آخر 10 مشاركات
أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          [تحميل] باب الريح للكاتب/ طارق اللبيب ، سودانية ((جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رواية: ثورة مواجِع من عُمق الورِيد (الكاتـب : القَصورهہ - )           »          عروس المهراجا (163) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          خائف من الحب (161) للكاتبة : Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الهمسات المشتعلة .. مايا مختار >>> مكتملة (الكاتـب : مايا مختار - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-06-21, 08:16 PM   #991

روح غائبة

? العضوٌ??? » 345002
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 20
?  نُقآطِيْ » روح غائبة is on a distinguished road
افتراضي


يبدوا أنها رواية مشوقة
بداية موفقة.


روح غائبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-06-21, 06:48 PM   #992

الاميرة...

? العضوٌ??? » 463405
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 35
?  نُقآطِيْ » الاميرة... is on a distinguished road
افتراضي

بدايه موفقه ....

الاميرة... غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-06-21, 08:19 PM   #993

Gannamedhat

? العضوٌ??? » 427152
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 84
?  نُقآطِيْ » Gannamedhat is on a distinguished road
افتراضي

❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤

Gannamedhat غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-06-21, 09:19 PM   #994

jehan

? العضوٌ??? » 74469
?  التسِجيلٌ » Jan 2009
? مشَارَ?اتْي » 163
?  نُقآطِيْ » jehan is on a distinguished road
افتراضي

موفقة ،،، 👌👌👌👌👌👍👍

jehan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-06-21, 12:57 AM   #995

Gannamedhat

? العضوٌ??? » 427152
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 84
?  نُقآطِيْ » Gannamedhat is on a distinguished road
افتراضي

❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤

Gannamedhat غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-06-21, 11:20 PM   #996

زهرة ميونخ

? العضوٌ??? » 481327
?  التسِجيلٌ » Nov 2020
? مشَارَ?اتْي » 160
?  نُقآطِيْ » زهرة ميونخ is on a distinguished road
افتراضي

🍀🍀🍀🍀🍀🍀🍀🌹🌹🌹🌹🌹🌸🌸🌸🌸🌸🌹🌹🌹🌸🌸🌸🌸🍀🍀🍀🍀🌺🌺🌺🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷

زهرة ميونخ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-06-21, 12:58 AM   #997

Esha

? العضوٌ??? » 451469
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » Esha is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة ، اتمنى لك التوفيق

Esha غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-06-21, 01:22 AM   #998

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9

الفصل المائة وستة وعشرون



الكلمة الشفهية في عرفهم تعني الالتزام، إن نطق بها علنًا أصبحت واجبة النفاذ. رغم ما به من مشاعر مختلطة احتوت على الخوف، الضيق، القلق، والندم، إلا أنه كان بارعًا في إخفاء هذا الصراع، وتطلع بنظراتٍ قوية ناقمة إلى "آمنة" التي كانت على عكسه تظهر ارتعابها، ليس لأنها تخشى من تدهور حالة ابنتها، وإنما لخوفها مما قد تتجرأ الألسن على قوله بهتانًا وبالزور، وهذا ما لم تكن لتقبله به أو تتحمله مطلقًا. طرد الهواء بثقلٍ من رئتيه، وأخبرها مؤكدًا بصوتٍ خشن رخيم:

-أيوه يا حاجة ...

استرخت تعبيراتها لحظيًا قبل أن تتبدل للتوتر بعد أن وبخها بجمودٍ:

-بس ماظنش لا ده المكان، ولا الوقت اللي ينفع نتكلم فيه.

رددت بحرجٍ وهي ترمش بعينيها:

-أنا معاك في كده، أنا قصدي .. إنه مش آ...

قاطعها بلهجته الجامدة الجافة، وتلك النظرة المحذرة تطل من عينيه الحادتين:

-حاجة "آمنة" صحة بنتك دلوقتي أهم، نطمن عليها وإن شاء الله خير.

حاولت أن تجبر شفتيها على الابتسام وهي ترد:

-طول عمرك ابن أصول.

شعر بضربٍ من الاستياء يصيبه من تعليقها السقيم، وقال مصححًا في غلظةٍ ملحوظة:

-أنا مش بعمل معروف فيكي، ولا ده جميل محتاج شكر عليه ...

حملقت فيه بعينين متسعتين، فأكمل بصوتٍ غلفته رنة من الألم:

-أنا لو بتقدم لبنتك لأنها إنسانة مميزة، تستحق تعيش حياة أحسن من اللي كانت فيها.

وقبل أن تفكر في التعقيب عليه، رفع يده المُضمَّدة أمام وجهها يأمرها بلهجةٍ غير قابلة للنقاش:

-ويا ريت نخلي الكلام في ده بعدين.

بلعت ريقًا غير موجودٍ في جوفها، وردت برأسٍ شبه ذليل:

-اللي تشوفه يا معلم.

لم يكن بحاجة لسماع أي تملقٍ كاذب لأمر لطالما رغب بحدوثه؛ لكن ليس بأي طريقة تجعل طاووسه يشعر بالمهانة والانتقاص. ابتعدت أنظاره المزعوجة عنها ليحدق مجددًا في الصغيرة النائمة على الأريكة، لا ذنب لها لتقضي ليلها خارج الفراش، وترى ما لن يجعلها تهنأ بأحلامٍ سعيدة لفترة من الوقت. حادت عيناه المحتقنتين عنها لتنظر إلى الطبيبة القادمة من على بعدٍ، نهض على الفور من مكانه، وانتظر قدومها بتوترٍ غطى كافة وجهه، وقفت "آمنة" هي الأخرى، وتحركت مقتربة من الطبيبة، لتشرع في سؤالها:

-هي بقت عاملة إيه دلوقتي؟

أجابتهما "ريم" وهي تنظر إليهما بتساوٍ:

-لسه مش قادرة أحدد، هي تحت تأثير المهدئات.

دمدم "تميم" بضيقٍ وهو يضع يده أعلى رأسه:

-لا حول ولا قوة إلا بالله.

بينما تساءلت "آمنة" في حيرة لا تخلو من خوفها:

-وهتفضل على الحالة دي كتير؟

مطت شفتيها للحظةٍ قبل أن ترد:

-ده يعتمد على مدى تجاوبها للعلاج، وحاليًا مقدرش أجزم بأي حاجة، وخصوصًا بعد اللي شوفته.

تساءل "تميم" بلهفةٍ، وقد غزاه القلق الشديد:

-يعني رأيك إيه يا دكتورة غير إنها تفضل هنا؟

على ما يبدو لم تفهم مقصده من هذا السؤال، فاتجهت أنظارها إليه لتسأله بتحفزٍ:

-هو حضرتك معترض على وجودها؟

نفى على الفور مبررًا غرضه:

-لأ بالعكس، أنا بأحاول أفكر معاكي إزاي أساعدها.

لانت نظراتها إليه، وقالت بعد تنهيدة سريعة:

-هشوف المناسب .. يا ريت تديني رقم تليفونك.

قال بإيماءة موافقة من رأسه وهو يخرج هاتفه من جيبه:

-تحت أمرك.

تبادل سريعًا معها أرقام الهواتف المحمولة، لتشير "ريم" بعد ذلك بيدها وهي تخاطبهما:

-وجودكم مالوش داعي، تقدروا تتفضلوا.

تحركت "آمنة" خطوة في اتجاه الطبيبة التي بدأت بالسير، وتساءلت:

-بكرة الصبح أنا هاجي وأجيب لها هدوم، في حاجة تانية أوضبها مع حاجتها؟

دعكت "ريم" جبينها بإصبعيها، وأخبرتها:

-لأ، بس أفضل إن حضرتك تجيبي حاجات فيها ألوان فاتحة ومبهجة، مافيش داعي للألوان الغامقة.

قالت دون نقاشٍ:

-ماشي يا دكتورة.

أعاد "تميم" الهاتف إلى جيب بنطاله الأمامي، واتجه إلى الأريكة ليحمل الصغيرة النائمة، بينما سارت "آمنة" من خلفه تتبعه وهي تدعو الله بصوتٍ كان مسموعًا إليه:

-يا رب عديها على خير، واسترها معاها.

هسهس مؤمنًا عليها بخفوت شديد:

-يا رب.

...........................................

ما الذي يمكن إطلاقه على ليلة بائسة كتلك؟ رأى واختبر معها جزءًا من الجانب الآخر المخفي في شخصيتها، هذا الجزء الهش الذي تحاولت تغطيته تحت قناع صلب. كلما تذكر ما مرت به، شعر بالألم يمزق قلبه، بشيءٍ قاسٍ ينخر بداخله ولا يعلم كيف يوقفه، تلمس بيده ضماده الطبي، ورغم الوخزات المتكررة من آن لآخر إلا أنه لم يكترث، شاغله الأكبر كان هي. زحفت العبرات إلى حدقتيه، ولم يقاومها، كان مخنوقًا للحد الذي جعله راغبًا في البكاء، لم ينتبه للطرقات الخفيفة على باب غرفته، لذا حلت عليه الدهشة المصحوبة بالتوتر حين رأى شقيقته تطل برأسها من فُرجة مواربة وهي تسأله:

-إنت صاحي يا "تميم"؟

أولاها ظهره، وحاول مسح ما بلل وجهه بظهر كفه، ثم أخبرها بصوت كان مختلفًا بعض الشيء:

-أيوه يا "هاجر"، عايزة إيه؟

تقدمت نحوه، وسألته باسترابة:

-إنت كويس؟

أجابها بعد شهيق عميق وهو يدعي الابتسام:

-أه يا "أم سلطان"، ناقصك حاجة أجيبهالك؟

انخفضت نظراتها نحو يده، ورأت اللفافة الطبية حوله، فسألته في لهفةٍ قلقة:

-إيه اللي حصل لإيدك؟ إنت بخير؟

حاول تخبئة يده خلف ظهره، وقال وهو مستمر في الحفاظ على ابتسامته المخادعة:

-اطمني، دي حاجة بسيطة، يومين وهتخف.

ربتت على ظهره قائلة:

-سلامتك يا خويا.

نظر إليها في عطفٍ، وتمتم:

-الله يسلمك ..

جلست إلى جواره على طرف الفراش، ولاذت بالصمت لبعض الوقت، مما دفع "تميم" لسؤالها بزفيرٍ أوضح إرهاقه:

-قوليلي عايزة إيه؟

خفضت رأسها، وتحاشت النظر إليه وهي تخبره بتلعثمٍ كبير:

-بصراحة كده، أنا .. جاية اسألك.. عن "سراج".

قطب جبينه متسائلاً بتعابيرٍ ظهرت جادة للغاية:

-ماله؟

لعقت "هاجر" شفتيها، وقالت:

-يعني .. أقصد اللي كان بينكم زمان، والحبس، وآ...

قاطعها في هدوءٍ:

-"هاجر" ده كان نصيب، ماتحطيش ده حجة، المهم إنتي رأيك يكون إيه.

فركت أصابع كفيها معًا، وتابعت بنفس التردد:

-أنا متلخبطة، ومش عارفة أخد قرار ..

تأملها في صمتٍ، فاستجمعت جأشها لتعترف له:

-مخبيش عليك خايفة من اللي جاي، وابني حطاه فوق أي اعتبار.

رفع "تميم" ذراعه، ولفه حول كتفيها، ثم خاطبها بلين الكلام:

-بصي، اسمعيه الأول، وبعد كده قولي رأيك، بس صدقيني "سراج" مش زي ما كان الواحد مفكر زمان، مسيرك تعرفيه كويس.

نظرت إليه بنفس النظرات الحائرة، فطمأنها بقوله:

-وبرضوه بأكد عليكي من تاني، أيًا كان اختيارك إيه، فاحنا معاكي فيه.

ابتسمت وهي ترد:

-ربنا يخليك ليا، إنت أحسن أخ في الدنيا.

نهضت من جواره، وأخبرته وهي تتجه نحو باب الغرفة:

-ويا رب يقدرني وأعملك كل حاجة تسعدك زي ما بتسعدنا.

حانت منه نظرة ممتنة لدعمها المعنوي، وقال:

-يا رب.

انسحبت في هدوء، تاركة إياه بمفرده، فاستلقى على ظهره، والحزن ما زال مخيمًا عليه، غطى "تميم" عينيه بمرفقه، وقد تمكن التعب منه، ليس الجسدي فقط، بل فاقه النفسي في ألمه غير المرئي، دعا الله كثيرًا من أجلها، آملاً أن يصبح الغد أفضل لها قبل أن يكون له.

...........................................

-أهوم يامه جوم.

نطق "سراج" بتلك العبارة بابتسامة عريضة ملأت محياه وهو ينهض من مقعده، ليبدو في مرمى البصر، رفرف قلبه طربًا لحضور حبيبته، وسريعًا هندم من ياقة قميصه، ثم أخفض عينيه ليتأكد من ترتيب باقي ثيابه، فتلك المرة استبدل الجلباب بما يجعله يلاقي استحسانًا من العروس المرتقبة، عاود التحديق في وجه "هاجر" المتورد خجلاً، كم أسعده رؤيتها بعد طول انتظار! رددت والدته الجالسة على يساره بنبرة متمنية لتشتت انتباهه عنها:

-ربنا يجعل في وشك القبول يا ابني.

هتف في شوقٍ يسوده الرجاء وهو يحملق فيها مجددًا:

-يا رب، يا رب.

تقدمت "ونيسة" أولاً، وصاحت مرحبة بلطفٍ:

-السلام عليكم.

أقبل عليها "سراج" وهتف مبتسمًا في سرورٍ كبير:

-وعليكم السلام، إزيك يا حاجة؟ شرفتينا، مجيتك النهاردة على راسي والله.

ردت مجاملة:

-تسلم يا رب.

نهضت والدة "سراج" من مكانها، وامتدت يدها لتصافحها أولاً، قبل أن تنهال عليها بالأحضان والقبلات الحارة وهي تبادلها الترحيب الحميمي:

-يا مراحب بالناس الغالية، عاملة إيه يا حاجة "ونيسة"؟

قالت بتعابيرٍ هادئة:

-بخير والحمدلله.

ظهرت "هاجر" من خلفها وهي تحمل رضيعها، أرادت القدوم به اليوم لتؤكد على أنه يحتل قائمة أولوياتها، مهما كانت عروض الزواج المقدمة لها، تحاشت النظر إلى وجه "سراج"، والتفتت محدقة في وجه والدتها التي استطردت قائلة بودٍ أليف:

-أهلاً بعروستنا الجميلة، هما اللي بيقعدوا في البيت بيحلوا بزيادة.

خجلت من مجاملتها، وردت:

-تسلمي على ذوقك.

أضافت مؤكدة بضحكة مرحة:

-دي الحقيقة، وابني عارف إني مش بجامل.

تلقائيًا أبصرت "سراج" من طرف بصرها، وهمهمت في حياءٍ:

-شكرًا ليكي.

امتد ذراعا "سراج" قاصدًا حمل الرضيع وهو يداعبه:

-يانهاري على العسل ...

أعطته له في ارتباكٍ ملحوظ، واختلست النظرات إليه، فوجدته ينظر لها بغرابةٍ نمت عن مشاعرٍ ما، رفضت التصديق بها في البداية. استمر "سراج" في ملاطفة الصغير قائلاً:

-شوفتي يامه الطعامة.

تعلقت أنظار والدته بالرضيع "سلطان"، وقالت بابتسامة لا تقل عن ابتسامة ابنها حماسًا:

-ماشاءالله، ربنا يباركلك فيه.

أردف "سراج" مضيفًا وهو يشير برأسه لتجلسا:

-اتفضلوا يا جماعة، تحبوا تشربوا إيه؟

عاتبته والدته في لطفٍ:

-بالراحة يا "سراج"، خليهم ياخدوا نفسهم الأول، ماتبقاش كده مستعجل.

اكتفى بالصمت، وجلس في مقابل "هاجر" ليملي عينيه من رؤياها، وأجلس طفلها على حجره، وظل يهدهده في محبة أبوية لم تكن مكتسبة بالمرة. نطقت والدته بعد لحظات من الصمت الحرج:

-عاملة إيه يا "هاجر"؟

التفت ناظرة إليها وهي ترد:

-الحمدلله.

عمَّ الصمت مجددًا إلا من بعض أسئلة روتينية مقتضبة، تولت فيها الوالدتان التعليق لكسر الحرج الملحوظ بين الطرفين، استدارت "أم سراج" برأسها نحو ابنها تطلب منه بمرحٍ:

-بأقولك إيه سبيلنا الكتكوت الحلو ده معانا شوية، وقوم فرج عروستنا الحلوة على منظر البحر، ده حتى هواه يشرح القلب.

وكأنها منحته الإذن بقولها الصريح، لم يعارضها، ونهض من مقعده، ثم أعطاها الرضيع مرددًا بنحنحةٍ خفيفة:

-احم .. حاضر.

أضافت عليها "ونيسة" ضاحكة؛ كأنها تشاركها الرأي:

-واحنا هنطلب المشاريب لحد ما ترجعوا.

نظرت "هاجر" إلى والدتها بترددٍ، فاستحثتها على التحرك، فقامت بتكاسلٍ من مقعدها، ليتبعها "سراج" قائلاً بنوعٍ من التوجيه وهو يشير بيده:

-اتفضلي يا ست البنات.

رمقته بنظرة سريعة من طرف عينها وهي ترد موجزة:

-شكرًا.

تابعتهما الأنظار وهما يغادران المكان نحو الشاطئ الرملي ليحظيا ببعض الخصوصية، فاستطردت "ونيسة" تخاطب مُضيفتها:

-كان نفسي أشوفك من زمان يا حاجة والله، بس الظروف.

ردت بتعابيرٍ بشوشة وهي تلاعب الرضيع بيدها:

-القلوب عند بعضيها، منهم لله اللي كانوا السبب.

أطلقت زفرة مهمومة قبل أن تقول بملامح شبه تعيسة:

-ربنا خلص، وارتاحنا.

لم تخبت ابتسامة "أم سراج" وهي تخبرها:

-شوفي يا حاجة المثل بيقول ما محبة إلا بعد عداوة.

ابتسمت وهي تعلق:

-مظبوط، ربنا ما عاد يرجع الأيام دي تاني.

أضافت مؤكدة عليها بنفس التعابير الهادئة:

-يا رب، وأنا مش محتاجة أمدح في ابني، بس ربنا وحده اللي عالم أنا ربيته إزاي، ولو شاء المولى وبقى في نصيب، مش عايزاكي تقلقي، بنتك هي بنتي، هعاملها بما يرضي الله.

نظرت إليها بمحبةٍ، وعلقت:

-الأصل الطيب حقيقي بيبان.

دعت "أم سراج" بصدقٍ وعيناها تلمعان في سعادة:

-ربنا يديم المعروف بينا، ويجعلها جوازة الهنا عليهم يا رب.

هتفت مبتسمة في رضا:

-يا رب.

الحق يُقال أن "ونيسة" لم تتوقع مثل هذا الترحاب الشديد، دار بخلدها أن تكون مقابلة عادية روتينية، بها بعض التحفظات، والاشتراطات، كما يحدث بالعادة، خاصة مع من تزوجت سابقًا، لا أن تكون على هذا القدر الكبير من التقدير والاحترام؛ وكأن ما مضى فترة تم محوها من الزمن، ليبدأ بهذا اللقاء عهدًا جديدًا يسوده السلام، الألفة، وأيضًا الحب العميق ..................................... !!

.................................................. ....












منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 26-06-21, 01:23 AM   #999

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9

الفصل المائة وسبعة وعشرون



إن أخبرها أحدهم أنها بعد تلك السنوات ستسير على الرمال بصحبة غريب، وبعلم أهلها لم تكن لتصدق هذا مطلقًا، وتدعوه بالمجنون؛ لكن ها هو يحدث الآن، تتهادى في خطواتها مع من تقدم لخطبتها؛ وكأنهما مراهقان عاشقان يقضيان وقتًا مميزًا مع بعضهما البعض. نظرت "هاجر" إلى أي شيء حولها ما عداه، بدت مشوشة الأفكار، مضطربة المشاعر. تنحنح "سراج" في خفوت ليلفت انتباهها إليه بعد أن طال صمتها، وحين يئس من تجاوبها هتف قائلاً وهو يشير بيده:

-البحر رايق النهاردة، حتى مراكب الصيد كتير.

نظرت إلى حيث أشار، وأومأت برأسها قائلة باقتضابٍ:

-أيوه.

تابع متشجعًا بعد سماع صوتها؛ وإن كان محدودًا:

-الواحد من وقت للتاني بيحب يجي يتمشى عليه.

بدت "هاجر" متخبطة للغاية، لا تجد من الكلمات ما يسعفاه للتجاوب معه، ليس لأنها معترضة على تواجدها بقربه؛ وإنما للموقف الحرج برمته، فهي غير معتادة على مثل تلك الأمور، غالبت حيائها، وقالت بإيجازٍ:

-تمام.

لم يفقد الأمل في إزالة الحاجز الرسمي بينهما، واستأنف قائلاً بنوعٍ من الغزل المستتر:

-هو في أحلى من كده، المياه والهواء و .. الوجه الحسن.

ضغطت "هاجر" على أناملها في توترٍ، وحاولت التغاضي عما سمعته لتسأله بتلعثمٍ دون أن تنظر إليه:

-هو أنا ممكن أسألك سؤال؟

بدا مرحبًا للغاية، فقال:

-اتفضلي يا ست البنات، أنا تحت أمرك.

تنفست بعمقٍ، وخاطبته بصوتٍ غلفه الضيق والحرج معًا:

-يعني .. اشمعنى اخترتني أنا؟ كان قدامك أحسن مني وظروفهم غيري، ده طبعًا بعيد عن اللي كان حاصل بينك وبين "تميم" أخويا.

تجاوز ما قالته أولاً، ليوضح لها ببطءٍ، كما لو أنه يؤكد على قوله:

-موضوع أخوكي كان فيلم واتحبك علينا كلنا.

نطقت في تهكمٍ، شاعرة بغصة مريرة تضرب في حلقها:

-من جوزي طبعًا.

رد عليه بتعابيرٍ شبه منزعجة للتطرق إلى سيرته:

-هو مايستهلكيش من الأول.

زفرت زفرة عالية، وغمغمت بحنقٍ:

-ربنا ينتقم منه.

إفساد لحظته معها لم يكن بالأمر المطروح، لهذا قال "سراج" مبتسمًا بغير تصنع:

-سيبك من اللي فات، وخلينا نبص للي جاي من حياتنا.

توجست خيفة من خوض التجربة، وما يتبعها من أقاويل محتملة قد تنغص عليها حياتها معه، خاصة أنه لم يسبق له الزواج، وزيجتها المنقضية ليست حسنة السمعة، فالكل عَلِم بمساوئ "محرز" وجرائره المشينة، أرادت إثنائه عن رأيه، والتفكير بمنطقية وهي تعلق عليه:

-يا معلم "سراج" ليه تربط نفسك بواحدة معاها عيل، وتشيل هم مش همك؟ إنت في غنى عن ده كله، وآ...

قاطعها في تجهم:

-متكمليش لو سمحتي.

التفتت نحوه لتعارضه بعنادٍ؛ لكنه كان الأسبق في التكلم، وهو يرمقها بتلك النظرة العميقة:

-من غير حلفان، أنا عاوز كده، ده غير إني أول مرة أشيل فيها ابنك حسيت إنه حتة مني، كأنه ابني، والمفروض كان يبقى كده.

حتى في ألطف أوقاتها مع زوجها لم تحظَ بمعسول الكلام العذب، فقط يستخدمه وقت الحاجة من أجل إسداء خدمة ما له عن طريق والدها، لم تكن نواياه محبة صافية كما ظلت توهم نفسها، قاومت ما يعتريها من ضيق، وحادت بنظراتها المتوترة عنه، لتنظر إلى الأمواج المتكسرة على الشاطئ بوجوم، سمعت "سراج" يخبرها:

-صحيح مكانش عندي أمل إن ده ممكن يحصل في يوم من الأيام، وبصراحة مكونتش عاوز أتجوز، ولا ليا لي الرغبة، بس سبحان الله، كل شيء نصيب، وليه وقته.

مع تلك الكلمات تذكرت أيضًا ما كانت تبذله من جهدٍ للاستحواذ على مشاعره، وإسعاده بالدلال والغنج رغم ما كان بها من إرهاق نفسي لمعاملته الجافة –وأحيانًا العنيفة- معها، لم تشتكِ يومًا قساوته عندما تستبد به رغباته الذكورية ويطلبها إلى الفراش، بل كانت تمتدح حسن معاشرته لها، رغم عدم حدوث ذلك، قلما كان في وعيه وهو يمنحها نوبة من الحب العاصف، كان في الأغلب راجعًا لتأثير ما يتعاطاه من الحشيش، وبعض أقراص الهلوسة حين يخرج ويجلس مع رفاقه لوقت متأخر. بمرور الوقت، والاعتياد أصبح ما بينهما روتينيًا، لا تحبذ حتى حدوثه، وتتذرع بالحجج والأعذار لتهرب من ندائه. أفاقت من الذكرى التعيسة على كلام "سراج" القائل:

-والناس مصدقت تطلع عليا كلام مش ولابد، بس ولا فرق معايا.

تشجعت لتنظر إليه مرة أخرى في حرجٍ، فابتسم وهو يؤكد عليها:

-يا ست البنات أنا مش عايزك تقلقي، أنا هشيلك فوق راسي، وابنك غلاوته من غلاوتك...

استمرت تحملق فيه بنظراتٍ مترددة عبرت عن خوفها، فاعترف لها عن قصدٍ:

-وإنتي غلاوتك عندي من زمان.

تورد وجهها خجلاً من كلامه، فتابع بجراءةٍ وهو يحتويها بنظراته الهائمة:

-أنا عارف إنه مايصحش أقولك كده، بس عايزك تعرفي إن عيني ماشفتش أحلى منك، ولا كان نفسي أتجوز غيرك.

أحست بتلاحق دقات قلبها من فرط الحرج والارتباك، بدت كمن عاد بها الزمن للوراء لتسمع ما تمنت سماعه في فترة المراهقة، وربما أيام زواجها الأولى، من تلك الملاطفات الجميلة. جف حلقها، ورمشت بعينيها محاولة الابتعاد عن محيط نظراته المتعلقة بها، في حين واصل "سراج" الاسترسال في التعبير عن مشاعره بصدقٍ:

-من أول لحظة شوفتك فيها حسيت إن قلبي اتخطف، وقولت هي دي اللي هاتكون مراتي.

لم تعرف "هاجر" ما الذي أصابها لتبدو بتلك الربكة أمام سيل الأحاسيس الفياضة التي غرقت فيها، كأنما افتقرت لهذا الشعور طوال ما عاشته من حياتها، ركزت نظرها على حركة الأمواج، علها تتماسك في حضوره، مستشعرة ارتفاع نبضات قلبها المتأثر بحديثه، وربما احمرار بشرتها لعذوبته، لن تنكر أنها شعرت بنفسها كأنثى قادرة على جذب الرجال؛ ولدهشتها استلذت بهذا الشعور. أسبل "سراج" عينيه نحوها يرمقها بمحبةٍ وهيام وهو يملي على أذنيها بالمزيد:

-دفنت مشاعري جوايا، وقفلت عليها بعد ما بقى نصيبك مع "محرز"، لأ والـ .... كان عارف إني ناوي أخطبك، وراح لعب لعبته عشان ياخدك ليه، بس شوفي حكمة ربنا، بعد ما اتفرقنا ربنا أراد إنه يجمعنا من تاني.

أغمضت عينيها للحظة شاعرة بالحقد يتكون داخلها، بل ويتصاعد ضد هذا المخادع الذي عرف كيف بحيله المُحكمة أن يوهم الجميع بأنه الزوج الصالح، وكانت هي أول ضحاياه، وبقيت هكذا حتى آخر لحظة، عندما تكشفت كل الحقائق. توقفت "هاجر" عن السير، واستدارت تخبره بوجهٍ شبه متوتر في تعبيراته:

-احنا بعدنا عن الجماعة.

كأنه لم يسمع ما قالته، ونظر لها ملء عينيه متسائلاً في لهفة:

-رأيك إيه؟ موافقة؟

طالعته بنظرة ما زالت مترددة، فأكدت عليها:

-كل طلباتك أوامر، إن شاء تطلبي لبن العصفور، إنتي بس وافقي، وهتشوفي الهنا كله معايا.

شعرت بأن حالها تبدل للأحسن مع ما يمليه عليها من وعود لم يتخللها الزيف، لوهلةٍ عقد عقلها –بديهيًا- مقارنة سريعة بين ما كان يعدها به "محرز" ولم يحرز منه شيئًا، وبين ما تسمعه الآن ويبدو فيه كل العزم، لم ترغب في التعجل، وقالت متهربة من الرد:

-شكل "سلطان" تعبهم، هاروح أشوفه.

اعترض طريقها وهي تستدير ليقول مبتسمًا:

-خدي كل الوقت اللي عايزاه في التفكير، المهم ما ترفضيش.

تمسكه بها أعجبها بشكلٍ ما، أرضى بها غرور الأنثى لسعي الرجل ورائها، وجدت نفسها تمنحه ابتسامة رقيقة وهي تتجاوزه لتمر. مع تلك الإشارة المبطنة منها أحس "سراج" بأن أحلامه على وشك التحقيق، فرددت في حماسٍ:

-يا رب .. هانت.

..................................................

عند إحدى الزوايا بالسوق الشعبي، جلست على صندوقٍ بلاستيكي قديم يخص المشروبات الغازية، وأخذت تفرز ثمار الكوسة بيدها، واحدة تلو الأخرى في المِشَنّة الموضوعة قبالتها، لتنتقي منها الأصغر حجمًا، ثم أشارت نحو مِشَنة أخرى قائلة بصيغة آمرة:

-هاتي كوسة من الصغيرة دي.

ناولتها البائعة بعض الثمار وهي ترد صاغرة:

-ماشي يا حاجة.

أعادت إليها "سعاد" واحدة كبيرة إلى حدٍ ما وهي تقول:

-بلاش دي، مش هتتحشى.

تابعت عملية الفحص الدقيق والانتقاء للثمار حتى ضجرت البائعة مما تفعله، فأخبرتها على مضضٍ:

-يا حاجة ده إنتي فرزتي كل الموجود عندي في الفَرشة.

عاتبتها "سعاد" ضاحكة:

-يا ولية ما كله بتمنه، وهحسبك زيادة حبتين.

ارتضت البائعة بهذا الاتفاق، وتركتها تفعل ما يحلو لها ببضاعتها، انضمت إليهما امرأة ثالثة، أخذت تقلب في ثمار الطماطم بدقةٍ، ثم رفعت عينيها لتتطلع مدهوشة إلى "سعاد" الجالسة بجوار البائعة، أسرعت ناحيتها ترحب بها في ودٍ شديد:

-إزيك يا ست "أم فضل"؟

نظرت "سعاد" إلى من تخاطبها، وقالت وهي ترفع حاجبها للأعلى:

-"أم الهنا"، إزيك يا بت، عاملة إيه؟

أجابتها بابتسامةٍ عريضة:

-بخير يا حاجة، عاش من شافك، قليل أما بتيجي نواحي السوق.

مصمصمت شفتيها، وقالت:

-الحاج "إسماعيل" الله يديه الصحة بيقضيلي كل طلباتي.

امتدحت صنيعه بترديدها:

-ربنا يبارك في عمره ...

ثم ما لبث أن دنت منها لتسألها في خبثٍ؛ وكأنها تتعمد استفزازها بشكلٍ مستتر:

-ألا صحيح، سمعتي عن دخلة "سها"، أم عيال ابنك "فضل"؟!!

تناقصت المسافة ما بين حاجبيها بشدة، ورددت بتعابيرٍ مصدومة:

-دخلتها؟

أصابت المرأة هدفها، فقالت بتفاخرٍ لتغيظها:

-أيوه على زينة شباب عيلة "عبد المنعم"، ده حتى دايرين في البلد يقولوا إنها على الأسبوع الجاي، والكل معزوم، هايوزعوا دبايح، وإيشي محمر ومشمر.

زمت شفتيها قائلة بتبرمٍ وهي توليها وجهها:

-ربنا يسهلها.

مالت "أم الهنا" عليها، لتهمس لها في أذنها بلؤمٍ:

-بيني وبينك يا حاجة، في كلام تاني بيتقال عن إن لا مؤاخذة سي "فضل"جاب ورا، ومعدتش ينفع بحاجة لما اتضارب مع "رشيد" أيام العركة الأولى.

انتفضت "سعاد" ثائرة، وهتفت مدافعة عن ابنها باستماتةٍ؛ وإن كان ما تنطق به مزينًا بالزيف:

-قطع لسان اللي يقول كده، ابني زي الفل وصاغ سليم، ولولا عياله وحلفانات أبوه عليه مكانتش عدا اللي حصل ده على خير، ده اتاخد غدر يا "أم الهنا"!

حكت المرأة جبينها، وعلقت:

-إيوه صح، ده كانت المضاربة عند داركم.

أضافت "سعاد" بعصبيةٍ وقد تلون وجهها بحمرة منفعلة:

-غير ياختي ما احنا بنفهم في الأصول كويس، واللي يجي عند باب بيتنا حتى لو غلط فينا، جاب الحق علينا، ولازمًا نعامله بالحسنى!!

ردت عليها في تقديرٍ:

-أنا قولت كده برضوه، سي "فضل" لا ممكن يسكت أبدًا عن حد هانه.

حاولت "سعاد" تجنب الحديث مع تلك الفضولية، والتفتت تخاطب البائعة بحدةٍ بائنة في نبرتها:

-اوزني دول، مش هاخد أكتر من كده.

ردت البائعة بوجهٍ فاتر:

-عينيا ليكي يا حاجة.

ادعت "أم الهنا" انشغالها بتفقد ثمار البطاطس، ثم استطردت قائلة من جديد:

-طب وسي "فضل" هيعمل إيه في عياله؟ هتسيبوهم للغريب يربوهم؟

نهضت بثقلٍ وهي تشعر بالألم يضرب ركبتيها، ثم نظرت إليها بنظراتٍ حانقة قبل أن تجيبها:

-احنا مابنرميش عيالنا، "سها" أمهم وهتربيهم كويس، بس هيفضلوا عايشين في خير أبوهم، وإن كان سايبهم فعشان طيبة قلبه.

اقترحت عليها في عبثيةٍ:

-مظبوط، ما تجوزيه يا حاجة، ده لسه شاب، وأكيد عايز واحدة تدلعه وتناغشه، وبالمرة تاخد العيال تربيهمله.

سددت لها نظرة امتلأت بالحنق قبل أن تشيح بوجهها الممتقع عنها وهي تغمغم:

-هيحصل قريب ..

وجهت "سعاد" كلامها للبائع بلهجة لاذعة قليلاً:

-خلصتي الميزان يا ولية؟

أومأت برأسها وهي تناولها الكيس:

-أه يا حاجة.

فتحت "سعاد" حافظة نقودها الموضوعة داخل كيس قماشي صغير تلفه بها، ثم أخرجت منها ثمن ما اشترته، وأعطته لها قائلة بقسماتِ وجهٍ غائمة:

-خدي حسابك.

ربتت بيدها القابضة على الحافظة على كتف المرأة وهي تودعها بنفس اللهجة المزعوجة:

-فوتك بالعافية يا "أم الهنا".

ابتسمت لها وهي ترد في عشمٍ بدا مفتعلاً:

-يعافيكي يا حاجة، وأمانة السلام يوصل لأبا الحاج "إسماعيل".

لم تنظر ناحيتها وردت في جمودٍ:

-إن شاءالله.

تأرجحت الأكياس في يدها وهي تسير بخطواتٍ متعجلة لتبتعد عنها، وعن السوق برمته، ولسانها يردد في استياءٍ حانق:

-هنسلم من كلام الناس ده دلوقتي إزاي؟!!!!

.................................................. .........

بعد اتصالٍ موجز وغامض معها، وافق على مقابلتها في مكانٍ عام من أجل الاتفاق على بعض القواعد الهامة لترسيخها كمبادئ أولية في علاج "فيروزة"، لم يكن ليتأخر أبدًا عن أي شيء يخصها، لذا كان على الموعد يبحث عن "ريم" بين الجالسين في المقهى الحديث، أشارت له بيدها ليلمحها، فسار ناحية طاولتها، ابتسمت قائلة وهي تشير له بالجلوس:

-في ميعادك مظبوط يا أستاذ "تميم".

جر المقعد للأمام، وسألها بتعابير توزعت ما بين قلقة وجادة:

-أؤمري يا دكتورة، إنتي طلبتي تشوفيني ليه؟ في حاجة حصلت للأبلة تاني؟

ردت نافية بنبرتها الهادئة:

-لأ اطمن، هي حاليًا أحسن شوية بالعلاج المهدئ، بس الزيارة هتفضل ممنوعة عنها لفترة.

زفر مليًا قبل أن يردد وهو يضغط على شفتيه؛ مستحضرًا في ذهنه آخر ما كانت عليه معه من انهيار عصبي مؤلم له قبل أن يكون لها:

-مش هنقول غير الحمدلله، بإذن الله تقوم من اللي هي فيه قريب.

علقت بنفس الأسلوب الهادئ:

-إن شاء الله، بس ده مش هيحصل من غير دعم اللي حواليها.

رد بإيماءة من رأسه:

-أكيد.

أراحت "ريم" مرفقيها على الطاولة، وراحت تحادثه بملامح جادة:

-"فيروزة" عانت تجربة قاسية من كل النواحي، مخلياها في وضع رافض لأي تجاوب.

أضاف عليها "تميم" بسخطٍ صريح:

-وطبعًا الـ (...) "أسر" كان ليه يد في كده؟

تفاجأت من معرفته بهويته، مع ما صاحبه من وصفٍ مهين لشخصه، ولذا انزلقت تسأله في صدمةٍ انعكست آثارها على تعبيرات وجهها:

-إنت تعرفه؟

أخبرها بشفاه مقلوبة:

-حصل بيني وبينه كلام على السريع قريت فيه شخصيه الـ (...).

تحرجت من استخدامه لوصفٍ جارح، وطلبت منه:

-مافيش داعي للإهانة دي يا أستاذ "تميم".

رمقها بنظرة عبرت عن نوايا غير محمودة نحو هذا البغيض، إن كان لا يزال على قيد الحياة، وهو يعقب في حقدٍ متنامي بداخله:

-يا ريتها تيجي على أد كده، ده أنا كان نفسي آ...

بتر عبارته عن عمدٍ لينهيها بتعابيرٍ ناقمة:

-ولا بلاش، هو فلت!

حاولت تجاوز نقطة الاحتدام تلك بقولها الجاد:

-المهم أنا غرضي من كلامي معاك إننا نختار ناس معينة يكون ليها تأثير إيجابي في حياتها.

نظر إليها في اهتمامٍ، فأكملت على مهلٍ، مؤكدة على ما تنطق به:

-وأنا هنا بتكلم عن تأثير قوي، مش مجرد حاجة عابرة والسلام، وخصوصًا إن وجودهم هيحسن من حالتها المعنوية والنفسية.

تعذر عليه استنباط غرضها مما سردته، فقال في صبرٍ بدا نافذًا:

-أنا مش فاهمك يا دكتورة.

أدركت أن المواربة في الحديث معه لن تجدي نفعًا، لهذا لجأت للحديث بوضوح متجاوزة عن حرجها:

-أستاذ "تميم" حضرتك قولت إنك عاوز تتجوز "فيروزة"، بس مايكونش فرض عليها.

هز رأسه قائلاً دون لحظة ترددٍ:

-أيوه.

انتقلت لسؤالها التاني وقد كانت متحفظة بعض الشيء:

-اسمحلي أسألك من غير لف ودوران، إنت بتحبها؟

قبل أن يمحنها الجواب، رجته في لباقةٍ:

-أتمنى يكون ردك عليا واضح وصريح.

قال بعد زفيرٍ سريع:

-أيوه يا دكتورة.

أعادت عليه تساؤلها بنوعٍ من المراوغة:

-أيوه إيه بالظبط؟

كرر سريعًا بتعابيرٍ جعلها غير مقروءة لها:

-أنا بحبها.

حاصرته بسؤالٍ آخر أكثر جراءة:

-هي تعرف بده؟

هز رأسه نافيًا:

-لأ.

ابتسمت وهي تعقب:

-قولت كده برضوه.

سدد لها نظرة منزعجة تعبر عن عدم ارتياحه لتطرقه للحديث معها عن مشاعره المقدسة؛ وكأنه لا يحق لغير طاووسه مشاركته هذا الشعور. تقلصت عضلات وجهه بشكلٍ واضح مع سؤالها التالي:

-طيب هل أسرتك عندها مانع في الارتباط بيها؟

قال بحدةٍ طفيفة رافضًا ما تفعله من تدخل غير مقبول في شؤونه:

-مافيش كلام رسمي يا دكتورة.

ردت بعمليةٍ:

-أنا بتكلم في العموم.

تحامل على نفسه وأخبرها بتعابيره المتجهمة:

-ماظنش في مشكلة، أبويا عارف وموافق، وأمي مرحبة بفكرة إني اتجوز تاني، مش فارق معاها مين ...

نظرت إليه بنظرة غريبة كأنما تدرسه، ليسألها بعدها بنفاذ صبرٍ:

-بس لحد دلوقتي أنا مفهمتش غرضك إيه من الأسئلة دي كلها؟ يعني أكيد إنتي مش جاية تعملي معايا تحقيق.

جاوبته بابتسامة مهذبة رسمتها على ثغرها:

-اهدى يا أستاذ "تميم"، أنا كل غرضي إني عايزة "فيروزة" تتعامل مع ناس بيحبوها من غير ما يتصنعوا ده، ويكونوا بُعاد عن محيط أهلها، لأن من الطبيعي إن الأهل بيحبوا ولادهم، فهيكون في اختلاف في ردة الفعل.

ضاقت نظراته المتشككة نحوها، فتابعت بلطفٍ:

-حابة إنها تحس إنها مهمة عند ناس تانيين، وجودها فارق معاهم، وأكيد كلامهم هيأثر فيها.

لانت تعابيره قليلاً، فواصلت على نفس المنوال بأسلوبها الذكي:

-وخصوصًا إنها اتكلمت معايا عن شخص مجهول بيأثر فيها بشكل معين.

شعر بخفقة عنيفة تقصف قلبه، جمعت ما بين الرهبة والخوف، انعكس تأثير حديثها عليه، فتحفز في جلسته، وسألها بتوجسٍ:

-مين ده؟

أجابته وهي تهز كتفيها:

-ما أنا قولتلك هي محددتش هو مين!

سرعان ما استبد به الخوف المقلق؛ لكنه تبدد إلى حد كبير مع نطقها النزق:

-وتخميني إنه جايز يكون إنت ..

فغر فمه مرددًا:

-أنا؟

حافظت على رقة بسمتها وهي توضح له:

-في حاجات حصلت قصادي أوحيت بده، وأنا مش هاقول إني لماحة وذكية عشان أقدر أخمن؛ لكني بفهم كويس جدًا في شغلي، وبلاحظ اللي بيحصل من حواليا وأجمع أطراف الخيوط ببعضها، ولو ربطته باللي دار بيني وبينها من كلام، فالاحتمالات كلها بتدور حواليك.

شعر بنشوة فرحة تتخلل أوصــاله، بشيءٍ ممتع يطرب آذانه، فإن كانت "فيروزة" قد تحدثت عنه، فإنه حتمًا استحوذ على قدر من تفكيرها، ويا له من محظوظ لينال هذا التقدير الغالي منها! رأت "ريم" ما بدر على ملامحه من سعادة خفية، واتسعت ابتسامتها قائلة:

-أنا دوري هنا أوجه "فيروزة" ناحية الجانب الإيجابي اللي يخدم في علاجها.

زاد الحماس على وجهه، ولمعت عيناه بوميضٍ متحمس، انتصبت بكتفها مُفصحة له عما يدور في ذهنها:

-وبدرجة كبيرة إنت هايكون ليك دور معايا.

بلا لحظة واحدة من التردد، ودون أن يرتد له جفن، نطق بكل ما يجيش في صدره، ويستعمر جوارحه من حبٍ جارف لأي آلام:

-أنا جاهز يا دكتورة لأي حاجة ترجعها أحسن من الأول ................................................. !!!

.................................................. ...




منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 26-06-21, 01:24 AM   #1000

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل المائة وثمانية وعشرون



أزاحت الستائر البيضاء الحاجبة لضوء الشمس للجانب، لتتمكن من فتح باب البلكون الواسع، وتدلف للداخل وهي تسحب شهيقًا عميقًا ملأت به رئتيها بالهواء المنعش الذي غزاها بترحيب استحبته، مشت حتى بلغت حافة السور الحجري، ومدت ذراعيها على طوله لتستند عليه. كانت "فيروزة" محظوظة لوجدها في تلك الغرفة المطلة على هذا المشهد الخلاب الجامع بين الخضرة النضرة لحديقة الدار، والزرقة المبهجة لمياه البحر. ربما نجح تأثير الطبيعة في منحها قدرًا من السلام النفسي الداخلي، فأصبحت إلى حد كبير هادئة الانفعالات بعد مرور بضعة أيام، وحين انقضى على وجودها ما يقرب من ثلاثة أسابيع كانت متوازنة، متماسكة، وقادرة على الكلام.

التفتت برأسها للخلف لتتطلع إلى القادمة من ورائها وهي تسألها في نبرة مهتمة:

-عاملة إيه النهاردة؟

ابتسمت لها، فتابعت "ريم" بلطفٍ:

-أحسن؟

أومأت برأسها وهي ترد:

-الحمدلله.

طردت دفعة من الهواء ونظرت إلى ثوبها الأبيض الطويل الذي امتدحته "ريم" كذلك:

-اللون ده عليكي حلو، كان عندي حق إني أصمم تغيري الألوان الغامقة.

ردت بتهذيب:

-شكرًا ليكي.

ثم سألتها وهي تشير بيدها نحو باب البلكون:

-هننزل تحت ولا ..؟

قاطعتها حاسمة الأمر دون أن تفتر ابتسامتها:

-لأ خلينا نتكلم في التراس، حتى المنظر من عندك تحفة.

تشكل على ثغرها بسمة لطيفة وهي ترد:

-ده حقيقي.

تحركت الاثنتان معًا لتجلسا على المقاعد المريحة الموضوعة في الركن أسفل تعريشة خشبية لحجب الشمس قليلاً، خاصة حين تكون في ذروة وهجها،

لم تتعجل "فيروزة" الكلام، بل مسحت بنظراتها المتأنية التفاصيل الآسرة لنظراتها، مانحة لنفسها الفرصة للاستمتاع بالمزيد من نقاء الطبيعة، استطردت "ريم" مهمتها تناديها بهدوءٍ بعد مرور لحظات من السكوت الغريب:

-"فيروزة".

خرجت من شرود لا تعرف كيف توصفه؛ لكنه حتمًا يريحها بشكلٍ كبير، وردت باقتضابٍ:

-نعم.

تشجعت لتطلب منها في صيغة تساؤلية بهدوءٍ حذر:

-مجاش الوقت اللي تتكلمي فيه؟

تحفزت "فيروزة" في جلستها، فتابعت موضحة لها؛ كأنما تستحث نزعة المقاومة بداخلها، بنفس الحرص:

-أنا عارفة إنه مش بالساهل نطلع اللي جوانا، بس طول ما إنتي رافضة تتجاوبي معايا، ولا مليون علاج هينفع، هنفضل واقفين عند نقطة البداية، بنلف وندور حواليها؛ لكن مش بنتقدم.

اشتدت قبضتا "فيروزة" المستريحتين على مسندي مقعدها، وظهر التشنج على تعبيرات وجهها، ومع هذا استمرت "ريم" في مخاطبتها بنبرة لم تتبدل، وبوجود ابتسامتها الرقيقة:

-عاوزاكي تطمني، وبأقولك من تاني، اللحظة اللي هتقرري تتكلمي فيها، هي دي اليوم اللي بترمي فيها الماضي ورا ضهرك.

اتسعت بسمتها أكثر حين أكدت عليها:

-وبرضوه مش هضغط عليكي .. هسيبك براحتك، وكله راجع لاختيارك، وأنا معاكي في أي.

ثم توقفت عن الحديث تتأمل تعابيرها الجامدة؛ لكن عيناها نطقت عن حزنٍ عميق وراسخ، بعد ما يزيد عن دقيقتين نطقت "فيروزة" أخيرًا بنبرة غلفها الألم:

-هو أنا وحشة؟

تفاجأت "ريم" من تجاوبها، ولم تظهر تعبيراتها أدنى تغير، بل ارتدت قناع الثبات وهي تسألها بهدوءٍ شديد:

-مين قالك كده؟

اختنق صوتها، وبدأت الدموع في التجمع في مقلتيها وهي تتابع بصعوبة بائنة عليها:

-هو أنا .. ماينفعش أكون سـ... ست؟

مالت "ريم" نحوها، ووضعت يدها على قبضتها لتربت عليها بحنوٍ، ثم أخبرتها بنفس التعابير المبتسمة:

-إنتي جميلة جدًا، وآ..

قاطعتها بنهنهة شاهقة وهي تنفض يدها عنها لتضم ذراعيها إلى صدرها:

-أنا مسخ من جوايا، مشوهة.

لاحظت "ريم" عدم انتظام أنفاسها، وتلاحقها بشكلٍ أقلقها، فنهضت من مكانها تقول في جدية:

-خدي نفسك.

وقفت قباله مقعدها، وأخذت تمسح على جانبي ذراعيها في رفقٍ صعودًا وهبوطًا، بحركة متكررة، لتشعرها بالأمان. استمرت على ذلك تهدئ من روعها لدقيقة أو أكثر قبل أن تدعمها لفظيًا:

-إنتي في كل حالاتك حلوة، شعلة من النشاط، والقوة، والمثابرة.

بكت "فيروزة" في أنينٍ موجوعٍ وهي تعترف لها:

-قتلني بكلامه، قضى على كل حاجة كنت مفكراها حلوة، خلاني شوفت عيوبي الحقيقية.

من وجهة نظرها إفصاحها عما تكبته في أعماق أعماقها كان الخطوة المنشودة، السبيل لإخراجها من بئر الظلام الغارقة فيه، عليها فقط أن تكون حذرة في سحبها إلى النور. تراجعت عنها لتجلس من جديد في مقعدها، وسألتها دون تغير في رنة صوتها:

-وإيه هي عيوبك؟

أطبقت "فيروزة" على عينيها بقوةٍ، مقاومة ألم إحياء الذكرى، وألم معايشة التخيل، ارتفع صوت شهقاتها عندما تابعت:

-مسخ، نص ست، ماينفعش حد يقرب مني.

كانت "ريم" تملك من المعلومات، ولديها من الفطنة والذكاء، ما يخولها لربط أطراف الخيوط معًا، استنبطت أن لانتكاستها الصادمة ارتباطًا وثيقًا بسفرها غير الآمن خارج البلاد، خاصة في فترة زيجتها، تلك التي أخبرها عنها "ماهر" بتفاصيل مسهبة تعتمد على ما جمعه من معلومات أمنية متنوعة المصادر؛ لكنها كانت منقوصة لديها، اكتمل جزء كبير من الأحجية الناقصة، وأصبحت ترى بوضوح ما قد بدا محجوبًا عنها منذ بدء خطة العلاج الطويلة مع مريضتها. علمت أنها مجازفة غير محمودة العواقب، ومع هذا سألتها بنزقٍ، كمن يضغط على بثرة للتخلص من صديدها حتى تلتئم:

-ده كلام "آسر" ليكي؟

علا الشهيق الباكي، وزادت الانتفاضات، فطلبت منها بصوتٍ جاد:

-اهدي .. خلاص.

لكنها لم تستجب لها، مما دفعها للنهوض مجددًا، والمسح على جانب ذراعها بنفس الحنو وهي تردد في أذنها بصوتٍ قوي ثابت باعث على الأمان:

-"فيروزة"، متخافيش، اللي قالك كده مش موجود معانا، مش هيعملك حاجة، وكلامه ده كله مالوش قيمة.

رفضت الإصغاء لها، وهتفت في حرقةٍ موجوعة:

-دي الحقيقة أنا وحشة من جوايا، أنا آ....

صاحت بها "ريم" في صوتٍ بدا مرتفعًا نسبيًا:

-ماتخليش كلام إنسان مريض زي ده يحطمك.

فتحت عينيها لتنظر إليها من بين دموعها، وكررت باختناقٍ عبر عن مدى الألم المستبد بها:

-أنا مشوهة يا دكتورة، مشوهة، ومن زمان أوي ...

تلك المرة لم تقاطعها، تركتها تستفيض في إخراج ما يؤذيها، فباحت لها:

-من وقت الحريقة، اتحرقت من برا، وبعد كلامه بقيت من جوا كمان.

استرعى انتباهها الغموض المغلف لحديثها، فقالت بهدوءٍ، وفضولها يزداد بداخلها لمعرفة تفاصيل بزوغ المشكلة:

-طيب ممكن تحكيلي ظروف الحريقة دي.

لا مهرب الآن من تعرية نفسها المهشمة، وروحها الممزقة، لطالما أرادت فعل هذا، التخلص من العبء الثقيل على كتفيها، علَّها تنشد بذلك راحتها الضائعة، بدأت في سرد ما خاضته من معاناة لازمتها منذ اللحظة التي اختبرت فيها موت أحدهم حرقًا نصب عينيها، بكل ما اعتراها من ألم وأذى، جسدت هذا بحركات جسدها المرتعشة، بلمساتها المرتجفة لبقعة من كتفها، كأن الألم اختزل في هذا الجزء، تلك المرة تركتها دون مقاطعة، لم تسألها، ولم تستحثها على الهدوء، تركتها تفرغ مكنونات صدرها حتى سكنت وسكتت. حينئذ جاء دورها المهني لتعالج تلك الشروخ العميقة، وترأب الصدع في روحها المنهزمة. تكلمت "ريم" بصوتٍ لا يحمل الشفقة؛ وإنما أظهر الاعتزاز:

-"فيروزة" هو قال كده عشان يهز ثقتك في نفسك، إنتي لو اتأذيتي زمان، والأثر فضل معاكي، فده لأنك عملتي حاجة بطولية، حاجة تخليكي تفخري بنفسك ...

من وسط أنهار دموعها تطلعت إليها في قهرٍ عاجز، فأكملت "ريم" على نفس الشاكلة:

-طبيعي طفلة في السن ده تكون مرعوبة، خايفة، مش عارفة تتصرف، بس إنتي كنتي شجاعة، تصرفك أكبر من سنك، ضحيتي بنفسك عشان تنقذي غيرك، ده الأهم هنا.

للغرابة لاحظت خبوت شهقات بكائها، فواصلت القول وهي تشير بيدها إلى كتفها الذي كانت تضغط عليه بيدها:

-الأثر موجود عشان يفكرك أد إيه إنتي قوية، شجاعة، مختلفة.

ارتخت أصابعها المتشنجة عن كتفها، وبدأ ذراعها في الهبوط حتى استقر في حجرها، بينما استأنفت "ريم" حوارها معها:

-وياما ناس كانت حلوة ومزوءة من برا، ولما سقط القناع عنهم طلعوا أسوأ ما يكون.

لاذت "فيروزة" بالصمت، إلا من صوت بكائها، فبكل تهكمٍ ناقم أعلنتها "ريم" لها:

-ده وصف "آسر"، شياكة، لباقة، مظهر مخادع، أما على الحقيقة ففيه كل الموبقات.

رأت تبدل ملامحها للدهشة والاستغراب، فأوضحت لها بابتسامة ما زالت ساخرة:

-ماتستغربيش إني بقولك كده، أنا عارفة كل حاجة عنه من "ماهر"، ولأنه مهتم جدًا بيكي، مابخلش عني بأي معلومة تساعدك تتجاوزي أزمتك.

ارتفع حاجبا "فيروزة" للأعلى في صدمةٍ؛ لكن "ريم" تجاوزت تلك النقطة لتمتدح شجاعتها في تفاخرٍ شديد:

-النهاردة بس أقدر أقول إنك البطلة الحقيقية.

ثم نهضت من مكانها، وقالت بوجهٍ بدا أكثر إشراقًا عما مضى:

-كفاية كلام، وتعالي معايا.

هزت "فيروزة" رأسها بالرفض وهي ترد:

-مش عاوزة.

أمسكت بكف يدها، وحاولت إجبارها على النهوض وهي تخبرها:

-لأ، ده احنا عاملين يوم رياضي على البحر، خلينا نطلع الطاقة السلبية من جواكي.

ما زالت باقية على عنادها؛ لكنها ألحت بما يشبه النصيحة:

-يالا يا "فيروزة"، صدقيني ده هيفرق معاكي، إنتي هتحسي بده.

طاقتها للمقاومة والاحتجاج نفذت مع آخر اعترافاتها الخطيرة، لهذا بضغطٍ لطيف استطاعت إقناعها، فنهضت مستسلمة للطاقة الأخرى التي تحاول إحلالها بداخلها كبديلٍ للانكسار والألم.

.................................................. ...............

في جنح الليل، حين خفت حركة الأرجل بهذا الطريق المؤدي للمقابر، كان يسير متسللاً وهو يتلفت حوله؛ كأن هناك من يتربص به في الظلام، الاهتزازة المزعجة في هاتفه الموضوع بجيب بنطاله جعلته يبطئ السير، وينزوي خلف أحد الأشجار ليجيب على هذا الاتصال المنفر، بمجرد أن نطق بالتحية، جاءه صوت "فضل" المقيت يهزأ به:

-إيه يا عم الشيخ، كل ده عشان تخلص العمل؟ هما الأسياد غضبانين عليك ولا إيه؟

خرج صوته كهسيس الأفعى وهو يخبره:

-مش كنت مستني أما حد يموت ويدفن وتبقى تربته مفتوحة طازة.

سأله بسخريةٍ واضحة في نبرته:

-ها ولاقيت؟

بعد زفيرٍ مسموعٍ له أجابه:

-أيوه، مجمع كام عمل ورايح أدفنهم فيه.

علق في تهكمٍ سافر:

-كمان، يعني مش رايح مخصوص عشاني، أومال قابض مني شيء وشويات ليه؟!!

كاد الرجل أن يخرج عن شعوره، فارتفعت حدة الغضب في صوته وهو ينذره:

-"فضل"، احنا فيها، نفكنا من العمل ده وآ...

قاطعه متراجعًا:

-لأ خلاص، هي جت على دي ..

شتمه الرجل بصوتٍ خفيض للغاية، و"فضل" ما زال يكلمه:

-كمل يا شيخ، وطمني لما تدفنه.

بصبرٍ نافذ قال:

-طيب.

ثم ضغط على زر إنهاء المكالمة ليتابع سيره الحثيث وسط المزروعات حتى بلغ وجهته، مقابر البلدة. من جديد نظر حوله بنظراتٍ سريعة متوترة، قبل أن يتعجل في خطواته متجهًا نحو وجهةٍ بعينها، رأى أحدهم في انتظاره يلوح له بيده من مسافة بعيدة، وبالذراع الآخر يرفع مصباحًا لينير به الظلمة المنتشرة في المكان، أقبل عليه وهو يومئ برأسه. ما إن بات على بُعد بضعة خطواتٍ منه، حتى شعر بثقلٍ يجثم على كتفه؛ كأن أحدهم قد ضربه بعنفٍ عليه، تأوه في ألمٍ يخالطه الفزع الشديد، والتفت برأسه لينظر في هلعٍ إلى من تسبب في هذا، معتقدًا أن أشباحه لها كامل الدور في إرعابه، انتفض مرة أخرى مع الصوت الجهوري القائل:

-وقعت يا حلو.

بدأ وعيه في استيعاب ما يحدث، واختطف نظرات شاملة على من ظهروا أمامه، تساءل سريعًا وهو يحاول تبين ملامحهم القاسية:

-إنتو مين؟

ابتسم صاحب الصوت الأجش، وأخبره وهو يزيد من قبضته على كتفه:

-احنا الحكومة يا سيدي، وجايين نوجب معاك إنت والأسياد.

جف حلقه كليًا، وابتلع ريقه قائلاً بكذب:

-يا باشا أنا معملتش حاجة، جاي أقرى الفاتحة على روح حد قريبي.

رفع الضابط حاجبه للأعلى هاتفًا في استهجان متهكم:

-السعادي؟

رد عليه بتوترٍ:

-هو في مانع؟

أكد عليه بلمحةٍ من السخرية:

-أه طبعًا، وخصوصًا لما يكون معاك البلاوي دي.

ألقى بالكيس الصغير من يده، وتلعثم مدعيًا:

-دول مش .. آ...

دفعه الضابط بغلظةٍ قاسية من كتفه، ليرتد تلقائيًا للأمام وهو يخبره:

-بقولك إيه، احنا هنزعج الأموات؟ لينا قسم نتكلم فيه!

وقبل أن يبادر بالاعتراض أتاه صوت الضابط آمرًا:

-خدوه على البوكس.

حذره الرجل بصوتٍ مرتعش وهو يقاوم الاعتقال من القبضة الأمنية:

-اللي عملتوه ده مش هيعدي على خير.

أشــار الضابط بيده لأفراد قوته بالتحرك وهو ما زال يخبره بسخريةٍ هازئة منه:

-وماله، خلي عفاريتك توكلك محامي من عندهم عشان يطلعوك.

دمدم الرجل في غيظٍ وهو يسير مكبلاً بالأصفاد، ومنكس الرأس:

-منك لله يا "فضل"، عملك فقر زيك .............................. !!!

..............................................












منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:48 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.