكِ المسيطرة صاحبة القرار وليس هو... أنا لا أطلب منكِ أن تتعاملي بقسوة أو تفرطي بالتحكم ولكن وازني بينهما.. الدلال المفرط يصنع الفشلة.. والقسوة الزائدة تصنع الوحوش.. ونحن لا نريد هذا أو ذاك.. بل صناعة رجل وسند تعتمدين عليه.. و يجد هو طريقه السليم مستقبلاً.."
نظرت بدور إليه من جديد للحظات.. ثم قالت أخيراً بإحباط: "لا يهون عليّ.. فقط فليفعل ما يريد لبعض الوقت وبعدها سنرى"
حركت منى رأسها يميناً ويساراً بأن لا فائدة...
حتى قالت بدور تغير الحوار وكأنها تتهرب من سماع أي نصيحة مكتفية بالحالة المشحونة بالحب و اللوعة مع صغيرها.. وسألتها: "بالمناسبة أين زوجة ابنكِ؟ لقد حدثتني منذ ساعتين وقالت أنها ستقابلني في المطعم الخاص بالأطفال.. ولكنها لم تأتي.."
داست منى على زر استدعاء لأحد الخدم بجانبها ثم قالت بهدوء: "أعتقد أن لديها محاضرات كثيرة اليوم.. أو ربما ستنقل من أحد أصدقائها ما فاتها.."
ضيقت بدور ما بين عينيها ثم قالت ببطء: "لا ليس لديها.. صديقتها بالفعل أرسلت لها ما فاتها على موقعها الكتروني.."
دخلت الخادمة في هذا الأثناء..
"فنجانان قهوة.. وعصير لإياب" طلبت منى من الخادمة..
"أنا لا أريد عصير.. أريد قهوة عندي صداع"
نظرت الخادمة إليه بتعجب ثم لمنى بتساؤل.. اقتربت بدور منه ثم قالت: "لديك ماذا يا قلب بدور؟!"
كما وصفت والدتها بالضبط ارتمى بين ذراعيها يقبل وجنتها وهو يقول بحماس: "صداع من المزعجة ليبرتا.. أخبرتكِ لا تدعيها تأتي معنا فهي تتحدث كثيراً"
وقفت بدور تحمله ثم تقبله وتدور به كالفراشة, تمازحه, تداعبه.. ثم هتفت بحماس: "ألم تسمعي حبيب الماما يريد القهوة.. اجلبي له كل ما يرغب"
هتفت منى بحسم: "بالطبع لن تفعل.. هذا الفتى أضاع المتبقي من عقلكِ.. قهوة ماذا وصداع ماذا الذي يتحدث عنه ابنكِ الذي لم يخلع الحفاضات بعد؟!"
هتف إياب بتسلط "أنا لا أرتدي حفاضة.. بل أفتعل الحوادث ليلاً فقط"
قالت منى بتهكم: "يااال الفخر.."
ثم عادت تخبر الخادمة بسلطة أمومية سحرية: "فنجانا قهوة لي ولها فقط وهو حتى العصير لن يشربه اليوم.. اذهبي.."
اعترض إياب وبدور سوياً: "ولكن..."
وقفت منى من مكانها ثم توجهت إليهما وأمسكت إياب من كتفيه توقف نزقه وصراخه الذي بدأ: "أنت أنظر إليّ..."
توسعت عينا بدور بقوة عندما خاب ظنها ونظر لوالدتها بكل وداعة.. فقالت منى بنبرة هادئة أخضعت ابنها بطريقة مذهلة: "أنت غير مصرح لك بالقهوة مطلقاً.. ولن تصرخ من جديد عندما تريد شيئاً.. البكاء ممنوع كلياً، عندما ترغب بشيء تستخدم الكلمات وإلا لن يلبى لك حتى وإن كنت جائع, أتفهم؟"
هز رأسه بأدب شديد: "نعم جدتي"
"جيد.. طفل جيد.. والآن انزل من هنا واذهب رتب ألعابك واصعد لتضعهم في غرفتك ثم عد إلى هنا.."
قالت بدور: "ولكن يا أمي, يمكن لإحدى الخادمات أن تفعل هذا.."
"أصمتي أنتِ..."
ولصدمتها الثانية وجدت ابنها يقاوم يديها ويذهب بكل أدب نحو الركن الذي تكومت فيه الألعاب الجديدة التي ابتاعتها له اليوم.. وشرع في حملها والصعود بها للأعلى..
أشارت بدور بذهول: "كيف؟! ماذا؟! علميني أرجوكِ"
رفعت منى كفها وهي تعد على يدها: "كيف؟ من يعيش معكِ والمجاذيب أخوتكِ يتعلم الكثير..
ماذا؟ هذا ما يدعى سلطة الأم يا بلهاء لهذا نحن نسمى بطلات..
أعلمكِ! حاولت وفشلت لذا انسي وجِدي طريقكِ وحدكِ.. والآن اجلسي.. أريدكِ في حديث هام.."
ظلت بدور تنظر لابنها بتوتر.. إلا أنها حسمت أمرها وجلست بجانب والدتها التي قالت مباشرة: "ما الذي يحدث بين أخيكِ وزوجته؟!"
حكت بدور جبهتها بتوتر ثم قالت: "وما أعلمني؟ أمي أنا توقفت منذ زمن طويل عن محاولة تقصي أخبار أحد"
منذ حادث نزار الذي حملت وزره كاملاً لنفسها..
منى تعرف ولكنها ليست غبية أو مغيبة لتدرك أن كل ما يربط بين ابنها وربيبتها نار خامدة..
وضعت منى مرفقيها على ركبتيها ثم قالت بهدوء: "بدور، هل تظنين أني بلا قيمة؟"
قالت معترضة: "أمي لم أقصد.."
قالت منى ببساطة: "سَبنتي تنفر من أخيكِ.. هذا لن يمر من تحت عينيّ.. إلا إني أعلم جيداً أنها تحبه ولم تتخلى عن هذا الحب قط.. للأسف هذه ميزتكن وجحيمكن يا بنات الراوي.. الحب مرة وبعدها الموت.."
ابتسمت شفتا بدور بحسرة ثم همست: "ربما نحن جميعاً بناتكِ أنتِ.. حبنا جحيم، ورجالنا حطب يزيد الجلد لهيباً.."
شحبت ملامح منى وهي تهمس بخفوت: "رحم الله أباكِ يا بدور.. جَلْدِي لم يعد ذو قيمة.."
قالت بدور سريعاً: "لا.. لا لقد فهمتني خطأ, لم أقصد ما فهمتِ.."
لم تحاول منى الحكم سريعاً بل سألت بخفوت: "ماذا عنيتِ إذاً؟"
توترت بدور وهي تهمس: "تفسيري سيزيد الفهم المغلوط يا أمي.. ولكن إن كان قولي أن الإخلاص اكتسبناه منكِ سيوضح الصورة فهذا جزء من مقصدي.."
تنهدت منى بتعب ثم قالت بهدوء: "أتركينا من هذا.. هل يمكنكِ أن تخبريني بما تعرفين؟"
قالت بدور: "لا أستطيع، عامةً خالد لا يتحدث، أعتقد أنه كالعادة يخجل من أن يفاتح أخته الكبرى في أمر كهذا.. أما هي.. حسناً لقد ائتمنتني على سرها.."
اعتدلت منى وهي تقول بتجهم: "أنا أم الاثنين، إن كانت غابت هذه المعلومة عن رأسكِ"
فركت بدور جبهتها من جديد ثم قالت: "ليس هذا ما عنيته.. إلا أني أثق أن سَبنتي لن تجلس أمامكِ وتخبركِ ببساطة أنها لا تتقبل فكرة... اممم كيف أصوغها؟"
كتمت منى ضحكة مهيبة وهي تهمس: "هل هذه أنتِ حقاً.. لا أصدقكِ.. أتخجلين من قول علاقة حميمية؟!"
ابتسمت بدور هي الأخرى وقالت بحاجبين منعقدين: "من كان ليصدق.. ولكن لتطمئني عليّ، إن كان الأمر عن نفسي سأخبركِ بكل تفصيلة بكل وقاحة ولكن أن أصف هذا الثنائي.. صعب قليلاً.. أحياناً أشعر أنهما مجرد مراهقين ونسمح لهما بلعب دور الكبار؟"
ردت منى بجدية: "لا أصدق نظرتكن لأخيكن"
قالت بدور بأريحية: "إن كان خالد مع أي فتاة أخرى لم أكن لأستعجب، ربما هناك حاجز نفسي سببه أن سَبنتي ما زلت بطريقة ما أراها نفس المراهقة ربما لأنها أصغرنا"
كانت منى تلاحق انفعالاتها وكلماتها باهتمام شديد.. عندما قالت: "إذاً ترينها أصغركن, هذا فقط يا بدور؟ لم تعودي..."
قاطعتها بدور سريعاً قبل أن تقول بصوت غريب: "لم أعد أحمل نحوها أي شيء فليطمئن قلبكِ يا أمي.. وكيف أفعل وأقل مبررات حبي لها أن خالد لا يحب سواها.. وأعظمهم أن ابني يتعلق بها كروحه.. إنها واقع ليس مسلّم به فقط ولكنها جزء من نسيج عائلتي.."
رفعت منى يديها سريعاً إلى رأسها ثم هتفت: "الحمد لله.. وأخيراً أصبحتِ تتكلمين بعين العقل والنضج والمسؤولية.. هل قلتِ عائلة ونسيج وأشياء أخرى.. لا أصدق.."
زمت بدور شفتيها قبل أن تقول ببرود: "كنت دائماً.. إلا أنكم عائلة ناكرة للجميل"
تنهدت منى براحة وملأت ابتسامة خفيفة محياها وقالت:- "إذاً هل ستساعدينني لأعرف كيف هي الطريقة المثلى للتعامل مع زوجة أخيكِ.. يجب عليّ إمساك زمام الأمور معها..."
قالت بدور بهدوء شديد الأناقة:- "لا.. لن تفعلي بل أتركي الأمر لي.. أولاً لأنها اختارتني أنا منذ البداية.. ولا أريد أن أخيب رجائها.. ثانياً لأنني أحتاج استغلال هذا الأمر والتقرب منها وكسب ودها.. وأهم من كل ذلك أن سَبنتي تحتاج في هذه المرحلة الشعور بأن الجميع يحبها ويهتم بها.. وأنا بالذات مثلت لها نوع من الهوس لكسبي بالماضي.. لذا الآن تقربي منها ربما يمنحها أي ضمادة للشفاء.. كما فعلت هي بدفع ابني سريعاً ليضمد قلبي"
اغرورقت عينا منى بالدموع وهي تنظر إليها بتأثر شديد.. ثم فتحت ذراعيها وهي تقول بصوت قوي فاض بالحنان:- "بدور هل يمكنني احتضانكِ؟!"
ضحكت بدور وهي تقف سريعاً من مكانها واندفعت لتلجئ إليها تبادلها العناق بقوة وراحة..
"أتم الله عليكِ نعمة العقل صغيرتي.. علنا نودع شطحات جنونكِ للأبد.."
همست بدور مازحة بصوت خفيض للغاية:- "أبعدي راشد من أمامي وسترين ملاك يخبط بأجنحته سقف المنزل.."
ابتسمت شفتا منى وهي تربت عليها بقوة.. قبل أن يعود إياب ويندفع نحوها يزج نفسه بينهما وهو يقول بعبوس:- "بدور ماما إياب فقط.. أنا فقط.. فقط.. فقط من أحتضنها"
أمسكته منى ورفعته إلى صدرها ثم ضمته رغم أنفه وهي تقول:- "والجدات يحق لهن أن يحتضن الأم والحفيد.. ما رأيك في حضن كبير لك ولها؟"
هز كتفه بتمنع وهو يرمي بنفسه على أمه:- "لا.. أريد ماما كلها لي.. وأنتِ سأمنحكِ قُبلة صغيرة"
أسبلت بدور جفنيها وهي تضمه إليها تقبل فمه ووجنتيه وهي تهمس:- "وأنا لا أريد من العالم إلا ابني حبيبي وروحي وقلبي وكل شيء.."
ضحك لها تلك الضحكة التي تظهر صفي أسنانه ثم وضع سريعاً رأسه فوق كتفها.. وظلت لدقيقة ذراعي أمها حولها وهي تجلس على الأرض بركبتيها تضم صغيرها إليها...
حتى شعروا أخيراً بنفس آخر لاهث تقريباً يقف على باب الغرفة يتأمل هذه الشبكة الأمومية بنظرة مضطربة وغير مفهومة..
"أنا آسفة لم أقصد أن أقطع جلستكم"
كانت بدور أول من تحدث عندما نظرت إليها من فوق كتفها وهي تقول بفتور:- "آسفة لماذا.. على أساس أنكِ دخلتِ على أناس غرباء في منزل يفترض أنه ليس بيتكِ!"
كان وجهها شاحباً كمن رأى أموات يمشون في الطرقات.. كلها تترنح، أصابعها تنكمش وتنفرد بارتعاش على حقيبتها المتهدلة وكأن إعصار مر فوقها...
همست من جديد كأنها لا تراهم ولم تسمع تهكم بدور لتوها:- "آسفة.. حقاً آسفة لقدومي وإفساد حياتكم"
وقفت بدور من مكانها.. كما منى التي حاولت اللحاق بها وهي تهتف بقلق: "سَبنتي.. ما بكِ؟!"
وقفت سَبنتي مكانها بعد أن تحركت خطوات نحو الدرج.. ثم التفتت نحوها ببطء كمن يحاول أن يوقظ نفسه من غيبوبة:- "أنا.. بخير.. بخير جداً.. أين خالد؟!"
اقتربت بدور منها خطوات عندما أمسكت كتفها بحزم وكأنها تحاول أن تعيدها لحالة من التوازن :-"هل تريدين أن أهاتفه وأسأله القدوم؟؟"
أخفضت سَبنتي وجهها نحو الأرض ونظرت للرخام المصقول اللامع بتشتت ورعب فاق الأفق وبألم تخطى الحد..
رفعت وجهها أخيراً وهي تبتلع ريقها تنظر لوجه بدور بتخبط أكبر تفكر للحظة (هل تخبر راشد ليقتله هذه المرة ويخسر نفسه.. أم تسأل خالد غير المضمون برد فعله لتخسره من جديد.. أم بدور هي الاختيار السلمي؟! بدور!! هل تمزح أتسلمه المرأة التي دمر حياتها ...بيديها ؟!)
"سَبنتي ماذا حدث؟ أنتِ تخيفيني عليكِ" قالت منى من جديد وهي تقترب منها..
كررت بدور عندما لاحظت تشتتها بل ودموع مكبوتة تهدد بالتساقط إلا أنها تمنعها بقوة:- "هل أنتِ بخير؟ يمكنني المساعدة فقط تكلمي.. هيا"
وكأن بداخلها صرخة مكبوتة وحجر يجثم فوق صدرها يمنعها من البوح.. من الرفض لكل ما حدث مع عزام.. وكأنها أصيبت بحالةٍ ما جعلتها تنكر تهديده برمته وبأن كل ما حدث كان مجرد حلم.. نعم إنه حلم أخرجته أشباحها لذا ستتخطاه ببساطة, همست بعد برهة بتقطع:- "لقد أغضبت خالد منيّ جداً بالأمس، وأنا... هل يمكنني الحديث معكِ وحدنا؟"
لم تقتنع بدور بتلك الحجة فقد كانت بخير مساء الأمس وبالصباح أيضاً.. ولكنها أومأت بهدوء وهي تقول لوالدتها: "إياب سيبقى معكِ"
أومأت منى سريعاً وهي تراقبهما تصعدان لأعلى بقلب يتضرع لله أن يكون الأمر بالفعل مقتصراً على مشاكلها مع ولدها بشكلٍ ما..
لأول مرة في حياتها كانت بدور تشعر بإحساس معتم يجتاح كيانها بالحسرة والتعاطف نحو سَبنتي وهي تكشف شيء من جلستها واهتزازها.. شعور تعكسه عينيها الملونتين كشيءٍ ما بين النقص وعدم الثقة..
لن تنكر صدمتها.. بل ومحاولة تكذيب هذا الإحساس، فهي تعلم عنها الكثير ولكنها لم تتخيل يوماً أن يكون هذا ما يدور في خلد سَبنتي.. وقد أكدته وهي تهمس بتعثر:- "ألا أستحق أن أكون مرغوبة وكافية لشخص تربطني به علاقة دم؟!"
اتكأت بدور على أحد أعمدة الفراش الخاص بها وهي تشبك كفيها على صدرها ثم قالت بهدوء متمعن:- "كل شخص خلق لسبب يا سَبنتي.. لذا صغيرتي كل إنسان يستحق أن يكون كافياً في أعين محبيه"
فركت سَبنتي عنقها باضطراب قبل أن تجلس على الفراش تضم ركبتيها لصدرها وهي تقول بضحكة متوترة:- "أنتِ أصبحتِ تتحدثين مثله.. تُذَكريني به، أم كنتِ كذلك منذ البداية ولم أنتبه؟!"
سألت بدور ببساطة:- "من تقصدين؟ خالد؟!"
هزت رأسها بنفي بطيء ثم همست بشرود:- "لقد كنت دائماً طفلة فضولية، ثم مراهقة مخفية أراقب باهتمام كل من حولي وظننت بكل سخافة وسماجة المراهقين أني أعرف كل شيء.. أفهم كل الأمور والنفوس.. وكم كُنتُ حمقاء جاهلة و ساذجة"
عقدت بدور حاجبيها باهتمام قبل أن تتحرك نحوها بخطوات حريصة ثم قالت بحذر:- "وهذا ليس عيب فيكِ.. جميعنا مررنا بهذه المرحلة ووثقنا بأنفسنا فوق المطلوب.. الأخطاء تُعلِّم والمغامرة هي ما يكسبكِ الخبرات لتأخذي خطوتكِ الفارقة عند اختباركِ الحقيقي"
وضعت سَبنتي ذقنها على ركبتيها ثم قالت بصوتٍ أجش تدعي الطرفة:- "أنتِ تشبهينه كثيراً وكأنكِ النسخة الأخرى منه.. ولكنكِ لم تدركي هذا أبداً.. لم تري جزئه الفيلسوف أبداً أليس كذلك؟!"
جلست بدور أخيراً جانبها ثم قالت وهي ترفع أحد حاجبيها وتخفض الآخر بنوع من التوازن وقالت بحيرة:- "إجابتي تعتمد على فهمي لمن هو الشخص المقصود؟!"
ابتلعت سَبنتي ريقها بعنف قبل أن ترفع رأسها ولون عينيها يضوي بشعور جديد يشع منه التحدي:-"أعني.. راشد.. أنتِ لم تلاحظي أبداً جانبه الجيد.. ذاك الذي وجدته أنا بداخلكِ، لذا كنتُ دائماً أسعى خلفكِ وكأني سأجد عندكِ ما أفتقده فيه"
تعمقت ابتسامة متسامحة على وجه بدور وقالت بغرور مازحة:- "راشد! سامحكِ الله أنا أطيب منه.. وأجمل بالطبع"
وكأن ضحكتها وتبادلها الحديث العفوي معها جلب لصدرها استكانة أخرى عندما قالت مصدقة:- "مؤكد أنتِ الأجمل يا طاووس.. لا أعتقد أن رجل كأبي قد يرغب امرأة في قباحة وجهه"
تغضن وجه بدور بالاستنكار وهي تقول مدافعة:- "ها قد بدأتِ النفاق على حسابه.. أبوكِ ليس قبيحاً بل في الواقع هو وسيمٌ أكثر من اللازم"
هتفت سَبنتي:- "الآن أنتِ المنافقة, هو جذابٌ فقط.. أم يا تُرى الحبيبة ترى محبوبها بأعين غير البشر؟!"
في آخر جملتها كان صوتها يتدرج بين الاهتزاز والشرود..
رفعت بدور كتفها وابتسمت ابتسامة باردة وهي تقول بنبرتها المترفعة:- "لم نأتي إلى هنا للحديث عن نظرتي له.. لذا ببساطة أنا من سيسألكِ هل ترين خالد جذاباً ووسيماً أم ترينه بعين مختلفة عنا جميعاً؟!"
بدت ملامحها أكثر تخبطاً وهي تهمس:- "هل تحبين راشد؟"
قالت بدور بثبات شديد:- "سَبنتي، أنا من أسأل هل تحبين أخي؟"
ضحكت سَبنتي دون أدنى ذرة مرح وهي تزيح رأسها للخلف وتغلق عينيها بقوة وهي تقول بجفاء:- "السؤال يعد أضحوكة يا بدور.. تعلمين أني لم أرى من العالم سواه.. أنا لم أسمح لنفسي بأن أعرف غيره بالأساس"
لم تهتز عضلة في وجه بدور الرخامي.. بل لم تتخلى عن تلك الابتسامة المتكبرة وهي تسأل بنبرة جارحة: "وماذا إن سمحتِ لنفسكِ بالمعرفة؟ ماذا إن حدث وظهر آخر في المعادلة يماثله من عدة أوجه.. يكاد يتقارب معه في كل ما جذبكِ إليه بالمقام الأول؟"
ساد صمت قاتم بينهما قبل أن تعيد سَبنتي عينيها الغاضبتين نحوها لتنظر إليها بصلف بارد ثم قالت: "هل تجرؤين على طرح هذا السؤال عليّ وأنا زوجة له؟ ماذا تظنين أني لست منكم حقاً؟!"
كتفت بدور ذراعيها من جديد وقالت بصوت بارد يقطع كالشفرة: "لقد فرغنا من إثبات أنكِ منا.. لذا سؤالي محدد هل ستفعلين؟"
قالت سَبنتي باستفزاز: "أنا أعلم أنكِ متطرفة ومجنونة، لكني لم أظن أنكِ بشعة التفكير أيضاً.."
ضاقت زوايا عيني بدور قليلاً وكأنها تدرس شيئاً في عقلها على مهل ثم قالت أخيراً ببساطة شديدة:-"سؤالي لتجدي أنتِ إجابة أخرى غير أنكِ تحبينه لأنكِ منعتِ نفسكِ من معرفة شخص آخر.. العشق ليس اختياراً ولا هو قائمة مسموحات وممنوعات لنبقى مع شطر الروح الآخر.. أنتِ تحبينه، ترغبينه لأنه هو ببساطة وإن كانت أتت إليكِ آلاف الفرص مع غيره أو أفضل منه قبل زواجكِ منه ما كنتِ لتقبلي بسواه.."
توترت واهتزت عينيها من جديد، فركت وجهها كله بتعب وشيء آخر مثل تخبط وحيرة..
اقتربت بدور منها بحذر تمسك يدها وأحنت بشرتها التي احمرت من عنف سطوتها.. ثم قالت بصوت أقل تحكماً.. بل قارب الرقة: "أنا لا أتهمكِ.. ما كنت لأفعل أبداً، بل أثق بأخلاقكِ وإخلاصكِ, بل كنت أحاول أيضاً أن أجد إجابة لسؤال وجهته لنفسي قبلاً"
اغرورقت عينا سَبنتي بالدموع وهي تهمس بنبرة سوداء: "ما نفع الحب الشديد إن كنا نؤلم أحبائنا؟! نحن نظلمهم.. نقتلهم يا بدور!"
أطبقت بدور بشكل أقوى على يدها وهي تقول:- "لا، نحن فقط خائفات، لدينا أوجاعنا الخاصة.. الأمر خارج سيطرتنا, نحتاج للشعور بالأمان أولاً.. الاطمئنان لنسلم لهم أنفسنا من جديد.. فقط وقتٌ للشفاء من جروحنا المفتوحة.. لا أحد يؤذي حبيبه عن عمد.. نحن أضعف من أن نفعل أمام سلطان الحب.."
هزت سَبنتي رأسها برفض وهي تقول باختناق: "ربما أنتِ تحتاجين وقت للتعافي.. إلا أني أؤذي خالد بقوة.. أحياناً أفعلها عن عمد، وكأني من خلال جَرحِه للأعماق سأجد سلاماً لروحي.."
صمتت لبرهة قبل أن تقول بلوعة: "أنا أجرحه لأنجو.. هل تتخيلين كم القسوة بداخلي؟!"
ارتبكت بدور وأبعدت وجهها عنها وهي تقول باستياء: "ربما يستحق جزء من قسوتكِ بالنهاية، هم يجنون ثمار زرعهم المر فينا.."
قالت سَبنتي بصوت غريب: "نحن لا نشبهكما.. لذا لا تُسقِطي قصتكما علينا.. خالد لم يفعل ما يؤذيني أبداً.."
أخذت بدور نفساً عميقاً ملء صدرها قبل أن تطلقه بسخونة وهي تقول: "إن كان لم يؤذكِ فلماذا تتهربين منه؟ وبما جرحته بالأمس؟"
قالت بخفوت دون أن تنظر إليها: "لقد أذاني جداً.."
همست بدور بصبر وهي تعيد وجهها إليها لتواجهها: "فعل أم لا.. حددي مشاعركِ السلبية نحوه لنجد أرضاً صلبة نقف عليها"
قالت سَبنتي من جديد باختناق وإجهاد: "لا أعرف.. أنا لا أعرف.. هناك.. هناك أشياء كثيرة مبعثرة بداخلي.. كأحجية تتشابك خيوطها فيصعب عليّ حلها"
تحدثت بدور بصوت جِدّي متزن: "دعينا نزيلهم واحداً واحداً وبتروي إذاً.. فلنبدأ مثلاً بالذي حدث بالأمس وسبب توهانك بهذا الشكل"
افتر عن شفتي سَبنتي تأوه حزين تهمس بداخلها بكلمات شابهت مخالب ذئب تنهشها دون رحمة (سبب توهاني.. أن روح عطبة تطاردني وكأنه لم يكتفي بتدمير حياتي منذ أن كنت مجرد نطفة..)
رفعت بدور أصابعها بحذر تربت على وجنتها وقد لاحظت غرقها من جديد في أفكارها: "سَبنتي.. أنا لا أظن أن الأمر يتمحور حول خالد.. أخبريني ما بكِ وستجدين عندي المساعدة, أعدكِ"
رفعت سَبنتي عينيها تنظر إليها بدهشة كمن فقد عقله ثم وضعت كفها تغطي أنامل بدور بقوة فوق وجهها وقالت بنبرة غريبة: "قرأت مرة أن التلامس الجسدي يزيل الكثير من الآلام، وكلما كان هذا الشخص قريباً من القلب زاد سحر علاجه للقلوب العطبة"
ارتبكت بدور من جديد وشعرت بالتخبط فهي لم تتعامل من قبل مع إنسان بهذا القرب.. وهذا الماذا؟! ماذا قد تصف الفتاة التي تتنقل في الحديث والمشاعر كالمختلة فتدفع لقلبها من جديد مزيداً من العاطفة غير المفهومة؟!!
كم تمنت بهذه اللحظة أن تضمها بقوة.. إلا أن الجزء العملي فيها أجبرها على التغاضي عن أمر القلب وحاولت التركيز على مشكلتها الأكبر.. لذا قالت بخفوت: "وخالد الأقرب لقلبكِ.. لماذا إذاً تبخلين عليه وعلى نفسكِ بأبعد من التلامس؟"
احمرت وجنتاها بطريقة محببة ذكرتها بخجل بداية إدراك الفتاة الصغيرة لكونها أنثى عبر لمسة رجل.. وسمعتها تقول بارتباك مختصر: "لأنه خالد.."
رفعت بدور طرف شفتيها بضحكة مستنكرة ثم قالت: "بالله عليكِ، أنا ضجرت من هذه الحجة.. فهل فسرتها لي؟ اعتبريني محدودة العقل"
ارتفع حاجباها بحذر دون أن يخف خجلها ثم قصفتها ببساطة: "أنتِ محدودة العقل فعلاً, فلما أعتبركِ؟!"
أدارت بدور حدقتيها عالياً وهي تضع كفها على صدرها تمثل أنها تحاول التوازن والتماسك بأقصى درجات ضبط النفس.. ثم هتفت بصقيع: "أنتِ مختلة ومستفزة.. هل تريدين مساعدتي وترددين بنفس الوقت حجة الأبله راشد بك؟"
هتفت سَبنتي بقوة محتجة: "راشد أفضل إنسان ولا أسمح لكِ.. وقولك هذا أكبر دليل على أنكِ عديمة النظر ومحدودة الذكاء"
رفعت بدور حاجبها بمكر ثم قالت وهي تجلس تطوي ساقيها تحتها بأناقة: "لماذا اللف والدوران؟ قوليها ببساطة أنتِ تغابيتِ عليه بالأمس وضربتِ نصيحتي بعرض الحائط وسممتِ بدنه بكلمات جارحة فقط لأنه اشتهاكِ"
تورد وجهها بالمزيد وهي تشيح بعيداً تهمس بتعثر خجل: "أنتِ وقحة"
قالت بدور بقوة: "لا.. أنا لستُ كذلك.. بل امرأة ناضجة تعلم تماماً ما هي حقوق زوجكِ عليكِ"
ضحكت سَبنتي بتهكم من جديد وهي تنظر إليها بطرف عينها بمغزى..
امتعضت بدور وهي تقول: "انظري يا حجر النار أنتِ, لا تقارني مطلقاً بما ربطني معه.. وإن كان هذا يريحكِ ما منعني بالماضي عن منحه حقوقه كان عقاباً لشيء فعله.. ولكن سأخبركِ سراً.."
توسعت حدقتاها بفضول الأطفال وسألتها بلهفة:- "ما هو؟"
قالت بدور ببساطة وقحة: "إياب لم يأتي بالتخاطر الذهني.. ومؤكد عندما منحت زوجي حقوقه برضاي الكامل لم أكن أهرع للحمام باكية وأندد بأنه... أنه راشد"
نطقت اسمه بسخرية شديدة تقلد نبرتها عند نطقها لاسم خالد..
تنحنحت سَبنتي بحرج ثم همست: "هل يمكننا التغاضي عن جزء فخركِ الرهيب بأنكِ فتاة صفيقة؟!"
قهقهت بدور بصوتٍ عالٍ وهي تقول غامزة: "أنا كل شيء.. كل المعاني والمشاعر.. وعكسها.. إلا أني مطلقاً لست فتاة"
تهادت نظرات سَبنتي فوق وجهها المرح.. ونظرت إليها طويلاً.. ثم قالت ببهوت مباشر أخيراً: "لا أقدر.. أحاول وأعجز فالأمر أكبر مني.. هل تريدين معرفة معنى أنه خالد؟ لأنه ببساطة خالد الذي عشت معه طفولتي كأخٍ لي.. ثم أحببته بجهل في مراهقتي دون أي تطرف من قِبَله أو قِبَلِي.. إنه الشيخ خالد يا بدور، ذلك الشاب الذي كان يطاردني بالحلال والحرام، بالمقبول والمرفوض, إنه.. إنه حتى لم يحاول لمسي سابقاً من باب الاشتهاء الذي تتحدثين عنه.. دائماً كانت مشاعره محدودة ومبررة.. يقترب مني بحساب, يمسك يدي بحساب.. وحتى المرات القليلة التي أجبر أن يحتضنني فيها كان واجباً حتمياً عليه.. وليس رغبة حبيب للفتاة التي يريدها.."
ارتجفت شفتا بدور لبرهة وبدت مصدومة للحظة من سذاجة المبرر من وجهة نظرها.. فهمست بدهشة:-"واااو.. هذه أغبى إجابة توقعتها منكِ"
نهرتها سَبنتي بخشونة: "أنا لستُ مهووسة يا بدور.. ولا فتاة تتدلل, لأني أعرف فقط أنه يكاد يتوسلني لألمس صدره برغبتي.."
تحدثت بدور بهدوء: "ماذا أنتِ إذاً؟"
أحنت رأسها نحو كتفها الذي ارتفع وهي تقول باستسلام: "هذا كله جديد عليّ.. لم يمنحني أحدكم الفرصة لأستوعب ما أنا مطالبة به معه.. أنا لم أفكر أبداً من قبل في خالد بهذه الصورة.."
شوحت بدور بكفها وهي تقول بحاجبين مرفوعين:-"أبداً.. لم يدفعكِ حتى سن النضج لتخيلكِ مرة واحدة بين ذراعيه.."
نفت ببطء شديد: "لم أفعل"
كررت بدور بدهشة: "ولا مرة واحدة، أيعقل؟!"
تأففت سَبنتي: "وما العجيب في الأمر لتصدمي هكذا؟"
همست بدور بنبرة غريبة: "العجيب أن تكوني بريئة لهذا الحد!"
قالت من بين أسنانها وكأنها تنفي تهمة: "أنا لستُ بريئة.. لم أخبركِ أني أجهل ما يحدث بين الزوجين، بل في الواقع أنا أعرف كل شيء منذ المرحلة الإعدادية ولكني ببساطة لم أرغب بالتفكير فيه.."
قالت بدور بصبر: "الطبيعي أن تفكري.. أنا لا أخبركِ أنه أمرٌ مقبول.. ولكن هذه النقطة تحديداً يفترض أنها لا تفرق بين رجل وامرأة.. شابة صغيرة وشاب.. طبعاً إن تغاضينا عن أحكام مجتمعنا الجميل العفيف"
همست ساخرة تبرطم بسخط جانبي.. إلا أن سَبنتي أجابتها بتهكم: "آه طبعاً أعرف.. إلا أني كنت مشغولة في مراهقتي بأشياء أهم تدعو للتفاخر كما تعرفين..."
انحنت بدور نحوها قليلاً ثم قالت بتركيز: "دعينا من كل هذا يا سَبنتي.. وركزي معي إن تكرمتِ.. هل هذا فقط ما يمنعكِ من تقبله أم هناك أسباب أخرى؟!"
أسبلت سَبنتي جفنيها وكأنها تتهرب منها من جديد.. إلا أنها قالت بهدوء: "نعم.. ولا تستهزئي بالأمر, إنه صعبٌ يا بدور.. لا أقدر على مواجهة نظراته الجائعة لي.. لا أملك خيار إلا التهرب عندما تتملكني تلك المشاعر المربكة.. إنه رجل وقد أخبرني مرة أنه قادر على التفريق بين رغباته وبين أي شيء أخر قد أعنيه له.. بينما أنا أعجز عن هذا تماماً.."
صمتت بدور قليلاً وهي تحدق فيها من جديد كاشفة بسهولة أن هناك أسباب أخرى تمنعها من البوح بالمزيد.. ثم تنهدت بصبر وهي تقول بصلابة: "لقد أجبتِ على نفسكِ.. تتهربين من مشاعره كما مشاعركِ.. تقيمين حداً صارماً بين مشاعركِ الطبيعية في تلك اللحظات.. لا يا سَبنتي لن تقنعيني أنكِ لا تتأثري به.. لا تستطعمي أي تقرب منه إليكِ.. لا ترغبي بالمزيد من هوسه بكِ.. لا توجد امرأة على الأرض مهما بلغت عقدها قد تقاوم مشاعر الوصال مع زوجها الذي تحبه.."
قالت سَبنتي وهي ترفع كتفيها باستسلام: "أنا أفعل.. حبي يؤلم يا بدور، وعلاجي أمامي إلا أني عاجزة عن أخذ اختيار العقل وأنهل منه لعلّ وجعي يسكن.."
أمسكت بدور كلا كفيها تضغط عليهما بقوة ثم قالت بهدوء: "حبكِ شفاؤكِ، بجواركِ ويطلب ودكِ.. لستِ أنتِ من تهمس بالألم وقد تخطيت أهم العقبات معه.. مُدّي يدكِ، انهضي من سُباتِك وانتزعي من صدره كل تريقاكِ لأنك تستحقين الحب والتضحية.."
أخرجت سَبنتي نفساً مضنياً باهتاً ثم همست بتعثر: "أحاول وأفشل بكل غباء.. حتى أصبحت أشعر أني سأحب أن أبتعد عنه قبل أن أخسره.."
قالت بدور بصوت أجش "حاولي من جديد.. فأنتِ لديكِ ميزة هنا لم يملكها أحد"
ارتعشت شفتيها وهي تسأل بحذر: "ما هي؟ لا تقولي الجمال أرجوكِ.. لأنه شيء باهت ونسبي ووو..."
خبطت جبهتها بخفي وهي تهمس باستياء: "لا يا ذكية.. بل هو ينتظر منكِ خطوة صغيرة فقط, تحرك بسيط منكِ وستجدينه يهرع إليكِ أميالاً.."
انكمشت سَبنتي وهي تهمس بتردد أحمق: "أنا أرغب.. أعني أريد أن.. أن أكون طبيعية ولكنه.. رباه.. هذا الشيخ خالد ما نتحدث عنه، ذاك الذي كنا نسخر من التزامه و..."
لقد ملت بدور حقاً وأصابها الاستياء من هذه الخرقاء.. قاطعتها وهي تهتف مستشيطة:- "إنه خالد.. إنه الشيخ خالد.. اسمعي هل أنتِ غبية أم تريدين إصابتي بارتفاع ضغط الدم؟ لمعلوماتكِ الشيوخ يتزوجون.. وخذي هذه الصدمة المريعة.. أنهم ينجبون مئات الأطفال بالطريقة التقليدية المتعارف عليها.. هل تعلمين عنها أم أشرحها لكِ باستفاضة؟!"
كورت سَبنتي شفتيها بغضب مكبوت ولم تعلق.. فأخذت بدور نفساً طويلاً وهي تقول بحذر: "اسمعي، الأمر لن يحل من جلسة فضفضة واحدة أو اثنتان أو حتى عشرة، لذا نحن سوياً في هذا حتى تنضجي معي وأنزعكِ من وردية المراهقة.. لذا سأخبركِ تفصيلة صغيرة أخرى ونأمل أن يكون حبيبي المسكين ما زال له نفس أصلاً ليقترب من بلهاء مثلكِ.."
قالت محتجة: "لا أسمح لكِ..."
هتفت بدور ببرود متسلط: "اخرسي.."
أشارت بعينيها علامة على الاهتمام وعدم الجدال وكأنها تستكين بالفعل لطلب النصيحة من جديد..
لذا قالت بدور بهدوء وتروي: "عندما يقترب منكِ ويبدأ الشعور بالفزع أغلقي عينيكِ بقوة والمسيه يا سَبنتي.."
ردت بحلق جاف: "ألمسه.. ألمسه.. هذه مشكلة بحدها.."
لمست بدور وجنتها ببطء ثم قالت بخفوت: "نعم، المسيه كما كنتِ تتمنين عندما اكتشفتِ حبه لأول مرة.. ابدئي بأصابعه.. لطالما كان حديث الأيدي يملك نغمة خاصة بشريان عبق ينبض بداخل القلب...."
صمتت وجانب فكها يرتجف قبل أن تكمل بهدوء: "وإن زاد ذعركِ وكاد لسانكِ أن يخطئ.. المسي قلبه.. ضعي كفكِ هناك وتحسسي نبضه, استمعي لتلك النغمات الجميلة التي تهدر بعشقكِ بصمت.. وعبرها عودي تلك الفتاة الصغيرة الحالمة, تذكريها جيداً وارسميها في مخيلتكِ.. ومن هناك عندما تتبينين جمالها وبهاءها المزدهر بحبه.. افتحي عينيكِ واملئي نظراتكِ بأحاسيس عينيه.. ثم اجمعي تلك الصور سوياً.. وإن زاد اضطرابكِ من قربه واجتياحه، وقتها استمعي جيداً لهمساته، لكلماته فالأذن تعشق كما العين....."
صمتت بدور من جديد وهي تبتعد عنها بمشاعر غريبة, بصور تدور في ذهنها عن شيءٍ ما ترفض الإقرار بافتقاده....
إلا أن سَبنتي لم تلاحظ هذا وهي تسأل بلهفة: "وإن.. إن لم يفلح هذا ماذا أفعل؟"
نظرت إليها بدور بعينين متوسعتين ثم قالت بدهشة: "إن لم تستسلمي بعد كل هذا.. أقسم أن أجبره على الزواج بغيركِ، لأنكِ وقتها ستكونين لوح ثلج.. أو مجرد زومبي.."
همست سَبنتي بقلب يخفق: "هل تساعديني من أجله؟"
ردت بدور سريعاً: "هل أكذب وأخبركِ أن لا.. بالطبع من أجله ومن أجلكِ أيضاً، سَبنتي هذا زوجكِ, رخصة الله لكِ، لا غضاضة أو خجل من الأمر, لا تجعلي شياطينكِ تقودكِ لخيالات غير صحيحة.. وكما قلتِ هو رجل يستطيع الفصل بين الأمرين.. لذا كوني أنتِ الأخرى امرأة حقيقية تفصل بين وقت حاجتها لزوجها.. وبين أنه ببساطة خالد.."
تنهدت سَبنتي بتعب ولم ترد.. وكأنها تحاول موازنة الكلام الثقيل في عقلها عله يرشدها لشيءٍ صحيح..
أتستطيع حقاً أن تفعل كما قالت بدور وتمنحه ونفسها بعضاً من الهدوء والسعادة.. ألا يستحقا هذا خاصةً مع كل الأشرار الذين يحاولون النهش فيها؟!
سعادة مع خالد.. وقتٌ تشعر فيه أنها زوجته.. حبيبته التي حصل عليها أخيراً.. وقتٌ مستقطع من الزمن تملكه بيديها, تحس فيه بحبه، تتورد بعشقه وتزدهر بحنانه...
"سَبنتي.."
"ها.." أجابت وهي تنظر إليها مجفلة..
وضعت بدور نصيحة أخيرة لهذه الجلسة عندما قالت بهدوء: "أرجوكِ، لا تتمسكي بالعقد والعناد، لا تضيعي منكما أجمل سنوات العمر.. لحظات السعادة المبتورة تترك بالقلب غصة وحسرة لا تزول.."
قالت سَبنتي بتردد: "ولماذا لا تأخذي بهذه النصيحة.. ألا يكفي عذابكما يا بدور؟!'
تحركت بدور من جانبها.. تفرد جسدها الفارع بكسل، ثم قالت بهدوء شديد مناقض لنبرة الألم في صوتها: "لأننا بارعين جداً في منح النصائح وإيجاد الحلول لمشاكل البشر.. وعندما نقترب من أنفسنا يظهر مثل وحشكِ المرعب ويتغذى على تعقلنا.."
:-"هل لديكِ أشباح؟!"
اقتربت بدور منها ووضعت كفها على كتفها ثم مالت نحوها وهي تقول بصوت أجش تحدق داخل عينيها بثبات: "كل إنسان لديه شبح.. الكل يعاني من أشباحه.. شبح الفشل.. شبح فقد عزيز.. شبح الشعور أنك لست كافٍ.. شبح الجوع.. البرد.. الفقر.. الوحدة.. وشبح المخاوف وهو أشدهم شراسة وشراً فهو يتغذى على أي عثرة قابلتها في حياتك.."
لم تفهم من جديد هذا الشعور الذي مرّ على وجه الفتاة التي انتفضت بطريقة أفزعتها لثوانٍ..
"ما يمنعكِ الخوف.. الخوف من أن يرتكب آثام الماضي.. أن.. أن يتخلى عنكِ إن لمس العطب بداخلكِ.."
همست بدور بقوة: "لا، بل الخوف من الفشل.. الخوف من المجهول، مما يخبئه لنا المستقبل من الاختيارات التي قد نسيء استخدامها.. إلا أني أتماسك مؤمنة بقدري وأتقبله.. تذكري أننا دائماً مخيرين ولسنا مسيرين.. كل أفعالكِ سترد إليكِ.."
تبدد اللون الوردي وبدت شاحبة بشدة عندما همست بارتجاف: "أنا خائفة.."
أمسكت بها بدور بقوة تحيطها بذراعيها.. تقربها منها بقلب يهدر كالشلال: "كلنا معكِ.. لا أحد منا سيترككِ.. فقط كل ما تحتاجينه أن تؤمني أنكِ محبوبة.. محبوبة وبشدة من الجميع.."
تمسكت سَبنتي بقميصها تلويه بين يديها بتشدد.. تاركة نفسها لبرهة تبحث عن شيء بداخلها.. عن إجابة لسؤال لا تعرف ماهيته..
حتى ومض في عقلها من جديد مشهد بدور بين ذراعي والدتها.. وإياب بين ذراعيها.. إنها تشتاق بشدة لشعور من نوع آخر.. سألت باختناق: "بماذا شعرتِ وأنتِ بين ذراعي والدتكِ؟"
ربتت بدور على شعرها بحنان قبل أن ترفع وجهها من طرف ذقنها لأعلى كي تواجهها ثم قالت برقة: "إنه شعور لا يوصف.."
سألت من جديد باختناق أشد: "وبماذا يشعركِ ضم إياب إلى صدركِ؟"
دمعتان ماسيتان خانتا مقلتيها عندما سالتا على وجنتي بدور وهي تقول: "صعب أن أختزله بالكلمات.. إنه وليدي.. قلبي يمشي على قدمين.. قطعة من جسدي.. كيف أخبركِ وأفهمكِ كل ما أشعر به؟"
تأوهت سَبنتي قائلة بصوت متألم: "أريد أن أشعر بهذا.. والآن.. سأفعل أي شيء لأمنح لها شعوركِ هذا وتمنحني هي ما ينقصني.."
زفرت بدور وكأنها تبرد دواخلها قبل أن تمسح دمعتيها من زوايا جفنيها.. ثم ابتعدت عنها وهي تقول: "ومن يمنعكِ؟ لقد جاءت لحفل زفافكِ على كل حال.. ظننت أن الحواجز اختفت"
فركت سَبنتي كفيها بقوة.. ثم قالت بحزن: "هي ابتعدت.. حجتها أن لا تهدد حياتي وراشد لن يسمح لي بالاختلاط معها.."
مطت شفتيها ببرود بلا معنى.. واشتعل التحدي الواضح على ملامحها ثم قالت ببطء مستفز مستخدمة اللغة الإنجليزية: "وأنتِ فتاة البابا المهذبة.. أليس كذلك؟!"
وكأنها قرأت ما تحاول قوله بتهكم عندما وقفت من مكانها وهي تقول بحنق: "لا أملك عنوانها"
استدارت بدور نحو طاولة أنيقة مخصصة لمستندات العمل وضِعَ عليها هاتفها.. مشت حافية القدمين على السجاد الناعم بتعمد خطر وكأنها تستعرض بهاءها لشيء في نفسها, وكأنها تعني شخصاً آخر بتحديها هذا.. قلبت في هاتفها لدقائق قبل أن تصلها رسالة سمعت سَبنتي نغمتها..
استدارت بدور ببطء وهي تحرك إصبعها على الشاشة ثم عادت لها بنفس تلك المشية الخطيرة.. وقالت غامزة باستفزاز لروح سَبنتي القديمة: "وها هو العنوان معكِ.. ماذا ستفعل ابنة البابا المهذبة؟! سمعت أن خالد منحكِ مفتاح الباب الخلفي الذي يبتعد عن أعين الحراس!"
قفزت سَبنتي بسعادة حقيقية وكأنها تذكرت كل ما كان واقتربت منها تقبل وجنتها بقوة وهي تقول بشقاوة: "اشتقت للهروب جداً.. بداخلي مخزون أربع سنوات.."
قالت بدور بهدوء:- "انتبهي لنفسكِ.."
قالت وهي تخطف بعض المال من حقيبتها وتضعه في بنطالها الجينز سريعاً: "لا تخافي.. لن يحدث شيئاً إن خرجت من قفص أخيكِ المزعج مرة"
حركت بدور أحد كتفيها برقة ودلال ثم قالت: "لا لن يحدث شيئاً وقد منحتكِ المفتاح بنفسي.."
"شكراً.. شكراً.. أنا أحبكِ يا بدور.." تطايرت جملتها مع خروجها العاصف..
اشتعلت عينا بدور بتحدي قديم، مجرد تخيل النظرة على وجهه الغاضب الجذاب عندما يعرف بالأمر تشعرها بالشماتة والرضا..
إلا أن تذكرها وجهه الآخر في تحديهما وألعاب الكبار جعل الابتسامة تتوارى ببطء وهي ترفع كفيها إلى وجنتيها تلطمهما بخفة وهي تهمس بلفظ اعتراضي شعبي.. تبعته بقولها: "ماذا فعلتِ يا بدور.. هل هذا وقت إيقاظ النمر المرقط المجنون؟!"
***********



Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 07:27 PM   #7217

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
:sss4:

المشاركة (3)
**************
رفعت هبة يديها بعيداً كما أزاحت جسدها للوراء ملتصقة بالأريكة وهي تشوح بغضب: "لا لن أحملها.. لن أسمح بتأثيركِ عليّ يا جوان"
أعادت جوان ضم الطفلة إليها وهي تنظر إلى هبة بتفهم ويقظة مفاجئة جعلتها تأخذ وجه آخر أشد قوة عندما قالت بنبرة حادة:- "عذراً منكِ إذاً, أنتِ بالفعل ليس لكِ رأي بالأمر لكي أؤثر عليكِ من عدمه"
بهت وجه هبة قليلاً مصدومة من النبرة الجديدة التي تحدثت بها جوان وقالت من بين أسنانها بحنق:- "ليس لي رأي في طفلة شارع تلصقينها باسم أخي؟!"
هتفت عفاف محذرة قبل أن تنطق جوان: "هبة التزمي حدود الأدب ثم إنها مكفولة بالشرع أي أنها لن تحمل اسمه وإن كانت ستربى في كنف نضال وجوان كابنهما المنتظر"
وقفت هبة غاضبة وهي تلوح بالقول: "هل تسمعين ما تقولين؟" وأشارت لجوان وأكملت: "إنها غريبة من بيئة وطبقة مختلفة لن تدرك كلام الناس حولنا، نحن لا نعيش وحدنا"
تحركت جوان بتثاقل من مكانها ثم وضعت آسية في حجر عفاف قبل أن تقول وهي تعتدل ببطء تسند ظهرها بيدها: "أولاً شكراً لذوقكِ.. ظننتكِ أختاً ولكن كغيركِ تصفيني بالغريبة وكأنكِ لم تعرفيني يوماً"
تأففت هبة بملل ثم قالت: "تعلمين أني لم أقصد هذا, وإن كان عليّ الغضب فأنا أولى به فأنتِ لتوكِ نفيتِ أن لي حق في حياة أخي"
نظرت جوان لعفاف وكأنها تعتذر منها لما ستقوله ولكنها قد تعهدت لنفسها قبل زوجها أنه لم يعد هناك مكان لجوان المستسلمة لتنمر أي إنسان عليها واستضعافها بل أصبحت امرأة أخرى ستحارب من أجل عائلتها الجديدة لذا قالت بجمود:- "حياة أخيكِ ليست حق مشاع لأحد، هو ليس طفلاً ينتظر سيادتكِ لتحميه بل رجلاً يعرف تماماً ما يفعله وأنتِ حقكِ عليه أن يودكِ ويرضيكِ ويكرمكِ بعيداً تماماً عن الجور على حقوقي وأولاده"
غضبت هبة غضباً حقيقياً وهي تقول بصراخ:- "ابنه تحملينه.. وهذا كل ما سأعترف به.. لقد تحملنا فوق طاقتنا من دلالكِ يا جوان، إن أراد أخي الحصول على أطفال لكان الآن يملك طفل واثنان ولكن بسبب مشاكلكِ...."
هتفت عفاف بعنف تقاطعها عندما لاحظت شحوب جوان قليلاً: "هبة، أصمتي"
قالت هبة بغضب: "لماذا ألم تتحدث هي عن الحقوق لتوها لذا دعيني أصحح لها الصورة، جوان تريدها فقط لتشبع رغبتها هي خوفاً من أن لا تحصل على طفل آخر, لا ضغائن يا جوان ولكنها الحقيقة"
قالت عفاف بهدوء شديد:- "لا يا ابنتي لا ضغائن، ولكنكِ أيضاً عانيتِ من كلام أشقاء زوجكِ ووالدته قبل أن ينعم الله عليكِ بالإنجاب لذا قبل أن تطلقي سهام صراحتكِ تذوقي سم كلماتكِ، وجربي وجعها داخلكِ ثم قرري إن كان هذا الألم يستحق أن يشعر به شخص آخر لم يؤذيكِ"
ساد الصمت بين ثلاثتهن بينما هبة تغلق عينيها بتشدد تشعر بسخافتها وقسوتها وبعض من الندم وكأن ذِكْر جراحها الخاصة كان كافياً لفهم ما قد يشعر به شخص آخر..
انهار جسدها على الأريكة وهي تقول بتوتر: "أنا آسفة.. ولكن لم تفكر إحداكما فيما قد يعانيه الجميع بعد زمن، لماذا هذه الطفلة؟ إن كانت جوان تريد التبني أليس طفل يتيم معلوم النسب أولى؟"
ورغم جرح جوان منها، إلا أنها جلست بجانبها وهي تطرق برأسها لأسفل تداري دمعة حارة وهي تقول بجمود: "معلوم النسب! وكأن أي طفل آخر ليس له حق بالحياة إلا معلومي النسب! وما الفرق يا هبة؟ أفهميني إن تكرمتِ؟"
توترت هبة وهي تشيح برأسها قبل أن تقول ببساطة منطق المجتمع: "إن الزنا به نفحة من الشيطان.. أتريدين أن تربي شيطان في منزلكِ؟!"
اعتصر قلبها بعنف وهي تخرج نفساً لاهباً من صدرها ثم قالت باختناق: "كلامك مجرد أقاويل مجحفة.. نسج من ظلم بيّن وقع على هؤلاء المساكين، أخبريني يا هبة إن صادفتِ آسية في أي مكان دون معرفة خلفيتها كيف ستكون معاملتكِ لها؟"
ارتبكت هبة للحظة قبل أن تقول بتلقائية: "كما أعامل أي طفل"
قالت جوان بهدوء: "بالضبط كأي طفل، من حقها أن توفر لها الرعاية، أن تنال الفرصة التي قد ينالها طفل يتيم أو حظِيَ بوالدين"
تنهدت هبة بتعب وعدم تقبل الفكرة، لذا قالت بهدوء: "تعلمين أني أحبكِ كأختٍ لي، وآسفة لهجومي عليكِ.. ولمعلوماتكِ إن كنتِ شقيقتي لكنتُ هاجمتكِ بنفس الطريقة.. الفكرة صعبة يا جوان، حتى وإن رفضتِ تدخلي"
قالت عفاف بهدوء لترفع الحرج عن كنتها: "بالضبط تدخلكِ من عدمه لن يغير من الأمر شيء، لذا لديكِ خياران أحدهما تقبل قرار أخيكِ وزوجته ومعاملة آسية بالرحمة مرضاة لوجه الله.. أو ترفعين يدكِ عن الأمر برمته وأيضاً غير مسموح لكِ الآن أو بالمستقبل أن تعاملي الصغيرة بالسوء"
رفعت هبة يديها بضجر ثم قالت: "لا حول ولا قوة بالله، لا فائدة, أفعلا من تريدانه, أنا لن أتدخل فيما لا يعنيني من جديد"
همست جوان بخفوت: "بالضبط عدم التدخل في شؤون الآخرين يحفظ المودة, وأنا لا أريد خسارتكِ ولكن أيضاً لن أسمح لكِ أو لغيركِ بإهانة صغيرتي وإطلاق وصف (لقيطة) عليها من جديد، لذا أرجو منكِ نسيان الأمر وعدم ترديده أمام صغاركِ"
قالت هبة معترضة بشدة: "ماذا تظنين بي؟! عديمة رحمة ذات روح بشعة؟ أنا سجلت اعتراضي لأمر لا تطيقه نفسي ولكن ليس معنى هذا أن أحول حياة مخلوق بريء لجحيم كهذا"
نظرت إليها جوان بتعجب ثم قالت: "الآن هي بريئة؟! من دقائق كانت...."
قاطعتها هبة وهي تقول متنهدة: "كانت ما كانت, افعلي ما تريدينه.. أنتِ حرة فالكلام لن يغير من عزيمتكِ شيئاً كما يبدو, المهم عندي هي علاقتي بأخي"
قالت جوان بأسى:- "وأنا؟ هل تنازلتِ عن صداقتنا؟!"
امتعضت هبة وهي تقول: "مري عليّ غداً.. الآن أنا غاضبة منكِ وبشدة"
ضحكت جوان ضحكة مشوبة ببعض الكآبة وهي تنظر لعفاف وكأنها تطلب منها دعماً معنوياً.. تخبرها بصمت أنها تعلم طبيعة أخت زوجها وإكراماً لهما فقط لن تغضب غضباً حقيقياً مهما فعلت..
"جوان, لا تحزني أنا..." قالت هبة بشعور بالذنب وهي تقف مقتربة منها.
رفعت جوان وجهها تحدق فيها بصمت ثم قالت: "أنتِ لا تعرفين شيئاً عن ما عانيته لأصل إلى هنا، لم تجربي حرباً بشعة مع أقرب الناس إليكِ.. تدللتِ لحد لم تجربي أن يكسركِ ممن هو يُفتَرض أنه سندكِ وحاميكِ.. إن كنت ترين أن تملكي لنضال أنانية مني.. فأنا أنانية جداً فيه، هو ملكي.. حقي من الحياة التي أوجعتني ولن أتنازل عنه خاصة أنه من سعى بنفسه لأصل لهوسي المجنون به الآن"
ردت هبة باستسلام: "أنتِ محقة لا أعلم عنكِ الكثير، واحترمت تجنبكِ للماضي، وعدم إفصاح نضال عن شيء, ولا لن أسألكِ يا جوان أو أحاول حشر نفسي فيما لا يعنيني.. ولكن ما دفعني هو شعوري أنكِ أسقطتِ ما سيقوله الناس عنها، ونظراتهم لها وهي تكبر بينكم"
قالت جوان وهي ترفع وجهها الساقط بين كفيها لأعلى: "الناس تتحدث على كل حال، يطلقون أحكامهم، يعايرون هذا، ويترفعون عن ذاك، يحقدون على فرصة أحدهم، وينددون بسقوط أخر, يرفعون من لا يستحق، ويسحقون المتقي فيها.. لذا فليذهبوا جميعهم للجحيم, ما يهمني هو أن أوفر لها فرصة عادلة, أن أمنحها من قلبي، وحماية زوجي.. واثقة أنها سترد الدين يوماً بحبها ورعايتها لي عند الكبر"
زفرت هبة من جديد ولم تعلق بينما تنظر للصغيرة بين ذراعي أمها وكأنها تحاول البحث عن العاطفة التي قد تجبرها على تقبلها.
إلا أن عفاف قالت بخشونة: "لا تجبري نفسكِ على ما لا تطيق، رقة القلوب لا تُشتَرى، إن لم تنل تعاطفكِ منذ أول مرة لن تفعل أبداً"
تباً هل أصبح الجميع يهاجمها الآن؟ فتحت فمها تنوي الرد على والدتها بما يدعم موقفها إلا أن جرس الباب ال.. الماذا.. المتردد؟! وكأن زائرهم يخشى القدوم إليهم.
وبما أنها واقفة بينهما وقوف المذنب كانت الأسرع بالنسبة لوالدتها التي تحمل آسية وجوان بحملها الذي يثقل يوماً وراء الآخر ولتكون أوضح فهي أرادت الهروب من بينهما بعد أن أفسدت علاقتها ويعلم الله متى قد تسطيع كسب سماحهما من جديد؟
"بسم الله الرحمن الرحيم.. من أنتِ؟!"
عبست سَبنتي بقوة ثم قالت ببرود للمرأة طريفة الملامح: "هل رأيتِ عفريت؟"
قالت هبة بدهشة لم تغادرها: "لا، ولكن لولا بطنك المسطح لأقسمت أني تركتكِ على الأريكة منذ ثواني"
أتت جوان بلهفة عند سماعها الصوت وهي تنظر إليها بحنان يخالطه للقلق، أبعدت هبة ببعض الجلافة ثم سحبت سَبنتي من ذراعها وهي تسألها مباشرة: "هل أنتِ بخير؟ ما الذي أتى بكِ ومتى عُدتِ من سفرك؟!"
توترت سَبنتي وهي تفرك يديها بنوع من الذنب وشعور آخر بوجوب الهرب ثم همست: "كانت لحظة اندفاع غير محسوبة، لم أشأ إزعاج أحد.. أنا.. أنا سأغادر"
أمسكت جوان بذراعها تجذبها كالمهووسة.. كمن يئس من مطاردة الحياة طويلاً وعندما كاد يستسلم للموت، منحته نفحة من كرمها "تغادرين.. لأين ستذهبين؟ أنا لا أستوعب أنكِ أمامي.. لا لن تتحركي من هنا"
كان فضول هبة أكبر منها وهي تنقل عينيها بينهما بحذر عندما قالت: "من هي يا جوان؟ إن كان لكِ أخوة كنت قلت توأمكِ ولكن بصراحة الفتاة أصبى وأجمل منكِ بمراحل"
نظرتا إليها باستنكار من وقاحتها إلا أنها فتحت يدها بعجز وهي تقول: "أعذريني يا حلوة ولكني صريحة"
شعرت بيد أمها تضرب مؤخرة رأسها بعنف توقفها عن الكلام ثم هتفت بانزعاج: "بل أصابكِ عته اليوم, ستخيفين الضيفة"
قالت سَبنتي بابتسامة ناعمة: "لا بأس, لقد اعتدت العيش مع المعاتيه"
اقتربت عفاف منها بعد أن وضعت آسية بين يدي هبة التي مثلت الرفض أولاً قبل أن تضمها إليها بتلقائية ورهبة لشيء وشعور أشبه بحب يولد ببطء يطرد كرهاً مكتسباً بأحكام مسبقة..
سمعت عفاف تقول وهي تأخذ سَبنتي إلى صدرها تربت عليها بقوة: "مرحباً يا حلوة، أنرتِ المكان, تعالي حبيبتي ولا تهتمي لهاتين المجنونتين.. أنتِ في ضيافة عفاف ومن كان ضيفاً لعفاف يصان بنني العين ويحمل على الأكتاف"
استسلمت سَبنتي ليدها التي تسحبها للداخل بينما عيناها كانت تطارد شيئاً واحداً وجه أمها التي تنظر إليها دامعة العينين وترفع كفها نحو فمها وكأنها لا تصدق أنها هنا, بحثت عنها وأتت إليها برغبتها الكاملة..
إن كنت تحب شيئاً أترك له حريته وإن كان لك نصيب من قلبه سيعود إليك من تلقاء نفسه..
همست هبة بفضولها من جديد: "ما شاء الله، جميلة كالأجانب, من هي؟ أنطقي، ربما أطمع فيها وأزوجها لأحد أقاربنا"
ابتسمت جوان من بين دموعها ثم قالت بسخرية: "وأنا كنت أجنبية, ماذا فعلتِ معي؟! ها أنتِ تتنمرين عليّ بدلاً من إكرامي"
شوحت هبة وهي تقول: "لا أنتِ حالة مختلفة، حتى وإن كنتِ تشبهينها.. سأظل أراكِ زوجة أخي وصديقتي, أي لا انبهار هنا وأنا أرى خِلقتك أمامي كل يوم"
تنهدت جوان وهي تقول بصوت أجش وكأنها لم تسمع استرسالها كله "هي من تشبهني.. أنا الأكبر عمراً, هل نسيتِ؟"
قالت هبة بإلحاح: "من هي؟ انطقي.. ولماذا كنتِ تخبئينها؟"
اقتربت منها جوان تمسك آسية بين ذراعيها فاعترضت هبة بتردد وكأنها ترغب هذه المرة بالتعرف على الرضيعة عن حق وطيب خاطر..
ابتعدت جوان تنوي اللحاق بابنتها علها تحظى بها أطول فترة ممكنة.. إلا أنها لم تنسى أن تقول: "آه بالنسبة للعريس احمدي ربكِ أنكِ امرأة وإلا كان قسمكِ زوجها لنصفين.. وبالمناسبة هو من كان يخبئها حتى لا يحصل عليها الحشريين أمثالكِ"
ابتلعت هبة ريقها قبل أن تقول ببراءة: "كنت أختبركِ.. يخبئها! انتظري.. هل هذه ابنة خالتكِ زوجة ابن الراوي؟!"
أسبلت جوان جفنيها قبل أن تقول بصوت مكتوم: "نعم ابنة خالتي.. وماذا ستكون غير هذا لقد تشاركنا الدماء في مرحلة ما لذا حملت من ملامحي الكثير كما ترين"
أغلقت جوان غرفتها الخاصة ثم استدارت ببطء نحو صغيرتها التي تقف أمامها ببعض التوتر تتفحص أثاث الغرفة المريح للعين دون رؤية حقيقية ثم همست تقطع الصمت: "عائلتكِ أناس لطفاء، لم أتوقع كل هذا الترحاب"
أومأت جوان ببطء وهي تنظر لها بعينين لم تخلوا من رقرقة الدموع ثم همست: "إنهم أكثر من هذا, كان يجب أن لا تشككي بكرمهم، بناءً على معرفتكِ السابقة بنضال"
سحبت سَبنتي نفساً مجهداً ثم همست بقنوط: "لقد اكتشفت بعد أن محوت نقمي عليه بأني أحببت نضال كما أفراد العائلة قبل ظهوركِ أنتِ.. كان يتعامل معي بمشاعر حقيقية وليس مجرد مسؤولية ثقيلة ألقيت عليه بموجب وظيفته"
اقتربت منها جوان خطوة ثم قالت بتعثر: "لقد كان يخبرني مراراً أنه أحبكِ كطفلته قبل أن يعرفني"
رمشت بعينيها وهي تطرق بوجهها تتلاعب بأصابع خرقاء بطرف بلوزتها ثم همست بشحوب:- "حبٌّ لم يكن كافٍ.. ربما عنيت له شيئاً إلا أن حبه لكِ كان أقوى.. لذا لم يتردد عندما..."
صمتت فجأة تغلق عينيها بقوة وهي تسحب نفساً صعبًا.. فاقتربت منها جوان من جديد وهي تقول باختناق: "سَبنتي في حينها كان الخطأ خطئي بالكامل، ما كان يجدر بي الاقتراب ونزع استقراركِ، أنا...."
قاطعتها سَبنتي وهي تنظر إليها بحدة :-"إياكِ أن تبدي ندماً لتمسككِ بي.. أنا أستحق حبكِ.. لا لن تندمي الآن بعد أن تفهمت عاطفتكِ نحوي"
صمتت سَبنتي لتبتلع ريقها بعنف ثم اقتربت منها هذه المرة وأمسكت يديها بانتفاض كمن أصابه مس وهمست بيأس: "أنا أستحق عاطفتكِ, لقد أحببتني فعلاً.. لم تنسيني لصالح زوجكِ أو طفلٍ تحملينه صحيح؟ أرجوكِ لا تخيبي أملي فيكِ"
نبض قلب جوان بعنف موازٍ لدمع عينيها الذي هبط دون مواراة فضمتها إليها بقوة وفظاظة الحرمان تحرقها.. هتفت بصوت مشحون:- "كل أطفال العالم لن يعوضوني لحظة واحدة افتقدتكِ فيها, هل تعرفين معنى أن تحرم أم من صغيرتها، أن تُنزع من على صدرها قبل أن تمنحها حتى حقها الطبيعي في الرضاعة منها؟! لقد كان محرم عليّ النظر أو الكلام، محرم عليّ حضن أعيدكِ به إلي.. محرم عليّ خلق رابط لا ينفصل معكِ.. إن خُيرت.. إن مُنِحت هذا الحق ووضع العالم كله في كفة وبقائي معكِ في كفة أخرى سترجح كفتكِ أنتِ"
همست سَبنتي بتحشرج من بين دموع الألم: "لماذا ابتعدتِ إذاً عندما عدت أطلب ودكِ وأطاردكِ بحاجتي لكِ؟ لماذا أصبحتِ تتهربين مني؟"
أمسكت جوان وجهها بين كفيها ثم همست بتأني شديد وبنفس نبرتها المختنقة:- "لأني دمرتكِ كفاية بأنانية مني.. فآثرت الابتعاد خوفاً عليكِ.. أقسم أن هروبي الذي آلمني أكثر مما أطيق كان لصالحكِ.. كيف تكون أمومتي التي أنادي بها إن رجحت راحتي على راحتكِ أنتِ.. ظننت أن بُعدي عن طريقكِ سيمنحكِ الحياة والرخاء الذي تستحقينه"
أطلقت سَبنتي تأوهاً خشناً من بين شفتيها والجواب الصادق الذي يصرخ به قلب جوان الذي تشعر بكل دقة منه, جعلها تعقد مقارنة سريعة وجارحة بين رجل وضيع أناني يدعي محبته وأبوته لها الآن ويسعي لتدمير المتبقي منها وبين تضحية حقيقية لأم آثرت الوجع لتدعها تعيش.
همست بعد برهة بتعب شديد بلغ أشده: "أتيت اليوم لأمرٍ واحدٍ لا أريد عتاب معكِ أو لوم، فأنا غفرت لكِ وتفهمتكِ منذ زمن بعيد"
قالت جوان بلهفة: "أي شيء.. أطلبي روحي ولن أبخل عليكِ بها"
ابتسمت شفتاها بعصبية وهي تمسك ساعديها بقوة سببت بعض الألم لجوان: "لا أريد روحكِ.. ولا أرغب في نزع استقراركِ.. أنا فقط أريد حبكِ.. أحتاج إلى قلب المرأة التي أنجبتني.. أريد مشاعر جديدة غير حب كل عائلتي.. أنا.. أنا..."
كانت تبدو مضطربة بشدة، متخبطة، تتألم بطريقة جعلت جوان تتمزق وتشعر بالعجز لعدم فهم ما تعانيه حقيقةً.
همست سَبنتي بعد برهة كمن وجد إجابة سؤالٍ تجهل فحواه: "أنا أريد أمي.. أحتاج لأمي الحقيقية, هل أنتِ قادرة على منحي هذا؟"
قالت جوان بلهفة: "أمكِ لم تترككِ لحظة، لم تغيبي عنها لا في صحوها ولا منامها.. أخبريني فقط ما الطريقة المثلى لتقتنعي بهذا وسأفعلها"
ارتعشت شفتا سَبنتي بقوة وازدادت ملامحها عصبية.. قبل أن يتهدل كتفها باستسلام مميت وهي تهمس متوسلة: "احتضنيني.. فقط ضميني إليكِ بقوة.. لا أريد عبارات حب, فقط دعيني أشعر بحبكِ لي كما... كما أراهم جميعاً منذ طفولتي بين أحضان أمهاتهم"
بلهفة كانت جوان تمنحها ما ترغب به.. ضمتها بقوة.. تعتصرها بين ذراعيها.. لتشعر في هذه اللحظة أنها حصلت على سلامها أخيراً، وأن الله مَنَّ عليها بمغفرته ونظر إلى توبتها بعين الرحمة فردّ إليها أخيراً شطر قلبها الذي انتزع منها غصباً.
أما سَبنتي وإن كانت احتضنت آلاف المرات بمحبة من أفراد عائلة كبرت بينهم.. فلا شيء في العالم قادر على شرح ما تشعر به الآن من حنان وعاطفة تتجاوز كل الحدود..
كان صدر جوان الذي أسندت رأسها فوقه أجمل من كل نعومة الورود.. أصفى من كل مياه الأنهار.. أصدق من كل حروف ومشاعر المحبة..
ضمت خصرها بقوة وكأنها سقطت داخل حفرة جديدة.. حفرة خالية من كل الأشباح الشنيعة والظلمة والضلال.. حفرة بيضاء منيرة تبث بداخلها صفاء غريب.. لم يكن الأمر كالمسكن الذي تمنحه لها ذراعي خالد بل أشبه بدواء يسري داخل نفسها ويهدر بين أوردتها ببطء مؤلم ومرير.. مريح وبطعم العسل.. هي لم تدرك من بين غفوتها على قلب أمها أنهما افترشتا الأرض.. تتمسكان ببعضهما تعوضان سنين الحرمان..
كيف كرهت أمها يوماً؟! أو سخطت عليها وأرادت الانتقام منها.. كيف لها أن تشعر بهذا الغباء وقد شعرت بعد تواصل واحد معها أن لا شيء بالعالم يستحق أن يغضبها من أمها؟!
الأم جنة لا تعوض، نعمة يصعب عليها مهما بحثت بين البشر أن تجد تعويضاً يماثلها طُمأنينة وملاذاً..
*****
ابتسم نضال ببعض العصبية قبل أن يترك مقبض الباب وهو يصغي لوالدته التي قالت بهدوء: "قريبة زوجتك لم تأتي بلا سبب من الواضح أنها تحتاجها لذا لا تتدخل وامنحهما وقتاً معا"
تحرك نضال نحوها وهو يقول بتردد:- "أنا لستُ قلق على جوان بل على الأخرى"
سألت عفاف بهدوء:- "لماذا؟!"
فتح كفيه بلا معنى وهو يقول:- "زوجها كان عندي لتوه ولم يخبرني بزيارتها وبناءً على معرفتي هي لا تتحرك دون علمه، أعتقد أنها جاءت بمفردها"
همست عفاف وهي تميل نحوها حريصة أن لا تسمعها ابنتها التي عاقبتها بدخول المطبخ لتجهيز العشاء لضيفتهم:- "هل يمنعها من التواصل مع جوان؟!"
زفر وهو يمسك جانب رأسه ثم قال بنفس مكتوم:- "لا ليس هكذا وإنما الفتاة... كيف أقولها دعينا نقول تثير القلق مؤخراً، لذا يجب أن يراقبها طوال الوقت"
ضيقت عفاف عينيها بإدراك تفسر جملته خطأ عندما قالت: "لم تبدو لي من هذا النوع المستهتر من الفتيات"
نفى سريعاً: "أستغفر الله لم أعني هذا يا أمي.. إنه يراقبها حتى لا تؤذي نفسها"
قالت عفاف بامتعاض تهمس بتواطؤ: "لم تبدو لي مجنونة أيضاً.. بل ذكرتني بأختك عندما تنفذ طاقتها تهرع إلي لتشحن نفسها من جديد.. الفتاة تحتاج لأمها ليس إلا"
هب نضال من جانبها ثم مال قليلاً يطبع قبلة على وجنة ابنته وهو يقول مبتسماً: "ربما يا أمي لا تحتاج إلا هذا ونحن من تغابينا"
قالت عفاف بهدوء: "بل هي لا تحتاج إلا هذا.. أنا لا أعترف بالنفسية والكلام الفارغ.. يوماً ما ستعلمك آسية كيف تفهم الصغار من نظرة"
أومأ دون رد قبل أن يقول: "حسناً.. ولكن هذا لا يمنع أن أخبر خالد بوجودها هنا, لن أرتكب نفس الخطأ مرتين بإخفاء شيء أعرفه"
لم تهتم عفاف لمعنى كلماته حين قالت بلهجتها الحازمة: "بالطبع يجب أن يعرف.. ليس من الأصول خروجها دون إذنه.. ولكن لا مشكلة سأمررها اليوم وبعدها سأقومها كجوان"
ضحك نضال وهو يميل هامساً بجانب أذن أمه: "ستتبنينها هي الأخرى؟ ألم تكتفي بعد من مهيضات الجناح؟"
قالت عفاف بطرافة: "لا بل أرغب في كسر ضلع البنت حتي يظهر لها أربعين، هيا اذهب وحدث الرجل ليأتي للعشاء مع زوجته ولأقيم عن قرب إن كان يستحقها أم خسارة فيه"
نظر إليها نضال نظرة ذات معنى جعلت عفاف تقول بتعاطف: "فهمت.. المسكين! مؤكد أنها أخرجت عينيه كتلك المجنونة التي تخصك"
قال ضاحكاً بقوة: "مجنونتي جانبها قطيطة مسكينة ضعيفة"
هتفت عفاف بنزق: "بل درفيل.. ودع زمن القطط حتى لا تصدم بعد الولادة"
************



Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 07:31 PM   #7218

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile17

المشاركة (4)
**********
بعد ساعات..
"هل تشعرين بالبرد؟"
فركت ذراعيها من فوق قميصها ذي الأكمام وهي تقول بضحكة مرتبكة: "ماذا؟ هل ستخلع معطفك وتدثرني به مضحياً بنفسك كالمشاهد الغرامية؟!"
مط شفته السفلى بلا معنى وهو يحرك كتفيه ثم قال ببساطة: "إن أعطيتك معطفي سأشعر بالبرد أيضاً فلما التضحية المبالغ بها؟ بل سأشتري لكِ معطفاً من أي محل قريب وانتهينا"
توقفت سَبنتي عن المشي بجانبه على كورنيش النيل وهي تنظر إليه بذهول وبعض الغباء غير مستوعبة إحراجه لها وضربه لكل أسس الرومانسية في أحلام الفتيات: "بك الخير أي واللهِ.. شكراً لأفضالك يمكنني الشراء لنفسي"
هز كتفيه من جديد وهو يقول ببرود: "أنتِ على الرحب دائماً"
تدلى فكها بشكل أقوى قبل أن تقول ببراءة: "هل تعاقبني برد فعل الأطفال هذا؟"
وقف خالد أمام السور المصنوع من حجر القرميد ينظر لسطح النيل المنعكس عليه ضوء القمر ثم قال بهدوء: "وهل فعلتِ ما يستوجب العقاب؟"
وقفت بجانبه بتردد وهي تهمس بغير اقتناع: "لا"
قال بهدوء شديد: "إذاً جوابي الأول خاضع للمنطقية البحتة, لماذا أعرض نفسي لنزلة برد وأنا قادر على شراء بديل لكِ؟"
عبست بضيق وأجوبته منذ مشادتهما الأخيرة تستحضر بداخلها روحها القديمة العابثة عندما قالت: "وماذا عن الأحلام الوردية سيد خالد؟ وما هو متوقع منك تجاه عروسك التي لم يمر على زواجك منها شهراً واحداً بعد؟"
قال بلا مبالاة وهو يسند ساعديه فوق السور مشبكاً يديه في بعضهما دون أن يحاول النظر إليها: "لقد أدركت أن الأمور العاطفية لا تشد انتباهكِ بل تشعركِ بالرخص، لذا أقلعت عنها دون رجعة وسأكتفي بالتعامل المنطقي"
أمسكت ذراعه بنوع من العنف تجذبه وتجبره على النظر إليها وهي تقول بصوت مكتوم: "أكره المنطقية خاصةً عندما يتكلم بها لسانك أنت.. وأكرهها أيضاً عندما تتحدث عنها.. لذا أنا أرفضها بيننا شكلاً وموضوعاً, أتفهم؟!"
رفع خالد حاجبيه بينما عيناه تطلق وعيداً صامتاً غذاه قوله الصارم:- "سأحترم فقط كوننا بالخارج، ولكن إن كررتِ هذا الفعل وقتها ستعاقبين وبشدة"
قالت بتحدي وقح: "ماذا؟ ستضربني! هل تعتقد أني دميتك المحشوة فعلاً؟"
مال بجانبه نحوها مساوياً طولها قبل أن يقول بهدوء أشد وطأة من انفعاله أو غضبه بينما ينزع يدها بعيداً عنه: "أنا لا أضرب النساء يا سَبنتي، لم يكن أسلوبي ولن يكن يوماً.. ولكن معكِ أنتِ لديّ طرق أخرى ستجعلكِ تتمنين لو أني صفعتكِ رداً على لسانكِ السليط وأفعالكِ"
انتفضت بنظرة إن استطاع وصفها قد يصفها بثقبٍ روحيٍّ..
عقد حاجبيه وهو يتأمل ملامحها التي شحبت ليس بالخوف وإنما بالحسرة وكأنها كانت تمنحه فرصة ليثبت لها أنه على قدر المسؤولية لشيء في نفسها وقد خذلها!
سحبت يدها المعلقة في كفه ببطء وابتعدت خطوات جعلته يطلق زفرة عنيفة.. ودون تفكير وجد ساعده يلتف حول خصرها يعيدها لجانبه ويدير وجهه مرة أخرى للنظر لسطح المياه حيث عرف من خلال تلك النظرة الغريبة المثقوبة أنها لن تقاوم وتبتعد..
عم الصمت والشرود بينهما طويلاً قبل أن يسمعها تقول بصوت مكتوم: "كنت أحتاج لرؤيتها.. لم أفكر في تحديك كما تعتقد.. ولكن إحساس أني سأقابلها بإرادتي الكاملة جعل عقلي معتم عن التفكير بأي شيء آخر"
رغم دهشته قليلاً إلا أنه قال ببساطة: "لم أعاتبكِ لتبرري"
رمشت بعينيها وهي تحدق في جانب وجهه بعدم اقتناع عندما قالت: "إلا أنك غاضب وبشدة منذ أن لمحت وجهك وهدوئك المخادع عندما جلست بجانبي على طاولة العشاء دون حتى أن تُلقي التحية علي.. أدركت كتمانك لغضبك"
حرك رأسه قليلاً ينظر لعينيها التي تستجديه أمراً أكبر من أن يفسره في هذه اللحظة ثم قال بوتيرة هادئة:-"هذا صحيح.. عندما أخبرني نضال بوجودكِ في منزله كدت أحطم أي شيء أمامي, ولكن طوال قيادتي لمنزله فكرت ما الذي يدفعكِ للذهاب هناك واتبعاكِ عادتك القديمة في التسلل؟ وقتها كانت الإجابة لا تحتاج للتأويل, أنتِ ما زلتِ تبحثين عن شيء لم تجديه عند أحدٍ منا"
فغرت شفتيها بشكل دائري كمن يكتم ألماً قد لمس جرحه.. تمنحه تلك النظرة الواسعة التي تشبه براءة عيون القطط.
مال للأسفل قليلاً وهمس بمزاح رقيق: "أما عن سبب عدم صراخي في وجهكِ كما تستحقين فذلك صراحةً أني حمدتُ لله أنكِ ذهبتِ لبيت نضال بدل المقابر.. حقاً لا أعرف ماذا سيكون شعوري إن وجدتكِ من جديد ليلاً تلتمسين من الأموات إجابة لن يمنحوها لكِ"
همست بغباء مرتبكة من حنانه وتفهمه هذه المرة:-"ظننت أن زيارتي للمقابر ستكون أفضل وقعاً عليكم من سعيي لجوان!"
شدد على خصرها بحزم وهو يقربها من وقوفه أكثر ثم قال بصوت به بعض التسلط:- "لم يعد هناك في شؤونكِ الخاصة (عليكم), أنا المعني فقط بتحركاتكِ ورغباتكِ لذا إن أردتِ علاقة مع والدتكِ لن أقف في طريقكِ يوماً"
رمشت بعينيها من جديد وهي تحدق فيه مجفلة وكأنها لم تتوقع هذه السلاسة منه فهمست ممتنة: "شكراً"
ابتسم أخيراً وهو ينظر إليها بتعجب: "على ماذا؟! هذا حقكِ.. وحدكِ من تقررين من يستحق رابطاً معكِ ومن لا، ولكن هذا لا يعني أن جزءاً ذكورياً متحكماً عندي لا يسخط عليكِ للتصرف من وراء ظهري"
أطرقت بوجهها وهي تقول بقتامة:- "هااا قد عندنا لنقطة الجدال الأولى.. لماذا عليّ أن أمنحك عريضة بتحركاتي؟ ألا تثق بي؟؟"
قال بنعومة باردة:- "الأمر ليس له علاقة بالثقة بل حقي كزوج، أنا لا أطلب منكِ إعلامي بتحركاتكِ لتقييد حريتكِ بل لأنه أمر شرعيّ.. وهذا ما لن أتنازل عنه"
برقت عيناها بالتحدي القديم وهي تقول: "لم أحتج لإذن راشد من قبل, بل أنت تحاول التحكم بي مستمتعاً بسلطتك الجديدة في حياتي"
نظر إليها ساخراً وهو يقول بتهكم:- "أنتِ والحق يقال كنزٌ ثمين!! لقد منحني ما لم أكن أتخيله بحياتي قط.. سَبنتي أنا لستُ راشد ولستُ مؤكد خالد ابن عمكِ أو رفيق الطفولة بل زوجكِ أم أنكِ ما زلتِ طفلة تحبو لا تفهم المعنى"
زمت شفتيها بقوة وكأنها تقاوم نفسها ألا تمنحه أحد ردودها الغبية التي تفقده أعصابه.
وعندما استمر صمتها قال باقتضاب: "إن أردتِ حياة سلسلة بيننا خالية من العقد على الأقل من هذا الجانب فأنا لن أطالبكِ إلا بالمشورة"
قالت بعدم اقتناع: "وماذا إن رفضت؟"
:-"لن أفعل إن كان طلبكِ ممكناً وحتى إن رفضت تناقشي معي, فهذا أحد أسباب منح الزوج هذه السلطة.. النقاش حتى يأتي التراحم والتفاهم والتعقل في العلاقة بيننا.. الزواج مؤسسة وكل فرد فيها يجب أن يدرك حقوقه وواجباته.. وليس ساحة حرب نتنازع فيها ليخرج منها أحدنا مهزوماً والآخر منتصراً"
أطرقت من جديد ولم ترد وهي تعض على طرف شفتها بقوة وكأنها تنازع نفسها ما بين التعنت في الرفض وبين إبداء اقتناعها بموقفه.
طال صمتها ولم يشأ الضغط عليها بالمزيد بل غير ضفة الحوار تماماً عندما سألها: "هل أنتِ جائعة؟"
رفعت رأسها سريعاً تنظر إليه بدهشة ثم قالت: "لقد أكلنا للتو"
قال مناغشاً وهو يكشر بأنفه: "وكان الطعام لذيذاً لن أنكر, ولكني أعرف دائماً هناك مكان للمزيد في معدتكِ"
قالت بعبوس: "بكَ الخير تذكرت شهيتي ولكنك ضننت عليّ بالمعطف"
قال ببساطة: "لقد عرضتُ عليكِ شراء واحد وأنتِ من رفضتِ"
قالت بغيظ:- "لأنّي انتظرت بعد هذه المحاضرة الرائعة والتفهم الأسطوري أنك ستمنحني معطفك"
قال ببرود:- "هذا لن يحدث وإن رأيتكِ تتجمدين برداً"
كورت شفتيها بسخط دون رد مما جعله يسحب يدها بين يديه أخيراً ثم قال مازحاً: "تعالي لا تخجلي سأكسوكِ وأمري لله، من الواضح أن راشد قصر في جهازكِ ولم يشتري لكِ ملابس كافية"
قالت بغيظ: "بغض النظر عن نظرتك لهذه الأمور الدنيوية, ماذا عن شعوري بالبرد الآن؟"
حاوط كتفيها بذراعه وهو يقول ساخراً: "ظننت أن حضني وقلبي الدافئ سيمنحانكِ ما تحتاجين"
نظرت لأعلى وقصفته قائلة بسخرية: "لماذا؟ هل أنت سخان بشعلة؟!"
لم تصدمه للحقيقة لذا قال بامتعاض: "إن تحدثتِ عن الأمور العاطفية مرة أخرى سأرميكِ في النيل، وأضحي بكِ كالمصريين القدماء.. رغم جزمي بأنه سيلفظكِ هو الآخر ويرفضكِ كعروس وربما ينضب احتجاجاً وعقاباً للشعب كله لمنحه فتاة مثلكِ"
قلدته وهي تهز رأسها يميناً ويساراً مستهزئة بغضب من قوله.. مما دفعه يقول بقرف: "راقبي كلامكِ.. لا تختبري حلمي"
*****
بعد وقت كانت عيناها تلمعان بالانتصار والنشوة ليس للشطائر التي تلتهما مع مشروب قصب السكر وإنما لجلوسه أمامها خلف عجلة القيادة يداري ارتجافه من لسعات البرد التي ملأت الأجواء عبر نافذة السيارة المفتوحة وقد انتصرت بالنهاية وسحبت منه المعطف الجلدي رغم أنفه.
تمتم خالد بحسرة: "والله كنت أعرف أنكِ طامعة فيه"
همست بفمها الممتلئ بالطعام مرددة حديثه السابق:-"إن كنت تشعر بالبرد سوف أشتري لك واحداً.. قل ولا تخجل سأصرف عليك وأكسوك وأمري لله"
حرك خالد رأسه بيأس ضاحكاً.. ونظر إليها بهدوء يتأملها بعينين متوهجتان أربكتها.. همست بتلعثم وهي تمسح فمها بأناملها: "هل هناك بقايا؟"
نفخ خالد بملء صدره قبل أن يستدير يشغل السيارة وهو يقول: "نعم هناك بقايا.. الكثير منها تصارع للخروج"
اهتزت أصابعها على وجهها قبل أن تسحبها ببطء لتستقر في حجرها كما الشطيرة التي أعادت وضعها داخل العلبة المخصصة ثم همست بنبرة بعيدة:-"مجرد بقايا بحركة أصبع يصبح مصيرها الإبادة, لذا لا تأمل يا خالد"
عاد ينظر إليها بتلك العينين السوداويين التي تحرق العالم من تحت قدميها ثم قال:- "الأمل ما يجعلنا بشراً.. الأمل هو ما يجعلني حتى هذه اللحظة أشعر بالفرح والسعادة غير يائس منكِ.. عندما أرى تلك النظرة المرحة الطفولية في عينيكِ لأبسط الأشياء التي أقدمها لكِ يا سَبنتي"
***************



Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 07:36 PM   #7219

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
:sss4:

المشاركة (5)
***********
كانت تشعر أنها داخل غيمة بيضاء نقية.. تمسك الهواء بيديها.. كما كل سعادة الدنيا.. تشعر بحرية وصفاء خاليان من القيود لم تشعرهما من قبل.. بينما تقف على سطح القارب الصغير تفرد يديها للأعلى وكأنها تطير محمولة على كف الحب وتنهيدات ذلك الذي يضم خصرها بتملك بكلا ذراعيه..
"نفخة أخرى وسينقلب بنا المركب" همست شيماء بشقاوة
رد نزار ساخطاً: "يا ليت.. علّكِ تتعظين وتجلسين بأدب.."
قالت شيماء ببرود: "أنت أصبحت مفسداً للحظات البهجة.. توقف عن القلق, لن يحدث شيء"
"حسناً يا كيت وينسليت... ربما أنا قلق على نفسي فنهاية هذا الفيلم هي موت البطل"
ضحكت شيماء برقة وهي تخفض ذراعيها ثم تستدير بحذر متكئة على صدره.. وفور أن شعرت بأنفاسه التي تضرب فوق رأسها.. كانت تقول مازحة: "أهذا ما يرعبك.. لا تقلق سوف أترك لك مكاناً بجانبي على اللوح لننجو سوياً"
قال مستنكراً وهو يجذبها بحذر ليجلسا أخيراً داخل الزورق الخشبي المجهز للسياح بوسائد ناعمة ملكية ملونة بالمخمل الأحمر: "ولِما هذه الدراما يا مفترية؟ غرق وموت ولوح نستلقي عليه وأننا لن ننسى من سيموت فينا!"
مطت شفتيها بامتعاض ثم قالت: "كم أنت رومانسي، سأبكي من حالميتك المُريعة بشهر العسل.."
تركها أمامه وأمسك بيد واحدة أحد المجدافين ليحرك المركب بنعومة وهوادة.. بينما يده الأخرى يمررها بخبث على ساقها للأعلى أسفل فستانها وهو يقول بشقاوة: "إذاً سأكون رومانسي جداً وأعيد لكِ مشهدهم الآخر الأكثر حميمية, ما رأيكِ؟!"
شهقت بخجل وهي تبعد يده سريعاً وتضع طرف فستانها تحت قدميها وأخذت تبحث عن عصاها وهي تقول بسخط: "أنت قليل الأدب.."
قال بمزيد من الصبيانية: "أنا معدوم الأدب تماماً.. برومانسية.."
أمسكت عصاها أخيراً وفردتها بحركة واحدة مشوحة بها نحو صوته وهي تقول بغضب: "لن أتحدث معك طالما لن تكف عن أفعالك الجريئة تلك.."
أسند المجداف في مكانه ثم اقترب منها مائلاً بجسده يغطيها كلها عندما استراحت على الوسائد.. ثم همس فوق بشرة جيدها: "فور أن أسرع بإزالة الورود ستتحدثين مجبرة متنهدة بحبي يا عصفورة.."
وضعت كلا كفيها على صدره تمنعه من التقدم أكثر ثم همست بصوت مضطرب بالغرام وهي تعقد حاجبيها الأشقرين: "أي ورود؟!"
قهقه بقوة أزعجتها قبل أن يطبع قبلة خاطفة على شفتيها وهو يقول بصوت بطيء متلاعب: "أوه، ألم أخبركِ.. لقد أصبحت متخصصاً في إزالة الورود، وصائد عصافير ومستغل للعذراوات"
احمرت بشكل قاسي ليس احمرار الخجل.. وإنما كان تورد شهي بالغرام وهي تهمس بخفوت: "لم أتخيل في أكثر خيالاتي تطرفاً أنك متبجح لهذا الحد.."
أخفض وجهه أكثر كما جسده فأصبح يغطيها بغيمته الدافئة كاملاً، فجعلها ترتعش لأعماقها وهو يهمس فوق صفحة وجهها: "أتخيلتني كما كنتِ أنتِ تطارديني في اليقظة والمنام؟"
همست وأصابعها تتلاعب فوق صدره بتمهل: "لن أخبرك أبداً"
إحدى يديه تركت توازن جذعه فأصبح حمله جاثماً فوقها وإنما لم يحمل هذا أي ضغط أو عنف.. بل كأن تواصلهما هذا لم يمثل شيء بداخلها إلا مزيداً من الانتماء إليه وكأنها أصبحت جزءاً حيوياً منه..
التف ذراعه على خصرها قبل أن يعدلها في حركة سريعة يبدل أماكنهما لتصبح هي من تغطيه ثم همس أمام شفتيها: "تخيل واحد.. أخبريني أمر واحد رغبته معي.."
ارتبكت وهي تزيح شعرها الذي هبط فوقهما كحلوى القطن وراء أذنها وهمست: "نزار أرجوكِ.. ليس هكذا سيرانا أحدهم.."
قال نزار بخفوت ويده تتحرك مع يدها رافعاً شعرها من حول وجهها كالمسحور: "فليرانا العالم أجمع.. ويعرف أني مغرمٌ بكِ.. مشدوهاً بكِ.. بأني ملككِ كاملاً وبإرادتي الحرة.."
تلعثمت وهي تحاول أن تقف من فوقه إلا أن اهتزاز المركب بعنف من حركتها المفاجئة جعلها تصرخ بصوت قصير مجفلة..
ثبت نزار يديه فوقها يمنحها الطمأنينة وهو يهمس بشقاوته: "إن لم تخبريني سأحتجزكِ بهذا الوضع طوال الأيام القادمة.."
تحايلت بخجل يخنقها: "أرجوك.. أرجوك أنا لا أستسيغ أن يراني أحد في هذا الوضع.."
تنهد نزار بقوة قبل أن يجذبها إليه ويضع رأسها أسفل عنقه ويربت على ذراعها وهو يقول بهدوء: "هل ظننتِ ولو للحظة أني سأسمح لمخلوق أن يرى زوجتي بهذا الوضع؟ نحن بعيداً جداً عن أي أعين منذ ساعات.. لقد اخترت بقعة مقطوعة.."
سكنت إليه وهدأ جزؤها الخجول.. ثم همست مازحة: "الآن خفت أكثر, إن أعدنا مشهد الغرق لن ينجدنا أحد.."
قال نزار بعفرتة: "وإن فعلنا سأغرقكِ قبلي.. لا والله لن أسمح أن يأكلني السمك وتظلي أنتِ على قيد الحياة شابة وشهية.. صحيحة الجسد.."
ضحكت بنغمة تأسره وهي تقول من بين أنفاسها: "كم أحسد نفسي على حبك وتضحيتك.."
ضرب على جبتها بعنجهية ليست في محلها إطلاقاً وهو يقول بفخر: "أي خدمة.. لتحمدي ربكِ على نعمة الزواج مني كل لحظة.."
حاوطته بقوة وهي تقول بسكون: "أنا أحمد الله في كل سجدة عليك يا نزار.. أشكر كل الأسباب والظروف التي أوقعتك في طريقي.."
قبل جبهتها وهو يهمس من فوقها: "مهما بلغ شكركِ وحمدكِ لن يقارب امتناني لله أن كتبكِ لي بالنهاية.."
عم الصمت بينهما لدقائق رائحة المياه تغمرهما.. نسمة الشتاء اللاسعة تسري بين جسديهما فتصطدم بدفء أجسادهما المشبع بالرضا والحب.. فتمنحهما شعوراً عميقاً وحلواً وملموساً بالرضا.. همست بخفوت أخيراً: "لماذا أنا؟"
كان السؤال يُعَد عبثاً وقد طرحه على نفسه ولم يجد له إجابة أبداً.. رفع نزار وجهها نحوه متأملاً وجهها الشهي السارق لنبضه.. ثم همس بهدوء مشبع بالرضا في نبرته فقط لفؤادها وروحها: "لن أقول المزيد من الكلام المنمق.. فالحب لم يحتج يوماً لسبب.. ولكنكِ مهيمنة.. مهيمنة على روحي وقلبي وتفكيري، كنت أراكِ في كل وجه يقابلني.. أسمع صوتكِ مع كل تغريدة طائر، مع كل نغمة موسيقية تخرج من الصدر نفساً حارقاً.. لماذا أنتِ؟ لأنكِ أنتِ بكل حنانكِ، صفائكِ، شفافية روحكِ.. لأنكِ ببساطة شطري الآخر الذي تهدأ إليه نفسي.."
رمشت بعينيها وكأنها تراه بالبصر فعلاً وليس ببصيرة القلب فقط.. ثم تعلقت في عنقه بتشدد وهي تقول باختناق: "أنا أحبك جداً نزار.."
قرب نزار فكها بأصابعه ثم طبع قبلة متمهلة خالية من الجموح أو الرغبة.. بل كانت أشبه بقبلة تأكيد وإمضاء كختم باعتراف الطرفين الذي لا ينتهي ثم همس بعد برهة: "وأنا.. جداً جداً يا شيماء.."
عادت تضع رأسها عليه كالسحر.. تسكن إليه مستمتعة بحبه وكل معاني عشقه.. إلا أنه لم يكن ليترك تلك اللحظات دون أن يضع بصمته عندما قال بشماتة: "أتساءل ماذا سيكون وجه البعبع الحامي عندما يعرف بتبادل أخته القبل معي في القارب معرضين لأي عين قد ترانا؟!"
تحركت شيماء من فوق صدره غير مبالية إن كانا سينقلبان أم لا وصرخت فيه بعنف وهي تضربه على صدره: "أيها البغيض السافل.. عديم الأحاسيس اللللل...."
كان القارب يرتج بعنف.. وهو يحاول أن يسيطر على هيجانها: "اهدئي يا ابنة المجانين.. سنقع وإن لم نمت غرقاً مؤكد سنموت برداً"
إلا أنها لم تهدأ وأخذت في الصراخ بوجهه وهي تضربه بالوسائد تهتف بغلظة: "أقسم أنك لن تسقط أية ورود لمدة أسبوع عقاباً لذكرك أخي وأنا في هذا الوضع المشين.."
عقد نزار حاجبيه بتفكير قبل أن يقول بحيرة: "هل عرق الهبل لديكم وراثة أم مرض معدي يصيبكم لتقربكم من بعضكم؟ مشين!! مشين على أساس أني سربتك من وراء أهلكِ.."
:-"أنا أكرهك.."
:-"لقد كنتِ تحبيني منذ دقائق.."
قالت بغلظة:- "والآن أكرهك.."
قال نزار ببرود:- "إذاً هو وراثة.. والله كنت أعرف.."
عبست وهي تهدأ بين ذراعيه بعد أن نجح في السيطرة عليها من الخلف:- "ما هو الوراثي؟"
قال نزار ببساطة:- "التخلف حبيبتي.. التخلف"
زمجرت من جديد كنمرة شرسة.. جعلته يقول بشقاوة وكأن روحها القتالية هذه تثير غرائزه أكثر من وجهها الناعم: "وهل خالد يعلم بمشاهدتكِ لذلك الفيلم المثير.. يا مهذبة؟!"
ارتبكت وهمدت مقاومتها وهي تقول مدافعة: "أنا لم أره يا أحمق.. إن لم تلاحظ..."
وضع يده سريعاً على فمها رافضاً أن تقلب لحظتهما لشيء أخر.. وفهمته دون شرح.. عندما غيرت مجرى الحوار وهي تقول بخفوت: "معظم الأشياء كنت أراها بعينيّ سَبنتي.. وهي.. هي أخبرتني أنه فيلم رومانسي غبي.. يموت البطل بنهايته لأن الحمقاء لم تفسح له مكاناً على اللوح الخشبي.."
قال نزار بمرح: "سَبنتي.. طبعاً كان يجب أن أعلم أنها ستفسد المعنى المطروح من تضحية البطل.."
قالت شيماء بتعنت: "البطل كان غبي.. تضحية حمقاء ليس لها معنى، ما الذي اكتسبه من ترك اللوح لها.. سَبنتي قالت وقتها أنها لو كانت مكانه لأزاحت خالد وصعدت هي.. يا روح ما بعدك روح.."
ادعى نزار الصدمة وهو يضع يده على صدره ثم قال: "معدل الرومانسية والحب بين نسائكم يُخِيفُني.. إن كانت سَبنتي ستزيحه وتحتل مكانه.. ومريم أعرف أنها ستبكي بميوعة ليضحي في سبيل دلالها.. ماذا ستفعل بدور إذاً؟!"
التوت شفتا شيماء بخبث ثم قالت بتفكه: "بدور لكانت هي بنفسها من وضعت القيود على معصميه وتركته مقيد في أسفل المركب وتركته للغرق ولأسماك القرش.."
أمسك نزار وجهها بتشدد يديرها نحوه ثم قال بصرامة مضحكة: "شيماء، منذ اليوم لا أريد أن أسمع منكِ أي تحليل لأفلام رومانسية سأكتفي بأفلام الرعب فهي تليق بكن.."
قالت بخبث: "هل أخبرك بتحليل بدور لفيلم (ذا نوت بوك The Notebook)؟"
وضع يده على فمها سريعاً وهو يصرخ بذعر: "لاااااا"
*****
بعد وقت عندما فتح باب المنزل كان ضحكهما يغرق المكان بالسعادة.. وضع نزار أكياس الطعام وبعض المشتريات جانباً.. ثم ساعدها في التخلص من معطفها.. وهو يداعبها بشفتيه ويديه وكل جزء يصلح من جسده.. كانت كالعادة تقاوم هامسة بدلال: "تمهل، لقد أقسمت أن لا ورود لأسبوع.."
خلع نزار معطفه سريعاً غير مبالٍ لارتطامه بالأرض ووقف خلفها ثم حملها سريعاً وبخفة قائلاً بشغف: "سوف نصوم سوياً ونخرج كفارة القسم.."
هتفت بتجهم: "وما الذي يجبرني؟! بالطبع لن أفعل.."
قال بصوت خشن وهو يتقدم بها نحو الدرج يرفعها قليلاً نحو وجهه الذي دفنه في مكان معين يؤجج رغبتها فيه: "اعتبريه عقاب.. وتحذير شديد حتى لا تحلفي على زوجكِ بأمور كهذه مجدداً.."
ضحكت برقة وهي تلف يديها حول عنقه هامسة: "كثرت تحذيراتك وتحكماتك سيد نزار.."
وصلا لغرفتهما المخصصة فوضعها على الفراش برقة شديدة وكأنها خزف ثمين يخشى حتى جرحه.. ثم دفن وجهه كله يقبلها وشفتيه على نحرها.. بينما يداه تلامسها برقة ومودة.. وهو يهمس بصوت مفعم بالعاطفة: "هذه المرة ليس تحكماً فقط.. وإنما إعادة لتصحيح المفاهيم التي خلطنها عليكِ السوداويات عديمات المشاعر.."
كانت مغلقة العينين تزيح رأسها للوراء لتسمح له أن يتعمق أكثر فيها.. بينما يداها تبادله المودة وتعيد له كل الحلا الذي يُغرقها فيه.. همست لاهثة: "لا مركب هنا.. فكيف سنغرق؟"
عندما وضع صدره العاري الساخن ممتزجاً مع قدها المغري كان يقول بتلاعب: "لا نحن سنعيد الأجزاء الجريئة فقط لتفهمي معنى تضحية المسكين بعد أن ضحت البطلة من أجله بشيء يستحق التقدير"
ضحكت بقوة وهي تلف ساعديها حول ظهره: "أصبحت لا أقدر على مجاراتك.. أنتَ وقح.."
هتف نزار من بين انشغاله بتملك:- "أصمتي، وامنحيني تنهيدات الرضا فقط.."
أوقفته شيماء قليلاً وهي تتحسس وجهه ثم همست بعاطفة: "كل لحظة أقضيها بجوارك هي تنهيدة رضا.. وليس هذا فقط.."
دفن وجهه كله بجانب عنقها قبل أن تهمس شفتيه بجانب أذنها بتمهل حار : "إذاً تنهدي كل ساعة ولحظة ودقيقة.. ادفعي بتنهيداتكِ داخل قلبي كما أذنيّ.. فالحب يا عصفورة ما هو إلا حممٌ لا تنطفئ صنعت من بركان التنهيدات.."
*******
انتهى
قراءة سعيدة

لا تنسوا يا حلوين معادنا النهاردة إن شاء الله الساعة ١٢ بعد منتصف الليل مع الفصل 55 ❤️من شظايا القلوب



Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 18-01-21, 07:43 PM   #7220

Rosyros

? العضوٌ??? » 456127
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 47
?  نُقآطِيْ » Rosyros is on a distinguished road
افتراضي

هاي هاي كابتن
❤❤❤ وحشتينا وحشتينا وحشتينا يا جميل ❤❤❤


Rosyros غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:49 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.