رواية منظف الجرائم _ محمد رضا عبد الله

[MooNy87]

ـ س : هل حدث يومًا أن تم استدعائك للتنظيف أثناء قيامك بتنظيف جريمة أخرى ؟ أو تم استدعائك للتنظيف من رقمين مختلفين فى وقت واحد ؟
ـ ج : نعم .. حدث .
ـ س : كم مرة ؟
ـ ج : مرات كثيرة .. لا أتذكر عددها .
ـ س : و ماذا كنت تفعل وقتها ؟
***

[MooNy87]

انتهيت من دفن الجثة (الملعونة) فى مكان بعيد جدًا .. وسط الصحراء .. تأكدت للمرة المليون أننى وحيدًا .. لا توجد أى سيارات خلفى .. لا أحد يراقبنى .. لا يوجد أى شهود .. لن يحاول أحد إخراج الجثة وإعادتها لمسرح الجريمة .. حتى العميل نفسه لن يستطيع لو أراد .. لأننى دفنتها فى مكان غير مميز .. إن التنقيب عن هذه الجثة فى وسط هذه الصحراء الواسعة مثل البحث عن إبرة فى كومة من القش .
عدت إلى سيارتى مطمئنا .. وضعت أدوات الحفر فى حقيبة السيارة ثم جلست خلف عجلة القيادة عندما سمعت صوت جرس الاستدعاء ..
أخرجت الهاتف من جيبى وفتحت المكالمة وقلت :
ـ آلو .. أين ؟
مهمة تنظيف أخرى .. يبدو أنها ستكون ليلة مزدحمة بالعمل .. جريمة ثانية يتم استدعائى لتنظيفها .. ومن يدرى ؟! ربما تكون هناك جرائم أخرى تُرتكب فى نفس اللحظة ويتم استدعائى لها .. مدينة الخطايا لا تكف عن العمل !
إن منحنى الجرائم فى ارتفاع مستمر .. وهذا يعنى لى الكثير من العمل .. والكثير من المال .
وصلت مسرح الجريمة بسرعة فقد كان بشارع قريب من مكان الدفن ..
وهناك .. استقبلنى رجلًا أسمرًا نحيلًا يرتدى بيجاما قطنية .. يبدو عليه الذعر والارتباك .. قال لى:
ـ انقذنى من هذه الورطة .. أرجوك .
ـ اهدأ .. وأخبرنى ما الذى حدث .

[MooNy87]

وبداخل الشقة .. جلست معه فى غرفة المعيشة .. بكى العميل الجديد قائلا :
ـ تشاجرت أنا وهى .. صفعتها ثم صفعتنى .. تملكنى الغضب الشديد عندما فوجئت بصفعتها .. كيف تجرؤ هذه الحقيرة على فعل ذلك ؟ .. رُحت أسبها وألعنها وألكمها وأركلها و ..
قاطعته قائلا :
ـ زوجتك ؟
مسح الرجل دموعه وهو يقول :
ـ نعم .
ـ ضرب أفضى إلى موت ؟
أومأ الرجل برأسه إيجابًا وقال :
ـ بالضبط .
نهضت من مقعدى وأنا أسأل :
ـ أين الجثة ؟
أشار العميل إلى غرفة النوم وقال :
ـ هناك .
اتجهت حاملًا حقيبتى نحو الغرفة .. وجدت هناك جثة امرأة سمينة على الأرض ترتدى فستان سهرة .. مُزقت بعض أجزائه فى مناطق مختلفة .. على وجهها آثار صفعات ولكمات .. ودماء على شعرها وجبهتها .. وبجوار رأسها فردة حذاء نسائى .. يبدو أنه يخصها لأنها كانت ترتدى الفردة الأخرى .. من المحتمل أنها خلعت الفردة الأولى لتضرب بها زوجها .
كانت هناك دماء فى أكثر من موضع فى الغرفة .. على الأرض وعلى الحائط .. يبدو أن الزوج كان يدفعها كثيرا نحو الحائط ويضرب رأسها به .

[MooNy87]

ـ هل تريدنى أن أنظف هذه الفوضى ؟
أجابنى الزوج على الفور :
ـ بالتأكيد .
ـ هل تريدنى أن أمسح بصماتك من المكان ؟
قال الرجل معترضًا :
ـ لا .. إن هذه شقتى .
ـ حسنًا .. هل تريدنى أن أتخلص من الجثة ؟
قال الرجل بدون لحظة تردد :
ـ بالتأكيد .. وامسح بصماتها فقط .
ضحكت قائلا :
ـ أنا لا أفرّق بين البصمات .. فإما أن أمسح جميع البصمات أو أتركها كما هى .
ـ حسنًا .. امسحها كلها .
ـ لماذا طلبت أن أمسح بصماتها فقط ؟ ألم تقل أنها شقتك ؟
ـ نعم شقتى .. ولكنها لا تعيش معى .. إن هذه ليست شقة الزوجية .. هذه شقة أخرى ملكى أستخدمها من أجل .. من أجل الـ ..
أشاح العميل بوجهه بعيدا عن عينى ودفن يديه فى جيبى بيجامته وابتلع ريقه ثم قال :
ـ من أجل الليالى الحمراء .. بعيدا عن زوجتى .. لكنى فوجئت الليلة بزيارتها لى هنا .. لا أعلم كيف عرفت العنوان .. المهم أنها جاءت ورأت الفتاة عندى هنا .. لم أستطع الدفاع عن نفسى .. الفتاة فرت بجلدها من أنياب زوجتى وأظافرها .

[MooNy87]

أشرت إلى غرفة النوم وسألت :
ـ الملابس التى بالداخل تخص الفتاة ؟
قال الرجل بأسى :
ـ نعم .. لقد فرت المسكينة بدونها فى هذا الطقس السيىء .
يا إلهى ! فرت عارية .. قلت له بلهجة عملية :
ـ حسنًا .. تنظيف المكان ونقل جثة زوجتك ودفنها سيكلفانك ...
قاطعنى قائلا :
ـ لا تقلق .. سأدفع لك ما تريد .. لقد قبضت الجمعية هذا الشهر .. وإذا لم تكفى فسأعطيك من ذهبها .
واتجه ناحية الجثة .. وانحنى عليها وأمسك ذراعها السمينة وراح ينتزع المصوغات الذهبية منها ..
وفجأة ..
حدث أمر غريب !
***

[MooNy87]

ـ س : هل حدث يوما أن تلقيت استدعاء خاطىء ؟
ـ ج : نعم .
ـ س : كيف ؟
ـ ج : أذهب من أجل تنظيف جريمة .. فلا أجد أى جريمة .
***

[MooNy87]

حدث أمر غريب ..
لقد تحركت الجثة .
تراجع الزوج مصعوقًا وسقط على الأرض من هول المفاجأة .. بينما الجثة تمسك رأسها وتقول وسط أنينها :
ـ ما الذى تفعله يا حيوان ؟
قال الزوج مذهولًا :
ـ أنتِ لم تموتى بعد ؟
قالت الزوجة التى اتضح أنها لا تزال على قيد الحياة :
ـ تريد سرقتى وأنا ميتة يا جبان !
حاولت النهوض وهى تقول :
ـ أين هى ؟ أين خبأت الشيطانة الملعونة ؟
انتبهت لوجودى معهما فى الغرفة عندما سمعت ضحكاتى .. فقالت مرتبكة :
ـ أنا أتذكر أنى ضبطتك مع فتاة .. وليس رجل !
كنت أضحك عندما سألتنى :
ـ من أنت ؟ هل أنت طبيب ؟ هل أحضرك ليتأكد من موتى ؟
ـ لقد استدعانى لكى أدفنك .
التفتت إلى زوجها وأمسكته من البيجاما بمنتهى العنف قائلة :
ـ هل أحضرت حانوتيًا لى ؟ هل أنت متعجل للخلاص منى لهذه الدرجة ؟
ـ أنا لست حانوتى !
سألتنى الزوجة بغضب :
ـ من أنت إذن ؟ وماذا تعمل ؟ وما سبب وجودك هنا ؟
أجبتها بكل برود وهدوء :
ـ أنا منظف جرائم .

[MooNy87]

قالت بغضب شديد :
ـ حسنًا .. انتظر هنا .. سوف أحتاجك لتنظف المكان بعدما أقتله .
أما الزوج فقد حاول التملص من يديها القويتين وهو يقول :
ـ ألا يمكنك دفنها حية ؟
ـ لا .
لم يستطع الزوج التخلص من قبضات زوجته القوية .. فقال لى متوسلًا :
ـ ساعدنى فى قتلها إذن .. وسوف أدفع لك ما تريد .
ـ أنا لا أقتل أبدًا .. أنا فقط أنظف جرائم القتل .. فإذا أردت قتلها استدعى قاتلًا محترفًا .. وبعد ذلك استدعينى لأنظف وراءه .
ثم حملت حقيبتى وأكملت :
ـ وطالما أن الجثة لم تعد جثة .. والجريمة لم تكن جريمة .. لذا لا فائدة من وجودى هنا .. سأنصرف فورًا.
لكم الرجل زوجته وقال :
ـ انتظر يا هذا .. سوف أقتلها الآن .. انتظر .
أما الزوجة تفادت اللكمة الثانية وقالت :
ـ بل انتظرنى أنا .. وسوف أقتله .
المعركة لا تزال مستمرة .. الله وحده يعلم متى ستنتهى .. وهل ستنتهى بموت أحدهما أم لا .. لكنى لن أنتظر لأعرف نتيجة المباراة فربما تنتهى بالتعادل .. قلت بلهجة عملية :
ـ لن أنتظر أحدًا .. إذا قتل أحدكما الآخر فليتصل بى.
وفتحت الباب لأخرج لكن ..
فوجئت برجل أمامى مباشرة .. من هو ؟ وماذا يريد ؟!
***

[MooNy87]

ـ س : هل حدث يومًا أن ذهبت لتنظيف جريمة فوجدت منظف آخر يقوم بالمهمة ؟
ـ ج : نعم .. حدث ذلك أكثر من مرة .. فالعميل يكون فى غاية القلق .. ويخشى تأخر المنظف أو عدم حضوره .. فيتصل بأكثر من واحد .
ـ س : وماذا كنت تفعل ؟
ـ ج : القاعدة معروفة .. من حضر أولًا هو الذى يبقى ليكمل عمله والثانى ينصرف .. والمفروض أن يدفع العميل تعويضًا للمنظف الثانى .. لكننا لا نجبره على فعل ذلك .. إذا لم يدفع فهو حر .. المهم أن يدفع العميل للمنظف الأول .
ـ س : ألا يمكن أن يتعاون الاثنان فى التنظيف ؟
ـ ج : إن كانا أصدقاء ويعرفان بعضهما قد يحدث ذلك .. لكن فى معظم الحالات لا يساعد أحدًا الآخر .. لأن كل واحد يريد أجره كاملا دون أن يتقاسمه مع أحد .. وربما يتعاونا فى حالة ضيق الوقت أو اتساع المكان أو كثرة الضحايا .. وقتها يمكن أن يتعاون فريق تنظيف كامل .. طالما أن العميل سيدفع للجميع.
***

[MooNy87]

فوجئت برجل يقف أمامى مباشرة .. يرفع قبضة يده اليمنى تأهبًا لطرق الباب .. كان الرجل يرتدى قناعًا مثلى ونظارة سوداء وقفازات فى يده .. يمكننى تخمين مهنته وسبب وجوده هنا الآن.
التفت إلى الزوج الشاب الذى يجاهد لكى يظل حيًا ولكى يظل رجلًا وقلت له :
ـ هل استدعيت منظف آخر ؟
قال الزوج وهو يحاول تفادى ركلة قوية متجهة نحو نقطة ضعفه :
ـ هل وصل ؟
ضحكت قائلًا :
ـ منظفان ولا توجد جريمة !
قال الزوج وهو يحاول اهداء زوجته لكمة صاروخية :
ـ فلتدعه يدخل .. سأحتاجه قريبًا جدًا .
وأحاط رقبة زوجته السمينة بكلتا يديه محاولًا خنقها بإصرار شديد .. أما المنظف الثانى فقد وجّه سؤالًا لى :
ـ هل استدعاك قبلى ؟
تخلصت الزوجة من أيدى زوجها التى كانت تعصر رقبتها عصرًا .. والتقطت أنفاسها أخيرًا .. ثم دفعت زوجها بعنف نحو الحائط وراحت تضرب رأسه به .. قلت مجيبًا على سؤال المنظف الثانى :
ـ نعم .. ولكن اتضح أنها لم تمت بعد .. على أى حال أنا منصرف .. إذا أردت الانتظار حتى يخلص أحدهما على الآخر فانتظر .. ولكنى أنصحك .. خذ أجرك مقدمًا فربما يخلصان على بعضهما البعض ولا تجد من يدفع لك فى النهاية .
نظر المنظف إلى الزوج الذى كان يصارع للحفاظ على حياته والحفاظ على سلامة رأسه .. ثم قال :
ـ حسنًا .. سأنتظر .. طالما أننى حضرت لن أعود خالى الوفاض .