آخر 10 مشاركات
سيجوفيا موطن أحلامي وأشجاني-للكاتبة المبدعة 49 jawhara-"رواية زائرة" كاملة (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          366 - عروس الصقر - جين بورتر (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          زوجة بالميراث (127) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          2 ـ عصفورة النار ـأن ميثر كنوز احلام قديمة (كتابة /كاملة ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          رحلة امل *مميزة*,*مكتملة* (الكاتـب : maroska - )           »          جنون الرغبة (15) للكاتبة: Sarah Morgan *كاملة+روابط* (الكاتـب : مستكاوى - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          الحب الأزرق *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : Fatma nour - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-06-21, 11:31 PM   #981

Om noor2
 
الصورة الرمزية Om noor2

? العضوٌ??? » 445147
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 267
?  نُقآطِيْ » Om noor2 is on a distinguished road
افتراضي


المشوار لسه طويل يا فيرو... واضح ان تراكم تجاربها اثر عليها بصورة اكبر مما تتخيل.. ربنا يشفيها
اما فضل ده مع كل اللي حصل معاه شكل نهايته هتكون عبرة للكل


Om noor2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 12:58 AM   #982

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل مائة وثلاثة وعشرون



من أجرم هكذا في حقها لتغدو هشة من الداخل والخارج؟ حالها تبدل، وأحوالها تغيرت، لم تعد تلك القوية المعتدة بنفسها، بل كانت تذبل يومًا بعد يوم؛ وكأن رصيدها من الكفاح قد انتهى! وحين أفاقت من دوامتها، وبدأت تستعيد ما افتقده، عادت لنقطة الصفر خالية الوفاض، كأنما لم تحرز شيئًا. تطلع "تميم" إلى وجه "فيروزة" الغائب عن الوعي بقلقٍ بالغ، أظهرت ملامحه مدى خوفه عليها، قــاد سيارته إلى أقرب مشفى وسط تركيزٍ شبه ضائع، كان ينظر إليها بين الفنية والأخرى، آملاً ألا تتدهور حالتها للأسوأ، خاصة أنه اختبر معها لأكثر من مرة شعور السقوط في بئر ظلامها.

بالكاد بلغ المشفى بأعصابٍ شبه متلفة، صاح عندما عبر البوابة الرئيسية مناديًا بصوته الجهوري:

-عايز دكتور.

أوقف سيارته عند المدخل الرئيسي، وترجل منها مناديًا بنفس الصوت الهادر:

-حد يساعدني أوام.

رفع أنظاره للأعلى بعد أن فتح الباب الملاصق لـ "فيروزة" ليجد بضعة ممرضين يهرولون في اتجاهه بحاملٍ طبي، امتدت ذراعاه خلف ظهرها، وأسفل ركبتيها، ثم حملها من على مقعدها، وعاونهم في تمديدها على الحامل، قاموا بدفعها وإدخالها إلى الطوارئ في الحال، أسرع في خطواته ليلحقهم؛ لكن استوقفه أحد الموظفين طالبًا منه:

-مش هينفع يا أستاذ، حضرتك تعالى معايا عشان تملى البيانات بتاعتها.

على غير إرادته اضطر أن يتراجع ليسير مع الموظف؛ لكن ظل قلبه –ووجدانه- معلقًا بها!

..................................................

لا يعرف بالظبط كم مرة نظر فيها إلى ساعة هاتفه المحمول، ليحسب الوقت الذي مر عليها منذ أن اختفت بالداخل، احترقت أعصابه من الانتظار، وكاد يصل لحافة الانهيار من شدة خوفه عليها، تنفس بعمقٍ لمرات عديدة، ليثبط ما يعتري صدره من مشاعر مستعرة، أراد المساعدة فمنح الطبيب المكلف بتفقد حالتها لمحات غير مرتبة عن طبيعة ما شهده في حالته، ليساعده على التشخيص الصحيح. جال بخاطره أن يهاتف "هيثم" ليستعلم منه عن الأسباب التي أدت لوصولها لتلك الحالة السيئة، لم يفكر مرتين، وضغط على زر الاتصال به، حياه في اقتضابٍ، ثم سأله بلا تمهيد:

-هي الأبلة كانت عندكم يا "هيثم"؟

تردد صوته قبل أن يجاوبه:

-أيوه، بس مشت من بدري.

احتدت نبرة "تميم" وهو يعقب عليه بتعابيرٍ غائمة:

-ما أنا شوفتها، وحالتها زي الزفت.

ما كان من ابن خالته إلا أن قال له دون تجميلٍ:

-بصراحة أسلوبها يحرق الدم، ما إنت عارف طريقتها معايا.

بدأت معالم الصورة تتضح في ذهنه، فسأله بعد زفيرٍ ثقيل:

-إنتو شديتوا مع بعض؟

تنحنح في خفوتٍ ليجيبه بحذرٍ:

-حاجة زي كده.

انفجر صائحًا فيه دون أن ينتبه لتواجده في رواق المشفى الهادئ:

-مش أنا منبه عليك يا "هيثم"؟!!

رمقته ممرضة ما تسير على مقربة منه بنظرة محذرة، فرفع يده كنوع من الاعتذار غير الشفهي، ركز مع رد "هيثم" المبرر له:

-هي اللي مستفزة اقسم بالله.

كز على أسنانه مانعًا نفسه من شتمه، وسأله على مهلٍ كأنما بهذا يحاول ضبط أعصابه:

-احكيلي على اللي حصل بالظبط.

بعبارات موجزة سرد له ما حدث من مشادة كلامية انتهت سريعًا دون أضرار فعلية من وجهة نظره. اشتاطت نظراته بشكلٍ واضح، وتفشى في وجهه حمى الغضب، يكاد يُجزم من يتطلع إليه في تلك اللحظة أن ملامحه تبدو كقنبلة موقوتة، صوت أنفاسه كان مسموعًا وهو يخبره:

-طيب، خليك عارف بقى إن جالتها الحالة إياها في الشارع، ووقعت من طولها، وأنا نقلتها على المستشفى.

هتف مصدومًا:

-إيه ده، معقولة؟!

عنفه "تميم" بزجرة شبه مسموعة:

-يا ريت تكون مرتاح دلوقتي.

حاول التبرير فقال بتلعثمٍ:

-"تميم" أنا ...

لم يعطه الفرصة لإيضاح موقفه، وقاطعه بلهجةٍ صارمة تحمل في طياتها الإنذار المهدد:

-اسمعني، وماتقطعنيش تاني، اللي حصل حصل خلاص، بس من هنا ورايح مافيش أي صدام معاها، ماشي؟

رد دون نقاشٍ:

-طيب.

استطرد يكمل بعدها:

-تاني حاجة، ماتبلغش حد من أهلها لحد ما أطمن الأول، وأشوف إن كان الوضع يستاهل يعرفوا ولا لأ، مافيش داعي للشوشرة على الفاضي.

بالطبع لم يكن ابن خالته في وضعٍ يخوله بالجدال معه، فأبدى طاعته قائلاً:

-ماشي.

ضغط على زر إنهاء المكالمة وهو يبرطم في غيظٍ متزايد:

-هي كانت نقصاك يا "هيثم"!!

دس هاتفه في جيبه، وانحنى بجذعه قليلاً للأمام، ليستند بمرفقيه على ركبتيه، وواضعًا وجهه بين كفيه منتظرًا بأعصابٍ متلفة سماع ما يطمئنه.

...........................................

وجد في قربه منها كل السعادة الممكنة، وفي بعده عنها كل التعاسة المروعة، لما لا تريح قلبه المشتاق، ويحدث بينهما الوصال؟ أم تراها تتركه على جمر العشق يقتات؟ بعد برهةٍ من انخراطه وسط حزمة لا بأس بها من الأفكار السوداوية غير المبشرة بالمرة، حل ظل طويل عليه، فرفع رأسه ببطءٍ لينظر لصاحبه؛ لكن سرعان ما قفز واقفًا ليسأله:

-خير يا دكتور؟

ابتسم الطبيب وهو يُبلغه بصوته الهادئ:

-فاقت والحمدلله، كويس إنك ادتني فكرة عن حالتها.

سأله في لهفةٍ، وكامل نظراته عليه:

-يعني بقت أحسن؟

هز رأسه قائلاً بتردد بائن على وجهه قبل نبرته:

-ده على حسب ...

حملق فيه "تميم" بوجومٍ شديد، بينما استمر الطبيب في سؤاله:

-هي بتاخد أدوية؟

أجاب بعد تفكيرٍ سريع:

-أيوه، أنا كنت جبته ليها قبل كده.

تساءل الطبيب وهو ينظر مليًا إليه:

-بانتظام؟

انعكست الحيرة على قسماته، وأجابه:

-مش عارف.

أخبره الطبيب كنوعٍ من التحذير:

-ضروري تتأكد، بحيث الحالة دي متكررش تاني ليها، ونصيحتي ليها تبعد عن أي ضغوط نفسية الفترة الجاية.

أومأ برأسه هاتفًا:

-حاضر، اللي تشوفه يا دكتور.

مد الطبيب يده ناحيته بوصفة طبية دونها سابقًا، ثم قال:

-دي شوية مهدئات مافيش منها ضرر عليها، تقدر تصرفها من الصيدلية اللي هنا.

أخذها منه وهو يشكره:

-ماشي يا دكتور، تعبناك.

.................................................. ..

تأكد من إحضار ما يلزمها من أدوية قبل أن يتجه إلى الفراش الطبي المستلقية عليه بغرفة الطوارئ بالمشفى، لم يتم نقلها لغرفة خاصة بسبب إصرارها على المغادرة، كما أن حالتها لم تكن تستدعي البقاء تحت الملاحظة. اجتاح دوار مؤلم رأسها وهي تنزل ساقيها عن طرف الفراش الضيق، مما اضطرها للتشبث بحافته للحظاتٍ حتى تستعيد اتزانها، أقبل عليها "تميم" بعد أن حددت له الممرضة مكانها بين بقية المرضى المفصولين عنها بحواجز قماشية بيضاء اللون، نظر إليها في خوفٍ وسألها بجزعٍ:

-إنتي كويسة؟ أناديلك حد من الدكاترة يشوفك؟

رفعت يدها لتشير له قبل أن تتكلم بصوتٍ نم عن تعبها:

-لأ.. مافيش داعي.

تطلع إليها بنفس الخوف، لكنه تنهد بارتياح مخاطبًا إياها بعفوية تامة:

-خضتيني عليكي.

رفعت "فيروزة" عينيها الحزينتين لتحدق فيه باستغرابٍ، لم يندم لاعترافه النزق، رغب في أن تعلم بأهميتها الشديدة عنه، أن ما تعانيه بمفردها يؤثر عليه بقوة، قرأت في تعابيره اهتمامًا مبالغ فيه، فضاعف من شكوكها، بل إنه أوشك على تأكيد ما ناقشته في وقت سابق مع طبيبتها، أخفضت رأسها وهي تشعر بالارتباك والتخبط، لم ترغب في استنباط أمور وهي في تلك الحالة. استجمعت قوتها لتنهض بحذرٍ، فتقدم منها "تميم" خطوة مقترحًا في تهذيبٍ:

-عايزة مساعدة؟

لف دوار آخر سريع برأسها مما جعلها تترنح، ومع هذا نجحت في التماسك، والاستناد بقبضتها دون قصدٍ على ذراعه الممدودة إليها، سحبتها على مهلٍ وهي تعتذر منه:

-سوري.

حمحم بخفوتٍ:

-ولا يهمك، أنا موجود معاكي لحد ما أوصلك البيت.

ثم أشــار لها نحو طريق الخروج متابعًا كلامه ببسمة صغيرة:

-اتفضلي يا أبلة.

تباطأت في سيرها لئلا تدع الدوار المزعج يعصف برأسها، ولم يتعجل "تميم" ذهابها، كان متمهلاً في خطاه ونظراته تراقبها بحرصٍ واضح. لن ينكر أن الحزن الذي احتل قلبه خف بقدرٍ كبير بعد أن عادت إلى وعيها، وبادلته الحديث، وإن كان بكلماتٍ مقتضبة؛ لكنها تكفيه ليرضى.

.................................................. ...

تردد للحظاتٍ قبل أن يفتح لها الباب الملاصق للمقعد الأمامي لسيارته لتجلس فيه، توقع أن يُقابل عرضه بالرفض، وربما تطلب استئجار سيارة أجرة؛ لكن على غير المعتاد استقرت به في صمتٍ، وكان في أوج فرحته، غير مصدق أنها اختارت أن تكون إلى جواره مجازًا. أغلق الباب بهدوء وهو يخبرها بابتسامةٍ عريضة:

-حمدلله على سلامتك.

دار حول مقدمة سيارته، وجلس بسعادةٍ لا توصف خلف المقود لينطلق بعدها بسرعة بطيئة نسبيًا، في حين أراحت "فيروزة" رأسها على الجانب، تتطلع إلى معالم الطريق بنظرات جمعت مختلف درجات التعاسة. ما زال التردد ممسكًا بـ "تميم" وهو يحاول جذب أطراف الحديث معها، بدت له فرصة لا تعوض، ليس فقط للحوار معها، وإنما أيضًا لانتشال الحزن من نفسها الكسيرة. أجلى صوته، واستطرد يخاطبها وهو يختلس النظرات ناحيتها:

-الفترة اللي فاتت إنتي كنتي مضغوطة في تجهيز كل حاجة في محلك لواحدك، ده تلاقيه تعبك ...

لم تنظر نحوه، واستمرت في تحديقها الشارد للطريق، فتابع مقترحًا:

-أما ربنا يفتحها عليكي شوفيلك بنت ولا اتنين يقفوا معاكي يساعدوكي ويخففوا الحِمل شوية.

كانت نظراته مشتتة، ونبرتها إلى حد كبير معذبة وهي تتساءل:

-هو أنا للدرجادي وحشة؟

تعجب من سؤالها الغريب، وأجاب نافيًا بما ظهر وكأنه تغزل بها:

-إنتي أحلى من البدر في تمامه، أجمل ما شافت عيني.

انخفضت نبرته مع اختتام جملته الأخيرة متوقعًا أن تنهال عليه بتأنيب عنيف؛ لكنها بقيت صامتة، لا تنظر في اتجاهه، تألم قلبه في حرقةٍ، وأخبرها بعد زفيرٍ سريع:

-إنتي جدعة أوي، مافيش زيك، ماتخليش حاجة تكسرك.

لدهشته التفت تنظر إليه في حزنٍ عميق، بدت غير مقتنعة بما يحاول بثه في نفسٍ تهشمت مرة بعد مرة، فلم يبقَ إلا الفتات ليدعس كذلك تحت الأقدام! بادلها نظرة صامتة محملة بما يضمره قلبه لها، رجا أن تنفذ تلك النظرة العميقة إليها، لترى داخل روحه الذائبة عشقًا فيها. قطعت تواصلهما البصري لتعاود التحديق في المعالم المتداخلة من الطريق.

بعد بضعة دقائق كان يصف سيارته أسفل بيتها، انتظر أن تتحرك من مكانها وتخرج؛ لكنها ظلت جالسة، غير مدركة أنه أوقف المحرك، ناداها بصوتٍ شبه هامس وهو يشملها بنظراتها الحانية

-يا أبلة!

استدارت ناظرة إليه في غرابةٍ، فأخبرها ببسمة لطيفة وهو يشير بسبابته:

-ده البيت.

كأنما قد أفاقت لتوها من سرحانٍ مريب، دققت النظر حولها، واستوعبت ما قاله لتضع يدها على قفل الباب وتترجل من السيارة، تبعها قائلاً في توجسٍ تسرب إليه:

-أنا هستنى هنا شوية لحد ما أطمن إنك طلعت.

هزت كتفيها قائلة بعدم مبالاة:

-اللي إنت عايزه.

أولته ظهرها وتحركت بنفس الخطوات البطيئة، فهتف يوصيها بقلبٍ يحزه الألم:

-خدي بالك من نفسك ...

انزلق لسانه متابعًا بحذرٍ تلك المرة:

-إنتي غالية عند الكل ...

أطبق على شفتيه ليحبس الحروف في جوفه وهو يكمل في لوعةٍ:

-وأولهم أنا.

.................................................. ....

برزت عيناها في استنكارٍ حانق بعد أن رأتها من الشرفة تترجل من سيارته، وعلى الرغم من علمها الجيد بأن صاحبها لا غبار على أخلاقه، إلا أن ألسنة البشر لا تعرف التمييز، يميلون لاختلاق الأكاذيب، وترويج الشائعات من بضعة كلمات ملفقة. اختلجت تعبيرات "آمنة" بحمرة مستاءة، دارت بنظراتها في المكان لتتأكد من عدم رؤية أحدهم لابنتها قبل أن تنسحب من مكانها لتتجه إلى باب المنزل، والضيق يتزايد في صدرها. انتظرت بصبرٍ فارغ صعودها على الدرج، لتخرج إليها تسحبها من ذراعها من على أول البسطة، ثم دفعتها بعصبيةٍ إلى الداخل، أغلقت الباب وسألتها بصوتٍ محموم:

-كنتي فين يا "فيروزة"؟

طاقتها المستخدمة للتبرير لم تكن متوفرة بالقدر الكافي، فأثرت الصمت، وواصلت سيرها المتخاذل نحو غرفتها، مشيت "آمنة" ورائها تسألها في نبرة شبه متعصبة:

-مش دي عربية المعلم "تميم" اللي إنتي نازلها منها؟ هو إنتي كنتي معاه؟

تنهدت "فيروزة" بعمقٍ، وسألتها بصوتٍ خافت وهي تجرجر ساقيها الهزيلتين:

-هتفرق؟

استبد بها ضيقها، وبلغت عصبيتها أقصاها فصاحت بها تؤنبها:

-يا بنتي ردي عليا، بدل ما الناس تاكل وشي!!

وكأنها انتزعت فتيل لغمٍ دفن في حقبة سالفة دون أن تعي خطورته، احتدت نظرات "فيروزة"، واشتاطت وهي تلومها:

-الناس؟ هو ده اللي يهمك الناس هاتقول إيه؟ مش فارق معاكي أنا؟!!

أخبرتها ببساطة:

-أيوه، ما احنا مش عايشين لوحدنا ...

ثم رمقتها بتلك النظرة اللائمة وهي تتابع في قساوة لا تخلو من الاستفزاز:

-ده غير إنك أرملة، وأصحاب النوايا السوء ممكن يفكروا إن السِكة سالكة، وإنك آ....

لم تتحمل سماع هذا الافتراء الظالم وتسكت عنه، قاطعتها في عصبيةٍ ارتفعت وتيرتها في لمح البصر:

-نعم؟ إيه الكلام ده؟

ردت عليها والدتها بنفس الحدة:

-أنا بوعيكي باللي ممكن يتفهم غلط، الناس مش بتسيب حد في حالة.

اهتاجت "فيروزة" صارخة في وجهها، ومشاهد غير سارة تصارع بضراوة لاقتحام عقلها:

-الناس، الناس، الناس!!

لم تحتوِ "آمنة" ابنتها، واستمرت في الضغط عليها:

-أيوه الناس، لازم نعملهم اعتبار.. إنتي مش عايشة لوحدك على جزيرة مقطوعة.

ارتعشت أطراف "فيروزة" في عصبيةٍ مخيفة، وهدرت بكل ما اعتراها سابقًا من حرقة مؤلمة:

-عشان خاطر الناس دول أنا اتهنت واتبهدلت ...

كانت والدتها على وشك الرد؛ لكن أخرسها صياح "فيروزة" الرهيب:

-عشان كلام الناس اللي خايفة عليهم اترميت في الغربة لوحدي من غير سند ولا ضهر يحميني.

استمرت في رفع نبرة صراخها وهي تخبرها بألمٍ لا يزال نابضًا بها:

-عايزة تعرفي حصلي إيه هناك؟

رمشت "آمنة" بعينيها في ارتعاب فزعٍ، فتعابير ابنتها، وحركاتها الانفعالية أخبرتها أنها في وضع سيء، دنت منها لتهدئها؛ لكنها نبذت ذراعها وتراجعت مبتعدة عنها لتتابع في حنقٍ:

-هاقولك، خدت على دماغي، وبقيت أضرب كل يوم، وأتذل وأتهان بأبشع الطرق، ومش قادرة أفتح بؤي ولا اشتكي.

نهج صدرها، وهدرت أنفاسها مع قولها:

-أنا كنت بين الحياة والموت، مرمية في المستشفى، محدش دريان بيا.

انتزعت حجابها عنها، وأدارت رأسها للجانب وهي تُحدث فرقًا في شعرها، لتنطق بعد ذلك بنفس الصوت الصائح:

-بصي شوفي كويس الغرز اللي مدرياها دي، من "آسر" بيه سليل العائلات المحترمة، اللي بتدعيله بالرحمة على طول ....

هبطت الصدمة عليها كصاعقة بعد أن رأت ما ترك من أثر في فروة رأسها، وبدأت عيناها تحتجزان العبرات فيهما، في حين أرخت "فيروزة" يديها، واستقامت واقفة لتخبرها باعتزازٍ مخلخل:

-هو اللي عمل كده فيا، عشان الشجاعة خدتني ووقفت قصاده وقولت لأ، كفاية ذل واستعباد وآ...

عجزت عن إخبارها بما اختبرته، وعاشته من معاناة بشعة أودت بها للحضيض. انخفضت نبرتها نسبيًا، وتهدل كتفاها في انكسارٍ واضح عندما قالت بصوتٍ مهزوم:

-كمل على اللي فاضل فيا ...

سرعان ما عاد الهياج ليستبد بنبرتها وهي تضيف:

-أنا كنت هموت على إيده لولا إن ربنا كتبلي عُمر جديد.

رجتها والدتها في خوفٍ وقد فاضت عيناها بالدمع تأثرًا:

-اهدي يا "فيروزة".

صياحها الصارخ أجبر الصغيرة "رقية" على الاستيقاظ من نومها بفزعٍ، خرجت متسللة على أطراف أصابعها من غرفة أبيها النائم بعمق بسبب تأثير الأدوية الثقيل، فركت عينيها الناعستين، وتقدمت للأمام، وجدت ابنة عمتها تتشاحن مع أمها في عصبيةٍ هوجاء، وقفت عند باب غرفتها، تتشبث بحافته، أو الأحرى أنها تختبئ ورائه خوفًا مما يحدث بينهما.

أمسكت "فيروزة" بمزهرية صغيرة، التفت أناملها حولها بقوةٍ، وصاحت بنظراتٍ عكست ظلامًا مخيفًا:

-طالما الناس هيتحكموا في حياتي، أنا مش عايزاها، ولا عايزة الناس.

تحركت "آمنة" في عشوائية تحاول منعها من التصرف برعونةٍ وهي تستعطفها:

-استني يا بنتي، اسمعيني بس.

نفضت يديها اللاتين تحاولان إيقافها، وقذفت بالمزهرية في عنفٍ مفرط نحو التسريحة، فسقطت مرآتها الكبيرة مهشمة بدويٍ مفزع، شهقت "آمنة" في رعبٍ، وصرخت "رقية" بخوفٍ، بينما امتدت قبضة "فيروزة" لتمسك بقطعة من الزجاج الحاد، وتطلعت إلى والدتها بنظراتٍ جوفاء خالية من الحياة وهي تخبرها:

-أنا خلاص تعبت من كل حاجة، بعمل اللي يريح الناس، لكن أنا فين من ده كله؟!!

لطمت "آمنة" على صدغيها مستغيثة:

-يا لهوي، الحقوني يا نـــاس، غتوني!!

اشتدت قبضة "فيروزة" على نصل الزجاج القاطع، غير عابئة بالجروح التي نتجت عنها، ولا بالدماء التي نزفت منها، تخشب جسدها، وهدرت بأنفاسٍ منفعلة، وقد كست عيناها قساوة مخيفة:

-أنا هريحكم كلكم مني ........................................ !!!!

.................................................. ...










منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 12:59 AM   #983

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9

الفصل المائة وأربعة وعشرون



باسترخاءٍ ظاهر عليه وهو مستلقي على فراشه، ضم ساقه فوق الأخرى، وأراح ظهره للخلف مستندًا على وسادتين تحتاجان لإعادة نفض القطن المحشو بداخلهما، نظرة سريعة سددها نحو باب غرفته الموصود، قبل أن يتجرأ على إخراج قطعة الثياب التحتية المحتفظ بها أسفل إحدى الوسادتين للنظر إليها عن كثب. رفعها "فضل" إلى مستوى نظره وهو يتحسس ملمس قماشها الدانتيل، مستحضرًا في ذهنه لحظة عودته إلى المشعوذ -مدعي المعرفة والعلم- ليأخذها منه عنوة، بعد أن انتهى لقائه به بدقائق وهو يقول بتهكمٍ مستفز:

-ماظنش إنها هتفيدك في حاجة.

ضاقت عينا الرجل في استنكارٍ، وهتف يوبخه:

-يا ساتر عليك.

دسها في جيب بنطاله، وأشار بإصبعه مشددًا:

-ماتنساش اتوصى بالعمل.

بوجهٍ منقلب أخبره وهو يضع حفنة من البخور على مبخرته:

-قولتلك لما هخلصه هعرفك.

علق عليه في سخرية مليئة بالصلف:

-ماشي يا .. بركة.

أفاق من شروده السريع وهو يفرك بإبهامه الملمس القماشي، ثم قال بابتسامة بغيضة:

-هاتروحي مني فين يا بنت عمي؟

اسودت نظراته، وعكست شرًا دفينًا وهو يتابع وعيده:

-ده أنا هاطلع كل البلى الأزرق على جتتك.

-يا "فضـــل"!!

نداء والدته القادم من الخارج أجبره على إخفاض ذراعه، وإخفاء قطعة الثياب أسفل وسادته ليصيح بعدها بصوتٍ خشن:

-أيوه يامه.

أخبرته بصوتها المرتفع:

-تعالى شيل صينية الأكل عشان تتعشى.

وسد ذراعه خلف رأسه، وادعى بالكذب:

-هاتيهالي يامه، مش قادر أقوم من مكاني.

لحظاتٍ وأتت إليه حاملة صينية الطعام، بدت غير قادرة على الوقوف باستقامة، ولم يكلف نفسه عناء النهوض لتناولها عنها، انتظر حتى وضعتها على طرف الفراش، تأمل ما حضرته له، وقال بتعابيرٍ غير مبتسمة:

-إنتي محطتيش البيض المقلي على الفول؟

نظرت له قائلة بحاجبين معقودين:

-الزبدة خلصت، بكرة الصبح أبقى أشتري.

اعتدل في رقدته، وقال وهو يقطع رغيف الخبز إلى أجزاءٍ صغيرة:

-طب اعمليلي شاي في الخمسينة يظبط دماغي قبل ما أنام.

قالت وهي تزفر في ضيق:

-حاضر يا "فضل"، إياكش تبطل طلبات وتريحني.

ملأ فمه بالطعام، يبلعه دون مضغه جيدًا، كان يأكل بنهمٍ شديد، وكأن رغبته في الانتقام قد أصابته بجوعٍ غريب.

.............................................

التدخين .. عادة سيئة كان بحاجة للإقلاع عنها كليًا، وها هو يجتهد في مسعاه لأن يدخن أقل من المعتاد بكثير، حتى يتوقف عن فعل ذلك تمامًا، ومع هذا كانت في بعض الأحيان وسيلته المتاحة لطرد الشحنة المشتعلة بداخله، فإن بقت كما هي لربما جعلته يتصرف بغير حكمة؛ لكن في كل الأحوال البقاء على تلك العادة ليس بالمحمود على المدى الطويل. انتظر "تميم" مرتكنًا على جانب السيارة يهز ساقه في عصبية، ومكتفًا لساعديه أمام صدره، وعيناه تتطلعان إلى الأعلى، دعته الحاجة للإمساك بشيءٍ ما يفركه ليخفف من التوتر، ففضل البحث عن ولاعته، لم تكن بجيبي بنطاله، فانحنى يفتش عنها من النافذة؛ لكنه رأى كيس الدواء الذي ابتاعه موضوعًا كما هو على الكرسي الخلفي، غمغم يؤنب نفسه في انزعاجٍ:

-إزاي نسيته!

التقطه بيده، وأوصد سيارته عاقدًا العزم على توصيله لها، لكونه يعلم مدى حاجتها لتناول أدويتها في هذا الظرف المرضي الحرج. سحب شهيقًا عميقًا، وأسرع في خطاه متجهًا للداخل. بدأ في الصعود بخطواتٍ سريعة على السلم، فاسترعى انتباهه الصراخ القادم من عند طابقها، تهادى في سيره، وأرهف السمع لما قيل بوضوحٍ، حلت الصدمة على رأسه فأصيب بوخزات قابضة في صدره، جعلت أصابعه تشتد على حافة الدرابزين، بدا وكأنه سيسقط من هول ما سمعه مصادفة، بل وجسد عقله تلقائيًا مشاهدًا تخيلية لما يمكن أن تكون ذاقته من ويلاتٍ قاسية بمفردها دون دعمٍ أو مساعدة، أو حتى قدرة على إيقاف بطش ذلك الوغد الحقير. استشاطت نظراته، واصطبغت بشرته بحمرة حانقة صعدت إلى وجهه، مشاعره المدافعة عنها جعلته في تلك اللحظة راغبًا في الثأر لها، في تمني عودة الزمن إلى الوراء من أجل قتل هذا القميء قبل أن تمسها يداه بسوءٍ. ثقلت أنفاسه، وظهر بوضوح محاولته المضنية لتحجيم ما يستعر بداخله حاليًا. انتفض مع صراخ "آمنة" المستغيث:

-الحقوني يا نـــاس!

تحرك سريعًا نحو باب المنزل يقرع جرسه، ويدق على بابه في عصبية امتزجت بالخوف، كاد يجن وهو واقف بالخارج عاجز عن اقتحام المنزل، أوشك أن يحطم الباب لولا أن فتحت الصغيرة "رقية" له لتخبره وهي ترتعش:

-الحقنا يا عمو.

ظهرت علامات الرعب على كل تفصيلة من وجهها، سألها "تميم" في جزعٍ:

-فين عمتك والأبلة؟

أجابت ببكاءٍ وهي تشير بيدها:

-جوا.

كان يعرف الطريق جيدًا إلى غرفتها، لم ينتظر الإذن للسماح له بالدخول، اقتحم البيت قاصدًا نجدتها من أي ضرر قررت إقحام نفسها فيه، بسبب إتلاف أعصابها وإيصالها لحافة الانهيار.

جحظت عيناه فزعًا وقد رأى يدها القابضة على قطعة من الزجاج مخضبة بالدماء الغزيرة، ووالدتها جاثية قبالتها تتوسلها في حرقة:

-"فيروزة"، حرام عليكي يا بنتي.

نفضت ذراعها الممدودة إليها بقسوةٍ، وهدرت في غير وعي:

-سيبوني بقى، خلوني أموت وأرتاح.

لم يقف متجمدًا كالمشاهد كثيرًا، بل اندفع ناحيتها جاثيًا على ركبته، بعد أن ألقى بكيس الدواء جانبًا، ثم قبض على معصمها، ونظر إليها راجيًا:

-عشان خاطري أنا سبيه.

تطلعت إليه بعينين غائرتين، بها نظرات خاوية، ليست كتلك النظرات المعتاد عليها منها، وإن كانت في كثير من الأحيان فاترة. صرخت به "فيروزة" في شراسةٍ وقد اشتدت قبضتها على القطعة الزجاجية:

-ابعدوا عني، أنا تعبت من كل حاجة، كفاية بقى، عايزين إيه مني؟!

نظرت "آمنة" في عجزٍ أولاً إلى "تميم" تستجدي به، قبل أن تحملق في ابنتها تستعطفها ببكاءٍ:

-حقك عليا يا بنتي.

أشــار "تميم" بعينين صارمتين لأمها لتفسح له المجال ليتمكن من التعامل معها بروية، فتراجعت زاحفة للخلف وكامل نظراتها على وجه ابنتها، وضعت يديها على فمها تكتم شهقاتها المذعورة، في حين استطاع "تميم" الانتقال من موضعه ليغدو في مواجهة طاووسه الجريح، حاول تخلل أناملها المحكمة بشدة على قطعة الزجاج بيده الطليقة وهو يطلب منها بصوتٍ خفيض لكنه آمر:

-سبيه.

وكأنها تخاطب طيفًا وهميًا لا وجود له، واصلت "فيروزة" الصراخ باهتياجٍ:

-كفاية بقى تعذيب فيا.

حافظ على ثبات نبرته رغم الألم الذي يجتاحه عندما قال:

-محدش هيجي جمبك.

جُرحت أصابعه وهو يمررها في فراغٍ حاول إيجاده بين أناملها والنصل الحاد، بقوةٍ ذكورية كانت مضاهية لها في قوتها الناجمة عن انفعالها العصبي، لم يأبه للجروح التي نالت منه، ولم يكترث لو تقطع جلده واهترئ، يكفيه ألا تصاب بالأذى .. بقيت عيناه عليها، لا يرى سواها، بالرغم من كونه متيقنًا أنها لا تراه فعليًا، غضبها المتفجر حجب عنها الصواب، رمقها بنظرة دافئة بث فيها كل ما اعتمر كيانه منذ لحظة إدراكه لحبه لها، أرادها وسط غياهب الظلام المستبد بها حاليًا أن تبصر نقاء مشاعره، وقد كان له ما رجا، النظرات المشتاطة بدأت تسترخي، تتطلع إليه في حدةٍ أقل عما مضى، شاركها الألم ظاهريًا وباطنيًا، حاول احتواء غضبها الأعمى بصبره الحليم، وبعد مثابرة حذرة كانت قبضته تحمي كل يدها الجريحة من النصل، انتزعها منها وهو يبادلها نفس النظرات الحانية. في تلك اللحظة تحديدًا كانت "آمنة" ممتنة لوجده، شاكرة لحضوره معها، وإلا لكانت خسرتها للأبد. هتفت من ورائه قائلة بنهنهاتٍ باكية:

-أنا هاطلب الدكتورة بتاعتها تلحقها.

صوتها أجج من جديد الغضب في ابنتها، فصرخت عاليًا:

-كفـــــــاية.

وقبل أن تفكر في التقاط أي قطع زجاجية أخرى، قبض "تميم" على معصميها بكفيه مثبتًا إياها في مكانها، ليمنعها من تكرار المحاولة أو الإقدام على شيء أكثر تهورًا. قاومت "فيروزة" تحجيمه لقواها الغاضبة، وواصلت الصراخ الهيستري، فما كان منه إلا هتف:

-بسرعة يا حاجة الله يكرمك.

دنت "رقية" منهما، وتساءلت في ارتعاشٍ لا يزال مسيطرًا عليها:

-هي مالها؟

سلط "تميم" أنظاره عليها، وأمرها بحزمٍ:

-خليكي واقفة بعيد...

هزت رأسها في طاعة، وتراجعت إلى البقعة التي كانت تختبئ بها، حاول كذلك طمأنتها، فتصنع الابتسام وقال:

-متقلقيش عليها هاتبقى كويسة.

عادت عيناه تتأمل وجه "فيروزة" الغاضب، هزها في رفقٍ لتستجيب لكلامه وهو يخاطبها:

-إنتي أقوى حد عرفته، ماتستسلميش!

ضاقت عيناها في شراسةٍ تخللها القليل من الدهشة، وكأنها تبحث وسط ما تجابهه عن منفذ للخروج؛ لكن انفعالاتها الثائرة أبت أن تتركها بعد أن تفجرت بداخلها، هاجت وماجت وصرخت بألمٍ حتى خارت قواها، وسكنت في جمود مريب. تضاعف خوف "تميم" عليها، وصاح في حنقٍ وهو يدير رأسه نحو الباب:

-الدكتورة ردت ولا لأ؟!!

حينما عاود التحديق ناحيتها كان منكسة لرأسها، شعر بارتخاء تشنج معصميها أسفل قبضتيه، رأى كتفيها وهما يتهدلان، وأنفاسها المنفعلة تخبت، فاستطرد يخبرها بصوتٍ مال للخفوت؛ لكنه كان صادقًا للغاية:

-أنا جمبك .. على طول.

.................................................

انتهى الطبيب الذي استدعاه من تضميد جروح يدها قبل أن يعالج جروحه هو الآخر، بالطبع أعطاه نصائح إرشادية بضرورة عرض المريضة على طبيب نفسي، فتقبل نصائحه بصمتٍ، وأوصله إلى الخارج مع نفحة مالية سخية. استدار ناظرًا إلى الصغيرة "رقية"، كانت جالسة على الأريكة منكمشة على نفسها، تضم ركبتيها إلى صدرها، تحرك ناحيتها، وجلس إلى جوارها يسألها بإرهاقٍ:

-إنتي عاملة إيه؟

بعينين حمراوين من البكاء سألته في براءة:

-هي.. "فيروزة" هتموت؟

انقبض قلبه من مجرد الفكرة، ازدرد ريقه، ثم لف يده حول كتفيها نافيًا بوجهٍ متقلص العضلات:

-لأ بعد الشر عليها، هي بس كانت مضايقة شوية ...

تصنع الابتسام وهو يكمل:

-ودلوقتي هتبقى كويسة.

بدت غير مقتنعة بكلامه، ولم يكن في حالة مزاجية رائقة تجعله قادرًا على اختلاق الحجج لها لتبديد مخاوفها، مسد "تميم" بيده على شعرها كأنه يمشطه، وسألها في لطفٍ:

-إنتي كده مش اتأخرتي على ميعاد نومك؟ بابا هيزعل منك.

اعترفت له بنفس البراءة وهي تنظر إليه:

-أنا خايفة.

ربت على كتفها في تعاطفٍ متفهم، ثم أخبرها ببسمة صغيرة تشكلت على زاوية فمه:

-حد يخاف والمعلم "تميم" معاه؟

ما كان من الصغيرة إلا أن حلت ساعديها، وارتمت في أحضانه قائلة بعفوية الأطفال:

-أنا بحبك.

مسح على ظهرها في رفقٍ، وهو يتطلع إليها مليًا، قبل أن ينطق:

-إنتي كل الناس بتحبك.

نهضت من جواره مبتسمة، لتختفي بالداخل، وعيناه تتبعاها، تنهيدة بطيئة خرجت من بين شفتيه يلاحقها اعترافه الهامس:

-أنا بقى بحب بنت عمتك .. أوي.

قرع الجرس فقام "تميم" متجهًا إلى الباب ليفتحه متوقعًا الزائر المتأخر؛ كانت الطبيبة "ريم"، نظرت إليه بتفحصٍ وهي تتساءل:

-ده بيت "فيروزة أبو المكارم"؟

بادلها السؤال بآخر وهو ينظر إليها نظرة شمولية متشككة:

-حضرتك الدكتورة بتاعتها؟

أجابت في هدوءٍ:

-أيوه.

تنحى للجانب وتابع فيما يشبه الرجاء وهو يشير بيده:

-اتفضلي حضرتك، احنا مستنينك من بدري.

هزت رأسها في تفهمٍ، واتجهت إلى حيث أرشدها لتقوم بمهمتها وهي تعلم تمام العلم أن ما ينتظرها بالداخل ليس بالجيد.

..............................................

جلوسه بالخارج أصبح غير ضروري، لا معنى له، وربما غير مقبولٍ؛ لكنه كان مستعدًا لتحمل كل اللوم والتوبيخ في سبيل سماع ما يسره من أخبار. جاءت "آمنة" بوجهها الباكي إليه، حيث يجلس بمفرده بالبهو، وبالقرب من باب المنزل، أعدت له فنجان قهوة، واعتذرت منه وهي تنظر إلى يده الملتفة بالشاش الأبيض:

-أسفة يا معلم على اللي حصلك.

أخذه منها بيده الأخرى غير المصابة، وقال في هدوءٍ:

-المهم نطمن على الأبلة.

وكأنه ضغط على زر البكاء لديها، فراحت تنوح له شاكية في حسرةٍ:

-أنا معرفش إيه جرالها، احنا يدوب كنا بنتكلم ..

نظرت إليه من طرف عينها، وهي تتابع بحذرٍ:

-ومتأخذنيش يعني أنا بوعيها للصح.

فهم أنه المقصود من تلميحها المبطن، وحمحم قائلاً:

-أكيد، حقك طبعًا يا حاجة، محدش يزعل من كده ...

ثم عَمِد إلى تبرير موقفه موضحًا:

-بس بنتك كانت في المستشفى.

لطمت على صدرها بتعابير وجهٍ ذاهلة جعلتها تتوقف لحظيًا عن البكاء والنواح، فرغت فمها للحظة لتلعق شفتيها بعدها وتسأله في جزعٍ:

-حصلها إيه؟

لم يمنحها الجواب بسبب رؤيته للطبيبة وهي تعود إليهما، تعلقت أنظاره القلقة بها، وبادر بسؤالها:

-ها يا دكتورة؟ بقيت عاملة إيه دلوقتي؟

وزعت نظراتها المستهجنة بين الاثنين، وخاطبتهما بما يشبه التأنيب:

-حضراتكم ببساطة كده هديتوا كل اللي تعبنا فيه الفترة اللي فاتت، ووصلتوها للانهيار.

دافعت "آمنة" عن نفسها قائلة:

-أنا ملحقتش أقولها حاجة.

ركزت "ريم" نظرها عليها، ونطقت بتعابيرٍ مستاءة:

-مش لازم تكون من النهاردة بس، دي تراكمات على فترات طويلة.

استطرد "تميم" يخبرها هو الآخر:

-أنا كنت جايبها لسه من المستشفى، وكانت حالتها آ...

قاطعته قائلة بلهجة غلفتها الرسمية:

-ما أنا شوفت الدواء الموجود جوا، وده أكدلي إنها مكانتش في حالة طبيعية.

عادت "آمنة" للعويل مجددًا، فقالت:

-وأنا كنت أعرف منين إنها تعبانة؟

انخرطت في بكاءٍ سهل استدعائه وهي تكمل:

-والله كل الحكاية إني خايفة عليها وعلى سمعتها، كنت بفضفض معاها وآ...

لم تستسغ "ريم" ما تحاول تبريره من أعذارٍ ألحقت الأذى الجسيم بمريضتها المكافحة، فقاطعتها بلومٍ واضح:

-يا مدام بنتك مثال للأخلاق والأدب، إزاي تظني فيها حاجة وحشة لمجرد إنها بتعافر عشان تقف من تاني على رجليها؟!!

سألتها "آمنة" وهي تبكي في حزنٍ:

-يعني أنا السبب؟

تنفست بعمقٍ، ثم ردت كنوعٍ من التوجيه الناصح:

-مافيش داعي نرمي اللوم على بعض، المهم كلنا نتوحد في سبيل إنها تكمل علاجها وتتخطى المرحلة دي.

من تلقاء نفسه هتف "تميم" مؤيدًا إياها:

-كل اللي هاتقوليه هيتنفذ بالحرف يا دكتورة.

بنفس الطريقة المليئة بالغباء أردفت "آمنة" قائلة؛ كأنما تتجنب الهجوم والاتهام على شيءٍ لم يحدث من الأساس:

-والله كلامي كان نابع من خوفي على سمعتها، الناس مابترحمش حد، وخصوصًا لو واحدة كانت متجوزة ولا أرملة.

اشتاط "تميم" غضبًا من كلامها، والتفت يحدجها بنظرة قاسية قبل أن ينطق مهددًا:

-قطع لسانهم، وأنا كفيل أخرسهم كلهم، وإنتي عرفاني.

رمشت بعينيها رهبة منه، ثم ردت عليه في توترٍ:

-يا معلم إنت راجل، مافيش لوم عليك.

نفس أسلوب الإدانة المبتذل لشخص حبيبته، وهذا ما لم يقبل به أبدًا، ثارت ثائرته، وهتف بصوتٍ متشنج رغم عدم ارتفاعه:

-يا حاجة لولا إن الظرف غير مناسب كنت جبت أهلي واتقدمت لخطوبة بنتك.

اتسعت عينيها مذهولة من عرضه غير المتوقع، بينما عنفته "ريم" في إنكارٍ واضح على ملامحها قبل نبرتها:

-إيه الكلام ده؟

هسهست "آمنة" مكررة في عدم تصديق، كأنما لم تستوعب حقًا ما صرح به:

-تـ .. تخطبها؟

كان على وشك الرد عليها؛ لكن قاطعتهما "ريم" بعصبيةٍ طفيفة:

-كلمني من فضلك، جواز إيه اللي بتتكلم عنه دلوقتي؟

نظر إليها بتحفزٍ شبه غاضب، فأكملت مبررة اعتراضها:

-دي إنسانة محطمة من جواها، عايزها تخوض تجربة جديدة مانعرفش أثارها هاتكون عاملة إزاي عليها؟!!

أصغى للمنطق العلمي البارز في كلامها، ولم يعقب، فاستمرت تشرح له:

-المفروض الأول نعالج اللي فات قبل ما نزود همومها بحاجة هي مش مستعدية ليها.

أطلق "تميم" زفرة ثقيلة من صدره، وقال بنظراتٍ ثابتة:

-وأنا عايز اللي فيه مصلحتها.

تنفست الصعداء لعقلانيته، وردت عليه بتمهلٍ:

-يبقى الأفضل نتجنب الكلام عن المواضيع دي دلوقتي، ولو بشكل مؤقت.

هز رأسه مرددًا في تفهم:

-ماشي.

استدارت "ريم" لتنظر إلى "آمنة" قبل أن تقترح بحذر:

-كمان أنا أفضل الفترة الجاية تكمل العلاج تحت ملاحظتي.

سألها "تميم" في لهفةٍ يشوبها كل الخوف:

-يعني إيه؟

حولت أنظارها نحوه، وأجابته:

-أنا عايزة أنقلها لمكان مناسب تستجم فيه بعيد عن أي توتر.

صاحت "آمنة" متسائلة في حسرةٍ وهي تضرب على صدرها:

-هو بنتي ضاعت خلاص؟

ضجر "تميم" من تشاؤمها المستثير للأعصاب، ونهرها بخشونةٍ:

-يا حاجة بالله عليكي تهدي وتخلينا نفهم.

هزت رأسها في طاعةٍ، فعاود النظر إلى "ريم" التي أخبرته بتريثٍ:

-أنا بأروح زيارات يومية لدار مسنين مستواها معقول، فيها قسم للحالات النفسية، فاقترح إن "فيروزة" تتواجد هناك لكام يوم تحت متابعتي المباشرة.

رحب "تميم" بالفكرة، وقال دون ترددٍ:

-اعملي الصح يا دكتورة، واحنا موافقين.

همت "آمنة" كعادتها بالاحتجاج على طلبها:

-بس كده الناس هتفتكر إنها الشر برا وبعيد بقت آ....

أخرسها "تميم" بنظرة قاسية محذرة:

-محدش ليه دخل، الناس هتنفعنا بإيه؟ مصلحة الأبلة فوق أي اعتبار.

خشيت من جموح غضبه نحوها إن استمرت في الجدال معه، فلاذت بالصمت مهابةً منه، بينما استمر في قوله:

-الدكتورة تعرف أكتر مننا يا حاجة.

دمدمت في خنوعٍ:

-أكيد ...

ثم وجهت كلامها إلى "ريم" قائلة:

-لا مؤاخذة الكلام خدني وماجبتلكيش حاجة تشربيها.

ردت الأخيرة في تهذيبٍ:

-مافيش داعي.

أصرت عليها بصوتٍ ما زال مختنقًا:

-لأ ما يصحش.

غادرت وهي تكفكف العبرات المنسابة من عينيها، في حين حملقت "ريم" بفضول لهذا الشخص الماثل أمامها تسأله دون حرجٍ:

-أنا أسفة في السؤال، بس ممكن أعرف إنت مين؟ يعني صلة القرابة إيه مع العيلة؟

سهل لها إجابته قائلاً:

-ابن خالتي متجوز أختها ..

رمقته بنظرة حائرة قبل أن تتساءل مرة أخرى:

-هو إنت على طول متواجد في محيط الأسرة؟

نظر لها في استغراب وهو يقول:

-مش فاهمك.

رتبت أفكارها في رأسها سريعًا لتنطق بعدها بوضوحٍ:

-أقصد هل ليك تعامل مباشر مع "فيروزة"؟

تردد بشكلٍ شبه ملحوظ وهو يخبرها:

-آ.. يعني.

هزت رأسها دون أن تعقب مما دفعه لسؤالها بفضولٍ:

-بتسألي ليه يا دكتورة؟

تطلعت إليه مليًا، وأصابه ذلك بالضيق، لهذا تكلم بقنوطٍ:

-مش معنى إني مش من العيلة إني ماخدش موقف يخدم الأبلة، لأ أنا بفهم كويس وآ..

قاطعته برفع يدها أمام وجهه:

-لأ عادي، أنا بس بتأكد كده من حاجة.

زاد الفضول الحائر بداخله، وسألها في صبرٍ شبه نافذ:

-حاجة إيه؟

حاولت تبرير موقفها بشكلٍ عملي لا يفشي أسرار مريضتها:

-يمكن ماتفهمنيش، بس ده أسلوب بتبعه مع "فيروزة" كمريضة إننا نتكلم عن الأشخاص اللي ليهم دور إيجابي في حياتها، وجايز تكون واحد منهم.

سألها مباشرة، ونظراته ضاقت بشكٍ مستريب:

-هي قالت عني حاجة مخصوص؟

بملامح غير مقروءة أجابته برد دبلوماسي:

-دي مجرد تخمينات عادية، ماتشغلش بالك.

بدا غير مقتنعٍ بردها العائم، ومع هذا لم يناقشها كثيرًا، فأنهى الكلام معها بانسحابه:

-ماشي يا دكتورة.

ربما كانت عالقة في هذيانها المضلل، لا تعي غالبية ما يحدث معها؛ لكن فور أن سرى مفعول المهدئات في شرايينها، بدأت في الاسترخاء مستسلمة للاستكانة الإجبارية المقدمة لها، ومع هذا بدا عقلها شبه متيقظ لما يدور بالخارج، فالتقطت أذناها كلماته المدافعة باستماتةٍ عنها، شعرت بالأمان يتخللها، بسكينة غريبة تنتشر في أوصالها، إلى أن نطق بعرضه المفاجئ، ففتحت عينيها مصدومة ...................................... !!!

............................................














منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 01:00 AM   #984

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل المائة والخمسة وعشرون



الزواج، التطرق إلى هذا الأمر بدا كالقشة التي قسمت ظهر البعير، جلبت لها تلك الكلمة العفوية أسوأ الذكريات على الإطلاق، فاستحضرت بقوة عجزت عن مقاومتها لمحات مؤلمة لما خاضته، ما بذلت أقصى طاقاتها، وسعت إلى تجنبه، ونكرانه للأبد كأنه لم يكن أصبح واقعًا محسوسًا تعايشه الآن، حيث طغت أبشع ذكرى على عقلها، وغطت بكفاءة على كل ما عانته سابقًا.

تجسدت صورة الكائن المشوه المدعو "آسر" نصب عينيها، بوجهه المستفز، وتعابيره الكارهة، رأته حيًّا في كامل الوقاحة، والدناءة، والخسة وهو يملي عليها مساوئها كأنثى لا تصلح لإغراء أي رجل بسبب بشاعتها، المسخ الموجودة عليه في جسد منفر يدعو المتطلع إليه للتقزز والاشمئزاز، تألمت للذكرى، وعجزت عن نفضها من مخيلتها، اقتحمت واحدة أخرى أشد وطأة عقلها، بما اكتشفته لاحقًا من مساوئ وضيعة بعد أن أزيح الستار، وظهرت حقيقته لها.

أنين مكتوم بدأ يخرج من بين شفتيها على صوت نحيبٍ خافت، وعيناها تبكيان بغزارة، لمسة لم تكن مستعدة لها شعرت بها على كتفها، فانتفضت رغم القيد الوهمي الذي تشعر به يكبل كل جسدها، فيجعلها غير قادرة على الحركة، ارتفعت نهنهات بكائها، والصوت الرقيق الخافت يناديها:

-"فيروزة".

سيطر عليها هذيانها، وتداخل الصوت مع أصواتٍ وهمية حاضرة في ذهنها المشوش، لتبدو وكأنها تخوص صراعًا قاسيًا بمفردها. هزة أخرى على كتفها وهذا الصوت يكرر:

-"فيروزة"، "فيروزة"!

تشنجت مع اللمسة، وكانت أكثر نفورًا لأي تقارب جسدي، لأي لمسة بريئة على أطرافها، كزت على أسنانها، وأصدرت أنينًا مختنقًا مما جعل اليد تبتعد عنها؛ لكن الذكرى لم ترحل، ازدادت قساوة، إطباقًا على صدرها، إيلامًا لقلبها.

...............................................

في خضم جدالهم الطويل، فشلت الصغيرة "رقية" في النوم، كانت رهبة ما رأته اليوم ما يزال مسيطرًا عليها، تقلبت على الفراش بجوار أبيها، وضمت دميتها إليها، استحثها فضولها على النهوض والاطمئنان على ابنة عمتها، فقامت بحذرٍ لتتطلع إلى أبيها، كان غارقًا في النوم العميق، فهبطت عن الفراش، وتسللت خارجة من الغرفة لتتجه إلى "فيروزة". أرادت رؤيتها دون أن يمنعها أحد، وساعدها تواجد عمتها والبقية بالخارج، ركضت بخفة نحو غرفتها، وقفت عند الباب تستند على إطاره، وتسترق النظرات للغرفة المظلمة، حين سمعت أنينها تشجعت للذهاب إليها. صعدت على الفراش ووضعت يدها على كتفها تناديها:

-"فيروزة".

ارتجفت مع الرعشة التي شعرت بها منها، سمعتها تئن بما يشبه النحيب، فزاد خوفها، وضعت يدها تهزها ونادتها مجددًا

-"فيروزة"، "فيروزة"!

لكن الصوت المختنق لم يتوقف، فزادت رعبها، وابتعدت عنها لتطلب المساعدة من البالغين القادرين على فهم ما بها.

..............................................

قدمت لها مشروبًا باردًا لترتشفه بعد انتهائها من مهمتها العاجلة، حاولت "آمنة" أن تقوم بواجب الضيافة كما اعتدت رغم المحنة التي تمر بها أسرتها، اعتذرت من "ريم" للمرة الرابعة في نفس الثلاث دقائق التي وقفت تتحدث فيها إليها، وقالت:

-عطلناكي يا دكتورة، ونزلناكي من بيتك في الوقت ده.

أخبرتها بهدوءٍ وهي تحاول الابتسام بلطف:

-ده واجبي، بس يا ريت من الصبح بدري تجيبوها على المستشفى ...

مدت يدها داخل حقيبتها لتخرج منها بطاقة ورقية صغيرة، وتابعت وهي تمررها إليها:

-عنوانها في ضهر الكارت ده.

أخذتها منها "آمنة"، وهزت رأسها في امتنانٍ. استدارت كافة الرؤوس فجأة نحو زاوية بعينها، عندما سمعوا النداء المرتعش:

-عمتو ..

تحركت "آمنة" نحو الصغيرة تعاتبها بوجهٍ شبه حانق:

-إنتي لسه صاحية يا "كوكي"؟

تمسكت بدميتها، وضمتها بذراعها إلى صدرها؛ كأنما تحتمي بها، قبل أن تقول بشفاه مقلوبة:

-"فيروزة" بتعيط جامد جوا.

صاحت عمتها بتعابيرٍ مدهوشة:

-إيه؟

بينما رددت "ريم" في صدمة متعجبة:

-إزاي؟

تساءل "تميم" على الفور في وجه صعدت فيه تعابير الخوف المختلطة بالغضب:

-إنتي يا دكتورة مش مدياها مهدئات؟

أجابته في حيرةٍ قلقة:

-أيوه، بس جرعة بسيطة، لأني معرفش خدت أد إيه في المستشفى.

دون إضاعة للوقت في البحث عن تفسير يوضح سبب إفاقتها، اندفع ثلاثتهم للداخل، تاركين الصغيرة خلفهم؛ لكن "تميم" عاود أدراجه، وطلب منها في صوتٍ جاهد ليبدو هادئًا:

-هي هتبقى بخير، متخافيش.

لا يعلم إن كان يطمئنها بتلك الكلمات أم يطمئن نفسه؛ لكنه رغب حقًا في إخراجها من دوامة المآسي التي تقضي على روحها وتمزقها بالبطيء. أمسك التردد بخطواته وهو يتحرك في الردهة عاجزًا ما بين التدخل ومساعدتها، وبين التراجع والانتظار في مكانه احترامًا لخصوصيتها؛ لكن أي خصوصية منشودة لمريضٍ على شفا خطوة من الموت؟!

.................................................

بمجرد أن ولجت إلى غرفتها، دارت "ريم" حول فراشها لتكون في مواجهة وجهها، نظرت إلى عينيها الزائغتين، وألقت نظرة شاملة على حالتها تقيم بها وضعها ظاهريًا، أدركت أنها في حالة غير جيدة، تحتاج للتعامل الفوري معها، وإلا لساءت كثيرًا. مدت يدها لتمسح على وجنتها برفقٍ وهي تناديها:

-"فيروزة"، سمعاني.

كأنما تُحادث الفراغ، لا استجابة منها، تنظر إلى ما لا تراه إلا في ذهنها، كررت ندائها، وهي تخفض يدها نحو كتفها:

-"فيروزة"، ردي عليا، إنتي عارفة أنا مين؟

مع لمستها العادية لها تشنجت بالكامل، وتخشبت بشكلٍ يدعو للخوف، كما زاد الأنين المنتحب ليصبح صرخة متحشرجة، اعتدلت "ريم" في وقفتها وهتفت في جدية شديدة:

-لازم تتنقل فورًا المستشفى عندي، ماينفعش يتسكت أبدًا عن الحالة دي.

اضطر أن يتجاوز عن التقاليد الملزمة ليقف عند أعتاب غرفتها ينظر إليها في خوفٍ يفوق جميع المتواجدين حولها، كان جسد "فيروزة" ما يزال يهتز بعصبيةٍ، شعرها محلول، ومهوش، ومطروح على الوسادة. لم يكن في استطاعته الوقوف مكتوف الأيدي ينتظر هلاكها، صاح آمرًا والدتها:

-يالا يا حاجة، أنا خدها في عربيتي، حطي عليكي أي عباية بسرعة.

نظرت إليه "آمنة" بنظراتٍ تائهة وهي تسألها:

-طب و"كوكي"، هاعمل فيها إيه؟ مش معقول أسيبها لوحدها وآ....

قاطعها قائلاً بحسمٍ:

-هاتيها معانا بهدومها كده.

هزت رأسها في انصياعٍ:

-طيب .. على طول.

ثم أسرعت باحثة عما ترتديه على ثيابها المنزلية، نظرة شمولية فاحصة ألقاها "تميم" على غرفتها باحثًا عن وشاح رأسها، وجده ملقى على الأرض بجوار الدولاب، اتجه ناحيته، وانحنى ليلتقطه، ثم أعطاه لـ "ريم" قائلاً بنفس اللهجة الآمرة:

-غطي دماغها بيه.

رمقته الأخيرة بنظرة غامضة؛ كأنما تحاول النفاذ إلى عقله، وشكوكها حوله تزداد لحظة بعد أخرى. فور أن عادت "آمنة" إلى الغرفة، تحرك "تميم" صوب الفراش، مرر ذراعيه أسفل جسد "فيروزة"، وحملها وهي ما زالت تنتفض في ألمٍ جعل ما بين ضلوعه ينقبض بقسوة، التصقت رأسها بصدره، وشعر بكل الرجفات تضربه؛ كما لو كانت تبث له معاناتها، ارتفع الغليل بداخله، واستعر الغضب في جوارحه لاعنًا اللحظة التي لم يتخذ فيها موقفًا صارمًا تجاه شبيه الرجال هذا حين اكتشف ماهيته الخسيسة! ســار بها بخطواتٍ شبه سريعة إلى الخارج، تتبعه "ريم"، ومن ورائها هرولت "آمنة" والصغيرة "رقية" بعد أن أغلقت الباب، من موقعها ألقت نظرة حرجة على "تميم" وابنتها التي يحملها، لتدمدم مع نفسها بهسيسٍ مزعوج:

-الناس هتقول إيه علينا لو شافونا كده!!!

................................................

استقر الجميع في سيارته فيما عدا "ريم"، بالمقعد الخلفي تمددت "فيروزة"، ووالدتها إلى جوارها تحتويها في أحضانها، وفي الأمام جلست "رقية" بدميتها، انتظر لهنيهةٍ ريثما تتحرك الطبيبة بسيارتها ليتبعها، بقيت نظراته تتوزع ما بين الطريق تارة، وبين الوجه الأشبه بالموتى الماكث بالخلف، اشتدت أصابعه على المقود، وبدت ملامحه أقرب لحجرٍ متصلب من القساوة التي ملأته. إحساسه بالذنب يتضاعف مع كل لحظة يراها تتألم فيها، صمته عن حقيقته جعله بشكلٍ غير مباشر متورطًا في إيذاء أكثر من أحب وعشق.

حاول التركيز في القيادة، وإرجاء مشاعر الغضب واللوم إلى أن يطمئن عليها، بضعة دقائق وكان يعبر بسيارته حديقة متسعة، في نهايتها ظهر ثلاثة من المباني. عند البقعة المخصصة للركن، أوقف سيارته، ثم ترجل من مكانه، والتفت فاتحًا الباب المجاور لـ "فيروزة"، انحنى من جديد يمرر ذراعيه خلف ظهرها، وأسفل ركبتيها ليحملها، وصوت الطبيبة يوجهه:

-تعالى من هنا يا أستاذ.

ألقى نظرة خاطفة نحو المبني المتجه إليه، كانت واجهته زجاجية، على ميمنته يوجد مبنى آخر يماثله في الحجم والشكل؛ لكنه أكثر ارتفاعًا، لم يهتم بدراسة محيطه الآن، واتجه إلى البوابة الخاصة بهذا المبنى، انحرف منها نحو ردهة متوسطة المسافة، في نهايتها رأى سلمًا طويلاً، التفتت "ريم" لتخبره بملامح شبه حرجة:

-معلش مافيش أسانسير في الناحية دي.

وكأنه اشتكى لها وزن ما يحمله، لم يكترث للأمر وهتف في وجوم:

-قوليلي بس هنوديها فين.

أشارت بيدها للأعلى وهي تتكلم:

-الدور التاني.

غمغم من بين أسنانه بنفس التعابير المتجهمة:

-إن شاء الله العاشر، المهم نلحقها.

.................................................. ................

لجأ إلى الصبر كوسيلته المتوفرة حاليًا للتماسك وسط ما يمر به معها من أحداث غير مبشرة، شعر بأن سكينًا يشق قلبه وهو يحاول فقط تخيل ما جابهته بمفردها وهو يستعيد ذكرى اعترافاتها النزقة في عقله، كان كمن حُبست الدماء في عروقه فأصبح شبه عاجز عن الحركة، يجلس متقوقعًا في مكانه، وعيناه تتحركان في توترٍ، لم يتبقَ أمامه سوى الدعاء سرًا بقلبٍ يتمزق ويحترق من الألم:

-نجيها يا رب.

أحبها بالقدر الذي جعله غير قادر على تخيل الحياة بدون وجودها شريكة إلى جواره، تشاطره كل لحظة فيها صغيرة كانت أم كبيرة، رغمًا عنه زحفت دموعه الخائنة إلى حدقتيه، تنفس بعمقٍ ليقضي عليهم؛ لكنها أبت إلا النزول في صمت، مسحهم قبل أن يلحظه المتواجدون من حوله، وحول أنظاره نحو الصغيرة "رقية"، تلك التي افترشت الأريكة الجلدية بجسدها الضئيل ومنامتها الوردية الظريفة لتنام عليها، أشفق على حالها، وأدار رأسه في اتجاه "آمنة" التي أغلقت مصحفها الصغير لتمسك به وهو ينظر إليها، حمحم قائلاً في صوتٍ شبه متحشرج:

-إن شاء الله نطمن عليها.

رأى التردد على قسمات وجهها، وأيضًا في نظراتها الحذرة نحوه، وهي تخبره متلعثمة في صيغة كانت تساؤلية:

-معلم "تميم" .. إنت جاد في اللي قولته ............................... ؟!!!!

.................................................. ............








منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 03:57 AM   #985

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 15 ( الأعضاء 5 والزوار 10)

‏موضى و راكان, ‏amalfaisal, ‏Reem salama, ‏منه ايمن, ‏Lazy4x


تسلمى يا منال على الفصول الحلوة دى أبدعتى يا جميلة


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 05:36 AM   #986

تغريد&

? العضوٌ??? » 458904
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 245
?  نُقآطِيْ » تغريد& is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايدينك......ثلاث اجزاء كلها مشاعر واحزان
الله يجعلها اخر احزانهم
في انتظار ان تتحسن اوضاعهم


تغريد& غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 05:58 AM   #987

ترانيم الزمان

? العضوٌ??? » 346855
?  التسِجيلٌ » Jun 2015
? مشَارَ?اتْي » 94
?  نُقآطِيْ » ترانيم الزمان is on a distinguished road
افتراضي

روايه جميله واحداثها شيقه الي الامام

ترانيم الزمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 11:14 AM   #988

نور علي عبد
 
الصورة الرمزية نور علي عبد

? العضوٌ??? » 392540
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 944
?  نُقآطِيْ » نور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond repute
افتراضي

يسعد اوقاتك بكل خير يا جميله 🌷
يعطيك العافيه ثلاثة فصول 😍
احداث تحلل كل الترسبات الموجوده لدى فيروزه
آمنه صارت في صف تميم

الفصول مع انهم ثلاثه خلصوا بسرعه بالتوفيق حبيبتي ❤️


نور علي عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 12:13 PM   #989

جزيرة

? العضوٌ??? » 307068
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 398
?  نُقآطِيْ » جزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond repute
افتراضي

الله ..
ما هذا الحال الذي وصلت اليه فيروزة
هل النهاية محزنة 💔💔💔
..
و ذاك القلب العاشق الذي يتمزق ألم
لحال حبيبته
..
فضل …!! هل ينقلب السحر على الساحر
..
فصول تعبت كاتبتنا بصياغتها
شكرا لها 🌹🌹


جزيرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-21, 05:14 PM   #990

jehan

? العضوٌ??? » 74469
?  التسِجيلٌ » Jan 2009
? مشَارَ?اتْي » 163
?  نُقآطِيْ » jehan is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة ، اتمنى لك التوفيق

jehan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:18 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.