آخر 10 مشاركات
سراب الحب (8) للكاتبة الخلابة: نور الهدى *مميزة & كاملة* (الكاتـب : نور لينة - )           »          وشاح من دخان-قلوب شرقية(79)-حصرياً- للكاتبة:داليا الكومي{مميزة}-(مكتملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          حنين الدم ... للدم *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : رؤى صباح مهدي - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          [ تحميل] من تحت سقف الشقى أخذتني للكاتبه نـررجسـي?? ( جميع الصيغ ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          بخصوص رواية قبلة المموت … (الكاتـب : فجر عبدالعزيز - )           »          فرشاة وحشية ج1 من س تمرد وحشي-قلوب أحلام زائرة-للكاتبة: Nor BLack*مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-03-21, 06:50 PM   #871

رانيا صلاح
 
الصورة الرمزية رانيا صلاح

? العضوٌ??? » 395664
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 706
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » رانيا صلاح is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
افتراضي


احلي مفاجأة يا نولا 3 فصول ورا بعض تسلم ايديكى روووعة متشوقة للقادم😍❤❤❤

رانيا صلاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 04:39 PM   #872

سلوى الهادى
 
الصورة الرمزية سلوى الهادى

? العضوٌ??? » 411099
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » سلوى الهادى is on a distinguished road
افتراضي

روعه روعه روعه وجميلة اوي

سلوى الهادى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-03-21, 12:30 AM   #873

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل المائة وأربعة

الفصل المائة وأربعة



منديل الرأس، أول ما وقعت عليه نظراتها المندهشة، أيعقل أن يكون ذلك خاصتها؟ التقطته بيدها المرتعشة من فرط انفعالها، وقربته من عينيها لتتأكد منه، ارتفع نهجان صدرها مع رؤيتها للبقية بقاع الدرج، اتسعت عيناها على آخرهما وهي تكاد لا تصدق ما تراه. قبضت "فيروزة" على متعلقاتها براحتها، وتساءلت في صدمةٍ حائرة:

-إيه اللي جاب دول هنا؟

تشتت تفكيرها للحظاتٍ وهي محدقة في أشيائها، باعدت عينيها عنهم لتدور بهما حول الغرفة في نظرة شاملة تمسح بها تفاصيلها، وكانت صدمتها الأخرى، إنها بغرفة "تميم"، الآن تذكرت أنها رأتها من قبل، عندما وقفت أمام بابها، خلال الاحتفال بميلاد الرضيع "سلطان". انتفضت واقفة عن الفراش، وكأن عقربًا لدغها، وحالة من الذهول والإنكار مسيطرة عليها، أطبقت بأناملها المتشنجة على متعلقاتها، واعتصرت عقلها عصرًا لتتذكر أين فقدتهم؛ لكن في خضم ما تمر به الآن، لم تسعفها ذاكرتها، وبات الأمر عسيرًا عليها، فقط شيئًا واحدًا طغى على السطح، اتهامات "خلود" لها بمحاولة سلب زوجها منها بطرقٍ ملتوية، جال ببالها أن تكون قد رأت منديل الرأس والمشابك. قفز قلبها في رهبةٍ، وزادت مخاوفها، نطق لسانها بما يستحوذ على كامل تفكيرها:

-لأحسن تكون شافت الحاجات دي، وفكراني آ...

لم تستطع إتمام جملتها خوفًا من تصديق ذلك الاعتقاد الخطير، وإن لم يكن صحيحًا! تراجعت مبتعدة عن كل ما له صلة بـ "تميم"، لتهرع نحو الباب قاصدة فتحه، وهاربة مما قد يسيء إليها، خرجت من الغرفة سريعًا، واتجهت عائدة للصالة، تحدق بعينين مفزوعتين لظهر الجد "سلطان"، وحفيدته "هاجر"، ومن خلفهما "ونيسة"، الوضع أصبح متأزمًا للغاية، كارثة أكيدة على وشك الحدوث. ظلت متجمدة في مكانها، لم تبرحه، وصوت لائم يتردد بداخلها:

-هو أنا عملت إيه؟ ورطت الناس دول معايا ليه؟ هما ذنبهم إيه؟

.................................................

من كل حدبٍ وصوب، جاءوا معه سائرين، وركابًا، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، بعد تلقيه لمكالمات جمة من غالبية الجيران، لإخباره بالوضع المتدهور بالبناية. صوت احتكاك مكابح السيارات كان كفيلاً بإثارة الرعب في النفوس، ترجل "تميم" من سيارته دون أن يأبه بغلقها، وهرول ركضًا آمرًا عماله بصوت جهوري رن صداه المخيف في أركان المنطقة، وهو يُلقي بسلسلة حديدية لأحدهم:

-باب العمارة يتقفل من برا بالجنزير، محدش لا يدخل ولا يخرج، سامعين!

رد عليه العامل مبديًا طاعته الكاملة بنبرته الخشنة:

-تمام يا معلم.

اقتحم البناية عشرات الرجال الأشداء، على رأسهم كان "تميم"، يقفز على الدرجات صعودًا، وأبقى ثلاثة منهم أمام البوابة بعد غلقها بالقفل والسلسلة الحديدية الغليظة. أتاه صوت جده الأجش صائحًا وهو مازال بالطابق السفلي:

-ارمي البتاعة اللي في إيدك دي يا (...).

راح يسمع صوتًا مقيتًا إلى نفسه، يرد بازدراء حقير، جعل الدماء المغلولة تصعد من صدره لرأسه في كتلٍ محمومة:

-اتكلم على أدك يا راجل يا كُهنة، إنت مش هتستحمل ضربة مني، ده إنت رجلك والقبر.

وقبل أن يوبخه "سلطان" هدر "تميم" عاليًا بصوتٍ أرعب الجميع:

-القبر ده هتخشه النهاردة يا (...).

التفت الجمع المصاحب لـ "فضل" لمصدر الصوت المزلزل، وحدث كل شيء كالبرق في سرعته، امتدت يد "تميم" اليمنى القابضة على عصا غليظة نحو أحد الأوغاد، فأطاحت برأسه، والأخرى الممسكة بسكينٍ طويل أحدثت جرحًا غائرًا في عضدِ آخرٍ، وشتائمه اللاعنة لا تتوقف أبدًا. تبعه رجاله الذين تلاحموا بشراسة عنيفة، لا يمكن وصفها مع كل من تطاله أياديهم؛ وكأن بينهم ثأرًا قديمًا مضى عليه قرون.

تلاشت لغة العقل والمنطق، وحلَّ أسلوب الغابة والوحشية المُطلقة، فتناثرت الدماء، وتكسرت العظام، والتوت الأذرع، وضربت الرؤوس. كالجرذ المذعور تراجع "فضل" متجهًا نحو الجد يريد إيذائه، اعتبره فريسة سهلة المنال، وربما وسيلته المؤقتة لإخراجه من الجحيم الذي سقط فيه بإرادته؛ لكن الأخير باغته بضربة غير متوقعة من عكازه على كتفه، جمع فيها كل غيظه وغضبه من تدنيس حرمة منزله، فارتد للخلف فاقدًا اتزانه، وقدرته على الصمود، ليقع في يدِ من لا يرحم.

.................................................

رغم حالة الهلع المسيطرة عليها إلا أنه استجمعت نفسها، والتقطت هاتفها المحمول الذي أسقطته أرضًا أثناء المواجهة مع ذلك الدنيء النجس، بادرت بالاتصـال بالشرطة على أمل أن يأتوا في الوقت المناسب، لمنع "فضل" من اختطاف توأمتها قسرًا. لم تتوقف "همسة" عند ذلك الحد، بل هاتفت أيضًا "علا"، علها تنجح بطريقة أخرى في ردعه، إن نجح وأخذها عنوة. حمدت الله في نفسها أنها ما زالت تحتفظ برقم هاتفها لديها، فتوسلتها بصوتها المتقطع عندما أجابت عليها:

-كلمي "ماهر" بيه يلحقها بسرعة، أنا خايفة أوي عليها، ده ممكن يقتلها.

ردت عليها تطمئنها في نبرة كانت متلهفة كذلك:

-متقلقيش يا "همسة"، مش هايقدر يأذيها، البلد مش سايبة، و"ماهر" ليه صلات بناس كتير، اطمني، هيعرف يوصلها حتى لو كانت فين.

استعطفتها بمزيدٍ من الرجاء:

-أوام الله يكرمك.

قالت مؤكدة:

-حاضر، اقفلي، وأنا هاطلبه.

-ماشي.

نطقت بتلك الكلمة الموجزة وهي تبعد الهاتف عن أذنها لتجري خارج منزلها، لكنها توقفت في مكانها، وأمسكت بكلتا يديها بحافة الدرابزون، بعد رؤية التلاحم العدائي الشرس الدائر بالطابق السفلي.

............................................

تكوم إلى جوار صندوق القمامة، شاعرًا بألمٍ حارق يعصف بكتفه؛ لكنه لا يُقارن بالألم الرهيب الذي نال من ذراعه، عندما انقض عليه "تميم" ليكسره في عصبيةٍ خرجت عن السيطرة. صرخ "فضل" بعويلٍ باكٍ مستنجدًا:

-الحقوني!

شقًا طوليًا لن يلتئم جرحه بسهولة وجد مكانه في جبين "فضل"، صوت صراخه المرتفع كان كأنشودة تطرب الآذان، ومع هذا لم يشفِ غليله منه! نادى "سلطان" حفيده الجاثم على ذبيحته بركبته:

-"تميم"!

رد متوعدًا بأنفاسٍ حارقة، وعيناه تتقافز فيهما شرارات ملتهبة:

-مش هارحمه يا جدي!

لجأ "فضل" لقشةٍ أخيرة، ربما قد تكون السبب في إحراقه حيًا، أو كسب المزيد من الوقت للنجاة بحياته من براثن ذلك العتي، لعق شفتاه، وهدر بصوتٍ عالٍ قاصدًا لفت الأنظار:

-إنت هتموتني عشان بألم عرضي اللي دست عليه ووسخته؟!

صوت طاووسه البري الحانق جاء من ورائه يرد على ظلمه المجحف:

-إنت أوسخ خلق الله، أنا يا كلب أشرف من أمثالك، وأطهر من كل كلمة قولتها.

تخطت دماء "تميم" درجة الغليان بكثير، واستثير على الأخير بحمئتها المتعصبة، فأصبح كالأعمى، لا يرى إلا شيئًا واحدًا، قطع لسان ذلك النجس فورًا لإخراسه، لكن يده سبقت مديته، وصفعه أولاً صفعة عنيفة جعلت صفي أسنانه تتخلل من فرط قوتها، ثم سدد له لكمة أسفل فكه كادت تحطمه وهو يصيح به بسبابٍ لاذع:

-اخرس يا (...)! لسانك النجس ده هاقطعهولك.

انكمش "فضل" على نفسه من شدة الألم المنطلق في وجهه، ورغم هذا استمر في قذفها بالباطل، ورفع من نبرته متابعًا اتهاماته غير الحقيقية لكليهما، كوسيلة أخيرة لكسب تعاطفٍ غير موجودٍ من المتواجدين:

-اشهدوا يا ناس، شوفوا هيعمل فيا إيه الكلب ده وعشيقته.

شهقة "فيروزة" المصدومة اخترقت أذني "تميم"، أتبعها نفيها القاطع:

-إنت كلب، واحد قذر، تستاهل الحرق والموت.

نظر إليها قائلاً بسعالٍ متحشرج:

-أيوه اعملي الشويتين دول، وأنا اللي كنت جاي اتستر عليكي بعد ما ريحتكم فاحت، وسيرتك بقت على كل لسان.

بين طرفة عينٍ وانتباهتها تحول "فضل" لكيسٍ للملاكمة، تكسرت فيها ضلوع صدره، وتناثرت الدماء من كل فتحة في وجهه، قبل أن تجد مديته طريقها عند فمه لتحدث شقًا غائرًا في جانبه. أوقفه الجد "سلطان" بصعوبة عن غرزه بندائه الغليظ:

-"تمــيم"!

بالكاد توقف عن تعميق النصل حينما لمح بطرف عينه منديل الرأس المحتفظ به أعلى درج الكومود يسقط على مقربة منه، فأدار رأسه في صدمة وجلة للجانب، ليجد "فيروزة" تفترش الأرضية بجسدها الغائب عن الوعي، سحب مديته بقسوة من جلد وجهه غير عابئ بصراخ "فضل" الجنوني، لينتقل سريعًا نحوها، ولون وجهه المحتقن يشبه الأتون المتقد منذ ساعات. جثا قبالتها، وهلل بصوته الصارم يأمر رجاله:

-خدوا الـ (...) دول كلهم على السطح...

والتفت برأسه نحو "فضل" متابعًا إملاء باقي أوامره عليه:

-والنجس ده يطلع مسحول على ضهره.

استجاب كافة العمال له بهمهمات طائعة، قبل أن يعاود النظر إلى الوجه الذي انطفأ من قساوة ما جابهه في وجوده، أحس "تميم" بنيران تحرق كامل جسده، معتقدًا أنه لوهلة خذلها عندما لم يسكت لسان الباطل.

...............................................

قاوم السعير المتأجج فيه، ومرر "تميم" ذراعيه أسفل جسد "فيروزة" الممدد عند قدمي جده المحني عليها لحملها، قام بإدخالها لمنزله، توقف في مكانه مترددًا أين يضعها؛ وكأن عقله قد توقف عن التفكير بمنطقية. أرشده جده بأمرٍ نافذ من خلفه:

-وديها أوضتي.

لم يلتفت إليه، وتابع سيره نحو غرفة جده ليضعها بالفراش، وصوت "سلطان" الرزين يكلمه:

-كل حاجة هتتحل، ماتقلقش.

نعم أراح جسدها بالفراش؛ لكن ذلك لا يعني أنه استراح، فالحرب قد اندلعت لتوها بين الحق والباطل. وقعت أنظاره على يده المنتفخة، فزاد اشتعال صدره متوقعًا أن تكون إصابتها جراء الصدام مع ذلك الوضيع، برزت عيناه أكثر عندما رأى أناملها ترتخي عن مشابكها، التقطهم سريعًا واحتفظ بهم في راحته، وعقله مزدحم بأسئلة عن كيفية اكتشافها لكنزه الثمين. انتشله من سرحانه المشحون بأنواعٍ متناقضة من الأفكار قبضة جده الموضوعة على كتفه، شعر بضغطه الجامد عليه قبل أن يستطرد قائلاً:

-واللي غلط هياخد جزائه، بس نهدى ونفكر بالعقل.

إن كان يتحدث جده عن التريث، فقد ذاب وتبخر مع شدة غضبه! وإن كان يقصد منح الرحمة لمن لا يستحق تجنبًا للعقوبة، فقد انعدمت تلك الصفة منه! نظر إليه "تميم" بعينين متشبعتين بحمرةٍ لا يمكن إنكار رؤيتها، وأخبره بنفسٍ ثقيلٍ من بين شفتيه:

-مش مع ده، هيتعلق ويدفن بالحيا.

اعترض جده طريقه، وقد رأى في عينيه إصرارًا قويًا على تنفيذ ما صرح به، وخاطبه:

-وتضيع نفسك مع كلب؟

قال بحرقةٍ شديدة:

-مش فارق معايا.

خفف من حدة صوته وهو يقول مستعينًا بنظرة ذات مغزى من عينيه:

-طب فكر فيها؟

كبحْ غضبه الآن كان من رابع المستحيلات، فهو ينهش في روحه ويستحثه على الصعود لقتل "فضل"، بعد إذاقته ألوانًا من العذاب، ليعي الأخير مع أي شخص قد عبث وأساء. ولجت "ونيسة" إلى الغرفة -ومعها ابنتها- تتساءل في جزعٍ:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، هو في كده؟ إيه الظلم ده؟

بينما أعلمته "هاجر" وهي تنظر إليه:

-العمال برا واقفين مستنينك يا "تميم".

-أنا أسفة إني دخلت كده من غير استئذان.

صوت "همسة" المعتذر جعل الجميع يلتفت نحوها، وجدوها تقف عند أعتاب الغرفة وهي تتطلع إليهم بنظراتها المرتعبة، رمشت بعينيها، وتابعت قائلة بصوتٍ يملأوه الخوف:

-بس عايزة أطمن على أختي.

أقبلت عليها "ونيسة"، واستحثتها على الدخول بقولها المهتم:

-تعالي يا بنتي، ده بيتك.

اندفعت "همسة" نحو توأمتها، واللوعة تستبد بقلبها آسفًا عليها، مالت عليها، واحتضنتها قائلة لها ببكاءٍ:

-الحمدلله إنك هنا.

ثم رفعت رأسها تخاطب البقية، مدافعة عن شقيقتها بحرجٍ ملموس في صوتها؛ لكون الأمر يمس عائلة "سلطان" بشكلٍ مباشر وسافر:

-والله العظيم هو كداب، بيهلفط بأي كلام.

قال الجد بثباتٍ وهو يومئ برأسه:

-احنا متأكدين يا بنتي من ده، مش محتاجة تبرأي ذمة أختك.

كان "تميم" على وشك الرد أيضًا لولا سماعه لصوتها الجريح، يهتف من ورائه بأنفاسٍ غير منتظمة، ليدرك أن مهجة القلب ومالكته قد أفاقت من إغماءتها:

-هاقتلك يا "فضل" .......................................... !!!

.................................................. .....






منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 10-03-21, 12:33 AM   #874

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل المائة وخمسة

الفصل المائة وخمسة



صراعها معه لم يكن مجرد خصومة عادية، ينتهي النزاع فيها بجلسةٍ عرفية، أو بتدخل وساطة عائلية لعقد مصالحات وهمية؛ لكنها حربٌ ضروس بين شهادة الحق، ولسان الزور. دفعتها كل المشاعر المكبوتة بداخلها، والتي فاقت حد الاحتمال الطبيعي، للانتفاض مجددًا من قوقعتها، واستعادة إدراكها الحسي، ليبدأ وعيها في التيقظ والانتباه لما يحدث حولها. في البداية كانت الأصوات متداخلة، متزاحمة، غير مفهومة لها، تكاد تصيبها بالصمم، ومع القليل من التركيز تبينت أن ما خاضته ليس بكابوسٍ عابر، وإنما واقع أليم فُرض عليها القتال فيه لإثبات طهرها، وأن عفتها لم تدنس.

شرفها الذي ما زال كما هو، لم تمسه يد، ولم يره مخلوق، كيف يستبيح الخوض فيه هكذا بجراءة وفُحش؟ استعر الغضب في أحشائها، وغزا كامل عروقها، لتصبح كل خلية فيها كجمرة لم تغرب النار عنها. صوت "فيروزة" الجريح زأر مرة أخرى بحرقةٍ زادت من وهج النيران المشتعلة في صدره:

-هاقتلك، والله ما هاسيبك يا بغل.

تركزت كل الأنظار معها، وأسرعت "همسة" في احتضان توأمتها، محاولة دعمها بقولها غير المجدي:

-ربنا هينتقم منه، اهدي بس يا حبيبتي.

في غمرة انفعالها، دفعتها بقسوةٍ لتبعدها عن طريقها، وأصرت على الاقتصاص منه فصاحت بكل عنفوانها:

-هموته، ده الحل الوحيد.

ردت عليها "ونيسة" بغيظٍ:

-والله معاكي حق، اللي زيه يستاهل الموت بدل المرة عشرة.

ثم مصمصت شفتيها متابعة بانزعاجٍ:

-ده عرض ولايا اللي خاض فيه.

أضافت عليها "هاجر" بتوجسٍ:

-والناس مابتسبش حد في حاله، حتى لو متكلموش قصادنا بحاجة تجرح، هيلسنوا بكلام مش حقيقي.

نفس الكلمات تتردد، نفس العبارات المبطنة التي تودي بها إلى خيارٍ لا مناص منه، وإن لم تبح به الألسن بعد؛ لكنها لم ولن تلجأ إليه أبدًا مهما دفعتها الظروف، لن تسمح لأحدهم بالانتقاص منها، بسحقِ البقايا الصامدة فيها. ثارت ثائرتها من جديد بعصبيةٍ مضاعفة استغربها من حولها:

-والله لموته، مش هاسيبه يعيش.

وكأن بكلماتها العنيدة تستثير حمئته أكثر وأكثر، فلم يعد يطيق البقاء ساكنًا، فاندفع بعزم ما فيه للخارج قاصدًا تلك المرة نحر عنقه، وإن كان في هذا سجنه للأبد، لتحيا هي كريمة، حرة، مرفوعة الرأس، على أن يدعس حقير مثله طرفها! تجاهل "تميم" نداء جده وهو يَزْعق من خلفه:

-استنى يا "تميم"، اسمع هاقولك إيه.

همهم بصوتٍ لم يفارق ثغره وهو مستمر في تقدمه:

-معدتش ينفع مع اللي زيه كلام يا جدي.

أشــار بعينيه الملتهبتين من كم الغضب المنتشر فيهما بالتحرك أيضًا، فنفذوا أمره غير المنطوق بإذعانٍ كامل، ليخرج الجميع من المنزل متجهين إلى السطح، وخلال صعوده صاح "تميم" في جيرانه بنبرة جمعت بين الحزم والعرفان بالجميل:

-كتر خيركم يا جماعة، خشوا بيتكم، الليلة عندي أنا...

ظل ثابتًا في مكانه وهو يكمل بتحذير شديد اللهجة، مستخدمًا سبابته في الإشارة، وكامل نظراته تدور على الأوجه المتطلعة إليه:

-ولو كلمة اتحكت عن اللي دار هنا لأي حد في الحتة، ولا شميت خبر إن سيرة حد من طرفنا اتمست بسوء مش هحاسب حد إلا إنتو، أيًا كان من هو...

بالطبع لم يجرؤ أحدهم على مناقشته، أو الاعتراض على تصرفاته الآمرة، أو السؤال عن تفاصيل تلك المشادة الدموية، أو حتى معرفة نهايتها المأساوية، خاصة وهو في حالة من الاستنفار الرهيب، والتي تؤكد لمن يراه بأنه عائد للسجن لا محالة. باعد نظراته العدائية عنهم ليقول بصوته الأجش المجلجل:

-وكتر خيركم من تاني على وقفتكم، مردودالكم.

همهمات تنوعت ما بين شاكرة وطائعة لم يعبأ بها "تميم"، واصل صعود الدرجات، ومع كل درجة يتخطاها كان يشحذ المزيد من حنقه، صوتها النافذ إلى قلبه قبل أذنه جعله يتخشب في مكانه كتمثالٍ من الحجر، حتى أن قبضته الممسكة بحافة الدرابزون تصلبت عليه، عندما هدرت عاليًا بالأسفل:

-سيبوني عليه، محدش يمنعني.

جاءه صوت والدته يرجوها:

-يا بنتي اهدي، أنا مش ملاحقة عليكي وعلى "تميم".

ردت بحرقة وَأدت بصيص الرحمة بداخله:

-ده شرفي، وأنا مش هسامح في اللي مسه!

خاطب "تميم" نفسه مؤمنًا عليها:

-ولا أنا.

تابع صعوده برويةٍ لتلتقط أذناه دمدمتها الغاضبة، متغاضيًا عن أصوات صراخ الأوغاد المحتجزين، والذي يخترق الجدران من شدة الضرب والوجع على يد عماله المتعصبين الذين أذاقوهم ألوانًا من العذاب الأليم.

............................................

مكالمة عاجلة أتته من زوجة شقيقه تخبره فيها بملاحقة ابنه لابنتها، واستئجاره لغرباءٍ من أجل اختطافها عنوة، فأدرك أن توابع رعونته هذه لن تمضي على خير ككل مرة، خاصة إن لجأت إلى من يخشى الصدام معه؛ لأنه ليس بشخصٍ عادي، يمكن تهدئته بمعسول الكلام؛ لكنه من أرباب السجون، لا يعرف سوى لغة العنف، وأساليب الإيذاء الشرسة. تطلع "إسماعيل" أمامه محدقًا في الطريق الترابي على مدى بصره، ورفع ذراعه ملوحًا للسائق وهو يخاطبه برجاءٍ يميل للتوسل:

-سوق يا ابني بسرعة الله يكرمك.

بتعابيرٍ هادئة، وجسدٍ مرتخ علق عليه السائق:

-حاضر يا حاج...

ثم لوى ثغره معللاً بطء الحركة:

-بس إنت شايف الطريق عامل إزاي.

رجاه بصوته القلق:

-معلش يا ابني، في نصيبة ولازم ألحقها.

نظر إليه السائق بنظرة فضولية سريعة قبل أن يحدق أمامه، وقال:

-ربنا يسترها علينا جميعًا.

لفظ "إسماعيل" الهواء الثقيل من صدره، وظل يدمدم داعيًا:

-جيب العواقب سليمة يا رب...

بقيت أنظاره عالقة بالطريق المزدحم بعشرات السيارات في مختلف أحجامها وأنواعها، وتابع كلامه مع نفسه:

-أنا قلبي كان حاسس إنك ناوي على مصيبة يا "فضل".

هز رأسه في استنكارٍ مرددًا بين جنباته في حزنٍ وسخط:

-بقى دي أخرتها، اتبهدل في السن ده؟ وأجري ألم ورا ابني؟!

عاد ليحدق في السائق، واستعطفه من جديد:

-يالا يا ابني، دوس بنزين، السِكة فضت شوية.

أومأ برأسه وهو يرد:

-عينيا يا حاج.

ظل يدعو الله كثيرًا في سريرته، أن يصل في الوقت المناسب، قبل أن تزداد الأمور تعقيدًا، ويعجز حينها عن نجدة ابنه، أو تخليصه من جرائر شره.

.................................................

لم يستطع أحدهم منعها من تسلق درجات السلم لبلوغ السطح سوى جسده العريض والذي ظل عائقًا أمامها، يحول دون دخولها إليه. رفعت "فيروزة" عينيها إلى ظهره المنتصب، ترمقه بنظرة نارية محذرة قبل أن تهدر به بأنفاسها المنفعلة:

-حاسب، خليني أدخل.

لم يلتفت إليها "تميم"، ولم يفِ بوعده لها بتلبية ما تطلبه أيًا كانت ماهيته تلك المرة، بل على العكس بدا متحكمًا، متشددًا في رأيه، فرد ذراعه ليضعه على حافة الباب، وعاندها رافضًا بشكلٍ قاطع، لئلا تلوث نظراتها بهيئة ذلك النجس مجددًا:

-لأ .. مش هايحصل.

استطاع أن يشعر بالألم في نبرتها وهي ترد بإصرارٍ:

-أنا هاخد حقي بإيدي، مش هاسمح لكلب زي ده يجيب في سمعتي بالباطل، ويفلت كده بسهولة..

خنقت غصتها القاتلة، وأكملت بكبرياءٍ ما زال جريحًا:

-أنا مش رخيصة.

قال على الفور محتجًا على وصفها بحنقٍ متزايد دون أن يأخذ اللسان حذره:

-إنتي غالية عندي ...

تدارك زلة القلب، وصحح بنفس الصوت المتشنج:

-عند الكل، وحقك أنا هاجيبهولك.

ألا يكفيها ما سمعته من افتراءات لتسمح بالمزيد من القيل والقال، إن ارتضت بمساعدته؟ تخبطت في تفكيرها، واختلط عليها العاطل بالباطل، لذا هتفت تسأله في عصبيةٍ معترضة على تدخله في شأنها:

-ومين فوضك تعمل كده؟

أجاب بخشونةٍ ضاربًا بقبضته المتكورة على الحافة الخشبية:

-أنا مش محتاج تفويض.

بألمٍ مازال يشوب صوتها أخبرته؛ وكأنها تبرر سبب حمئته الرجولية:

-أه صح، لأن الكلام مسَّك، ولازم تبرئ نفسك ...

لمحة من السخرية المريرة غلفت نبرتها عندما أتمت الباقي من جملتها:

-ما هو أنا اللي ضحكت على سيد المعلمين، وجرجرته ورايا.

هنا التفت "تميم" ناحيتها ليواجهها وجهًا لوجه، وجد في نظراتها إليه بهاءً يخالطه الشموخ، وثباتًا مغريًا لا يمكن إنكاره، بالرغم من أمارات الغضب النافرة منها، شتت عينيه عن جوهرتيها الساحرتين، ليلقي نظرة شمولية على تعبيراتها، فقرأ في ملامحها جرحًا عميقًا لا يمكن اندماله بين عشية وضحاها. أعادت "فيروزة" تكرار سؤالها على مسامعه بشفاه مقلوبة:

-مش ده اللي هيتقال؟ صح ولا أنا غلطانة؟

رد نافيًا بإجابة قاطعة:

-مش هيتقال حرف.

استهجنت ثقته الغريبة، وظنت أنه يمنحها مسكنًا مؤقتًا لتتراجع عن الثأر لنفسها، لذا هدرت تسأله بصوتها المتشنج:

-ده على أساس إيه بالظبط؟

مجددًا شرد سريعًا في نظراتها المسلطة عليه، كانت قادرة حقًا على أسره وسط نوبة هياجها، انتابته أمنية عجيبة حينئذ، ألا يمكن أن يحظى معها –ذات يومٍ- بحوارٍ هادئ غير ذلك المشحون بكافة درجات الغضب والحنق؟ أفاق من سرحانه الخاطف في التفكير فيها مؤكدًا عليها:

-لأني قولت كده.

أهانته دون تعمدٍ:

-ما تقولش حاجة إنت مش أدها.

كل ما كان يضطرم به حاليًا نيرانًا لا نهاية لها، حاول اختلاق الأعذار لها، مبررًا في نفسه أنها لا تعلم بعد ما هو قادرٌ على فعله إن أعطى أحدهم وعدًا. استدارت "فيروزة" برأسها للجانب عندما سمعت صوتًا ذكوريًا يخاطبها بتحذيرٍ واضح:

-حاسبي على كلامك يا بنتي.

أمعنت النظر في وجه الجد "سلطان" الذي تقدم نحوها، وواصل كلامه معها بلهجته الجادة:

-احنا متأكدين من أصلك وفصلك، مش هنمشي ورا حتت (...) قال كلمتين طق حنك يكسب بيهم بونط، بعد ما اتخسف بيه الأرض.

انضمت إليهم كلاً من "ونيسة"، و"همسة"، فسادت لحظة من الصمت المشحون، قطعته الأولى حينما صاحت مبررة مقصدها:

-هي أكيد عارفة ده يا حاج، بس إنت عارف البني آدم ساعة الغضب بتخليه أعمي، وينطق بحاجات مش قاصدها.

حاوطت "همسة" توأمتها من كتفيها، تأملتها بنظراتٍ حانية، ثم رجتها بحرجٍ طفيف:

-اهدي يا "فيروزة"، مايصحش كده، الحمد لله إنهم واقفين معانا.

أدارت رأسها في اتجاه شقيقتها، فرنت إليها الأخيرة بنظرة إشفاق استثارت غزيرة الدفاع لديها، رفضت تقبل مثل ذلك النوع من التعاطف الممتزج بالخجل، خاصة حينما جالت بعينيها سريعًا على الأوجه المتباينة في تعبيراتها، كأن هناك خذلانًا متواريًا وراء نظراتهم إليها، لوهلةٍ غمرها شعورًا غريبًا بأن كل شيءٍ يتكرر، وكأنها تعايش نفس الموقف المليء بالإدانة من جديد مع اختلاف تفاصيله، لذا اتخذت موقفًا هجوميًا على الفور، وأزاحت يدها عنها لتتراجع قائلة بحدةٍ وهي تشير بسبابتها:

-لو فاكرين إني هاصلح غلط بغلط فده مش هايحصل، حقي هاجيبه منه، وهاقطع لسانه اللي افترى عليا زمان ودلوقتي.

حملق فيها "تميم" بنظراتٍ غريبة، فكلماتها كانت ذات دلالات قوية، تمنى ألا يكون تفسيرها هو ما يدور في خلده، بلع ريقه، وسألها بصوتٍ أجش جاهد ليبدو هادئًا معها:

-تقصدي إيه بكلامك ده؟ وضحي.

لم تحد بنظراتها عنه وهي ترد بشيء لم يتوقعه:

-إني أتجوز...

بتصريحها المفاجئ بدت له وكأنها تتسرب من بين أصابعه كالزئبق، توقف لهنيهة عن التنفس من صدمته، أحس بانقباضة تعتصر قلبه، وكأن الموت قد حط عليه ليقبض روحه، غامت ملامحه، وأظلمت نظراته أكثر عندما تابعت بنفس الثبات الحاسم:

-سواء بيه أو بغيره، فده مش هايحصل مهما كان.

وحده كان يعلم أي ألم يقاسيه حفيده الآن، نظراته المتفرسة إلى وجهه الواجم بشدة أكدت له معاناته الصامتة، فهناك شرخ جديد تصدع في حبه السري، ربما يهدم كل شيء إن تصاعدت الأمور، نبضاته السريعة المتلاحقة كانت ظاهرة في عرقه الذي انتفض في جبينه، ورغم ذلك لم يحاول الجد "سلطان" التدخل، والنطق بما لا يفيد الآن، بقي ساكنًا ومرر نظراته على "فيروزة"، كانت في أوج غضبها، لا ترى إلا ما حاق بها من ظلم، إذًا ليتركها تهدأ؛ لأن العقل لا يتكلم، وإنما صراخ روحها المفطورة.

أضافت "فيروزة" قائلة باعتزازٍ وهي تسند يدها المتورمة على راحتها الأخرى:

-أنا عمري ما هطاطي راسي، لأني معملتش الغلط اللي يخليني أدارى، وأرضى بحاجة مش عايزاها، عشان أخرس ألسنة الناس.

أراد أن يكون اختيارها له عن طواعية تامة، أن ترغب فيه بإرادتها الكاملة، وليس لأنه فُرض عليها جراء موقفٍ ما تحتم عليها ذلك فيه؛ وإن كانت كل الشواهد ترجح ذلك الاختيار. منحها "تميم" حرية ظنت أنها مسلوبة منها بقوله:

-وأنا عايزك ترفعي راسك من غير جواز.

بعزة نفسٍ لا تدرك أنه يعشقها فيها أخبرته دون أن يرف لها جفن:

-هرفعها وقت ما أقتله بإيدي.

ضيق نظراته نحوها، فحدجته بنظرة مليئة بالإصرار وهي تكرر عليه أمرها:

-وسع من طريقي.

رؤيتها لهذا القميء مجددًا يعني انطلاق شارات الإنذار بجريمة أكيدة، ستحدث على يده، احمر وجهه من غضبه الذي يكبته أمامها، محاولاً كبحه بشتى الطرق، لم يحبذ أبدًا أن ترى الجانب القبيح منه، خاصة عندما يثور، ويفقد قدرته على ضبط انفعالاته، لذا كور قبضته، وضغط على أصابعه حتى ابيضت مفاصله، قبل أن يلكم الباب الخشبي بعنفٍ مباغت جعلها تنتفض في ذهولٍ قلق. حذره جده من التمادي في عصبيته صائحًا:

-بالراحة يا "تميم".

كلمات جده لن تخمد أبدًا ما اندلع في صدره، شتت انتباهه لحظيًا عن النظر في اتجاهه، تلك الخطوات السريعة الصاخبة المصحوبة بنداءٍ يلفت الانتباه:

-يا معلم، يا معلم!

اتجهت الأنظار نحو العامل الذي تابع باقي حديثه بصوتٍ شبه لاهث:

-عربيات البوليس جاية من على أول الشارع...

بلع ريقه على عجالةٍ ليختتم بعدها جملته:

-الظاهر حد بلغ.

بتوترٍ ظاهر على وجهها هتفت "همسة" مخاطبة الجميع:

-أنا فعلاً كلمت البوليس، كنت بأحاول أتصرف بأي شكل عشان ألحق أختي.

تحولت أنظار "سلطان" نحو حفيده، وسأله بهدوءٍ:

-هتعمل إيه يا "تميم" دلوقتي؟ الموضوع دخل في الجد.

رد بعنادٍ يحوي رغبة جمة على الانتقام المهلك، حتى أنه فاق طاووسه بكثيرٍ:

-أنا قولتها للكلب ده بدل المرة اتنين، إدي بالك جيالك، والظاهر إن التالتة ثابتة، هاخلص عليه وقتي.

هدرت فيه "فيروزة" بغيظٍ:

-لأ عندك، أنا اللي هموته.

صاح "سلطان" بتهكمٍ مستاء:

-هو إنتو بتتعزموا على بعض في حاجة عِدلة؟

أطبقت "فيروزة" على شفتيها؛ لكن نطقت ملامحها بالكثير، بينما استمر الجد في مخاطبه حفيده بلهجةٍ عقلانية:

-الموضوع دخل في الجد يا "تميم"...

ثم دنا منه، وخفض من نبرته عندما تابع:

-ولو خايف على اللي يخصك يبقى تُفضها حالاً.

نظر له مليًا وهو مقتطب الوجه، في حين تساءل العامل بصوته اللاهث:

-هنعمل إيه يا معلم؟

أخرج من جيبه سلسلة المفاتيح المعدنية، وقذفها في الهواء نحوه وهو يملي عليه أوامره بوضوحٍ:

-خد مفاتيح العربية التلاجة، ومعاك الرجالة اللي جوا، واخرجوا بالأنجاس دول من سطح العمارة اللي جمبنا، هتلاقي العربية مركونة ورا، واشحنوهم على طريق المطار.

هز رأسه طائعًا:

-ماشي الكلام يا معلم.

همَّ بالتحرك في اتجاه السطح، لكنه استوقفه أمر "تميم" التالي:

-وكلم الواد بتاع الكاميرات، خليه يفرمت كل حاجة اتسجلت، هو فاهم هيعمل إيه.

أدار رأسه ناحيته قائلاً بنفس الصوت المطيع:

-عُلم يا ريسنا.

حاولت "فيروزة" المرور، والدخول خلف العامل؛ لكن سد عليها "تميم" الطريق مرة أخرى، فأصابها الغضب، اشتعل وجهها على الأخير وصاحت فيه، كأنما تعنفه:

-إنت بتعمل إيه؟

لم يجبها، وأكمل سحب المزلاج المعدني الغليظ، ليوصد الباب، نظرت له بوجهٍ مشتط، وواصلت هتافها المغتاظ منه:

-حاسب، أنا مش هاسيبه يفلت باللي قاله، هاقطع لسانه.

تنفس بعمقٍ ليكبح نوبة تتجدد بداخله لتنفيذ طلبها، ثم التفت ناحيتها، ونظر إليها بنظرات جادة، لا تحمل سوى الوعد، ورجاها بزفيرٍ ثقيل طرد معه قدرًا ضئيلاً مما يعتريه من مشاعر هائجة:

-انزلي دلوقتي يا أبلة.

ردت عليه برفضٍ معاند:

-لأ مش نازلة.

لم يتحرك قيد أنملة، وبقي ساكنًا صامتًا، ينظر إليها بنظراتٍ غير تلك الهائمة الساهمة التي اعتادت عيناه عليه، نظراتٍ عبرت عن رغبته في محو أي تعاسة حطت بها. فسرت "همسة" صمته الطويل بأنه يمنع نفسه من التفوه بحماقة، لذا بادرت بالتحرك، وحاوطت توأمتها من كتفيها، فانتفضت الأخيرة عندما هبطت يدها لتلمس ذراعها المتورم دون قصدٍ، وتطلعت إليها بعينين حادتين، فأخبرتها الأولى بتوسلٍ شديد:

-استهدي بالله يا "فيروزة"، واسمعي الكلام.

هتفت في عنادٍ أكبر:

-مش هاسيب حقي يا "همسة".

تلك المرة أكد عليها "تميم" بصوتٍ لم يكن بالمازح أبدًا:

-هتاخديه، بس من غير بهدلة ليكي.

تكرر صياح الجد الآمر مع لكزة من عكازه على الأرضية الصلبة:

-يالا أوام، ولو مجابوش ليكي يبقالك الكلام.

اضطرت مرغمة أن تتراجع عن عنادها المُهلك، وبدأت تنسحب خلف الجد الذي كان أول الهابطين، ليظل "تميم" باقيًا في مكانه، حتى تأكد من نزولها، حينها فقط تنفس الصعداء وتبعهم؛ لكن توقف غالبيتهم بالتدريج عن الهبوط عندما وصلوا للطابق المتواجد به منزل "همسة"؛ فالشرطة قد اقتحمت البناية، وبدأت في التحري عن البلاغ الذي تم التقدم به. صاح الضابط بصوته الجهوري الصارم:

-كله ثــــابت! محدش يتحرك من مكانه.

مر "تميم" بينهم ليتجاوزهم، ووقف قبالة الضابط يسأله بوجهه المتصلب:

-في إيه يا باشا؟

كما سأله الجد أيضًا:

-خير يا حضرت الظابط؟

بنظرة شمولية فاحصة لكل وجهٍ على حد أجاب الضابط:

-جالنا بلاغ إن في حالة خطف.

من تلقاء نفسها قامت "همسة" بتفسير تصرفها بتلعثمٍ مرتبك:

-أيوه .. ده أنا آ...

لم يرغب "تميم" في توريط أي فرد قانونيًا، لهذا أعمل عقله سريعًا، وتصرف بسرعة بديهة، فقاطعها بلهجةٍ بدت خشنة وجافة، مخاطبًا الضابط، ليتولى تفسير الموقف عنها:

-لا مؤاخذة يا باشا، مرات ابن خالتي خافت لما شافت حد غريب عندها، أصله كان حرامي جاي يسرق الشقة، وافتكرها فاضية، واتعرض لأختها لما شافها، فكلمتكم تلحقوها.

نظر الضابط في اتجاهه، وسأله بعدم اقتناعٍ بنبرته المحققة:

-كده في عز الضهر؟!!

تحدث من زاوية فمه بنوعٍ من التهكم:

-ما هو حرامي غشيم، مش متودك في الشغلانة.

علق عليه الضابط متسائلاً بجديةٍ، وهو يطالعه بنظراته المتشككة:

-وإنت بقى عارفه؟

تدخل الجد قائلاً بتنهيدة متعبة:

-يا حضرت الظابط الحمدلله الحكاية عدت على خير، ولحقنا بناتنا.

تحولت أنظار الأخير ناحيته ليسأله في استهجانٍ:

-وراح فين الحرامي ده؟

أجاب "تميم" عن جده رافعًا كفيه في الهواء:

-فص ملح وداب.

تأمل الضابط الكدمات والعلامات الحمراء الجافة المطبوعة على جلده، وشعر بالاسترابة مما يلفق من أكاذيب، فهدر به بحدةٍ:

-بالبساطة كده؟ هو إنت بتكلم واحد أهبل.

أخفض كفيه، وقال ببرودٍ:

-لأ لا سمح الله، ده اللي حصل.

نظر له بنظرة دونية قبل أن يقول:

-هنشوف، ده بلاغ رسمين وهيتحقق فيه بطريقتنا.

بابتسامة شبه مغترة لاحت على ثغره استطرد معقبًا عليه:

-براحتك يا باشا، شوف شغلك.

خبت نبرته للغاية، ليبدو كأنما يعاهد نفسه مجددًا، وقلبه يرنو دون عينيه إلى حبيبة ليست ببعيدة عنه؛ إن كان يحول بينهما الموج، فلن يتخلى عنها، لعل وعسى -ذات يومٍ- ينفذ سهم العشق إليها، فتدرك حينئذ ما ضمرته الروح لها من كل درجات الهوى:

-راسك عمرها ما هتطاطي طول ما أنا عايش ............................... !!

..................................................




منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 10-03-21, 01:33 AM   #875

دانه عبد

? العضوٌ??? » 478587
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 513
?  نُقآطِيْ » دانه عبد is on a distinguished road
افتراضي

احداث مشوقة تسلم أيدك يا منال

دانه عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-03-21, 02:02 AM   #876

ساسية

? العضوٌ??? » 478312
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 65
?  نُقآطِيْ » ساسية is on a distinguished road
افتراضي

يا عيني يا تيمو كل ما نقول وصلت تبعد تاني

ساسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-03-21, 04:25 PM   #877

رانيا صلاح
 
الصورة الرمزية رانيا صلاح

? العضوٌ??? » 395664
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 706
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » رانيا صلاح is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
افتراضي

يااااه يا تميم بينك وبين فيروزة بلاد لغاية ما توصلها 😥

رانيا صلاح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-03-21, 01:10 AM   #878

تغريد&

? العضوٌ??? » 458904
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 245
?  نُقآطِيْ » تغريد& is on a distinguished road
افتراضي

يا سلام على الابداع
كنت حاسه اني كنت معاهم واقفه على السلالم
ابص عليهم وابتسم😂😂
👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻


تغريد& غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-03-21, 12:30 AM   #879

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل مائة وستة



لعبت الوساطة القوية دروها في حل الأزمة القائمة، وتغيير مجريات الأمور القانونية، ليتحول البلاغ المقدم عن محاولة لاختطاف أحدهم عنوة، لمجرد بلاغٍ عن سرقة فاشلة، نجح السارق فيها في الهروب قبل إلقاء القبض عليه. كان مدخل البناية مزدحمًا بعشرات الأفراد، ما بين أفراد الشرطة، وعمال الدكان، والمتورطين في الحادثة، فيما عدا الجد "سلطان"، و"ونيسة"، وأيضًا "هاجر". تولى الحاج "بدير" الذي عاد لتوه إدارة الموقف، مستغلاً علاقاته الواسعة في ضبط الوضع، والتأكد من عدم توريط أحدهم قانونيًا، بل وإنهائه هنا بعيدًا عن التواجد في القسم الشرطي.

لدهشة الضابط وجد اتفاقًا غير معلن بين الجيران على تكرار نفس العبارات المبهمة عن عدم رؤية أحدهم لما حدث؛ وكأنهم اتفقوا فيما بينهم على توحيد أقوالهم، ليجد نفسه حائرًا في الوصول إلى الحقيقة الأكيدة عما دار هنا. نظر شزرًا إلى "تميم" الذي كان يستفزه بنظراته المغترة، قبل أن يبعدها عنه ليتطلع إلى "همسة" ويأمرها:

-امضي على أقوالك هنا يا مدام.

تقدمت نحوه، وأمسكت بالقلم الحبري لتوقع حيث أشار لها على الأوراق الرسمية، تصنعت الابتسام وهي تعيد القلم إليه، فخرجت بسمتها باهتة مهزوزة، انسحبت عائدة إلى حيث تقف توأمتها. شردت "فيروزة" مستغرقة في تفكيرها الحائر، وكلمات "تميم" تتردد في صدى عقلها عن عدم جرأة أحدهم على التطرق لما قيل مُطلقا، لم تقل دهشتها عن الضابط، وزاد فضولها لمعرفة كيف فعل هذا، تحفزت بتعابيرٍ ناقمة مع سؤال الضابط لها بطريقته التشكيكية:

-متأكدة يا أستاذة إنك ماشوفتيش وشه؟

هنا تأهب "تميم" في وقفته، وباتت كامل نظراته عليها، لم ينكر أنه خشي من ردة فعلها، ومخالفتها لأي اتفاقٍ قد عُقد معها، لرغبتها الشديدة في الثأر لسمعتها التي تدنست بلسانٍ غير شريف أباح لنفسه الخوض في عرضها. حبس أنفاسه مترقبًا؛ لكن ما لبث أن طرد الهواء في ارتياحٍ عندما أجابت بوجهها العابس:

-لأ، كان مغطيه.

طالت نظرات الضابط المتفرسة نحوها، قبل أن يسألها مرة أخرى بطريقته المحققة:

-واللي في إيدك ده من الحرامي؟

انخفضت نظرات "فيروزة" نحو معصمها المتورم، وأجابت بعد لحظة من التفكير:

-أيوه.

تدخل "تميم" في الحوار مقاطعًا إياهما بلهجةٍ أظهرت انزعاجه من رؤية ذلك التورم جراء تصديها لهذا الوغد الحقير:

-يا باشا احنا لو كنا مسكنا الحرامي ده كنا علقناه على باب العمارة، وخلناه عبرة لمن لا يعتبر، قبل ما يمس شعرة من حد من طرفنا.

حملقت فيه "فيروزة" بوجومٍ، ولم تنطق بشيء، في حين علق عليه الضابط بنظراته الهازئة:

-في قانون في البلد يا حضرت، مش شغل فتوات، ولا لوي دراع.

كان على وشك الرد عليه لولا إشارة صارمة من يد أبيه أتبعها قوله المُلطف:

-إنت عارف الشباب يا باشا، وقت ما يشوفوا حد في أزمة بيجروا يلحقوه، فما بالك بأهل بيته.

وجه الضابط أنظاره ناحيته، وأخبره بلهجته الجادة:

-أنا عايز أخد أقوال الحاج الكبير اللي كان معاكو.

استبق "تميم" في إعلامه:

-جدي ماشفش حاجة، كان نايم، وصحى على صوت الدوشة.

نظر الضابط ناحيته مرة أخرى، نمت تعابيره أنه لم يكن راضيًا عن فرض سطوته المكشوفة، وتمسك برغبته قائلاً:

-مش إنت اللي هتحدد، أنا عايز أسمع منه، وكمان الستات اللي آ...

منعه من إتمام جملته اقتراب أحد زملائه وفي يده هاتفًا محمولاً، مال عليه هامسًا له في أذنه:

-يا باشا، كلم سيادة اللواء مدير الأمن.

ضيق عينيه في استغرابٍ، وتناول الهاتف منه ليخاطبه برسميةٍ بحتة:

-ألو، أهلاً وسهلاً بمعاليك، أخبار سعادتك إيه؟

طال صمته، وعكست تعابيره تباينًا مقلقًا خلال إنصاته للطرف الآخر، ليستطرد بعد برهةٍ:

-حاضر يا فندم، اللي سيادتك تؤمرنا بيه.

أنهى معه المكالمة، والتف نحو الجانب ليحادث زميله بخفوت، ثم ألقى نظرة شاملة على الحاضرين قبل أن يردد بتبرمٍ أكد اضطراره للرضوخ أمام الأمر النافذ:

-اتفضلوا وقعوا.

نظرة ذات مغزى تبادلها "تميم" مع والده، فالأخير عرف كيف يستعيد الزمام بحنكةٍ وروية. انقضت الدقائق الباقية في إنهاء المعاملات القانونية، ليغادر بعدها الضابط والقوة الأمنية المطوقة للمكان. ما إن انصرفوا حتى اعترضت "فيروزة" طريق "تميم" لتسأله بوجهٍ محتقن، وهي تتطلع إليه بنظراتها الغاضبة:

-هتوديني عنده امتى؟

إصرارها على المضي قدمًا حتى النهاية في انتقامها حفز نزعته الهجومية من جديد، حاول تثبيط رغباته، وأجابها بعد زفيرٍ متمهل طرد معه ضيقه:

-لما نتأكد إن البوليس مشى، ولا حابة ناخدهم معانا؟

رفعت سبابتها أمام وجهه تحذره بعنادٍ:

-اعمل حسابك إني مش هاسيبه.

على مضضٍ أخبرها:

-ربنا يسهل.

التفتت برأسها ناظرة نحو "بدير" عندما خاطبها:

-"فيروزة" يا بنتي، حقك هيرجعلك بالكامل، مش عايزك تقلقي.

زوت ما بين حاجبيها قائلة:

-مش قلقانة لأني هاجيبه بإيدي.

سألها بنوعٍ من العتاب:

-واحنا روحنا فين؟

قالت بترفعٍ يتضمن القليل من الوقاحة:

-وأنا مش هاستنى حد يردهولي مهما كان مين.

استاء "تميم" من استخفافها بقدراته، فضم شفتيه في تبرمٍ مانعًا نفسه من التلفظ بما قد يفسد الأمور المتوترة مسبقًا، بينما استمر "بدير" في معاتبتها بأسلوبه الودي الأليف:

-بس أنا مش أي حد، ده أنا في مقام أبوكي، ولا ماستهلش ده؟

شعرت بالحرج من كلامه، وقالت بدمدمةٍ مزعوجة:

-حضرتك على عيني وراسي بس آ..

قاطعها رافعًا يده:

-من غير بس، خلينا نهدى ونفكر بالعقل.

بدأ "تميم" يتكلم من تلقاء نفسه قاصدًا لفت الانتباه إلى إصابتها:

-وبعدين يا حاج شايف إيدها بقت عاملة إزاي؟ ماينفعش نسيبها كده!

ألقى "بدير" نظرة مدققة عليها، وقال بجدية:

-معاك حق، خلي الدكتور يبص عليها ...

وقبل أن تعترض عليه أضــاف بنفس الصوت الجاد:

-وبعد كده هنعمل اللي إنتي عايزاه.

أرخت عينيها عنه قائلة بطاعةٍ لم تكن كاملة:

-ماشي يا حاج.

..........................................

امتدت يده لداخل جيب بنطاله الخلفي، وأخرج من محفظته الجلدية قطعة نقدية، أعطاها لحفار القبور الذي تولى تنظيف وتهذيب الحشائش في قبر والده الراحل، انتظر "هيثم" رحيله ليبدأ بعدها في قراءة الفاتحة على روحه، واستطرد يخاطبه بكلماتٍ آسفة نادمة:

-حقك عليا يابا، بقالي زمن مجتش أزورك ولا أقرالك الفاتحة.

كان شحيح الزيارات له، خاصة بسبب شعوره العميق بالذنب جراء كارثته غير المقصودة في دكانه القديم، لهذا مجيئته إليه يعد من الأشياء نادرة الحدوث. تنهد بعمقٍ، وواصل كلامه الأحادي معه:

-شوفت اللي جرى لأمي؟

غلف الحزن صوته وهو يتابع:

-مابقتش عارف أعمل إيه عشان ترجع زي الأول.

لم تساعده قدماه على الوقوف، فافترش الأرض جالسًا أمام شاهد قبره، متذكرًا حديث الطبيب النفسي المعالج لحالة والدته، والتي أخبره عنها بإيجازٍ أنها لجأت لإحدى طرق الدفاعات النفسية اللا شعورية، وهي رفض الواقع وإنكاره، بل والإسقاط على الآخرين فأصبحت تتعامل مع قضية مقتل ابنتها على أنها لم تكن المتورطة المباشرة فيها، وإنما غيرها من تسبب في إزهاق روحها، لذا نمت بداخلها رغبة شعورية في تحقيق العدالة المنقوصة من وجهة نظرها، وباتت مهمتها الانتقام لها بوسائل عنيفة قد تلحق الأذى والضرر بنفسها وبغيرها. زفيرٌ آخرٌ طرده من صدره قبل أن يكمل في تردد وحيرةٍ:

-وخايف لو.. سبتها ترجع تعيش معايا.. تعمل مصيبة، وساعتها مش هسامح نفسي.

كفكف عبراتٍ علقت بجفنيه، وظل جالسًا على تلك الو ضعية لبرهةٍ، محاولاً تفريغ الشحنة المكبوتة بداخله، أخفض يده نحو جيبه ليخرج هاتفه المحمول، حتى يعرف الوقت، تذكر أن بطاريته قد نفذ شحنها خلال اتصال زوجته به أثناء وجوده بالمشفى النفسي، لم يكن ذهنه صافيًا آنذاك لمعاودة الاتصال بها، فخرج هائمًا على وجهه وهموم الدنيا متجمعة أمام عينيه، كان بحاجة لمكان يهرب إليه، فأرشده عقله لزيارة والده.

نهض من مكانه قائلاً بعد فرك عنقه:

-أوعدك مش هطول في الغيبة يابا، وهاجيلك كل شوية.

..................................................

الطوق الأمني المفروض حول البناية جعل قلبها يدق في عنفٍ، طاردتها الهواجس السيئة بشأن نجاح "فضل" في اللحاق بابنتها، وإلحاق الأذى الشديد بها. ظلت تدعو الله تضرعًا وخفية ألا تكون ظنونها حقيقية، ركزت بصرها على الحشد الغفير المتزاحم هناك، وتقدمت دافعة مقعد شقيقها المدولب بيدٍ، وبيدها الأخرى أمسكت بابنته الصغيرة. حاولت "آمنة" اختراقه، والولوج للداخل؛ لكنها فشلت، لذا وقفت أمام الفرد الأمني ترجوه:

-خليني يا ابني أدخل.

أصر على منعها قائلاً برسميةٍ جافة:

-ممنوع يا ست.

استعطفه "خليل" برجاءٍ:

-معــ..لش يا شــ..اويش.

أخبرته "آمنة" وهي تشير بيدها:

-أنا بنتي عايشة جوا، وده خالها وبنته، احنا عايزين نطمن بس عليها.

قال بوجهٍ جامد في تعبيراته:

-ماينفعش حد يدخل، دي أوامر.

اشرأبت بعنقها محاولة رؤية ما يحدث في الداخل؛ لكنها لم تستطع، فلعقت شفتيها، وسألته بتوسلٍ:

-طب اللمة دي ليه؟ في حاجة حصلت؟ الله يكرمك رد عليا.

لم يرأف حالها القلق، وقال بنفس الأسلوب الجاف:

-معرفش.

رغمًا عنها فاضت العبرات من عينيها، وتابعت بنواحٍ:

-ربنا ما يوقعك في ضيقة، ريحني، أنا قلبي واقع في رجليا، في حد جراله حاجة؟ قولي يا ابني، ده أنا زي أمك.

يئس من إلحاحها، فنطق بتذمرٍ:

-ده بلاغ عن سرقة، ارتحتي كده.

لاحقتها بأسئلتها وقد أراح جوابه صدرها:

-بس؟ مافيش حاجة تانية؟

رد نافيًا باقتضابٍ:

-لأ.

كررت عليه سؤاله بلوعةٍ:

-إنت متأكد؟

خاطبها بصبرٍ نافذ وهو يشير لها بيده:

-أيوه يا ست، ويالا بقى من هنا، إنتي كده هتجلبيلي مع الظابط، وهو من النوع الرزل.

أومأت برأسها قائلة بنبرة طائعة وهي تمسح دموعها بظهر كفها:

-حاضر يا ابني، كتر خيرك.

تراجعت للخلف مع "خليل" الذي سألها:

-هـ..نعمل إيه؟

أجابته مشددة من قبضتها المحكمة على يد الصغيرة، وعيناها تفتشان عن إحدى ابنتيها بين الكتل البشرية المتواجدة بالداخل:

-هنقف نستنى لحد ما يبان في إيه؟

بلع ريقه، واقترح عليها:

-جـ..ربي تـ..طلبي "هــ...مسة".

نظرت إلى هاتفها، وقالت بتوترٍ:

-مش بترد، وده مخوفني أكتر.

هز رأسه في قلقٍ، وغمغم بصوته المتلعثم:

-ربـ...نا يستـ..ر.

طال انتظار ثلاثتهم بالخارج، إلى أن هتفت الصغيرة "رقية" وهي تشير بيدها:

-عمتو، بصي!

استدارت تنظر إلى حيث أشارت الطفلة، فوجدت "فيروزة" مع "همسة"، تنفست الصعداء، وهللت في سرور عظيم:

-الحمدلله يا رب إنهم بخير، يا رب ما تضرني فيهم أبدًا.

على أحر من الجمر انتظرت ابتعاد رجال الشرطة، لتتحرك بخطاها المتعجلة مجرجرة الصغيرة معها، ومن خلفهما "خليل" بمقعده المدولب نحو المدخل الذي بات متاحًا الآن، سبقها صوت صياحها المنادي في لهفة:

-"فـــيروزة"!

على إثر ندائها التفت ابنتها ناحيتها، ورددت في سعادة كبيرة لرؤيتها:

-ماما.

أقبلت عليها الأخيرة تحتضنها، وتفيض عليها بكل ما يعتريها من مشاعر الأمومة الجياشة، تراجعت عنها، وألقت نظرة فاحصة لها من بين دموعها الرقراقة، قبل أن تسألها وكلتا يداها تضمان وجهها:

-إنتي كويسة؟

هزت رأسها بالإيجاب وهي ترد:

-أيوه.

سألتها بنفس اللهجة الملتاعة، ونظراتها ما زالت تفحص ملامحها:

-"فضل" عملك حاجة؟

أجابتها بتجهمٍ شديد:

-ماتجبيش سيرته يا ماما، عشان هاموته.

دق قلبها في ارتعابٍ، متوقعة حدوث الأسوأ، وتابعت متسائلة بعينين ترمشان في خوفٍ:

-أذاكي إزاي؟

لم يطاوعها لسانها لإخبارها بمحاولته الملفقة لإلصاق الريبة بسمعتها، وتدنيسه لشرفها بتهمه الباطلة أمام الغرباء، لتبدو كفتاة ساقطة في أعينهم، توترت والدتها من صمتها، وكررت سؤالها عليها:

-عمل فيكي إيه؟

ردت باقتضابٍ، وبشرتها تشتعل من جديد:

-ملحقش يعمل.

تابع "تميم" حوارهما باهتمامٍ، ودَّ لو استطاع محو تلك اللحظات السيئة من ذاكرة مهجة فؤاده، فلا تضطرم النيران في صدرها، أو ينكوي قلبها بحرقةٍ كلما تطرق أحدهم لذكر ما يخص هذا الدنيء، مال على والده يهمس له:

-وقفتهم كده مش حلوة، ولا إنت إيه رأيك؟

قال وهو يربت على ذراعه:

-معاك حق.

انتبهت "آمنة" لـ "بدير" عندما جاءها صوته قائلاً بنبرة مرحبة:

-اتفضلوا يا جماعة، ماينفعش الوقفة دي في الحوش، تعالوا نتكلم فوق براحتنا.

اعتذرت منه على الفور:

-حاج "بدير"، أنا أسفة، متأخذنيش، اتلخمت في بنتي وآ..

تفهم خوفها الغريزي، وقال بنفس الود:

-اطمني عليها، وخدي راحتك معاها، بس فوق ...

اتسعت ابتسامته قليلاً وهو يؤكد لها:

-وبعدين مش عايزك تقلقي عليها، هي في حمى رجالة.

انتشى "تميم" لسماعه لمثل تلك الجملة المادحة، خاصة مع نظراته المسلطة عليه؛ وكأنه يقصده بها تحديدًا، أخفى بصعوبة بسمة راضية كادت تلوح على ثغره، ليدعي الجدية في حضرة الجميع. شكرته "آمنة" على موقفه النبيل مرددة:

-ربنا يخليكوا لينا.

لمح "بدير" شقيقها وهو يدفع مقعده للأمام، فاتجه إليه ليستقبله بترحيبٍ لا يقل في حفاوته عن استقبال زائر هام:

-عم "خليل" يا ألف مرحب، تعالى يا غالي، بنفسك جاي لحد عندنا.

حياه بصوته المتقطع:

-سلامـ..و علـ..يكم، إزيــ..ك يا حـ..اج؟

أجابه بوجهه المرتخي في تعبيراته:

-احنا في نعمة والحمدلله.

ثم التفت آمرًا ابنه:

-تعالى بس يا "تميم"، مع الأستاذ "خليل".

.................................................

كتمت تأويهة موجوعة والطبيب يلف رباطه الضاغط حول معصمها، لم تكن في أغلب الوقت منتبهة لما يفعله، خلال جلوسها مع أفراد أسرتها بغرفة الصالون، فيما عدا الصغيرة "رقية"، والتي جلست بصحبة "هاجر" في غرفتها؛ كان عقلها منفصلاً عن المحيطين بها، استغرقت في تفكيرها العميق في كل ما طرأ عليها في الساعات الأخيرة؛ ملاحقة "فضل" لها، اكتشافها لوجود منديل الرأس ومشابكها الضائعة في غرفة "تميم"، حيرتها عن كيفيفة حصوله عليهم، توجسها بشأن احتمالية رؤية "خلود" لهم في الدرج، ولو على سبيل المصادفة، وأخيرًا الاتهامات الباطلة التي نالت من سمعتها على لسان الأقرب إليها.

بدا صوت الطبيب مبهمًا وهو يوصيها بنصائحه الجادة حول ضرورة الاهتمام بإجراء أشعة فاحصة لكدمتها، ومتابعة التضخم على مدار الساعات القادمة. هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي ترد:

-إن شاءالله.

أغلق حقيبته، وهمَّ بالانصراف ليصحبه "تميم" نحو الخارج، تنحى للجانب قليلاً عندما مر بالردهة، ليفسح المجال لوالدته التي أتت ومعها صينية مليئة بالحلوى والمشروبات، وضعتها على الطاولة التي تنتصف الغرفة، ودعت ضيوفها لتناول ما بها قائلة:

-اتفضلوا يا جماعة، حاجة بسيطة لحد ما نجهز الأكل.

اعتذرت منها "آمنة" بحرجٍ شديد:

-مالوش لزوم والله، احنا هنمشي، كفاية وقفتكم مع بناتي طول اليوم.

اعترضت عليها "ونيسة" بإصرارٍ:

-ودي تيجي؟ والله نزعل منكم، احنا أكتر من أهل.

بينما أضــاف "بدير" الذي مد يده ليكمل ارتشاف قهوته:

-إنتو منورينا يا حاجة، ده بيتكم، خدوا راحتكم فيه.

وقف "تميم" عند أعتاب باب الغرفة يخبرهم بجدية:

-النجار لسه قدامه شوية عقبال ما يخلص تصليح الباب فوق، أنا سايب اتنين من العمال معاه.

انزلقت "همسة" قائلة من تلقاء نفسها:

-أنا قلبي وقع في رجليا لما لاقيت الحيوان ده واللي معاه كسروه، وداخلين علينا كده، مابقتش عارفة أتصرف إزاي، عمري ما كنت أتخيل إنه يعمل كده، لأ وفي مين، بنات عمه اللي من لحمه ودمه.

ردت عليها "ونيسة" وهي تضع يدها على صدرها:

-الحمدلله إن ربنا سترها معاكو.

تحولت كافة الأنظار نحو "آمنة" التي أردفت قائلة:

-أنا كلمت عمك وقولتله على اللي حصل.

اشتاط وجه "فيروزة"، واربد بحمرةٍ غاضبة بعد تصريح أمها، في حين نطقت "همسة" بنبرة مستهجنة:

-عمي، تفتكري هيعمل إيه معاه؟

ردت عليه بتفكيرها السطحي:

-أهوو يوقف ابنه عند حده، ويأدبه وآ...

فاض بها الكيل من سماع تلك المهاترات المستفزة، لذا قاطعتها "فيروزة" بتشنجٍ:

-ماما، يكون في معلومك أنا مش هاسيبه، وهاقتله.

انقبض قلبها في جزعٍ، ورجتها بوجهٍ شبه شاحب من خوفها:

-استهدي بالله كده، عايزة تودي نفسك في داهية؟

-أحسن ما أخلي اللي زيه عايش.

قالت جملتها وهي تنظر في اتجاه "تميم" الذي تقلصت عضلات وجهه أمام نظراتها المليئة بالإصرار، أخفض عينيه المشتعلتين لينظر للأسفل، محاولاً كبح جماح نفسه، فلا يندفع بهوجائية ويسبقها في تنفيذ رغبتها بنحر عنقه دون رحمة. حل تشابك ساعديه، وباعدهما عن صدره، ليدس يديه في جيبي بنطاله، شعر برجفة خفيفة تسري في عروقه؛ فمشبكها ما زال متواجدًا به، أحس بالتلبك، وجاهد ليبدو ثابتًا غير مقروء الملامح؛ لكن قلبه أبى البقاء ساكنًا. حاد بنظراته عن البقعة الوهمية المتطلع إليها لينظر ناحية "آمنة" عندما تشدقت قائلة:

-ده عمك بيتصل.

زادت الحمرة في وجه "فيروزة"، واحتقنت نظراتها أكثر مع رؤيتها لارتباك والدتها؛ كأنما تضع له اعتبارًا لا يستحقه، وقبل أن تمنعها من الإجابة على مكالمته، ردت والدتها بنبرة جمعت بين القلق والغضب:

-ألوو، أيوه يا حاج "إسماعيل".

قامت "همسة" من مكانها في تباطؤ، لتجلس على مسند أريكة "فيروزة"، سعت لتخفيف حدة عصبيتها، لذا مالت عليها، وحاوطتها من كتفيها قائلة بصوتها الخافت:

-اهدي يا "فيرو"، بالراحة يا حبيبتي، ماتعمليش في نفسك كده.

رفعت عينيها الناريتين نحوها لتخبرها بهسيسٍ متألم:

-محدش حاسس بالنار اللي جوايا يا "همسة".

أرهف "تميم" السمع عن قصدٍ إلى جملتها التي أحدثت تأثيرها الجارح في نفسه، أحس بغليانٍ يأكل هدوئه الزائف، وقال بصوتٍ حبسه في جوفه:

-بس أنا حاسس.

شتت من جديد نظراته الخاطفة عنها، ليتطلع إلى أي شيء غيرها مضطرًا؛ كان على استعداد تام للانقضاض عليه دفاعًا عنها، وتحجيمه لتلك النزعة القتالية بداخله تطلب مجهودًا استنفز طاقات صبره. أنهت "آمنة" المكالمة بعد كلماتٍ مقتضبة غامضة، لتدور بنظراتها المتوجسة على الوجوه المحدقة بها، ثم قالت بترددٍ:

-عمك جاي.. على .. هنا، علشان يتفاهم معاكي.

بمنتهى العصبية والغيظ ردت عليها "فيروزة" وقد هبت واقفة على قدميها:

-يتفاهم مع مين؟ معايا؟ مش هيحصل.

انتصب "تميم" في وقفته، وعاد لاستنفاره من جديد في لمح البرق. استطرد "خليل" معقبًا بضيق، مستحضرًا تهديد ابنه الخطير لابنته:

-الأولى كـ..ان يــ..ربيه، بدل مـ...ا كــ...ان هددنا ببنتـ..ي.

أدارت "فيروزة" رأسها في اتجاهه، وسألته بوجهٍ غائم:

-هو عمل مع "كوكي" إيه؟

ضغطت "آمنة" على شفتيها في حزنٍ، قبل أن تجيب عن شقيقها:

-هددنا لو مقولنالوش على مكانك إنه هيرميها.

نطق "تميم" لاعنًا إياه دون احترازٍ، وقد تخلى عن طور هدوئه المفتعل:

-ابن الـ (...)، هي وصلت لكده كمان؟ حقنا نقطع لسانه قبل راسه!

حذره "بدير" بلهجةٍ متشددة نسبيًا:

-"تمـــيم"!

رد دون ندمٍ:

-معلش يابا متأخذنيش، غصب عني.

أشـارت "فيروزة" بيدها مخاطبة والدتها:

-وأنا مش هستناه لما يجي عشان يقول كلمتين مالهومش أي لازمة عندي...

التفتت محدقة في وجه "تميم"، وأمرته بحدةٍ وهي تتقدم نحوه:

-وديني عند الحيوان ده.

وقفت قبالته تطالعه بعينين يتقافز فيهما كل أنواع الغضب، وتلك المرة لم يحد بنظراته عنها، بل بادلها نظرات عازمة على إظهار طاعته لها؛ لكن والده نطق بتعقلٍ حازم:

-اسمعيه الأول، ولو معجبكيش الكلام اعملي اللي إنتي عايزاه.

تحول صوتها لما يشبه الصراخ، مقاومة بشدة ما يقتحم ذاكرتها من مشاهد خذلانه لها قبيل الكشف عن عفتها:

-وأسمعه ليه؟ عشان في الآخر يطلعني غلطانة؟

سألها "بدير" باستنكارٍ:

-ومين هيسمحله بكده يا بنتي؟

أجابته بصوتٍ جريح رغم ارتفاع صوتها:

-ومين كان منعه لما صدق اللي اتقال عني زمان؟ ده كان أكتر حد عارف أخلاقي كويس، ورغم كده كان أول واحد دبحني.

لاشك أن طابعه الإجرامي العنيف كان أو ضح ما يكون في تلك اللحظة، ارتكزت كل نظراته عليها وحدها، يكاد يفني روحه لمعرفة ما الذي خاضته وسبب لها كل هذا الألم الشديد. انفصل "تميم" ذهنيًا عمن حوله ليبقى عقلاً، وقلبًا، وروحًا معها فقط، صار وجهها ما يراه الآن دونًا عن البقية، حدق فيها بتحفزٍ شديد، وصوتًا مُلحًا يصرخ بداخله:

-هما عملوا فيكي إيه ..................................... ؟!

.................................................. ......






منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 13-03-21, 01:47 AM   #880

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 33 ( الأعضاء 14 والزوار 19)

‏موضى و راكان, ‏الآمال, ‏يمنى اياد, ‏صباح مشرق, ‏روروريري, ‏Kemojad, ‏هنوددده, ‏ام اموني, ‏سماره2, ‏التوحيد, ‏k_meri, ‏ورود عربية, ‏dina adel, ‏زهرة ميونخ


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تسلمى يا نولا


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:38 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.