آخر 10 مشاركات
رهاني الرابح (90) للكاتبة: سارة كريفن ...كاملة... (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          يوميات العبّادي .. * مميزة * (الكاتـب : العبادي - )           »          سيدة الشتاء (1) *مميزة* , *مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          قساوة الحب - أروع القصص والمغامرات** (الكاتـب : فرح - )           »          303 – عنيدة- فلورا كيد - روايات احلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          بين أزهار الكرز (167) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          [تحميل] عاشق يريد الانتقام،بقلم/ *نجاح السيد*،مصريه (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          At First Sight - Nicholas Sparks (الكاتـب : Dalyia - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-02-21, 11:39 PM   #7691

Heba hamed2111

? العضوٌ??? » 456155
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 90
?  نُقآطِيْ » Heba hamed2111 is on a distinguished road
افتراضي


علي نااااار يا حبيبي ناااااااااااااار

Heba hamed2111 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-21, 12:13 AM   #7692

فاايا

? العضوٌ??? » 475141
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 44
?  نُقآطِيْ » فاايا is on a distinguished road
افتراضي

💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍 👍👍👍👍

فاايا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-21, 12:19 AM   #7693

besomahd
 
الصورة الرمزية besomahd

? العضوٌ??? » 127637
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 391
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » besomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nice
افتراضي

تسجيل حضور بالانتظار

رانيا حسني


besomahd غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-21, 12:26 AM   #7694

kokoaia
 
الصورة الرمزية kokoaia

? العضوٌ??? » 410571
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 163
?  مُ?إني » المنصورة_الدقهلية
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » kokoaia is on a distinguished road
افتراضي

👋👋👋هااااى 👋👋👋هااااى 👋👋👋كابتن❤️

kokoaia غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-21, 12:33 AM   #7695

ديدي امبابي

? العضوٌ??? » 366569
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 742
?  نُقآطِيْ » ديدي امبابي is on a distinguished road
افتراضي

الفصلين ٥٥ و٥٦ حاجة كده بجد فوق الوصف 😍 معذرة لتأخيري ولكن لسه مخلصة قراءة الآن لألحق بفصل اليوم 😁. بجد سلمت أناملك ودمتي مبدعة ومتألقة 😘. وكل ما يريحك نحن معك فيه

ديدي امبابي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-21, 12:43 AM   #7696

مريم مري

? العضوٌ??? » 470338
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 130
?  نُقآطِيْ » مريم مري is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور 💖😍😍😍😍😘😘😘😘😘😘😘😘😘😘😘

مريم مري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-21, 12:47 AM   #7697

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

[size="6"]الجزء الثانى من الفصل السابع والخمسون المشاركة (1)
إغضب!
فأنت رائعٌ حقاً متى تثور
إغضب!
فلولا الموج ما تكونت بحور..
كن عاصفاً.. كن ممطراً..
فإن قلبي دائماً غفور
إغضب!
فلن أجيب بالتحدي
فأنت طفلٌ عابثٌ..
يملؤه الغرور..
وكيف من صغارها..
تنتقم الطيور؟
إذهب..
إذا يوماً مللت مني..
واتهم الأقدار واتهمني..
أما أنا فإني..
سأكتفي بدمعي وحزني..
فالصمت كبرياء
والحزن كبرياء " راشد الراوى[/s
ize]"


.........



" لأول مرة
أجدني لا أفهم ما يدور حولي.. ما الذي تحاول فعله؟!"
صوت منى الهادئ أعاده من جديد لينظر إليها.. ابتسم ابتسامة باهتة ثم قال باختصار: "أحارب"
قالت منى بنفس هدوئها: "ألا تجد أن طريقتك مقيتة وغريبة لكسب حربك؟"
هز كتفيه وهو يأخذ نفساً عميقاً ثم قال ببطء: "جربت كل الطرق الشرعية المعتادة معها ولم تفلح ..لذا بعض الخبث والدناءة لن يضرا"
قالت منى بخفوت: "وإن خسرت"
قال ببساطة شديدة: "أشهر الحروب انتصر فيها الجانب الذي لعب بتلك الطرق المقيتة.. طارحاً أوراق خبيثة.. لا تقلقي زوجة عمي لأول مرة بحياتي أضع الخسارة في حساباتي.. وتخليت عن غروري في إخضاع البشر ..لذا هذا وحده كافياً لي على الأقل لأن أضمن الربح.."
ضحكت منى باستنكار ثم قالت بعدم رضا: "كدت أن أثق أنك تعلمت الدرس لكن كلماتك الأخيرة أعادتك لنقطة الصفر، العنجهية وحدها تمحو أنك بتّ تصدق احتمال الخسارة.."
فتح راشد فمه ينوي قول شيء إلا أنه عبس وهو ينظر لنقطة خلفها ..كانت كفيلة أن تنتبه لها منى وتقف فوراً من مكانها بقلق ..تتبع مريم التي اخترقت المكان تجلس في المكان المخصص لها باكية.. جلست منى جانبها سريعاً وهي تحيطها فسألتها بقلق: "من أزعجكِ حبيبتي؟"
أشارت مريم نحو إيهاب الذي كان يتبعها بوجه هادئ مبتسماً بإفراط ..وقالت بقهر: "هو بالطبع, ومن غيره قادر على تحطيم كل أحلامي بكلمة؟"
انجذبت كل أعين الجالسين إليهما بفضول ..وبعض التعجب ليس من بكائها، وإنما من السلام النفسي الرهيب الذي يكسو ملامح إيهاب عندما جلس بجانبها ووضع طبقها أمامها.. وشرع في تناول بعض السلطة وهو يقول بهدوء ذي مغزى: "لا بأس صغيرتي، بعض القسوة لن تضر قوتكِ المختبئة, إلا أنها ستمحو وجهكِ الناعم المخادع"
كشرت وهي تأخذ شهيقاً طويلاً بأنفها علها تسطير على رذاذ أنفها المريع والمرافق لدموع عينيها ..ثم هتفت مختنقة: "قسوة لم تكن من حقك خاصةً أن هذه المصيبة لا يمكن إصلاحها ..لن أسامحك"
نظرت منى بلوم لإيهاب وهي تهمس بحنق: "حتى أنتَ! ظننتك أعلقهم"
فتح إيهاب يديه بعجز ثم قال: "وماذا فعلت الآن ..كل ما هناك أني أخبرتها أنها تحمل صبياً لا فتاة ..بعد أن استفزتني في أمرٍ ما أثناء نقاشنا.. هل تريدين إخبار السيدة منى عن ماهية النقاش؟!"
تلعثمت وهي تصرخ متجنبة تفسير طلبها الوقح لقبله منه بين الأشجار وأحضان الطبيعة "لقد أخبرتك أنت والطبيبة المريعة أني لا أريد أن أعرف ..وأريد فتاة وحالاً.. تصرف"
تمتم مالك بأذن شذى ساخراً: "وأنا من اعتقدت أن الحماقة حصرية لكِ ..ليتضح أنها جين سائد في عرقكن"
ضربته شذى بشكل خفي بمرفقها في خاصرته.. فتأوه مالك وهو ينظر إليها يحرك حاجبيه بشقاوة ثم همس في أذنها: "سأمررها لكِ، إن منحتني طفلاً آخراً، وأعدكِ أن لا أبكي مثل المجنونة أختكِ وأشترط أن تكون فتاة شقراء كالدمى مثل شقيقتيكِ الصغيرتين"
هست شذى بغيظ من بين أسنانها: "إن لم تتوقف عن استفزازي، سأخبر زوجيهما أنك تتغزل بهما"
غمز لها بتلاعب ثم همس بوله: "أتغزل بمن وأنا أمتلك القمر بين يدي"
هزت شذى رأسها تدعي اليأس إلا أن وجهها غزاه شعور ناعم بزهو وهي تعيد انتباهها لمريم التي كانت تبكي بقوة..
:-"كنت أريد فتاة.. هذا ليس ما أردته ..لقد اشترطت عليك.. الآن لن أستطيع إغاظة لوليتا.. كل تعبي ضاع هباءً"
تحركت نوة قليلاً للأمام رغم أنها لم تترك جانب مدحت وابنتيها ثم قالت بدهشة: "هل حملتِ خصيصاً لتغيظي ابنتكِ التي لم يتخطى عمرها الخمس سنوات ونصف؟!"
اضطربت مريم قليلاً وهي تشعر ببعض الحياء.. فقط بعضه بسبب الرجال الجالسين، كما أظلم وجه إيهاب قليلاً بعدم رضا عن الحوار كله من الأصل ..إلا أنه قال بلهجة لاذعة: "أجيبي شقيقتكِ سيدة مريم"
زمت مريم شفتيها وهي تدس يدها في بنطاله بعنف ثم أخرجت منديلاً خاصاً به أمامه عينيه وأخذت تجفف وجهها وأنفها قبل أن تقول بشجن وصراحة: "كان لي وحدي كاملاً حتى أتت هذه العلقة وقاسمتني فيه... . وأنا لا أحب أن أشارك أحد ممتلكاتي .."
انفجر الجميع في الضحك وهم ينظرون لإيهاب بتعاطف شديد, مدركين أن ما يحسدونه عليه سراً ليس بكل هذه الأريحية بل هو بالفعل يتعامل مع فتاة غير ناضجة عقلياً تماماً..
هز إيهاب رأسه ببؤس معلناً رفضه لفتح فمها بالأساس متمنياً بصدق أن يتهور لمرة واحدة ويحطم رأسها..
قطع خالد ضحكهم عندما عاد أخيراً ليجلس أمام الجهاز الذي سيعكس الفيلم على الشاشة وقال بمرح: "أبهجونا معكم"
عادت بدور للجلوس بمكانها إلا أنها وضعت ابنها في المنتصف بينها وبين راشد.. وهي تجيبه بهدوء: "لم يفتك شيء، فقط المزيد من حماقات أختك المبجلة.. لا تقلق ستتحفنا بغيرها قريباً"
انضمت سَبنتي أيضاً لهم وهي تتوجه بتعثر نحو خالد, تبحث بعينيها عن مكان متاح لها بجواره.. ولكنها لم تجد بقعة جيدة إلا بعيداً.. احتارت للحظات.. ولكن يد خالد الحاسمة أنهت حيرتها عندما جذبها لتجلس أمامه وبين ركبتيه..
ضيقت كتفيها بخجل وعيناها تبحث عن وجه راشد ..إلا أن الأخير تعمد كما الجميع أن يشيح بنظراته بعيداً حتى يرحموها من الحرج ..فما يحاول خالد فعله مؤخراً لم يعد خفياً على أحد ..وكأن الجميع اتفق ضمنياً ودون كلمات ألا يلاحقوها بتعليقات مرحة أو سخيفة حتى تندمج مع وضعها وتعود كما كانت قديماً على الأقل..
قطعت نوة الصمت الذي حل أخيراً وهي تقول بتركيز لم يخل من السخرية مخاطبة مريم: "وهل ظننتِ يا مجذوبة أن فتاة أخرى هي من ستعيده لكِ بالكامل؟"
قالت مريم بثقة: "طبعاً.. فحينها لن تكون ابنته شيء حصري ونادر, فهناك فتاة أخرى ستسرق منها بعض من اهتمامه"
ألقت نوة نظرة بطرف عينيها نحو زوجها الذي أعاد انتباهه الكامل إلى ابنتيه.. حد أنه نسي وجودها تقريباً ..ثم قالت ببطء قاصف: "حمقاء إذاً، أنظري بجانبي وتطلعي لمستقبلكِ إن أتتكِ فتاة أخرى، فأنتِ إن كنتِ تحصلين على نصف انتباه الآن، فالأمر بعدها سيصبح أشد سوءاً إذ أن قلبه كما روحه سينقسمان على ضرتين من أحشائكِ.. وأنتِ يا مسكينة, يا تعيسة الحظ سيضعكِ على الرف ويلغيكِ من باله.. كثرة الفتيات يا مريم تسرق عقل الرجل كما قلبه ويتحول كتلة الجليد إلى مجرد طفل مزهو بلعبتيه وكأن لم ينجب أحد فتاتين إلا جنابه"
رفع مدحت وجهه مجفلاً ونظر لنوة وهو يتمتم بتعجب: "هل أنا المعنيّ بطفلٍ مزهو؟"
قالت نوة ممتعضة: "وهل ترى أحد غيرك يداعب الضرتين وكأنه لم يحقق أحد هذه المعادلة الكونية إلا سيادتك؟!"
نفى مدحت بقوة وهو يقول بصوت أجش عله يرضيها: "هذا غير صحيح، أنتِ مهمة بقدرهما, يكفي أنكِ من منحتهما لي"
أشارت نوة نحوه ثم رفعت كفيها وهي تقول بأسى: "هذا هو.. هل رأيتِ حتى معزتي بالمجاملة كانت بسبب ضرتيّ بطني ..احمدي الله يا مريم فغريمة واحدة أفضل من اثنتين"
أكدت شذى سريعاً: "نوة محقة, لأول مرة أوافقها الرأي"
تمتم إيهاب من بين أسنانه: "رغم أني كنت أريد تعذيبكِ قليلاً بأفكاركِ.. ولكن هلّا أنصتِ لهن وأغلقنا هذا الأمر؟"
كان راشد مثل الباقين يتابع الأمر مبتسماً ولكنه لم يحاول أن يعلق بشيء كما بدور التي تشاغلت بإطعام صغيرها وهي تتابع حوارهم بتسلي..
لاحظ بالطبع أنها لم تذق لقمة واحدة بسبب اهتمامها بصغيرهما لذا أخذ بشوكته قطعة من اللحم مستغلاً عدم انتباه أحد لهما ولجلوسهما المتطرف.. ثم مدها نحو فمها..
رفعت حاجباً مترفعاً بغيظ متأففة.. إلا أنه همس مستغلاً نظرات إياب الفضولية: "تقبليها من أجله حتى لا تزعجيه"
فتحت فمها بعدم رضا رغم سعادة القلب المستترة..
همس راشد بصوت خشن خافت من جديد: "أريد ثلاث غريمات على الأقل, وأعد أن لا أجعل أمهم تعاني أبداً مثل المجنونة أختكِ"
رفعت بدور ذقنها ثم قالت بنبرة لاذعة: "هذا يتوقف على المرأة التي ستجازف وتثق بك لتمنحك ظفر طفل آخر"
ضاقت عينا راشد وهو يقول بجفاف: "أصبتِ لذا ربما عليّ أن أختار الأم بتأني هذه المرة.. حتى لا أجازف بروح أخرى مع امرأة متبلدة لا تشعر"
قالت ببطء قاصفة: "أكيد أنك ستحسن الاختيار بعد درسك معي، لذا ستختار من سترحل وتتخلى عنك وعنه عن طيب خاطر إن لاح في الأفق هدف جديد تعرض عليه خدامتها"
قبض أصابعه داخل كفه بقوة وهو ينظر إلى عينيها بشعور وحشي ثم قال ببرود: "لن أحاسبكِ يا بدور هذه المرة.. أتعلمين لماذا؟"
أشاحت بذقنها بترفع تعلن عدم اهتمامها بما يقول..
إلا أنه نطق بنبرة قاتمة: "غيرتكِ تعمي عقلكِ, لذا لا تتحكمي فيما تقولين"
نظرت إليه من جديد وهي تقول ببرود: "تحلم، أنا لم ولن أغار عليك"
قال بنبرة مماثلة: "تغارين على نفسكِ، وكل هذا التماسك والجليد لا ينطلي عليّ, لذا تظاهري كما تشائين فأنا أعرفكِ"
أسبلت بدور أهدابها وهي تأخذ نفساً عميقاً ثم عادت باهتمامها نحو إياب وهي تقول بهدوء: "لن أحاول الدفاع عن نفسي.. شفقة بإنسان يائس"
ابتسم بسخرية وهو يأخذ قطعة أخرى من اللحم ويضعها بين شفتيها بكل سلاسة ..إلا أنها هذه المرة أخذتها دون أي مقاومة.. ليس استسلاماً ولكن تأكيداً على قولها عن الشفقة باليائسين..
لم يكن الهرج توقف بالفعل ..ومزاحهم مع مريم التي ما زالت تصر أن إيهاب يغيظها وأنها ما زالت تحمل ابنة..
حتى سمعت هناء تقول بصوت قوي: "هلّا توقفتِ يا مريم وحرمتنا من جنونكِ, وكأن أحداً لم يحمل إلا أنتِ، احمدي الله غيركِ يتمنى حتى إصبع طفل"
نظرت إليها مريم بشرر بحت ثم قالت بخبث مريع: "إلا أن غيري هذا ليس أنتِ يا خالة هناء ..فأنتِ بتِّ تنافسيني الآن، يا تُرى هل حظي العاثر سيستمر وتغيظني أنتِ بالابنة المنتظرة؟"
تجمدت هناء وهي تنكمش مكانها.. بينما حاولت شذى ونوة كتم ضحكاتهما انتشاءً فلم تستطيعا..
همست هناء بأسى: "يا فضيحتكِ يا هناء, ليتكِ ما تكلمتِ.. يا مُرك يا نزار سينقطوك (يجلطونك) بسخافة تعليقاتهم"
حادت نظرات هناء بقلق نحو فك نزار الذي علق في مكانٍ ما على صدره, ثم إلى زوجته التي اعتدلت بعيداً تغطي وجهها بشعرها من شدة الحرج والخوف أن يكتشفا أنها من ذاعت السر أولاً ..إلا أنها ليست المذنبة على كل حال فهي أخبرت بدور ..وبدور لم تنطق بحرف ..نوة من فجرت الأمر أليس كذلك؟
ذهول.. ذهول بحت علقت به الأعين نحو وجه هناء الذي شحب.. ووجه جوشوا الذي تكلل بالفخر والزهو وكل مشاعر الغرور والثقة الموجودة بالكون أخذهم حقاً حصرياً له ..وقطع الشك باليقين عندما نفخ جوشوا صدره وهو يقول بزهو: "عذراً لم نزف لكم الخبر, هناء ما زالت خجلة.. نحن ننتظر طفلاً"
كان مدحت أول من تحرر من حالة الذهول وهو يقول بنبرة فخيمة: "مبارك يا عصفورة.. هذا خبر رائع.. لماذا رد الفعل الغريب؟"
رفعت شيماء وجهها نحو مصدر الصوت ثم قالت بأدب القطط: "لست أنا عمو مدحت.. إنما هي..."
ندبت هناء بكلا كفيها على رأسها وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها.. بينما توسعت عينا مدحت بالدهشة من جديد ونوة تشد ذراعه وتشير بإصبعها نحو هناء هامسة بضحكة مختنقة: "بارك هنا يا حبيبي"
سيطر مدحت على نفسه سريعاً وهو يقول بنبرة مهذبة: "مبارك لكما يا دكتور.. هذا خبر مبهج"
رد إليه جوشوا مباركته ..وهو يمد يده يجذب نزار الذي قفز كالعفريت يريد الهروب بكل خجل مريع ..هوى نزار بجلسته على الأرض وهو ينظر إليه محذراً مقابل نظرات ابنه المستعطفة ..همس جوش بصوت مهدد: "تعامل كناضج لمرة واحدة وكن داعماً لها ولا تستحمر وإلا أقسم أن أعاملك كطفل وأعيد تربيتك"
رفع نزار يده فوق رأسه يندب مثل أمه ثم قال باختناق: "ألم تفعل يا كبارة ..ماذا تبقى لديك؟"
نفخ جوش صدره بتكبر وغرور وقال بثقة: "فور ولادتها سأمنحك طفل آخر يا فاشل ..بما أنك لم تستطع منحي أي خبر لوصول حفيد حتى هذه اللحظة"
ترك خالد الجهاز الذي كان يحمله بين يديه لتضبطه سَبنتي وتشغل هذا الفيلم الملعون... متحرراً من ذهوله أخيراً وكان أول ما نطق به بنبرة حمقاء للغاية: "الحمد لله، نعم الله عليّ لا تحصى.. أحمدك يا رب أن أبي قد مات.. قبل أن أوضع في موقفك يا نزار.. دعمي كله لك يا رجل"
زاد خبط نزار على رأسه وهو ينظر لخالد ببلاهة شديدة عاجزاً عن إجابته بأي بشيء وكأن عقله فرغ من كل القول..
نظرن أخوات خالد وأمه إليه بشرر واضح بينما ضحك أزواجهن..
فقال خالد بنفس النبرة البلهاء: "ماذا؟"
قالت منى بنبرة عادية: "هل تستحسن وفاة والدك عوضاً عن أخ؟"
قال خالد بحيرة: "ليس سهلاً على شاب في هذا العمر أن يعلم أن أمه حاملاً من أبيه"
أمسكت منى وسادة وضربتها نحوه تأمره أن يصمت ويرحم زوج ابنتها من تعليقاته..
تدخلت مريم من جديد وهي تشير نحو بدور: "لا تغضب يا نزار أنت لست المعني، ولكني أشعر بالحقد والرغبة في قتل أحدهم، وأولهم والدتك وبدور.."
أجفلت بدور التي قالت بتعجب: "وما دخلي الآن؟ هل أنا من جعلتها تحمل؟"
ضحك راشد بقوة على القول المريب كما فعل جميعهم.. ولكن الضحكة العجيبة بحق كانت لسبَنتي الصامتة طوال الوقت ..إذ أنها ضحكتها علت عليهم جميعاً ..عيناها كانتا تدمعان بقوة وهي ترجع رأسها على صدر خالد وتمسك بطنها بيد ويدها الأخرى تشير لنزار بمنتهى الهزلية ثم هتفت أخيراً من بين قهقهتها: "أم الدكتور نزار حامل ..لا أطيق صبراً قبل أن أخبر طلابه"
قطعت كلماتها من جديد ثم انهمرت في الضحك وهي تشير نحو نزار..
همست هناء بامتقاع وعيناها تدمعان: "يا ويلي"
قالت مريم من جديد ولم تعر سَبنتي التي يحاول خالد السيطرة على يدها المرفوعة ويكمم فمها لتلتزم الصمت بفشل تام: "كنتِ تعلمين يا بدور ..لو أخبرتني قبلاً ما كنت تحدثت"
رفعت بدور كتفيها بحيرة ثم قالت ببطء: "آه هذا السبب.. عذراً يا مريم لم يعد يستهوني التدخل في حياة أي إنسان ولو على سبيل الطرفة"
هتفت مريم بتصلب: "ولكن هناء صديقتي أنا.. أمي.. وعمتي أنا وحدي أولى أن أعرف خبر حملها"
تحررت هناء من خنوعها وهي تلقي طبقاً فارغاً نحو مريم هاتفه بشرر: "وأنتِ صنتِ مكانتي تلك، يا مفضوحة الوجه, عمى الدبب يلف لسانكِ وعقلكِ"
هتف نزار بخشونة وقوة: "هل ارتحت الآن يا كبارة؟ هذه هي نتائج أفعالك التي لبستها وحدي"
صمت ثم استدار من جديد وهو يقف نحو الجميع هاتف بسيطرة: "نعم أنا أنتظر أخ جديد في عمري هذا ..وللحقيقة أنا فخور وسعيد بقدومه.. فهلّا صمت الجميع؟"
قال جوشوا بهدوء: "وأخيراً قول عاقل منك, لقد أشعرتني أني ارتكبت فعلاً فاضحاً لا يغتفر"
تنحنح راشد وهو يقول بصوت عميق ..ومتلاعب جداً: "أحسنت صنعاً يا بروفيسور تستحق الفخر والله، صحيح هؤلاء هم الرجال.. ثلاثة أشهر وظهرت بشائر مجهوداتك .." عفارم"
صمت لبرهة وهو ينظر لخالد ونزار الذين بادلاه النظرة بارتياب وتوقع قول سيحطم جبهتهما أرضاً وقد فعل عندما عاد من جديد يذكرهما بتلكؤ: "لم تأتي من الغيلان.. من يراهما يوم طلبهما الفتاتين مني يتوقع أنهما سيأتيان بعصبة من الأطفال بعد شهر واحد على الأكثر ..صحيح لا تجعل الأطفال يقومون بلعب الكبار فأنت لن تأخذ منهم إلا الفشل والثرثرة ببطولات وهمية"
تراجعت شيماء تختفي بقوة وراء ظهر نزار الذي هبط جالساً بإحباط..
وأطرقت سَبنتي أرضاً وهي تكور نفسها كلها تختفي بين ذراعي خالد.. والذي ظهر غضبه سريعاً وهو يقول مدافعاً بغير سيطرة: "لا أسمح لك.. فاللعيبة بكامل تركيزهم.. العيب في الملاعب"
كان مالك في هذا الوقت يراقب الموقف المرح بهزلية وبكل هدوء يتناول طعامه حتى سمع قول خالد ..فهتف بخبث علّه يجعل راشد يقوم بفعل متهور ويمنحهم مزيداً من التسلية: "آه إن كان العيب في الملاعب ..أعدها لمالكيها الأصليين ولا تتعب نفسك"
قال راشد على الفور: "اقتراح جيد, وأنا بصراحة أرغب في استعادة صغيرتي وصديقتها"
نظر خالد ونزار نحو مالك بشرر.. بينما همس جوشوا لهناء بتآمر: "الحمد لله لقد نسوا أمركِ"
ولكن منى وقفت من مكانها وهتفت بصوت قوي مسيطر: "العذر من الناضجين هناء.. سيد إيهاب.. بروفيسور، أما البقية فليلتزم الجميع الصمت لأني أصبحت على حافة الهاوية.. وأقسم لن يعجبكم رد فعلي"
أومأ الجميع لها برهبة ..التفت منى نحو سَبنتي وقالت: "وأنتِ قومي بتشغيل هذا الفيلم ودعينا ننتهي من هذه الليلة.. غلطة عمري أن جمعتكم مع بعضكم يا حفنة من المجاذيب"
انكمشت سَبنتي بخوف وهي تضع الجهاز سريعاً على ساقيها الموازية لساقي خالد الملتفه حولها في جلستهم ...ثم شغلته في لمح البصر..
تنفست منى ببعض الهدوء ثم قالت: "لا يتحرك أحد من مكانه وتناولوا الطعام كعائلة طبيعية لمرة واحدة بعمركم البائس"
كانت أدلين تراقب ما يحدث منذ وقت منتظرة أي أحد أن يفسر لها ما يجري من صخب بعدم رضا ..وعندما بدأ هذا الفيلم العائلي ..استطاعت أخيراً أن تقول بهدوء: "هل يمكن لأحدكم أن يفسر لي سبب هذا الاستعار بينكم؟"
كانت نوة أقربهم لها.. عندما خبطتها قاصدة بمرفقها مقدمة لها بعض أعواد الجرجير ..ثم قالت بالإنجليزية بترجمة حرفية لا تصلح: "كلي أنتِ يا أدي يا أختي ولا تعولي هم شيء ..نحن عائلة في بعضنا.. الأمر لا يخصكِ"
قفز أدي من مكانها وهي تنفض ملابسها بقرف ..ثم نظرت إليها بحنق.. بادلتها إياه نوة بغمزة وهي تشير لها نحو بدور وراشد المتجاورين..
أخذ راشد إياب على ساقيه يضمه إلى صدره وهو يتحايل عليه ليفتح فمه بينما بدور تحدثه برقة ليتناول طعامه..
"أرأيتِ.. ها هم ثلاثتهم أسرة كاملة لا مجال فيها لأي شخص غريب يبدد شملهم"
ابتسمت أدلين بسخرية بحته
فلم تمنحها نوة اهتمام اخر وعادت ترتاح على ذراع مدحت الذي داعب رأسها مبتسماً راضياً, بينما ارتاحت ليم على ذراعه الآخر.. ولوليا وضعت رأسها على قدميه متسطحة.. همست نوة بهدوء شديد: "الزوابع لا تنتهي في حياة أي رجل، ولكنه سريعاً ما يكتشف زيف الوجه المطلي بالبراءة مخبئاً وراءه الخبث والحقارة لتحطيم البيوت العمرانة ....أم الأولاد دائماً من تربح ..ماذا تفهمين أنتِ يا أدلين عن ما عاشاه سوياً؟ عن الإحساس الذي يهزم كل الأحاسيس فور أن تضعي بين يديه طفله الأول؟"
*****
انتهى الهرج أخيراً وقد أسدل طرف الستارة على باب المقصورة ..وعم ظلام نسبي يبدده ضحكاتهم المختلطة مع أولادهم وأحبائهم ...وحصلت منى على صورة مصغرة تدمع لها الأعين حتى وإن كانت لمجرد يوم واحد ..فصورتها التي طاردتها طوال عمرها أخيراً تتجمع قطعها لتلتحم دون تشويه هذه المرة ..فها هم كل أولادها يتجمعون ما بعضهم البعض كل واحدٍ منهم يحمل داخل صدره وطناً يعين به أخيه على غربة الحياة..
...................... :S_45 :
يتبع الان ......


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-21, 12:51 AM   #7698

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الجزء الثانى من الفصل السابع والخمسون المشاركة "2"

بعد المغيب...
توجه راشد للإسطبل من جديد وبداخله نية واحدة، أن يحفظ مفاجأته التي رتبها لوقت آخر يكون مناسباً وأكثر هدوءاً حتى يجعل منها ذكرى مميزة لا ينغصها أي شائبة مثل تواجد أدلين..
أطلق نفساً مشحوناً من صدره وهو ينظر للشمس في كبد المغيب هامساً بلا صوت: "لطالما كرهت الظلام.. لم أرهب التبحر فيه يوماً إلا أني أكرهه.. فلما لا تبقي قليلاً تبثين بضيائكِ بعض الأمل؟!"
هل أخطأ بحساباته وجلبه لأدلين هنا اليوم؟!
والإجابة تتأرجح بين نعم ولا.. بين الأمنيات والواقع المتعب.. إلا أنه لا يشعر نحوها بالذنب ولو للحظة فهو لم يمنحها أي أمل..
أدلين ليست امرأة غبية بل ذكية زيادة عن الحد ..حد معرفتها أنه يستخدمها اليوم لغرض واضح وصريح ..ولكن هل تزلزل حجره الصوان؟
والإجابة الساخرة أتت من أعماقه نافية بالرفض..
قطع أفكاره الأحادية أحد الساسة وهو يقول: "سيد راشد هل أجهز الخيل؟"
نظر إليه راشد بهدوء ثم قال: "جهز الميراس وابنه فقط وأخرج فرس هادئة ..والضيفة الجديدة أعدها لمكانها المخفي فلا حاجة لنا بها اليوم"
أشار السائس نعيم الذي بلغ من العمر عتيه إلا أنه لم يفكر يوماً في ترك مكانه بالمزرعة أو أن يتخلى عنه راشد.. لقد أصبح جزءاً من المكان ..جزء رعي الخيل في غيابه الطويل كما كان أيام والده الراحل..
قال نعيم: "لقد جهزها الصبي بالفعل يا بيك ..وبصراحة الفرس تحتاج لأن تتعرف عليكم وعلى صاحبها الجديد.. ربما هي مروضة لكنها تستوحش المكان"
أطرق راشد لبرهة مفكراً: "المشكلة يا نعيم أن صاحبتها ما زالت تستوحش وتنفر فكرة الانتماء من جديد، فكيف سيكون حال الخيل؟!"
نظر إليه من جديد وقال بخفوت: "نفذ ولا تجادل.. لا حاجة لنا بها اليوم"
لكن مخططه فشل بكل بساطة عندما وجد أدلين تقف خلفه من اللامكان ..ثم تندفع دون تخطيط أو استئذان تنظر للفرس التي كان يتقدم بها الصبي بالفعل لداخل السياج..
تعلقت عينا أدلين كما يداها نحو الفرس رائعة الحسن بقوائمها الأربعة المنصوبة بكبرياء وزهو بلونها الذهبي الموحد لا تتخلله شائبة.. ترفع رأسها ويتماوج شعرها الناعم وكأنها تعي أنها فتنة للناظرين..
هتفت أدلين بجزل: "رائعة.. فاتنة.. تسرق الأنفاس.. هل يمكنني..."
إلا أنها لم تكمل طلبها إذ هدر راشد بنبرة جعلتها تقفز من مكانها: "لا"
حدقت فيه أدلين مبهورة الأنفاس, تكبح رجفة إثارة وكأن تلك الوحشية التي أحرجها بها بدل أن تجعلها تغضب من قلة ذوقه ..أسرتها فيه بشيء جديد شهواني.. همست بإغواء: "أرغب بها"
كان لهيب مستعر يسكن عينيه وهو ينظر إليها بطريقة فسرتها خطأ.. حتى قال ببطء: "لها صاحبة لا أظنها ستقبل بها إن عرفت أن أحداً سبقها إليها"
قالت أدلين بتلاعب وهي تمرر يدها على ظهر الفرس ببطء متحدي يحمل الإثارة بين طياته: "يمكننا المشاركة ..أو ربما تنازلها هذا سيكون مكسباً حصرياً لي"
ظل راشد ينظر لها لدقيقة حتى انفجر في ضحك ساخرة بشدة أشد غرابة من هذا اليوم العجيب ..وليته ما ضحك.. إذ أن ضحكه وحركات أدلين الوقحة أمامه مؤكد فسرت خطأ ..عندما شعر باندفاع إياب نحوه يتعلق به وهو يهتف: "قال خالي أنك تريدني وماما ..هي رفضت ولكني تحايلت عليها"
رفعه راشد نحوه وهو يقول دون مرح: "أحسنت بإقناعها يا بطل"
هتف إياب بحماس: "هل ستجعلني أصعد معك على ظهر الجواد إياب؟"
قال راشد بهدوء: "الجواد إياب لإياب وحده.. أريد منك أن تصعد عليه كالفارس الواثق من كبح لجامه"
ضيق إياب عينيه بعدم فهم.. فقال راشد مداعباً وهو يستدير نحو مصدر عذابه الأوحد: "يوماً ما ستكبر وتفهم كفاية دون حاجة للشرح"
رفعت بدور وجهها إليه.. كانت جامدة الملامح, باردة الإحساس، مظلمة العينين بشكل يثير في قلب أعتى الرجال الرجفة.. لقد تعرفت عليها.. هذا الشجن بين ظلام عينيها لم يكن عرضاً.. وهذا الوجه الذي احتله الجليد كان يخفي بين طياته ألماً جماً..
سبحان من أبدع خلقكِ ومن وضع فيكِ كل هذا الفتنة التي تقيد القلب داخل حلقة يئست من مقاومتها ..يكاد يقسم القلب الذي يهفو ورغم مسحة الحزن التي مرت سريعاً داخل مقلتيها ..أن العمر عاد به لسنوات طوال حين كانت شابة متهورة مقبلة على الحياة تستقبلها بكل قوتها واندفاعها.. محمية داخل صدره ..هل مر في عقلها كما تذكر هو يوم ولادة حرة لذا يحدق في وجهها وقد استعاد صباه ؟
اقتربت بدور منه وإياب ثم أسندت ساعديها على السور تنظر قليلاً بتركيز نحو أدلين والمهرة ..ثم استدارت إليه بجانب كتفها بوجه هادئ ونظرات طاحنة في برودها.. وقالت أخيراً بتهكم: "قدرة جديدة لديك أكتشفها الآن.. كيف أيقظت الأموات؟!"
هل هذا رد فعلها فقط؟! لا, لم يتوقعه.. ليس هذا ما حلم به حينما تتبع سلاسة حرة بكل عزيمة ..عندما رصد مالاً وجهداً ضخماً لمتابعة مالكي سلالتها، حتى يتم استيلاد أخرى مطابقة تماماً للمغدورة..من بلد عربي
لا.. هو لم يتوقع هذا.. لم يضع حساب لجرح عميق سكن أضلعه بعد كل الإثارة التي توقعها وحلم بها يوم أن تقع عينيها على الفرس ..فقط كل ما تمناه ابتسامة صغيرة ..ابتسامة حقيقية فرحة تعيد الوهج لعينيها ..فتخلع قناع التبلد، وتعيد الحياة لقلبه الذي تعب..
تنهد وهو يقول بإيجاز: "كنت أفضل أن يكون السؤال بشكل آخر"
ابتسمت ببطء مميت ثم قالت: "وكيف تفضله؟ أن أتعلق في عنقك وأخبرك واااو لقد حققت المعجزة وأعدت كل شيء كما كان، وطويت الصفحات الكئيبة؟!"
لم يحركه استفزازها بل قال ببطء خافت: "نعم، هذا تحديداً ما أريده"
ملامحها كانت ساكنة وهي تقول بصوت هادئ: "ولكنك لم تفعل لتحصل على أمنيتك.. لا أنت طويت صفحة، ولا أعدت الأموات"
قال بهدوء دون أن يرف له جفن من تباريها: "الأموات لا يعودوا, لا يتحدثوا، ولا يعوضوا.. ولكن يمكن أن نجد لهم بديلاً نبدأ به صفحة جديدة"
نظرة الغضب في عينيها ماثلت اللهب.. لا تريده أن يقول هذا، أن يلوح حتى بالأمر ..حرة لم تكن مجرد فرس خبئت فيها شطراً من روح قصتهما وتمنت أن تبقي أبد العمر شاهدة على حب صباها وحب عمرها.. كيف أتى لعقله أصلاً أنه يستطيع تعويضها؟؟
قال راشد بصوت أجش عندما طال صمتها وهو يقترب منها: "ادخلي على الأقل وتعرفي عليها"
تراجعت خطوات وكأنها تنفر حتى من فكرة أن يمسها في هذه اللحظة.. ثم هتفت بصوت خشن أجوف سرى في أوردته كخرير الشلالات المؤذي: "حرة لا بديل لها، لكنك كالعادة أكثر غروراً من أن تعرف ..لقد انتهت, ماتت وبيدك ولا بديل للتعويض ..هذا المسخ الذي أتيت به لا شيء ..لا شيء إطلاقاً.. مجرد مسخ وبديل باهت"
توتر إياب على ذراعه مندساً في صدر أبيه بقلق ..بينما وجه راشد في هذه اللحظة لا يمكن وصفه إلا بشعور واحد رجل يتألم ..يتألم بعمق.. مكسور الخاطر بشكل مريع حد أنه لم يعد يسيطر على واجهته المتحكمة بالعادة..
توسعت عينا بدور باهتزاز أخيراً وندم داخلي يغزوها وهي تنظر إلى ابنها ووجهه هو.. ما الذي حصل معها؟ كيف فقدت تحكمها؟ لا لم تكن الغيرة ما تحركها نهائياً ..ولكنه اختار بديلاً موجعاً.. ذكره ناحره وفي وقت خاطئ.. خاطئ للغاية..
هل هذه محاولة لإزالة قيح الجروح التي حكى عنها ..لقد كواها لتوه بمادة حارقة لا تتحملها روحها ..لا ليس حرة.. ليس هي..
سمعت صوت أدلين يقترب وهي تنقل نظراتها بينهما بقلق حقيقي ثم سألت بلطف: "هل هناك مشكلة؟"
رغم أظافر راشد التي حفرت عميقاً في طرق السياج حتى أنه جرح الطلاء الجاف وربما ألحق بنفسه الأذى.. ولكنه لم يلتفت لأدلين ولم يقم بأي رد فعل عنيف كالماضي عندما كانا يتباريان.. بل فقط أعينهما علقت ببعضها.. يصولان ويجولان في حرب صامتة.. حرب مرعبة.. حرب الضواري..
تكلم أخيراً بصوت هادئ بعينين واثقتين صلبتين نفذتا كالسيوف الحادة.. عندما قال بالعربية: "محدودة النظر، عالية الأنا كعادتك ..دعيني أخبركِ أن لكل شيء في الدنيا بديل أكثر حياة، وأكثر دفئاً.."
لم ترمش وهي تقول بنبرة قاتمة: "إلا أنه يبقى نسخة باهتة.. مجرد بديل"
قال راشد بنبرة كالوتر المشدود: "لا ....بل يمكن للبديل أن يُعوِّض ..يمحو مرطب الأفئدة المعطوبة ..ويزرع الأرض التي طال جفافها وروداً.. ربما لن يمحو وجعاً ..يُنسي غصةً ..إلا أنه مؤكد يساعد جيداً على التناسي حتى يمسح الأصل بممحاة مع مرور الزمن ..وتبقى النسخة الباهتة هي كل الأصل"
صمت راشد ينظر إلى ملامحها المبتسمة بتكلف وساكنة بأعجوبة ثم قال من جديد من بين أسنانه: "هل تعرفين ما تسطيع الممحاة فعله يا بدور ..أم سيفهم عقلكِ الغبي حين ترين بأم عينكِ؟"
أخذت بدور نفساً طويلاً.. نفس من يقاوم الغرق لآخر نفس ثم قالت بنبرة ثقيلة: "أعرفها عن ظهر قلب يا ابن العم.. إذ أني استخدمتها قبلك ومحوت كل زيفك عني"
فتح راشد شفتيه مطلقاً ضحكة خافتة للغاية, مستهجنة, مستهزئة وقصيرة.. ثم أمسك ابنه يقبله على وجنته سريعاً ويمنحه لها وهو يقول: "جيد إذاً ..كلانا بخير والحمد لله.. أراكِ لاحقاً فوقتي مُلِئَ لتوه بالبدائل ..أما أنتِ وحبيبي إياب يمكنكما فعل ما تريدانه.. أراكما لاحقاً"
أمسك إياب بتلابيب قميص أبيه رافضاً تركه حتى وهو يستقر بين ذراعيها.. بعثر راشد شعره ثم قال بهدوء: "عذراً يا بطل ،الأمر خرج من يدي ولن أستطيع اصطحابك اليوم دعنا نؤجلها ليوم آخر"
"لا أريد.."
أبعدت بدور يد ابنها تضمه إليها وهي تهمس بالقول: "لا بأس حبيبي، سأصعد أنا معك"
أراح إياب رأسه على كتفها ولكن لمحة الحزن في عينيه نالت منها بصمت..
انحنى راشد من جديد نحوها ثم قال بلهجة لاذعة: "سأترك الميراس لكِ، لم تعد لي حاجة للأصول يا أصيلة"
ثم ابتعد راشد خطوات أمام عينيها وهو يقول بالإنجليزية: "هيا أدلين.. أريد أن أريك أطراف المزرعة قبل حلول الظلام.. علّ الوفاء بالوعود معكِ يكون أول درس أطبقه على أرض الواقع"
تلكأت أدلين لبرهة وهي تنظر للفتى بين ذراعي أمه بلمعان.. ثم مدت يدها تداعب شعر إياب ..إلا أنها وجدت ذراعها تُبعد في لحظة ويد عفية غاشمة تقبض عليها..
نظرت لوجه بدور المتوحش ببعض القلق وتمتمت: "أرغب في إسعاده.. كنت سآخذه معي"
عقدت بدور حاجبيها بشدة ثم قالت بنبرة قوية: " ستسعدين الولد وأباه دفعة واحدة.. هذا عمل كثير عليكِ يا أدلين, لن أقبل به"
لم تكن أدلين امرأة خانعة ومؤكد لم تكن مثل القذرة التي رأتها معه ثم اختفت خوفاً من مواجهتها ..لذا لم تستعجب عندما قالت بنبرة واثقة أقرب للوقاحة: "كل ما يبهجه ويجذبه إليّ سأفعله بكل سلاسة.. ومن الواضح أن هذا الفتى هو كل ما يهتم لأمره"
الشيء الجيد الوحيد الذي تحمد الله عليه أن ابنها لا يفقه حرفاً من اللغة الإنجليزية.. لذا أنزلته تبعده عنها بلطف ثم عادت نحو أدلين.. ودون مقدمات أمسكتها بقرف من تلابيب قميصها الضيق ..ثم قالت بلهجة بطيئة خطرة: "أتعلمين شيئاً.. تعيسة حظ أنتِ، لقد أتيتِ بعد اعتزالي، لذا لا تعلمي ما أنا قادرة على فعله، لا يغرنكِ ملابسي الأنيقة برنسيس.. لأن تحتها أنثى همجية قد تدفعكِ لنحر عنقكِ بيديها العارية إن أرادت"
حاولت أدلين إبعاد يديها عنها لكنها فشلت وهي تقول بنبرة متشددة: "ظننت أنكِ متعففة، ما الذي حدث لا لن أصدق أنكِ من الحبيبات المطاردات بهوس؟"
طوت بدور ملابسها بشكل أعنف حد أنها جرتها على طرف السور ذي السطح المسنن مهددة بإيذاء أجزائها المكشوفة بوقاحة.. ثم قالت مدعية الدهشة: "ماذا؟! مطاردات.. لا حبيبتي.. إن استطعتِ مبارك عليكِ.. بدور الراوي لا تهزها أي امرأة مهما كانت ..ولكن من تحدثكِ هنا أم.. أم حبيبي الغالي، وهو كل ما يهمني هنا ..لذا نصيحة مني إن أردتِ أن يبقى وجهكِ الجميل هذا ثابت على جمجمتكِ.. فأبعدي يديكِ العفنة كما نواياكِ عن ابني ..وإلا أقسم أن أقطعكِ إرباً.. هل تسمعين.. إياب خط أحمر"
امتقع وجه أدلين بشدة بينما تنظر لها بتوجس ..إلا أن بدور كانت قد فرغت تماماً عندما تركتها بنفس قوة إمساكها بها, وتراجعت عائدة للمكان الذي دفعت إياب إليه ..ثم حملته من جديد وهي تنظر إليه كأن شيء لم يكن وهي تقول بحماس: "ما رأيك هل تريد أن تجرب ركوب الميراس؟"
قال إياب: "بابا قال أنه خطير"
قالت بدور وهي تتوجه به نحو مكان الميراس: "لا تقلق يا بطل ماما تجيد ترويض الخطرين.."
صمتت قبل أن تنظر لأدلين التي كانت بالفعل قد أمسكت بلجام أحد الخيول.. ثم غمزت وهي تقول ضاحكة: "وتحطم أنوفهم وتمزق جلدهم"
شمخت أدلين برأسها بكبر ولكنها لم تدارى شحوب وجهها رعباً من التهديد الجاد ..
غمزة لها بذور بعينيها من جديد ثم استدارت تنظر لأبنها الذى
صفق بحماس وهو يستسلم ليدها التي وضعته على السرج.. و أخذت اللجام من السائس وشكرته بغاية اللطف والوداعة ..ثم ما لبثت أن صعدت الميراس في قفزة واحدة موزونة تثبت إياب جيداً بين ذراعيها وهي تشد اللجام بقوة.. صهل الميراس وارتفعت قوائمه مرتين..
انتفض لها قلب راشد الذي كان يمتطي جواداً من سلاسة أخرى.. وقبل أن يصرخ فيها ألا تتهور كان صوت حوافر الميراس يضرب فوق صدره هو لا الأرض مخلفاً ورائه سحابة رافقت ضحكات ابنه الخالية من الخوف ..وبهجة والدته التي تهتف فيه بحماس الوعود..والحماية من كل الخطر ..
تجذب أنظار الجميع لها وابنها الذي تحتويه بين أضلعها بأعجاب لا يقبل التفاوض .. مخلفة على وجه راشد تقوس على جانبي فمه شابه ابتسامة: "ليس من العدل أن يكون كل هذا التعنت والغباء في امرأة جامحة تخلف في القلب علة.. لا ليس عدلاً"
صحح لنفسه بالهمس الفخور: "بل فرسة جامحة تطلق لنفسها العنان أخيراً، بعد أن ألجمت مروضها"
.....................................،،،. [color="green"]يتبع الأن[/color]
.


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-21, 12:56 AM   #7699

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الجزء الثانى من الفصل السابع والخمسون المشاركة "3"

كان الوقت يقارب منتصف الليل عندما لاحت أخيراً أنوار العاصمة المتراقصة بإغراء للنفس أن يغرق فيها ولو لليلة، يتوه بين خمرها المسكر.. علّ شيء من ألم روحه يخف، وحمله الثقيل ينزل عن أكتافه..
اشتدت سلاميات راشد على المقود بينما فمه يتقوس بغضب مكتوم, متذكراً النظرة الوحيدة التي منحتها له عندما عرض على أدلين التي لم تحتاج للطلب أن يوصلها بنفسه ..
"قاسية.. غبية" تمتم من بين أسنانه، وهو يرنو بنظرة خاطفة نحو مرآة السيارة ..مدركاً الآن أن طريقه وجوشوا الذي كان يقود خلفه قد افترق.. إذ أن البروفيسور يثق به ثقة لم يجدها من أي أحد من أفراد عائلته الذين اسودت وجوههم عندما همّ بالانصراف..
لقد تركهم هناك يبيتون ليلتهم ..كما كان ينوي طبعاً طامعاً بليلة أخرى يقضيها تحت سقف واحد معها هي وابنه ..حتى وإن كان اتفق مع أنسبائه أن يقضوا ليلتهم بالسهر خارجاً ويتركوا المنزل للنساء حتى يتصرفن بحرية ..ولكن كل شيء تبدد بعد هذا اليوم الطويل الكئيب، الذي ملأه بالقهر والغضب ..غضب حارق لا مثيل له.. كل أفعالها وردود أفعالها كانت في كفة، واليوم كان بحسابات أخرى تماماً..
لم يستطع البقاء دقيقة واحدة معها في مكان واحد يجمعهما إذ أنه يقسم إن أكمل هذه الليلة.. ما كان شيء ولا أي قوة بالعالم ستمنعه من تحطيم رأسها لقطع صغيرة ثم لملمته ببساطة.. وإعادتها لعصمته رغم أنفها المتعجرف ..
بالطبع جوشوا ونزار فور رؤية انسحابه مع الأميرة ..اكفهرت وجوههما ولم يقدرا على البقاء.. ربما جوشوا تفهم تماماً دوافعه وطبيعة أخته.. لكن الشاب نزار كان أكثر اندفاعاً بل بالواقع كان على وشك ضرب عمته بكل رعونة بعد عرضه أن يوصلها بنفسه لأي مكان ولكنها رفضت.. من الجيد أن والده سيطر عليه ولا يعرف الحقيقة كيف ..ولكن من الجيد أن اليوم انتهى بغير ضحايا ..إن لم يَعُدُّ قلبه طبعاً ..
:-"النساء في عائلتك مريبات بصراحة"
رد راشد ويده تحرك ناقل السرعة: "كان يجب أن ترينهم على طبيعتهم"
قالت أدلين بنبرة تصنعت فيها القلق: "لقد أخافتني طليقتك قليلاً.. ولكن لا بأس يمكن التعامل معها ببعض اللطف المقابل"
تنهد راشد ولم يرد ولم يلتفت إليها حتى ولكنها تقسم أنها رأت ابتسامة خفية مريبة تتراقص على فمه الشهي..
تكلمت أدلين من جديد: "ابنك لذيذ للغاية ..ولكن أظن أني سأحتاج وقتاً لكسبه"
ما بال هذه المجذوبة تتحدث وكأنه عرض عليها الزواج بالفعل أو كأنه أخذها لتتعرف على عائلته؟! هذا ما كان ينقصه.. يقسم أنه لم يعد يحتاج حتى لقشة فوق حمله..
وجّه راشد رأسه نحوها أخيراً ثم قال ببساطة ووضوح: "لم آخذكِ لتتعرفي عليهم أدلين"
رفعت أدلين ذقنها بغرور ثم قالت بنبرة باردة: "ماذا كان الهدف إذاً؟"
قال راشد بنفس البساطة: "أن أريكِ أنه لا يمكنكِ أن تكوني جزء من الصورة بأي طريقة، عائلتي مكتفية بكل فرد فيها ولم يعد هناك مجال لأي فرد غريب"
تصلب وجه أدي وهي تنحني نحوه قليلاً ثم سألت بنبرة كانت تأكيداً أكثر منها استفساراً: "ستخرج منها إذاً متحرراً لنصنع صورة خاصة بنا؟"
كانت ملامح راشد خالية من أي انفعال عندما قال بهدوء شديد: "أنا من فصيلة الضواري يا أدلين ..والوحوش إن تركت بيئتها الطبيعية ومملكتها في الغابات الموحشة يصبح مكانها الأقفاص وترويض السرك ..هل ترين بي أي مبشر يجعلني صالحاً لتسلية الناس ثم الموت بخزي؟"
ضغطت أدلين على شفتها السفلى بقوة ثم قالت بخفوت: "لا أظنك من النوع الذي يخضع لكرباج مروض"
سكنت عينيه ابتسامة خطرة ناعمة ثم قال: "إلا أنه يمكن ترويضي برضاي الكامل من شريكة قوية تمتلك روح النمور"
نظرت إليه بعينين خضراوين متشددتين ثم قالت: "إلا أني أحمل روح الإسكندنافيين ..أليس هذا يفوق ذكاء هوجاء الوحوش؟"
رفع كتفيه ثم قال: "ربما ..لكن الروح وما تهوى"
أحست أدلين بذلك الدوار الغامض يعود يلفها من جديد يجعلها تتخبط في مهب الريح ..وهي ترفض بكل قواها أن تلعب في منطقة لا تعرف إلى أين تقودها لذا قالت بوضوح شديد: "إذاً أنت تتلاعب بي يا راشد لإثارة غيرتها"
هز رأسه وهو يردد باستهزاء: "أتلاعب ..وإثارة غيرة!"
جزء أنثوي دفعها لتقول بنبرة أشبه بالتوسل أن لا يخيب أملها: "ماذا عليّ أن أفهم إذاً من كل هذا, من اليوم بالذات؟"
كانا قد وصلا بالفعل لمكان إقامتها لذا أوقف السيارة في مكان جيد بعيداً عن باب الدخول حتى يتاح له ما يريد قوله براحة..
التفت إليها يواجهها بالكامل ثم قال أمام نظرة الأمل في عينيها: "أنا لم أمنحكِ أي أمل يا أدلين ..لم أتلاعب بكِ بأي طريقة، أنتِ من قدمتِ عروض لم ألوح لمرة واحدة أني قد أتقبلها"
رفعت له عينين كالزجاج وهي تقول بوضوح: "ولكنك لم ترفضها، الشهور الماضية أكبر دليل على هذا ..اسمع يا راشد لقد أخبرتك أني امرأة صريحة جداً، لذا أنا أعلم أنك لم تتخلص من معاناتك مع طليقتك.. ولكن..."
صمتت فحثها أن تتابع وهو يقول بخفوت: "لم أمنحكِ أي شعور يدفعكِ لرسم الأحلام"
قالت أدلين بابتسامة اهتزت أخيراً وخلت من الثقة: "لم أعني هذا تحديداً ..قصدت أني ربما توقعت أنك بالفعل تقاوم للخروج من مأزقك معها"
تنهد راشد وهو ينظر للبعيد ثم قال بنبرة بطيئة: "احتراماً لأخيكِ فقط، سأكون صريحاً معكِ أنا الآخر لننهي هذا الأمر والآن"
ابتلعت ريقها الجاف ثم قالت: "سأقدر صراحتك ولن تجد من جانبي إلا كل تفهم واحتواء"
تحركت عضلة جانب فمه لم تفهم سببها ثم قال أخيراً بنبرة متشددة: "هي ليست طليقتي كما كررتها مراراً, ما يربطنا أعمق من أبعاد كلمة منفرة على قلبي.. هي أم بني وابنة عمي.. المرأة الوحيدة التي أحببتها، وما أنا أكيد منه بعد كل ما مررنا به أني لن أعشق سواها"
لم تقبل أدلين حتى أن تتفهم كما ادعت ما يقوله لذا نطقت بنبرة ناعمة خبيثة: "أخبرتك أيضاً أني لا أصدق هذا العشق الحصري"
نظر إليها وهو يضيق زوايا عينيه ثم قال بجفاف: "صدقي إذاً ..لترتاحي وتعفيني من هذا الحرج ..حتى اللحظة أنا أحسب حساب لثقة أخيكِ.. ولكن لا أضمن إلى أي وقت سأحتمل.. فالتحمل ليس من عاداتي سموكِ"
قالت أدلين بصوت أخذ بعض الحدة: "هل تحاول أن تنفصل عني خوفاً من تأثيري عليك.. هيا راشد أنا أعرف جيداً ماضيك كله، كما لن تخفى عليّ كامرأة نظراتك التقديرية لـ... دعنا نكون أكثر تهذيباً وأقول فتنتي"
نفخ بنفاذ صبر ثم قال بتماسك: "لن أنكر أنكِ أثرتِ على النظرة الذكورية بداخلي"
اختفت الحدة وهي تنظر إليه بنظرة مسكرة راضية ..إلا أنها انمحت سريعاً حين قال بنبرة جافة مستهزئة: "لكنها ليست شيء مميز، فالجمال ملقى على الأرصفة.. وفي وضعي تحيطني الفتنة الرخيصة من كل جانب، لذا إن كنت نظرت إليكِ مرة أو اثنتان ..وهذا لم يحدث يا أدلين أطلاقاً ..ولكن دعيني أخبركِ عزيزتي أن الأنسان الجائع يقبل بأي وجبة رخيصة مهما كانت سُمّيّتها ليسكت جوعه.. ثم بعدها يذهب لأي طبيب ليعالج نفسه ..وبعدها يتعلم درسه أن لا يقبل بمنتجات الطريق وإن تعلق الأمر بحياته"
غضبت وهي تقول بنبرة وحشية: "الزم حدودك، أنا لا أقبل بأن تتحدث معي بهذه الطريقة"
لم تهتز عضلة في وجهه وهو يقول بقرف: "أنتِ من بدأتِ"
شحبت أدلين ..وهي تمرر يديها على كتفيها العاريين ..ثم عمّ صمت نسبي بينهما قبل أن تقطعه وهي تقول بنبرة متماوجة: "هل أعتبر هذا خط النهاية؟"
قال راشد بهدوء: "لم أعدكِ ببداية.. وذرة احترام متبقية لديّ تجاهك هي ما دفعتني لأن أضع حداً لما يحدث"
ولكنها لا تريد احتراماً ..لا ترغب في اعتذار باهت.. ما زالت تنظر إليه بشعور مختلط.. تفتقد حلماً أوهمت نفسها به في الشهور المنصرمة.. هي لم تعتد الهزيمة مطلقاً ..لم تكن أنثى رخيصة تطارد رجلاً, لطالما طاردها من هم أوسم منه وأكثر جاذبية حتى أنهم أعلى مكانة اجتماعية ..إن قارنت نسبه العادي بالأمراء ذوي الدماء الملكية الذين طلبوا ودها.. ولكنها تريده هو لا غيره ..ترغبه حتى وإن عنى امتلاكه وقتاً قصيراً..
:-"وإن رفضت اعترافك البارد ..وإن أخبرتك أني ما زلت أملك لك رحاباً بداخلي يبرد نيران غضبك ..ويسكّن كل ما تشعر به من إحباط ..لماذا ترفض إنسانة مستعدة للتضحية من أجلك ..لأجل أخرى لا تراك في صورتها؟"
فرك راشد جبهته بأصابعه شاعراً بالتعب حقاً ..تعب ينال من كل دوافعه وإرادته ..إلا أنه قال بصبر: "لأني لست على استعداد لأن أخرج من الصورة التي رأيتها اليوم، هذه العائلة بأكملها ملكٌ لي, إرثي الذي لن أفرط فيه من أجل أي متع شخصية فانية ..هل هذا يعد سبباً مقنعاً كفاية ..إن كانت الأنثى بداخلكِ ترفض الإقرار بهزيمة أمام أخرى لم تكن غريمة بالأساس"
قالت نافرة: "أنا لم أعتبرها غريمتي"
قال ببطء شديد: "أنتِ لا تليقي لأن تكوني غريمتها"
حدقت به أدلين بنظرة مليئة بالغضب والنار الإجرامية: "تبالغ!"
قال بقوة: "أصف حقائق"
عم الصمت من جديد بينهما ..وبوادر الانسحاب بالهزيمة بدأت في احتلال ملامحها ..تشعر بألم غير محتمل للإهانة التي عرضت نفسها لها.. ولكنها رغبت في شيء واحداً انتقامياً, شيء تجيده أي أنثى، تذكار صغير تتركه ببصمة لا تزول عنه قبل الأخرى ..رداً لإهانته.. وهو في هذه اللحظة برائحة الغضب الذي يملؤه، بالحقد الذي يتفاقم بداخله، بالنار التي رأتها تتأرجح بينه وبينها في حرب مشتعلة بالأقواس الحربية.. كان هدفاً سهلاً للغاية ..هدف لن يصعب هذه المرة قبوله بشيء يسد جوعه الذي لوح به بالسابق ..هل قال وجبة سامة؟ لا بأس تستطيع أن تكونها لمرة واحدة ..حتى وإن لم تتنازل لفعلها بالسابق ..ولكن نار أنثاها الثائرة معمية وبشدة ..لمست كتفه دون مقدمات ..لمسة كانت كفيلة لترى اهتزاز في دفاعاته، لمسة تحولت لتمرير ناعم على ساعده المكشوف من قميصه القطني ..ثم قالت بنبرة شديدة النعومة: "أخبرتك أني سأتفهم، لذا أنا شاكرة لأنك لم تتلاعب بي للنهاية ..ولكن لي طلب أخير عندك.. أتمنى أن لا ترفضه"
لم يحاول دفعها أو إبعادها بل تركها تماماً تقترب كيفما ترغب ..ثم قال بهدوء: "أطلبي ما تريدين"
أمام نظراته المراقبة قالت بنبرة خافتة: "أريد أن أشرب معك فنجان قهوة أخير.. كهدية وداع"
ظل راشد ينظر إليها طويلاً ..طويلاً جداً وشيء في وجهه يتغير، شعور بداخله ينازع حتى أعلن هزيمته ..عندما راقبته مبهورة يهبط من السيارة ...ثم يلتف ليفتح لها الباب وهو يمد لها كفه لتستند عليه.. ثم توجها نحو الفندق مترافقين غير مصدقة للحظات أنه قبل فعلاً بكل هذه السهولة ..وهي ستقدم على ما نوته من امتهان لنفسها لإنهاء الطريق معه أو أمل أخير قد. ينجح بالنهاية ان تخسر شيء ....
..وبالنسبة له هو اليأس يدفع الأنسان بالنهاية لفعل أشياء ما كان يتوقع أبداً أنه قد يضعف من جديد ويفعلها ..أن يقضي على سنوات طويلة من التوبة..
أمام باب الفندق وقبل أن تخطو قدماه نحو التفاحة المحرمة التي سيقضمها من جديد ويخرج من الجنة بأبدية.. كان يلتفت إليها آخذاً نفساً مرتجفاً متضرع حسن الغفران.. ثم قال بجمود مسيطر على ملامحه السلطانية ""نسيت إخبارك طوال هذا الوقت يا أدي ..أنا لا أحب القهوة، بل أفضل الشاي الثقيل الذي يغلي على الجمر"
*********............
يتبع الأن


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-21, 01:07 AM   #7700

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الجزء الثانى من الفصل السابع والخمسون المشاركة "4"
وعدت.

بكل برودٍ.. وكل غباء

بإحراق كل الجسور ورائي

وقررت بالسر، قتل جميع النساء

وأعلنت حربي عليك.

وحين رفعت السلاح على ناهديك

انهزمت..

وحين رأيت يديك المسالمتين..

اختلجت..

وعدت بأن لا .. وأن لا .. وأن لا ..

وكانت جميع وعودي

دخاناً ، وبعثرته في الهواء.



وغدتك..

أن لا أتلفن ليلاً إليك

وأن لا أفكر فيك، إذا تمرضين

وأن لا أخاف عليك

وأن لا أقدم ورداً...

وأن لا أبوس يديك..

وتلفنت ليلاً.. على الرغم مني..

وأرسلت ورداً.. على الرغم مني..

وبستك من بين عينيك، حتى شبعت

وعدت بأن لا.. وأن لا .. وأن لا..

وحين اكتشفت غبائي ضحكت
وعدتك أن لا أحبك..

ثم أمام القرار الكبير، جبنت

وعدتك أن لا أعود...

وعدت...

وأن لا أموت اشتياقاً

ومت

وعدت مراراً

وقررت أن أستقيل مراراً

ولا أتذكر أني استقلت...

وعدتك أن لا أحبك..

كيف؟

وأين؟

وفي أي يومٍ تراني وعدت؟

لقد كنت أكذب من شدة الصدق،

والحمد لله أني كذبت
"راشد الراوى
...................
......


خرجت بدور من المصعد ، متوجها عبر الممر الطويل ، نحو مكتبها ..بملامح لا تبشر بالخير مطلقاً.. الغضب كان يلوح في الأفق الجنون في أشد حالته العاتية...ومزاجها الناري القديم يعود على السطح مانحها هالة مع شعرها الأصفر المفرود على ظهرها وحول كتفيها وكأنها شمساً..لا ليس الشمس الذي يتغزل بها..
" الوغد "
وانما شمساً حاميةً ملتهبةً في يوم صيفي لا يحمل أي ذرة رحمة ..أو قطرة مطر تخفف على البشر معاناتهم..
وجدت قدميها ينحدران لا ارادياً نحو مكتبه ..فهو معروف انه يأتي قبل الجميع كما يغادر بعدهم ....
توجهت نحو مكتبه مباشرةً ودون طلب بالأساس إلا أن مديرة مكتبه المتوترة هتفت بصوت يملئه الخوف :" سيدة بدور "
التفتت اليها بدور وهي تجيب بشرر :" ماذا "
ابتلعت المسكينة ريقها ثم قالت وهي تتراجع خطوات خوفاً :
" السيد لم يأتي بعد "
اقتربت بدور منها بتمهل وهي تقول بنبرة بطيئة مستنكرة " اعيدي ما قلته"
هلعت الشابة المسكينة وهي تقول باختناق:
" أقسم أنه لم يمنحني يوماً خط سيره رغم اني مديرة مكتبه ..ولا أعرف لماذا تأخر "

قالت بدور باستنكار: " ولماذا ترغبي أنت الأخرى في خط سيره ان شاء الله ..هزلت والله هزلت "
رفعت الشابة اصبعها نحو وجه بدور وهي تقول بلهفة: " لم أقصد ..أقسم أني لم أقصد ما فهمت "
تراجعت بدور قليلاً وهي تنظر اليها عاقدة حاجبيها بتعجب ثم قالت مستنكرة : " مهلاً هل أشتم رائحة خوفك ..هل تخافي مني..هل أبدو مرعبة لهذا الحد "
قالت الفتاة بنبرة أشبه بالتوسل :" أبداً أبداً ..النظر في وجهك نعمة يا سيدة ..أنا فقط أكون خرقاء أحياناً "
قالت بدور باستهجان :" لا أنت ذكية ، أنا لا أوظف اغبياء "
قالت المسكينة بنبرة مضحكة:
" ما تريه سيدتي ..ما تريه صحيح "
ضيقت بدور زاوية عينيها ثم قالت ببطئ واهتمام :" هل تأخذيني على قدر عقلي "
تجمدت الفتاة وهي تصدر همهمة مبهمة ثم همست بصوت خافت للغاية :
" السيدة رباب نصحتني بعدم اغضابك"
تصنعت بدور ابتسامة هادئة مرعبة في معنها ثم قالت بهدوء شديد :" أنا لستُ غاضبة اطمئني..وأخبري السيد راشد عند قدومه اني أريده بالحال في مكتبي "

أومأت بطاعة وهي تشبك يديها أدباً ..وفور أن انصرفت بدور من
أمامها ..جلست الفتاة بساقين مرتعشين وهي تلوي فمها يميناً
ويساراً مولولة بداخلها:
" يا حظك العثر يا راشد بك ..يا خسارة شبابك يبدو أنك ستكون الضحية المسكينة في الصفحة الأولى بأخبار الجرائم بصحف الغد "
دخلت بدور مكتبها وهي تلقي حقيبتها جانباً بعنف.. ثم خبطت نفسها على كرسي المكتب ..وهي تنظر نحو السقف باختناق شديد.. تتذكر إحساسها بالندم من أجله بالأمس.. أليس هذا الوصف سخرية بحد ذاته؟!
أن تندم لشعورها بالندم، لانفرادها بالغرفة عقب مغادرته مع تلك الغانية ثم رمي نفسها على الوسائد تدفن وجهها بقوة هناك.. تطلق صرخة استغاثة ملعونة من قوة ما شعرت به من الألم لأجله..
لن تكذب على نفسها.. هي كانت تتألم وبقوة ..وقد تغذى على كل قوتها ما تكبدته للتظاهر أن كل ما حدث بدعوته لها لم تؤثر بها ..ندمت وخافت أن تكون الخيوط فلتت من يدها، أنه بعد كل هذا فشل فشلاً ذريعاً في اختبارها وعلى وشك الاستسلام ..ندمت وبكت على كسر سعادته بالهدية التي تكبد عناء إحضارها بها كالصورة القديمة..
لكنه لم يفهم ولن يفهم شعورها فور أن رأت شبيهة حرة وتذكرت كل لحظة شهدت فيها المغدورة على قصة عشقهما، على نهايتها المريعة على يده يوم مولد إياب ..ثم نهايتها هي بعدها ..هو لم يستوعب أنها لم تملك حتى وقتاً تنعي فيها حبيبتها.. أيقونة قصتها معه..
فركت بدور وجهها بعنف وهي تبتلع رجفة عنيفة تدفعها للبكاء ..مخرجة ذلك الصهد الذي يستعر بداخلها ..إلا أن كل المشاعر تبدلت الآن.. كل الندم طار على جناحي طائر مهاجر بلا هدى.. ولم يعد في قلبها إلا غل..
فتحت بدور هاتفها تنظر من جديد إلى الصور التي أرسلت إليها من جديد ..صور مع رسالة قصيرة ..في الحقيقة كانت خطوة غبية من مُرسلها وإن امتلك بعض الذكاء ما كان صاغها بهذا الشكل المضحك إذ أنها أظهرت أهدافه ..ورغم فهمها جيداً المعنى المقصود ..إلا أن هذا لم يمنعها أن تشعر بالكبت والغيظ، لذا قدمت لترى بالضبط ماذا فعل جنابه حد أن يصل بعض أعدائهم لصوره مع الساقطة بل صور متعددة..
إحداها وهو يجلس معها في السيارة ..ولقطة أخرى يبتسم لها بود، وأخرى تمسك بساعده بكل غنج ..حتى الطامة الكبرى صورة لهما يدخلان الفندق سوياً هو بملامح غير واضحة المعاني ولكن ابتسامة الانتشاء والانتصار على وجه أدلين لم تترك مجالاً للشك..
بينما رافقتها رسالة مختصرة ((انظري ماذا يفعل من صدعنا بخطبه العصماء عن الاحترام والأخلاق وحسن التربية والحرام والحلال ..إن كانت هذه أخلاق كبير العائلة ومالك شركاتها ..تُرى كيف تكون أخلاق الفارس الوهمي))
ألقت بدور الهاتف بعنف وهي تضغط على شفتها بقوة حتى لا تنفجر.. ولكنها لم تستطع الكتمان للحظة وهي تهتف بعنف: "تباً لك يا راشد.. اللعنة عليك.. غبي.. غبي.. ما الذي تحاول فعله.. اللعنة ..اللعنة"
لدقائق أخرى ظلت تتنفس بعنف بعدها أنفاس صاخبة.. عاتية تشعر بقبضة غاشمة تهشم أضلعها اختناقاً..
دخل راشد الشركة وهو يقلب في رسائل هاتفه مبتسماً بكل بساطة فقط ابتسامة مرتاحة جداً وكأن هناك حملاً على كتفيه يضغطه منذ أعوام طويلة ..وأخيراً تخلص منه بعد ليلة طويلة ..طويلة جداً قضاها في التخلص من كبت أعوام.. أخذ راشد نفساً طويلاً وهو يجيب هاتفه بنبرة مبتهجة: "صباح الخير ..آه بالطبع وصلني مثلك تماماً.. آممم وهي أيضاً علمت.. جيد جداً.. حسناً.. لا تقلق.. أنتظرك"
مر راشد نحو غرفة منال المجاورة لمكتبه وقال: "هل سأل عني أحد؟"
وقفت منال من مكانها وهي تجيبه بحرص: "السيدة طلبت أن أبلغك.."
فتح باب مكتبه وهو يقول مقاطعاً بنبرة بها بعض المرح: "حسناً ..أريد كوب ليمون طازج ومثلج ..ثلج إضافي يا منال يجمد الأعصاب قبل الحلق"
نظرت منال في أثره ببعض الذهول.. منذ متى قابلها راشد الراوي بوجه غير الوجه الخشبي المتغطرس؟ الإجابة أبداً.. هل هو يوم العجائب.. أم يوم الزعابيب؟!!
جلس راشد على مكتبه وأمسك الهاتف الداخلي يطلب رقمها المباشر ..فور أن أجابته قال: "صباح الخير يا بدور.. أتمنى أن تكوني قد حصلتِ على ليلة جيدة"
كانت بدور على الطرف الآخر تسند ذقنها على ظهر يدها وأصابعها تتشابك بتلاهي وهمي ..بينما فكرها كله مركز على نبرته ..نبرة مختلفة لم تسمعها منه منذ زمن ..نبرة رجولية عميقة, مرتاحة, مليئة بالتخمة وكأن نمره التهم فريسة كاملة لتوه..
"ليلتي أفضل من ليلتك" قالت أخيراً بنبرة غامضة
أطلق ضحكة خشنة ثم قال بكسل: "لا أظن أن ليلتكِ تقارن بليلتي يا بدور ...اممم ولا أي ليالي أخرى قادمة"
ساد صمت مقيت بينهما حتى قطعه هو عندما قال بعملية بحتة: "أنا في مكتبي الآن، وفي مزاج جيد لسماع أي شيء تريدين قوله، تعلمين الطريق والدعوة مفتوحة.. سلام"
ثم أغلق الهاتف دون انتظار إجابة واحدة منها..
هبت بدور من مكانها وهي تضغط جفنيها بتشدد ..ثم أخذت نفساً عميقاً تحاول أن تتسلح بوجه محايد خالي من أي مشاعر، إلا أنها كانت تثق تماماً في هذه اللحظة أنها تخدع نفسها ..لقد فقدت سيطرتها على أعصابها، وانفجر بركانها الخامل أخيراً ..وهي تعلم جيداً أن انفجاراتها النادرة في العادة لا تبشر بالخير مطلقاً ..وتخلف وراءها ضحايا بشرية لا محالة ..عقلها يجبرها بقوة أن تتراجع وتترك المكان حالاً حتى تلتزم الهدوء ..لكن هناك شيء آخر كان أكبر من أن تقاومه يجبرها أن تذهب إليه، بهدف واحد لا غير.. فقد أتت من أجله خصيصاً.. تريد أن تنظر في وجهه وتحدق داخل عينيه وتأخذ إجابتها ودليلها أخيراً بكل يقين لتغلق صفحة منتهية أو تفتح كتاباً آخر..
*****
لم تستأذن عندما دفعت الباب ودخلت عليه وتركته يُغلَق خلفها بسلاسة.. للحظات توسعت عينا بدور بشكل خطر مرعب كأم ضبطت ابنها طالب الثانوية الذي يفترض أن يكون جاد في الدراسة ..يلهو بلعبة ستضيع أخلاقه الحميدة.. إذ أنها وجدته مسترخياً على مقعده بكل وداعة.. ساقاه الاثنتان فوق مكتبه وكأنه في رحلة استجمام.. وهناك صوت لموسيقى لأغنية مشاغبة لمطربهما المفضل علي ما يبدو..
مهلاً منذ متى يسمع راشد أغاني؟! ومتى عرفت عنه أن لديه أي مفضلين بالأصل؟!
صوته كان عميقاً متكاسلاً وهو يقول دون أن يكلف نفسه الاعتدال: "تفضلي سيدة بدور، أنتِ لا تحتاجي لدعوة"
قدومها كان مجازفة ..مجازفة مريعة ..أسبلت بدور جفنيها فوق عينيها الجامدتين ..ثم قالت بنبرة خافتة: "لا داعي, لقد حصلت على ما أتيت لأجله"
رفع وجهه أخيراً ناظراً إليها مباشرة ثم قال بصوت خافت أجش: "وما الذي أتيتِ لأجله يا بدور.. أرجو أن يكون كلامكِ هذه المرة واضحاً وصريحاً، مثل الأمس تماماً"
رفعت ذقنها وهي تنظر إليه بابتسامة شفافة, متوجعة ..ثم قالت بصوت ناعم قوي يقطع ولا يوصل, سرى في أحشائها مثل النار: "انتصاري"
هب راشد من مكانه دفعة واحدة بخفة نمره الخفي واقترب منها.. يتواجهان من جديد ..ليس بالكلمات التي يجيدا ضرب بعضهما بها ..بل بحرب صامتة ..حرب سيوف لها صوت صليل، حرب طويلة تليق بتاريخهما فقط عبر نظرة..
تكلم راشد أخيراً بنبرة قاربت شغف لمس السماء باليدين المجردة: "حصلتِ عليه دون توضيح ..دون اثباتات تنطق!"
اشتعلت عيناها من جديد، تقلب شمسها لغيوم يقسم أنه سمع لها صوت رعود تنتشر في أرجاء مكتبه منذرة بتجمع إعصار عاتي سيجرف الأخضر واليابس..
قالت بدور بنبرة متشددة ومختصرة: "نعم"
هل عليه أن يتنهد ويحتضر بكل استسلام الآن؟!
اقترب منها خطوة أخرى متوقعاً تراجعها ولكنها بقيت ثابتة كوتد زرع في منتصف قلبه.. وتبددت اللحظة التي تمناها طوال ليلة الأمس متشفياً عندما طرقت منال الباب ثم فتحته قبل أن تنطق حتى ..هتف راشد بنفاذ صبر: "ماذا ..ألم أخبركِ أن لا تدخلي أحد مهما كانت صفته؟!"
حانت التفاتة من بدور نحو وجه منال الشاحب ثم قالت بنعومة: "لا داعي أن تمارس هوايتك بإرعاب الناس على المسكينة.. العمل هو العمل.. ماذا هناك يا منال؟"
تلعثمت منال ثم قالت: "السيدة أدلين أصرت أن السيد راشد ينتظرها بناءً على موعد مسبق ..وهي صممت أن أقوم بإخباره أو تدخل هي ..آسفة"
لم تنمحي ابتسامة بدور المقتضبة وهي تقول: "أخرجي يا منال، وأنا سألحقكِ"
خرجت منال سريعاً وهمت بإغلاق الباب إلا أن بدور أمسكت جانبه الموارب ..اندفع راشد يمسك معصمها وهو يقول بتهديد متخلي عن حالة الهيام التي كان فيها: "أقسم إن خرجتِ يا بدور ككل مرة لأن.."
التفت إليه بدور وهي تقول بأسنان مصطكة من شدة الغضب الذي زلزل حتى يده الممسكة بها: "ألم تمل من تهديداتك ومن وعودك؟ توقف.. توقف لأني اكتفيت"
حاول جذبها إلا أنها تملصت منه سريعًا ثم خرجت بزعابيبها ورعودها تحرث الأرض من تحتها ناراً بركانية حتى أنها لم تهتم عندما تصادمت بأدلين لبرهة ..فقط برهة لم تعرها بها أي اهتمام ..حتى وهي تزيحها بعنف متمتمة بقرف: "ابتعدي أنتِ الأخرى.. هي كانت تنقصكِ"
سقوط أدلين على الأرض كان هذه المرة إهانة حقيقية ..إذ أن صوت الارتطام خلّف صوتاً جعل عيني منال تتوسعان بإحراج من أجلها، لم تلتفت بدور لترى ما يحدث ..بل خرجت نحو مكتبها..
في طريقها وجدت أخاها قد شرف أخيراً.. مسكين حظه فقد وقع ضحية لغضبها المستعر إذ أنها كانت بالفعل مثال الهمجية عندما أمسكته من ذراعه بقوة تنشب أظافرها بمعصمه وتجره معها..
تمتم خالد مذهولاً: "لماذا أنا دائماً ما يوقعني حظي العاثر ضحية لجنونكِ؟"
فور أن دخلت بدور المكتب صفقت الباب خلفها بعنف وهي تقول صارخة: "ألست أخي وسندي، إن لم أشرب من دمائك حتى أهدأ فلمن سأفعل؟"
تمتم خالد بتعب: "كان يوم أسود يوم أنجبني ياسر الراوي وحيداً لخمسة من الخطيرات"
نظرت إليه بدور بشرر وهي تقول: "هل لديك اعتراض؟"
ابتعد خالد بحذر ثم جلس على مقعد بعيد عنها وهو يقول بريق جاف: "إطلاقاً حبيبتي"
ظلت بدور تذرع المكتب ذهاباً وإياباً بخطوات أقرب للهوس منها للعصبية المفرطة ..تتمتم بأشياء بغيضة تشجب وتندد..
توجهت لمكتبها وأمسكت مقصاً بيدها وهي تقول بنبرة شريرة: "أخبرني ان أقصيت جميع الرجال في العالم, هل سيلومني أحد؟"
انتفض خالد بقوة وهو يقفز ويتراجع في مقعده مغلقاً ساقيه بإحكام وهو يقول بذهول: "ماذا؟!"
كررت بدور بانتشاء أقرب للوقاحة: "إقصاء الرجال ..أنظر أضمن لكم أن العالم سيخلو بعدها من الحروب, من الخراب, الخيانة, الرخص والخسة والغدر ..كل شيء سيعود جميلاً بريئاً وملائكياً"
اتسعت عينا خالد بشكل أكبر وهو يتمتم: "حسبنا الله فيك يا راشد ..لقد أضعت الجزء السليم المتبقي من عقلها"
عقدت بدور حاجبيها وهي تنظر إليه باستنكار .. إلا أن هذا لم يمنع نظرة الانتشاء في عينيها وهي تتابع بوقاحة أشد وتشفي رهيب: "ومثيلات أدلين ..أووه هذا سيكون أكبر عقاب لهن, أضمن لك أنهن سينتحرن في مجموعات وهكذا سنتخلص من كل الأشرار والثعابين"
جسد خالد الضخم الذي كان ينكمش في المقعد أثار فيها الضحك بشكل حقيقي.. هل يرهبها أخوها المسكين حقاً؟!
اقتربت بدور وهي ما زالت تمسك المقص بين يديها ..إلا أن خالد قفز من مقعده متوجهاً نحو الباب ثم قال بتفكه: "يعز عليّ فعلاً يا قلب أخيكِ ألا أمنحكِ أول تدريب عملي لمشروعكِ ..ولكنكِ بتِّ متيقنة الآن أن مستقبل ونسل العائلة متوقف عليّ وحدي"
خرج خالد من الباب دون كلمة أخرى بينما بدور تهتف وهي تتصنع الضيق: "خائن"
فتح خالد الباب وأطل بوجهه ثم قال: "خائن ..خائن لكن أريد أن أعيش".
................
يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:15 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.