آخر 10 مشاركات
وإني قتيلكِ ياحائرة (4) *مميزة ومكتملة *.. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رواية أسمعُ عواء الهوى (الكاتـب : روز علي - )           »          بين الماضي والحب *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : lossil - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          أنتَ جحيمي (82) للكاتبة المُبدعة: Just Faith *مميزة & مكتملة رابط معدل* (الكاتـب : Andalus - )           »          عواقب إنتقامه (144) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree2430Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-10-20, 10:54 PM   #3201

ريما العدوان

? العضوٌ??? » 478700
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 89
?  نُقآطِيْ » ريما العدوان is on a distinguished road
افتراضي


بإنتظار إبداع قلمك المميز ❤️🌹

ريما العدوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 10:54 PM   #3202

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 1



الفصل التاسع والثلاثون





(1)




ساد صمت غير مفهوم فتطلعت ونس في وجه شامل لترى رد فعله لكن الأخير احتاج لبضع دقائق قبل أن يجلي صوته ويقول "الحقيقة يا ونس ..قصة غريبة جدا وتثير الحيرة في النفس والتساؤل .. هل التحدث عنها الآن سيفيد بشيء؟.. أم لا ..أقصد ..أقصد"

"تقثد أنك يا تصدقني؟"

(تقصد أنك لا تصدقني؟)

قالتها ونس بإحباط شديد فأسرع شامل بالقول "لا طبعا أصدق أنك رأيتيه لكن .. أشعر بشعور الحاج عيد ..هل التحدث في هذا الأمر الآن منطقي؟.. خاصة وأننا غير متأكدين .. ( وأسرع بالتوضيح ) والأمر ليس لأنك تهلوسين لكن الوقت ليلتها ..وسنك ..وحالتك الصحية وقتها ..أنت قلت أنك كنت مريضة ..كل هذا يضعنا في حيرة"

انتحبت ونس توضح " يكنه يشعيني بعدم الياحة يشعيني أني أييد أن أوصل ما يأيت حتى ويو كان تخييفا يأصحاب الأمي وبعدها ثأشعي أن ضمييي مستييح .. تعيفني أثوأ شيء عندي أن يظي أميي غيي منفذ في يأسي .. يظي يعذبني حتى أغيقه"

(لكنه يشعرني بعدم الراحة .. يشعرني بأني أريد أن أوصل ما رأيت حتى لو كان تخريفا لأصحاب الأمر وبعدها سأشعر بأن ضميري مستريح .. تعرفني أسوأ شيء عندي أن يظل أمر غير منفذ في رأسي ..يظل يعذبني حتى أغلقه)

سحبها شامل لتنام برأسها على صدره وهو يقول دعينا نفكر في الأمر إذن .. (وصمت لبرهة ثم أبعدها عنه قائلا ) ما رأيك في أن نصلي صلاة استخارة ونرى كيف سيوجهنا الله ؟"

هزت رأسها موافقة واثقة في أن شامل سيتولى الأمر عنها جيدا فعاد لضمها على صدره ..وأخذ يفكر بشرود شاعرا بالشفقة عليها أن عاشت مع هذا الأمر .. فلو كان تخريفا فقد ظل يستنزف طاقتها الفكرية والشعورية لسنوات ولو كان حقيقة فهو كارثة حقيقية.

××××

بعد عدة أيام

في قاعة كبيرة في أحد الفنادق الكبرى وقف كامل يديه في جيبي بنطال حلة أنيقة ..وأخذ يزفر بضجر وهو يتطلع مجددا في بسمة الجالسة بجوار سوسو وونس وغنيم يتابعون أجواء الحفل الضخم أمامهم بفضول .

لقد وصلوا قبل قليل لحضور الحفل السنوي الذي تقيمه القناة التي يقدم فيها شامل برنامجه ..وقد ضم الحفل المشاهير من الفنانين ورجال الأعمال والمذيعين ..

حيث أصر شامل على حضورهم جميعا خاصة أنه كان يخشى أن يحضر وحده مع ونس ثم ينشغل عنها بالمجاملات ..

اقترب شامل من توأمه الذي يرمق الجميع بنظراته المتعالية في وقفته بالقرب من طاولة العائلة وقال له" لماذا تقلب وجهك هكذا لا أفهم "

ناظره كامل بغيظ وقال بلهجة ساخرة " أين اختفيت يا نجم النجوم كلهن يأتين لطلب التقاط الصور معي معتقدات أني أنت"

ضحك شامل قائلا بلهجة مغيظة "ماذا أفعل أكثر من ذلك يا كيمو؟.. لقد أصريت على حضورك حتى يروننا اثنين ولسنا واحدا"

اقترب صاحب القناة ومعه صاحب الفندق في جولته للترحيب بالحاضرين ..فسلم شامل بحرارة على رئيس القناة ثم قدم إليه كامل الذي رحب به.. ثم قام صاحب القناة بتقديم مالك الفندق للتوأمين قائلا "السيد آسر الراوي*صاحب الفندق وصديقي "

سلم آسر على التوأمين مرحبا ليقول صاحب القناة لآسر مازحا "أحدهما يكون مذيع برنامج الطبخ الجديد لكني كالبقية لن أستطيع معرفة من فيهما وكأنهما متآمران علينا حتى لا نفرقهما عن بعضهما "

ضحكوا جميعا ليقول شامل من بين ضحكاته مازحا "أنا مندهش كيف لا تستطيعون التفرقة بيننا فأنا بالطبع أوسم بكثير"

قهقه الجميع ليقول آسر بلهجة عربية مكسرة توحي بأن صاحبها عاش كثيرا في بلاد الغرب" لا تظلمهما يا عدلي فكل منهما يرتدي رابطة عنق مختلفة"

قال شامل بإعجاب "يبدو أن آسر بك لديه قوة ملاحظة"

ابتسم آسر ليقول كامل " كلما تأتيني معجبة أخبرها أن تذهب لتبحث عن شبيهي برابطة عنق زرقاء"

ضحك الثلاثة الباقون ثم قال شامل موضحا " إن سبب إصراري على مجيئه معي الليلة هو أن يعرف الجميع أن لي توأم "

سأله عدلي "هل يطاردنه المعجبات معتقدات بأنه أنت؟ "

أجاب شامل" أجل و الحقيقة لم أفعل ذلك بإحضاره معي شفقة به ولكن خوفا على معجباتي فهو يعاملهن بفظاظة وسيسيئ لسمعتي"

قهقه آسر وقال" يا إلهي سيظننن بأنه أنت"

وقف شامل وقفة متعجرفة يد واحدة في جيب بنطاله وقلد توأمه بالقول بعجرفة وملامح ممتعضة" أنا لست شامل والله ..لست هو ..هل أخرج لكِ هويتي حتى تتأكدي؟"

قهقه أربعتهم حتى كامل فقال عدلي لشامل بإعجاب وهو يربت على كتفه " سيكون لك مستقبل كبير في التقديم التلفزيوني يا شامل فلديك حضورا قويا"

ابتسم شامل في حرج شاكرا في الوقت الذي لمح عدلي دخول اثنين من المدعوين فقال "ها هي ضحى حضرت ومعها فادي ورد**..تعالى يا آسر بك لأعرفك عليهما"



استأذنا من التوأمين مبتعدين ..فاقترب التوأمان من طاولة الأسرة ليسأل شامل والده" ما الأخبار يا أبا نخل؟"

قال غنيم بابتسامة " حفل ضخم فعلا ..مع من كنتما تقفان قبل ثوان؟"

رد شامل موضحا وعيناه مستقرتان على ونس الصامتة الهادئة هدوءً ليس من شيمها " كان عدلي بك صاحب القناة ومعه صاحب هذا الفندق اسمه آسر الراوي سأعرفك عليهما بعد قليل فقد ذهبا لاستقبال أحد الضيوف"



قالت سوسو وهي تنظر من بعيد عند باب القاعة الرئيسي حيث تقع طاولتهم بالقرب منها" أليست هذه المطربة ضحى؟"

ردت بسمة بعفوية "أجل هي قابلتها ذات مرة شخصية لطيفة "

نظرة نارية حدجها بها كامل فانتبهت لما قالته وأسرعت بالانشغال بأي شيء لتهرب من لهيب نظرته فلم ترد أن تتوتر الليلة خاصة وأنه قد وافق على حضورها على مضض .. فشامل أصر على حضورهم جميعا حتى لا تكون ونس وحيدة إن انشغل عنها بعد أن أصرت الأخيرة على مرافقة شامل شاعرة بالغيرة عليه.. أما كامل فالغيرة جعلته مترددا في حضور بسمة رغم أنه لم يفصح عن ذلك علنا لكنها تعرف علته كما هو يعرفها فلم يكن ليطلب منها البقاء في البيت في الوقت الذي كان والداه وونس ذاهبين للحفل.. وهذا ما جعلها تلتزم في جلستها بجوار حماتها حتى لا تثير غيرته وهو ينظر لهذا وذاك ممن قد ينتبهون لجمالها .. خاصة بعد أن أوقفها أحدهم ليسألها عن اسمها مصرا أنه قد رآها في مسلسل ما في رمضان ..



إن جمالها أحيانا يشعرها بأنه يجلب عليها المشاكل خاصة مع زوج غيور ككامل لكنها لم تترك لنفسها الفرصة للاستغراق في الضيق لهذا السبب .. فكما اعتادت مؤخرا أن تتعامل مع اختلافاتهما وخلافاتهما التي لا يوجد لها حل بنوع من التقبل لفكرة الاختلاف مادام الأمر لا يشكل لها مشكلة كبيرة ويمكنها أن تسقطه أو تتغاضى عنه ..



تابعت عيناها كامل الذي تحرك مبتعدا فاعتذرت لحماتها واستقامت لتلحق به في الوقت الذي اقتربت إحدى المدعوات تقول لشامل" أنا معجبة جدا بك يا شيف ..وأنفذ كل وصفاتك ..هل تسمح بأن التقط معك صورة من فضلك ؟"

ابتسم لها شامل ووقف بجوارها بينما هي ترفع هاتفها لتأخذ صورة لهما معا ثم حيت آل غنيم بإيماءة من رأسها وابتعدت.

قالت سوسو وهي تتابع أجواء الحفل وتتفحص المشاهير "هل الرجل ذو الملامح الأوروبية الذي كان مع رئيس القناة أجنبي يا شامل؟.. فلديه لكنة أجنبية في حديثه التقطتها أذناي "

قال شامل وهو يتطلع في ونس التي تلوي شفتيها بتبرم شاعرة بالغيرة من معجباته "اسمه آسر الراوي يا أمي مالك هذا الفندق .. ربما يكون نصف أجنبي أو عاش معظم عمره بالخارج لا أعرف (ثم قال لونس) ما رأيك في اسم آسر؟"

رفعت سوسو حاجبا معجبا ونظرت لغنيم تجرب نطق الاسم "آسر شامل نخلة"



لم ترد ونس فمد شامل يده لها حتى تقف فأعطته إياها ثم استقامت لتقف إلى جواره فتطلع شامل فيما ترتديه بإعجاب وقال مناغشا "أنت جنية حقيقية بهذا الفستان"



كانت ترتدي فستان سهرة من لونين ..الجزء العلوي عبارة عن بلوزة مشغولة بالورود البيضاء البارزة على قماش من التل الشفاف وتحتها طبقة مبطنة باللون الوردي تنتهي بخصر مرتفع فوق بطنها العالي ثم تنورة بتموجات طولية سميكة من الساتان الوردي اللون الذي ينزل باتساع حتى الأرض ..شعرها كضفيرة واسعة القُطَب تنزل على كتف واحد بها ورود بيضاء صغيرة ..

كانت كما هي دوما في عينيه .. خليطا من الطفولة والأنوثة ..الرقة والشقاوة .. لكنها منطفئة .. منذ ذلك اليوم الذي اعترفت له وصلت إلى مرحلة الانطفاء الكلي ..وتمر بالكثير من الانفعالات مؤخرا .. فمن ناحية حملها ومن ناحية السفر بعد يومين وهي متوترة لتجربة السفر وركوب الطائرة لأول مرة ومن ناحية ثالثة قلقها منذ أن علما أنهم سيلتقون اليوم بمفرح وآل صوالحة بعد انتهاء الحفل ..فأدرك هو وهي حينما علما بتلك المصادفة التي جعلت آل صوالحة في أحد قاعات هذا الفندق في هذا التوقيت بالذات بأنها إشارة لهما بعد أن صليا صلاة الاستخارة .

حاوط خصرها بذراعه يقول مداعبا" ونوسي البائسة"

لم ترد عليه فقال" يا جنيتي .. أنا عمري خمس وثلاثون عاما .. سافرت كثيرا ..والتقيت بالكثير من الفتيات لكن بقي قلبي مغلفا بالسلوفان لم تقدر على أن تقترب منه أي أنثى حتى قابلت قدري .. جنيتي الشقية التي سلبت عقلي وخطفت قلبي وأنا وقفت لها مستسلما"

توردت وجنتاها ورمقته بنظرة ساحرة لا تزال تأسره فأكمل حديثه" فهل تعتقدين أني سأنبهر بحياتي الجديدة وبمن حولي من المعجبات؟!"

أمسكت بطرف سترته في صمت وكأنها تريد أن تختبئ في حضنه وعيناها بهما الكثير من الكلام ثم قالت بعد برهة "أحياننن أخاف أن أفقد كـ .. هذه الافككار تعذبـ ني"

رد شامل مطمئنا" أنا وأنت شاهدنا ذلك البرنامج عن الحمل وتأثيره على الحامل حتى على أفكارها وأحلامها ومشاعرها أليس كذلك؟"

هزت رأسها بالإيجاب فأضاف" عليك ألا تستسلمي إذن لهذه الأفكار ونوسي .. هل هناك فنانة ربحت جائزة عالمية ستستلمها خلال أيام تقف بائسة بهذا الشكل؟!"

لم تستجب لمناغشته بل سألته بنبرة قلقة "هيّ تعتقد أن مفيح ثيتفهم ما ثنخبره به؟"

(هل تعتقد أن مفرح سيتفهم ما سنخبره به؟)

ربت على ظهرها قائلا "لا تشغلي بالك بهذا الأمر.. أنا من سأخبر مفرح بيني وبينه وأفهمه بأنك تريدين إرضاء ضميرك ولهم مطلق الحرية بعدها في اعتبار تلك القصة حقيقة أو خيال "

هزت ونس رأسها ليقول شامل" لم تخبريني ما رأيك في اسم (آسر ) يعجبني"

غمغمت قائلة" حيو اعجـ بني يكن حيف الثين .. ايا يكـــ في اثم ونث!"

(حلو .. أعجبني لكن حرف السين ..ألا يكفي اسم ونس !"



اقتربت بسمة من كامل الذي يلتقط أحد كؤوس العصير من أحد الندل المتجولين فأسرع بإعطائها الكأس وأخذ كأس آخر له.. ثم تحرك النادل مبتعدا فقالت بسمة بصوت رقيق بطريقة مصطنعة" أنا لم أتزحزح من مكاني كامل بك وأجلس مؤدبة فهل أعجبتك؟"

رمقها بطرف عينه بنظرة تفحصتها من رأسها حتى أخمص قدميها .. تقف أمامه مذهلة ..تنافس أجمل جميلات الحفل .. بل وتتفوق عليهن.. وهذا ما يشعل غيرته لأنها ملفتة ولو استسلم لأفكاره المتطرفة قد يحبسها في البيت للأبد.

كانت ترتدي فستانا من القماش عاجي اللون ينزل ليلف جسدها بدون ابتذال أو وصف فاضح .. لا يصل لقدميها وإنما مرتفع عنهما بشبر .. وحذاء بكعب رفيع عال باللون العاجي أيضا .. يزين صدر الفستان خطوط عشوائية باللون البترولي .. ويلف خصرها الرشيق شريط من الساتان البترولي اللون ..

وارتدت فوق الفستان سترة قماشية باللون البترولي جعلت زرقة عينيها مذهلة .. فبدت بهذه الهيئة ومع شعرها المعقوص للخلف بشنيون منخفض بسيط تبدو كسيدة أعمال تمتلك طلة أنثوية وعملية في نفس الوقت.



لم يرد على مداعبتها ولكن نظر في ساعة يده قائلا "ألا يكفي هذا القدر ونرحل ؟.. من الممكن أن نترك ونس مع أبي وأمي ونخرج لنجلس خارج القاعة أنا وأنت "

قالت بسمة معترضة " ولماذا نترك الحفل ؟ فالسهرة لطيفة وفرصة جيدة لرؤية المشاهير"

مط شفتيه بامتعاض في الوقت الذي مرت خاطرة سريعة في رأسها تقارن حضورها السابق لحفلات من هذه النوعية وحضورها الآن .. لم يتغير شيء .. نفس الصخب والانفتاح.

المشاهير في الواقع يختلفون كثيرا عن الصورة المنسوجة في خيال الافراد العاديين مثلها ..لكنها كانت قبل سنوات تنبهر بهذا المجتمع وكأنه الوجه اللامع البراق للعاصمة قبل أن تدرك خطأ أفكارها وتنضج في نظرتها لأمور كثيرة حولها بعد أن اكتشفت بأنه بريق زائف .

فشتان بين بسمة القديمة وبسمة الحالية ..نظرتها للأمور ..مشاعرها .. أفكارها .. كل شيء تغير .. تبدل .. وكأنها صارت أطول قامة وأصلب ظهرا وأسعد قلبا وتشعر بالاكتمال .. والرضا .

نظرت لكامل الذي يتأمل الحضور من هذا الركن البعيد نسبيا عن صخب وزحام الحفل الضخم .. تأتيهما أصوات الضحكات والأحاديث مختلطة مع صوت الموسيقى.. وصوت الكاميرات المستمرة في التقاط الصور هنا وهناك بشكل مستمر لتسجل فعاليات الحفل.



اقتربت احداهما منهما تقول بسعادة" شيف شامل أنا أمل بكري صحفية بجريدة...."

قاطعها كامل بلهجة عابسة "لست هو"

همهمت الصحفية بعدم فهم "نعم!"

تدخلت بسمة تقول" هذا ليس شامل نخلة حبيبتي"

قالت الصحفية بابتسامة مجاملة " لا بأس لو لم يرغب في عمل لقاء صحفي معه .. لكن هل من الممكن أن أحصل على صورة معه هذا طلب شخصي وليس للنشر"

قال كامل بعبوس وهو يهز كتفيه" قلت لك لست هو ..هل ترغبين في رؤية هويتي؟"

أسرعت بسمة تقول بعد أن بحثت عن مكان شامل "ها هو شامل حبيبتي أما هذا فتوأمه"

تطلعت الصحفية في شامل من بعيد ثم شهقت مصدومة .. وتحركت نحوه بينما برطم كامل "نحن هنا منذ ساعة ولا يزال هناك من لم يكتشف أننا اثنان"

قالت بسمة موضحة" الحفل كبير جدا لدرجة أني حينما ألمح فنانا أو فنانة يختفي بعد ذلك ولا أراه ثانية .. كما أن شامل أخبرنا أن هناك قاعات داخلية مفتوحة على الحفل"

ساد الصمت وتعلقت بذراعه يتطلعا أمامهما فدققت بسمة في إحدى الحاضرات .. تقف بجوار شاب وسيم ويلتقط بعض المصورون لهما صورا وقالت" أليس هذه هي المطربة الشابة (....)؟"

هز كامل رأسه فأضافت بسمة "وهذا هو الممثل ( ....) يبدوان مختلفان قليلا عن الحقيقة ..فهي أقصر مما تظهر به على الشاشة وأصغر سنا بكثير "

غمغم كامل" اعتقد أنها من ضمن من سيحيون الحفل"

نظرت إليه تسأله "حقا كيف عرفت؟"

هز كتفيه وأجاب" علمت من شامل أسماء من سيحيون الحفل"

قالت بسمة وهي تعود لتأملها " هي موهوبة بصراحة رغم تلك المشاكل التي تثيرها في الصحف من وقت لأخر لكنها موهوبة منذ صغرها أحب أن أسمع صوتها (وتطلعت في الممثل الشاب الذي يقف بجوارها يضحكان ويتشاكسان كالأطفال وقالت ) تبدو فعلا صغيرة اعتقد أن هذا الممثل قريبها على ما أتذكر .. هل تعتقد أن بينهما قصة حب؟"

غمغم ممتعضا " ما أعتقده أن علينا أن نرحل فقد مللت"

قالت بلهجة طفولية تشاكسه " لم يكتشفني منتج بعد يا كيمو .. انتظر حتى يتم اكتشافي"

ناظرها بامتعاض وقال من بين أسنانه" دعي الدقائق الباقية لنا في هذا الحفل تمر على خير يا بنت الوديدي إن لم ترغبي في أن تنتهي بجريمة ..فأنا متحفز وأمسك أعصابي بصعوبة.. وأشعر بأنه لو تجرأ أحدهم وأطال النظر بك لن استطيع الوقوف ساكنا"

غمغمت بدلال وهي تتعلق أكثر بذراعه" هل لازلت جميلة في نظرك حتى في وجود الممثلات الشهيرات يا كيمو؟"

رمقها بنظرة جانبية ينظر إلى وجهها بديع الحسن وزرقة عينيها التي ازدادت صفاءً وروعة مع زرقة السترة وطابع حسنها الذي يستفزه دوما للتقبيل .. فرمشت بسمة عدة مرات مثل الشخصيات الكرتونية ليقول كامل بصوت متهدج" أغار عليك من كل من ينظر إليك حتى لو كنت شمبانزي يا باسمة"



ضحكت ضحكة حلوة رفرف لها قلبه ثم جادلته تقول "الحمد لله لم ألحظ أحدا ينظر لي بطريقة أو بأخرى.. خاصة وأن الحفل مليء بالفنانات الشهيرات الجميلات"



لم يرد كامل .. فهو يلحظ ويدقق من ينظر لها ومن لا ينظر لكنه يحمد ربه أنها ليست من ذلك النوع من النساء اللاتي يبحثن عن نظرات الإعجاب بهن من الرجال حولهن .. فهو كرجل مثل غيره من معظم بني جنسه يستطيع تقييم المرأة أمامه إن كانت متحفظة ومحترمة مثل بسمة ..أو من نوع أخر .. كل هذا من نظرة العين ولغة الجسد.


ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ

* أحد أبطال رواية ( خلف أقنعة القلوب ) للكاتبة ( رغيدا المصرية ) .

**شخصيتان من رواية (زخات الحب والحصى ) لشموسة




يتبع







Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 10:55 PM   #3203

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 2

(2)



اقترب أحد مصوري الحفل ولاحظ بسمة وكامل فأعجبه جمالها ووسامته ووقف يلتقط لهما عدة صور ..فانتبهت بسمة لصوت الكاميرا الذي أصبح معتادا منذ حضورهم فالتصقت بكامل وهي تبتسم فلف كامل ذراعه حول خصرها بتملك ليلتقط لهما المصور عدة صور ثم أخرج من جيبه بطاقة عمل يمنحها لكامل قائلا" إن أردت سيادتك نسخة من الصور اتصل بي من فضلك"
قالها ثم حياهما وابتعد .. في الوقت الذي ناداه شامل بعد أن انتهى من حديث صحفي سريع مع الصحفية أمل بكري..
نظر كامل إليه فأشار له ليقترب ففعل ذلك ممتعضا وقد خاطره الأخر فكريا أن يلتقطا صورة لهما معا حتى تنشر في الصحف ويعرف الجميع أن له توأم.
التقطت الصحفية صورة للتوأمين قبل أن يسمعوا صوتا عاليا يقول باندهاش "معقول؟؟.. جيراني الحلويات من الدول الشقيقة هنا؟؟"
انتبهوا متفاجئين بتسونامي التي تقترب منهم فنظر التوأمان لبعضهما باندهاش بينما اقتربت بسمة وونس كل واحدة منهما وقفت بجوار زوجها في وضع متحفز للهجوم ..فبلعت تسونامي ريقها وقالت بابتسامة متوترة" كيف حالكم .. جميعا ؟"
ساد الصمت بينما الصحفية واقفة تنظر في الجميع التوأمان مخروسان وزوجتاهما عابستان تقفان في وضع مستعد للهجوم يناظرون جميعا تلك الراقصة التي ترتدي فستانا ذهبيا فوق الركبة ومفتوحا من جانب واحد ..وشعرها مسدلا على ظهرها والتي اسرعت بالقول" لم أعرفكم على زوجي (واستدارت حولها تشير على رجل عجوز بدين يقف يحدث النادل وقالت ) برعي بك رجل أعمال"
هز التوأمان رأسيهما بمجاملة حتى تنصرف فشعرت تسونامي بالرعب من وقفتهم المتخشبة فعدلت من شعرها الطويل بحركة مختالة من يدها وهي تقول للصحفية بلهجة مائعة" أنا تسونامي تعرفينني بالطبع "
أسرعت المذيعة بالقول" طبعا ..طبعا ..أهلا بك هل أستطيع أن أقوم معك بمقابلة صحفية ؟"
سحبت كل زوجة زوجها تاركين تسونامي مع الصحفية وعادوا أربعتهم للاقتراب من الطاولة التي يجلس عليها غنيم وسوسو اللذين كانا يضحكان على ما حدث فقال كامل لأهله "هل نغادر؟"
اعترض شامل قائلا" الحفل لا يزال في أوله لنرى فقرات الحفل سيكون ممتعا"
هم كامل بالاعتراض فأضاف شامل وهو ينظر في ساعته "مفرح لم ينته من الحفل بعد ..أين ستذهبون ونحن سنقابلهم "
عقدت بسمة حاجبيها تقول "سنقابل مفرح!!.. متى وأين؟"
رد شامل موضحا " مفرح ومليكة هنا في أحد القاعات يحضران حفلا"
هتفت بسمة بحاجبين مرفوعين متفاجئة "حقا!!.. لم يخبرني كامل"
أجابها الأخير بسرعة " علمنا الأمر بالصدفة فقررنا أن نتقابل بعد الحفل ( وقال لتوأمه ) سنجلس أنا وزوجتي بالخارج في بهو الفندق حتى تنتهي أنت وينتهي هو"
قال غنيم "إن كنتم تنوون على السهر سأطلب سيارة أجرة لإعادتي أنا وسوسو بعد الحفل مباشرة فلن نتحمل السهر أنا وهي"
قال كامل عابسا "لماذا يا أبي!"
قال غنيم موضحا " كونوا على راحتكم نحن سنغادر بعد قليل"
تحدث كامل قائلا " إذن سأوصلكما"
رد غنيم بحزم" لا داعي.. فقط اطلب لي سيارة أجرة فالأمر لا يحتاج لإيصالنا والعودة"
اهتز الهاتف في جيب شامل فأخرجه يدقق في الاسم مغمغما وهو يبحث حوله" هذا مخرج البرنامج (ثم أسرع بالرد) نعم أستاذ راضي (وصمت قليلا يبحث بين الجموع على مدى القاعة الضخمة وقال) أين أنت بالضبط لا استطيع تحديد مكانك .. حسنا أنا قادم"
اغلق الخط وربت على ظهر ونس يقول بلهجة حانية " سأعود بعد قليل (ثم قال لكامل ) هيا معي فهناك جمع من الصحفيين يقومون بعمل لقاء مع طاقم البرنامج"
اعترض كامل ليقول شامل وهو يسحبه من ربطة عنقه" هيا يا حلوف وكف عن الكسل.. ألم ترغب في أن تنتشر معلومة أننا اثنان ولسنا واحدا هيا"
سحبه بضع خطوات فهدر كامل بغيظ "اترك ربطة عنقي إن أردت تجنب الفضائح"
تركها شامل ودفعه أمامه فاستدار كامل ينظر لبسمة نظرة تحذيرية مطت لها شفتيها وفهمت الرسالة ..فابتسمت له ابتسامة صفراء ثم جلست على الطاولة بجوار حماتها بامتعاض كما فعلت ونس ..
قال غنيم لبسمة معلقا" يخنقك هذا الولد أليس كذلك؟"
تنهدت وردت وهي تخرج الهاتف لتحاول الاتصال بمليكة التي كانت تعلم بأنها ذاهبة لحفل ما لكنها لم تكن تعلم اسم الفندق " لا أنكر بأني أشعر بالضيق من مبالغته لكني وعدت نفسي بأن أتكيف مع ما لن استطيع أن أغيره فيه .. خاصة وأنه لا يشكل لي أزمة كبيرة بالإضافة لأنه يتحملني ويطوع نفسه في المقابل في أشياء أخرى من أجلي "
ابتسم لها غنيم ابتسامة صامتة أشعرتها بالفخر من نفسها .. فأن تحظى بإعجاب رجل بحكمة غنيم أمر كبير بالنسبة لها بينما قالت سوسو "اعترف أن ابني متطرف في هذا الجانب لكن أعتقد أن سبب هذا التطرف هو ما وهبك الله من جمال يا بسمة ما شاء الله "
ابتسمت بسمة بوجنتين مشتعلتين فقالت سوسو بلهجة متفاخرة " الحقيقة صديقاتي يحسدنني على زوجتي ولديّ في كل شيء الحمد لله"
تحدثت بسمة بلهجة متأثرة تقول لحمويها " لا حرمني الله منكما والله بعيدا عن ارتباطي العاطفي بكامل فأنتما خير عوض لي"
قالتها وهي تمسك بذراع سوسو بدفء .. فابتسمت لها الأخيرة ثم قالت معلقة "تحتاجين لتعديل طلاء شفتيك يا بسمة .."
وضعت الأخيرة هاتفها على الطاولة بعد أن اتصلت بمليكة دون رد ثم التقطت حقيبة يدها الصغيرة بترولية اللون من على الطاولة لتخرج منها مرآة صغيرة بينما نظرت سوسو لونس الصامتة الشاردة ثم تبادلت النظرات المتسائلة مع غنيم ..
جاءتهم ضحكة مائعة من تسونامي التي لا تزال تقف على مقربة تمسك بذراع زوجها العجوز وحولها بعض المدعوين فغمغمت سوسو بامتعاض "من أين خرجت لنا الليلة؟!"
فغمغمت بسمة بقرف " خرجت من حمام الفندق بالتأكيد ويبدو أنني سأتخذ دور كامل في التحفز لضرب إحداهن "
ضحك غنيم وسوسو ثم قالت الأخيرة وهي تنهض" بمناسبة الحمام أريد الذهاب إليه (وسألت ونس ) هل تريدين الذهاب للحمام يا ونس؟"
انتبهت الأخيرة وهزت رأسها بالإيجاب ثم استقامت تمسك بحقيبتها الوردية وتلملم فستانها لتقول بسمة وهي تعيد المرآة للحقيبة" وأنا سأذهب معكما"
تحركن بعد دقيقة تخرجن من أحد الأبواب الجانبية للقاعة على الناحية الأخرى ..تقصدن الحمام بعد أن سألن أحد الندل عن مكانه.
بعد دقائق قالت بسمة لحماتها بلهجة متهكمة "سأسبقكما حتى لا يأتي بعلي ويجدني قد ذهبت للحمام بدون إذنه"
ابتسمت سوسو بينما خرجت بسمة تتحرك بأناقة في ممر طويل حتى وصلت لباب القاعة الجانبي الذي خرجت منه قبل قليل وبمجرد أن دخلت القاعة سمعت نداءً مصدوما يقول " بسمة !!"
فرفعت عينيها ثم غمغمت بصدمة مماثلة "سيد !!"
قبل قليل
خرج سيد صبرة من أحد الأبواب الجانبية للقاعة مبتعدا عن صخب الحفل الكبير الذي وصل إليه منذ قليل حتى يتصل بها ..
إنه غير قادر على التواصل مع الناس أو الاستمتاع بأجواء الحفل وهي مسيطرة على رأسه ..
يعرف بأنها غاضبة منه وأنه قد عاند معها وبالغ في عصبيته لذا قرر أن يتصل بها .
رفع الهاتف على أذنه ووقف بجوار باب القاعة من الخارج مستندا باليد الأخرى على خصره مباعدا طرف سترته الأنيقة للخلف فجاءه صوتها حادا تقول بتحفز "نعم ماذا تريد؟"
رفع حاجبا وقال بلهجة خطرة " ما معنى ماذا أريد؟"
صرخت بحنق " لماذا تتصل ؟"
رد بلهجة متسلية متصنعا الحزم " أنا اتصل في الوقت الذي يعجبني"
قالت بلهجة معاندة " وأنا أرد في الوقت الذي يعجبني أيضا"
كشرت ملامحه وهتف محذرا " آية!"
صرخت بحنق وهي تعتدل على السرير وأمامها اللابتوب " نعم .. ماذا تريد من زفتة؟؟.. ألم تتركني وتذهب!"
تنهد وقال موضحا " قلت لك كان لابد أن أذهب فصاحب القناة شدد عليّ للحضور وتحرجت من الاعتذار"
قالت بلهجة ساخرة " وفاجأتني اليوم صباحا بأننا مدعوان للحفل .. وأنت تعرف بأني منذ يومين مضغوطة في تنفيذ التصاميم التي طلبها أحمد وسبق وأن أجلتها أكثر من مرة بسبب انشغالي حتى جاء وقت التسليم النهائي اليوم.. هذا بالإضافة لأني بحاجة لتحضير المادة الخاصة بحلقة الغد وبأن الوقت سيضيع كله اليوم في تسليم التصاميم قبل الساعة الخامسة.. فماذا تتوقع مني!!"
قال موضحا بصبر " يا آية ..أنا أوضحت لك أني قد نسيت إخبارك .. تداخلت الأيام في رأسي ولم أتذكر أمر الحفل إلا صباحا حينما صادفني خبر على فيسبوك عن الحفل ..وأنت عاندت وانفعلت وجعلتني أعاند معك وأغادر غاضبا ..كان من الممكن أن تأتي معي ساعتين ثم نعود لتستكملي تحضير ما تريدين "
قالت بغيظ وهي تقف على ركبتيها فوق السرير " أتعني أني أنا السبب يا سيد!"
قال بلهجة ساخرة " لا يا روح سيد أنا بالطبع السبب .. أنا المجنون"
صرخت حانقة " أنا مجنونة يا سيد!!"
رد مغازلا بهمس وهو يقرب الهاتف من فمه " بل أنتِ روح سيد .. ( ثم أضاف بلهجة مشاكسة ) فأنا لا استمتع بالحفل منذ أن وصلت وذهني مشغول بك .. أقول لنفسي يا سدسد لو كانت يويا موجودة الآن لكتمت على أنفاسك .. وقامت باستجوابك بشأن من صافحت ولمن ضحكت ..لكنك الآن تستمتع بالحرية"
وضعت يدها في خصرها وقالت بامتعاض "وما دمت تستمتع بالحرية الآن .. لماذا اتصلت بي إذن؟!"
اتسعت ابتسامة مشاكسة على شفتيه ورد بلهجة متسلية مغيظا " لأخبرك بأن فادي ورد وضحى وغالبية المشاهير هنا يا روحي"
هتف صارخة بحنق " سيد ...سيد لا تغيظني والله سأبكي"
قهقه بتسلٍ وهرش في لحيته البنية الأنيقة ثم قال هامسا وهو يطرق برأسه ليخفي عن المارين ملامحه " و لأخبرك بأني أعشق الأسر بين يديك يا سكاكري .."
عادت تجلس على السرير ومطت شفتيها تقول ببؤس طفولي " ليتني ذهبت معك اهيء اهيء "
قال لينهي الحديث " ركزي فيما تفعلين لتنتهي منه قبل أن أعود"
ردت حانقة " الذي يقهر أني أوشكت على الانتهاء بالفعل ليتني ذهبت معك"
قهقه ضاحكا ثم قال مغيظا وهو يعود ليدخل القاعة "اذهبي الآن يويا لست متفرغا ..سلام"
جاءه صراخها الحانق قبل أن يغلق " سيد يا غليظ ..سيد"
أغلق الخط ووقف بداخل القاعة بالقرب من الباب يعيق الطريق بجسده الضخم وهو يتفقد سريعا المكالمات الفائتة والرسائل .. ثم انتبه لدخول إحدى السيدات فعاد للخلف خطوتين لإفساح الطريق وهو يرفع رأسه بنظرة شاردة قبل أن يتفاجأ بها .. بسمة شاخصة أمامه فهتف تلقائيا باتساع عينيه "بسمة!!"
رفعت الأخيرة أنظارها وتوقف قلبها عن النبض لثوان من المفاجأة وغمغمت "سيد!!"
سألها باندهاش " ماذا تفعلين هنا؟"
احتاج الأمر منها لبضع ثوان حتى تفيق من الذهول وترد بلهجة استنكارية " ماذا تقصد؟ .. هل أنت فقط من يحضر حفلات الفنانين؟"
كانت أمام ناظريه أكثر فتنة وجمالا من ذي قبل .. لن يستطيع أن ينكر هذا.. لذا كسر نظرته المحدقة فيها بذهول المفاجأة وأجاب موضحا " لم أقصد .. لقد تفاجأت فقط ..(ورفع إصبعيه أمامها يطرقعهما قائلا) أها ..لابد أنه أخو زوجك ..سمعت بأنه قد أصبح يقدم برنامجا .. (ثم سألها )كيف حالك ؟"
تقبضت إلى جانبيها تداري ارتباك المفاجأة وغمغمت وهي تهم بالتحرك " بخير وفي نعمة كبيرة الحمد لله"
رد بصدق " أدامها الله عليكِ.. صدقيني فرحت لك جدا حينما علمت بأنك تزوجت"
قالت بسرعة متخطية المفاجأة وهي تتحرك لتتجاوزه إلى داخل القاعة " أشكرك .. بعد إذنك"
"هل سامحتني؟"
قالها سيد بسرعة قبل أن تبتعد وهو يتطلع في ظهرها .. فتخشبت بسمة لثوان ثم استدارت إليه ووقفت أمامه صامتة متكتفة لبرهة بوقفة ذكرته بذلك اليوم الذي ودعها فيه في بيت الجد صالح .. لكن نظرتها تلك اللحظة البعيدة كانت تائهة رغم تصنعها الكبرياء والبرود أمامه .. نظرة عذبته فلم ينسها أبدا .. أما الآن فعيناها الزرقاوان مستقرتان على وجهه تناظرانه بـ ثقة.
هل اختلفت؟ .. أجل كثيرا .. يشعر وكأنها شخص آخر .. هناك ثقل لوقفتها ..ظِل لها .. لم تعد تلك الفتاة القروية الساذجة باردة الوجه .. تحولت .. أو تطورت .. أو نضجت لا يعرف بالضبط .. ما أدركه من خبرته في البشر أنها أضحت شخصا مختلفا وغريبا عنه ..وعن تلك الفتاة القديمة التي تزوجها ذات يوما .
تكلمت بسمة بثقة وهدوء وهي لا تزال عاقدة ذراعيها أمامها " لن أنكر بأني قد تعرضت بارتباطي بك لمحنة صعبة قلبت حياتي .. لكني أصبحت ناضجة بشكل كاف لأدرك بأن كل شيء بقدر وكل إنسان له ابتلاءه في الدنيا .. لن أرفع عنك المسؤولية يا سيد .. حتى لو كنت أصدق أنك لم تكن مدركا لمشاعرك تجاه الأخرى وقت أن تزوجتني ولكني في نفس الوقت لن أحاسبك لإدراكي بأن بعض البشر هم محطات في حياة أناس أخرين ..سواء كانوا مؤثرين أو غير مؤثرين .. وأدركت أيضا أن بعض المحطات قد تغير طريقك للأبد .. (وأحنت رأسها لثانية تنظر للأرض ثم رفعتها تقول بكبرياء وثقة) عش حياتك يا سيد ..فرغم أننا لم يكتب لنا السعادة معا و ربما تألمنا وعانينا وأوجعنا بعضنا البعض ..لكن تقاطع طرقنا كان سببا لأن يُجبر كل واحد منا على البحث عن السعادة.. سعادته .. أنت تفيق من انكارك لمشاعرك تجاه الأخرى .. وأنا أفيق من غفلتي لأبحث عن بسمة الحقيقية .."
ألمت الراحة بقلبه .. وحاوطته السعادة من كل جهة .. لقد جاءت لحظة التحرر من الذنب .. جاء اليوم الذي يتأكد من أنها قد سامحته فلمعت دموع التأثر في عينيه وقال بلهجة ممتنة" أنا لا أجد ما أقوله سوى (شكرا) يا بسمة .. من كل قلبي أشكرك لأنك كنت أكرم وأنبل من أن تنتقمي مني بألا تخبريني بتلك العبارات السابقة ..ألف شكر"
هزت رأسها واستدارت توليه ظهرها تستمر في طريقها دون كلمة إضافية تقطع القاعة بخطوات رشيقة ثابتة وذقن مرفوع وهي تخبر نفسها "ربما لو كنتَ قابلتني قبل سنة كنتُ صببتُ عليك كل لعناتي .. لكني الآن راضية تماما .. فخورة بنفسي وبما وصلت إليه ..وسعيدة جدا بـعوض الله "
انتبهت من شرودها واستفاقت من حالة الذهول التي كانت لا تزال تسيطر عليها ثم تطلعت حولها بتوتر في خشية من أن يكون كامل على مقربة فلا تريد أن تقلب الليلة لمجزرة ..
حين اقتربت من الطاولة سألها غنيم" أين سوسو وونس؟"
ردت تداري توترها مما أدركته متأخرا بأن كامل وسيد في مكان واحد هذه اللحظة "قادمتان "
ونظرت نحو تلك الجهة التي كان سيد عندها فلم تجده ولم تعلم كيف ستكون اللحظة التالية لو كان سيد قد انخرط وسط المدعوين وقابل كامل .
الخاطرة وحدها أرعبتها بشدة .. في الوقت الذي لاحظ غنيم توترها الشديد وسألها" ما بك يا ابنتي؟"
استدارت إليه .. وقررت أن تخبره .. فالموضوع أكبر من أن تتصرف فيه وحدها فقضمت شفتها لبضع ثوان ثم قالت "رأيت زوجي السابق هنا قبل دقائق.. وأخشى أن يقابله كامل"
لاح القلق على وجه غنيم ثم قال لها وهو يرى سوسو وونس آتيتان من بعيد "حسنا .. علينا المغادرة فورا .. سأتصل بكامل وشامل"
××××
في نفس الوقت وفي قاعة أخرى من قاعات الفندق كانت مليكة تجلس على إحدى الطاولات بجوار مفرح وولديه وعائلة عمار وعائلة أكرم ويصفقون للأخير الذي يستلم شهادة تقدير في الحفل المقام بمناسبة ختام أحد المؤتمرات الطبية العالمية.. فراقب مفرح السعادة المرتسمة على وجه مليكة وحماسها وهي تصفق لأخيها وازدادت سعادته ..
لقد عاش أجمل أيامه على الإطلاق في تلك السفرة التي ذهبا فيها مع الولدين لإحدى مدن الجنوب .. يكاد لا يصدق حتى الآن أنه استعادها.. أنها بعد حب دام خمسة عشرة سنة تقريبا أخيرا عادت إليه بكليتها.. بل إنها بمشاعر الذنب التي تحملها له أضحت تغدق عليه بمبالغة .. وهو مستمتع .. سعيد .. يشكر ربه كثيرا .. يعتبر أن ما يحدث معه مؤخرا هو عوض ربه له بعد سنوات طويلة من الصبر والاحتساب .. وقد أجزل له ربه العطاء .
تأملها تجلس بأناقة وشموخ لا يبارحانها ..هما جزء من تكوينها .. وتأمل رداءها الشبيه بالجلباب المصنوع من المخمل الأسود الذي يعكس لمعة ذاتية مع الضوء وأكمام تنزل من أحد الأطراف كمثلث أطول من الرسغ منقوش على العباءة بخيوط باللون الكموني ورود وأفرع شجر تزين الأكمام والجزء السفلي من العباءة مع حجاب فاتح اللون بسيط .. تابع حماسها وهي تستقبل أخاها العائد للجلوس للطاولة وتهنئه .. ثم استقام يبارك له بدوره وعاد للجلوس في مقعده.
مالت عليه مليكة فداعب عطرها أنفه.. فهي كالعادة ملكة العطور التي كانت لسنوات طويلة عذابه و أضحت منذ أيام قلائل جنته ..وقالت " العقبى لك حينما تحصل على الدكتوراه يا حبيبي"
شاكسها قائلا بابتسامة واسعة" أنا شخصيا لم أعد متعجل على الحصول عليها فأنا حاليا مشغول بتحضير شهادة عالمية في موضوع آخر"
الشقاوة التي تطل من عينيه جعلتها تتورد وتقول متصنعة للحزم "يبدو أن الدلال سيفسدك يا مفرح ويلهيك عن أهدافك"
غمغم بلهجة متسلية " من الوارد أن يحدد الإنسان لنفسه أهدافا جديدة يتمنى أن يصل إليها .. هذا جزء من دروس التنمية البشرية صدقيني ..حتى اسألي ابنيك"
ارتفع حاجباها الجميلان وسألته "وما هي أهدافك الجديدة إن شاء الله؟!"
صمت لبرهة يكتم الضحك ثم سألها بلهجة ذات مغزى" هل تريدين الإجابة الآن وهنا؟!"
اشتعل وجهها وعادت للنظر أمامها تدفن وجهها في طبقها تتصنع الجدية بينما قلبها يرفرف بسعادة بين جنبات صدرها لأنه سعيد.. ولأن الأيام الماضية بينهما كانت وكأنها قد صنعت من خيال.
رن هاتفه فأسرع مفرح بالرد "نعم كامل .. انتهيتم؟ .. حسنا سنخرج إليكم بعد قليل .. فقط أخبرني أين سيستقر بكم الحال في الفندق "
حين أغلق الخط ناظرته مليكة باستفهام ليجيب مشيحا بنظراته عنها " هذا كامل إن العائلة كلها في حفل القناة التابع له برنامج شامل في أحد قاعات الفندق الآن .."
اتسعت عيناها بمفاجأة وهي تقول" هنا؟..الآن؟ .. لقد أخبرتني بسمة بأنهم ذاهبون لحفل ولم أدقق في اسم الفندق الذي أخبرتني إياه"
قال مفرح وهو يرشف من كوب العصير "أية خدمة مليكة هانم .. احضرتك إلى هذا الحفل وسأجعلك تقابلين صاحبتك أيضا "
قالت مليكة مضيقة عينيها "لهذا وافقت أن تبيت اليوم في العاصمة بخلاف جدولك المعتاد .. من أجل أن تقابل صاحبيك؟!!"
غمغم ببراءة مصطنعة وهو يضع يده على صدره "أنا؟!!.. سامحك الله يا بنت الصوالحة (وتوجه بالحديث لأصهاره قائلا) صاحباي شامل وكامل هنا مع أسرهم وسأقابلهم أنا ومليكة بعد قليل ..ما رأيكم في أن تنضموا لنا؟.. ستكون سهرة لطيفة؟"
قالت ملك ابنة أكرم بحماس" الشيف شامل! .. أريد أن ألتقط صورة معه وأريها لأصحابي"
ناظر أكرم عمار ثم قال" لا بأس ستكون فرصة جيدة "
××××


يتبع








Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 10:55 PM   #3204

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 3

(3)


بعد قليل كان سيد يقول لآية في الهاتف وهو يخرج من باب القاعة "يويا"
قالت له صارخة "ماذا؟.. هل تريد أن تغيظني مجددا يا سيد؟"
أبعد الهاتف عن أذنه يكتم الضحك ثم قال متصنعا البراءة "أنا فقط اتصلت لأخبرك أنك حبيبة روحي وقلبي"
صرخت بطريقة مجنونة" لا تستفزني يا سيد واذهب لمعجباتك"
لم يقدر على التماسك فقهقه ضاحكا ثم قال وهو يهم بالابتعاد بعد أن قرر المغادرة حتى لا يتقابل مع زوج بسمة ويكون سببا في أي حرج لهما " اسمعي يا بنت أنا قررت أن أهرب من الحفل"
هدأت وسألت "حقا؟!"
قال وهو يقرب فمه من الهاتف " أجل فقد اشتقت إليك فجأة .. اشتقت إليك بجنون وأريد الليلة بالذات أن أقضي معك ليلة لا تنسى"
هدأت تماما وسألته بدلال" ولماذا اليوم بالذات"
رد مراوغا" بدون أسباب .. اليوم أريد أن أحبك حتى الموت يا يويا"
غمغمت بعشق" سيد"
فقال بصوت متهدج " روح سيد ..والله روح سيد التي رُدت إليه "
ساد الصمت فقال وهو ينزل السلم إلى البهو الرئيسي للفندق "اسمعي يا بنت ..الليلة ستكون مميزة بحق .. سأحجز غرفة لنا هنا في الفندق .. وأمر عليك بعد قليل و .."
قبل أن يكمل حديثه لمح بسمة وعائلة زوجها يقفون في بهو الفندق فعاد بضع درجات للخلف ثم صعد من جديد فقالت آية بقلق" سيد هل هناك شيء؟"
قال وهو يهرول صاعدا "لا شيء كنت أقول يويا أني سأحاول أن أحجز لنا غرفة للمبيت في هذا الفندق وأوصلك عند الشروق لمحطة الإذاعة"
استندت على ظهر السرير بظهرها ولعبت في خصلات شعرها وهي تقول بدلال" ولماذا في الفندق؟"
قال سيد بابتسامة شقية " لأني أريدها ليلة صاخبة.. وهات معك بدلة الرقص الجديدة"
اعتدلت تقول باتساع عينيها" أي بدلة تقصد؟"
قال بهمس وهو يقترب من القاعة عائدا "البدلة الزرقاء التي أحضرتِها بمناسبة عيد زواجنا الشهر القادم والتي تخبئينها في أحد الصناديق في الرفوف العليا من الخزانة .."
شهقت متفاجئة فأكمل بلهجة حارة "يا الله.. ستكون مذهلة مع لون بشرتك الأبيض ..لذا لن أتحمل الصبر حتى الشهر القادم لأراها عليك"
سألته عابسة "كيف عرفت؟"
انفجر ضاحكا وهو يقف بجوار باب القاعة كما كان يحدثها قبل قليل ثم أجاب من بين ضحكاته" يا بنت ..أنا أحفظك كخطوط يدي .. (ثم أضاف بسرعة ) ادع أن نجد غرفة شاغرة فقد علمت بأن الفندق يستضيف مؤتمرا طبيا عالميا .. سأؤكد لك الحجز لتستعدي"
هتفت بقلق أمومي" وباسل ونغم"
قال مطمئنا "لا تقلقي سأتصل برحمة وأخبرها بأي حجة لتبقى بجوارهما حتى الصباح .. (وأضاف حين أحس بتردد جانبها الأمومي الذي اكتسبته في السنوات الأخيرة ) هيا يويا لم نبت خارج البيت وحدنا منذ أن ولدا .. كما أنهما لم يعودا رضيعان"
بعد دقائق أغلق الخط ودخل القاعة محدثا نفسه "على الأقل تأكدنا من أن آل غنيم قد غادروا الحفل .. لنبق بعض الوقت حتى يغادروا الفندق تماما.."
سلم على بعض المعارف بمجاملة ثم اخترق المدعوين حتى اقترب من آخر القاعة حيث انتهت فقرة توزيع الجوائز على أطقم العمل التابعة للقناة ..فوقف بجوار ضحى وفادي لتسأله الأولى" أين اختفيت؟"
هرش في رأسه وأجاب" أنا هنا"
قالت مذيعة الحفل" والآن نبدأ فقرات برنامجنا الساهر .. مع أولى فقراتنا .. مع موهبة شابة اشتهرت منذ الطفولة وحازت موهبتها الغنائية على إعجاب منقطع النظير"
غمغمت ضحى "هذه البنت أحبها موهوبة بالفعل"
رد سيد و فادي مؤيدين بينما ساد ارتباك والمذيعة والحضور ينتظرون تقدم المطربة الشابة لالتقاط الميكروفون .. لكنها لم تظهر .. فاتجهت أنظار الجميع نحو المنتج الشاب صاحب شركة الانتاج التي ترعاها والذي بدا عليه الحرج والغضب وهو يبحث حوله فبدا على الجميع الاستياء وناظرت ضحى صاحب القناة صديقها هي وفادي فوجدته مستاء بشدة ..فأسرعت تتحرك نحو المذيعة بخطوات واثقة أثقلتها خبرة السنين وتقدمت بأناقة بفستانها الفضي بدون أكمام وشعرها القصير وأمسكت الميكروفون تقول " مساء الخير .. صحيح أنا لست من ضمن الأسماء التي أعلن أنهم سيغنون الليلة .. لكن شهيتي انفتحت للغناء بعد أن حضرت هذا الحفل الجميل .."
انفجرت القاعة بالتصفيق فأضافت ضحى شاعرة بالإطراء من ترحيب الناس" لذا اسمحوا لي أن افتتح أنا الفقرات بغناء مهدى لعدلي بك .. الذي يجمعه بنا أنا وفادي صداقة وعشرة سنين طويلة .. سأغني أغنية مباركة له على النجاح الكبير للقناة على مدى سنين"
ناظرها عدلي بامتنان كبير بينما اندفع المنتج الشاب ليغادر القاعة هاربا من النظرات المتسائلة ليبحث عن تلك المتهورة.
أضافت ضحى "تعلمون .. أنا دوما اشجع الشباب الصاعد .. وهناك أغنية أدندنها هذه الأيام لأحد الفرق الشبابية سأغنيها معكم تشجيعا لهم "
ذهبت نحو الفرقة الموسيقية وأعطت بعض التعليمات لقائدها بينما امتن الحاضرون لأن تفتتح مطربة بقيمة ضحى الحفل .. فعادت الأخيرة وبدأ العزف لتبدأ هي الغناء .
متخافش من بُكره ..
خاف بس من خوفك ..
خلِّى الحياة فكرة ..
و ارسمها بحروفك ..
افرش سَمَاك ألوان ..
اعشق بكل جنان ..
وإياك تعيش ندمان ..
أو مَحنِى لظروفك ..
تحركت ضحى نحو سيد الذي تفاجأ بها فسحبته من يده وهو يضحك وعادت لتقف مكانها وهي تشير لمعدي الحفل بين المقطع الموسيقي تطلب ميكروفونا إضافيا حتى جاءهما فالتقطه سيد وبدأ في الغناء أمامها وكأن الأغنية اختيرت قدرا في هذا التوقيت ليغنيها بكل مشاعره:
كل الجراح جواك ..
بالصبر تطرح ورد ..
خطاويك عيدان خضرا ..
و مسيرها يوم تشتد ..
دى الشمس مهما تغيب ..
يفضل شروقها نصيب ..
لو حتى كنت غريب ..
حضن القلوب يتمَد ..
اشتعل الحفل بالحماس الذي انتقل للمطربين فوقفا أمام بعضهما يغنيان بسلطنة في صوت واحد :
افتح ببان الصمت ..
و اصرخ بصوت مسموع ..
لو زاد عليك الصعب ..
خلِّى الجبين مرفوع ..
إفتح عينيك شبابيك ..
ضُم الوجود بإيديك ..
دا الفرح مستنيك ..
و الحلم مش ممنوع .
××××
استقرت بسمة شاعرة ببعض الراحة لجلوسهم في أحد الأركان الداخلية في الدور الأرضي من الفندق بعيدا عن باب الاستقبال حتى لا يتصادف مرور سيد ويراه كامل الذي لم يفهم حتى الآن سبب إصرار والده على مغادرة الجميع للحفل مدعيا بالاكتفاء ما داموا قد حضروا جزءا منه .. ولم يرتح غنيم إلا بعد أن أخبر شامل بوجود سيد فأسرع الأخير بالموافقة على ترك الحفل والمغادرة لإبعاد كامل تماما .. لكن غنيم وشامل لم يستطيعا الافلات من المقابلة مع مفرح بعد أن أخبر الأخير أصهاره لذا قرر غنيم عدم المغادرة والبقاء خوفا منه لأي تطور أخر .
في جلسة مرتفعة عما حولها بسلم خاص وكأنها جلسة خاصة.. جلس الجميع يرحبون ببعضهم البعض آل غنيم وأولاد صوالحة فقالت مليكة وهي تقبل وتحضن ونس "اشتقت إليك ونوس .. لماذا أنت هادئة هكذا؟ ..هل يثقل عليك الحمل؟"
ابتسمت ونس وعادت لمعانقة مليكة بعاطفة قوية دون رد فمسدت مليكة على ظهرها ثم أجلستها بجوارها ..والتفتت لبسمة التي جلست على الناحية الأخرى منها لتكمل معها الحديث وكل واحدة منهما تبسمل وتقرأ أدعية الحسد في سرها مشيحة بنظراتها عن بطن ونس خوفا من أن تحسدها دون أن تشعر .. فقالت مليكة لبسمة التي تلتفت حولها بعد أن قصت عليها ما حدث" لا تقلقي فبالتأكيد لن يغادر الآن مادام الحفل ممتدا"
قالت بسمة بتوتر وهي تراقب سلما جانبيا على يسارها " أعتقد أن هذا السلم مؤدي للدور الثاني الذي تقع به قاعة الحفل"
قالت مليكة مطمئنة" لا تقلقي .. ثم أنني لا أعلم مما تهربين"
أوضحت بسمة " أنا لا اهرب يا مليكة .. أنا فقط لا أريد مواجهة بينهما .. كامل ليس متحكما في أعصابه بشكل كامل بعد ولا أريد أي تهور منه"
ربتت مليكة على يدها تقول شاعرة بالذنب "لولا أني وجدت الثلاثة متمسكون بجلوسهم معا هنا فأسرعت بالإعداد للمفاجأة التي طلبتها لمفرح .. لتحججنا بأي شيء وغادرنا .. لكن أعدك ألا نتأخر "
نظرت بسمة للسلم فتطلعت مليكة فيما تشاهد لتجد تلك المطربة الشابة تنزل منفعلة تطقطق بحذائها العالي بعصبية بينما الممثل الذي شاهدته بسمة معها في القاعة يسرع للامساك بيدها ليوقفها فقالت مليكة" أليست هذه.."
قبل أن تكمل قالت بسمة" أجل هي ..ولا أدري ماذا حدث؟ هل تشاجرا؟.. لقد كانا منسجمين ويتضاحكان في الحفل بالأعلى"
راقبتاهما باهتمام والممثل الشاب يحاول على ما يبدو اقناعها بشيء بينما هي تعاند ليظهر على أعلى السلم المنتج الذي ناظر المشهد بغضب فقالت مليكة "ومن هذا ولماذا يناظرهما بهذا الشكل؟"
دققت بسمة فيه وقالت" أعتقد أنه الأخ الأكبر لهذا الممثل وصاحب شركة الانتاج التي ترعى المطربة.. أذكر أني حضرت حفلا قديما لهذه البنت حين كانت لا تزال مراهقة ورأيته معها"
تحرك المنتج مندفعا يتجاوز أخاه والمطربة الشابة ونزل السلم مبتعدا ليتطلع الشاب الأخر في أخيه بقلق ثم يسحب الفتاة الغاضبة من يدها و يلحق به.
عادت بسمة ومليكة بوجهيهما للجالسين معهم فغمغمت الأولى يتملكها الفضول "ترى ماذا حدث؟"
قالت مليكة " يبدو أنه كان حفلا ضخما يضم المشاهير"
ردت بسمة بزهو طفولي تغيظها" حبيبتي أنا معتادة على مثل هذه الحفلات"
ضحكت مليكة وقالت "تفاخرين يا بنت الوديدي ! (ونظرت لونس تناغشها بالقول) كيف حال الشقي هل استقريتم على اسم له؟"
غمغمت ونس" كيّ يوم نقتيِح اثم جديد .. واليوم اقتيح شاميّ اثم آثر وقد أحبه وايداه"
(كل يوم نقترح اسما جديدا واليوم اقترح شامل اسم آسر وقد احبه والداه)
مسدت مليكة بعاطفة قوية على ظهر ونس تقول" لا تعلمين كم أنا سعيدة بتحقيقك للمستحيل بالنطق وبتلك الجائزة التي فزت بها ..أنا فخورة بك يا ونس "
ابتسمت الأخيرة أخيرا .. ثم تبادلت النظرات مع شامل الجالس على الناحية الأخرى في الوقت الذي قالت فيه مليكة هامسة لبسمة بعاطفة صادقة" وسعيدة من أجلك أيضا يا بسمة وسعيدة لحالتك الآن .. رغم أنك قابلت سيد منذ قليل"
ابتسمت بسمة وردت" الحقيقة لو كنت فكرت من قبل أني قد أقابله يوما لربما توترت وخفت من أن تهاجمني الذكريات المؤلمة مرة أخرى .. لهذا أنا سعيدة لأني لم اهتز أمامه ..ولم أشعر بشيء ..وكأنه شيء من ماضٍ بعيد رحل بحلوه ومره ولم تبق إلا الذكرى .. ذكرى لأيام مضت وولت"
تأملتها مليكة لتقول بسمة مضيفة "وكأنه بات شخصا آخر غير الشخص الذي في ذاكرتي .. كما لو كان هذا الشخص الذي كان معي في الماضي قد حُبس هناك .. حُبس فيه .. تركته في الذاكرة وأغلقت عليه بالمفتاح ورميت المفتاح في البحر .. فتلاشى ذلك الشخص القديم .. تلاشى ولم يعد له وجود ..ولم تبق سوى ندبة .. ذكرتني بقصة حكاها لي عمي غنيم ذات مرة "
قالتها بعاطفة قوية وهي تنظر له وهو مندمج في الحديث مع أكرم صوالحة بينما مفرح يتشاكس مع التوأمين ويضحكون بصوت خافت فسألت بسمة مليكة "وكيف الحال معك (وغمزت لها) ابن عمتي يبدو مختلفا منذ عودتكم من تلك السفرة"
غمغمت مليكة بوجنتين متوردتين" ابن عمتك ينتقم مني .. ويستغل شعوري بالذنب تجاهه "
ضحكت بسمة في الوقت الذي نظرت مليكة لزوجة أخيها أكرم والتي أشارت لها بما يعني أن كل شيء على ما يرام ثم أكملت زوجتي أكرم وعمار الحديث مع سوسو .
لم يمر إلا بضع دقائق ثم اقترب نادل يحمل كعكة مضيئة بشمعتين على شكل رقم ستة وثلاثين ..وأخريات رفيعات ومشتعلات كالصواريخ حول الرقم .. وتقدم ليعطيها لمليكة التي ناظرت مفرح المندهش ثم بدأت بترديد أغنية عيد الميلاد مع ولديه وباقي شباب آل صوالحة الصغار..
فأحس مفرح بالحرج الشديد بينما ألقاه التوأمان ببعض العبارات الساخرة الخافتة المتهكمة .
انتهت مليكة والشباب وانتظرته للنفخ في الشمع فناظرها قائلا "شمع مرة أخرى!!.. أنت تعرفين عقدتي من الشمع وأساليب السرايات هذه يا مليكة"
توردت وجنتاها دون رد فأسرع هو بالقول لولديه وهو يأخذ الكعكة من يدها " انفخا في الشمع بالنيابة عن أبوكما فقد شاخ وأصبح في السادسة والثلاثين من العمر "
سحب شامل صاروخا مشتعلا ومد به يده لونس التي بدى عليها الاهتمام والحيوية بعد مشاهدة الكعكة .. فأخذت منه الصاروخ المشتعل بينما وزع مفرح باقي الصواريخ على الواقفين ثم أسرع الولدان بالنفخ في الشمعتين وبعدها تلقي مفرح التهاني من الحاضرين يداري شعوره بالحرج ..قبل أن يسأل مليكة وهو يهرش في رأسه شاعرا بالغباء " في أي يوم نحن؟"
ردت موضحة "يوم ميلادك بعد عدة أيام لكني انتهزت الفرصة قبل سفر شامل وونس لإيطاليا ..وسفر عمار بعدهما لإحدى صفقاته ..فقلت ما دمنا قد تجمعنا بدون موعد فلنحتفل بعيد ميلادك .. وكنت أتمنى أن يكون أبي وعلي وبشر موجودين .."
ربت مفرح على ظهرها شاعرا بالامتنان لتقول سوسو بمحبة خالصة "عيد ميلاد سعيد يا مفرح ..لا تعرف مدى اعتزازنا أنا وغنيم بك وبمعرفتك أنت وأسرتك.."
شكرها مفرح لتقول بسمة" عيد ميلاد سعيد يا ابن عمتي"
عبس كامل قائلا بلهجة خطرة تحمل في طياتها المزاح "باسمة .. لا تُعيّدي أحدا غيري!"
ضحك الحاضرون ثم قالت ابتسام زوجة أكرم" قطعي الكعكة يا مليكة"
جلست الأخيرة أمام الطاولة الصغيرة في وسط الجلسة التي استقرت عليها الكعكة لتقطعها بينما اقترب أدهم وإياد لتهنئة والدهما الذي مال يحضنهما فقال إياد" لقد فاجأتنا أمي ولم نشتر لك هدية"
مسد مفرح على شعر ابنه ثم استدار للتوأمين يسألهما مشاكسا" أين هدية عيد ميلادي يا ولد أنت وهو؟"
ناظر التوأمان بعضهما ثم سأله كامل متصنعا البراءة "هل تريدها الآن ؟.. حسنا ليس عندنا مانع"
قال مفرح بصوت خافت محذرا "احترما نفسيكما واعلما أننا في مكان عام مع أصهاري وأمام ولداي"
غمغم شامل بلهجة متسلية" إذن لا تسأل أسئلة لن تستطيع تحمل إجابتها"
ناظرهما مفرح بمقلتين مقلوبتين ووعيد صبياني .. وأشار على الأطباق التي قطعت فيها الكعكة " كُلا صامتين وحسابي معكما فيما بعد "






يتبع










Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 10:56 PM   #3205

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 4

(4)


بعد قليل تحرك أكرم صوالحة متعللا بتلقي مكالمة ولحق بمفرح وشامل أمام أنظار ونس وكامل الوحيدين اللذين كانا يعلمان بما يحدث ..
تحرك أكرم وذهنه مشغولا يحاول أن يجد تفسيرا منطقيا لطلب مفرح الغريب بأن يلحق به دون أن يشعر أحد لأن شامل لديه شيء يريد أن يقوله مشددا عليه ألا يشعر الباقون بشيء وخاصة مليكة .. لكنه فشل في تخمين ما الذي يمكن أن يكون سببا لهذا الطلب الغريب ..
بعدها بدقائق لم تحتمل ونس البقاء مكانها وتحركت تغادر الجلسة وسط اندهاش الأخرين الذين نادوا عليها فلم تقل إلا " أييد أن اذهب لشاميّ"
(أريد أن أذهب لشامل)
وتحركت غير مبالية باستغراب الجميع لكن كامل ترك مقعده وتحرك خلفها وهو يجز على أسنانه فحاولت بسمة القيام للذهاب معه لكنه أشار لها بيده أن تبقى مكانها.
خارج أحد الأبواب الزجاجية وقف مفرح وأكرم أمام شامل في حديقة الفندق في هذا الوقت من الليل .. وقفا مترقبان بفضول لما سيقوله.. فوقف شامل شاعرا بالحرج لكنه شجع نفسه قائلا بعد أن أجلى صوته "الحقيقة أنا لا أعرف كيف أبدأ ..ولا إن كان عليّ أن أقول ما أقول أم لا ..لكني أشعر الآن بشعور ونس زوجتي .. وأشعر بحيرتها ..رغم أني لم أعرف إلا قبل أيام لذا أشفق عليها من أن تحمل هذا الذي تظنه حقيقيا لما يزيد عن ثماني سنوات"
ناظر مفرح أكرم ثم قال" ماذا تقصد يا شامل أقلقتنا؟"
دلك شامل جبينه بأنامله وقال بعد أن سحب نفسا طويلا "حسنا .. ونس لديها قصة تخص موت ابنة السيدة مليكة "
عبس الوجهان أمامه وقد لاحت الذكرى في مقلتيهما كندبة مؤلمة بمجرد أن تلفظ بها شامل الذي أسرع بالقول" ونس تقول بأنها قد رأت الحادث ..وقصت على والدها حينها .. فطلب منها عدم التفوه بأي شيء لظنه بأنها قد تكون قد التبس عليها الفهم ..فقد كانت صغيرة في الخامسة عشرة من عمرها ..لكن ونس لم تنس ولم تستطع النسيان ..وحينما فُتحت السيرة مرة أخرى بما حدث للسيدة مليكة مؤخرا من انهيار ازداد شعور ونس بالثقل بسبب ما لا تعرف مثلي إن كان حقيقة أم خيال ..الأمر ظل يضغط على أعصابها خاصة مع ظروف الحمل حتى أصبح يؤثر عليها بشكل سلبي واضطرت لأخباري ..ولقد وقعت مثلها في حيرة إن كان ما رأته حقيقة أم خيال ..لذا اعتذر مقدما عما يمكن أن يثيره ما سأقوله من ذكريات أنا فقط أريد أن أساعدها حتى تشعر بالراحة بإيصال الموضوع لأصحاب الأمر"
"تكلم يا شامل "
قالها أكرم بدون صبر وقد استنفر ذهنه لهذه المقدمة الغريبة فقال شامل "سأخبركما بكل شيء"
قبل ثماني سنوات
كانت الحمى شديدة ظلت تصارعها لساعات لا تشعر بشيء حولها لكنها استيقظت أخيرا بعد أن انخفضت حرارتها بفعل ذلك الدواء الذي أعطاه لها والدها وهو يضع لها الكمادات الباردة طوال الوقت .
استيقظت بعد منتصف الليل ووجدت نفسها وحدها في الغرفة .. فقامت تبحث عن والدها ولم تجده.
أحست ونس بالخوف فما شاهدته من هلاوس أثناء الحمى جعلها بحاجة لحضن ..بحاجة للشعور بالاطمئنان .. فالمرض يخيفها .. يشعرها بدنوها من الموت .. الموت الذي لا تعرف كنهه ..ولا تفهم عنه شيئا بسنوات عمرها الخمسة عشر ..سوى أنه يجعل البشر غير موجودين ..فيصيب ذويهم بالحزن كما أصاب موت والدتها والدها بالحزن ..
اشتد الخوف في قلبها وهي وحدها في البيت بدون والدها الذي علمت فيما بعد بأنه قد ذهب ليحضر إحدى الممرضات لتمرضها فهو لديه رهاب من الحمى بعد ما أصابها وهي صغيرة وسبب لها ضعف السمع .
ثبتت سماعتيها في أذنيها ولفت وشاحا حول رأسها وخرجت من البيت فقابلتها الحقول المظلمة المترامية الأطراف أمامها وزادت من شعورها بالفزع والخوف ..فهرولت تاركة البيت قاصدة التوغل في القرية لتبحث عن والدها أو تلجأ لبيت نصرة مؤقتا .. تصرف تعرف بأنه سيجن جنون والدها لأنه يكره خروجها من البيت بدون إذن فما بال الوقت المتأخر الذي لم تكن تعرف كم الساعة وقتها لكن الطرقات الخاوية من الناس والسكون الشديد الذي يتآمر مع الظلام لإخافتها .. إلا من أصوات صراصير الحقول ونقيق الضفادع بين الدقيقة والأخرى.. زاد من حالتها سوءا.
كان الخوف يزداد وهي تتحرك في الظلام بين بيوت القرية المغلقة في وجهها فقررت أن تتوجه لبيت نصرة وفي الوقت نفسه تبحث عن والدها لعلها تقابله في طريقها .
عند سرايا الصوالحة تلك البناية الضخمة التي تشبه بالنسبة لما حولها قصرا من قصور القصص التي تقرأ عنها في مكتبة المدرسة توقفت بفضول .. فلطالما كان هذا المبنى الغريب وسط البيوت العادية يثير فضولها لتعرف ما بداخله .. وتمنت كثيرا أن تدخله وتتجول فيه لما سمعته من زميلاتها من مبالغات عما يوجد بالداخل .. لكن ما جعلها تتوقف وشغلها عن شعورها بالخوف الذي يسيطر عليها في السكون الموحش حولها هو ملاحظتها أن بوابة السرايا كانت مواربة بقدر يدخل شخص تقريبا .. فتساءلت ..أيمكن أن يكونوا قد نسوا البوابة مفتوحة؟
كيف وهي تعلم أن هناك رجلا بدينا اسمه العم عبد المقصود يقف دوما أمامها! .. هذا ما لاحظته وحفظته من خلال مرورها من أمام السرايا يوميا إما للمدرسة ذهابا وإيابا أو لزيارة نصرة وإسراء .
اعتراها الفضول .. تملك منها .. سيطر عليها كليا فتقدمت من البوابة ونبضات قلبها تتسارع بجنون .. ثم وقفت لترى ماذا يوجد بداخل حديقة السرايا ..لكنها فوجئت بمشهد غريب.
العم عبد المقصود يقف هناك بالقرب من باب السرايا الداخلي ظهره للبوابة الخارجية يحرك رأسه بين باب السرايا وكأنه يراقبه وبين شيء ما على يمينه يرفع له وجهه لتتفاجأ ونس بشخص يقف على الشجرة الملاصقة لإحدى النوافذ العليا ..
ورأت طفلة صغيرة كما وضح لها في الضوء الخافت من حجم جسمها تجلس على النافذة ثم حملها ذلك الشخص بين ذراعيه وبدأ يبحث عن طريق للنزول لكن قدمه انزلقت فجأة فاختل توازنه وافلتت الطفلة من بين يديه فأسرع بمحاولة الإمساك بها ولحقها يقبض على ملابسها بسرعة قبل أن تسقط ..لكنها أفلتت من يده بعد ثوان أخرى وسقطت على رأسها لتستقر بعدها في الأرض دون حركة ..ويسقط ذلك الشخص خلفها أرضا ..
الأمر كله حدث خلال دقيقة تبعها شهقة من الحارس الذي كان منشغلا هو والشخص الذي سقط بما حدث فلم يسمعا شهقة ونس وفزعها مما رأت ..
تملكها الخوف وهي تتساءل .. هل ماتت الطفلة؟.. فجثم ذلك الشعور بالخوف من الموت فوق صدرها و أوقف أنفاسها للحظات وهي تبتعد عن البوابة في رعب .
لكن قدميها كانتا ترتعشان فلم تستطع أن تبتعد كثيرا فدخلت إلى أول شارع جانبي قابلها على بعد أمتار قليلة من بوابة السرايا وجلست على الأرض تحاول تنظيم أنفاسها وسؤال ملح يشغلها: هل ما رأته كان حقيقيا أم أنه كأحلام اليقظة التي تنتابها أحيانا؟.
صوت عراك هامس جاءها من البوابة القريبة فأطلت برأسها لتجد ذلك الشخص يفلت من يد العم عبد المقصود ويسرع بالهرب من السرايا وهو يعرج بشكل واضح ويمسك بذراعه وعلى الضوء الخافت تعرفت عليه .. علمت من هو قبل أن يهرول بسرعة مبتعدا وهو يعرج حتى اختفى في أحد الشوارع على الناحية المقابلة.
لم تستطع لفترة القيام من جلستها على الأرض في ذلك الشارع الجانبي ..تعاني من ضيق في التنفس وارتخاء في العضلات .. وخلال تلك الدقائق سمعت صياح العم عبد المقصود لإيقاظ مَن بالسرايا.. وسمعت تجمع الأهالي وصراخ خادمات السرايا والجارات .. وحين تمالكت قوتها واستقامت واقفة وخرجت من مكانها كان الناس يتوافدون على المكان .. ثم تبعه وصول سيارة إسعاف يخرج منها المسعفين بسرعة .. وبعدها تعالى المزيد من الصرخات فوقفت تحضن نفسها وهي ترى بسمة تصل مفزوعة وتدخل للسرايا وتبعها وصول أم هاشم ثم مليكة التي لم تكن على علاقة قوية بها حينها ولم تكن تعلم بأن الطفلة تكون ابنتها ولم تدر ساعتها من تخبر بما رأته .. كل ما التقطته سماعتيها من بين الزحام والأصوات المتداخلة ..أن الطفلة أرادت الخروج للبحث عن أمها وسقطت من فوق الشجرة ..فأسرعت ونس بالعدو مبتعدة وهي تحدث نفسها في سرها "كذب ..كذب"
بعد حوالي ساعة وجدها عيد عائدة بخطوات شاردة فكاد قلبه أن يتوقف وارتخت ساقاه حتى أنه مال بجذعه يستند بيديه على ركبتيه ينطق بالشهادتين ..
لقد كاد أن يصاب بأزمة قلبية حينما عاد ولم يجدها وذهب يبحث عنها وعاد مرة أخرى للبيت لعلها تكون قد عادت… كان الناس في وادٍ وهم يتحدثون عن الطفلة التي سقطت من فوق الشجرة وهو في وادٍ أخر يبحث عن المراهقة المتمردة غريبة الأطوار التي أبتلي بها ..
حين اقتربت اعتدل وقبض على ذراعها بقوة صارخا" أين كنت؟"
حاولت الإشارة له فلم يعطها الفرصة بل سحبها إلى داخل البيت منفعلا ولايزال جسده يرتجف من الخوف مما سمعه عن تلك الطفلة التي فقدوها فجأة فترجم انفعالاته بالغضب والعصبية .. لتسرع ونس بإخراج دفترها وكتبت له بخط مرتعش "إنهم يكذبون ..الطفلة لم تقفز من النافذة وحدها"
عبس عيد وتجمد فكتبت له شارحة كل شيء ..كتبت ما أخافه وأفزعه لكنه شك فيما تقول فقال بعصبية وهو يخطف الدفتر ويمزقه "ما تحاولين قوله إياك أن تكرريه مرة أخرى لي أو لأي أحد ..( وأمسك بذراعها مهددا ) أغلقي فمك تماما هل سمعت ..ما تقولينه هذا سيحرق البلدة كلها ونحن لن نقدر على الوقوف أمام الصوالحة خاصة وأنني أشك في صحة ما شاهدتيه فأنت محمومة"
همت ونس بالاعتراض فهدر فيها عيد بكل ما أوتي من قوة و .. خوف "اخرسي تماما وإياك أن تتلفظي بهذا الموضوع أبدا يا ونس إن كنت لا تريدين أن تفقدي والدك أيضا"
انتهى شامل من قص الحكاية التي روتها له ونس وساد صمت مصدوم وكأن الرجلين الواقفين أمامه تحولا لتماثيل من شمع متسعة العينين .. ورغم حرجه من الموقف برمته شعر شامل وكأن حجرا قد أزيح من فوق صدره فقال مردفا " ربما لا تكون رواية ونس حقيقية لكن صدقاني أنا شاركتها فيها لبضعة أيام وشعرت بالثقل فأعتذر لو لم تكن حقيقية"
في هذه الأثناء كان كامل يقول بغضب وهو يمسك بذراع ونس ليمنعها من الاستمرار في البحث عن شامل "ونس توقفي أين ستذهبين؟"
قالت بعناد" أييد شاميّ أيجوك"
(أريد شامل أرجوك )
لمحت من بعيد وقفته خارج الباب الزجاجي أمام مفرح وأكرم فأسرعت تلملم فستانها المنفوش وتلحق به فوقف كامل يراقبها مستسلما حتى وصلت إلى زوجها ثم استدار عائدا إلى الجلسة.
فتحت ونس الباب الزجاجي تخرج إليهم وكأنها تريد أن تتأكد من ردود الأفعال بنفسها ..فانتبه شامل وأسرع إليها يقول بلهجة لائمة "لماذا خرجت يا ونس فالجو بارد؟"
قالها وهو يخلع سترة حلته ويضعها على كتفيها بينما عيناها مسلطتان على الرجلين المسمرين أمامها ففرد شامل ذراعه حولها يضمها إليه وهو يقول "لقد أخبرتهما وانزاح الأمر من فوق رأسك سواء كان حقيقيا أم لا"
تحركا ليقفا أمام الرجلين وشامل لايزال يضمها إليه داعما فقالت ونس لهما" أنا آثفة آثفة يو كان حقيقيا ويم أخبيكم به حتى الآن وآثفة يو يم يكن حقيقيا فأزعجتكما به"
ضمها شامل يمسد على ذراعها وأخبرهما موضحا ما تقول " تقول إنها آسفة لو كان حقيقيا ولم تخبركما به ..وآسفة لو لم يكن حقيقيا وأزعجتكما به "
قطع أكرم الصمت المصدوم بعد أن ظل رأسه يعمل في تفنيد ما سمع ومحاولة تحديد الحقيقة من التخريف في القصة وسألها" هل تسمحين لي بأن أسالك بعض الأسئلة يا ونس ؟"
ازداد تشبثها بشامل وأومأت برأسها فسألها "هل تذكرين شكل حارس السرايا وقتها؟"
ردت بعد إيماء وأجابتهما ليكرر شامل لهما ما قالت" أجل .. الرجل البدين ذو الكرش والشارب الكث العم عبد المقصود"
ناظر أكرم مفرح الصامت ثم عاد يسألها "تمام وهل تذكرين متى كان الحادث؟ أقصد صيف أم شتاء؟"
رفعت ونس مقلتيها تتذكر ثم أجابت ليوضح شامل لهما " كان في الربيع .. في نهايته لأنني مرضت قبل امتحانات الاعدادية بفترة قصيرة"
هز أكرم رأسه وسألها" وهل ذلك الشخص الذي رأيته يتسلق الشجرة تعرفينه؟"
هزت رأسها فصدم أكرم ونظر لمفرح بعد أن كان قد جهز نفسه لإجابة نافية فعاد يسألها باهتمام وعينين متسعتين" من هو؟"
أجابت فوضح شامل "لا أعرف اسمه لكني أعرف أنه كان صاحب وليد"
عبس مفرح ونطق أخيرا "وليد من؟"
ردت ونس "وييد أخو باسما"
هتف مفرح باستنكار "وليد الوديدي؟!!!"
هزت رأسها بالإيجاب فسألها أكرم " هل تعرفين ابن مَن ذلك الشخص في القرية؟"
قالت فترجم شامل عابسا مما قالته " ليس من القرية إنه من قرية أخرى لكني أعرفه ..كان يضايقني عند الخروج من المدرسة وهو ينتظر وليد بعد اليوم الدراسي.. وإسراء تشاجرت معه ذات يوم لهذا السبب واشتكت لوليد الذي منعه من تكرار ذلك "
سألها أكرم " لكنك لا تعرفين اسمه؟"
هزت ونس رأسها نافية ليسألها أكرم وهو غير مستوعب حتى الآن لما قالته "وهل كنت ترينه في القرية بعد ذلك اليوم؟"
ردت فوضح شامل " لا لم أره بعد ذلك ولكني رسمت صورته حتى لا أنسى وجهه"
ضيق أكرم عينيه وغمغم "رسمتها!"
ردت فترجم شامل " أجل حتى لا أنسى .. إنها في الصندوق القديم في بيت أبي"
تنهد أكرم وصمت شاردا بنظراته في الأرض بوقفة متخصرة ولا تزال الصدمة تسيطر عليه بينما مسد شامل على ذراعها يقول بحنو "أحسنت حبيبتي"
ناظرتهما ونس تقول" آثفة"
سألها أكرم رغم عدم تصديقه للقصة " هل هناك شيئا أخر تذكرينه يا ونس؟ ..أي شيء"
هزت رأسها فقال بلهجة دبلوماسية" أنا أشكرك على هذه المعلومات وسواء كانت حقيقة أم لا أنا مقدر جدا لما قلته لنا"
هزت ونس رأسها وهي تكتم رغبة ملحة في البكاء ..البكاء من أجل الشعور بالخلاص بعد سنوات من المعاناة للاحتفاظ بسر .
في الجلسة العائلية زفرت بسمة براحة حينما وجدت كامل عائدا ..فهي تجلس في توتر شديد منذ أن غادر خلف ونس تخاف من أن يقابل سيد صدفة ..وهذا ما كان يقلق غنيم أيضا بينما تساءلت مليكة "أين ذهب مفرح الولدان يتساقطان من النوم؟!"
بعد دقائق عاد مفرح وأكرم الذي ناظرهما الجميع بتساؤل فاختلقا بعض الحجج لاختفائهما بينما لم يعد شامل وونس إلا بعدهم بمدة ثم قرروا جميعا الرحيل ..
منهم من يزفر براحة ومنهم من أصابته الصدمة في مقتل .
××××




يتبع








Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 10:56 PM   #3206

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 5

(5)


بعد ساعتين

وقف مفرح في الحديقة الصغيرة التابعة للبناية ذات الطابقين التي يمتلك هو الشقة العلوية منها بينما عمار يمتلك الشقة السفلية .. وقف مع عمار بعد أن سبقهما عائلتاهما إلى الداخل وانضم لهما أكرم بعد قليل الذي تقع فيلته على بعد شارعين فأوصل عائلته وأسرع بالانضمام إليهما.

وقف ثلاثتهم مرتبكون مشوشون غير قادرين على استيعاب ما سمعوه .. لا يصدقونه لكنهم في نفس الوقت لا يقدرون على نسيانه .. وكأن ونس قد تخلصت من الحمل الجاثم على صدرها فألقته فوق صدر الثلاثة رجال ..ولدهشتهم.. كان حملا ثقيلا جدا على النفس .

قال عمار بذهول" هل من الممكن أن تنسج كل هذا من خيالها؟"

رد مفرح مقارعا "ولكن لا تنسى أنها كانت مراهقة في الخامسة عشر وأنها طوال عمرها لها شخصيتها المختلفة "

قال عمار مفكرا " أتعرفان ما الذي يجعلني أشعر بأن هناك خطب ما؟"

ناظراه باهتمام فاردف" عم عبد المقصود بعد الحادث بشهر تقريبا طلب الرحيل فجأة رغم أنه يخدمنا منذ سنوات طويلة .. واختفى هو وعائلته بعدها بدون مقدمات .. وقيل بأنه قد جاء إلى العاصمة هنا واستقر بها .. وعلى مدى الثماني سنوات الماضية نما إلى علمي معلومة لا أعرف مدى صحتها بأنه أصبح يتاجر بالفاكهة ومرتاحا ماديا"

قارعه أكرم بهدوئه المعهود قائلا "وهل هناك مشكلة في ذلك ؟.. "

رد عليه عمار موضحا " هناك يا أكرم مشكلة طبعا ..فثماني سنوات قليلة لأن يكون في الحالة المادية التي وصلتني عنه"

قال أكرم بغير تصديق "نحن لانعرف تفاصيل عنه لنحكم عليه"

غمغم مفرح شاردا هو الأخر" ما كان يثير استغرابي دوما أن مليكة قد زارت نجمة في يوم الحادث ..وكانت الصغيرة تعد معنا الأيام المتبقية للذهاب معنا .. فكيف تشتاق لها فجأة كما تصورنا أو فسرنا الأمر يومها بأنها حاولت النزول عبر الشجرة .. من أين جاء هذا التصور في ذهن الصغيرة ؟.. كما أن مليكة لفتت انتباهي لأمر أخر في جلسة العلاج النفسي التي حضرتها معها .. أن الصغيرة كانت تعلم جيدا أن البوابة عليها حارس ولن يسمح لها بالخروج إن أرادت"

نكش عمار شعره بعصبية وقد بدأت شكوكه تزيد ليقول مفرح "المهم ماذا سنفعل هل سنهمل القصة أم..؟"

قاطعه عمار بتصميم" لااا ..القصة أثارت بداخلي تساؤلات كثيرة ورتبت بعض قطع البازل التي كانت ناقصة في حادثة موت الصغيرة في رأسي ..ولن أهدا إلا بعد أن أتأكد من أنها مجرد تخريف"

قال أكرم بهدوء " الحقيقة أنا أيضا أشعر بأن حياتي لن تعود كما كانت قبل معرفة هذه القصة إلا بعد أن أتأكد تماما من أنها غير حقيقية (ونظر لمفرح يسأله) كيف نستطيع أن نحصل على الرسم الذي رسمته ونس لمن تعتقد بأنه الجاني؟"

أجابه مفرح " شامل أخبرني بأنه سيتحدث مع حماه ليخبره بما قالته ونس .. وسيحدد لنا يوم أذهب للعم عيد لأحصل على الرسمة .. ربما أفادت بشيء"

سأل عمار أخاه " هل سنخبر بشر وعلي؟"

غمغم أكرم بقلق " أخشى من علي .. سينفعل ويتهور فليسترها الله ( ونظر لمفرح يقول ) وأنت يا مفرح لا تخبر مليكة"

قال الأخير بسرعة " بالطبع لا ..وهل أنا مجنون لأخبرها بأمر كهذا!"

××××

خرجت ونس من الحمام ترتدي منامة رقيقة بألوان مبهجة من بلوزة تنزل باتساع كبير حتى منتصف الفخذ وتحتها بنطال قصير ..بطنها بارز أمامها بشكل يدغدغ رجولة شامل كلما رآها ..فاتسعت ابتسامته لتبادله هي الابتسام وتتوجه نحو المرآة لتمشط شعرها المموج .

ها هي قد استعادت حيويتها .. دبت فيها الطاقة بعد فترة ليست بالقليلة كانت فيها منطفئة مكتئبة وكانوا يظنون بأن السبب هو الحمل وهرموناته ومخاوفها من مسئولية الإنجاب ..لكن ها هي عادت لحيويتها ولألوانها المبهجة وكأنها قد تخلصت من حجر ثقيل كان جاثما على صدرها يمنعها من التنفس ..

ناداها لتقترب فانتهت من تمشيط شعرها وتركته مسدلا على ظهرها ثم وضعت من ذلك العطر كما توصيها مليكة دوما بأن تهتم بنظافتها الشخصية وأن تتعطر ..

رائحة العطر تسللت إلى داخل روحها وأنعشتها وملأت الفراغ الذي أحدثه رحيل الحجر الثقيل عنها .. فاستدارت إليه بوجنتين مشتعلتين تقترب بخطوات تشبه القفز لا تتماشى مع شكل بطنها ثم سألته "متى يأتي الثفيّ أنا متحمثة جدا"

( متى يأتي السفر أنا متحمسة جدا )

اتسعت ابتسامته وروحه قد رُدت إليه بعودتها لنشاطها وصخبها .. إنها صاخبة الحضور .. صخبا محببا يذهب الوحشة في قلبه .. فربت لها على فخذه لتقترب ..فاقتربت بوجنتين مشتعلتين ليشدها لتجلس على حجره ثم تطلع فيها بقلب مرتجف متأثر وروح تهفو لروحها الحرة ..ثم أمال جذعها للخلف ومال يلتهم شفتيها فلفت ونس ذراعيها حول عنقه مستجيبة لقبلته ..

إنه يدغدغ مشاعرها بما يفعل دوما .. يشعرها بأنها مميزة ..مكتملة ..ليس هناك ما ينقصها ..

تدرك بأنها مختلفة منذ صغرها .. وبأنها ليست كالبنات العاديات ..ليس فقط بسبب ضعف سمعها ولكنها بكليتها مختلفة .. أحيانا كانت تتهم نفسها بأنها هبلاء ناقصة العقل .. لكنها كانت تعود وترفض هذه الفكرة بشدة .. فهي تفهم كل شيء ..لكن سلوكها وردود أفعالها هي المختلفة وهذا أمر ليس بيدها .. صحيح منذ أن تزوجت شامل وهي تحاول ألا تظهر بمظهر (غريبة الأطوار) لكنها تفشل في تحقيق ذلك ..أو ربما الأمر ليس كذلك بدليل تحفظها إلى حد كبير في المعهد .. وفي الأماكن العامة .. أما شخصيتها الحقيقية فالمناخ العام في فيلا آل غنيم يعطيها المساحة لأن تكون على سجيتها .. بعيدا عن الاستهزاء والتنمر .. بتقبلهم لشخصيتها.. حتى شامل لم يشعرها أبدا بأنها غريبة الأطوار .. دوما هو الداعم المشجع .. هو الملجأ والسند .. وما فعله اليوم يجعلها تعشقه ملايين المرات أكثر .. وما يثيره فيها حاليا بيده التي تسللت تحت المنامة وبحضنه وبرائحته المميزة لها وبشفتيه المداعبتين لتفاصيلها .. كل هذا يدخلها في سحر عالم جميل .. فتتركه يقود أنوثتها بكل أمان ..

أجل إنها الكلمة السحرية التي ساعدتها على أن تكون زوجة عادية مثل الأخريات تُقبل على العلاقة الخاصة بدون نفور .. وأن تتقبل منه مالم تعتقد يوما أن تتقبله من رجل.. كل هذا بسبب الثقة والأمان.. والكثير من عشق متجدد ليس له أول من آخر .. عشق تحمله فقط لجني المصباح شامل.

أطلق شامل سراح شفتيها وسألها بلهجة شقية "هل سنبوح بالمزيد من الأسرار الليلة؟!"

××××

استقبلته مليكة بقلق حينما دلف لغرفة النوم فبذل مفرح مجهودا كبيرا للتصرف دون أن يشعرها بشيء ..وكم كان ما يجول في عقله مزعجا ومؤلما وهو يتصوره حقيقة.

سألته بلهجة قلقة" أين كنت كل هذا الوقت؟..وفيما كنت تتحدث مع أكرم وعمار؟!!"

غمغم مراوغا وهو يتجاوزها ويخلع سترته الشتوية" لا شيء ..كنت أتناقش مع عمار في بعض الأمور التي تخص العمل"

عقدت حاجبيها وسألته بارتباك" هل علم أحد؟"

خلع قميصه ثم استدار إليها يسألها" علم بماذا؟"

بلعت ريقها وقالت بلهجة باكية" بأني أنا من كنت أحرق الحقول"

اتسعت عيناه وأسرع نحوها قائلا بلهجة لينة "يا مليكة هذا الأمر انتهى ونسيه الناس منذ أن توقفت الحرائق ..كما أنني لا أحب تعبير (أُحرق الحقول) لأنك لم تكوني تحدثي سوى ضررا بسيطا يتم احتوائه بسرعة بستر من الله"

قالت مدافعة عن نفسها وهي تعيد خصل من شعرها المسدل على كتفيها إلى خلف أذنها " لكنهم لا يزالون يعتقدون بأن من أحرق الحقول هو من أحرق بيت الجد صالح"

مط شفتيه وعاد لاستكمال خلع ملابسه وهو يقول" هذا ما أترقب لمعرفته ..لكن الرجال الملثمين الذين فعلوها اختفوا تماما منذ تلك الحادثة (ثم أضاف بضيق ) اغلقي هذه السيرة يا مليكة"

لم تشعر بالراحة .. إن به شيئا مختلفا هذا المساء ..حتى أنه لم يعلق على قميص نومها .. وهو الذي أصبح شقيا ووقحا في الفترة الأخيرة ..

اقتربت منه وحضنته من الخلف ..فأعادت له بعضا من اتزانه النفسي الذي اختل بما سمعه الليلة .. وأحس بشفتيها تقبلان ظهره العاري ..فأسكنت شفتاها ألم الذكرى وأججت فيه نارا تتجدد بقربها ..ليمسك مفرح بيدها ويستدير إليها مدققا فيما ترتديه من قميص يجمع بين الرقة والإغراء .. الأناقة والأنوثة الطاغية .. ثم عادت تلك القصة المزعجة تحتل أفكاره من جديد وأشفق عليها من هذا الخبر إن كانت القصة حقيقية ..فسحبها بعاطفة قوية يحضنها قائلا بتأثر " أنا أحبك يا مليكة ..أحبك حبا مجنونا كالذي يتحدثون عنه في كتب العشق .. أحبك في كل مراحل حياتك ..وأنت مراهقة وأنت عروس وأنت أُم .. وأنت امرأة ناضحة .. أحبك كامرأة خلقت لتملك قلبي في يديها .. أحبك ويا ليتني أقدر على أن أحمل عنك كل الحزن ..وكل الهم ..حتى تكوني سعيدة .. أحبك لدرجة أنا عاجز عن وصفها .. فمهما قلت أجد الكلمات باهتة باردة ركيكة أمام ما أشعر به نحوك "

كانت ترتجف أو ربما هو من كان يرتجف .. فكلاهما انصهر في الأخر .. القلب يقبِل القلب .. والروح تعانق الروح ..أما الجسد .. فمشتاق وكأنه لا يعرف الشبع .

ابعدت وجهها تتطلع في واحتيه الخضراوين وقالت بينما هو غارق في عطرها المذيب لأعصابه" وجودك في حياتي هو أعظم نعمة مَنّها الله عليّ .. وأسأل الله ألا يحرمني منك أبدا ويقدرني على إسعادك"

أخرسها مفرح بقبلة ثم اندمجت بعدها تفاصيلهما وكأنهما قد أصبحا كائنا واحدا غير قابل للفصل .

××××

بعد يومين

يا شمس قلبي وضله

يا حكاية العمر كله

يا شمس قلبي وضله

يا فرحة عمري كله

في الوقت الذي كان شامل يساعد ونس في ربط الحزام في مقعد الطائرة استعدادا للهبوط في مطار روما وعيناها المتحمستان تشعرانه بالراحة بأن استقلالها للطائرة لأول مرة قد مر بسلام .. كانت بسمة تتطلع في كامل الذي يدندن مع الأغنية بينما سيارته الضخمة تخترق طرقات القرية غير الممهدة .. فابتسمت تقول وهي تعدل من الوشاح الذي وضعته على رأسها "تبدو سعيدا لوصولك للقرية هذه المرة"

تنهد ثم قال وهو يتطلع في المرآة الجانبية "متحمس جدا لافتتاح البيت والمبيت فيه"

شاكسته تقول" لكني سأبيت في بيت والدي ..في غرفتي وأنت عليك أن تعود أخر اليوم لأني أشفق على عمي غنيم من أن يسافر أحد أبنائه لإيطاليا والأخر للبلدة ويقرر المبيت فيها عدة أيام ويتركه وحده بالمطعم"

امتعض وجهه ورد موضحا " أولا باشمهندسة باسمة أبي قادر على إدارة المطعم وحده وديمتري يساعده .. ثانيا أنت من أصريت على أن يتم افتتاح المشروع الآن وليس بعد أن يعود شامل ومدللته من السفر"

قالت مبررة " لأن شامل وونس ليس لهما علاقة بالمشروع حتى أؤجله خاصة وأني تأخرت في افتتاحه ..كما أنني أستطيع أن أبيت في بيت أبي هذه الأيام التي سأمكث فيها لأباشر الأيام الأولى من المشروع"

قال بلهجة قاطعة " لن تبقي وحدك في هذه البلدة يا باسمة وهذا الأمر منتهي"

زفرت بضيق فرفع حاجبيه وسألها " ألا تريدينني بجوارك؟"

أسرعت بالرد " بالطبع أريدك.. كيف تقول هذا! .. أنا فقط أشعر بأني أعطلك"

اتسعت ابتسامته وهو يركز في الطريق أمامه وأجاب غامزا " لا تعطلينني في شيء ..بل أنا المتشوق للمبيت في البيت الجديد و تجربته أنا وأنت"

توردت ثم تمتمت وهي تشيح بوجهها لتنظر من نافذتها " وقح.. لا تفكر سوى في الوقاحة"

رد معترفا بابتسامة شقية " وأية وقاحة .. إن هذا البيت ارتبط بمشاعري وصراعاتي مع ذاتي من أجلك ومشاعر أخرى كانت ملحة بشدة ..خاصة حينما علمت بأنك صاحبة البيت .. كم مرة تمنيت أن أقبِّلك فيه .. كم مرة تمنيت أن يهدم ذلك السور الذي أقيم بين البيت والمشروع حتى تغلق علينا بوابة واحدة أنا وأنت .. كم مرة ضبطت نفسي وانفعالاتي وردود أفعالي وأنا أعلم بأنك على بعد أمتار حتى لا أسيء لك .. أريد أن أعيش فيه معك كزوج وزوجة ولا أعرف لماذا يسيطر عليّ تنفيذ هذا الأمر بشدة ..وإن شاء الله إن لم يكن قد حدث الحمل حتى الآن فسيحدث في هذا البيت ..أنا أتفاءل به"

شعرت بغصة في قلبها لكنها استغفرت ربها في سرها تطلب من نفسها الرضا فنعم الله عليها كثيرة بينما أحس كامل بمعاناتها وهذا ما يجعله يبتلع إحباطه في كل مرة يتأكدان فيها من عدم حدوث الحمل رغم أنهما سليمان طبيا وليس لديهما ما يعوق حدوثه .. فيحاول ألا يظهر اهتمامه بالموضوع رغم شوقه الشديد ..لذا رفع صوته يغني مع الأغنية وهو يحرك نظراته بينها وبين الطريق أمامه موجها لها كلمات الأغنية:

طالت عليا الليالي

في وحدتي وابتهالي

اناجي صورة فخيالي

لحد ما شفتك انتي

وقلت انتي الي كنتي

منورالي .. منورالي الليالي

ثم مال عليها فجأة يقول مناغشا" ما رأيك في أن تعطيني قبلة في وسط الطريق "

دفعته ضاحكة حتى اعتدل وعاد ينظر أمامه وهي تقول "كامل تعقل نحن في القرية سيرانا الناس أو سنقع في الترعة بجوارك "

قال ضاحكا وهو يشير للطريق الخالي أمامه "لم نصل لبيوت القرية بعد "

في نفس الوقت كانت سيارة بدير تتحرك نحو الاتجاه المعاكس على الجانب الأخر من الترعة وقد تعرف على السيارة الضخمة لكامل بسهولة وحين مر بجوارها شاهد الاثنان يتضاحكان وكامل يميل عليها ففارت دماؤه وحرقت الغيرة والحقد قلبه ليتمتم وهو يضرب على المقود بغيظ" لا .. لن أتحمل ترددهما سويا على القرية من جديد .. لن أتحمل هذا أبدا .."

بعد قليل وصلت لكامل رسالة على الواتساب فأسرع بالنظر في هاتفه ثم ابتسم وهو يقول" وصلا لإيطاليا .. البيك أرسل لي صورة من المطار .. (ونظر لبسمة قائلا بغيظ ) لابد أن نخطط أنا وأنت للسفر خارج البلاد مثلهما .. ( وأضاف بلهجة صبيانية ) أشعر بالغيرة والحقد عليهما "

ضحكت بسمة وهي تضرب كفا بكف في الوقت الذي ركن كامل سيارته عند بيت الوديدي .. فترجلت بسمة تعدل وشاحها وانتبهت لعيون الجارات اللاتي تتأملنها بفستانها القصير فوقه سترة شتوية وتحته بنطال من الجينز .. لكنها لم تعد تهتم بأحد .. فراقبت كامل وهو يخرج من السيارة ببنطاله الجينز وحذائه الرياضي الأبيض وتلك السترة الشتوية السوداء التي تزيد من وسامته ولاحظت عبوس وجهه فركزت في اتجاه نظراته وهو يتطلع بانزعاج واضح نحو حارة داخلية تطل من آخرها وزة .

أمسكت بسمة بكمه تقول ضاحكة " أقسم بالله بت أشعر بأن الوز في بلدتنا بات يتحضر للقائك يا كامل .. فمن غير المنطقي أن نرى كل مرة وزة في طريقك كلما حضرنا.. وكأنك تستقطب الوز "

تحرك نحو السيارة ليخرج منها أكياس الهدايا وهو يقول بعبوس "لماذا لا تذبحون كل الوز؟ .. أو تتركونني لأكسر أعناقهم جميعا"

دارت ضحكتها بيدها بعد أن قالت مستمتعة بإغاظته "حبيبي يا كيمو .. يبدو أن الوز في بلدنا يعشقك"

ناظرها من أمام باب السيارة المفتوح بامتعاض بينما خرجت فاطمة مهرولة عندما أحست بوصولهما فحضنت بسمة بقوة ثم رحبت بكامل بسعادة كبيرة" أنرتنا يا حبيبي"

غمغم بلهجة لينة رغم جدية ملامحه "البلدة منيرة بأهلها يا حاجة فاطمة "

قالت بسعادة "المحشي والبط وكل ما تشتهيه صنعته لك بيدي"

قال كامل وهو يحمل الأكياس " سلمت يداك (ثم أضاف بلهجة حانقة أضحكت بسمة ) نسيت أن أخبرك بأني أريد أن آكل (ممبار) وابنتك أخبرتني بأنها لا تتقن صنعه"

بسعادة شديدة وكأنه يقلدها وساما بطلباته " أحلى ممبار صنعته لك .. وسأطهي لك كل ما تشتهيه .. ألست باقيا معنا لعدة أيام؟"

غمغم كامل "إن شاء الله (ثم قال لبسمة ) تعلمي صنع الممبار يا ست هانم"

مصمصت بسمة شفتيها متهكمة بينما قالت فاطمة" لماذا تقفان على البوابة؟"

قال كامل وهو يعطي الأكياس لبسمة" لايزال هناك أكياسا بالسيارة ..أين وليد؟"

ردت فاطمة " وليد بالمزرعة سأتصل به ليأتي "

ونادت إحدى السيدات لتأخذ من بسمة الأكياس.. فأعطى كامل لبسمة باقي الأكياس وقال" أدخلي وسأنتظر وليد"

شاكسته بالقول الهامس" لا أريد أن أتركك مع الوزة حتى لا تخاف يا كيمو "

ابتسم لها ابتسامة صفراء وقال بلهجة مستخفة "مستوى الاستظراف لديك أصبح خطيرا على حياتك فاحترسي (ثم قرب رأسه منها هامسا بلهجة جادة ) لا تنسي أن تؤكدي لأمك على الموضوع القديم لربما لا تزال غير متأكدة "

عبست بعدم فهم فهمس" عشرة أضعاف"

زفرت بيأس فلملم ضحكة متسلية على شفتيه وهو يدير وجهه لصوت سيارة توقفت على بعد ليجد الدكتور مهاب يترجل منها بعد أن صف سيارته بالقرب من بوابة مزرعة الوديدي للمواشي المجاورة لبيت الوديدي ..

أظلم وجه كامل وقال لبسمة بلهجة آمرة "ادخلي"

تلكأت قليلا لتطمئن من أن كامل لن يقوم بأي تصرف متهور بينما توجه الأخير ليغلق باب سيارته مختلسا النظرات نحو مهاب الذي تقدم نحوه بخطوات هادئة يقول "السلام عليكم"

لم يرد كامل وتعمد التجاهل ليقول مهاب "كنت أود أن أعتذر عن سوء الفهم الذي حدث آخر مرة"

رفع كامل نظراته المتعالية لمهاب الذي تحركت عيناه بنظرة خاطفة دون إرادة منه لبسمة الواقفة على البوابة.. فلا يزال قلبه متعلقا بها .. هذه النظرة جعلت كامل يلتفت خلفه فتفاجأ بأن بسمة لا تزال واقفة فاشتعلت الغيرة في صدره وحدجها بنظرة نارية جعلتها تدخل بسرعة لكنها وقفت خلف البوابة تتمنى ألا يحتد الأمر بينهما.

استدار كامل نحو مهاب واقترب منه متحفزا يقول من بين أسنانه" ألم أحذرك من التواجد في أي مكان تتواجد فيه زوجتي!"

ازداد شعور مهاب بالإهانة وجرح الكرامة وهو الذي لا يزال يشعر بالحرج من رد فعل كامل السابق الذي جرح كبرياؤه واشعره بالخزي من نفسه وبالحرج أمام أهل القرية بأنه يتواصل مع سيدة متزوجة ..فتنازل وضغط على نفسه ليقدم اعتذارا لكامل أمام عمال المزرعة الواقفين أمام البوابة لحظتها لعله يمحو صورته المغلوطة التي أخذت عنه .. لكن تصرف الأخير بهذه الفظاظة زاد من شعوره بالإهانة فقال بغضب وكبرياء مزيف " أنا تنازلت رغم أنك تعديت عليّ المرة الماضية لكني قررت أن أعتذر عن تصرفي الغير مقصود به أي إهانة للباشمهندسة بسمة"

أمسك كامل بتلابيبه حين سمعه ينطق باسمها وقال بغضب" قلت لك لا شأن لك بها ولا أريد منك اعتذارا .."

الخوف أضيف لمشاعر مهاب بالإهانة والحقد على كامل الذي فضلته بسمة عليه .. وندم على مبادرته واعترف بحماقة الفكرة التي خطرت له حينما لمح سيارة كامل عند دخوله للشارع فقال وهو يحاول أن يتخلص من يد كامل شاعرا بالرعب من هيئته العدائية" كان هذا تحضرا مني أن أحاول توضيح سوء الفهم الذي حدث لكن للأسف ليس كل الناس تعرف التحضر"

كان كامل يخبر شياطينه تلك اللحظة بأن تتعقل لكن ذلك البارد المرتعب كالفأر أمامه ومع هذا يتواقح بالكلمات والنظرات لا يساعده على ذلك ..فسحبه إليه حتى كاد أن يرفعه من ملابسه وقال له بخفوت خطر من بين أسنانه " صدقني سأجعلك تندم كثيرا إن لم تلتزم بما قلته لك .. عيناك لا ترفعهما على زوجتي .. وإن وجدتها في طريق تتخذ طريقا آخر وإلا..."

خرج وليد مسرعا من بوابة المزرعة بعد أن أبلغه العمال بما يحدث بينما وقفت بعض الجارات الفضوليات وبسمة تجز على أسنانها بالداخل.

هتف وليد وهو يخلص الطبيب من يد كامل "ماذا حدث؟ .. أخبرني ماذا حدث يا كامل"

ترك الأخير ملابس الطبيب الذي كان يبذل قصارى جهده حتى لا يظهر عليه الرعب ليحافظ على بعض من كرامته وقال له محذرا أمام الجميع " ضع في رأسك ما قلته جيدا وإلا..."

سأله وليد عابسا" أخبرني يا كامل ماذا فعل مجددا"

رد الأخير وهو يعود لسيارته" هو يعلم جيدا ماذا فعل"

استدار وليد للأخر الذي قال موضحا وهو ينظر للمتفرجين حوله" كنت أعتذر له عن سوء الفهم السابق لكنه لا يتفاهم إلا بقبضته"

ناظره كامل بنظرة نارية فأسرع وليد بسحب الطبيب بعيدا حتى لا يتطور الأمر.. بينما دخل كامل من البوابة ليجد بسمة تناظره بغيظ ..فحدجها بنظرة نارية قائلا بتحذير "اتقي شري هذه اللحظة فشياطيني تستفزني لقتله"

تركته ودخلت غاضبة بينما خرجت إليه فاطمة لتطلب منه أن يدخل وسرعان ما انضم له وليد ليقوده للداخل وكامل لا يزال يغلي من الغضب .

××××


يتبع










Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 10:57 PM   #3207

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 6

(6)


آخر النهار
في مركب صغير يقف على مقدمته أحد الأشخاص يجدف بمجداف طويل .. كان شامل وونس يتابعان البيوت الأثرية حولهما في مدينة البندقية .. حيث كان الجو شاعريا حولهما وصوت لغناء شجي باللغة الإيطالية يأتيهما من مكان ما مختلطا بعزف آلة موسيقية يؤجج العاطفة في الصدور رغم برودة الطقس ..
تطلع شامل في ونس المبهورة بما حولها وداعب أنفها الأحمر من البرودة ثم تأكد من غلق معطفها حولها جيدا فالطقس كان باردا .. لكن الأجواء حولهما رومانسية وممتعة ..
لقد أصر أن يركبا القطار السريع من روما لمدينة البندقية فور وصولهما صباح اليوم .. ورغم إرهاق السفر لكن الأمر كان يستحق بعد أن وعدها بأنهما سيستقلان مركبا ليتجولا به في المدينة.. في زيارة سريعة ستنتهي مساء اليوم ليعودا مجددا لروما بالقطار .
استمر في التقاط الصور لهما فقالت ونس بانبهار" يائع جدا"
(رائع جدا)
سألها مناغشا "هل أعجبتك المدينة؟"
ناظرته بعينين لامعتين تهز رأسها بالإيجاب فقال لها" أين مكافأة الجنيّ إذن ؟"
هذه الجملة تعرف ماذا يقصد بها فاحمرت وجنتاها واختلست النظر للرجل الذي يحتل أول المركب أمامهما يجدف في صمت ليقول شامل" هذا تقليد ونوس ..أي ثنائي يأتي للبندقية لا بد أن يقبلا بعضهما في المركب"
اتسعت عيناها تناظره باندهاش ثم عادت وضيقتهما وهي تلتقط نظرته المتسلية فقالت " أنت تكذب "
قال ضاحكا " أكذب فيما يخص التقليد لكني صادق فيما يخص القبلة "
قالها وأنزل الهاتف الذي كان يصور به وسحبها إليه يقبل شفتيها الباردتين قبلة حارة في مدينة البندقية.
××××
ترجلت بسمة من السيارة وفتحت بوابة بيت الجد صالح دون أن تستدير خلفها .. فتطلع كامل في ظهرها بضيق ثم أخرج حقيبتين صغيرتين وكيسا وضعت فيه فاطمة علبا من الطعام وتوجه يعبر البوابة خلفها قائلا "هل ستظلين تلوين فمك هكذا ..ألا يكفي أنه بسببك لم استطع الأكل جيدا"
توقفت خطواتها العصبية عند باب البيت واستدارت إليه هاتفة باستنكار" لم تستطع الأكل!!.. لم .....( وتحكمت في غضبها أمام نظرة الاستنكار التي حدجها بها وقالت) لن أقول إلا ما شاء الله لا قوة إلا بالله"
أدارت ظهرها إليه وهمت بفتح الباب فقال بلهجة آمرة "انتظري"
تجمدت فأزاحها ليخرج مفاتيحه يفتح الباب ثم تقدم يضع ما في يده في مدخل البيت من الداخل وهي تهم بالدخول فهتف من جديد "قلت انتظري"
تجمدت مرة أخرى باندهاش خاصة مع جدية وجهه فخرج كامل ومال يرفعها فوق ذراعيه .
تفاجأت بسمة وأطلقت صرخة قصيرة قبل أن تحيط ذراعيها بعنقه وتنظر له بوجنتين متوردتين ..فقال لها بلهجة موبخة" هذا يثبت أني أكثر رومانسية منك.. انظري ماذا تفعلين وكيف تفسدين اللحظة"
هتفت باستفزاز "وأنت لم تفعل شيئا.!!"
تحرك ليدخل وهو يقول "أنا شخص لطيف"
أطلقت شهقة ساخرة قصيرة من حنجرتها فقال وهو يدلف من الباب بساقيه الطويلين" اشششش"
أغلق الباب خلفه بقدمه فأخذت بسمة بضع ثوان تتأمل فيهن وجهه الوسيم وهي في هذا الوضع الأكثر راحة على الاطلاق محمولة فوق ذراعيه .. يخطو بها إلى بيتهما الجديد ..ثم أدارت وجهها تتطلع في البيت لأول مرة بعد الحريق وسرعان ما اتسعت عيناها بانبهار ممزوج بالصدمة وكامل ينزلها لتقف على قدميها..
كان البيت بنفس روح البيت السابق تقريبا رغم أن الأثاث جديد وكل شيء حولها جديد ..لكنه كان من نفس الطراز مع تغير بعض الألوان وإضافة بعض الإضافات وكأن بيت جدها صالح رحمه الله قد تم تجديده فأضحى خليطا من روح الأصالة مع الحداثة ..بذوق كامل وبسمة .
استدارت إليه تقول بتأثر والدموع تترقرق في عينيها" شكرا يا كامل ..حقا ألف شكر"
شاكسها واضعا يديه في جيبي بنطاله وهو يقول" أرأيت من منا أكثر رومانسية"
تطلعت في المكان حولها من جديد ..وتحركت تلمس الأشياء الجديدة .. التي تخصها والتي صنعت من أجلها.. هرولت نحو الغرف تفتح الواحدة تلو الأخرى بتفقد سريع ثم استدارت إليه واسرعت مهرولة نحوه تتعلق بعنقه وتحضنه.. فأخرج كامل يديه من جيبي بنطاله وضمها بحنان أنساها ما يفعله من حماقات عند الغضب.
ابعدت وجهها عنه تناظره بامتنان فقال هامسا بمداعبة " هل أستحق حضن فقط!"
استطالت على رؤوس أصابعها وعانقت شفتيه بشفتيها فلم يمنحها كامل إلا لحظات قبل أن يميل بها وينقض على شفتيها ملتهما في قبلة قوية خاطفة للروح .
اطلق سراح شفتيها بعد قليل فظلت مستسلمة له تناظر وجهه الذي يشرف عليها من علو ومقدمة شعره التي سقطت على وجهه بينما قال كامل بهمس حار" أتذكرين تلك المرة التي دخلت فيها إلى هنا وأنت تظنين بأني قد رحلت؟"
هزت رأسها بابتسامة محرجة فقال كامل "كان البقاء معك لبضع لحظات وحدنا صعبا .. وكانت مغادرتك بعدها أصعب .. بينما التصرف الأسهل وقتها حين قبضت عليك تقلدينني وتسخرين مني هو هذا "
وأطبق على شفتيها بقبلة عنيفة جعلت رأسها يدور ثم أطلق سراحها يعدلها لتستقيم على قدميها الخائرتين وقبل أن تجد طريقها للتوازن مال يحضن ساقيها بذراعيه ثم رفعها يلقي بها فوق كتفه فصرخت بسمة معترضة" كامل ماذا تفعل ..كامل !!"
غمغم وهو يتجه لصعود السلم حيث الطابق الأعلى" أكمل لك ما كنت أتمنى أن أفعله بك وقتها"
هتفت معترضة" كامل انزلني"
قال وهو يصعد السلم" ليس قبل أن أحقق أحلامي وأمنياتي كلها التي تمنيتها لنا في هذا البيت"
××××
قال بدير في الهاتف بوجه مظلم الملامح "اممم ..إذن تشاجر مع طبيب البهائم مرة أخرى.. تُرى ماذا فعل ذلك الطبيب من جديد؟"
قال له محدثه " لا أحد يعرف لكن بدا واضحا بأنه يمنحه الإنذار الأخير"
شرد بدير قليلا يقلب الأمر في رأسه ثم قال لمحدثه "تمام إن جد جديد أبلغني .."
أغلق الخط وجلس على الأريكة في إحدى غرف الدور الأرضي في منزله والغل والحقد لا يتركاه منذ أن رآهما ظهر اليوم وصورتهما السعيدة في السيارة لا تريد أن تتركه في حاله .. خاصة وأن حديث أهل البلدة عن المشروع الذي ستعيد بسمة افتتاحه بشكل أكبر وأضخم بعد أن شاركت بنت الصوالحة معها فيه يستفزه ..هذا بالإضافة لغيظه الشديد لمبيتهما الآن في بيت الجد صالح بعد أن أعاد فارسها المغوار تجديده.
كل هذا يغضبه .. يشعره بالهزيمة ..
ألا يكفي الشهور الماضية التي عاشها في غضب وكبت وحرقة أعصاب بسبب كامل هذا الذي جاء متفاخرا بنقوده وسيارته الفارهة ليخطفها منه بعد أن كان واثقا بأن قبولها بالزواج منه مسألة وقت لا أكثر ..
هل أتى كامل هذا حتى يحرق دمه؟! .. حتى يهزمه المرة بعد الأخرى؟!.. حتى يفسد عليه مخططاته؟ .. انتصر عليه يوم أن فضح حصاره لبسمة في ساحة المشروع.. وانتصر عليه حين قلب الأمر لصالحه وتزوجها .. وانتصر عليه حين ألقى بنفسه في النار لينقذها من البيت الذي أوصى هو بحرقه ليبعدها عن القرية فظهر كامل أمام الجميع بمظهر المنقذ الجبار وها هو يعيد تجديد البيت لها من ماله الخاص .. فالكل بات يعلم بتلك المعلومة ..وكأنه يقصد بأن يوصل له هذه المعلومة ويبيت في البيت معها ليميته كمدا ..
عليه أن يفعل شيئا .. لابد أن يفعل شيئا ليبرد ناره ويشفي غليله من كامل هذا .
دخل عماد الغرفة فخرج بدير عن شروده ولوى فمه قائلا "خيرا"
طحن عماد ضروسه وتقبض إلى جانبيه يقول وهو يبذل مجهودا كبيرا ليكون هادئا ودبلوماسيا حتى يحصل على ما يريد " لقد خسرت في البورصة"
قال بدير بلهجة متهكمة" وما الجديد في هذا الخبر ؟!"
قال عماد " لا يا بدير ..هذه المرة الخسارة كبيرة جدا .. لقد تداينت ووضعت الأموال في البورصة لأعوض خسارتي.. وصدقني كان ذلك في أسهم مضمونة جدا لكن لا أعرف ماذا حدث وخسرت "
قال بدير بامتعاض وهو يقلب في هاتفه "والمطلوب؟"
بلع عماد ريقه بصعوبة وقال " المطلوب أن تقرضني مبلغا من المال وسأكتب لك ...."
قاطعه هاتفا باعتراض " لا يا روح أمك فالإيصالات القديمة موجودة ولم تدفع ثمنها بعد .. معتمدا على أني من أجل اسم العائلة وحتى لا ننفضح ويقولون بدير سجن أخاه صابر عليك حتى الآن .. لكن لا تستغل كرم أخلاقي معك أكثر من ذلك "
قال عماد بلهجة متوسلة " بدير أرجوك أنا في مصيبة كبيرة"
تطلع فيه الأخير وهو يمسك بسبابته وإبهامه طرف شاربه ثم قال "إن أردت المزيد من المال تنازل لي مقابله عن نصيبك في الأرض"
انفجر فيه عماد قائلا باستنكار "هل جننت؟!! .. إن تنازلت عن أرضي لك كيف سأعيش أنا وأولادي؟.. وماذا سأقول لهم حينما يكبرون؟.. فرطت في أرض جدكم بدلا من أن أزيدها ومنحتها لأولاد عمكم !!"
هز بدير كتفيه ورد ببرود " حسنا هذا شأنك أنت وأولادك ولا يخصني في شيء ..لكن إعطائك المزيد من إيصالات الأمانة انتهى"
عاد عماد ليمسك أعصابه ويقول بتوسل "بدير أنا في كارثة حقيقية "
استقام بدير واقفا يهم بمغادرة الغرفة وهو يقول ببرود كاد أن يسبب لأخيه جلطة "إذن عليك أن تضحي حتى تنقذ نفسك وأن تكف عن المضاربة في البورصة والاستمرار في الخسارة"
انقلبت مقلتا عماد وهتف بغل " الحقيقة أنا لا أملك تجارة مشبوهة مثلك لأنمي بها أموالي ..فبيع المحاصيل كما تعلم لا يكفي "
انقلبت عينا بدير وتحرك نحوه ليمسك بفكه ضاغطا بقوة وهو يقول بلهجة خطرة "تحدث مرة أخرى وأذكر أمر تجارتي وسترى مني وجها آخر .. لقد حذرتك أكثر من مرة .. قسما بالله سأجعلك ترى النجوم في الظهيرة وأنت تعلم ما الذي يقدر بدير على أن يفعله .. لذا إما أن ترضى بشرطي أو تبحث لنفسك عن مكان آخر لتقترض منه"
قالها وهو يترك فكه بخشونة ويربت على كتفه بطريقة مهددة ..بينما الأخر يناظره بغيظ مكبوت فتحرك بدير يترك الغرفة تاركا أخاه الأصغر يتفتت من الغل والغضب وهو يقول من بين أسنانه " حسنا يا بدير .. إن دخلت السجن لن أدخله وحدي .. فما كان يمنعني عنك طوال هذه السنين العار الذي سيلحق بعائلة العسال للأبد .. لكن ما دمت سأدخل السجن .. فلندخله معا يا شقيقي "
××××
العاشرة مساء
نزل كامل السلم ولاحت ابتسامة رضا دافئة على وجهه وهو يتطلع في ذلك البيت الذي له وقع خاص في نفسه.. إن وجودهما وحدهما فيه الآن يشعره بالحميمية وبدفء الأسرة ..ورائحة الطعام التي تنبعث من المطبخ بعد أن طلب منها أن تسخن له العشاء تشعره بالسكن والاكتمال .
تحرك نحو المطبخ ووقف على بابه يتطلع فيها ثم قال بحاجب مرفوع "أريد أن آكل باقي الممبار"
استدارت إليه وهي تعدل المنشفة على رأسها قائلة بتنهيدة "حاضر يا سيدي ..هل لديك أوامر أخرى؟"
غمغم بشفتين ممطوطتين وهو يتأمل منامتها الشتوية الملتصقة بجسدها الأنثوي المغري بشدة وقال" سأخبرك حين أتذكر"
وضعت مقلاة الزيت على النار وأخرجت الممبار الذي أرسلته والدتها معهما حتى تقليه ثم استدارت تقول وهي تثبت المنشفة" الجو بارد .. هذا البيت يحتاج للتدفئة"
قال كامل مشفقا "لماذا لم تجففي شعرك بمجفف الشعر قبل نزولك"
ردت بلهجة ساخرة "ماذا أفعل فيمن لا يصبر ...(وقلدته) جوعان .. جوعان"
ابتسم ابتسامة وسيمة أمام عينيها ثم قال بلهجة حانية" سأجفف لك شعرك حين تنتهين"
استدارت تغرف باقي الطعام ..فاخرج الهاتف من جيبه يقول معترفا" احساسي وأنت تعدين لي الطعام في بيت يخصنا وحدنا أنا وأنت في ليلة شتوية كهذه يغمرني بالدفء ويشعرني بالتأثر"
استدارت إليه تبادله الشعور وهي تقول "غالبا ارتبطت الأنثى في الأذهان بتجهيز الطعام ..حتى لو كان أفضل وأمهر الطباخين في العالم من الرجال فالشعور بالدفء في عملية الإطعام ذاتها تكون مقترنة بالأنثى "
هز رأسه مؤيدا وقال" اتفق وبشدة .. فمثلا أبي طباخ ماهر وربما أمهر من أمي لكن اليوم الذي تطهي فيه أمي يكون للطعام وقع أخر وكأنه ممزوج بعاطفتها وحنانها "
ابتسمت له ابتسامة دافئة ثم نظرت للهاتف الذي وقف يقلب فيه وسألته" هل أرسل شامل المزيد من الصور؟"
مط شفتيه وقال بامتعاض "أغرق هاتفي بالصور وهو لم يصل إلا اليوم .. إنسان مزعج"
سألته مدققه في ملامحه" هل تشتاق إليه حينما يبتعد عنك؟"
اتسعت ابتسامته دون رد وهو يضغط على بعض اشعارات الفيسبوك التي أتته فوجد إشعارا بذكر اسمه من صديقته دعاء .. ليعبس ويضغط عليه مندهشا ..فليس له تعامل مباشر معها ..إنهما مجرد معارف على الفيسبوك من بين مئات المعارف بدون احتكاك حقيقي أو تعامل.
تصلب ظهره فجأة واتسعت عيناه ثم اكفهر وجهه وهو يقول بحشرجة" متى حدث ذلك؟؟؟؟"
استدارت إليه بسمة عاقدة حاجبيها فرفع أنظاره لها يقول بلهجة خطرة "متى حدث ذلك ؟؟؟"
توترت بعدم فهم فأضاف بصوت أعلى "متى تقابلت مع طليقك؟؟؟؟"
هربت الدماء من وجهها وسقط قلبها بين قدميها بينما عاد كامل ليدقق في الصورة ليفهم وهو يتساءل" هل هذه صورة قديمة؟!!!"
اقتربت بسمة تجرجر قلبها بين قدميها لتنظر في الهاتف في يده المرتعشة من الغضب بينما انتبه كامل بأن الصورة منشورة على صفحة القناة التي كانوا يحضرون حفلها قبل يومين ضمن منشور عبارة عن ألبوم صور لفاعليات الحفل يضاف إليه يوميا عددا من الصور التي التقطت في الحفل فكانت الصورة أمامه مضافة بتاريخ اليوم وفوقها كتب مسئول الصفحة معلقا" حضر الملحن سيد صبرة برفقة زوجته السابقة .. وهناك أخبار بأنه قد انفصل عن زوجته المذيعة آية سماحة وبأنه قد عاد لطليقته "
اتسعت عينا بسمة بينما دقق كامل في صورتها تقف متكتفة أمام سيد وهي ترتدي ملابس الحفل التي كانت ترتديها قبل يومين .. ودعاء قد قامت بالتعليق تحت الصورة بعد أن ذكرت اسم حساب (كامل نخلة) قائلة ( هذا الكلام غير صحيح فهي الآن زوجة كامل نخلة .. الأخ التوأم للشيف شامل نخلة).
أما باقي التعليقات فكانت تشيد بجمالها وفتنتها وبأنه من الطبيعي ألا يفرط فيها وهي بهذا الجمال ..ومنهم من علق بوقاحة (كيف تملكه الغباء لتطليق فاتنة مثلها !).
تمنت بسمة لحظتها أن تنشق الأرض وتبتلعها بينما رفع كامل أنظاره لها يقول مصدوما" متى قابلتيه؟.. متى؟؟"
أسرعت بالرد بصوت مرتجف "كانت صدفة .. كان في الحفل وكانت صدفة"
ألقى بالهاتف بعصبية فاصطدم بإحدى خزائن المطبخ الأرضية بينما غرز كامل أصابعه في لحم ذراعيها وهو يصيح غاضبا "صدفة .. صدفة يا بسمة ..وقفت تتحدثين معه صدفة من خلف ظهري!!"
حاولت السيطرة على شعورها بالتوتر الشديد وهتفت بلهجة مستنكرة " ما معنى (من خلف ظهرك) ؟.. هل تشك بي؟"
صرخ في وجهها وهو يناظرها بعينين تقدحان شررا " لا تغيري مجرى الحديث "
رفعت ذقنها بكبرياء تقول وهي تمنع نفسها من البكاء " لا... فهذا هو المجرى الصحيح ..هل تشك بي يا كامل؟"
قال من بين أسنانه يهزها فازداد شعورها بالألم في ذراعيها "لا تستفزيني وأنا في هذه الحالة ..لو كنت أشك بك ما كنت ستقفين أمامي حية الآن تدافعين عن نفسك"
صرخت أمام الإعصار الذي يتشخص أمامها شاعرة بالإهانة "أنا لم ارتكب جرما ولست مدانة بشيء ..الأمر حدث صدفة ..كنت عائدة من الحمام وتقابلنا صدفة"
شعر بأن أعصابه ستفلت منه وبأن الغضب يتوحش بداخله فتركها ورفع يده لجبينه يحكه بقوة ثم ضرب دورق بلاستيكي بجواره فوق المنضدة وهو يقول "ووقفت لتتحدثي معه؟"
انتفضت مرتعبة من ارتطام الدورق بالأرض ثم قالت موضحة " لم أقف سوى دقيقة"
استدار إليها يضرب على المنضدة بجواره يحاول ألا يؤذيها بما يتكاثر بداخله بسرعة من غضب " لماذا ..لماذا وقفت معه ؟.. لماذا سمحت له بأن يتحدث معك؟.. لماذا سمحت لعينيه بأن تدققان بك؟!"
حاولت أن تكون هادئة وقالت مشيرة بيديها لتهدئه "كامل أرجوك اهدأ وافهم الأمر.. كنت قد وعدته بأني سأسامحه إن وجدت السعادة ..فسألني إن كنت قد سامحته.. الأمر لم يستغرق سوى..."
ضرب الخزانة بقدمه بعصبية هاتفا "لماذا سامحتيه؟.. لماذا تكلمت معه من الأساس.. أكان سعادة البيك يتحجج بسؤالك حتى يقف ويتأملك؟!! ..وربما كان هو من طلب من الصحفي تصويركما ليحرق دمي ..( وأشار على الهاتف الملقى في الأرض قائلا ) انظري ماذا يقولون.. انظري لشكل التعليقات (وارتجف كمن تأكل النار قلبه مضيفا ) انظري لوقاحة التعليقات يا بسمة قبل أن تطلبي مني الهدوء والتعقل "
تكلمت موضحة " صدقني الأمر حدث بالصدفة ..هو نفسه بدا متفاجئا"
قبض على مرفقها هادرا بوحشية " لا تدافعي عنه ..لا تذكريه ..لا تفكري به"
اشفقت عليه .. فالغضب الواضح وضوح الشمس على ملامحه والغيرة التي حولته لبركان منفجر أمامها مستعد لإحراق كل شيء مثلما يحترق هو ما جعل حبها ينتصر على غضبها فقالت موضحة بلهجة ترتعش من البكاء" يا كامل كانت مجرد دقيقة ..بعدها قررت فورا أن أترك الحفل منعا للمشاكل بينك وبينه ..لهذا أخبرت عمي غنيم وهو أخبر شامل وطلب منه المغادرة .."
قال بلهجة ساخرة ونظراته تلمع بغضب جم " أبي وشامل يعرفان أيضا !!( وضرب على صدره بقوة ) وأنا القرطاس بينكم .. أنا شوال الدقيق الذي سحبتموه خارج القاعة بسرعة"
صرخت في وجهه والدموع تنهمر فوق وجنتيها "حتى لا تثير المشاكل كما تفعل الآن"
تحدث بوعيد وهو يترك ذراعها ويعود خطوتين للخلف " لا ..أنتم لم تروا المشاكل بعد ..القناة والصفحة سأتصرف معهما ولكن بعد أن أتصرف مع هذا ال***"
استدار ليخرج من المطبخ فكاد الخوف من تهوره أن يقضي عليها لذا قطعت المسافة بينهما بسرعة وأمسكت بملابسه تقول بترجٍ" أرجوك ..أتوسل إليك لا تفسد حياتنا بتهورك .. أرجوك يا كامل"
أفلت ملابسه من يدها واستدار إليها مبتعدا وهو يقول من بين أسنانه "اتركيني ..فهذا الوقح يحتاج لتأديب حتى يحترم حرمة غيره .. إن كان يشعر بنفسه شهريار زمانه يتسامر مع هذه ويتصور مع تلك حتى لو كانت ملك غيره (وضرب بيده على باب المطبخ مواصلا قذف صواريخ غضبه ) فأنا سأوقفه عند حده .. سأعلمه أنك خط أحمر لا يرفع عينيه فيك "
صرخت فيه بعصبية من بين دموعها " أنا لست (هذه) أو (تلك) يا كامل ..أرجوك تحكم في أعصابك لأنك ستلقي بكلام جارح لن استطيع نسيانه "
دموعها وتوسلها آلموا قلبه فزادوا من احتراقه الذاتي ليعود ليمسك بذراعها قائلا بوعيد " وأنتِ حسابك معي فيما بعد .. حسابك معي أن وقفتِ معه حتى ثانية واحدة دون علمي"
ترك ذراعها واستدار فقالت متوسلة "حلفتك بالله يا كامل"
غمغم وهو يتحرك مبتعدا "سألقنه درسا لن ينساه"
كان الغضب يعميه تماما والدخان يخرج من أذنيه و منخريه المتسعين بانفعال وهو يغادر المطبخ ويسرع لصعود السلم المؤدي للطابق الأعلى.. يشعر وكأن نارا تأكل في جسده .. نار الغيرة المؤلمة .. وهو يستعيد الصورة والتعليقات تحتها التي توشك أن تُذهب عقله في نفس الوقت الذي سمع صرخة بسمة المرتعبة ..صرخة سقط بسببها قلبه بين قدميه وجعلته يستدير بسرعة ويهرول نازلا نحو المطبخ في لمح البصر.. ليجد في استقباله نارا حقيقية تخرج من المقلاة على الموقد وبسمة تمسك بكوب ماء فهتف صارخا وهو يندفع نحوها" لا ..لا إياك"
لم تكن في وعيها الكامل ومنظر النار يعيد لها ذكريات احتراق البيت الذي تقف فيه الآن وهي تقف مذهولة تحدق في النار أمامها .. ولم تكن قادرة من الأساس على رفع الكوب ..فأمسك بها كامل يدفعها نحو باب المطبخ وأسرع بالتقاط غطاءً معدنيا مقتربا من النار المشتعلة في مقلاة الزيت .
صرخت بسمة "حاذر يا كامل"
بهدوء وضع الغطاء فوق المقلاة فخمدت النار وهدأ المنظر المخيف فوق الموقد في لحظات فأسرع كامل بإغلاق مفتاح الغاز ووقف متخصرا يلهث أمام الموقد لثوان يتأكد من انطفائها.. ثم استدار إليها ليجدها تجلس القرفصاء على باب المطبخ تحضن نفسها وترتجف بشكل واضح فأسرع إليها ينزل على ركبتيه ويأخذها إلى حضنه قائلا "حمدا لله .. حمدا لله (وأبعدها يتفحصها قائلا) هل أصابك شيء .. أأنت جاهلة لتفكري في سكب الماء على الزيت المشتعل!!"
غمغمت بحشرجة "توقف عقلي فجأة و.."
انفجرت في البكاء ودفنت وجهها في صدره متشبثة بملابسه في حالة انهيار شديد ...فحضنها كامل بقوة وهو يقبل رأسها عدة مرات مطمئنا ..ثم مال يضع ذراعه تحت ركبتيها وهو يستقيم واقفا يحملها فوق ذراعيه وتوجه صاعدا للطابق الأعلى قائلا ببحة مرتجفة" قدر الله ولطف بنا الحمد لله.. الحمد لله "
دخل غرفتهما بعد دقيقة ووضعها على السرير يتفحصها من جديد ليتأكد من أنها لم يصبها شيء ..فأخذت من بين بكائها تضربه بقبضتها .. ببطء أول الأمر ثم بدأت وتيرة الضربات تزداد في غيظ فبقي ساكنا يناظرها بملامح مظلمة..
وعيناهما تتلاقيان في عتاب مؤلم على إيقاع قبضتها فوق صدره.. تضربه بغيظ .. بشكوى .. بترجٍ .. برغبة في قتله .
ولم تعرف بأن قوتين كانتا تتصارعان بداخله لحظتها .. غضبه وغيرته من ناحية .. وحبه الجارف لها من ناحية أخرى .. كدُبين شرسين يتقاتلان .. أسود حالك وأبيض ناصع .. وهو الجاني .. هو الملام .. وهو الضحية ..
أمسك كامل بقبضتها بعد لحظات وقد صرع الأبيض الأسود بداخله ومال يغرقها في حضنه .. فأطلقت بسمة نحيبا عاليا مزق قلبه وجعله يردد في استسلام لا يخرج أبدا إلا لها " حاضر .. حاضر .. أنا باقي بجوارك ولن أذهب إلى أي مكان"
××××


يتبع











Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 10:57 PM   #3208

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 7



(7)



في نفس الوقت في حي سماحة هدر سيد في الهاتف قائلا بصوت مخيف" لا يا عدلي بك ما حدث هذا اساءة لي وللسيدة بسمة"

قال عدلي في الهاتف" أنا أعتذر يا سيد كان خطأ فادحا من مسؤول الصفحة ومن أخبره بالمعلومة بأنها كانت زوجتك هو المصور الذي التقط لكما الصورة وتوقع أنه خبر حصري لصفحة قناتنا"

قال سيد باستهجان " خبر حصري من نسج الخيال دون التحقق من المعلومة!!"

جاءه صوت عدلي يعترف " أنا لا أدافع عما حدث ولكني أوضح لك كيف حدث .. سأتصرف حالا يا سيد"

هتف الأخير باستنكار" هكذا!!.. يطلقون الشائعات ثم يمر الأمر ببساطة!!"

قال رئيس القناة بضيق "ماذا يمكن أن نفعل أكثر من مسح الصورة وتقديم اعتذار!!"

تكلم سيد وهو يهز رأسه بعصبية " أرجو أن يتم ذلك الأمر فورا عدلي بك ..فورا"

أغلق الهاتف بعد لحظات وهو يشتم من بين أسنانه واستدار نحو آية المكفهرة الوجه التي تقف تهتز أمامه بعصبية والتي بادرته بالقول" هكذا انتهى الموضوع بخوفك الشديد على سمعة السيدة طليقتك بينما أنا ليس لي أي رد اعتبار؟!!"

قال يحاول التماسك" مسح الصورة وتكذيب الخبر رد اعتبار لنا جميعا يا آية وسرعان ما سيُنسى الموضوع "

صرخت باعتراض " وأنا... كيف انسى؟؟ .. كيف انسى تلك الصورة لك مع جميلة الجميلات!!"

نظر لأعلى بيأس فصاحت آية مهاجمة "لماذا لم تخبرني يا سيد بأنك التقيت بها ووقفت تتحدث معها ؟؟..لماذا؟؟"

قال مفسرا " لم أرغب في إثارة غيرتك الأمر لم يستغرق إلا دقيقة"

جن جنونها من تبريره فهتفت " ولماذا من الأساس تتحدث معها؟؟ لماذا؟؟ هل حنيت لها؟؟"

كان يعلم بأنها غاضبة وتتلفظ بما لا تعيه فصاح بحزم " آية تحكمي في غضبك ولا تتفوهي بما سيغضبني منك "

وقفت متكتفة أمامه تهتز بعصبية ثم قالت بعينين دامعتين "لماذا وقفت تتحدث معها؟؟؟"

أجابها مفسرا " كنت قد طلبت منها حين انفصلنا أن تسامحني ..فسألتها إن كانت قد فعلت أم لا ..ويبدو أن المصور ابن ال...(بلع السبة مضيفا) يبدو أنه قد التقط لنا الصورة دون أن ندري .. كان لقاءا عابرا سريعا اخبرتني فيه بأنها سعيدة في حياتها"

هتفت ساخرة بقلب يتألم بالغيرة "هل اطمأننت عليها الآن وارتاح قلبك الرقيق!"

قال يواجهها بما يعرفه عنها حتى لو ادعت غير ذلك" آية لا تنكري بأنك مثلي بداخلك شعورا خفيا ببعض الذنب تجاهها"

رفعت ذقنها بكبرياء ترفض الاعتراف فقال "أنا أعرف جيدا ما تشعرين به ..رغم أنك لم تكوني أبدا طرفا في قصة طلاقنا.. وأنني أتحمل ذنبها كاملا ..لكني أعلم بأنك ارتحت حينما سمعت من بانة أنها تزوجت من جديد واستقرت "

وقفت مشيحة بوجهها بعناد تهز ساقها بعصبية تكتم المشاعر الجاثمة على صدرها فانهمرت دموع صامتة على وجهها .. أسرعت بمسحها وهي تعود لتنظر له قائلة " أنا لم أفتح فمي معك أبدا حينما كانت زوجتك ..(وضربت على قلبها ) كنت أكتم احتراق قلبي دون أي كلمة ..لكنك الآن زوجي .. زوجي أنا.. هل تريدني أن أرى صورة كهذه ولا يحترق دمي .. خاصة مع تلك التعليقات.. (كيف تركها؟ ).. (من يترك هذه الفاتنة !) .. (له كل الحق في أن يندم ويردها فقد كان غبيا)"

قال يروض جموحها كما يفعل دوما " آية تعقلي وكفي عن غيرتك هذه"

عادت لتصرخ باعتراض "أنت خفت على سمعتها ولم تهتم بمشاعري والآن تطلب مني أن أكف عن غيرتي!! ..هل آية الآن هي المخطئة المبالغة في رد فعلها والتي من المفترض أن ترى صورة كهذه فتبتسم بكل هدوء وهي تراك واقفا معها تتحدث!!"



ناظرها بغضب يحاول التحكم فيه بحكمة اكتسبها مع سنين عمره فتحركت آية مبتعدة وقد غلبها البكاء فتألم قلبه من أجلها وناداها" آية.. آية أين ستذهبين أنا أتحدث معك"

حينما لم ترد أدرك بأنها تبكي فزاد تألم قلبه لكنه قال بغضب وهو يتوجه خلفها" آية أنا أتحدث معك"

دخل من الباب الداخلي الموصل بين الشقتين أخواته رحمة وليزا وزهرة والتوأمين باسل ونغم ووقفوا ينظرون للمشهد من بعيد في قلق بينما وقف سيد يطرق على باب الغرفة هادرا بغضب وهو يحاول فتحه "آية افتحي وإلا سأكسر الباب"

تدخلت ليزا تقول بارتباك وبفصحى ركيكة" سيد أرجوكي بدون همجية .. إن التفلين (الطفلين) يبكيان"

غمغمت زهرة ساخرة وهي تمصمص شفتيها" (سيد) و (ارجوكي) معا في نفس الجملة !!"

ناظرهن بغضب قائلا بصوت مخيف وهو يشير بإصبعه آمرا "لا أريد مخلوقا هنا في هذه اللحظة.. هيا"

انتفضن من الرعب وتفرقن كالدجاجات ..فأسرعت رحمة بحمل باسل ذا العامين بينما حملت ليزا نغم التي تبكي في الوقت الذي سبقتهم فيه زهرة هاربة لشقتهن .



قال سيد لآية بلهجة آمرة وهو يضرب على الباب" آية افتحي الباب ....فورا"

كانت تعرف بأنها لن تصمد أمامه .. وحده من يقدر على تلجيمها حينما تهيج كمجنونة .. وحده من يملك مفاتيحها ومن يهيمن عليها .. كلمة آمرة كهذه وبتلك الطريقة التي لا يلجأ إليها إلا حينما تكون هي خارج السيطرة تجعلها تتحرك كما تفعل لا إراديا الآن وتفتح الباب صاغرة .



في الشقة المجاورة دخلت أخواته وأغلقن الباب لكنهن بقين خلفه فوقفت رحمة تقضم أظافرها بقلق وهي تهز باسل مهدهدة بينما قالت ليزا باندهاش" لابد أن يكون هناك خخخطاً ساخخخخناً للؤنف المنزلي"

(لابد أن يكون هناك خطا ساخنا للعنف المنزلي )

قالتها وهي تشدد بمبالغة شديدة على نطق حرف الخاء فناظرتها زهرة بقرف بينما قالت رحمة بحمائية "أين العنف يا ليزا؟.. هل مد يده عليها يوما أو على أحد منا؟!"

رمشت ليزا وهزت كتفا وهي تعترف " لا لم يهدث ..لكنها تشبه الجوريلا .. كلما انفئلت اشئر بالخخخوف من ان تفأل مثلما تفأل مع ال bad boys في الشارئ"

(لا لم يحدث لكنها تشبه الغوريلا ..كلما انفعلت أشعر بالخوف من أن تفعل مثلما تفعل مع الـ bad boys في الشارع )

غمغمت زهرة هازئة بعد أن ضربت على جبينها بيدها عدة مرات " (لكنه ) وليس لكنها .. و(انفعل) وليس انفعلت يا ليزا .. لا أدري لماذا انقلب معك المذكر مؤنثا حينما حاولت نطق حرف الخاء التي تقرفيننا بنطقها بتلك الطريقة المبالغة (وأضافت بقرف) عموما لا تقلقي فسرعان ما ستجدينهما يخرجان مبتسمان وكأن شيئا لم يكن ..فهو لا يستطيع تحمل حزنها وغضبها منه أبدا"

هتفت رحمة موبخة "زهرة تأدبي وتحدثي باحترام "

تركتهما زهرة قائلة بحنق "تأدبت وخرست ..نادوني حينما يتصالحان حتى تدمع عيناي تأثرا بالمشهد العاطفي"

راقبتها رحمة باندهاش وهي تبتعد ثم نظرت لليزا وقالت مدافعة عن سيد" إنه والحمد لله يعرف كيف يتحكم في غضبه ولم تفلت أعصابه أبدا من قبل يا ليزا .. ويعرف جيدا كيف يمتص غضب الأخرين و كيف يتصرف بنضوج ودون تهور فلا تقلقي"

قالت ليزا مجادلة " ولماذا أنت واكف هنا بكلك؟"

(ولماذا أنت واقف هنا بقلق )

ردت رحمة مفسرة " لأنني متوترة فحسب"

هزت ليزا كتفيها تقول " لازلت غير مكتنئة بأنه لا توجد خخخخطوط ساخحخنا للئنف الأسري ..ربما أنت فكط لا تئرف رهما"

(لازلت غير مقتنعة بأنه لا يوجد خطوط ساخنة للعنف الأسري .. ربنا أنت فقط لا تعرف يا رحمة )

قالتها وأخرجت هاتفها من جيبها مبتعدة وهي تحمل نغم على خصرها وترسل لأحدهم رسالة فأدركت رحمة بأنها بالتأكيد قد أرسلت لرامز .. فهي لن تتهور وتتصل به في وجود زهرة التي بالتأكيد ستفتن عليها لسيد .. فاطرقت برأسها وعادت لتركز في أي أصوات لشجار قد تأتي من الشقة الأخرى .



قال سيد بلهجة هادئة وهو يقف أمامها في منتصف الغرفة متخصرا "آية .. أنا تحدثت معها لمدة دقيقة ..ثم قررت أن أترك الحفل حتى لا أسبب لها ولزوجها الحرج ..لكنهما غادرا قبلي .. لذا كفي عن غيرتك هذه ولا تلتفتي لتلك التفاهات أنت وحدك بعد الله تعلمين قدر مشاعري تجاهك"

سألته بغيرة طفولية " كيف أصبحت؟ .. هل ازدادت جمالا؟ .. الصورة تقول بأنها..."

قاطعها بلهجة حازمة موبخة " آية ..إنها زوجة لرجل أخر الآن وسؤالك هذا لا يليق"



انفجرت باكية وهي تقول" أنا لست سيئة يا سيد.. واعترف بأني شعرت بالراحة من أجلها لأنها تزوجت من جديد .. أنا فقط أغار عليك منها ومن غيرها.. لا أحقد على جمالها إلا بسببك أنت .. "

قال بهدوء المربي " يا آية ..لو كانت هذه الميزة فيها تشتري قلبا لما كنت معك الآن ولما تعذبت أنا بسبب مشاعري تجاهك ..ولا عانيت ما عانيت"

أطرقت برأسها تبكي فأدرك أن موجة عنادها قد كُسرت لهذا لجأت للبكاء فمد يده ليمسك بساعدها ويسحبها إلى صدره ويميل على قامتها القصيرة يدفن وجهه في رقبتها ..فقالت آية تعري أمامه وحده أعمق أعماق مشاعرها "أنا لا أكرهها كإنسانة ..صدقني أنا أشعر بالامتنان لها لأنها تركتك لي ..لو لم تفعل ذلك لظللنا أنا وأنت نتعذب وكل منا يقاسي عذاب الفراق .. أنا بالفعل أدين لها بسعادتي هذا ما لن أستطيع انكاره"

غمغم سيد هامسا" دعينا ننسى هذا الأمر ..كانت صدفة قدرية حتى تخبرني بأنها سعيدة فأرفع ذنبها عن كاهلي .. وهذا هو السبب الذي جعلني أحجز تلك الغرفة في الفندق ..أردت الاحتفال معك بالتحرر من الذنب .. أردت الغرق فيك يويا .. الغرق في حبك في أنوثتك"

همست وهي غارقة في حضنه "سيد"

" روح سيد"

"أنا أغار عليك بشدة والغيرة تقتلني"

قال وهو يمسد على ظهرها بحنان "ليس هناك داعٍ للغيرة أيتها الحمقاء ..لماذا تنسين أحيانا أن سيد صبرة في كفيك"



حضنا بعضهما بقوة ثم أبعد سيد رأسها ليتأمل وجهها المرفوع إليه ويمسح بإبهامه دموعها قائلا بلهجة حانية" لا تبك فدموعك تحرق قلبي"

قالها ومال يقبل شفتيها ..يختم على أقواله السابقة بختم خاص بسيد صبرة .

××××

"هل جننت يا كامل؟!!"

قالها شامل لتوأمه الذي يقف خارج الغرفة يتحدث معه في هاتف بسمة بعد أن حاول الاتصال به ولم يفلح فاتصل بهاتف بسمة وبادره بالقول الأثير بينهما (ماذا يحدث معك؟) فحكى له كامل ما حدث..

قال كامل من بين أسنانه بخفوت حتى لا تستيقظ بسمة التي غفت منذ قليل بعد وصلة طويلة من البكاء المنهار "أجل أنا مجنون ..وأريد أن أريه ماذا يفعل المجانين حتى يقف عند حده"

قال شامل بلهجة تحذيرية " كامل ..لا تبالغ في رد فعلك لهذا تركنا كلنا الحفل حتى لا تصطدم به ..بسمة نفسها كانت قلقة جدا من أن تقابله"

صاح بخفوت وهو يتفتت من الغضب المكبوت " وهل تريدون مني أن آخذه بالأحضان إن رأيته !!..(وأضاف بحرقة) أنت لم تر الصورة والتعليقات يا شامل ..لا أحد يشعر بالنار التي تأكل في قلبي وأنا اتصوره يقف أمامها ويستعيد شعوره بها"

قال شامل بلهجة جادة " رأيت الصورة يا كامل حينما بدأت المكالمة بيننا وأدرك جيدا شعورك السيء لكن..."

قاطعه كامل قائلا بغليان " بل أشعر بأنني على وشك الموت .. بداخلي غضب شديد يشعرني بأني لو نمت وأنا على هذه الحالة لن استيقظ"

عدل شامل رأس ونس النائمة على كتفه في رحلتهما بالقطار للعودة لروما وقال مهدئا وهو يشعر بالقلق عليه خاصة في عدم وجوده بجواره " اهدأ واستغفر ربك واحمده على أنه قد قدر ثم لطف بكما مما حدث قبل قليل ..هيا اذهب وكن بجوار زوجتك وأنا سأتصل بمن أعرفهم في القناة وأطلب منهم أن يمسحوا الصورة فورا لا تقلق"

نفث كامل دخانا من منخريه ..فقال شامل وهو ينهي المكالمة "واصلح هاتفك أول شيء في الصباح حتى أستطيع أن أحدثك "

قبل أن يغلق ساوره بعض القلق فقال" كامل أنا أحذرك من التهور أو الاحتكاك بطليقها ..والله سأضربك علقة موت إن لم تتحكم في أعصابك ..سلام"

قالها وأغلق الخط فجز كامل على أسنانه بقوة يود لو يقتل أحدهم لينفس عما يشعر به ..لكنه حينما تذكر وجه بسمة الباكي استغفر ربه وتماسك وهو يعود للغرفة بهدوء مقتربا من السرير.. ففطر وجهها المتورم من البكاء قلبه ليسرع بالتمدد بجوارها ويحيطها بذراعه ويضمها إلى صدره لعل النار في قلبه تهدأ .. داعيا ربه ألا تصيبه جلطة بسبب ما يحدث.

××××

الثامنة من صباح اليوم التالي

ترجل مفرح من سيارته التي وقفت أمام بيت عيد القللي وترجل معه بشر وعلي صوالحة في زيارة كان عيد ينتظرها منذ أن أخبره شامل بما قالته ونس ..

لقد صُدم حينما وجدها لا تزال تذكر تلك الحادثة القديمة .. بعد أن نسيها واعتبرها تخريفا .. ولم يفهم بعقله البسيط لماذا لا تزال تتذكرها ؟!.. ولماذا تشعر بالثقل كما أوضح له شامل؟! .



ألقى مفرح السلام كذلك فعل مرافقيه ثم قال " شامل أخبرنا بأنه قد تحدث معك "

رد عيد بهدوء "أجل أخبرني .. ولا تؤاخذوني لو كانت ابنتي قد فتحت جرحا قديما ..أنا شخصيا لمت زوجها أن طاوعها في ذلك "

قال علي بانفعال" لماذا لم تخبرنا يا عم عيد؟!! .. لماذا لم تخبرنا ونحن نقرر إن كانت القصة حقيقة أم خيال؟!"

رفع عيد إليه عينين ذابلتين غارقتين في التجاعيد وقال "نحن أناس بسطاء يا بني .. وهي كانت صغيرة ومحمومة وكما تعرف فهي مختلفة عن باقي الفتيات.. كيف تطلب مني أن أصدق حديثا كهذا وأنقله لكم ثم تكتشفون زيفه بعد ذلك فتكون ابنتي سببا في استنفار أكبر عائلتين في البلدة الصوالحة وأولاد الزيني وربما بسببها أتهم أناس أبرياء.. أنا خفت على نفسي وعلى ابنتي .. وقلت لو كان هناك شبهة جريمة فالشرطة ستعرف ..( ونظر لمفرح مضيفا )ألستم من تحكمون البلدة؟"

هم علي بالرد بانفعال لكن بشر وضع يده على كتفه يمنعه وقال بلهجة عاتبة" أهذه هي نظرتك لنا يا رجل يا طيب! .. بأننا قد نؤذيك إن كانت قصة ابنتك مزيفة "

غمغم عيد بحرج وهو يشيح بيده" هكذا تصور عقلي ساعتها ..كما أنني لم أصدق القصة ولازلت"

تكلم مفرح بهدوء" نحن فقط نريد أن نتأكد من أن القصة خيالية يا حاج عيد .. لذا هلا بحثت لنا عن تلك الصورة ؟"

تحرك عيد بقامته القصيرة المنحنية يدخل بيته قائلا "لحظة لقد جهزت لكم الصندوق"

غاب لثوان بالداخل والقلق يسيطر على ثلاثتهما رغم ميلهما لأن القصة غير حقيقية .. ثم عاد الرجل العجوز يحمل صندوقا خشبيا قديما فتحه أمامهم وهو يقول "إن به أشياء كثيرة تخصها من أيام الطفولة (وأخرج ورقة مطوية بعناية وقال) لقد جئت لكم بالصندوق كاملا حتى لا تقولوا بأني أخفي شيئا وحتى نغلق هذا الموضوع للأبد .. انظروا لا توجد إلا هذه الورقة بين كل الأشياء الغريبة التي تحتفظ بها ابنتي "

أمسك بشر الورقة واستعد مفرح بكاميرا هاتفه حتى يصورها ويرسلها لشامل المستعد لحظتها هو وونس بجوار الهاتف حتى تؤكد لهم ونس بأن هذه هي الرسمة المقصودة.

فتح بشر الورقة ببطء ثم اتسعت أعين ثلاثتهم بذهول وصدمة .



نهاية الفصل التاسع والثلاثون

مع حبي

شموسة










Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 10:59 PM   #3209

رانيا صلاح
 
الصورة الرمزية رانيا صلاح

? العضوٌ??? » 395664
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 706
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » رانيا صلاح is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زينة الدنيا مشاهدة المشاركة
انا اسمي مكتوب؟........
مكتوب ومنور كمان 😍👌


رانيا صلاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 11:04 PM   #3210

Lolym

? العضوٌ??? » 455537
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » Lolym is on a distinguished road
افتراضي

فى انتظار الفصل الجديد يا شموسة💕💕

Lolym غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:20 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.