آخر 10 مشاركات
وعد بالسعادة - قلوب النوفيلا - الكاتبة الرائعة :*سارة عادل* [زائرة]* كاملة &الروابط (الكاتـب : *سارة عادل* - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          4 - لعنة الماضي - بيني جوردان (دار الكتاب العربي) (الكاتـب : Gege86 - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          النضـــال ( الجزء الثانى من مذكرات مصاص الدماء ) - كامل - (الكاتـب : Dalyia - )           »          هل حقا نحن متناقضون....؟ (الكاتـب : المســــافررر - )           »          سجل حضورك ببيت شعر ^^ * مميزة * (الكاتـب : ميار بنت فيصل - )           »          اصديق (انت)ام عدو؟ (الكاتـب : مجهولة. القدر - )           »          عيون حزينة (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب حزينة (الكاتـب : mira24 - )           »          458 - صباح الجراح - كاتي ويليامز (عدد جديد) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: أكثر ثنائي أنتم في شوق للإلمام بتفاصيل قصته :
أوس و جوري 48 59.26%
كاظم و تيجان 25 30.86%
غسان و شمايل 10 12.35%
معتصم و رونق 23 28.40%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 81. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree2110Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-11-20, 10:49 PM   #461

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



"الفصل الرابع و العشرون"


"صوتها وصلني حتى المجلس ..مابها ؟"
قال ليث بفتور واقفا أمام باب مخدع أمه بعد أن جذبه بكاء أخته شمس العالي ..كانت تنتحب بعنف رافضة أن يلمسها أحد حتى أمها التي ما فتئت تدفعها عنها حين حاولت الاقتراب منها ..

ترفع صفية وجهها الذابل ناحية ابنها تحدق فيه بنظرات مبتئسة ذات مغزى فيفهمها دون حاجة للكلام ..يتحرك حلقها المتورم حالما ازدردت ريقها فتهمس بوجع تحاول مجددا احتواء جنون شمس وقد راحت تطوح بذراعيها مجددا "ما عدت قادرة على السيطرة عليها فقد اشتد عودها وغدت أقوى مني !"

تتجمد يداها على ابنتها حالما سمعت ضحكة ليث المجلجلة ..ضحكة مشوهة غص بها حلقه لا تشبه المرح لا من بعيد ولا من قريب ..ضحكة طويلة سالت على إثرها عبراته ..أو أنه في الواقع اتخذ منها ذريعة جيدة ليذرف على راحته دموع رجل مقهور سلّم بعجزه أمام قضاء الله ..دموع كبتها طويلا منذ اللحظة التي تخطت فيها قدما أخته عتبة الدار ومنها إلى السيارة الفخمة التي خطفتها من بين يديه ..

ظن في وقت ما أن أصعب لحظة عاشها على الإطلاق كانت حين رأى وجه أبيه المستكين وقد غادرته الحياة بلا رجعة ..كان حينها متأكدا أنه لن يعيش ما هو أقسى من هكذا موقف ..وكم كان مخطئا ..

أصعب ما في الأمر أنه لم يملك حق الصراخ ..حق التمرد ..وكما اقتضت الأعراف والعادات (وجب) عليه إخراجها بيده ..تسليمها بيده ..لزوجها ..

(وجب )عليه الوقوف ثابتا متماسكا ..مبتسما للعيون التي سُلّطت عليه ..يراقب السيارة التي تخيلها في تلك اللحظة كوحش أسود تبتعد وتختفي عن الأنظار ..

و ياليته ارتاح عند هذا الحد فالمجلس كان يعج بالرجال وقد (وجب) عليه مجالستهم و المشاركة في أحاديث بدت له سخيفة خاوية ..بعيدة كل البعد عن الحق ..عن اليقين ..الذي يعرفه الجميع ولكن كل واحد كان حذرا بما يكفي ليحوم حول الحقيقة دون أن يجرؤ على الاعتراف أن عباس لا يستحق حفيدة الحاج عبد العليم ..

وأدرك بأقسى الطرق أن الفقد لا يكون بالموت فحسب ..بل أن أصعب الفقد أن يتسرب من بين أناملك كل غال و عزيز ..فيكون حيا يرزق يحيا بعيدا عنك حياة ستتمنى الموت على أن تراه يعيشها أمام ناظريك ..

وحين خففت ضحكته قليلا كان يمسح أثر دمعاته الغالية و يهتف يهوّن رعب أمه التي جحظت عيناها القلقتان عليه مشيرا إلى أخته " هل أنتِ واثقة أنها عليلة ..والله إني لأرى رد فعلها طبيعيا تماما حتى إني لأوشك أن أقرفص مثلها وأبكي العروس البائسة ..من يدري فربما حينها نواسي بعضنا و نرتاح !"

ما عادت تسمع نشيج شمس في هذه اللحظة إذ أخذ قلبها يرعد بعنف فتتحامل على ضعفها و تستقيم واقفة تركز نظراتها في عينيه الشجيتين وقد خافت بالفعل عليه فتهمس بوهن تترجاه "لا تفعل بي هذا ليث .. لا تخذلوني جميعا دفعة واحدة فما عدت بقادرة على تحمل المزيد من الصدمات ..عد إلى صوابك واثبت فأنا في أمسّ الحاجة إليك !"

يبتسم لعينيها يرد غير مكترث وقد اعتاد على حالاته العجيبة "هوّني عليكِ يا أم ليث ..إن هي إلا حالة أخرى من حالاتي العاطفية ..ستزول كسابقاتها .."

إن ظن أنه بكلامه قد هدّأ روعها فقد كان واهما إذ شخصت عيناها المتورمتان أكثر فيما تتلكأ قائلة "حا..حالة أخرى ؟ "

فيزفر متأففا كارها لنظراتها المتفحصة و يتذمر قائلا "لا تنظري إليّ هكذا ..لم أفقد عقلي بعد ولن يحدث هذا بحول الله"

ليستزيد ساخرا يتعمد رفع صوته ليصل كلامه تماضر التي كانت قادمة صوبهما وقد عرفها من نقرات عصاها على البلاط "على الأقل ليس قبل أن تفقد هي عقلها !"

يحتقن وجهها وقد استفزتها ملاحظته الوقحة فتزجره بالقول الغاضب حالما وصلت إليهما "يبدو أنكَ جننت فعلا لتخاطب جدتك هكذا !"

ليث الذي تلبسته بالفعل حالة جنون حالما رآها كان يتعمد النظر في وجه أمه حين أجابها مفكرا على مهله دون أن يعير غضبها أدنى اهتمام "كنت أتساءل ..هل لجدتي العزيزة يد في ما يحدث يا ترى ؟"

"تالله لا تفتأون تحشرونني في كل مظلمة حتى أهلك أو تهلكون ؟!"
يعلو صوتها المغتاظ أكثر تصحبه نقرة شديدة من عصاها على الأرضية إلا أنه غافل عنها مركز على أمه التي شحبت تماما وقد أجفلها سؤاله المباغت فيجز على ضروسه ويلوي عنقه ناحيتها يفح مبتسما "لن أسامحكِ إلى يوم يبعثون حينها ..أبدا !"

ليستزيد وقد اتسعت ابتسامته المخيفة "لكني واثق أن جدتي الحبيبة لا يُعرَف عنها مثل هذي الفعال !"

ينسحب بعدها نحو مجلس الرجال دون أن يسمع منها تعقيبا وقد عاف فجأة النظر في وجهها ..

لا يدري كم عليه أن يستعد بعد..ليصدم أكثر ..لكن هذه الفوضى التي لم يعد يفرز فيها بين الظالم و المظلوم أوحت إليه بشعور عجيب ..فبات يرى نفسه مغدورا ..غريبا .. بين أحبابه ..


تراقب ابنها يغادر يجر أذيال خيبته يدعي الصمود فتشي خطواته المتخاذلة بحمل قصم ظهره ..
ما كانت لتتخيل مطلقا أن ليثا قد يثبت كما فعل اليوم ..والحق أنه قد فاجأها فزادها إيمانا و صبرا و سكينة ..

ابتسامة مهزومة ارتسمت على شفاهها المتيبسة لتردف قائلة بعدها باتزان " أتساءل عن شعوركِ اللحظة وقد تحقق مناكِ..راحة و سكينة ..حبور ؟"

حاولت تماضر أن تنسى نظرات جوري الأخيرة التي رمقتها بها قبل أن يسدل الخمار الرقيق على وجهها ..حاولت أن تمحو صورتها بينما تخرج متأبطة ذراع أخيها..لكنها فشلت فشلا ذريعا حتى أن ذاكرتها الخائنة سحبت غدرا في لحظة ضعف ملفات قديمة مضنية تحمل من عمق الماضي الكثير ..فتبصر بوضوح مخدعها المزدان بأبهى الألوان يرحب بقدوم عروس عبد العليم .. تشتم بصفاء موجع عطر العود الذي أزكم أنفها حال دخوله ..دفء كفيه ..صوته الرخيم ..ابتسامته الوقورة ..

للحظة خاطفة كان قلبها يستحيل حيا كما كان ..عاشقا سعيدا ..قلب فتاة بريئة متحمسة لحياتها الجديدة ..هاربة إلى حضن زوجها من كآبة دار أبيها والمشاكل التي لا تنتهي بين زوجتَيْه ..

ومات قلب الفتاة ..ودفنت أمالها وأحلامها بيديها ...مرّتين .. !

وتتلاشى الذكريات الجميلة كما السراب وتأخذ معها حلاوتها مخلفة طعم مرارة صدئا ..

ذاك الثقل الفظيع الجاثم فوق صدرها يزيدها احتراقا بنار غضب لا تعرف الخمود وكلما ظنت نفسها قريبة من الرضا والراحة تبتعد أميالا وأميال ..

وفي أشد لحظات حيرتها يطرح ذات السؤال نفسه في كل مرة ..هل العيب فيها أم فيهم .. !
ثم تزيد صفية الطين بلة حين تنطق دوما ما ينكأ جرحها ..تحدجها بنظرات قاسية مستهزئة ثم تفح بازدراء واضح "انتهينا من البكاء و العويل إذا يا بنت عمران!"

فيكون الرد صريحا حد القسوة "نشّفتِ المآقي و أنضبتِ المدامع يا أخته"

تستزيد بذات النبرة المهينة تفرغ فيها كل جنونها "أما قلتِ أنني لن أتخيل ما قد تفعلينه لأجل أولادكِ ..ماذا فعلت إذا ؟"


فتجيبها صفية بكلمات مشفقة صادقة "أولى لكِ أن تفكري ماذا فعلتِ أنتِ .. صدقيني مهما حلّ بي من مصائب الدنيا ما كنت لأتمنى أن أكون موضعكِ..اللهم لا شماتة .. ! "

تستفزها و تجنّنها أكثر بكلامها فتهتف تماضر بنبرة عاتية وقد توهجت القسوة في مقلتيها "ألا ترين كم أنكِ مثيرة للشفقة ..تعزين نفسكِ بي ..أنا !"

لتصرخ وقد ضغط بكاء شمس على أعصابها المهزوزة "أسكِتيها أو غلّقي الأبواب على الأقل ليخفت صوتها فقد أحرجتنا بصراخها أمام ضيوفنا "

تنصرف بعدها شامخة برأسها دون أن تتقرب من حفيدتها كما دأبت في الآونة الأخيرة وكأنها تخشى لمسها ..

ترتعب من رؤية فاتح في عينيها ..يعاتبها !

......................................



ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-20, 10:50 PM   #462

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



"أخيرا ..أخيرا يا بهية !"

نظراته الزائغة تمشطها في جلستها يتلذذ بعذابه المتمهل ..مستورة بكليّتها عن عينيه ..لكن ليس لوقت طويل ..

مازال يتكئ على الباب الذي أغلقه عليهما منذ ثوان قليلة يهمس يعاتبها برقة دون أن تحيد عيناه المتلهفتان عن قعدتها المستكينة "ما كنت لأرضى بعرس هادئ بسيط كهذا لولا عنادكِ يا ذهبية .. ومالي أنا غير السمع والطاعة !"

ما كانت جوري بسامحة لعباس أن يرقص فرحا على قبر فاتح فكان شرطها الأوحد أن تخرج من دار أبيها دون زغاريد أو أهازيج ..أو إطلاق الأعيرة النارية ..احتراما لذكراه الغالية ..

يبدأ صبره بالنفاذ متراجعا عن رغبته في التريث هذه الليلة والتروّي في تذوّق رحيقها المسكّر فيحث خطاه نحوها وقد سئم من همودها وكأنها تمثال شمعي بلا روح "ألم يحن الوقت لتسمعيني صوتكِ المغوي يا مليحة .. أرخي حجابكِ واكشفي عن بهاءكِ الفتان ..اقتليني في حضنكِ ثم أحييني بإكسيركِ! "


...................................

بعد دقائق ...

يمرّر كفه السمراء الخشنة على الخشب المصقول لباب الحمام الموصد بينهما ..يكاد يحفره بأصابعه يناشدها لاهثا برفق ناقض تماما الجنون الذي تلبسه منذ لحظات "جوري..افتحي الباب ..أتخشينني وأنا زوجكِ !..أعلم أني أخفتكِ..افتحي يا روح عباس ..امنحيني فرصة لأشرح "

يدها على صدرها المهتاج بأنفاسه المتلاحقة ..تفغر فاها لاهثة بجنون تسند ثقلها على المغسلة الرخامية وقد خارت ركبتاها مبهوتة مما رأت قبل قليل ..

توقعت أن تريثه سيستمر لوقت أطول ريثما تجهز نفسها للمواجهة التي تخيلتها وانتظرتها مطوّلا لكنه فاجأها بحق ..فمع آخر كلمة نطقها كان يداهمها حرفيا و يرتمي بثقله عليها ينتزع خمارها عن وجهها بعنف مخيف ثم يمد كفيه ليلامسها على عجالة ..

تعتصر جفنيها متأوهة حين تذكّرت أنفاسه الثقيلة جوار أذنها كخوار ثور هائج ..غثيان رهيب صاحب حركاتها المرتبكة بينما تتخبط في سعي حثيث لتبعد وجهها عن مرمى شفتيه وفي ذات الوقت تتصارع معه بيد واحدة فيما تتسلل يدها الأخرى تحت أتلال الذهب تشق طريقها المحدد بعناية صوب الخنجر المدسوس في نحرها ..

يشتد اعتصارها لجفنيها أكثر حين تتذكر أنه قارب هزيمتها وقد خارت قواها في ظرف قياسي أمام إصراره المرعب ..أوشكت حينها على الصراخ طلبا للنجدة لولا أنه توقف فجأة وابتعد عنها وقد توحشت ملامحه فراح يهذر بعنف بكلام مبهم غير مترابط ليتحول أمام أنظارها الهلعة إلى وحش بشري مهتاج خارج السيطرة فيقلب السرير الملوكي المنجد والمخدع رأسا على عقب فكانت تغتنم فرصة انشغاله و تفر ناحية الحمام الملحق وتوصده على نفسها قبل أن يدركها ..

"لا تلعبي على أوتار صبري القليل ..افتحي الباب يا قلب عباس النابض ! "

سماع صوته الخشن الأجش زادها ارتعادا فيما تناظر باب الحمام الموصد ..فتوليه ظهرها تقابل المرآة فتقع عيناها على الآثار الحمراء أسفل ذقنها و جيدها التي خلفها احتكاك المصوغات الذهبية مع بشرتها الحساسة حينما كان يصارع لينالها ..

تدس كفها المرتعشة وتسحب الخنجر الذي راح يهتز كاهتزاز يدها الممسكة بقوة بغمده الفضي المنقوش ..كان خنجر ليث أهداه إياه فاتح منذ سنوات ..تسللت إلى غرفته و أخذته دون علمه وقررت أن تواجه عباس بكل ما تعرفه من حقائق حول هذا الزواج البائس الباطل في عرفها إذ تم غصبا عنها ..

كم انتظرت اللحظة التي خططت لها طويلا ..حين تلقي على مسامعه خطابا طويلا قويا تختمه بوعيدها تهدده بطعن قلبها إن هو وضع أصبعا واحدا عليها .. كان مجنونا لا يبالي بالعواقب وكانت أكثر جنونا منه ..وعلى أهبة الاستعداد لتريه ماذا يعني أن يبتزها و يسعى لنيلها مستترا بالحلال ..

يعلو طنين أذنيها تزامنا مع تسارع ضربات قلبها الواجف ما إن سمعت ضرباته على الباب وقد ازدادت عنفا ..

تلتفت صوب الباب تناظره في ترقب مؤلم لأعصابها المجهدة وقد هدأ كل شيء دفعة واحدة ..هدوء لم يستمر طويلا إذ كان يفتح الباب أخيرا بمفتاح آخر على ما يبدو فتسارع لإلقاء الخنجر من يدها المدسوسة خلف ظهرها ثم ترفسه بتأن ليختفي أسفل المغسلة وقد استشعرت بحدسها أن وراء جنونه ذاك حلّا آخر ينقذها من براثنه دون أن تسلك طريق المواجهة المباشرة ..طريقا كانت على دراية تامة أنه وعر محفوف بالمخاطر ..

كان ارتعاشها حقيقيا حين حاول الاقتراب وقد أخافها ذاك الاشتعال الرهيب في عينيه ..

فيثبت في مكانه يلتهم تفاصيل وجهها المكشوف ويهمس بهيام يقارب الجنون " لا تعرفين كم تقت لهذي اللحظة ..لا تدركين كم تستحقين العناء " ليواصل بشراسة يطحن الكلمات "لا تعلمين كم أصبر كي لا أمزقكِ وأنا الذي كنت أبعد عن الصبر بعد الأرض عن السماء !"

تكابد لئلا تبدي له ضيقها و اشمئزازها من نظره إلى وجهها المتكشف وتهمس متهدجة الأنفاس وقد توسعت عيناها "تمزقني ..وترجو مني ألا أخشاك ؟"

يهتز صوته المتحجرش برغباته المكبوتة حين أجابها غارقا في التحديق في وجهها بنظرات شهوانية عافتها نفسها "كيف لا أمزقكِ وأنا أقف ها هنا ..قربكِ عاجزا عن وصالكِ ..أملأ عيني بجمالكِ دون أن أطاله!"

هزّها اعترافه الغريب فتحاول السيطرة على خوفها من اختضاضه المرعب وتصبّ كل تركيزها عليه على أمل أن يبوح بالمزيد مما قد يفيدها ...

يواصل بزمجرة مجنونة وقد توحشت نظراته الساهية في زيغها المهول "لكني سأعود إلى وكرها النتن وأحاسبها على ما فعلت و ما لم تفعل !"

تتنفس بعمق قبل أن تسأله برقة متناهية تأمل أن تنفك طلاسم كلماته وقد طفى على قسماتها رعب متناه أبدعت في المبالغة في رسمه حين لاحظت أنه يخشى إخافتها"ماذا يحدث عباس ؟"

يتأوه بخشونة منفرة ثم يهمس مغمضا عينيه المحترقتين "لا تنطقي اسمي بلوعة هكذا ..بت أرى هلاكي المحتم بين يديكِ يا امرأة !" ويستطرد مجيبا سؤالها يكاد غضبه الحارق أن يفتك بأعصابه المنهارة "خدعتني السحّارة النجسة ..الكافرة بنت ال.....قالت أنها أبطلت سحر الربط ..قالت أني سأكون قادرا أخيرا على وصالكِ !"

قشعريرة عاتية سرت في بدنها بالكامل ..انخرس لسانها مشدوهة لمسار الأحداث ..فبعد أن ابتلعها اليأس وظنت أنها منتهية منذ قليل حين أحكم طوقه حولها هاهي ذي تراه قريبا منها كما لم يكن يوما ..آمنة من شره كما لم تكن يوما ..

تتنبه من غفلتها الوجيزة على هموده الغريب و نظراته الشكاّكة ليقول بعدها بنبرة مظلمة "أم أنكِ أيضا عملتِ لي عملا مثلهن ؟"

انسكبت دموع الامتنان جارية بلا توقف دون أن تملك كبتها فكانت تستغلها كما يتطلب الموقف تنتحب بتعاسة و قنوط "وماذا سأستفيد أنا ..زواجنا شرعي صحيح أمام الله وعباده ..ماذا عن أحلام رسمتها معك..أطفالنا ..مستقبلنا ..هل ذهبت كلها هباء منثورا ..لن أحتمل أن أعيش معلقة هكذا عباس ؟"

يتخلى عن حذره وشكه فيها ويغرق مجددا في هوسه الذي نشب مخالبه أكثر في روحه العليلة حين درى أن شفاءه منها مازال بعيدا ..

يشتم ببذاءة تشمئز لها النفس ثم أن يهمس لاهثا "جووووري .. وهل أحتمل أنا .. قلبي يتمزق لمرأى دمعكِ الغالي ..اصبري يا مليحة ..وأنا أيضا سأصبر ريثما نجد حلا و نبطل هذا السحر اللعين ! "

تزيغ نظراته مجددا ويدنو منها يقرّب راحة يده المرتعشة من خدّها هاتفا بفحيح مجنون "هل لي بلثم تغركِ الفواح ..هدّئيني يا بهية ..أريحيني بالله عليكِ"

أوشك قلبها أن يتوقف حين لمحته يدنو برأسه من شفاهها وحين كانت تقاتل نفورها وغثيانها كان يسحب نفسه مترنحا بعيدا عنها شاتما بأقذع الألفاظ مجددا مبعثرا كل ما صادفه أمامه ليهتف بعدها بتقطع بائس "لا أستطيع ..لمسكِ لن يفعل أكثر من تأجيج نار لست بقادر على إخمادها ... خسئت بنت ال..لعنها الله..سأجن ..سأجن .. "

كان مجنونا بالفعل ..مخيفا بتقلباته العجيبة في لمح البصر من حال إلى حال ..حتى أن المرء يخشى على حياته منه فلا يمكن الوثوق قط بعهوده ..

تنكمش على نفسها في ركن قصي من الحمام المبعثر وتراقبه يخرج إلى الغرفة قبل أن يعود حاملا منديلا أبيضا مطرز الحواشي يرفعه إلى أنفه أمام أنظارها يشتمه كالمهووس قبل أن يتطلع إليها يبتلع ريقه الناشف ويهمس متحسرا يعتصره بأصابعه بقوة "آه لكم وددت لو .." يبتر عبارته هاتفا بشراسة مجددا غير قادر على التحكم بأعصابه "ملاعين..خسئتم ..تعبثون معي ..أبيدكم أجمعين ولا أبالي .."

يتطلع يمنة و يسرة يبحث عن أدوات حلاقته في تلك الفوضى التي أحدثها فيعثر بعد لحظات على مراده ..

يحدث بعدها جرحا طفيفا في راحة يده بالشفرة ويمسح الدم النازف في المنديل ..

يهتف بقوة يصبّر نفسه " ليس ببعيد ..وإني لأرى اليوم الذي ستحملين فيه ابننا بين ذراعيكِ أقرب إلينا من كل قريب..ليس صعبا ..ليس صعبا ..فقد بات الصبر عنواني مذ همتُ بكِ .."

تفيق من تجمدها فتلحقه إلى الغرفة فتراه يلف على رأسه عمامته التي ألقاها في وقت سابق ويعاود ارتداء جلبابه الأنيق فوق ثيابه المجعدة ..

تناديه حالما همّ بالخروج فيجيبها متضرعا رغم الغضب الأسود المجنون الذي كان يموج به صدره " لا تحرميني من هذه اللحظة يا مليحة ..أريد أن يسمع الجميع الأعيرة النارية ..أريد أن ترى جميع النسوة الحاضرة في التو هذا المنديل الممهور بدليل ملكيتي لكِ..أرتاح حينها قبل أن أفقد صوابي "

لم تعرف بماذا تجيبه فيستزيد بصوت مختنق قبل أن يخرج "لا تنتظريني فلن أصطبر على النوم قربكِ الليلة يا بهية .. "


"ما كنت لأطمع في أكثر من هذا يا رب ..لك الحمد والشكر دائما أبدا "
لا تدري كم ظلت على وضعها ذاك بعد أن خرّت ساجدة لله تبكي وتبكي دون توقف ..وكم تمنت في هذه اللحظة لو كان بمقدورها مشاركة أخيها وأمها فرحتها ..لو كان بوسعها أن تصرخ أمام العالم أجمع وتسمع صوتها للقاصي والداني

"ظنوا أني وحيدة ..ونسوا أن لي ربا يكلأني .. !"


...........................................



ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-20, 10:51 PM   #463

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




"دعينا نرحل بعيدا عن هنا يا أمي ..وضّبي كل شيء حالا "

كانت جالسة في فناء الدار الخارجي حين خرج أوس إليها يلهث بعنف تزامنا مع إطلاق الأعيرة النارية فترفع عينيها المبلولتين بدمعها كمدا على جوري نحوه
وتقول باقتضاب وقد تبلّد عقلها "م..ماذا ؟"

يواصل هتافه المجنون غير قادر على احتواء الألم الذي يتدفق مدرارا من قلبه فيغمر جسده بكليته "لم أعد أطيق العيش هنا بعد الآن ما ادخرته من مال يكفينا لنستقر في بقعة ما قصية ونؤسس حياة جديدة ..انهضي أمي !"

تفيق من حالة الغباء المؤقتة التي ضربتها وتصيح بلهجة خائبة تخبط فخذيها براحتيها بعد أن استوعبت خطورة هذيانه "أنا لن أغادر إلى أي مكان ..لم أتخط حدود هذه القرية منذ ما يزيد عن أربعين سنة حين أتيت رفقة أبيك و تريد الآن أن تسحبني معك لا لشيء عدا لإرضاء نزوة غريبة جديدة من نزواتك ..ستقتلني يوما بحالاتك المتقلبة ..وأنا التي قلت في نفسي أنك احتويت مشاعرك و تخطيتها حين رأيت منك هدوء وتقبلا لشهرزاد طوال الأيام الفائتة .."

يعلو صوته العصبي على صوتها إذ كانت حالته المضطربة غير طبيعية البتة "إن كانت نزوة فإنها بعمر سنين حياتي البائسة كلها ..ارحميني واذهبي لتوضيب الأغراض اللعينة بدل معاندتي و إلا تركتكِ خلفي و رحلت .."

تئن متوجعة وتهتف ذاهبة الأنفاس وقد عادت عبراتها للانسكاب على ابنها هذه المرة "لماذا تفعل بي هذا يا ولدي ..في حين أنني صدقت أنك بخير؟ "

وكانت مخطئة حين صدقت أو ربما أرادت أن تصدق أنه تجاوز جوري ..فالإنسان لا يدرك حقيقة نفسه إلا حين يغمره الموقف تماما ..قد يدعي من بعيد أنه أهل للصبر و الثبات لكنه لن يعرف أبدا ما لم يكتوي جلده العاري بنار البلايا ..

يجيبها مهزوما بلسان أثقله الوجع "تقبلي إذا إحباط مسعاي في تخطيها ..ظننت أني أستطيع ..لكني كنت واهما ..لا أتحمل ...لا أستطيع .. أكاد أشعر بتلك الرصاصات تخترق أيسر صدري أماه ..تمزقه .. أموت و أحيا في اليوم ألف مرة أماه .. يا رب السماوات ..ليس عدلا ..ليس عدلا ! "

تصرخ بصوت مبحوح تنهره بقسوة تعافر لتعيده إلى صوابه "وهل اكتشفت ذلك اليوم فحسب أم أنك تعشمت بُطلان زواجها مثلا ..ما عرفتكَ بهذا الغباء يا أوس "

ثم تضيف بعدها بحنو وقد غلبتها أمومتها "لا تهذي يا بني ..لا تعذبني بك..إنما الصبر في الحظة الأولى من المصيبة ..أعلم أن الاحتمال صعب ..أن الاستيعاب أصعب لكن حدة الألم ستخفت مع الوقت.. صدقني .. "

يحدق في ملامحها المجهدة للحظات مفكرا ليهمس مسلّما في النهاية بصوت واه متداع بالكاد بلغ أذنيها "معكِ حق ..انسي ما قلته إذا "

ويرتد على عقبيه دون أية كلمة اخرى ناحية غرفته .. ينبئها قلبها أن الأمر لن ينتهي هنا وحسب فتحاول مجاراة خطواته لكنه كان أسرع منها إذ أوصد الباب على نفسه قبل أن تدركه فتناديه متضرعة لاهثة ببكاء حار "افتح الباب يا بني "

تتوقف عن المحاولة مصيخة سمعها فيصلها أنين توجعه وكأنه يحتضر قبل أن يهتف بحجرشة كئيبة " أعتقد أني أملك حق البقاء وحدي لبعض الوقت بما أني راضيتكِ ولم أخرج عن طوعكِ .. "

يزيدها اصرارا فيتوالى قرعها العنيف هامسة بلوعة "افتح يا بني ..لا تسمح للشيطان أن ينفرد بك و يغلبك في أضعف لحظاتك"

فيكون رده الأجش المكتوم "على الأقل أنتِ تدركين أنها أضعف لحظاتي ..أسوءها على الإطلاق .. تصبحين على خير أمي اذهبي لتنامي"

لا تيأس من معاودة الكرة تأمل أن يلين كعادته دون أن يقوى على ردّها إلا أنه خيّب أملها هذه المرة فتهمس باكية قبل أن تنصرف إلى غرفتها "استهد بالله يا حبيبي ..أذكره لترتاح ..ما خاب من يرضي والديه وأنا أُشهِد الله وملائكته أنك كنت دوما لي نعم الابن و السند ..وإني لأكاد أقسم أن الله سيفرج كربتك ..وكما بكيت اليوم كمدا سيبكيك فرحا ولو بعد حين .."

يسمع خطواتها المبتعدة فيهمس لنفسه ضائعا في قنوط لحظي سيطر عليه "لا ينفع ..لا ينفع أي شيء مهما حاولت ..لا يؤثر "

تلك الحالة من اليأس التي تفتك بالمرء أحيانا مهما بلغ إيمانه ..يشعر أن كل ما يفعله لا يجدي نفعا ..صلواته ..دعواته ..وكل عباداته ..وكأنه يناطح الصخر ..والحال أنه لا يرى النفع وقتما يشاء هو ..بل حين يشاء سبحانه ..فيكون الصبر سلاحه الأوحد ويقينه بالله مفتاح سكينته في مواجهة وساوس إبليس اللعين ..ففتنة العبادات لكثرة ما قد يقع فيها من التباسات أشد من فتنة المعاصي الظاهرة في مجملها ..

وتبقى حالة عارضة تطول مدتها أو تقصر حسب عزيمة المرء وقوة ثقته بالله فينهض بعد سقطته ويقترب بعد أن ابتعد ..


............................


ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-20, 10:51 PM   #464

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


طلقات الأعيرة النارية التي انتشى لسماعها عباس رغم درايته بزيفها عذبت الكثيرين ..وكان ليث أولهم ..حملته حينها قدماه إلى المجلس ليجد عمه الأكبر حامد جالسا هناك منفردا بنفسه مبتئس المُحيا فيقابله بابتسامة مجاملة فاترة وقد تفاجأ لمرآه وينهض راغبا في الانصراف ..

"انتظر عمي حامد أريدك في كلمتين "
يقرر ليث أن ينهي هذا الوضع غير المريح بينهما و يستطرد قائلا بصراحة وعقلانية "أرى أنك تتهرب مني ..يمكنني أن أخمّن السبب..أريدك أن تعلم أنك لم تجرم في حقي حين كنت اليوم ولي جوري في عقد قرانها ..لم أعتب عليك فمن المنطقي أن تعوض غيابي ..هوّن على نفسك عماه ! "

عيناه الذاهلتان تألقتا بدموع حبيسة فيهمس مختنقا وقد غلبته الغصة التي استحكمت حلقه "أضعت أمانة أخي يا بني "

هكذا هم أعمامه كما عرفهم دوما ..مسالمون بقلوب طيبة رحبة تسع الجميع ..لا يؤذون مخلوقا كأمهم تماما ..لم يرها يوما تعترض على قرارات جدته لكن الحق يقال تماضر أيضا رغم قسوتها و حبها للسيطرة على الأمور لم تظلمها وأولادها يوما ..

يربت على كتف عمه مواسيا "لا تثريب عليك عمي فلا راد لقضاء الله "

لم يتخيل ليث أنه سيتضرر لهذه الدرجة لأجل جوري ..حزنه كان عميقا ..
ذاك النوع من الشجن الذي يكون أكبر من الدموع ..
يغور في القلب ..
يخدّر الروح ..
و يخرس اللسان ..

والعجيب في الأمر أن أمله مازال مزهرا وسط الرماد ..ينتظر شيئا ما ..معجزة مثلا .. !

هذا الأمل الذي استنزفه وأتى على أعصابه ومازال كذلك إلا أنه يشعر بنفسه مجبرا على التمسك به رغم أنه أدمى كفيه ..وإلا فعلى عقله السلام !


....................................



ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-20, 10:52 PM   #465

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


صباح اليوم الموالي

كان يستند إلى الشجرة حيث مكانه المعتاد يراقب الشياه ترعى في مرمى بصره حين أدركته زاهرة لاهثة "ألم أطلب منك أن ترتاح أسبوعا آخر بعد.. وأبكرت بالخروج دون أن تشرب قهوتك ؟"

فيعقب بضيق "شفيت تقريبا كما ترين ..كما أني ما عدت أطيق البقاء في البيت طوال اليوم تحومان حولي وتخنقانني باهتمام مفرط أنا في غنى عنه "

حاول طوال الأيام المنصرمة التجاوب مع زيارات شهرزاد لكنها كانت تضغط على أعصابه بإلحاحها المنفر ..

فكّر بعقله متجاهلا نداء قلبه وقرر منح فرصة للخطبة التي تسرعت أمه وعقدتها من وراء ظهره دون أن يعاتبها فهي أم تسعى لإنقاذ وليدها من مهالك قلبه ..

كم مرة كرر لنفسه أن المودة و الرحمة أمران أساسيان لقيام زواج سليم يمكن أن ينجح بلا حب فالحياة لن تتوقف إن كُسر قلبه فكم من أمنيات دفنت مع أصحابها في القبور ..وكم من أحلام أُجهضت قبل أن ترى النور ..

لكنه بات يشعر كل يوم أنه يخوض معركة خاسرة مع نفسه ..لم يتمكن من تقبل شهرزاد ولو نذرا يسيرا حتى أنه لا يستطيع ملاقاة عينيها ..لا يحتمل رؤية حب وفرح لا طاقة له ليبادلها إياهم ..

كان ببساطة يعيش جحيما أعتى من حبه الذي تلظى في ناره لسنوات طويلة ..

تبحلق في تعابيره المرهقة لولهة ثم تبرطم بانزعاج جلي "ماذا قلت بالأمس للبنت فهي لم تأت اليوم ؟"

لم يكن على طبيعته بالأمس ..كبركان خامد قد يثور في أية لحظة ..هدوء ظاهري خداع غلف غليانا باطنيا رهيبا ..روحه كانت هائمة حول جوري يفكر فيها وفي عرسها المرتقب ..

فكان ينفجر في وجه شهرزاد وقد نفذ صبره و يفرغ كل ما كبته لأيام مما رآه منها وتغاضى عنه ..

يردف قائلا مغاضبا " لا تضغطِ علي أكثر أمي أنا أحاول أن أبذل قصار جهدي لأتلطّف معها لكنها تتمادى ظنا منها أن صمتي علامة رضا على تصرفاتها ..مازلت أجنبيا عنها لتحوم في الأرجاء بلباس بيتي رقيق وكأنها في دار أبيها ..ويا ليتها توقفت عند هذا الحد بل و تبتسم في وجهي ببلاهة سعيدة بسكوتي ..والله شيطاني يحثني أن أخبرها بصراحة أنها لن تؤثر بي ولو نزعت كل ثيا.."

تسارع لتغطية فمه وقد احمرّ وجهها غيظا وحياء "استهد بالله يا ولد ما هذا الكلام ؟"

فيبعد يدها ويهتف ممتعضا ممسكا معصمها برفق "هل طلبت الكثير يا أمي أريد مساحة لأنسى ..ضغطها علي لن يزيدني منها إلا نفورا"

فتهتف بائسة بدورها "لن تنسى ..لن تنسى "

يعي أنها تعرفه حق المعرفة وتدرك أنه لن ينسى بسهولة بل ربما لن ينسى أبدا فيتنهد عميقا ويقرّ بفتور دون أن يراوغها بلا فائدة "لأتأقلم على الأقل ..من قال أني لن أعاملها بالحسنى حين تغدو حليلتي ..في داري ..بالله عليك هل يجوز ما تفعله بنفسها ؟"

تبتئس أكثر مجيبة بهمس متوتر"استحيت من ردعها فهي تحبك كثيرا "

فيعاجلها بالقول القوي الحاسم"ولهذا ردعتها بنفسي كما يجب فطلبت منها بالأمس أن تتوقف عن المجيء كل يوم إلينا وأن تكف عن التكشف أمامي بمنتهى السفور .. ما ذاك الانفتاح وكأنها زوجتي منذ دهور .. ؟"

لم تعلق دارية بأحقيته توافقه بصمت لتنطق بعد برهة بما شغل بالها طويلا تتلافى النظر في عينيه "هل ...تحبك هي أيضا ؟"

أجفلته بمسار أفكارها المداهمِة وقد أدرك المقصود دون الحاجة لتلفظ اسمها فما غابت تلك البعيدة ..القريبة ..عن باله أصلا فيداري تلجلجه مستنكرا بحدة "ما هذا السؤال هكذا فجأة ؟"

تتمادى أكثر غير عابئة بتبرمه مركزة على ما يهمها "هل حدث بينكما ..شيء ما ؟"

يصرخ بلهجة أعنف وقد احتقن وجهه "أمي ..تكسرينني بأسئلة هابطة كهذه!"

فتهز كتفيها بخفة وتقول بهدوء تعيس غير مهتمة بانفعاله "تعلم أني لا أتهمك بما لا يليق بك ..فقط جاوب و أرحني "

لم يعرف ماذا يخبرها تحديدا إلا أنه اختار أول ما تبادر لذهنه حال سماعه سؤالها فيجيبها بصوت أجش خفيض وقد تراءت أمام عينيه وكأنه لم يرها إلا منذ ثوان خلت "رأيت .. وجهها "

تتأكد من أسوء شكوكها فما من شيء يجعله يصطلي في عذاب بلا نهاية هكذا ما لم يكن حبه متبادلا ..فتحرق الدموع عينيها تماما كما أحرقت الكلمات شفتيها حين نطقت لوعة "كنت أعلم ..لهذا أبقيت أمر خطبتك سرا حتى إشعار آخر..لم أستطع مواجهتها..لم أتحمل وداعها ..ما هذا البلاء يا رب "

يفهم مجرى أفكارها في الحال فهو أيضا يقرأها بمنتهى السهولة فيهب واقفا يصرخ بانفعال بليغ وقد خرج عن طوره "هل خفتِ أن يجن جنونها حين تعلم أني خطبتُ فنقرر الهرب معا مثلا .. يا خيبتي فيكِ ألا تعرفين ابنكِ..هل أنا طائش في عينيكِ لهذه الدرجة ..أما كان ما تمرّ به كافيا لتزيدي عليها بجفائكِ ..كيف تمكّنتِ من فعل هذا بها رغم يقينكِ أنها انتظرتكِ لتودعيها ؟"

تنتحب بحرقة وتتمسك به لتستقيم واقفة تقول مفجوعة عليه "اتق الشبهات يا بني فهي أشد الفتن "

يحن قلبه عليها وقد راحت تهذي كعادتها حين تشتد بها الأهوال فترهَق أعصابها فيكون رده عتابا رقيقا مبتسما بأسى "أليس كلامكِ هذا متأخرا قليلا ..هل علي أن أذكركِ أنها تزوجت و انتهى الأمر؟ "

فتواصل هذيانها المخضوض دون ترابط وكأنها احتاجت تأكيده لتطمئن عليه"نعم ..تزوجت ..انتهى الأمر ..مؤكد لا مجال لإثارة الشبهات! "

يحنو عليها بنظراته الدافئة ويغمغم مترفقا بها "لم تنامي ليلا بلا ريب فلا تفسير آخر لهذيانكِ هذا ..لا تقلقيني عليكِ هكذا أمي عودي إلى البيت و ارتاحي رجاء "

تتوهج عيناها الدامعتان بلهفة أمومية لا تخبو مهما طال الزمن فتتدلّل عليه تؤنبه برقة مكسورة الخاطر "لم ..تعد ..تعانقني كما كنت تفعل "

فيرعد ضاحكا رغم الوجع الذي أثقل خافقه ويهتف بخفة يشاكسها "هذا لأن ذراعي كانت مكسورة في حال نسيتِ ..لم تسمحي لي ولو بحمل ملعقة وها أنتِ الآن تلقين اللوم علي ..آه يا أمي يُخاف منكِ "

تستلم لحضنه الدافئ تضحك من بين دمعاتها وقد انتعشت روحها لرؤية مرح اشتاقته منه فتتنهد براحة تقول راغبة بإعادة كل شيء إلى نصابه "أنا سأذهب لمراضاتها .."

يتصلب تحت كفيها ويهتف معاندا بنبرة قاتمة داريا أنها تقصد شهرزاد "لن تراضي أحدا فما فعلتُه معها كان الصواب ..التغاضي عن الخطأ يعتبر خطأ في حد ذاته "

لا تجيبه فيفهم مغزى سكوتها فيهمهم مرتابا "لن تذهبي دون علمي غالبا ؟ "
"ل..لا "
يهتف بعنف حين يلمس ارتباكها يبعدها عن حضنه يطالع عينيها "لن تذهبي وإلا فسأغضب منكِ أيما غضب ..أرجوكِ أمي لا تزيدي عليّ ..تصرّفي بصرامة تليق بموقعكِ كحماة على الأقل ..ما كل هذه الميوعة ؟"

تهمهم بموافقة انتزعها منها عنوة فتتمتم مستاءة منه بخشونة تكابر ظاهريا رغم اقتناعها بصحة تصرفه "ماذا أطبخ لكَ على الغداء فكنّتي لن تعفيني من تحضيره كما عودتني بفضل أخلاقك العالية ؟"

يتأملها مستنكرا قبل أن يبرطم مغتاظا"منها لله أفسدت طباعكِ بدلالها السخيف! "

فتزجره ضاربة كتفه "وتدعو عليها أمامي دون حياء يا خائب الرجا "

"أنا صائم "
يسارع قائلا قبل أن تتحفه باستنتاجاتها العجيبة في سعي مرهق لتلطيف الأجواء الكئيبة "لست مضربا عن الطعام كل ما هنالك أني سأريح معدتي المكدودة اليوم..سامحكِ الله أطعمتني دهون الدنيا في الأيام الماضية وكأني مصاب بسوء التغذية ..أم أنكِ ذبحت كبشا من أمانة الناس دون علمي "

تحارب لئلا تبتسم وتناكفه تعقد حاجبيها قائلة بعبوس مضحك "شهرزاد كانت تأتينا بطعام حضرته بنفسها ...اعترف أنها طباخة ماهرة..اعترف أنها جميلة أيضا ..ولطيفة و طيبة .."

يقاطعها متذمرا "و مائعة أيضا ها قد اعترفنا .. !"

تنفجر ضاحكة بعنف لهول ما عانته من ضغط منذ أيام تسيل دموعها بغزارة لتهمس بعدها براحة يخالطها الشجن "الحمد لله ظننتك فقدت عقلك بالأمس"

تأنيب ضميره على الحالة التي أوصلها إليها كان رهيبا في هذه اللحظة لدرجة أنه كان مستعدا ليفعل أي شيء لأجل ألا يمحو تلك الضحكة ولو كان الثمن أن ينتزع قلبه من تجويفه بيديه ..فيجيبها بصدق وقد استعاد بعضا من توازنه بعد أن كاد القنوط يودي به ليلة أمس "وأنا أيضا ظننتُني كذلك ..الحمد لله"


.........................................




ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-20, 10:52 PM   #466

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



"ما كلّ هذه الأناقة ؟"
قالتها نادين مستغربة ترفع حاجبيها حالما داخلت تيجان المطبخ فتبتسم هذه الأخيرة ترد ببساطة متوردة الوجنتين "صباح الخير ماما ..ما الغريب في إطلالتي أظن أني متأنقة كعادتي فحسب ! "

تقول بهدوء مباشر ملاحظة تهرب تيجان من مقابلة عينيها "لماذا أشعر وكأنكِ تتجنبينني هذه الأيام ؟"

تجفل تيجان وتعاجلها بالرد تبسط راحتيها في حركة نفي دفاعية " لا طبعا ..لماذا قد أتجنبكِ ماما ؟"

كانت صادقة في إجابتها ..ربما قلّ الكلام بينهما في الآونة الأخيرة إلا أن تيجان لم تفعل هذا عمدا ..أصبحت تغوص مفكرة في الماضي تارة و الحاضر و المستقبل طورا لساعات دون أن تشعر بمرور الوقت ..لم تكلّم معتصم عن خصوصياتها منذ تلك الليلة رغم أنها أضحت تجالسه يوميا تحكي له عن يومياتها العادية تبتغي عنوة أن تقنع نفسها أنهم عائلة طبيعية دون أية ندوب أو جروح عميقة عصية على الشفاء ...

أما عن أمها فلم تتمكن بعد من تحليل ذاك التبدّل الذي طرأ على مشاعرها نحوها ..لم تخبر أحدا بعد وقد غدى هذا سرها الصغير ..حتى أنها لم تلاحظ ابتعادها عنها إلا حين نبهتها نادين فذهلت من نفسها كيف تغيرت ومازالت تتغير دون شعور منها ..

تظلم عيناها تحدق في شرود ابنتها المفكر ..هذا ما كان ينقصها ..أن تغدو تيجان محجوبة الأفكار فتعجز أحيانا إن لم يكن غالبا عن قراءة ما يدور في بالها ..ماذا تظن نفسها ..قادرة على المضي قدما دونها ..وهي بتلك الهشاشة المقيتة .. !

ترفع صوتها بحدة فلتت منها حين قالت بلا مبالاة "المهم ..سنذهب غدا رفقة حماتكِ لتجربة ثوب الزفاف للمرة الأخيرة "

أرادت تيجان في الواقع أن تذهب معه ..قد يكون الأمر غير ضروري بما أنه سيراها به على كل حال يوم عرسهما إلا أنها تاقت لرؤية الرضا في عينيه ..لرؤية شوقه ..لهفته ..ونفاذ صبره ..

أرادت أن تثقل الأجواء بينهما ..تشتعل بترقب حلو مسكّر ..تماما كما كانت في الأيام الأولى التي تلت خطبتهما ..
أو ..ربما أرادت أن تتأكد أن ذاك السحر بينهما باق ..مطمور إلى حين معلوم ..لم يتلاشى بعد ويندثر بين طيات الاعتياد كما تتوهم ..

الخيبة في عينيها بانت لكنها لم تقل شيئا ..منذ متى أصبحت تيجان تكتم مشاعرها !..يشتعل شيء ما أسود كريه في قلبها وتهمس مستمرة في عدم اكتراثها "يبدو أنه ليس متحمسا بقدركِ ..ألم يخبركِ أن أمّه اتصلت بي بالأمس ورتبت الأمر بنفسها ..أتساءل فيم تثرثران إذا بما أنه يصطحبكِ يوميا ؟"

" أمور عادية من هنا وهناك .."

تنفجر ضاحكة تقول بعدها ساخرة بأسلوب هجومي مضني"هل تدافعين عنه من الآن ..والله تأثيره سحري عليكِ .. تناقشان رسوبكِ الوشيك مثلا ..كيف تشعرين هذه الأيام تتعبينه ذهابا وإيابا ويتمنى لكِ التوفيق في امتحاناتكِ لتدخلي وتخلطي الحابل بالنابل على ورقة الإجابة البائسة ..أم أن لهفتكِ لعرسكِ الوشيكِ أنستكِ كوارث دراستكِ ..ما خططكما لشهر العسل أم أنكِ ستباشرين خدمته في أول يوم ؟"

نظراتها الساكنة تشوشت لكثرة ما تهاطل عليها من ملاحظات مربكة ..تفتح فمها لترد بشيء ما على هذا الهجوم الطاغي فيصدح هاتفها بتلك الرنة المميزة التي خصصتها له وحده فتهمس باختناق ترفرف برموشها تباعا "كاظم وصل ..إلى اللقاء ماما "

........................

تشيح عنه بوجهها تناظر الشوارع منذ ركبت بجانبه ..بإمكانه استشعار اضطرابها على خلاف الاستكانة التي اعتادها منها مؤخرا حتى أنه يكاد يقسم أنه لمح لمعة زجاجية في عينيها حين ألقت تحيتها الصباحية حيث تلاقت العيون لثوان معدودة قبل أن تسارع و تسبل أهدابها ..هربا ..

يواصل في صمته عارفا كيف يسحبها نحوه ..فينفذ صبرها كما توقع ويصله همسها الكئيب " سأذهب غدا مع ماما و خالتي نجوى لأجرب ثوب الزفاف للمرة الأخيرة قبل عرسنا "

"جميل "
يوجز بحيادية يعافر ليخفي الرعشة التي هزت أوصاله لمجرد كلمة بسيطة شملتهما معا (عرسنا) ..

يستفزها أكثر ببروده فتلوي عنقها ناحيته بعنف تبحلق في وجهه المركز على الطريق بعينين مشتعلتين مستنكرتين إلا أنها تراجعت دون أن تقول شيئا فيرمي نحوها نظرة جانبية مستفسرا "لا تبدين بخير هذا الصباح ..أم أنه نفس الموضوع مجددا ..كم مرة علي أن أعيدها لتفهمي ..لا داعي للخجل من رسوبكِ بعلامات متدنية جدا ..؟"

يدفعها إلى الحافة بتفسير ضيقها على نحو مغلوط (مع سبق الإصرار و الترصد) فيفلت عيارها أخيرا وتهتف مغتاظة " وما علاقة امتحاناتي ؟"

مازالت عيناه على الطريق يتظاهر بالتركيز في حين أن عقله وروحه كانا معها ..يشعر بكل خلجاتها ..يفهم مرادها ..ويتوق ..يتوق لمنحها ما تريد ..ما يريدان معا ..

تتحرك حنجرته يزدرد ريقه ليردف بصوت أجش متوتر "ماذا هناك إذا ؟..سبق و قلت لكِ أني أحب الأسلوب المباشر ..عبّري عما تريدينه دون لف أو دوران .."

فتهتف بتهور عنيف بصوت مرتعش"كان عليكَ أن تفهم من تلقاء نفسكَ أني أريد أن تكون أنت من يرافقني ..ويراني بالثوب ..وحدنا "

لن ينكر أنه فكّر في هذا وقد غلبته لهفته فما عاد يطيق صبرا حتى العرس فخطط أن يذهبا مرة لوحدهما دون أن يخبر أمه فهو أدرى برأيها الرافض مفضلة عنصر المفاجأة و متعللة بأعراف عجيبة تمنع رؤية العريس لعروسه بفستان الفرح قبل اليوم الموعود ..لكن يبدو أن رغبتها تحققت إذ اتصلت بها نادين بالأمس و عرضت عليها الأمر فلم يكن أمامه خيار سوى الرضوخ و التسلح بالمزيد من الصبر ..

تفكيرها المشابه فعل به الأفاعيل ..لهفتها و انتظارها المحترق لما حجبه عنها متقصدا أشعره ببعض الرضا و الكثير من الأمل و التفاؤل لمستقبل جميل يجمعهما معا ..

يتصاعد امتعاضها تطالع ابتسامته المائلة المغيظة ..و المثيرة لقلبها المسكين حد الجنون فتبرطم مستاءة " لماذا تبتسم هكذا ..أنت حقا لا تهتم بي ؟"

تختفي ابتسامته الهادئة في لمح البصر ويدير وجهه ناحيتها يرمقها بنظرات ناعسة متوهجة أذابتها كشمعة محترقة لينطق همسا حارا دون أي أثر للمرح "ألا أهتم ؟"

اشتعلت وجنتاها متأثرة وكأنه ردّد غزل الدنيا على مسمعها بدل كلمتين اثنتين سخيفتين ..فتعانده مناكفة وتنأى بوجهها الشهي عنه بحركة عنيفة تهرب إلى نافذتها هامسة بإصرار حاد " أنت ..لا تهتم "

لم يعلّق ..ولماذا يفعل بينما سيأتيها الرد فعلا لا قولا بعد بضعة أيام ..

عادت بسمته الهادئة لمعانقة شفتيه مفكّرا ..فلتتلظى في نيران ترقّبها ولتجرب ولو قطرة من عذاب السنين ..وليغرق هو في أشواقه التي بلغت في صمتها حدود الهذيان ..

مازال معها في ذات الحال دوما كما كان ولكن بشوق عن شوق يفرق .. وصبر عن صبر يختلف .. !

.........................................


ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-20, 10:53 PM   #467

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


تنتفض جالسة يدها على قلبها المرعوب مستيقظة على وقع طرق خفيف متوال على باب مخدعها ..أمضت ليلتها على هذا النحو لم يكد يغمض لها جفن تتحسس أدنى حركة وكأنها لم تصدق أن عباس لن يتركها لوحدها كما وعد ..فما عاشته بدى خارج نطاق المعقول ..وكأنها مجرد مزحة ..

تطل الخادمة بعد إذنها تحمل صينية نحاسية ملأى بالأطايب فتضعها على المائدة الخشبية بمحاذاة السرير وتنصرف بهدوء ..

كانت نفس الخادمة السمراء النحيلة التي دخلت بعد خروج عباس بنصف ساعة حاملة المنديل المنقط بدمائه فوضعته على طرف السرير دون أن ترفع عينيها صوبها ووضبت المكان بآلية وكأنها معتادة على جنون سيدها لتغادر بصمت بعد أن أعادت كل غرض إلى موضعه وكأن شيئا لم يكن ..

تسترجع جوري ما حدث ليلة أمس مرة أخرى ..غير قادرة حتى اللحظة على الاستيعاب فترتخي على السرير مستلقية على ظهرها مجددا وتضحك بخفوت تناظر السقف وقد دمعت عيناها تأثرا يلهج لسانها بالشكر دون توقف ..

تنهض متوجهة إلى الخزانة تفتحها وتمد يدها بين طيات ثيابها تتأكد من وجود خنجر ليث في مكانه حيث خبأته بالأمس في مأمن ..فتغمض عينيها مبتسمة تداعب نتوءات الخنجر المزخرف وتهمس تسمع نفسها كلمات انتصار كتبه الجبار لها "لم يلمسني ..لم يلمسني ..وبإذن المولى لن يطالني ..أبدا"

"صباحية مباركة يا عروس"

تجفل على صوت سمعته بالأمس ..فحفظته من أول مرة ..فتستجمع نفسها وتسحب على مهلها ثوبا ذهبيا مطرزا وتستدير لتواجهها مبتسمة بإشراق ..

تطالعها آمنة رافعة حاجبيها مستغربة انشراحها وتقول بعد ضحكة خبيثة قصيرة "اعذري مباركتي المتأخرة ..أردنا اقتحام مخدعكِ ليلا إلا أن ابن العم منعنا من إزعاج منامكِ..بعد جولة مضنية "
لتستطرد بعدها مباشرة "على كلّ استعدي كما يجب فسيأتي أهلكِ و بعض نساء العائلة كما تقتضي العادة "

ثم تحمل المنديل تتأمله بشرود مخيف قبل أن ترفع وجهها تتابع "سيطوف عليهن واحدة ..واحدة ..شرفكِ..فخركِ ..مختصر هنا ..على هذا القماش الأبيض"

لم تقل جوري شيئا ..فتركيزها كان منصبا على ملامح آمنة المتهللة ..الراحة في صوتها وكأن ليلة أمس لم تكن دخلة زوجها على غيرها ..والأهم استشعارها الجازم بالسخرية المبطنة لنبرتها ..

لن يكون غريبا ألا تفاجأ جوري بردة فعل كهذه ..فقد كان واضحا أن شريط الحبوب لم يكن سوى رسالة صريحة ذات مغزى خطير ..فآمنة لا تبدو غبية لتصدّق أن جوري لن ترمي موانع الحمل ولا ساذجة لتخال أنها ستمتثل لأمرها بخنوع ووداعة وكأنها راضية أن تمتهن كرامتها فيكون زواجها مجرد زواج متعة لا غير ..

على ملامح جوري تطوف عيناها المشعتان حقدا ..وخيبة ما كانت لتنجح في مداراتها مهما ادعت إحكام سيطرتها على الموقف ..فتضحك ملئ فيها هامسة بتعاطف "لله درك يا ابن عمي كيف ستصبر على جمالها !"

تجالد جوري لتتماسك دون أن تبدي اختضاضها وقد ارتعبت حقا من التورط في بيئة مغمورة كهذه مختلفة عن منشئها ..بيئة يحكمها الجهل ..حيث تحرك الأحقاد البشر ..وكم تمنت ألا تكون آمنة وراء مصاب عباس فلا رغبة لها في المزيد من التعقيدات المضنية ..

تنتعش آمنة لرؤية التشوش في زرقاوتيها بعد أن أغاظتها نظراتها المتحدية التي حاولت إيهامها من خلالها أنها عاشت ليلة عرس عادية ككل عروس ..

خالفت توقعاتها حين ظنت أنها ستجدها منهارة في مخدعها فلا شك أنها اكتشفت بالأمس أنها راهنت على الحصان الغلط إلا أنها أذهلتها بعنفوانها وصمودها ..

لا بأس ..يكفيها أنها زرعت الشك و الحيرة في نفسها ..فوصلتها رسالتها واضحة تماما كما أرادت .. ستتلاعب بها قليلا قبل تخمد عزيمتها و تدحر إصرارها ..ثم .. تقطع شكها باليقين ..ويا ويلها من يقين ينتظرها !


انتهى الفصل الرابع و العشرون


ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-20, 10:56 PM   #468

ahlem ahlem
 
الصورة الرمزية ahlem ahlem

? العضوٌ??? » 408506
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,024
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ahlem ahlem is on a distinguished road
¬» مشروبك   danao
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

قراءة ممتعة للجميع لا تنسوني بآراءكم و توقعاتكم

[IMG][/IMG]


الديجور likes this.

ahlem ahlem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-20, 11:42 PM   #469

منال سلامة

قاصة في قلوب احلام وكنز سراديب الحكايات


? العضوٌ??? » 408582
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,077
?  نُقآطِيْ » منال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond repute
افتراضي

وأدرك بأقسى الطرق أن الفقد لا يكون بالموت فحسب ..بل أن أصعب الفقد أن يتسرب من بين أناملك كل غال و عزيز ..فيكون حيا يرزق يحيا بعيدا عنك حياة ستتمنى الموت على أن تراه يعيشها أمام ناظريك ..
الديجور likes this.

منال سلامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-11-20, 11:46 PM   #470

منال سلامة

قاصة في قلوب احلام وكنز سراديب الحكايات


? العضوٌ??? » 408582
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,077
?  نُقآطِيْ » منال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond repute
افتراضي

"تالله لا تفتأون تحشرونني في كل مظلمة حتى أهلك أو تهلكون ؟!"
بحب اختياراتك لكلمات القرآن تعطي تعبير قوى للعبارات وجمال لفظي بديع 👍👍

الديجور likes this.

منال سلامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:49 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.