آخر 10 مشاركات
سراب الحب (8) للكاتبة الخلابة: نور الهدى *مميزة & كاملة* (الكاتـب : نور لينة - )           »          وشاح من دخان-قلوب شرقية(79)-حصرياً- للكاتبة:داليا الكومي{مميزة}-(مكتملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          حنين الدم ... للدم *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : رؤى صباح مهدي - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          [ تحميل] من تحت سقف الشقى أخذتني للكاتبه نـررجسـي?? ( جميع الصيغ ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          بخصوص رواية قبلة المموت … (الكاتـب : فجر عبدالعزيز - )           »          فرشاة وحشية ج1 من س تمرد وحشي-قلوب أحلام زائرة-للكاتبة: Nor BLack*مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-07-21, 12:34 AM   #1011

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





الفصل المائة والحادي والثلاثون



مع تلك الضمة، المليئة بالحنان والمحبة، والمصحوبة بالعبارات الأبوية الصادقة، لملمت شتاتها المبعثر، وتطيبت نفسها الجريحة، حتى أن كلمة النهاية قد وُضعت لتعلن انقضاء تلك الفترة البائسة التي امتدت لسنوات في حياتها، لتبدأ بعدها عهدًا مليئًا بكل الأماني، التطلعات، والأحلام قابلة التحقيق. استلت "فيروزة" نفسها من حضن الجد "سلطان"، ونظرت إليه قائلة وهي تمسح دموعها بظهر كفها:

-لولا وجودكم في حياتي كنت آ...

قبل أن تتم عبارتها قاطعها مؤكدًا ببسمة وقورة:

-احنا معاكي على طول.

أضاف عليه "بدير" وهو يشير بيده:

-هنستناكي ترجعي بيتك يا غالية.

علق عليه "سلطان" مازحًا:

-صحيح الأعدة هنا حلوة، بس البيت والشارع كله مضلم من غيرك.

ابتسمت للطافتهما الواضحة، وأومأت برأسها مرددة:

-حاضر.

من خلفهم وقف "تميم" يتأمل كل ما يصدر عنها؛ كأنما يأمر عقله بتسجيل تلك اللحظات في ذاكرته، فلا تُمحى بمرور الوقت، أراد أن تدوم ابتسامتها، أن تزاح همومها، ألا يوجد للحزن مكانًا في حياتها. نطق لسانه بنزق العذب من الكلام:

-هستناكي، متطوليش الغيبة.

التفتت ناظرة إليه بنظرة غريبة حائرة، في حين حدجه "بدير" بنظرات متوعدة غير راضية عن تجاوزه، وقــال مصححًا عنه بصوتٍ أجش:

-علينا كلنا، هو يقصد كده.

تراجع "تميم" أمام نظرات أبيه الصارمة، وأخفض رأسه ليأمره الأخير بلهجته الجافة:

-اسبقنا إنت و"هيثم".

حمحم قائلاً وهو يهز رأسه:

-حاضر يا حاج.

انتظر "سلطان" ذهابه ليعاتب ابنه في لينٍ:

-بالراحة عليه يا "بدير"، ما إنت عارف ابنك حنين، وقلبه رهيف مع الغالي.

وكأنه أراد بهذا أن يُريها ما قد تغض البصر عنه طواعية منها لرفضها تكرار التجربة، لهذا مهد لها السبيل لتنظر عن كثبٍ إلى محبته غير الزائفة، لعلها تنفذ إلى قلبها، وتزيل ذلك الصدأ عنه. عاد "سلطان" ليخاطب "فيروزة" بأسلوبه الحاني:

-مش هوصيكي يا بنتي، يومين بالكتير ونلاقيكي منورة حتتك.

أظهرت امتثالها له، وقالت في رقة:

-حاضر يا جدي.

.................................................. .........

في البهو المتسع الخاص بدار الرعاية، اجتمعت "ريم" بعائلة "سلطان" بعد أن انتهت زيارتهم الودية لمريضتها، ظهر الامتنان، والعرفان بالجميل في نظراتها قبل أن تسترسل بلطفٍ شديد:

-حقيقي اللي عملتوه النهاردة حاجة عظيمة، وأكيد هتساهم بشكل كبير في شفائها وخروجها بسرعة من هنا.

رد عليها "بدير" بتعابيره الجادة:

-احنا منقدرش نتأخر عنها، ومش محتاجين ندعي حاجة مش فينا.

استدارت ناحيته تشكره:

-ربنا يكتر من أمثالكم.

ثم أكمل وهي تشير بكلتا يديها:

-الحافز الإيجابي، والدعم القوي مهم جدًا في الوقت ده، و"فيروزة" لو اتحسنت هايكون طبعًا بعد فضل ربنا بسبب دوركم.

دعا لها الجد "سلطان" وهو يبتسم:

-ربنا يكمل شفاها على خير، ويحسن ما بين إيديكي.

بادلته الابتسام، وعلقت في تهذيبٍ:

-شكرًا لذوقكم.

تحركت "ريم" نحو "تميم"، وتنحنحت تستأذنه:

-ممكن كلمتين يا أستاذ بعد إذنك.

التفت مخاطبًا والده، وجده في احترامٍ:

-ثواني وهارجع على طول.

قال "بدير" وهو يومئ برأسه:

-احنا أعدين منتظرينك هنا.

هتف "هيثم" وهو ينهض من مقعده:

-أنا هاسبقكم على الدكان.

هز الجد رأسه في استحسانٍ قبل أن يودعه:

-ربنا يفتح عليك وعلينا أبواب الرزق.

بتعابيره القلقة، تحرك "تميم" في خطوات سريعة ليتبع الطبيبة التي توقفت عند الحاجز الرخامي الخاص بموظفي الاستقبال، سألها في توجسٍ:

-خير يا دكتورة؟ في حاجة؟

أجابته بملامح مسترخية:

-لأ، اطمن، أنا بس حبيت أشكرك على جمب على مساعدتك ليا، إنت أثبتلي إن الحب ممكن يعمل المعجزات.

لم يعرف إن كان يضحك أم يشعر بالغرور من حاله؛ لكن كل ما يخصه من مشاعر لا يحق لغيرها التمتع بها، لهذا حافظ على جمود تعابيرها، وأخبرها ببساطة:

-إنتي عارفة كويس إني مقدرش أتأخر عن أي حاجة تخصها، ولو حكمت إن أرمي نفسي في النار عشانها مش هتردد للحظة.

جاءه تعليقها صريحًا:

-زي ما هي رمت نفسها عشانك زمان.

أوضح لها بنفس التعابير الجادة:

-هي مكانتش تعرفي، ولحد النهاردة كانت بتنكر إني نفس الشخص، لولا بس إن "هيثم" اتكلم.

تنفست بعمقٍ قبل أن تطلب منه بنبرة عملية:

-أستاذ "تميم"، لو ربنا أراد وعلاقتكم اتطورت للجواز تكون صبور معاها، "فيروزة" على أد ما تبان قوية؛ لكن من جواها متدمر، وحتى لو اتعالجت وبقت أحسن، لسه في شروخ محتاجة إنها تتلئم.

قال كأنما يقطع وعدًا على نفسه دون أن يبتسم:

-اطمني يا دكتورة، يأذن بس ربنا ويجعلها من نصيبي، وأنا مش هاخلي حاجة تمسها.

افترت شفتاها عن بسمة لطيفة وهي تردد:

-أنا مطمنة عليها معاك، وربنا يجمعكم على خير.

هزة خفيفة من رأسه أعقبها قوله الجاد أيضًا:

-متشكر يا دكتورة.

حبه العذب المنزه عن أي أطماع كان ملء كل قلبه، وعينيه، وكيانه، من يُدركه هم العاشقون، ومن يُصدق به هم المرتشفون من رحيقه المُسكر.

.........................................

انتفاضة غير موفقة من على الفراش قامت بها، وهي تستمع هاتفيًا إلى ما أخبرتها به إحدى صديقاتها حول انتشار منشورٍ ما خاص بقيام أحد الدجالين بالسحر لإضرار بعض الأشخاص، ومن بين الصور المعروضة كانت صورة توأمتها. حل الذهول على قسمات "همسة" واختلط بالخوف الشديد، بلعت بصعوبةٍ ريقها، وصاحت متسائلة في جزعٍ، ويدها موضوعة على صدرها الناهج في انفعالٍ:

-إنتي متأكدة من الكلام ده؟

أكدت عليها رفيقتها مرة أخرى:

-أيوه، والله هي صورتها.

حاولت التماسك، وطلبت منها وهي ترتجف قليلاً:

-طب ابعتيلي البوست كده أشوفها.

ردت قائلة:

-حاضر، هاقفل معاكي وأجيبهولك.

شكرتها بصوتٍ ما زال قلقًا:

-تمام يا حبيبتي، هتعبك معايا معلش.

رددت في تفهمٍ:

-لأ عادي، أشوفك على خير.

-إن شاءالله

قالتها وهي تنهي المخابرة الهاتفية معها لتنظر بعينين جاحظتين إلى الرسائل ولسانها يردد في صدمة محملة بالارتياع:

-أعمال! هي "فيروزة" ناقصة!!

شهقة مسموعة انطلقت من بين شفتيها حين رأت ما تم إرساله لها، وصرخت في استنكارٍ مذعور:

-دي فعلاً هي!

شحب لون وجهها، وأحست بتسارع دقات قلبها، مع دوار خفيف برأسها، عاودت الجلوس على الفراش، وتساءلت في هلعٍ:

-مين عاوز يأذيها بالشكل البشع ده؟!!

ظلت تردد في لوعةٍ:

-استر يا رب، عديها على خير، احفظها من كل شر.

نظرت "همسة" إلى كفيها المرتعشين، وضمتهما معًا محاولة إيقاف تلك الرجفة التي استبدت بها، وجدت نفسها تتساءل في خوفٍ أكبر:

-دي لو عرفت ممكن تتنكس تاني، طب اتصرف إزاي؟!

سيطرت عليها حيرتها، وأكملت معبرة عن الصخب المنتشر في رأسها:

-واستحالة أقول لماما، هي لو عرفت مش هتخبي حاجة عنها، وبكده أنا بضرها.

بالكاد سعت لضبط أعصابها قبل أن تتلف من الارتعاب، وظلت تردد لنفسها:

-إن شاء الله يومين والبوست ده يختفي من على النت، والناس هتنسى.

واصلت التنفس بعمقٍ لتستعيد انضباط أنفاسها وهي ما زالت تدعو في تضرعٍ:

-يا رب احفظها وماتضرناش فيها أبدًا.

.................................................. .

اسودت ملامحه، وأظلمت نظراته بشكلٍ واضح عندما عرضت عليه زوجته اقتراحها بطريقتها السلسة؛ وكأن الأمور بين العائلتين على وفاق تام، ولم ينشب بينهما أي صراع، خاصة ذلك الأخير الذي نجا منه ابنه بأعجوبة من الموت. على حين غرة، هب "إسماعيل" واقفًا، وضرب برأس عكازه على الأرضية في عصبيةٍ قبل أن يصيح آمرًا:

-مش عايز سيرة في الموضوع ده تاني.

قطبت "سعاد" جبينها، ونظرت إليه نظرة غبية وهي ترد متسائلة:

-ليه يا حاج؟

تجاهل الرد عليها، وخاطب ابنه بغلظةٍ، ووجهه ينتفض بعلامات الغضب:

-إنت ناسي اتعمل فيك إيه يا "فضل"؟ ولا وصل الأمانة اللي عليك؟!!

ادعى بالكذب بعينين كسيرتين:

-يابا بحبها، ودي لحمي وعرضي، ومهما عملت فأنا مسامح.

التوى ثغره في تهكمٍ صارخ قبل أن ينطق:

-طب خلي حد غيرك يقول كلام غير ده، جايز ساعتها أصدق.

قبل أن يعلق عليه ابنها، هتفت "سعاد" تدعم اقتراحها بتفاؤلٍ كبير:

-سيبلي الموضوع ده يا حاج، وأنا هتصرف فيه، الحاجات دي الحريم بتخلصها وآ...

قاطعها هي الأخرى بصبرٍ نافذ:

-"سعاد"، أنا معدتش فيا حيل ألم ورا ابنك، شيلي الحكاية دي من مخك.

حركت شفتيها لتعترض؛ لكنه أخرسها صائحًا:

-مش هاعيده تاني، مافيش نقاش ولا رجوع في كلامي، سامعين.

ضغطت على شفتيها في تبرمٍ غير مقتنعة به، ورمقته بتلك النظرة المحتجة، في حين لاذ "فضل" بالصمت ريثما انصرف والده، ثم انفجر شاكيًا إياه لها:

-شايفة يامه؟ أهوو على طول مكسر مأديفي.

ابتسمت له في حنوٍ، وقالت:

-ماتشلش هم، أنا هحلهالك.

ألح عليها بسماجةٍ:

-أه يامه، حليها..

ثم استرق قلبها بادعاء الحزن وهو يكمل:

-اجبري بخاطري بدل ما أنا مقهور في نفسي كده.

هتفت متعهدة له وهي ترفع يدها لتربت على صدغه:

-متقلقش يا ضنايا، أمك هتعملك كل اللي نفسك فيه.

استرخى "فضل" في جلسته، وإحساسه بالانتشاء يزداد بداخله، ربما يبتسم له الحظ، وتفعل والدته ما عجز عن فعله، وتأتي له بها، ليذيقها من صنوف الانتقام أشكالاً وأنواعًا، سرعان ما أخفى فرحته الخبيثة ليأمرها:

-بقولك إيه، ودي العيال دول عند البومة أمهم، كفاية كده عليهم، وخليني أفوق لنفسي.

دون جدال أظهرت طاعتها الكاملة له، فقالت مبتسمة في سرور؛ وكأنها أَمَته التي تسترضيه لا أمه:

-طالما إنت عايز كده ماشي.

.................................................. .

كل خاطرات نفسه عنها، وأمنياته بالاجتماع بها منذ إدراكه ببزوغ برعم الحب بداخله احتفظ بها في سراديب عقله، إلى أن يشاء المولى، ويجمع بينهما برباط الزواج المقدس، حينها فقط سيطلق العنان لشرارات الحب، والمشاعر، وكافة الأحاسيس لتبوح بما يطرب الفؤاد ويرويه. بعد تنبيهاتٍ شديدة اللهجة، ووعود تلك المرة نافذة اضطر "تميم" أن يبتعد مرغمًا عن محيط طاووسه، نأى عنها بروحه المشتاقة لرؤية بصيص منها اتباعًا لأمر والده الصارم بعد تجاوزاته غير المقبولة خلال زيارته لها. كان صارمًا في هذا الشأن، وكان محقًا في غضبه منه؛ لكن للقلب أهواء يتعذر على المُحب مغالبتها.

استعان بالصبر وتشبث به لما يقرب من عشرة أيام، بعد عودتها السالمة إلى منزلها، كان لا يظهر في الدكان إلا في مراتٍ معدودة، بعد أن يستأذن والده بالحضور، ويتأكد من عدم تواجدها، حيث كُلف بمتابعة العمل مع "هيثم"، وأيضًا بالتوريد لإحدى سفن الرحلات الماكثة بالميناء البحري، مما استحوذ على غالبية وقته، وأصبح الكد والشقاء رفيقاه مؤخرًا، ومع ذلك بقي القلب قبل العقل مشغولاً بها.

كان "تميم" مرهقًا للحد الذي جعله عاجزًا عن النوم بأريحية، بمجرد أن يستلقي على الفراش، يسقط في سبات سريع ليستيقظ بعد بضعة ساعات وهو ما زال يشعر بالتعب، ربما كان ذلك يساعده في الالتهاء عن التفكير فيها ليلاً؛ لكن مع النهار تراوده خلسة أحلام اليقضة، فيقاومها بأقصى ما يستطيع، وإن كان يسمح لقدرٍ منها بتسليته، وتهوين بعدها عنه.

ذلك النهار، عاد إلى منزله مبكرًا، بعد أن تأخر وصول إحدى شاحنات نقل الفاكهة، فعرِج إلى المطبخ، وهناك استرق السمع لحديث "هاجر" مع والدته دون اكتراثٍ، خلال إحضاره لكوبٍ ليملأه بالماء البارد. قالت شقيقته ضاحكة:

-ده أنا دوختها معايا، وهي الصراحة عندها أفكار حلوة، خلت الدنيا بسيطة.

دعت لها "ونيسة" في ابتهاجٍ:

-ربنا يسعدك يا حبيبتي، ويتمملك على خير.

ضمت "هاجر" حاجبيها معًا في عبوسٍ مفتعل، وتساءلت وهي تضع يدها أعلى خاصرتها:

-مش المفروض العروسة اللي زيي تريحلها يومين كده قبل كتب الكتاب؟

أخبرتها والدتها وهي تكمل تقشير ثمرة البطاطس:

-ليكي عليا يومها مخليكيش تحطي إيدك في قشاية.

زمت شفتيها هاتفة في تذمرٍ:

-والله أنا حاسة إن "سراج" هيجي يلاقيني بأسيق الأرض.

أتاها تعقيب والدتها ساخرًا:

-وماله، عشان يعرف إنه متجوز ست بيت نضيفة وزي الفل.

احتجت "هاجر" بتدللٍ:

-هو إنتي هتاخدي صفه من دلوقتي؟

كتمت والدتها ضحكتها المازحة معها، فاشتاطت غيظًا، ووجهت حديثها إلى شقيقها:

-ما تتكلم يا "تميم"؟ يرضيك كده.

سحب "تميم" قطعة من الجزر المقشر، وقطمها بأسنانه، قبل أن يرد وهو يلكوها:

-بصي لو فكر يزعلك في يوم هاخلصلك عليه.

هتفت تدافع عنه في استنكارٍ:

-بعد الشر.

وضعت "ونيسة" إصبعيها على طرف ذقنها، ورددت بنظراتٍ ماكرة:

-شوف البت!!

تساءل "تميم" بعد أن ابتلع ما في جوفه:

-طبخالنا إيه يامه؟

أشارت نحو الموقد، وأخبرته بابتسامة عريضة:

-عملالك أنارب بالملوخية إنما إيه حكاية، هتاكل صوابع وراها.

علق في استحسانٍ:

-تسلمي يا ست الكل.

سألته "ونيسة" في اهتمامٍ:

-إنت نازل دلوقتي؟

أجابها وهو يقرب باقي الجزرة من فمه:

-كمان ساعة، مستني تليفون من الحاج "عوف".

ردت عليه بإيماءة من رأسها:

-كويس أكون حضرت السفرة عشان تاكل.

وضع "تميم" يده على كتف والدته ليربت عليه في حنوٍ، بينما استطردت "هاجر" قائلة بمكرٍ، وكل عينيها على وجه شقيقها:

-"فيروزة" عزمانا على افتتاح المحل بتاعها، هتحضر يا "تميم"؟

لم ينظر ناحيتها، وقال متهربًا من الرد:

-عندي شغل.

تساءلت "هاجر" في تعجبٍ:

-غريبة، يعني إنت عارف ومش هتحضر؟

جمع "تميم" البقايا التي انتهت والدته من تقشيرها بيديه، ووضعها في سلة القمامة خلال كلامه الجاف تقريبًا معها:

-أيوه، أبوكي قالي، باركولها بالنيابة عني.

ابتسمت في لؤمٍ وهي تحاصره بسؤالها العبثي:

-وبرضوه مش هتيجي؟ هيجيلك قلب؟

كعادته لم يحبذ أبدًا استباحة غيره لما يخصه، فقال بتعابير جادة للغاية:

-شوفي يا "هاجر" وراكي إيه.

ثم انصرف من المطبخ وهو يزفر بصوتٍ مسموع، استغربت شقيقته من ردة فعله الجافة، ونظرت إلى والدتها متسائلة بصوتٍ خفيض:

-هو ماله؟

لم تبدُ "ونيسة" مهتمة بتفرس ملامحه لمعرفة ما الذي يؤرق باله، كان الرد حاضرًا ومنطقيًا، فهتفت تأمر ابنتها:

-سيبي أخوكي في حاله، وهاتي كام لمونة من التلاجة أما أعملهم ليمون خلاط يروق بيها دمه، ده مهدود حيله ليل نهار.

ردت بعد زفير ممتعض:

-حاضر.

اتجهت إلى الثلاجة لتفتش في واحدٍ من الرفوف عن الليمون؛ لكن صوت قرع الجرس جعلها تتوقف عن البحث، اعتدلت في وقفتها، والتفت إلى والدتها التي أشارت لها قائلة بصيغة بدت آمرة:

-روحي شوفي مين على الباب الأول.

تهدل كتفاها وهي تخطو نحو الخارج؛ لكن "تميم" رفع يده أمام وجهها يخبرها:

-خليكي أنا هفتحه.

-طيب

قالتها وهي تتراجع عائدة إلى المطبخ، ليكمل بعدها سيره نحو الباب بتكاسلٍ متعب. أدار المقبض ليفتحه، وآخر ما جال بخاطره أن تكون "فيروزته" حاضرة أمامه بشحمها ولحمها! أبصرت عيناه البهاء الساحر الذي ملأ الفراغ من حولها، فجعله عاجزًا عن النظر إلى ما سواها، تركزت كامل حواسه معها، وانفرجت شفتاه عن بسمة نقية عذبة، ليس لأنها تتطلع إليه في اهتمامٍ غير اعتيادي منها، وإنما لتلك الابتسامة الرقيقة المتشكلة على ثغرها وهي تهمهم مرحبة:

-مساء الخير عليك .............................................. !!

.................................................. ............


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 03-07-21, 01:41 AM   #1012

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 32 ( الأعضاء 15 والزوار 17)

‏موضى و راكان, ‏همس البدر, ‏صباح مشرق, ‏باااااااارعه, ‏الق الزمرد, ‏ترانيم الزمان, ‏الذيذ ميمو, ‏عاليا محمد, ‏Soy yo, ‏تغريد&, ‏shery2, ‏الجنه لنا, ‏زهرة ميونخ, ‏حلا العنزي, ‏مريم المقدسيه


إيه خاتمة الفصل الجميلة ديه ... فيروز تبتسم لتميم برقة إيه الحلاوة دى .. كده تميم مش هينام لنهاية الرواية


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-21, 01:25 AM   #1013

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل المائة والثاني والثلاثون



عشرة أيام ثقال، عجاف، مروا عليه بغير يسرٍ، لمحة منها جعلته يرتوي بعد لوعة واشتياق، كان كمن يسير في قيظ الصحراء، يبحث عن ماء يطفئ به اللهيب المستعر في صدره، ويبلل جوفه الذي أصابه القحط، فجاءت هي بنسماتها العليلة، ورياحها اللطيفة، لتشيع في روحه السكينة والهناء، ارتوى بعد عطش، امتلأ بعد جوع، ويا له من شعور!

انتبه من شروده المتطلع في حُسن غير متكلف، في جمال غير مبهرج، حين نطقت بابتسامة صغيرة:

-أنا أسفة لو كنت جيت من غير ميعاد ...

وكأن الحروف فرت من على لسانه، حملق فيها بنظراته الهائمة الدافئة، وأصغى بقلب يخفق في سعادة لباقي كلامها:

-بس كنت اشتريت لـ "هاجر" الحاجات اللي طلبتها، وخوفت تتبهدل مني، فقولت أجيبها وأسيبها هنا لحد ما أجهزها للحفلة.

بادلها الابتسام وهو يرد مرحبًا بحرارة لا تعبر عن قدرٍ بسيط عما يسود بداخله:

-إنتي تيجي في أي وقت، ده بيتك يا أبلة.

النظرات التي يمنحها لها كانت إلى حد كبير تشعرها بالألفة، بشيءٍ يتخطى المجاملة بكثير، تغاضت عما تفكر فيه الآن، وردت في تهذيبٍ وهي تخفض رأسها:

-شكرًا ليك.

امتدت يداه لتلتقط عنها الأكياس وهو يستأذنها:

-عنك.

اهتمامه البسيط بها ضاعف من الإحساس الغريب –واللذيذ- المتنامي بداخلها، قالت في حرجٍ وهي ترفع رأسها لتنظر إليه بوجهٍ شبه متورد:

-عشان ماتعبكش.

أصر عليها بتعابيرٍ شاعت فيها المرح:

-ودي تيجي، عيب والله.

قدمت يديها للأمام، فتناول عنها الأكياس وهو حريص كل الحرص ألا يلمس أناملها، رغم ازدياد المشاعر الحسية وانطلاقها في وجدانه، ظل باقيًا في مكانه؛ لكنه تنحى للجانب ليفسح لها بالمرور وهو يدعوها للدخول:

-اتفضلي يا أبلة.

أطرقت رأسها قائلة بصوتٍ شبه منخفض:

-شكرًا.

جاء صوت "هاجر" متسائلاً وهي تشد الحجاب على رأسها:

-مين يا "تميم"؟

أجابها بنبرة عالية إلى حد ما؛ كأنما يؤكد على الرابط العزيز بين الاثنتين:

-صاحبتك الغالية يا "هاجر".

أتت على الفور وهي تهتف مرحبة بوجه مبتسم للغالية:

-وأنا عمالة أقول البيت نور.

دون انتظارٍ احتضنتها وضمتها بكلتا ذراعيها في حميمية عميقة، لتدل على مدى سعادتها برؤيتها، اندهشت "فيروزة" من هذا الاستقبال الحار، وانسلت من أحضانها قائلة بابتسامةٍ لطيفة:

-شكرًا على ذوقك.

جففت "ونيسة" يديها في منشفة صغيرة، وانضمت إليهم متسائلة:

-هو احنا عندنا ضيوف؟

صححت لها "هاجر" بضحكة مسموعة:

-ضيوف مين، دي "فيروزة".

مثل ابنتها انطلقت الأم ترحب بها بنفس الحرارة وأشد، قبلتها من وجنتيها بعشرات القبلات، بعد أحضانٍ أمومية دافئة، وهي تردد:

-يا 300 مرحبا، نورتي يا غالية، ده احنا لازمًا نفرش الأرض ورد ..

تراجعت عنها "فيروزة"، بينما استمرت "ونيسة" في ترحابها وهي تسحبها من ذراعها نحو غرفة المعيشة:

-تعالي يا حبيبتي، اتفضلي، مش هتفضلي واقفة كده على الباب.

حاولت التملص من تلك الدعوات المغرية، واعتذرت بلباقة:

-مافيش داعي، شكرًا ليكم على كرمك ...

ثم وجهت باقي حديثها لـ "هاجر"، ويدها تشير إلى "تميم":

-دي حاجتك اللي كنتي عايزاها.

تهللت أساريرها في سعادة كبيرة، وركضت نحوه لتأخذ أشيائها قائلة:

-الله، بجد؟ ده أنا لسه بأحكي لأمي، وبأقولها دوختها معايا.

علقت عليها "فيروزة" مبتسمة في رقة:

-ده شغلي، مافيش فيه تعب.

صاحت "ونيسة" قائلة بإصرارٍ وهي تشير بيدها نحو الأريكة:

-هتتكلمي على الواقف كده، تعالي ارتاحي من المشوار.

بنفس الأسلوب اللطيف اللبق قالت:

-مافيش داعي، أنا كنت بجيب الحاجة وآ...

قاطعتها في عبوسٍ رافضة التنازل عن دعوتها:

-والله ما ينفع أبدًا، ده أنا لسه عاملة لمون فريش بالنعناع، اسألي "تميم" عنه.

ردت عليها ابنتها تمتدح صنيع يديها:

-ولا أجدعها معصرة، لما تدوقيه هتعرفي.

تلقائيًا اتجهت أنظار "فيروزة" نحو "تميم" الذي أخفض نظراته عنها حين أمسكت به يتطلع إليها، ثم سرعان ما عاودت النظر إلى "ونيسة" التي هتفت تأمر ابنتها:

-هاتيه بسرعة لحبيبتنا.

قالت "هاجر" وهي تومئ برأسها قبل أن تختفي بالداخل ومعها متعلقاتها:

-على طول أهوو.

جلست "فيروزة" على الأريكة، وإلى جوارها "ونيسة" التي ظلت تمنحها من الابتسامة الودودة ما جعلها يشعر بالمزيد من الألفة والمحبة الصافية، في حين ظل "تميم" باقيًا على مسافة بينهما، بالكاد تحرك من مكانه، ربتت والدته على ذراع ضيفتها لتتنبه لها قبل أن تضيف:

-مسافة ما تشربي اللمون يكون الأكل استوى، عشان أجهز السفرة، وتتغدي بقى معانا.

اعترضت عليها بشدةٍ، وقد ظهر الارتباك عليها:

-لالالا، مش هاينفع والله، ده أنا يدوب أنزل.

ارتفع إصبعاها نحو طرف ذقنها، وضعتهما عليها كتعبيرٍ عن انزعاجها، وعاتبتها في تذمرٍ:

-يادي العيبة؟ تنزلي كده من غير ما نقوم معاكي بواجب، والله عمك الحاج يزعل مني.

عضت على شفتها للحظةٍ قبل أن تنطق:

-وقت تاني معلش.

عادت "هاجر" إليهم وهي تحمل صينية تضم كوبين زجاجين من عصير الليمون الطازج، قدمت الكوب الأول للضيفة العزيزة، قبل أن تقدم الآخر لشقيقها الذي رمقها بنظرة غامضة غير راضية عن هذا التصرف العبثي المقصود منها، بطرف عينه التقط التفات رأس "فيروزة" نحوه، حتمًا كانت تتابع خطوات شقيقته، وربما أحرجها ذلك بشكلٍ ما، شتت "تميم" نظراته عن شقيقته لينظر إلى والدته التي هتفت في استنكارٍ:

-شوفي صاحبتك يا "هاجر"، عايزة تنزل كده من غير ما نضايفها!

بررت لها "فيروزة" سبب رفضها على الفور:

-والله عشان الحاجة متتبهدلش أنا جبتها على طول على هنا، مرة تانية.

أمام إصرارها اضطرت "ونيسة" ألا تضغط عليها، وسألتها في تجهمٍ:

-طب اشربي اللمون، ولا ده كمان لأ؟

قالت مبتسمة في رقةٍ:

-حاضر.

ثم رفعت الكوب إلى شفتيها لتتذوق أشهى عصير ليمون لم تتذوق في حلاوته من قبل، لم تنكر أنه جاء في وقته فجعلها تنتعش، عفويًا اتجهت عيناها نحو "تميم" وشقيقته تخاطبه:

-ما تتفضل يا "تميم"، ده اللمون اللي إنت بتحبه.

هتف في رسميةٍ وهو يرمقها بتلك النظرة المحذرة:

-متشكر يا "هاجر".

لم تستطع "هاجر" منع نفسها من القول؛ لكن بصوت خفيض، وتلك النظرة المتسلية على وجهها، خاصة أن كان يقف مستندًا إلى جوار شجرة صناعية تزين الركن:

-لمون وشجر أهوو.

أعطاها الكوب بعد أن ارتشف منه مقدارٍ قليل، وقال في لهجةٍ رسمية بحتة:

-طيب يامه أنا نازل.

سألته "ونيسة" في دهشةٍ لا تخلو من الاستنكار:

-مش هتتغدى إنت كمان؟

أخرج هاتفه من جيبه، وقال بتعابيرٍ شبه جامدة:

-الحاج "عوف" بيرن عليا، تلاقيه في الدكان دلوقتي، أنا هاروحله.

لاحقته والدته بسؤالها الأمومي المهتم:

-هتنزل على لحم بطنك؟

هز رأسه قائلاً بصوتٍ جاف، ودون أن ينظر في اتجاه "فيروزة" التي كانت تتطلع إليه بتعجبٍ:

-هخلص معاه على طول، وأرجع، مش هتأخر.

اعترضت عليه "هاجر" وهي تومئ بحاجبها:

-بس الأكل هيبرد.

سدد لها نظرة قوية قبل أن يرد:

-هاكله لو كان طوبة ...

لم تبدُ تعابيره لينة وهو يكمل مخاطبًا والدته:

-ده كفاية تعبك في عمايله يا ست الكل.

دعت له الأخيرة بملامح ممتنة للغاية:

-ربنا يوقفلك ولاد الحلال ويراضيك زي ما بتراضيني دايمًا.

في تلك اللحظة تحديدًا، تمنت "فيروزة" أن تحظى بنظرة مهتمة منه، لا تعرف ما الذي أصابها لترغب في هذا، واندفعت تلوم نفسها للتفكير في شأنه أمام عائلته الوقورة، ومع هذا لم تتحقق أمنيتها البسيطة، ولم ينظر إليها، بل انطلق متجهًا إلى الباب ليخرج من المنزل دون أن يودعها مثلما اعتادت أن يفعل، وهذا ما أثار حفيظتها. تبدد ضيقها مثلما تشكل في لمح البصر عندما جلست "هاجر" على الأريكة الجانبية، واستطردت تكلمها:

-فرصة يا "فيروزة" تشوفي المكان وتقولي هنعمل إيه هنا.

تنحنحت مرددة باقتضابٍ وهي تشدد من قبضتها الممسكة بالكوب:

-أوكي.

.................................................. .

عند مدخل البناية وجد والده يترجل من سيارة ربع النقل المملوكة لهم، دقق النظر فيه، فوجده يودع السائق بعد أن أعطاه ورقة نقدية زائدة عن أجرته اليومية جراء تعبه طوال اليوم معه، ابتسم لإحسانه غير المنقطع مع الجميع دون تمييز، وانتظر متواريًا عن الأنظار ريثما يذهب السائق ثم تابع التقدم نحوه. اندهش "بدير" من وجوده، وسأله بملامح يملأها الاستغراب:

-رايح فين كده؟

أجاب بعد زفيرٍ سريع:

-الدكان، هستنى الحاج "عوف" هناك.

علق عليه بنفس التعابير الحائرة:

-ما تنزل أما يطلبك، ده لسه في سوق الجملة، أنا كنت مكلمه من 10 دقايق.

ضغط "تميم" على شفتيه مرددًا في حرجٍ:

-معلش .. ده لازم.

تفرس "بدير" في وجه ابنه الواجم، وتساءل مستفهمًا:

-هو في حاجة؟

تردد قبل أن يجيبه بنظرة سريعة للأعلى:

-أصل .. الأبلة فوق عندنا.

لم يستمر "بدير" في طرح أسئلته، وقال بابتسامة رضا تعلو ثغره وهو يربت على كتفه عدة مراتٍ:

-فهمتك، ربنا يكرمك.

أطلق زفرة طويلة يائسة قبل أن يقول بعدها بتعابير يكسوها السأم:

-يا رب.

نصحه والده بوجه ما زال رائق التعبيرات:

-استحمل، فاضل حاجة بسيطة، ماتبوظشهاش عشان قلة الصبر.

قال في تبرمٍ:

-هو أنا عندي إلا هو.

من جديد ربت "بدير" على كتفه يستحثه:

-اتوكل على الله، وربنا يوفقك.

ودّع أبيه، وانطلق سائرًا نحو سيارته المصفوفة في الناحية المقابلة، حانت منه نظرة للأعلى آسفة على الابتعاد عنها؛ لكنه كان مضطرًا احترامًا لما قطعه من وعود، وقلبه ينبئه تلك المرة أن القُرب منها أصبح وشيكًا!

.................................................. .....

خلال العشر دقائق التالية انشغلت "فيروزة" بتدوين بعض الملحوظات الأساسية في مفكرة ورقية صغيرة عن كيفية إعادة تنسيق المكان بالشكل الذي يسمح لوضع لمسة جمالية فيه، مع توسيعه، ليستقبل عددًا لا بأس به من المدعوين، التفت برأسها للخلف ناظرة نحو الجد "سلطان" الذي هتف مرحبًا بها:

-البدر نزل من السما وموجود عندنا.

أقبلت عليه تسأله:

-إزي حضرتك؟

أجابها مبتسمًا في حبور:

-بقيت أحسن لما شوفتك.

أحست بالمزيد من الدفء والسرور يغمرها، بجوٍ أسري مستقر لطالما رغبت في التنعم به، وجدت نفسها تنحني لتمسك بكفه، وترفعه لفمها لتقبله وهي تردد:

-ربنا يباركلنا فيك.

مسح بحنوٍ على جانب ذراعها، وسألها:

-وإزي الست والدتك وأختك؟ بخير؟

أومأت برأسها وهي تجيبه:

-أه الحمدلله في نعمة.

علق بنفس الوجه المبتسم:

-يدوم يا رب ...

ثم أشار بيده نحو غرفته متابعًا:

-هاخش أكمل قراية في المصحف، أنا قولت أجي بنفسي أسلم لما سمعت صوتك.

شعرت بالغبطة بعد تصريحه، وقالت بابتسامة أشرقت ملامحها:

-ربنا يخليك ليا يا جدي.

رد عليها داعيًا بصدقٍ:

-ويحسن ما بين إيديكي يا بنتي.

.................................................. ..

بخطواتٍ شبه متهادية، سارت متأبطة ذراعه، وباليد الآخرى تناولت آخر قطعة في الحلوى التي ابتاعها لها، استلت ذراعها منه، لتقترب من إحدى حاويات النفاية، وألقت بالورقة بداخلها، ثم عادت إليها متابعة مشيها في صمتٍ يدعو للريبة. نظر "هيثم" إليها بإمعانٍ، قسماتها أوحت أنها تخفي شيئًا ما عنه، قرر عدم تجاهل هذا الشعور المزعج الذي يراوده، لهذا سألها مباشرة:

-مالك يا "هموسة"؟ بقالك كام يوم متغيرة.

أجابت بعد زفيرٍ بطيءٍ:

-مافيش يا "هيثم".

كان غير مقتنعٍ بردها، فلاحقها بالسؤال التالي:

-إنتي مخبية عني حاجة؟

نفت في هدوءٍ، وملامحها ما زالت تعبر عن وجود همٍ ثقيل:

-لا عادي.

ضاقت نظراته متشككًا، واستطرد يخبرها:

-شكلك بيقول غير كده، هو إنتي مضايقة مني؟

نظرت إليه قائلة دون تفكيرٍ:

-لأ يا حبيبي

رد في صبرٍ بدا شبه نافذ:

-أومال في إيه بس؟

وقبل أن تسيء تفسير ضيقه، بادر بالتوضيح:

-مش احنا اتفقنا مانخبيش على بعض حاجة؟

حركت رأسها قائلة وهي تنظر في عينيه:

-أيوه.

رمقها بتلك النظرة اللطيفة وهو يخاطبها:

-ها .. أنا مستني.

ترددت وهي تحاول إجبار نفسها على البوح بسبب انزعاجها:

-بصراحة كده آ.. من كام يوم آ..

لم تجد بدًا من إخفاء الأمر، وألقت ما في جعبتها قائلة:

-حصل إني اتبعتلي منشور على الفيس بوك.

زاد الفضول بداخله، وسألها بلا تعجلٍ:

-ماله يعني؟

تابعت بنظراتٍ ساد فيها القلق:

-عن حد عملها عمل.

هتف في صدمة مستنكرة:

-نعم، عمل؟!!

أكدت عليه:

-أيوه.

علق في عدم فهمٍ:

-إزاي يعني.

تنفست بعمقٍ، ثم طردت الهواء من صدرها، لتقص عليه بالتفصيل ما علمته من صديقتها، بل إنها جعلته يرى ما تم إرساله لها عبر هاتفها، ليتأكد من سبب مخاوفها المبررة. خنقت "همسة" غصة علقت بحلقها تأثرًا بالأمر، وأيضًا بسبب تأثير هرمونات الحمل عليها. مرة أخرى سحبت شهيقًا عميقًا، ولفظته على مهلٍ وهي تخبره:

-وخايفة بقى لأحسن "فيروزة" تشوفه بالصدفة على أي جروب، اللي مطمني إنها بقالها فترة مش بتتابع حاجة عليه، بس وارد تعرف عنه.

حك مقدمة رأسه متسائلاً، وعيناه تحاولان فحص ملامح الوجه غير الواضح نظرًا لوجود عبارات غريبة عليه تفسد إظهار تفاصيله:

-إنتي متأكدة إنها هي؟

ردت بعينين تلمع فيهما العبرات:

-أيوه، هو أنا مش هعرف أختي؟ ده غير إن نفس اللبس كان عندي بس بلون مختلف.

أعاد إليها الهاتف، وتساءل في غيظٍ:

-تفتكري مين ابن الـ (....) اللي ممكن يعمل كده؟

هزت كتفيها قائلة وهي تضع الهاتف في حقيبتها:

-معرفش، أصل احنا مالناش عدوات مع حد يعني، ولا علاقتنا بالناس هناك أد كده، يدوب على أد زيارات سنوية كل فين وفين.

التوى ثغره مغمغمًا بسخطٍ:

-ما جايز يكون البغل قريبك.

برقت عيناها في ذهولٍ، وردت عليه بقلبٍ يدب في خوفٍ:

-احتمال برضوه، بس إيه اللي يخليه يعمل حاجة زي كده؟ ده يبقى ندل أوي.

بنفس النبرة الساخطة علق عليها:

-أنا مستبعدش عنه حاجة، يعني أنا مش عايز أشتمه قصادك.

أراحت "همسة" يدها على صدرها، ودعت في تضرعٍ بصوتٍ خافت:

-ربنا يستر، ويحفظها من كل شر، هي مش ناقصة.

انتبهت لزوجها وهو يقول فجأة مشيرًا بيده نحو إحدى البنايات:

-احنا وصلنا.

دارت بعينيها في المكان، وسألته في حيرة:

-وصلنا فين؟

شبك يده في كفها، وقال وهو يدفعها للسير نحو المدخل:

-تعالي .. دلوقتي هتعرفي.

.................................................. ...............

لم يتعجل صعودها السلم، وتحلى بالصبر رغم الحماس المسيطر عليه، والذي يدفعه لرؤية ردة فعلها حينما تعلم عن المفاجأة التي أعدها لها. بمجرد أن وصل إلى الطابق المنشود، أشار بيده نحو أحد الأبواب الخشبية، نظرت إليه "همسة" نظرة متسائلة، فلم يجبها، وحافظ على عنصر التشويق في مفاجأته، أخرج من يده المفتاح ليضعه في القفل الخاص به ويفتح الباب، ما زال الفضول الممزوج بالحيرة مسيطرًا على زوجته، وألحت عليه:

-ما تقولي يا "هيثم"، احنا جايين هنا ليه؟

دفع الباب بيده، ودعاها للدخول بابتسامة عريضة أبرزت صفي أسنانه:

-سمي بالله كده وإنتي داخلة.

رددت بحاجبين معقودين:

-إيه ده؟

وطأت داخل البهو المعتم كليًا إلا من إنارة البسطة المنتشرة بشكلٍ غير متكافئ، فمد "هيثم" يده ليضغط على المفاتيح الجانبية فأنارته برمته. مسحت بعينيها تفاصيله سريعًا، حيث وجدت بعض أدلاء الطلاء، والعدة المستخدمة معه، بالإضافة لأوراق متناثرة هنا وهناك، ارتفع بصرها نحو الحوائط فوجدت ألوانها فاتحة تبعث البهجة على النفس، استمرت في تقدمها هاتفة بإعجابٍ:

-ماشاءالله، ده إيه المكان ده؟

أغلق باب المنزل، وأخبرها وهو مسلط كل عينيه عليها:

-بيتك يا "هموسة".

التفت كليًا لتنظر إليه بتلك التعابير المصدومة، ورددت في عدم تصديقٍ:

-بيتي؟

دنا منها موضحًا:

-أيوه، ما دي المفاجأة اللي كنت بجهزهالك بقالي فترة.

وضع كلتا قبضتيه على ذراعيها، واستكمل توضيحه بابتهاجٍ لا يمكن إنكاره:

-هي لسه قدامها شوية عقبال ما نخلص الدهان، ونغير كام حاجة، وتكون جاهزة.

قفز قلبها طربًا، وسألته بابتسامة سعيدة للغاية:

-أنا مش مصدقة، بس إنت عملت كده إزاي؟

ما زالت يداه تتحركان صعودًا وهبوطًا على جانبي ذراعها وهو يقول معترفًا:

-الحمدلله القرشين اللي معايا على كام مصلحة قومت بيهم، وربنا بيكرم، ومانكرش جوز خالتي قايم بالواجب معايا، ده غير "تميم" مقصرش الصراحة.

عقبت في امتنانٍ:

-ربنا يبارك فيهم، ناس أصيلة.

عادت لتتأمل أرجاء المنزل مجددًا وهي تخبره:

-بس الشقة أصلاً باين عليها متوضبة.

أجابها بعد لحظة من التردد:

-ما هي كانت شقة "خلود" القديمة، اللي اتجوزت فيها، وآ...

حملقت فيه بقليلٍ من الدهشة، بينما تابع "هيثم" كلامه بحرجٍ:

-بدلتها معاه بيتي القديم، ودفعت فرق بسيط.

لاحظ أمارات الوجوم التي ظهرت على محياها، فسألها في توجسٍ:

-مالك؟

ضمت شفتيها للحظاتٍ وهي تنظر إلى ما حولها، بدت إلى حدٍ ما متحفظة عندما تحدثت أخيرًا:

-مش عارفة، بس مش جايز جوز أختك يكون زعلان إنه باعها، وخصوصًا إنها كانت بيتهم، وآ...

قاطعها موضحًا الأمر ببساطة:

-لا بالعكس، كان مرحب جدًا، لأنها مش ساكن فيها، ومركونة على الفاضي، ده غير إن عنده شقة تانية فوقنا.

تفاجأت من كلماته الأخيرة، ورددت:

-ماشاءالله، ربنا يزيد ويبارك.

لم يرغب "هيثم" في إثارة الماضي بآلامه وذكرياته، خاصة ما يتعلق بشقيقته الراحلة، أراد التركيز على الحاضر، والتطلع إلى المستقبل بكل قوة وإرادة، لهذا تجاوز عن تلك الأحزان، ليسألها مجددًا في ترقبٍ:

-ها إيه رأيك في بيتك المتواضع؟

في البداية كانت ملامحها هادئة، غير مقروءة له، جعلته يشعر بالخوف من احتمالية رفضها؛ لكنها فاجأته حين تبدلت للابتسام والرضا وهي تجيبه:

-دي جنتنا يا حبيبي، أنا وإنت و...

وضعت يدها على بطنها المنتفخ تتحسسه في رفقٍ وهي تكمل:

-والنونو اللي جاي.

وجد نفسه ينحني على بطنها، وكلتا يداه تدوران في حركة دائرية عليها، طبع قبلة حانية عليها، ثم أسبل عينيه نحو زوجته قائلاً بكل ما يعتمر قلبه من فرحةٍ وسرور:

-ربنا يحفظكم ليا ................................... !!

................................................




منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 07-07-21, 04:02 AM   #1014

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 16 ( الأعضاء 5 والزوار 11)

‏موضى و راكان, ‏زهراء ش, ‏the dream song, ‏Dina abd elhalim, ‏جزيرة



فصل جميل يا نولا تسلمى ياقمر


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-21, 07:02 AM   #1015

جزيرة

? العضوٌ??? » 307068
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 398
?  نُقآطِيْ » جزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond repute
افتراضي

الاحداث رغم هدوئها لكنها
جميلة و مريحة و مشاعر تميم نعيشها معه بلحظتها


جزيرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-07-21, 03:09 AM   #1016

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

فصل الجمعة تم نشره مبكرًا نظرًا لسفري لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ..
قراءة ممتعة




الفصل المائة وثلاثة وثلاثون

أخرج ورقة نقدية من حافظته أعطاها لعامل المقهى الذي أمده بكوبٍ آخر من الشاي، بعد أن منح جميع العاملين بداخل دكان ابن خالته ما ينقصهم من مشروباتٍ ساخنة. فرك "تميم" جبينه براحة يده لبضعة مراتٍ، ثم نظر بشرود إلى المارة قبل أن يتطلع إلى ساعة هاتفه المحمول. ما زال ماكثًا بالخارج كعادته، لا يعود إلا عند اللزوم، أو في وقت النوم، تجنبًا لأي محاولات للقاء بها ولو مصادفة، خاصة بعد أن عرف بتوليها مهمة تزيين المنزل من أجل مراسم عقد قران شقيقته به.

كان يقتله الشوق، ويعذبه البُعد عنها؛ لكن لا مهرب من الوفاء بعهوده، تحتم عليه إبقاء تلك المسافة إلى أن يشاء المولى، ويجمعهما سقف واحد. التفت برأسه نحو الجانب حين سمع صوت "هيثم" يناديه من مسافة شبه قريبة:

-"تميم"!

أشــار له بيده وهو يرد:

-تعــالى.

سحب مقعدًا وجلس إلى جواره متسائلاً بصوتٍ لاهث:

-إيه الأخبار؟

أجابه مستخدمًا يده في التوضيح:

-اتعملت توصيلات التلاجة، واتقفلت علبة الكهربا، يعنيي فاضل كام حاجة ونخلص.

ردد مبتسمًا في سعادةٍ:

-طب كويس، كتر خيرك يا ابن خالتي، ليل نهار متابع مكاني.

لوى ثغره متحدثًا بعد زفيرٍ بطيء:

-وأنا ورايا إلا كده.

حمحم "تميم" بعدها يسأله وهو يعقد ساعديه أمام صدره:

-وإنت الدنيا تمام معاك؟

أومأ "هيثم" برأسه قائلاً:

-أيوه.

سأله بنظراتٍ مترقبة:

-وريت جماعتك الشقة؟

كانت تعابيره مسترخية على الأخير وهو يجيبه:

-أه، الحمدلله عدت على خير.

امتدت يده لتربت على فخذه بربتة قوية معلقًا بابتسامة صغيرة:

-ربنا يباركلكم فيها، ويجعلها عتبة خير عليكم.

أمن عليه داعيًا:

-يا رب.

جاء عامل المقهى مرة أخرى ومعه كوب الشاي، وضعه أمام "هيثم" قائلاً بنبرة أليفة:

-شاي في الخمسينة للمعلم.

رد يشكره في ودٍ:

-تسلم يا "رزق".

انتظر ذهابه ليبدأ بعدها في توجيه الحديث إلى "تميم" بملامح مالت للوجوم:

-صحيح كان في حاجة عايز أقولهالك بخصوص الطاعون الأزلي قريب مراتي.

وكأن تعابيره قد حل عليها السواد، فبدا أكثر نفورًا وهو يتساءل:

-ماله البغل ده؟

ارتشف قدرًا من شايه، وأجابه بتأففٍ لا يخلو من الانزعاج:

-هو أنا مش متأكد، بس مراتي شاكة إنه يكون عامل لأختها عمل.

انتفضت كافة حواسه كأن عقربًا لدغه، وهتف بصوت أقرب للزئير من شدة غضبه:

-نعم! اتجن في عقله ده ولا إيه؟

لم يندهش "هيثم" من الثورة العارمة المستبدة بابن خالته، فهو مثله يمقته مقتًا شديدًا، وقد يتفق الاثنان معًا في ازدياد كراهيتهما له، أخرج هاتفه من جيب بنطاله، وعبث به قائلاً:

-استنى أوريك المنشور، ما أنا بعته ليا.

كور "تميم" قبضة يده ضاغطًا على أصابعه بغيظٍ مكبوت حتى ابيضت مفاصله، وما إن أمسك بالهاتف، ورأى ما احتل الشاشة حتى انفلتت منه سبة نابية يلعنه بها:

-ابن الـ ....!!!

ظن "هيثم" من فرط انفعال ابن خالته المرئي أنه سيحطم الهاتف في يده، فاستعاده منه، وقال بتحفزٍ واضح عليه:

-والصراحة أنا مش عاوز أفوتهاله.

بكل ما يستعر في صدره من غضب، وحقد، وغل، هب "تميم" واقفًا ليخبره بنظراتٍ مرعبة لا تبشر إلا بكل ما هو مخيف:

-ومين قالك إني هعديها.

انتبه ابن خالته في جلسته، يراقب ما يفعله وهو يخابر أحدهم، أنصت إليه عندما استطرد آمرًا:

-عايزك يا "ناجي" تجهزلي الرجالة في طلعة كده، تفضيهم لو مش فاضيين، سامعني.

بقيت أنظاره مسلطة عليه، و"تميم" يتابع مكالمته بنفس اللهجة الصارمة:

-استنى مني مكالمة تانية هاقولك تعمل إيه.

لم يلقِ التحية، وأغلق الخط ليشرع في الاتصال بأحدٍ آخر، تساءل "هيثم" في فضولٍ متحمس:

-إنت ناوي على إيه؟

اكتفى بالإشارة له بسبابته قبل أن يتحدث هاتفيًا بغموضٍ:

-أيوه يا أستاذ، عايزك في خدمة على السريع، بس ضروري تتقضى النهاردة.

جاءه صوت المحامي مُطيعًا:

-تحت أمرك.

انخفضت نبرته إلى حد كبير وهو يكمل:

-شوف يا أستاذنا...

في حين ردد "هيثم" مع نفسه بفضولٍ ما زال يتضاعف بداخله:

-شكلك هتولعها يا "تميم"!

.................................................. ......

حتى لا تتكبد مشقة الذهاب والعودة، أقامت "فيروزة" عند شقيقتها خلال اليومين التاليين في غرفة الأطفال، ولم تمانع والدتها في المكوث أيضًا، وجاءت مع "رقية" لتقديم المساعدة للعروس المرتقبة. أصبح الجميع كخلية نحلٍ يتعاونون معًا من أجل تنظيف المكان، وإعداده للحفل العائلي الذي أصرت عليه "هاجر" عند عقد قرانها، بينما تمسك "سراج" برأيه في إقامة ليلة عرس كبيرة وقت زفافهما.

نهضت "آمنة" من على الأريكة بعد أن أنهت تطريز منديل عقد القران، وعرضته على العروس متسائلة:

-ها يا حبيبتي، أزود حاجة عن كده؟

تأملت ما صنعته يدها من إعادة تجميل المنديل القماشي السادة الذي ابتاعته "فيروزة" بشكلٍ رقيق وجذاب، ثم هتفت تشكرها في حبورٍ ممتن:

-الله، حلو أوي، تسلم إيدك يا طنط، دي حاجة حلوة أوي، أنا تعبتك معايا.

علقت قائلة بلطافةٍ:

-على إيه يا حبيبتي، دي حاجة بسيطة، أطلبي وأنا أعملك الحلو كله.

نظرت إليها بعينين مشرقتين وهي ترد:

-ربنا يخليكي.

طوت "آمنة" المنديل، وأكملت موضحة لها:

-ناقص بس يكوى عشان الكرمشة، وتثبيت الفصوص، هاطلع أفرده فوق عند "همسة"، وبالمرة أنيم "كوكي"، عينيها نعوست.

مع كلماتها الأخيرة كانت تنظر نحو الصغيرة "رقية" التي واصلت التثاؤب مرة بعد مرة، قبل أن تميل برأسها على مسند الأريكة العريض لتستريح عليه. ركزت "هاجر" نظرها عليها، وقالت في تعاطفٍ:

-حبيبتي، طول اليوم أعدة بـ "سلطان".

قالت "آمنة" ضاحكة، وهي تستحث الصغيرة على النهوض:

-دي فكراه لعبتها.

ردت عليها "هاجر" مبتسمة ابتسامة صغيرة:

-ربنا يبارك فيهم.

أومأت برأسها مرددة:

-يا رب.

ثم استدارت نحو ابنتها المنهمكة في تثبيت قماش الستان الأبيض المطعم بوردات بيضاء حول عمود الجرانيت الجانبي، وسألتها في اهتمامٍ:

-إيه الأخبار عندك يا "فيروزة"؟

كانت الأخيرة منحنية عليه وهي تجاوبها:

-أنا قربت أخلص، فاضل الحتة دي، ويبقى كله تمام.

هتفت "آمنة" قائلة في سرورٍ:

-على بركة الله.

ثم أتبعت كلامها بإطلاق بضعة زغاريد عالية ابتهاجًا بالمناسبة السارة، لتتوقف بعدها وهي تدعو:

-ربنا يتمم على خير.

جاءت إليها "ونيسة" وهي تحمل كومة من الثياب المطوية بعد أن انتهت من جمعها، لتهتف بضحكاتٍ قصيرة:

-أيوه بقى الزغاريط الحلوة.

تسابقت معها في ملء المكان بعشرات الزغاريد؛ وكأنهما تريدان للعالم بأسره أن يشاركهما الفرحة العارمة. غادرت "آمنة" المنزل، وبقيت ابنتها عاكفة على أداء عملها بكل إتقانٍ ودقة، بالإضافة إلى محبة خالصة؛ كأنما وجدت متعتها في إسعاد غيرها. انبهرت "ونيسة" بما تفعله، وأثنت عليها قائلة:

-نتعبلك كده نهار فرحتنا بيكي يا قمراية.

علقت عليها بتلقائية:

-أنا خدت حظي خلاص.

عبست "ونيسة" معاتبة إياها برفقٍ:

-ماتقوليش كده، كل حاجة ليها وقتها، وبعدين اقرصي "هاجر" في ركبتها عشان تحصليها في جمعتها.

علقت عليها "هاجر" بمكرٍ، وتلك الابتسامة العابثة تتراقص على محياها:

-من غير قرص يامه، ربنا هيعدلهلها مع حد يستاهلها بجد، وهتشوفي.

كانت الإيحاءات المبطنة، والتلميحات المتوارية تعزز ما راود عقلها مؤخرًا بشأنه تحديدًا، وإن جاهدت لإنكار شعورها المتزايد بداخلها؛ لكن هذا الإحساس العجيب الذي يغمرها ينبئها أنه المقصود، ولم تكن ممانعة، بل بدت مرحبة به بصورة استغربت منها، كأن الحجاب الحاجز الذي فصلها عن رؤية ما يضمره القلب لها قد تفتت، وأصبحت مشاعرها قابلة للتأثير. رسمت تعابير جامدة على وجهها، وقالت بلهجةٍ أرادت أن تكون جادة:

-طيب نسيبنا من حكاية جوازي دلوقتي، ونركز في الديكور.

بنفس الابتسامة العابثة ردت عليها "هاجر":

-ماشي يا حبيبتي.

انحنت "ونيسة" لجمع بعض البقايا غير الضرورية من على الأرض، ووضعتها بداخل صندوق صغير للمهملات كانت تستعين به "فيروزة" طوال عملها، حتى لا تسبب الفوضى في المكان، ثم اعتدلت واقفة لتقول بعدها:

-أنا هاروح أشوف جدك يا "هاجر"، ولو في حاجة نادي عليا.

رفعت رأسها إليها وقالت سريعًا:

-حاضر.

ثم أخفضتها مجددًا لتواصل لصق الورود الصغيرة، أعلى الهدايا المغلفة بورق السلوفان، حيث تُعدها لإعطائها للمدعوين بدلاً من الحلوى التقليدية. استطردت "فيروزة" متسائلة فجأة:

-بأقولك يا "هاجر" أنا عاوزة إبرة وخيط، محتاجة أتقل على الطرف ده، أخاف يفك.

دققت "هاجر" النظر في المفرش الذي تمسكه، وسألتها في توجسٍ:

-هو اللزق مش ماسك؟

حركت التطريز الموجود على الأطراف بخشونةٍ طفيفة وهي تخبرها:

-كويس، بس مضمنش يحصل إيه!

بحثت "هاجر" بعينيها سريعًا عنهما بين الأشياء الكثيرة الموضوعة قبالتها على الطاولة، ثم خاطبتها بعد لحظاتٍ:

-هما مش قصادي، يبقى أنا سيباهم على التسريحة في أوضة "تميم".

ذكر اسمه عفويًا أمامها جعل قلبها يقصف كأن الحرب اندلعت به، لم تكن هكذا من قبل! شعرت باندفاع الدماء إلى وجهها، حتمًا ظهر التورد في بشرتها، لم ترغب "فيروزة" بإظهار ربكتها الغريبة، وادعت انشغالها بضبط طرف المفرش؛ لكنها في نفس الآن اختلست النظرات نحو "هاجر"، تنفست الصعداء لكونها لم تلحظ تلبكها، وسمعتها وهي تقول ناهضة من مكانها:

-هاروح أجيبهم من الأوضة.

تقدمت بضعة خطوات نحو الردهة؛ لكن ما لبث أن توقفت فجأة عن السير، حينما سمعت صراخ رضيعها قادمًا من غرفتها، ليعلن عن استيقاظه بعد غفلة معقولة، غيرت في اتجاهها هاتفة في لوعة:

-يا حبيبي.

راحت تهدهده، ومع هذا لم يتوقف عن البكاء، فتساءلت في عبوسٍ مصطنع:

-إنت جعان يا قلبي؟

اتخذت مكانها على الفراش لتبدأ في إرضاعه، وصاحت بصوتٍ شبه مرتفع:

-معلش يا "فيروزة" هاتيهم إنتي، الأوضة إنتي عارفاها، أنا مشغولة مع "سلطان" شوية.

أتاها صوتها من الخارج محتجًا:

-بس أصل آ....

قاطعتها بنبرة حاسمة:

-مافيهاش حاجة، البيت فاضي، متقلقيش، بس عشان معطلكيش عقبال ما يرضع، هو مش هيسكت خالص.

لم تجد "فيروزة" بدًا من الرفض، وهتفت قائلة في استسلامٍ:

-طيب.

..................................................

على مِشنَّة من الخوص، فردت "سعاد" أرغفة العيش التي ابتاعتها عليها لتبرد، بعد أن أمضت ما يقرب من الساعة أمام المخبز تنتظر دورها لتحصل على حصتها منه، التفت برأسها نحو ابنها المنشغل بمشاهدة التلفاز وهو يستلقي واضعًا ركبته أمام صدره، تنهدت بزفيرٍ متهمل، وسألته بوجهٍ متعب:

-مش هتبعت قرشين لعيالك؟ قابلت جدتهم في الطابونة، وسألتني عن ده، الشهرية فاتت يجيلها مدة.

انتفض صارخًا بها بعصبيةٍ بعد أن أخفض ساقه:

-كمان، ده أنا أبقى مَرَة، وألبس طرحة على راسي لو عملت كده.

حملقت فيه مدهوشة، وعاتبته في استهجانٍ:

-ليه بس يا "فضل"؟ ده حقهم!

أصر على رفضه هاتفًا بتشنجٍ:

-ماليش فيه، وأخلى خيري لغيري ليه؟ يتفلقوا.

استنكرت قساوة قلبه، وعنفته دون أن ترتفع نبرتها:

-مش دول عيالك بردك؟ ده واجب عليك تصرف عليهم.

هدر فيها بخشونةٍ غير مراعٍ لمنزلتها:

-بمزاجي مش لوي دراع.

خاطبته بنفس النبرة غير المحتدة:

-وفين اللوي بس؟

أخبرها بحمئةٍ، وقد اشتاطت قسماته:

-لما الولية تكلمك ببجاحة كده وسط الناس عشان تكسفني، وتبقى عايزاني أدفع بالغصب، وأنا مش هعمل كده، ومش دافع.

ردت متسائلة في استنكارٍ أكبر:

-يعني عايز الناس تاكل وشنا؟

بسماجةٍ غير مبالية قال، وبصوتٍ غير منخفض:

-وياكلوا قفانا كمان ...

ثم استخدم يديه في الإشارة عندما تابع بسخطٍ:

-ما هما معاهم أد كده، ولا لقمة العيال هتضلعهم.

نظرت إليه في غير رضا؛ لكنه لم يكترث، وتابع تهكمه الساخر:

-ولا أقولك خلي عريس الغفلة يدفع هو؟ طالما شال، يبقى ياخد الشيلة كلها، ده على قلبه أد كده مكنزهم رزم فوق رزم.

قبل أن تهم "سعاد" بالاعتراض عليه أخرسها بترقيق نبرته ليبدو كالمغلوب على أمره:

-وبعدين يامه أنا محتاج كل قرش دلوقتي عشان أتجوز بيه، يعني لازمًا أمسك إيدي في المصاريف حبتين.

نكست والدته رأسها، وقالت في ضيقٍ:

-أنا مش عايزة حد يقول عنك بخيل يا ابني، الناس هنا لسانها وحش.

استفزه ذلك اللقب، فاهتاج مدافعًا عن نفسه:

-بخيل، فشرت عينهم، ما أنا بنزه نفسي أهوو ومش بستخسر فيها حاجة.

كان محقًا في اعترافه هذا، فدومًا يغدق على ملذاته، ومساراته بكل ما يوجد في جيبه؛ لكن مع غيره كان شحيحًا بدرجة واضحة. غير "فضل" مجرى الحديث، وانحنى نحو والدته يستميل رأسها بزيف الكلام المعسول:

-سيبك منهم، وشوفي هتخطبيلي "فيروزة" امتى يا حجوجة، ده إنتي الخير والبركة!

ردت في اقتضابٍ لم يشعره بالارتياح:

-ربنا يسهل.

.................................................. ...

نشوة عجيبة متحمسة أصابت بدنها كليًا حين وطأت غرفته، شعرت برائحته المميزة عالقة في جوها، كأنما تؤكد لها بشكلٍ غير مباشر أنها مملوكة له، ولدهشتها أحبت هذا الشعور، كانت مترددة بعض الشيء، تخشى التقدم داخلها، وقفت لهنيهة مستندة بيدها على إطار الباب، متحرجة من الإمساك بها وهي تتجول بأرجائها، وإن حازت –رغم هذا- على التصريح بدخولها، والتفتيش مجازًا في محتوياتها. تنفست بعمقٍ وملأت رئتيها بتلك الرائحة الندية، ثم أغمضت عينيها ليكتمل هذا الشعور الغريب –والمستحب- الذي استحوذ عليها.

خلال اليومين الماضيين كانت تتوق لرؤيته ولو مصادفة؛ لكنه كان كالغائب الحاضر، تتكرر سيرته أمامها، ومع هذا لا يظهر في محيطها، كم رغبت في التطلع إليه وهو يرمقها بتلك النظرات التي تحتويها وتدفعها لاختبار هذا النوع الجديد من الشعور، ذاك الذي أصبح يروقها. تلك المرة تأملت "فيروزة" محتويات غرفته على مهلٍ، كأنما تريد حفظ تفاصيلها، لم يكن إحساس الرهبة مسيطرًا عليها، وإنما كتلة من الأحاسيس الغريبة التي تدعوها لتذكر ما يخصه جبرًا، وأيضًا لم تكن ممانعة! استلذت هذه الرغبة النابعة منها.

وقعت عيناها على الكومود، وتحديدًا الدرج الذي اكتشفت فيه احتفاظه بمتعلقاته، واربت الباب إلا من فرجة صغيرة بعد أن ألقت نظرة سريعة نحو الخارج، وجدت ساقيها تتحركان من تلقاء نفسيهما نحو الكومود، امتدت يدها لتفتحه؛ لكنها تجمدت للحظاتٍ، ترددت في فعل هذا، وكأن ضميرها يعاتبها لاقتحام خصوصيته دون إذنٍ منه، غالب ترددها الفضول المستبد بها، لذا تشجعت وسحبت الدرج للخارج، فبرقت عيناها في صدمة جعلت حواسها تنتفض فرحةٍ، ما زالت مشابكها موجودة، ومنديل رأسها كذلك.

أحست ببهجة سارة للنفس تتفشى في أوصالها، وبخفقات طربة تصيب قلبها، ويا لهذا التماوج في المشاعر الرقراقة الجميلة التي بدأت تغلف كيانها! أعادت "فيروزة" غلق الدرج وهي غير مدركة أنها تبتسم ابتسامة أضاءت وجهها، وأضفت البهاء على نظراتها اللامعة. قررت ألا تزيد من فترة بقائها، يكفيها ما ظفرت به من شعور مريح وممتع، اتجهت نحو مرآة التسريحة لتفتش عن صندوق الخياطة الصغير. وجدته إلى جانب إطار صورة صغيرة تخصه، تلقائيًا أمسكت به، ورفعته نصب عينيها لتتأمل ملامحه المبتسمة بتدقيقٍ، مسحت بإبهامها على وجهه، وتساءلت مع نفسها بحيرةٍ:

-فيك إيه بيشدني ليك؟

سرعان ما انفلت الإطار من يدها بغتة وسقط على الأرض حين انفتح باب الغرفة على مصراعيه لتجده واقفًا عند عتبته مرددًا في صدمة تفوقها:

-إنتي ....................................... !!!

.................................................. ...............


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 09-07-21, 05:51 AM   #1017

Om noor2
 
الصورة الرمزية Om noor2

? العضوٌ??? » 445147
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 267
?  نُقآطِيْ » Om noor2 is on a distinguished road
افتراضي

شكله ربنا بيحبني 😁😁

Om noor2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-07-21, 02:45 AM   #1018

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9

تنويه بسيط ..
إن شاءالله من اليوم هايكون النشر شبه يومي لباقي الفصول .. حتى الانتهاء من أحداث الرواية ..
وشكرًا على تفاعل حضراتكم ودعمكم طوال الفترة السابقة أو القادمة ..



الفصل المائة أربعة وثلاثون




أشرق يومه الكئيب، وازداد وجهه سطوعًا وتوهجًا حينما وجدها –على حين غرة- في غرفته، يا لحظ الأرض التي تقف عليها بقدميها! نالت شرف استقبالها، أما جدران حجرته فظفرت باحتواء بهائها بينها، على عكسه هو التعيس البائس الذي لم ينل إلا لمحة خاطفة منها. تأمل "تميم" ما كانت عليه من ارتباكٍ محرج بنظراته المدهوشة الفرحة، سرعان ما تقلصت عضلات وجهه للتوتر عندما بادرت معتذرة:
-أنا.. أسفة، أنا كنت آ...
دون أن يعبأ للحظة بسبب ذلك قاطعها مشددًا:
-بتعتذري على إيه، ده مكانك..
سرعان ما تحولت نبرته للخفوت وهي يتابع:
-ده أنا اللي أسف اللي دخلت بالشكل ده.
رأها تنحني لتمسك بإطار صورته، فهتف يأمرها في لهفةٍ رافعًا يده أمام وجهها:
-لالا ماتوطيش.
اندهشت من حمئته الغريبة، ورمقته بتلك النظرة غير المفهومة؛ لكن ما دار في خلده كان واضحًا، لم يرغب لطاووسه المعتد بنفسه أن يركع أو ينحني لأي شيء، خاصة أمامه، أرادها شامخة، مرفوعة الرأس، لا تحني رأسها إلا لبارئها. تلقائيًا التقطت "فيروزة" الإطار، ووضعته في مكانه وهي تقول بوجهٍ ما زال مرتبكًا:
-البرواز سليم، ماتكسرش.
ظل متجمدًا في مكانه، لم يتحرك قيد أنملة، وكأن مجالاً مغناطيسيًا يمنعه من التقدم، والسبب كان معلومًا إلا لها! تخبطت "فيروزة" حين وجدت صندوق الخياطة الصغير، واصطدمت يدها ببعض متعلقاته من توترها، فتبعثرت هنا وهناك، ومع هذا طلب منها بلطفٍ مهذب:
-سيبي كل حاجة في مكانها، ماتسويهاش.
أحست بالمزيد من الحرج لتصرفها الأخرق، ما الذي أصابها لتبدو بلهاء هكذا؟ أولته ظهرها محاولة إعادة ترتيب أشيائه بشكلٍ متعجل وهي تكرر في خجلٍ:
-مقصدش والله، أنا كنت عايزة علبة الخيطان وآ...
قاطعها مؤكدًا من جديد في هدوءٍ:
-خدي اللي يعجبك، ده مكانك ...
ثم ابتعد خارجًا من الغرفة لينادي:
-يا "هاجر"..
لم يسمع ردها، فكرر النداء:
-يا "هاجر"، إنتي فين؟
جاءه صوتها من خلف باب غرفتها يخبره:
-ثواني يا "تميم"، برضع "سلطان".
ألصق كتفه بالباب الموصود، وسألها في صوتٍ جعله شبه خفيض:
-طب أمك فين؟
سمع صوتها يجيبه سريعًا:
-مع جدي.. أنا خلاص خلصت، وجاية.
انتظر "تميم" في مكانه مرتكنًا على الحائط، ودقات قلبه تنتفض بشدة، كان في تلك اللحظة بين نارين، نار الحب المتأججة، ونار التزامه بوعده، فرجح كفة الأخير إيفاءً بما تعهد به، وإن كان فيه عذابه.
.................................................. ....

بخفةٍ وسرعة أعادت تنسيق ما أفسدته على التسريحة، ويداها ترتعشان في توترٍ، سحبت "فيروزة" أنفاسًا سريعة محاولة استعادة انضباطها، وهي في حيرة من أمرها، كيف لها أن تصبح على تلك الساذجة والبلاهة في وجوده، رغم أنها كانت تناطحه الند بالند في أشد المواقف تأزمًا وصعوبة، هناك شيء ما به يجعلها كمن أصيب بلعنته، خفق قلبها من هذا التفكير السريع، وحاولت نفضه عن عقلها لتركز فيما تفعله، ما إن انتهت حتى أمسكت بصندوق الخياطة بيدها، واستدارت لتواجهه؛ لكنها تفاجأت بعدم وجوده، انعقد حاجباها بشدةٍ، وتساءلت في انزعاجٍ احتل كامل ملامحها:
-هو فينه؟
تقدمت بخطواتٍ سريعة نحو باب الغرفة، ولم تشعر بنفسها تتساءل عاليًا:
-ماله؟ مش طايقني ولا إيه؟
شهقة مباغتة انفلتت من بين شفتيها، وقد وجدته يظهر قبالتها عند الباب، ارتدت عفويًا للخلف لتظل بداخل غرفته، حاولت الحفاظ على ثباتها، وإبقاء ملامحها هادئة، بالطبع رأى تلبكها الأهوج، وربما احمرار بشرتها؛ لكن قبل أن تنطق بعصبيةٍ، صُدمت به يقول مبررًا:
-أنا والله ما عايزك تفهمي حاجة غلط.
حملقت فيه بنظراتٍ متحفزة، فتابع بابتسامةٍ لطيفة، وتلك النظرة الدافئة المطلة من عينيه تشملها:
-إن كان عليا ماخلكيش تطلعي من هنا ..
أحست بجفافٍ يصيب حلقها، واستمرت في التحديق به بنظراتها التي تأرجحت بين الذهول والارتياح، لن تنكر أنها تمنت في قرارة نفسها أن تحظى بهذه النظرة المميزة التي تشعرها بأنها خاصة بها وحدها، لا يمنحها لأحدٍ غيرها، خبت عصبيتها، وارتخت قسماتها، خاصة حين بدا صوته هادئًا عذبًا، مخدرًا لحواسها وهو يغمغم قائلاً بغموض ضاعف من توترها اللذيذ:
-بس لسه الوقت مأزفش.
تطلعت إليه مليًا بغرابةٍ، تحاول سبر أغوار عقله، لكن تلك النظرة التي رمقها بها نفذت إلى داخلها؛ كأنما نجحت في اختراق حصونها، وجعلتها تشعر بشيءٍ عميق، أنها غير منبوذة، ومرغوبة بشدة كأنثى. قطع تواصلها البصري مجيء "هاجر" التي وزعت نظراتها بين الاثنين وخاطبتهما بابتسامتها العبثية:
-أنا خلصت يا "تميم"، في إيه يا "فيروزة"؟ ملاقتيش العلبة يا حبيبتي؟
أجابتها "فيروزة" أولاً وهي ترفع يدها للأعلى:
-معايا أهي.
بينما ردد "تميم" وهو يتنحى جانبًا:
-أنا أصلي دخلت فجأة الأوضة ولبختها.
رفعت "هاجر" حاجبها متسائلة في مكرٍ:
-طب أحضرلك تاكل؟
تحولت تعابيره للجدية وهو يرد:
-تسلم إيدك، بعدين، أنا نازل تاني ..
تدلى فك "فيروزة" السفلي في استغرابٍ لذهابه المفاجئ، وحاولت عدم النظر في اتجاهه؛ لكنه أجبر عينيها على التطلع إليه وهو يكمل إملاء أوامره على شقيقته ليشعرها بأهميتها الكبيرة:
-بس شوفي الأبلة عايزة إيه وساعديها، أوعي تقصري معاها.
أمسك بها وهي تنظر إليه، وبدت ملامحه غير مقروءة؛ لكنه ودعها بنفس النبرة الهادئة:
-نورتينا يا أبلة .. السلام عليكم.
انتظرت للحظة حتى ابتعد مع شقيقته للخارج، لتتبعهما وهي في قمة حرجها، دارت برأسها المزيد من الهواجس عندما عادت إليها "هاجر" مرددة:
-معرفش والله إيه اللي حصله.
ضاقت عينا "فيروزة" بشكٍ، فتابعت "هاجر" تفسير كلامها الغامض:
-ده بقى مابيقعدش في البيت ساعتين على بعض.
توهمت أنها السبب في عزوفه عن المكوث به بسبب تواجدها الزائد مؤخرًا، خاصة مع تعاظم هذا الشعور المُلح بداخلها بمطاردة ما كان يمنحه لها سابقًا في غفلةٍ منها، ورغبتها في التمتع بذلك الإحساس بدرجة ربما كانت منفرة له، وغير مريحة. نكست رأسها في خزيٍ، واعترفت لها بغصةٍ تؤلم حلقها:
-يمكن مضايق من وجودي وآ...
قبل أن تلعب برأسها الظنون المخادعة ضحكت "هاجر" مقاطعة إياها:
-"تميم"! يضايق منك، استحالة!
نظرت إليها مدهوشة، وبقلبٍ يدق في توترٍ غريب، بينما واصلت شقيقته البوح مع ضحكاتها القصيرة المرحة:
-إنتي متعرفيهوش كويس، "تميم" غير أي حد، بكرة لما آ...
بترت باقي جملتها عند سماعها نداء والدتها الجاد:
-يا "هاجر"!
التفت برأسها للجانب لترد:
-أيوه يامه.
أجابتها وهي تغلق باب غرفة الجد بعد أن خرجت منها:
-اتصلي بأبوكي شوفيه هيرجع أمتى، عشان أسخنه الأكل.
هزت رأسها في طاعة وهي ترد:
-ماشي.
انسحبت "هاجر" باحثة عن هاتفها المحمول، في حين وقفت "ونيسة" إلى جوارها تسألها:
-ناقصك إيه بنتي وأساعدك فيه؟
بعد ذلك الكم من الحرج والاعترافات الغامضة المثيرة للفضول، والتفكير، لم تعد "فيروزة" قادرة على التركيز، كان الحل الأسلم حاليًا الاختلاء بنفسها، ولملمة شتات فكرها المبعثر، لهذا جمعت متعلقاتها، وطوت المفرش قائلة:
-لأ، أنا كده تمام، دي حاجة بسيطة هنجزها على طول فوق مع ماما.
اعترضت عليها في ودٍ:
-طب أخلصها أنا، ده إنتي طول اليوم طالع عينك معانا.
ردت في إصرارٍ مصحوب بابتسامةٍ منمقة:
-ده شغلي، وأنا مبسوطة بيه.
ربتت "ونيسة" على كتفها تشكرها في امتنانٍ كبير:
-نتعبلك كده يا رب نهار فرحتنا بيكي إنتي وابني "تميم".
جملتها كانت عفوية للغاية، غير متبوعة بأي نوايا أو استباقٍ لما يمكن حدوثه، ومع هذا برقت عيناها مصدومة، واكتست بشرتها بحمرة غريبة جعلتها تشعر وكأنها في أوج حرجها، وهي التي لم تختبر مثل تلك المشاعر المربكة طوال سنوات عمرها. تصنعت الابتسام، وقالت في تلعثمٍ طفيف:
-عن إذنك يا طنط.
سارت معها "ونيسة" تصحبها لباب المنزل وهي تدعو لها بصدقٍ:
-ربنا يبارك فيكي ويصلح حالك، ويفرحنا بيكي قريب.
لوهلةٍ شعرت "فيروزة" كما لو كانت ساقاها تستثقلان الابتعاد عن هذا المكان المتخم بكافة المشاعر الأسرية الدافئة، بل الأحرى أنها خشيت الابتعاد عنه تحديدًا، استحضر ذهنها صورته، وصدمها تفكيرها الجري فيه هكذا أمام والدته، خفقة أخرى عصفت بقلبها، وجعلتها راغبة في الاختباء من نظراتها العادية التي يمكن أن تفضح أمرها، تحاشت النظر إليها، وهتفت مودعة إياها بابتسامة شبه مضطربة:
-تصبحوا على خير ........................................... !!
.................................................. .........


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 12-07-21, 08:36 PM   #1019

ام يونس1

? العضوٌ??? » 418937
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » ام يونس1 is on a distinguished road
افتراضي

سلمت يمناك جميلة جدا
وتميم عسل خالص تسلم ايديك


ام يونس1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-07-21, 09:35 PM   #1020

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 4 والزوار 6)

‏موضى و راكان, ‏زهرورة, ‏ليلة القمر, ‏جزيرة


تسلمى يا نولا فصل جميل


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:40 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.