آخر 10 مشاركات
عندما تنحني الجبال " متميزة " مكتملة ... (الكاتـب : blue me - )           »          حبي المستحيل(85) -قلوب نوفيلا-بقلم الرائعة {الأسيرة بأفكارها} *مكتملة&الــروابط* .. (الكاتـب : الأسيرة بأفكارها - )           »          رجفة قلوب اسود الصحرا ..رواية بدوية رائعة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          هذه دُنيايْ ┃ * مميزة *مكتمله* (الكاتـب : Aurora - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          المز الغامض بسلامته - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة Nor BLack *كاملة&الروابط* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          138- إذا كان له قلب - آن هامبسون - ع.ق (كتابة أكملتها strawberry )** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          خــط أحمــر - قلوب قصيرة زائرة - فاتنة الرومانسية الآخاذة * عبير محمد قائد * (الكاتـب : noor1984 - )           »          21 - ربما هو الحب - ليندسي ارمسترونغ - روايات ديانا** (الكاتـب : angel08 - )           »          الحب أقوى - غريس ريد - روايات ديانا** (الكاتـب : angel08 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-08-20, 05:56 PM   #21

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثانى عشر..



‏" ‎تَبّاً ان رأَتْكِ عَيْنَاي في مَنَامِي طَيَّفاً يَحْمِلُ لي الأحَاسِيس
فقَدْ كُنْتي لي دَوَّماً كِيان بَغِيض‎ تَشْبَهِين في كَيْنُونَتُكِ إِبِليس

قَدْ أَخَذتي مني يَوْماً نِصفّي الآخِر وتَرَكْتنِي بَائِس شَقِّي تَعِيس
في عَالَم مِنَ الظَّلِاَّمِ قَاسٍ جَنَباتهِ حَقَاً ضَبَابيّ التَّضَارِيس

ثُمَّ جَمَّعْنا القَدَرُ وكَمْ كانَ قَدَرٌ غَرِيبٌ عَجِيبٌ بكُلِّ المَقَاييس

فإذا بي فَجْأة أَراكِ تَفْتنِيني تَجذَبِينَ رُوحِي كالمِغْنَاطِيس وأنا لذِكْرى الرَّحِيل لاأَقْوَى على التَّدنِيس
حائِرٌ بينَ مَشَاعِري ووَاجِبِي لاأَجدْ مَخرَّجاً واحداً للتَّنْفِيس

قَدْ بتُ تَغمّرُنِي مَشَاعِر لا حَصَرَ لها تَصُرُّ في قَلبِي على التَّكدِيس
مَشَاعِر قَدْ أَنْكَرَتُها ومَحُوتَها منْ قَلبِي وعَقْليّ وكُلَّ القَوامِيس

ولكني ها هُنا أَحْيَاها في مَحْرَابُكِ تَغْمّرني ثَنَاياها لأَدْرَكُ اني لَسْتُ أَبَداً بقِدِّيس ''

-إهداء من المبدعة " شهد عمرى " 💐💐

قفز من نومه مصدوماً جاحظ العينين مشوش التفكير ، تنقبض رئتيه بعنف وتنبسطان ثم تعود وتنقبضان دون هوادة ، بينما حدقتيه تدور أركان الغرفة من حوله يتأكد من خلوها منها ، قبل أن يعتدل فى جلسته وينزل ساقيه من فوق الفراش مستنداً بقدميه على الأرضية الخشبية الباردة بينما أنامله المتشنجة ، تقبض بقوة على طرف الملاءة أسفله ، منكس الرأس لاهث الأنفاس ، وزافراً عدة مرات حتى بدء إيقاع أنفاسه ينتظم فعاد برأسه للخلف رافعاً أحدى ذراعيه يمسح بخشونة فوق عضلات وجهه المتقلصة ، فقد بدا حلمه حقيقاً بشكل اثار دهشته ، كل شئ كان واضحاً مادياً وملموساً ، أبتسامتها الخافتة الخجلة ، أنفاسها الدافئة العابرة صدره ، وكأنه مزمار مجوف يمر شهيقها وزفيرها من خلاله ، رائحة عطرها المسكرة كنسمات الربيع المحملة بعبير الياسمين الفواحة ، ترانيم صوتها الساحرة المداعبة لأوتار فؤاده ، وخصلاتها ، تلك الخيوط الفحمية التى ألتصقت بوجنته الخشنة فى عناق ثغريهما ، بلل شفتيه ببطء كأنه يعيد تذوق فمها من جديد ، قبل أن تنزلق ذراعه إلى صدره ، يتحسس بكفه مضخته الثائرة ، هنا ، حيث كانت تقبع خاصتها منذ دقائق مضت ، أنتبه على ما يفعله فأنتفض واقفاً على قدميه مبتعداً عن الفراش ، محركاً رأسه برفض عدة مرات متتالية ، فهناك شئ خطير يحدث له ، يجهل متى وكيف بدء ولكنه كان كفيلاً بجعله يفر هارباً من الغرفة بل من المنزل بأكمله بعدما أرتدى ملابسه على عُجالة وأخذ حماماً بارداً يعيد إليه جزءا من إتزانه ، ثم ركض متعجلاً نحو الأسفل دون النظر خلفه ، ولم يوقفه سوى صوت مدبرة منزله التى خرجت للتو من غرفتها ، تسأله بقلق بينما أحدى كفيها تفرك بقوة عينها الناعسة للأفاقة :
-(( طاهر يابنى .. خير إن شاء الله .. رايح فين كدة والشمس يادوب مشأقشة ؟! )) ..

ألتفت ينظر إليها بجسده المتشنج وعضلات وجهه المنقبضة ، قبل أن يجيب بأقتضاب ونبرة صوته لا تخلو من العصبية :
-(( مش مضطر أبرر .. وياريت محدش يستنانى النهاردة مش هرجع على البيت )) ..

فتحت فمها وقطبت جبينها حائرة تحاول أستيبان سبب حدته الغير مبررة وقبل أن تفتح فمها لمزيد من الأسئلة كان قد أختفى من أمامها تاركها تعود بأدراجها إلى المطبخ وداخلها يحترق فضولاً لمعرفة ما أصاب مرؤسها بالأعلى .

***************************

هبط الدرج بترو شديد بعدما نظر فى ساعة يده ، فلازال الوقت باكراً على الذهاب ، كما أنه قرر اليوم تقضية مزيد من الوقت برفقة طفلته والعائلة، وعند التفكير بأبنته ، وجد نفسه يزفر بضيق محرراً أنفاسه الحارقة من داخل صدره ، فلازالت تلك الطفلة البريئة لا تتقبل أمر أختفاء والدتها دون حتى وداع ، وعلى الرغم من تظاهره بالثبات وعدم الأهتمام أمام الجميع ألا أن نيران صدره لازالت تزداد أشتعالاً حارقه جوفه ، ندماً وقهراً وحسرة ، على سنوات عمرة الثمانية ، التى صرفها برفقة خائنة ، دعست بأقدامها فوق وعودهم وأحلامهم الوردية ، هادمة قلعتهم المستقرة ، دون أدنى شعور بالذنب أو التأنيب ، أخرجه من ظلمة أفكاره صوت والدته هاتفة أسمه بحنانها المعتاد :
-(( جواد يا حبيبى .. صباح الخير .. واقف عندك كدة ليه !! )) ..

أرغم شفتيه على أغتصاب أبتسامة باردة وجهها إليها ثم أجابها بصوته العميق الهادئ مستأنفاً طريقه نحوهم :
-(( صباح النور يا أمى .. صباح الخير يا حاج .. صباح الخير يا عاليا )) ..

صمت قليلاً قبل أنحنائه بجذعه ليطبع قبلة حانية فوق رأس طفلته الجالسة بجوار شقيقته ثم أستطرد يقول بحب :
-(( صباح الجمال يا حبيبة بابى )) ..

ردد الجميع التحيية بينما يديه تجذب أحدى مقاعد طاولة الطعام كى يجلس جوار طفلته التى كانت ترفض تناول فطورها إلا بعد التحدث إلى والدتها ، مسح جواد فوق شعرها ثم قال بصبر وتفهم :
-(( ليه يا بابى مش عايزة تفطرى )) ..

أبتعدت الطفلة بجسدها عن كفه التى تمسد خصلاتها ثم أجابته بنبرتها الطفولية الحزينة بعدما حركت كتفيها كعلامة غضب منه :
-(( عايزة أكلم مامى )) ..

رفع رأسه ينظر بقلة حيلة إلى شقيقته التى كانت تطالع أبنته والدموع تترقرق داخل مقلتيها يتلمس منها الدعم ، قبل أن يهتف حازماً ، فأفضل طريق لأختصار وتجاوز تلك الأزمة هو بمواجهتها :
-(( لينة مامتك سافرت لمكان مفيهوش تليفون .. ومش هينفع تكلمك .. أحنا اتكلمنا فى الموضوع ده قبل كدة كذا مرة .. ياريت بقى تتعودى على ده وأتفضلى أفطرى )) ..

صرخت الطفلة رافضة وغير متقبلة لما يقوله قبل أن تترك مقعدها وتركض غاضبة إلى الأعلى حيث غرفتها تتبعها والدته ، بينما تحدث والده السيد أنور معاتباً رغم أنخفاض نبرته :
-(( بالراحة على البنت يا جواد مش كدة .. متنساش أنها أمها برضة .. صعب تنساها بسهولة )) ..

صاح الأخر بحدة منفساً عن غضبه :
-(( امها دى واحدة ****** مفكرتش فيها ولا حاولت على الأقل مرة توصلها .. يبقى لازم تنساها وتتعود تعيش من غيرها )) ..

حرك والده رأسه بأسى متفهماً موقف أبنه الغاضب ، أما عن جواد فقد شعر فجأة بالأختناق يقبض على حنجرته وقد داهمته رغبة ملحة فى الهروب من أمام الجميع متراجعاً عن قراره فى المكوث بالمنزل ، راقب كلاً من والده وشقيقته أنسحابه قبل أن يوجه والدها السؤال إليها مستفسراً بفضول :
-(( وانتى يا بنتى مش نازلة النهاردة ؟! )) ..

أجابته بخفوت حيث لازال التأثر بادياً على وجهها :
-(( لا يا بابا .. النهاردة هقضيه مع لينة فى البيت )) ..

أومأ والدها برأسه مستحسناً ثم تابع هاتفاً بعد فترة من الصمت :
-(( علياء .. ما تشوفى مرات طاهر لو تيجى تقضى اليوم معانا بدل ماهى قاعدة لوحدها هناك )) ..

أنحنت بجذعها نحوه قابضة بكلتا كفيها على أذرع المقعد المتحرك ثم قالت مازحة :
-(( أنت أيه حكايتك بقى بمرات سى طاهر .. مش هسيبك غير لما تعترف بكل حاجة )) ..

أبتسم والدها مطولاً ثم أجابها مؤنباً ومدعياً الضيق :
-(( يا بنت عيب .. كل الحكاية أن أسمها شبهه أسم صاحبى وعايز أتأكد هى بنته فعلاً ولا لأ )) ..

ردت علياء موافقة بعدما أستقامت فى وقفتها :
-(( أمممممم .. إذا كان كدة ماشى .. طلباتك أوامر يا سى بابا .. شوية بس تكون صحيت وهروح بنفسى أجيبها وأرجع )) ..

*******************************

قفزت عدة مرات داخل الغرفة بفرح بعدما أنهت مكالمتها الهاتفية ضامة هاتفها الجوال إلى صدرها بأمتنان قبل أن تتنهد براحة وعيونها تلمع برضا ، فها هى قد أنتهت للتو من الأتفاق على بدء عمل جديد كمترجمة من المنزل ، براتب خرافى ، لم تتخيله حتى فى أكثر أحلامها تفائلاً ، رفعت رأسها للأعلى شاكرة بعدما أغمضت عينيها بأمل ، شاعرة أنها تعود لذاتها رويداً رويداً ، رحمة القديمة المتفائلة المستقلة ، وقريباً ، قريباً جداً سترفرف حرة بجناحيها خارج حدود قلعته الباردة ، أما الأن فعليها التواصل مع صديقتها "غفران" ومشاركتها تلك الأخبار السعيدة ، وبعد عدة ثوانِ من الأنتظار وصلها صوت رفيقتها الباكِ مما جعلها تهتف بفزع ودقات قلبها تتسارع تلقائياً :
-(( غفران مالك !!! أنتى بتعيطى ؟! )) ..

أجابتها غفران من بين شهقاتها المتلاحقة :
-(( أيد الشنطة بتاعتى أتقطعت وأنا فى الطريق )) ..

زفرت بأرتياح بعدما وضعت كفها فوق صدرها ثم صاحت بها حانقة :
-(( أنتى بتهزرى !!! كل العياط ده علشان أيد الشنطة !! .. أنا أفتكرت فى مصيبة حصلت )) ..

كفكفت دموعها المنسكبة كالشلال ثم أجابتها بنبرة تحمل أبتسامة ضعيفة :
-(( معرفش هى جت كدة بظروفها .. وكمان ماما كلمتنى قالتلى عندها دور برد ومحتجانى أروح أبات معاها النهاردة .. شكل الموضوع أثر فيا بزيادة )) ..

ردت رحمة معقبة ببساطة :
-(( طب أيه المشكلة ما تروحى ؟! ولا ممكن بدر يعترض )) ..

قالت شارحة :
-(( لا مش فكرة يعترض .. بس كنا متفقين نتكلم النهاردة شوية .. وبصراحة كدة كنت ناوية أعمل كبسة من بتاعة المخبرين على حماتى .. بس يلا ملهاش نصيب )) ..

هتفت رحمة متسائلة بتأنيب :
-(( كل ده يا غفران !! أنا قلت روحتى من زمان )) ..

همست غفران هى الاخرى متحججة بنزق :
-(( أعمل أيه يعنى مانا أتشغلت بالميتم مع أستاذ رمادى بتاعك وأبن عمه .. وقلت أروح النهاردة معرفتش أهو .. خلاص بقى هكلم بدر أقوله أنى هطلع على ماما وأقضى الليلة معاها .. وبكرة أطب على حماتى فى عقب دارها )) ..

صمتت لوهلة ثم تابعت تسألها بأهتمام :
-(( سيبك بقى من كل دول وقوليلى عاملة أيه ؟! .. شكل صوتك مبسوط على غير العادة ؟! )) ..

أبتسمت حتى ظهرت تلك الأبتسامة واضحة من خلال صوتها ثم أجابتها بحماس :
-(( أيوووووة .. وكنت بتصل عشان أقولك لقيت شغل من البيت .. وبمرتب ضعفين اللى كنت طلباه )) ..

هللت غفران بصوتها العالى مشاركة صديقتها تلك اللحظة الهامة مما جعل عبرات رحمة تنساب على الطرف الاخر ممتنة من وجودها فى حياتها ، بل ممتنة لتدابير القدر التى أوقعت كلتاهما فى طريق الاخر ، فرغم الأشهر القليلة التى جمعتهما سوياً ، ألا أنها تشعر كما لو أن صداقتهم قائمة منذ أعوام ، عاودت غفران الحديث متسائلة بأهتمام :
-(( طب قوليلى هتشتغلى أزاى ؟! .. معاكى لاب تشتغلى عليه ولا أبعتلك بتاعى )) ..

أجابتها بصدر ممتلئ بالحب والعرفان :
-(( متخافيش معايا بتاعى .. عمى ومصطفى قبل ما يسافروا بعتولى شنطة هدومى وكل اللى محتاجاه )) ..

صمتت قليلاً ثم أستطردت تقول بنبرة صادقة مختنقة :
-(( شكراً يا غفران .. شكراً أنك دايماً معايا )) ..

ترقرقت عبرات الاخرى قبل هتافها بخفة ملطفة الأجواء المشحونة بالعاطفة :
-(( اقفلى بقى ألا هعيط والله تانى .. مش عارفة مالى النهاردة عايزة أعيط من غير سبب )) ..

ودعتها رحمة على أمل قريب فى اللقاء ثم أحكمت ربط وشاح رأسها وهبطت للأسفل متجهة مباشرةً نحو الحديقة قبلما يوقفها ظهور أم الحسن تبتسم لها بودها المعتاد ، أرتسمت أبتسامة واسعة فوق ثغر رحمة ثم غمغمت مرحبة بحب :
-(( صباح الخير يا ماما فادية )) ..

رددت مدبرة المنزل التحيية أولاً ثم سألتها بفضول مستفسرة :
-(( يصبحك بالخير يا بنتى إن شاء الله .. خارجة ولا ؟! )) ..

أجابتها نافية :
-(( لا يا أمى .. كنت رايحة الجنينة أشوف شجر الليمون وأسقي اللى محتاج )) ..

صاحت مدبرة المنزل مستنكرة بضيق :
-(( تسقيها ليه إن شاء الله !! مش طاهر بيه جاب جناينى جديد ياخد باله من كل حاجة !! .. أيه اللى ينزلك وتتعبى أيديكى فى الهم ده )) ..

أجابتها وأبتسامتها تزداد أتساعاً من ذلك الأهتمام :
-(( أبداً يا ماما .. بس أنتى عارفة أنه بيجى يوم ويوم يهتم بالجنينة ويمشى عشان مش مسموحله يبات هنا .. فخايفة يهمل حاجة كدة ولا كدة ودول روح .. هروح بس ابص عليهم أطمن عشان أرتاح )) ..

هزت أم الحسن رأسها مستسلمة ثم فجأة رفعت رأسها تسأل بخجل بينما داخل حدقتيها يلمع بفضول :
-(( أنا بصراحة يعنى كنت عايزة أسالك على حاجة كدة بس محرجة .. متعرفيش طاهر عمل أيه مع الراجل إياه ده .. اللى كان متفق مع محمود يجى بداله )) ..

ضمت رحمة شفتيها معاً للأمام ثم حركت رأسها يميناً ويساراً نافية عدة مرات بأبتسامة خافتة ، تخفى خلفها حالة الأحباط التى تملكتها فور سماع ذلك السؤال ، فهل تظن مدبرة منزله أنها بالأهمية التى تجعله يبحث عمن يريد آذيتها !! ، أنقذها جرس المنزل من الأجابة عن مزيد من الأسئلة الفضولية القادمة فى الطريق ، يليه ظهور علياء التى أحتضنتها بود تسأل عن أخبارها ثم بعدها قالت بحماس :
-(( كويس أنك لابسة وجاهزة .. يلا تعالى معايا البيت )) ..

سألتها رحمة مستنكرة ببلاهة :
-(( بيت مين ؟! )) ..

زفرت علياء بقلة صبر ثم أجابتها شارحة وهى تجذبها من ذراعها نحو باب الخروج :
-(( بيت مين يا رحمة يعنى !! .. بيتنا أكيد .. بابا عازمك تقضى اليوم معانا .. ومش هيقبل ترفضى عشان تكونى عارفة )) ..

أبتسمت بخجل قبل أن تتحرك معها مذعنة للقرار ، فى حين هتفت أم الحسن تقول معترضة :
-(( طب يابنتى مش أولى تستأذن جوزها برضة )) ..

توقفت كلتيهما عن الحركة وكانت رحمة هى أول من ألتفتت تنظر إليها بملامح وجه رافضة ، منزعجة من الفكرة بشكل عام ، بينما أجابتها علياء بأحترافية شديدة قبل أن تواصل جذب رحمة للخارج وتختفى بها عن أنظار العاملة الفضولية :
-(( متقلقيش بابا هيتصل يبلغه )) ..

******************************

بحلول المساء راقبت علياء ، بقلب ممزق ، طفلة أخيها وعيونها الباكية بصمت ، قبل أن تتبادل النظرات مع رحمة التى تعاطفت على الفور مع حال تلك الطفلة الصغيرة ، ثم أومأت برأسها مطمئنة لعلياء قبل أن تنزلق وتجلس أمام الطفلة على ركبتيها وتقول بحنو بالغ ، وكفها يمسد شعرها وجبهتها المجعدة بغضب طفولى رقيق :
-(( القمر زعلان ليه )) ..

أجابتها الطفلة بصوت باكِ حزين :
-(( عشان مامى سافرت وبابى مش موافق أروح عندها )) ..

تنهدت رحمة مطولاً ثم قالت وقلبها يعتصره الألم :
-(( أنتى عارفة أن مامتى أنا كمان مسافرة )) ..

جذب حديثها أنتباه الطفلة فسارعت تسألها بلهفة مترقبة بكل حواسها :
-(( بجد ؟! )) ..

أومأت برأسها مؤكدة ثم قالت بصوت متحشرج والدموع تراود أجفانها :
-(( أيوة .. سافرت زيك كدة .. من غير ما أودعها )) ..

سألتها الطفلة بأمل :
-(( وبعدين .. رجعت ؟! ))..

أجابتها رحمة بعدما سارعت بمسح عبراتها التى أنزلقت من أحد جفنيها عنوة :
-(( مامتى سافرت فى مكان صعب حد يوصله .. وأنا مستنية دورى عشان أروحلها )) ..

صمتت قليلاً تسيطر على نبرتها المرتعشة ثم أردفت تقول بنبرة مهتزة رغم الأبتسامة الضعيفة التى أعتلت شفتيها:
-(( بس عارفة لما بتوحشنى بعمل أيه ؟! )) ..

همست الطفلة تسألها بيأس :
-(( أيه )) ..

أحتضنت كفها الصغير ثم قالت برقة :
-(( بغمض عينى وأطلب من ربنا أشوفها فى أحلامى .. ولما بنام بتجيلى وبقعد أتكلم معاها )) ..

غمغمت الطفلة قائلة بحماس :
-(( وأنا هعمل كدة )) ..

طبعت رحمة قبلة ناعمة فوق جبين الطفلة ثم ردت محذرة :
-(( بس خدى بالك .. لازم تأكلى كويس عشان مامى متزعلش منك .. وألا مش هتجيلك .. متفقين ؟! )) ..

حركت الطفلة رأسها موافقة بأصرار قاطع ، بينما راقب أنور ما يحدث أمام عينيه وحدقتيه تلمع بشغف ، سامحاً لذكرياته القديمة بمداهمته ، عن أمرأة ، بنفس القامة ، نفس النعومة ، ونفس الحنان ، فأبنتها الجاثية أمام حفيدته قد ورثت منها كل شئ تقريباً .

****************************

تنهد بأسى شاعراً بذلك الثقل يطبق على أنفاسه كلما تذكرها ، ساخطاً على حظه التعس ، الذى وضعها فى طريقه كالفاكهة المحرمة ، لا يقوى على الأقتراب فيُعاقب بأستباحة ما ليس له ، ومهما جاهد لا يستطع مقاومة فتنتها ، مذكراً نفسه فى كل مرة يراها أنها ليست ملكاً له ، فهناك أخر سبقه إليها ، وها هو يقف أمام أمره المرير الواقع ، مرغماً قلبه وعقله على تجاهل ذلك الصوت الخافت الذى يستمر فى أخباره أنها فتاة أحلامه ، نصفه الأخر كما تمناه وتخيله ، نعم فهو ليس مراهق ليعلم أن ما يمر به مجرد أعجاب يخفت مع الوقت ، بل هو شئ أخر أقوى وأعمق ، شعلة أُوقدت داخله قبل رؤيتها ، وتوهجت عند مطالعتها، وتتشعشع فى كل مرة يقف أمامها ، مقاطعاً شروده ، رنين هاتفه الجوال فى أتصال ملح ، تجاهله فى المرة الأولى ، ومع المحاولة الثانية أجاب بفتور ليتفاجئ بها تُعرف عن نفسها ، خاطفة القلب ، كتم أنفاسه مستمعاً إلى صوتها العذب تتمتم معتذرة بحرج :
-(( دكتور يحيى .. أنا علياء .. أسفة لو تطفلت عليك أو أزعجتك فى الوقت ده .. بس أنا أضطريت أخد الرقم من جواد بعد ما نسيت أطلبه منك إمبارح )) ..

تنحنح عدة مرات ثم أجابها بجمود :
-(( أه .. أهلاً أتفضلى )) ..

شعرت بالحرج من ترحيبه الفاتر ولامت نفسها سراً على المجازفة والأتصال به فيبدو أنه تراجع عن وعده ورغم ذلك أردفت تقول بجرأة :
-(( كنت بتصل بيك عشان أحدد ميعاد بكرة لو ينفع .. لأن لينة رافضة تاكل أى حاجة من الصبح ألا لما تكلم مامتها ومش عارفة أتصرف معاها أزاى )) ..

صمت يستمع إليها ثم قال بأقتضاب :
-(( تمام .. بكرة الساعة ٣ نقدر نتقابل فى النادى .. عندى وقت فاضى لمدة ساعة )) ..

غمغمت شاكرة ثم أغلقت الهاتف وهى تسبه داخلياً ، على تعاليه وتكبره فى التعامل معها ، مذكرة نفسها بإبنة أخيها وما تعانيه تلك الصغيرة ، فهى مضطرة للتعامل معه حتى وإن كان مرغماً على مساعدتها ، فقط من أجلها .

******************************

داخل مبنى "إيواء" ذلك الصرح الضخم العائد لعائلة المناويشى ، وتحديداً فى الطابق العلوى الخاص بالمدراء والمسمى بجناح الأدارة ، سار طاهر فى الممر المؤدى إلى غرفة نائب رئيس مجلس الأدارة ثم أقتحمها دون أستئذان ، الفعل الذى جعل جواد يرفع رأسه بحدة من فوق الملفات المكدسة أمامه ينظر متأهباً إلى ذلك الوقح الذى أقتحم خلوته دون طرق الباب قبل أن تنبسط عضلات فكه وتنفرج أساريره عند مطالعته محيا رفيق دربه الذى هتف يسأل بنبرته الجامدة دون مقدمات :
-(( أنت لسه قاعد ؟! )) ..

أجابه جواد نافياً بأرهاق :
-(( لا يعنى عشر دقايق كدة أراجع الكام ورقة دول وأتحرك )) ..

أومأ طاهر برأسه موافقاً ثم تحرك وألقى بجسده فوق المقعد المقابل له واضعاً ساق فوق الأخرى منتظراً أنتهاء رفيقه ، رمقه جواد بعدة نظرات مستنكرة ثم أستطرد يسأله بدهشة :
-(( خير .. أنت عايزنى فى حاجة ؟! )) ..

أجابه طاهر بأقتضاب :
-(( مستنيك هروح معاك )) ..

ردد جواد من خلفه بأستغراب :
-(( مستنينى أنا !! من أمتى ؟! )) ..

نظر طاهر إليه بطرف عينيه دون أن يتكبد العناء فى أدارت رأسه إليه ثم أجابه بنبرته المتعالية :
-(( مش أنت عجباك برج العرب وعايز تقعد جنبى على طول .. أنا قررت أحقق أمنيتك وأقعد معاكم كام يوم )) ..

-(( نعـــم !! )) ..
هذا ما هتف به جواد مندهشاً قبل أن يتابع حديثه بعدم أستيعاب :
-(( وبيتك فين ؟! )) ..

أجابه بجمود :
-(( مش شغلك )) ..

ترك جواد مقعده وسار حتى وصل إليه وأنحنى بجذعه نحوه محاصراً جسده بكلتا ذراعيه ثم سأله وهو ينظر مباشرةً داخل حدقتيه :
-(( أنت فيك أيه ؟! )) ..

هتف طاهر مرتبكاً بحدة بعدما أشاح بنظره بعيداً عنه ودفعه بكفيه للتخلص منه :
-(( خلص شغلك ده عشان نمشى قبل ما الشتا يبدء والطريق يقف )) ..

رد جواد بنبرة لا تخلو من الأسى وقد تبدلت نظراته إلى الكآبة :
-(( عندك حق خلينى أروح أشوف لينة )) ..

صمت لوهلة لملم خلالها أوراقه قبل أن يسأل بصوت مختنق :
-(( طفيتها أزاى ؟! )) ..

سأله طاهر بعدم فهم :
-(( هى أيه دى ؟! )) ..

أستدار بجسده ينظر إليه بعينين خاويتين ثم أستطرد شارحاً بنبرة متهدجة مكسورة :
-(( النار اللى هنا .. قدرت عليها أزاى )) ..

ضرب فوق صدره فى إشارة إلى موضع ألمه ، لمح طاهر غمامة الحزن التى غشيت عينى قريبه ، فأبتسم بقنوط ثم أجابه بعدما تنهد مطولاً بأسى :
-(( مش هتطفى .. هتفضل عايش بيها على أمل يجى يوم وتطفى لوحدها أو تلاقى اللى ياخد بأيدك ويساعدك .. ويوم ورا يوم الأمل هيقل لحد ما تيأس .. وتتعود تعيش وهى قايدة جواك )) ..

مد ذراعه يحتضن كتفه ثم أستطرد يقول مؤازراً :
-(( بس مش كل الناس تستاهل نعيش بنارنا عشانهم )) ..

نكس جواد رأسه ثم غمغم بخفوت :
(( أنا بكرهها )) ..

التوى ثغر طاهر بأبتسامة صغيرة خافتة ثم قال :
-(( الكره مشاعر قوية .. زيها زى الحب بالظبط )) ..

تنهد مطولاً ثم تابع يقول بمرارة :
-(( هتفضل تكرهها طول ما فى قلبك حب ليها .. لحد ما يجى الوقت وتبقى مش مهمة بالنسبالك .. مفيش فى قلبك ولا ذرة مشاعر ليها .. وقتها بس أعرف أنك نسيتها .. ويمكن تكون محظوظ أكتر من أبن عمك .. وتلاقى اللى تعوضك .. ساعتها بس هتطفى نارك )) ..

*******************************

وقفت رحمة ، تراقب من خلف النافذة المغلقة ، تراكم الغيوم الحمراء ، ثم بوارق السماء اللامعة يتبعها زمجرتها ، معلنة عن عاصفة وشيكة ، قبل أن تستأذن قائلة بأحترام :
-(( بعد أذن حضرتك يا عمو وبعد أذنك يا طنط .. أرجع البيت قبل ما الدنيا تمطر )) ..

فتحت السيدة كريمة فمها للتعقيب وقبل النطق بجملتها الأعتراضية تهادى إلى مسامعهم وقع ألتقاء حبات المطر بالأرض ، يليه قلقلة مفاتيح الباب الداخلى للمنزل ثم ظهور كلاً من طاهر وجواد ، تراجعت للخلف بأرتباك وهى ترى عينيه تتحرك فى أتجاهها بينما تسمرت نظراته فوقها بمجرد رؤيته لها ، كأنه يخشى أن تختفى أن أدار رأسه بعيداً عنها ، مفكراً بحنق ، أى مؤامرة كونية تلك التى تُحاك ضده ، لتجعلها تأتى إلى هنا ، إلى حيث مخبأه الذى أختاره هرباً من صوتها الذى يعبث بأحلامه ، دوناً عن كل الأماكن ، وكأنهم طرفى المغناطيس ، كلما أراد الأبتعاد عنها ، وجد قوة أكبر منه ، تجذبه نحوها بوقع أقوى وأسرع ، متجاهلاً ذلك الجزء الضعيف الخائن ، الذى تهلل فرحاً لرؤيتها ، ومقاطعاً تأمله لها ، صوت زوجة عمه التى هتفت تقول موجهة الحديث إليها :
-(( أهو طاهر جه أهو .. نقعد بقى كلنا نتعشى مع بعض .. وبعدها روحوا سوا )) ..

أدارت رأسها موجهة ما تبقى من جملتها له :
-(( شوف يا سيدى مراتك .. عايزة تروح لوحدها فى الشتا ده )) ..

قاطعها معترضاً بنبرة خالية بعدما سار إلى حيث الأريكة الوثيره وجلس فوقها بأريحية شديدة :
-(( لا أنا مش هروح .. هبات هنا النهاردة )) ..

هنا تدخل السيد أنور يقول بحزم :
-(( يبقى تباتوا سوا .. كدة كدة الدنيا بتشتى برة .. ومش مستاهلة تروحوا فى الشتا والتلج ده )) ..

سارع جواد يتقدم بأبتسامتة التى أتسعت برؤيتها يرحب بها :
-(( مساء الخير يا رحمة نورتى بيتنا )) ..

ردت التحية بأبتسامة رسمية هادئة :
-(( أهلاً بيك يا أستاذ جواد .. منور بيكم )) ..

قاطعها قائلاً بأصرار :
-(( لا أستاذ أيه .. أحنا أهل خلاص .. خليها جواد بس )) ..

أبتسمت بخجل ثم تمتمت موافقة بود :
-(( خلاص خليها جواد )) ..

حقاً ، هل ستتعامل الأن مع إبن عمه بأسم التدليل الخاص دون ألقاب !! ، بينما تقول فى كل مرة تتحدث إليه " لو سمحت " وكأن أسمه سُبة ترفض النطق بها !! ، حرك ساقه بعصبية شديدة مقرراً أخراج هاتفه للعبث به ، وتجاهل الأمر برمته فهى لا تعنيه من الأساس ، ولم يجذبه سوى صوت جواد يقترح من جديد بعدما رفضت عرض والده السيد أنور وأصرت على الذهاب :
-(( خلاص يا بابا .. مادام مصرة ممكن لو حابة بعد العشا أوصلها بالعربية .. بس طبعا هتتعشى معانا مفيش نقاش )) ..

هنا رفع رأسه ينظر بحدة إلى قريبه ثم قال قاطعاً بحزم :
-(( محدش هيوصل حد .. هتبات معايا زى ما عمى أقترح )) ..

فتحت فمها للأعتراض فسارع يقول بنبرة جامدة تحمل داخلها طيات الغضب بعدما أستقام فى وقفته ووضع كفيه داخل جيوب بنطاله :
-(( مادام أنا موجود هنا .. يبقى ده كمان مكانك )) ..

وبعد تناول العشاء ، بداخل أحدى غرف الضيوف ذو الفراش الواحد ، وقفت رحمة فى منتصفها تفرك كفيها معاً بتوتر قبل أن تتحرك وتقف أمام باب الغرفة عدة لحظات ، تحث نفسها على الخروج والتمرد على هذا الموقف ، فهى أبداً لا تنتوى قضاء الليلة بفراش مشترك معه ، يكفيها ندمها على الأنصياع لقراره منذ الأن ، كما أنها لا تريد صرف ما تبقى من الأمسية أو صباح اليوم التالى فى توليم نفسها أكتر ، وعندما وضعت كفها فوق مقبض الباب أستعداداً لجذبه والخروج ، وجدته يُفتح تلقائياً ويطل هو من خلفه ، بهيئة الجامدة المعتادة ، تبادلا النظرات لوهلة ، هى برأسها المرفوع تطالعه بكبرياء يشوبه التحدى ، وهو بتقطيبة جبينه الدائمة ، أرتفعت زواية حاجبه الأيسر فى علامة أستنكار واضحة ، قبل أن يسألها بنبرة هادئة عكس ملامحه وذراعه المتشنجة التى تقبض على حافة الباب كى تمنع خروجها :
-(( رايحة فين )) ؟! ..

أجابته بأقتضاب ونبرة عدائية واضحة :
-(( مش هبات هنا .. هخرج أشوف أى أوضه تانية أنام فيها )) ..

غمغم مردداً بنبرة بطيئة ناعمة كالحرير رغم الغضب المتشحة به :
-(( أوضة تانية !! .. على أساس هنا بيتنا مثلاً !! .. وعلى أساس هسمحلك تتنقلى من أوضة لأوضة فى مكان فيه راجل غريب .. ممكن يدخل أى مكان عليكى وأنتى نايمة )) ..

اختفت المسافة ما بين حاجبيها ثم هتفت تقول نافية بنبرة متعلثمة :
-(( مفيش الكلام ده مش حقيقى )) ..

سألها بحدة وذراعه لازالت ممدودة نحو الباب :
-(( أيه اللى مش حقيقى .. تقدرى تقوليلى لو جواد دخل أوضة أنت نايمة فيها وهو مطمن أنك نايمة معايا هيكون موقفك أيه !! .. ولا هو الحجاب اللى على رأسك ده زينة !! )) ..

أغتاظت من طريقته فى الحديث وتلميحه المبطن فهتفت تقول بأصرار وجسدها يتحرك نحو الباب :
-(( تمام .. هروح أبات مع علياء .. لو سمحت عدينى )) ..

سارع بالتحرك ووضع جسده أمامها كحائل ثم قال بحسم :
-(( ولو حب يطمن على أخته !! مفيش خروج من هنا )) ..

رغم أقتناعها بحديثه بعض الشئ وخاصة الجزء الأخير منه الا أن داخلها أبى الخضوع له أو الأذعان لطلبه ، لذا وجدت ذراعها تتحرك منفصله عنها ، تقبض بأطرافها على حافة الباب فى نفس الوقت ، الذى دفع الباب بحدة مسرعاً بعدما رفع ذراعه عنه ليغلقه ، ولم يحالفها الوقت لأبعاد كفها هى الاخرى ، مما إدى إلى أغلاق الباب فوق أناملها ، صرخت بقوة وقفزت من شدة الألم متأوهة ، قبل تذكرها وجوده ، فكتمت ألمها بداخلها ، تجنباً لشماتته ، بينما راقب هو بضمير مذنب ، ترقرق مقلتيها بالدموع ، مع أحتجازها شفتها السفلية داخل أسنانها فى محاولة فاشلة لكبح جماح أنينها ، وانحناءة ظهرها للأمام مع ضغط أصابعها السليمة فوق المصابة لتدفئتها وتهدئة الألم ، فسارع ببسط كفه امامها ثم قال بهدوء :
-(( ورينى أيدك )) ..

حدجته بنظرة كارهة ثم أخفضت رأسها مرة أخرى ولم تعقب ، نفس واحد أطلقه فى هذا الهواء الهادئ من حوله ثم عاود يقول بنبرة رقيقة لم تعهدها منه من قبل :
-(( رحمة .. لو سمحتى .. ورينى أيدك حصل فيها أيه ؟! )) ..

رفعت رأسها ببطء تمعن النظر إليه وقد أختفى الغضب فجأة من ملامحها ، وحل محله الدهشة ، قبل أن تمد يدها على أستحياء ، وبترو شديد وضعتها فوق خاصته ، رفع يده الأخرى ، يتحسس بأطراف بَنَانَه أناملها المصابة ، مما جعل قشعريرة خفيفة تصاب جسدها قبل أن تجفل مبتعدة ، رفع رأسه يطالع وجهها المتوهّج بأنفاس متقطعة ثم تنحنح وقال بخفوت :
-(( مش هتنفع لازم تلج .. ثوانى هنزل أجيبه وأرجع على ما تغيرى هدومك )) ..

حركت رأسها موافقة دون حديث وعينيها تتبعه إلى موضع البيجامة البيتية حيث أشار ، ثم تركها وأنصرف والكثير والكثير مما يجيش فى صدره بقى حيث هو ، متلحفاً بالصمت يخشى الظهور أو البوح بسره العظيم .

وبعد فترة ليست بطويلة عاد يدلف الغرفة الخالية بترقب شديد ، حاملاً حافظة الثلج بيد ، بينما الأخرى تقبض على قرص من المسكن الموضعى ، ثم أنحنى بجزعه ووضعهم فوق الطاولة المجاورة للفراش بعدما لمح الضوء الخافت المتسلل من الحمام وأختفاء البيجامة من فوق الفراش متنهداً براحة ومقرراً الهروب من صحبتها وعدم العودة ألا بعد التأكد من نومها .

وفى منتصف الليل أستلقى جوارها كعادته ، يطالع السقف أعلاه وقد أختلط مسائه بفجره ، ليله بنهاره ، وغفوته بصحوته ، قبل أن تنزلق عينيه رغماً عنه إلى ملامحها الغافية ، يتأمل بشرتها الناعمة ، وشعور الخيانة يخيم بثقل جناحيه فوق صدره ، ليست خيانة ذكراه فحسب ، بل خيانة ما كان يتطلع إليه ، فاللمرة الثانية على التوالى يفوز هو بما أبتغاه توأمه ، وكأنها مرتبطان بالقلب أيضاً ، ينجذبان إلى نفس الأشخاص بنفس الطريقة ، مفكراً بقهر ، هل شعر شقيقه ، بمثل ما يحمله فى صدره الأن إليها ، فربما لو لم يقع قتيلاً فى تلك الليلة لكانت هى فرصته فى بدء حياة أخرى مختلفة ، حياة يعيشها هو بدلاً عنه ، أغمض عينيه تاركاً شعور الذنب يجتاح كيانه قبل أن يفتحها من جديد ، على همهمة صوتها المنزعج وقد بدء يراودها كابوسها المعتاد ، بصورته الحية وهو غارقاً فى دمائه وهى نائمة جواره ، فأنتفضت تفتح عينيها شاهقة بذعر ، على وجهه الذى يراقبها وقد اختلط حلمها بواقعها ، فقفزت تصرخ برعب مبتعدة عنها وعينيها تدور داخل الغرفة الغريبة ، ظناً منه أنه القتيل وليس توأمه ، تصيح بصوتها المذعور المرتجف :
-(( أنــ.. أننــت عــعايش .. والدم هنـــا أهــوو )) ..

سألها بقلق مستنكراً حديثها وهو يمد ذراعه نحوها ليمسك بها :
-(( مالك ؟! .. دم أيه ؟! )) ..

صرخت فزعة تدفع ذراعه بعيداً عنها مغمغمة بأرتعاشة صاحبت جسدها ونبرتها :
-(( أأنــت .. الرصاصة فى قلبك .. أنا مقتـتـلـتـكش )) ..

حرك رأسه بأسى وقد وصله سبب ذعرها ثم قال بترو محاولاً تهدئتها :
-(( رحمة أنا طاهر .. أحنا فى بيت عمى )) ..

أقترب منها ببطء حتى وصل إليها فسارعت برفع ذراعها تتلمس بكفها موضع قلبه حيث أستقرت الرصاصة ثم أردفت تقول صارخة بأعياء :
-(( الرصاصة هنا .. أنا مقتلتكش .. مش أنا )) ..

غمغم بأشفاق وذراعيه تحاوط جسدها لوقف أرتجافته والسيطره على نوبة ذعرها وشهقاتها المتعالية دلالة على بدء نوبة الربو المصابة بها :
-(( فوقى أنتى معايا .. طاهر .. بصيلى .. وخدى نفس )) ..

فتحت فمها تحاول أدخال الهواء إلي رئتيها بينما ذراعها يشير إلى حقيبة يدها الخاصة ، تتبع أشارتها ثم ركض نحوها واخرج منها بخاختها الطبية وقام بدفع الرذاذ داخل فمها ، حتى بدءت تستعيد وعيها وتستوعب ما يدور حولها ، ثم أرتمت بعدها فوق الفراش منهكة القوى ، راقبها بحزن ماسحاً بكفه عضلات وجهه المتقلصة ثم أرتمى جوارها فوق الفراش ، قبل أن يقوم بسحبها إليه ومحاوطاً جسدها بذراعيه لبث دفئه إليها ، دون أدنى مقاومة أو وعي منها .

*******************************

وصل المنزل فى المساء على غير عادته ، ودلفه مبتسماً متلمساً طريقه فى الظلام ومتسللاً ببطء إلى حيث غرفتهم ، تاركاً عينيه تتعلق بها فى الحال ، متأملاً تضاريس جسدها المسجى فوق الفراش بأريحية شديدة ، وردائها الحريرى المنحسر إلى ما فوق ركبيتها كاشفاً عن ساقيها الناعمة ، بينما سنابل شعرها الذهبية منتشرة فوق الوسادة وعلى جبهتها ، والجزء العلوى من عنقها ، ورغم برودة الجو ، ألا انه شعر بحرارة جسده ترتفع شيئاً فشئ ، مبتلعاً لعابه بقوة وهو يقطع الطريق إليها قبل أن يستلقى جوارها ، ويحتضن بذراعيه جسدها من الخلف ، هامساً بأشتياق داخل أذنيها :
-(( وحشتينى )) ..

أستفاقت أفنان فزعة على قبلاته الموزعة فوق صدغها وعنقها ثم أرتخى جسدها عند مطالعتها محياه ، قبل أن تغمغم بصوتها الذى يغلبه النعاس :
-(( بدر !! .. عرفت تيجي أزاى فى الوقت ده ؟! )) ..

وضع إبهامه فوق فمها يمنعها من الأسترسال ثم همس بحرارة من بين أنفاسه المتقطعة :
-(( أنسى أى حاجة وخليكى فى حضنى الليلة دى متبعديش عنه )) ..

أومأت برأسه موافقة بضعف ، بينما شفتيها تنفرج تلقائياً أستعداداً لأستقبال خاصته ، ليبدءا رحلتهم سوياً ، رحلة مشاعرهم المحمومة .

وفى الصباح ، بينما هى مستلقية داخل أحضانه ، همست تسأله بدلال :
-(( برضة مش هتقولى أزاى عرفت تبات معايا ؟! )) ..

سلط أنظاره فوقها ، يتأمل ملامحها الناعسة ، وشفتيها المكتنزة ، وخصلاتها الثائرة مع بعض العلامات الوردية المتفرقة فوق عنقها نتيجة تلاقيهم البارحة ثم قال هارباً من الأجابة :
-(( قومى يلا أسبقينى على الحمام وحضرى نفسك عشان هنخرج )) ..

سألته بفضول :
-(( تانى !! هنروح فين المرة دى ؟! )) ..

أجابها مبتسماً بينما طرف أبهامه يداعب أنفها بنعومة :
-(( مش كنت وعدتك نروح المعهد عشان تسجلى .. أنا أخدت أذن ساعتين من البنك الصبح هوصلك وأفضل معاكى وبعدها أنتى أرجعى .. تعرفى الطريق للبيت لوحدك صح ؟! )) ..

تهللت أساريرها وقفزت من جلستها تهتف بعدم تصديق :
-(( صحيح .. والنبى بجد يا بدر هتاخدى أسجل واكمل تعليمى )) ..

أجابها قاطعاً بزهو :
-(( أيوة مش أنا وعدتك .. وبعدين أنا جبتلك كل الهدوم دى ليه .. عشان تروحى بثقه ومتحسيش أنك أقل من حد )) ..

تنهدت بسعادة ثم غمغمت بوله بعدما أقتربت منه وقامت بطبع قبلة خجلة فوق شفتيه :
-((أنا بحبك أوووى .. ربنا يخليك ليا ومتحرمش منك أبداً ))

ردد هو الأخر هامساً قبل أستجابته لقربها ؛
-(( وأنا كمان بحبك )) ..

*****************************

وفى منتصف الظهيرة بعد أنتهاء مهمتهم سوياً لاح إليها مودعاً بعدما أوقف أحدى سيارات الأجرة الخاصة ووضعها بداخلها ثم أخبر السائق عن وجهتها المحددة ووضع مبلغ سخى من المال فى يده ، وبعد ساعة أو أكثر من التكدس المرورى ، قررت أفنان النزول من السيارة ، وتكملة تلك المسافة الصغيرة المتبقية إلى المنزل سيراً على الأقدام بدلاً من الجلوس داخل العربة وأستنشاق الغبار ورائحة العادم الخارجة من السيارات حولها ، منشغلة بالبحث داخل جيوبها عن هاتفها الجديد ، الذى أهداه لها "بدر" فى الصباح ، ولم تنتبه لتلك السيارة القادمة بأقصى سرعتها ، ولا لبوقها المتواصل تحذيراً لها ، حتى أصطدمت بجسدها الضئيل وأوقعتها أرضاً ، فسارع بعض الأفراد ممن جذب أنتباههم صوت فرامل السيارة يليه صوت الأصطدام بالتجمهر حولها ، فى نفس الوقت الذى ظهرت به غفران متوجهة إلى منزل والدة زوجها ، وأستوقفها ألتفاف عدد من المارة حول شخص ما ، مما جعلها تسارع بدفع بعض الأجساد بذراعيها وأختراق الجمع حتى تستطيع تقديم يد المساعدة ومحاسبة المخطئ ، مصرة على الذهاب مع المصابة إلى المشفى وعدم تركها ألا بعد الأطمئنان عليها ، ثم تحرير محضر بالواقعة ضد مالك السيارة ، وبعد وقت ليس بقليل ، قام الطبيب خلاله بفحص المريضة وعمل الأشعة اللازمة ، خرج يطمئن غفران التى ظلت بصحبتها :
-(( المدام كويسة مفيش أى أصابات داخلية أو حاجة .. هو بس كسر مضاعف فى القدم اليسرى وعالجناه )) ..

شكرته ثم دلفت إلى غرفة المشفى المشتركة تبحث عن أفنان بعينيها ثم قالت بعدما وقفت أمام جسدها المضجع ومسدت خصلاتها المشعثة من أثر الحادث :
-(( حمدلله على سلامتك .. الحمدلله جت بسيطة أهى .. وأنا مش هسيب الجبان اللى خبطك وجرى ده غير لما أجيب حقك متقلقيش )) ..

تساقطت عبرات أفنان فسارعت غفران تقول مهدهدة بعدما أحتضنت كفها :
-(( بتعيطى ليه بس مانتى كويسة وزى الفل أهو )) ..

أجابتها من بين شهقاتها المتلاحقة :
-(( عشان مليش حد )) ..

ربتت فوق كفها ثم قالت مهدءة :
-(( طب تحبى أتصل بحد من قرايبك أبلغهم ؟! )) ..

أجابتها رافضة :
-(( ما الممرضة من شوية أخدت منى رقم جوزى وقالت هتبلغه .. يمكن زمانه جاى )) ..

أبتسمت غفران ثم سألتها محاولة أخراجها من توترها :
-(( جوزك أسمه أيه ؟! )) ..

أجابتها وعيونها تلمع بفخر :
-(( بدر .. وأنا أفنان )) ..

قالت غفران مازحة :
-(( شفتى بقى الصدف .. مش هتصدقى بس أنا كمان جوزى أسمه بدر .. بصى يا أفنان أنا هسيبك خمس دقايق .. هروح أقعد مع الحاجة اللى ورا لوحدها دى شايفاها ؟.. أطمن عليها وأرجعلك )) ..

رفعت أفنان رأسها تنظر حيث أشارت منقذتها ثم غمغمت موافقة بأمتنان ، وعندما أوشكت غفران على الأستدارة بجسدها ، لمحت زوجها يقتحم الغرفة راكضاً بلهفة ، ثم قال بعدما أنحنى برأسه يطبع قبلة فوق جبين زوجته :
-(( أفنان حبيبتى .. حمدلله على سلامتك )) ..


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-20, 05:58 PM   #22

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

الثالث عشر 🔥




'' عَيْنَاكِ وَحْدَهُما هُمَا شَرْعيَّتي ، مراكبي ، وصديقَتَا أسْفَاري
إنْ كانَ لي وَطَنٌ ، فوجهُكِ موطني ، أو كانَ لي دارٌ ، فحبُّكِ داري
إنّى اقْتَرَفْتُكِ ، عامداً مُتَعمِّداً إنْ كنتِ عاراً، يا لروعةِ عاري ''
-نزار قبانى .

رفرفت بأهدابها الناعسة مستيقظة على شعور ثقل يجثو فوق خصلاتها المفرودة على الوسادة ، مع أخر يماثله أخف وزناً عند منتصف خصرها تقريباً ، جعلها تنزلق بجفونها للأسفل فى فضول تستوضح سببه وتطالع ، ذراعه المحاصرة جسدها بأريحية شديدة ، قبل أنتفاضها مبتعدة عنه نصف أنش تقريباً ، ثم عودتها إلى سيرتها الأولى مستسلمة ، تحاول فك حصار شعرها من تحت قبضته ، من خلال مسافة أمنة بينها وبينه ، حتى يتسنى لها الركض هرباً منه وتخلصاً من ذلك الموقف المحرج ، وعندما فشلت فى تحريرها وتنفيذ مهمتها عن بعد ، تراجعت بجسدها للخلف بتأنى شديد ، تملئ الفراغ بينهما، قبل أن تستدير فى مواجهته مغمغمة بخفوت لأيقاظه :
-(( لو سمحت )) ..

تأفأفت بصمت لأئمة نفسها على سذاجتها ، فبعد محاولتها الابتعاد عنه ونفض يده من فوقها دون أستجابة ، هل تظن أن بعض كلمات خافته ستوقظه ؟! ، زفرت مطولاً تستجمع شجاعتها قبل أن ترفع ذراعها نحوه ، تهز بحذر شديد معصمه ، مهمهة بنبرة مختنقة من كثرة التوتر :
-(( لو سمحت .. طــطـا .. طاهر )) ..

مع ندائها الرابع الخفيض الذى بلغ مسمعه ، أرتعش جفنيه عدة مرات قبل أنفراجهما يمعن النظر بها ، تاركاً أنامله تمتد ببطء وتتلمس وجنتها كى يتأكد من وجودها قبالته حقاً ، مستلقية بالقرب منه ، وأن وجهها الذى يكاد يلاصق وجهه ، مع صوتها الناعم الناعس الذى يعبث بأتزانه ، ليست بأضعاث أحلام ، بل حقيقة ملموسة بكل تفاصيلها الشيقة ، الخاطفة للأنفاس ، طال تأمله بها ممرراً عينيه على كل نقطة فى وجهها وكأن لسان حاله يستجديها بصمت أن تترفق بقلبه الذى ما زال متوجعاً ، أما عنها هى فقد أضطربت ملامحها وهى تتطلع بشرود إلى كفه المتحسسة بشرتها بنعومة بالغة ، قبل أن ترفع أهدابها نحوه ، تناظره بصمت وحدقتيها تدور فوق وجهه بأرتباك ، عم الصمت المكان من حولهم ، حتى كاد يستمع كلا منهما إلى أنفاس الأخر الغير منتظمة ، قبل أن يقفز هو من فوق الفراش مبتعداً، ومغمغماً بتعلثم بعدما ألتقط هاتفه الموضوع فوق الطاولة جوار الفراش ينظر فى ساعته :
-(( أحنا الضهر !! أزاى سابونى نايم كل ده ؟!)) ..

فرك بكفه مؤخرة رأسه وعنقه وصولاً إلى عينيه ووجنته قبل أن يلتفت بجزعه نحوها ، ناظراً إلى يدها المصابة ثم سألها بأهتمام :
-(( أيديك عاملة أيه )) ..

حركت رأسها بلا فى صمت ، فإلى الأن لم تجد صوتها الهارب لتجيبه ، ثم رفعت كفها تنظر بألم إلى أصابعها المتورمة ، بينما سار هو نحوها ، يتفحص عن قرب مدى الإصابة قبل أن يقول بضيق :
-(( مش هينفع نسيبها كدة .. لازم كشف .. هروح أستخدم حمام جواد وأنتى أجهزى وهننزل نروح المستشفى )) ..

رغم موتها يأساً لأى دواء قد يخفف عنها ألم أصابعها المتواصل منذ البارحة الأ أنها سارعت بالرفض ، فبعد تذكرها لما مرا به البارحة وأكتمل بهذا الصباح ، كل ما تتحرق شوقاً لفعله هو الفرار من أمامه والأختباء عن عينيه ، فى حين قطب هو جبينه معقباً على رفضها بجمود وهاتفاً بأصرار قبل أن يختفى من أمام ناظريها :
-(( مش باخد رأيك .. ربع ساعة والأقيكى جاهزة .. هستناكى تحت )) ..

*******************************

أستدارت بجسدها على صوته الذى لا تخطأه ، شاعرة بالأرض تميد أسفل منها ومن حولها ، متجاهلة ذلك الشعور القوى بالأعياء الذى باغتها على حين غرة ، ثم مدت ذراعها تشير بأصبعها المرتجف إلى ظهره المقابل لها متسائلة بنبرة متقطعة مهتزة :
-(( هو .. ده .. جــ..وزك ؟! )) ..

رفعت أفنان عينيها على سؤالها تتطلع إلى وجهها الشاحب وجسدها المرتعش بقلق ، بينما قفز هو من جلسته ملتفتاً بمجرد أستماعه إلى صوتها ينظر إليها ويتأكد أنها هى ، زوجته الأولى بشحمها ولحمها التى تقف قبالته تنظر إليه بأعين زائغة كالمغشى عليه من الموت ، قبل أن يمد كلتا ذراعيه فى اتجاهها قائلاً بتوسل بعدما أبتلع لعابه بقوة :
-(( غفران .. أسمعينى )) ..

شهقت أفنان بعدم تصديق واضعة يدها فوق كفها ثم غمغمت تسأل بصدمة واضحة :
-(( هى دى غفران ؟! .. مراتــــ )) ..

ابتعلت ما تبقى من جملتها بداخلها عندما حدجها هو بنظرة صارمة ، ممتنة داخلياً لتدابير القدر ، التى وضعت كلتاهما فى الطريق الأخرى ، وبالرغم من تأثرها كأنثى بالوضع العام وإشفاقها، الا أن عينيها لم تستطع أخفاء ، لمعة السعادة التى ضوت داخلهما ، فى حين بادر بدر بالخطو نحوها هامساً برجاء :
-(( غفران .. لو سمحتى .. تعالى معايا وهفهمك كل حاجة )) ..

حركت رأسها رافضة يميناً ويساراً ببطء وقدميها تتراجع للخلف تلقائياً مبتعدة عنه كلما تقدم منها ، مقاطعاً الموقف ، دخول أحدى ممرضات المشفى تقول بصوتها الجهورى :
-(( مدام أفنان .. التحليل اللى طلبتيه خلص ))..

ألتفت ثلاثتهم على صوت الممرضة العالى ، جاذباً أنتباههم يدها الممدودة بمغلف مغلق فى اتجاه المستلقية فوق الفراش ثم تابعت تقول بحماس رنان :
-(( مبروك حامل .. أدينى الحلاوة بقى )) ..

سحابة من العبرات غشت عينيها محملة بدموع القهر والخزى حجبت عنها الرؤية الواضحة ، وبخطى بطيئة مترنحة ، وصلت إليه ، ثم رفعت كفها ومسحت بعنف العبرات المتساقطة فوق وجنتها ، وعلى حين غفلة ، وجهت كفها نحوه ، ولطمت شطر وجهه بكل ما أوتيت من قوة ، صفعة أودعت خلالها كل كلماتها المحبوسة ، كل النيران التى تلتهم صدرها ثم قالت بأصرار قاطع :
-(( طلقنى )) ..

ركض بدر من خلفها يلحق بها ، بعدما هتف بحسم موجهاً حديثه لزوجته الثانية :
-(( خليكى هنا راجعلك )) ..

واصل الركض بجسده المتشنج داخل المشفى وعينيه تجول الممر بلهفه بحثا عنها وصولاً إلى مدخل الأستقبال والشارع العام دون فائدة ، فقد غافلته هى وتوجهت إلى درج الطوارئ تختبأ به عن أعين المارة ، طالقة العنان لدموعها فى الأنهمار كيفما شاءت بعدما أنهارت بجسدها فوق أحدى درجات الدرج .

*******************************

فى الأسفل ظل يجوب الممر المؤدى إلى الدرج بتأفف ، فها هى قد مضت أكثر من نصف ساعة ، ولم يظهر لها أثر ، زفر مرة اخرى بضيق بعدما نظر فى ساعة يده ثم أندفع متسلقاً الدرج نحو الأعلى ، حيث الغرفة المخصصة لهم منذ البارحة يقتحمها دون أستئذان ، شهقت رحمة بفزع ، منتفضة بجسدها قبل أن تستكين على رؤيته أمامها ، وتعود إلى محاولتها السابقة فى ربط وشاح رأسها بحذر شديد ، متجنبة أستخدام أصابعها المتألمة ، وقف طاهر يراقب محاولتها الفاشلة بصمت وقد تلاشى الغضب من فوق ملامحه وحل محله التعاطف ، ثم تقدم بهوادة حتى وقف أمامها وبهدوء تام ، سحب الوشاح من بين يديها ثم بدء فى تمليس خصلاتها الأمامية ، قبل أن يضع الوشاح فوق رأسها ويقوم بلفه مثلما رأها تفعل منذ قليل ، أهتزت شفتها السفليه بضراوة كعادتها عند التوتر ، وتجمدت نظراتها وحركتها أسفل لمسته الناعمة ، كاتمة أنفاسها إلى أن أنتهى مما يفعله ، وأبتعد عنها سنتيمترات قليلة يطالعها من بعيد ، ثم هتف يسألها بحيرة :
-(( مظبوطة كدة ولا ؟! )) ..

رفرفت أهدابها بأرتباك تام ، متحاشية النظر إليه ، وهى تحرك رأسها موافقة ، دون أن تعى حتى ما الذى وافقت عليه للتو ، مطلقة أنفاسها المحبوسة داخل صدرها بمجرد أبتعاده عنها ، وقبل أن تستدير بجسدها هاربة من الغرفة بأكملها ، هتف يستوقفها بجمود :
-(( ثوانى كدة )) ..

ألتفتت تنظر بحيرة مضيقة عينيها فوقه بعدم فهم ، فنبرته الحالية وحاجبه المعقوص ، يتناقضا تماماً مع لمساته منذ قليل ، تقدم هو إليها حتى وقف أمامها من جديد ، ثم رفع ذراعه ، يتلمس بأطراف أنامله جبينها ، ويدفع خصلة وحيدة تمردت وظهرت أسفل الحجاب ساقطه فوق جبهتها، قبل أن يقول متنهداً بأرتياح :
-(( تمام كدة مفيش حاجة ظاهرة منه .. نقدر نتحرك )) ..

أتسعت أبتسامتها أمتناناً له ولحرصه على أخفاء ما أرادت ستره عن أعين الجميع ، قبل أن تتبع خطاه إلى الخارج .

وفى الأسفل ، وتحديداً داخل غرفة الطعام هتف طاهر معاتباً بمجرد رؤيته لقريبه :
-(( أنت يا أخى سايبنى نايم كل ده !! وكمان قاعد لسه هنا بدل ما تروح مكانى .. تشوف لو الشغل محتاج حاجة )) ..

أجابه جواد ممتعضاً بضيق بينما أنظاره مسلطة فوق الواقفة جوار أبن عمه تنظر إلى الأرضية أسفلها بخجل :
-(( مفيش حاجة مهمة فقلت أسيبك براحتك .. وأرتاح أنا كمان شوية .. متخافش الشركة مش هتتحرك من مكانها )) ..

أومأ طاهر رأسه بجمود ثم قال آمراً بعملية :
-(( تمام .. أفطر وأطلع أنت على الشركة .. وأنا هاخد رحمة على المستشفى الأول وبعدين هحصلك )) ..

دوت دقات قلبها عالياً للمرة الثانية ، عند أستماعها لأسمها ينطق من بين شفتيه ، فى حين سارع جواد ووالدته ووالده فى السؤال بقلق :
-(( مستشفى !! .. ليه )) ؟! ..

أجابهم ببساطة وقد شعر بضيق غير مبرر من ذلك الأهتمام المفاجئ والصادر من قريبه :
-(( مفيش .. الباب أتقفل على صوابعها بليل .. حاجة بسيطة مش مستاهله )) ..

أرتخت ملامح جواد التى تشنجت قبل أن يقاطع حديثهم رنين هاتف رحمة ، حيث سارعت تجيب قبل أن تهتف بقلق :
-(( طب أهدى وقوليلى وفهمينى حصل أيه ؟! )) ..

أجابتها غفران من بين شقهاتها المتأوهة :
-(( تعالى خدينى .. مش قادرة أروح لوحدى )) ..

هتفت رحمة تسألها بلوعة :
-(( طب أدينى العنوان وهجيلك فوراً .. متتحركيش من عندك )) ..

سألها طاهر بجمود بعدما أغلقت الهاتف :
-(( تروحى فين بالظبط ؟! )) ..

أجابته بحزن :
-(( غفران بتكلمنى ومنهارة .. بتقول أنها قريبة من مستشفى ********** وعايزة حد يروحها )) ..

رد بحسم :
-(( معنديش وقت أضيعه أكتر من كدة .. أحنا هنروح مستشفى ****** جنب البيت هنا .. وبعد كدة هطلع على شغلى )) ..

هتفت تعقب بحدة :
-(( وأنا مطلبتش منك تكون موجود .. دى صاحبتى أنا .. وهروحلها لوحدى )) ..

قال بنبرته القاطعة :
-(( مش هتخرجى لوحدك .. خلصنا ! )) ..

قاطع جدالهم جواد مقترحاً لفض الجدال الحاد بينهم :
-(( متخافيش يا رحمة .. أنا كدة كدة بعدى بالعربية قريب من هناك .. هروحلها أنا أوصلها .. وأنتى روحى مع طاهر مشواركم متعطلوش نفسكم )) ..

رفعت نظرها نحو طاهر الذى كان يراقبها بتأهب منتظراً تعقيبها ، وبالفعل عندما لمح الرفض داخل عينيها هتف ناهياً الحديث وقاطعاً الطريق على أى أعتراض قد يصدر عنها :
-(( يا أقتراح جواد يا مفيش .. ها ؟! )) ..

حدجته بعدة نظرات حانقة قبل أن تسير أمامه بخطوات متشنجة ، بينما داخلها يلعنه سراً على تسلطه ..

*******************************

بعد حوالى الساعة والنصف من محاولته تفادى الازدحام المرورى والوصول إليها سريعاً ، توقف بسيارته أمام العنوان المطلوب ، يبحث بعينه عنها ، إلى أن لمحها ، تجلس فوق أحد الأرصفة داخل شارع جانبى صغير ، فسارع بالذهاب إليها ثم أنحنى بجذعه نحوها ، يضع كفيه أسفل ذراعيها ويرفعها إليه ، بعدما هتف أسمها أكثر من مرة يسترعى أنتباهها دون جدوى ، سارت "غفران" معه كالانسان الألى ، مستندة بثقل جسدها على خاصته ، شاخصة بأعينها إلى الفراغ ، لا تعى شيئاً مما حولها ، وضعها جواد داخل السيارة بحذر شديد ، داعماً بكفه جسدها الذى ترنح أمامه ، قبل أن يركض إلى الباب الأخر يجلس خلف المقود بعدما تأكد من وضعية جلوسها داخل السيارة ثم بدء بالسير على هوادة ، وعينيه من حين للأخر تطالعها بقلق ، وبعد فترة من الصمت ، عاود المحاولة من جديد يسألها بهدوء :
-(( تحبى تروحى فين )) ..

أدارات رأسها ببطء تتطلع إليه بأعين زجاجية فارغة ، كأنها لا تراه ، ثم عاودت النظر أمامها دون أجابة ، أوقف هو محرك سيارته على جانب الطريق ، ثم أنحنى بجذعه يلتقط زجاجة ماء موضوعة جواره فى مكانها المخصص ، قبل أن يقوم بصب بعضاً منها داخل كف يده ، وبدء بمسح وجهها كاملاً ، ثم بعدها رفعها نحو فمها آمراً بنعومة بعدما وضع الزجاجة بين شفتيها :
-(( أشربى )) ..

أطاعته فى صمت ، مبتلعة نصف الزجاجة تقريباً إلى أن دفعت كفه بعيداً عنها كعلامة على أنتهائها ، راقبها جواد فترة دون حديث ثم عاد يسأل من جديد بصبر يتسم به :
-(( فى مكان محدد حابة تروحيه )) ..

أومأت برأسها موافقة ثم أجابته مغمغمة بنبرة لا تتعدى الهمس :
-(( عايزة أروح بيتى .. البيت .. الأزاريطة شارع ******** )) ..

تنهد براحة أخيراً وقد تحدثت ، ورغم ذلك وجد نفسه يقاوم فضول غريب لمعرفة السبب فى حالتها تلك ، فمن خلال لقائاتهم القليلة ، منذ تولت مهمة الدفاع عن رحمة ، وإلى وقتهم الحالى ، لم يراها منكسرة ، هكذا ، ثم أن الأنكسار لم يُخلق لها ولا يليق بها ، هذا ما فكر به بضيق وهو يصف سيارته أمام منزلها ، القريب من الموقع الأساسى ، قبل أن يترجل من سيارته ، يفتح الباب الامامى لها ويحثها على الخروج ، ثم سار جوارها إلى أن وصلت إلى باب المنزل ، وقتها إستدارت تنظر إليه مودعة بعيون مغرورقة بالدموع ، ثم أومأت رأسها إليه شاكرة فى توديع صامت ، وأغلقت الباب خلفها ، على حلمها ومستقبلها وكل خططها المرسومة فى العيش بداخل هذا المنزل .

********************************

داخل المشفى الخاص وتحديداً فى طابق الأستقبال ، دلفت رحمة غرفة الفحص السريع مفردها ، بعدما أشار لها بعينيه أن تسبقه ريثما ينتهى من مكالمته الهاتفية ، متفاجئة بطبيب الأمتياز، يسارع فى أستقبالها ، ويشير إلى الممرضة أن تترك الغرفة ، وتنصرف ! ، ثم مد كفه نحو الفراش الطبى الصغير ، يحثها على الجلوس فوقه كى يبدء الفحص بعدما أستمع إلى شكواها ، فأطاعته وجلست تاركة مسافة جيدة بينهم ، قبل تفاجئها به يختصرها ، متعمداً الألتصاق بها دون داع ، بينما كفه تتحس موضع أصابته بشكل مثير للريبة ، فسحبت نفساً عميقاً تهدء بها أعصابها التى أخذت فى التوتر ، ثم قفزت من فوق الفراش بعدما دفعت يده بعيداً عنها بشجاعة قائلة بحدة :
-(( من فضلك ثوانى كدة )) ..

فتحت بعدها باب الغرفة تبحث عنه إلى أن وجدته ، يقف قبالتها ، معطياً ظهره لها ومتحدثاً خلال الهاتف ، زفرت مطولاً عدة مرات ثم هتفت بنبره متهدجة مندفعة :
-(( طاهر .. مفيش حد معايا فى الأوضة )) ..

أستدار بجذعه ينظر إليها مشدوهاً ، وعينيه تلمع بوميض خاص ، عرفه قلبه وجحدته عيناها ، متمنياً سماع أسمه منها مرات ومرات ، بل تحركت رغبة بداخله فى تذوقه وليس سماعه ، اللعنة ، ها قد أكملت ألقاء تعويذتها التى بدئتها من خصلاتها ، والأن أتمتها شفتاها من خلال حروف أسمه الملحنة ، وكأنها تأبى ألا أن تُحكم نسج شباكها حول روحه ، وتحاصره من جميع الجهات حتى لا يجد ملجاً ولا مهرباً ، همسة أخرى أشد وطأة من شفتيها التى تتحرك صعوداً وهبوطاً برقة بالغة ، جعلته يسير إليها مغيباً ، يمد يده ويتلمس بظهره كفها ، قبل أن يشبك أصابعها بخاصتها ، ويسير بها إلى داخل غرفة الفحص من جديد وقد فهم مقصدها بعد نظرة واحدة ألقاها على ذاك الذى يقف خلفها ، بينما تابع الطبيب تلاحم كفيهما معاً ثم سأل بفضول :
-(( هى أخت حضرتك ؟! )) ..

أجابه طاهر بنبرة متحشرجة محذرة وقبضته تزداد قوة فوق كفها، ولدهشتها كانت أكثر من ممتنة لفعلته تلك :
-(( مراتى )) ..

مط الطبيب شفتيه وهو يباشر عمله ثم عقب بأستنكار :
-(( غريبة !! .. مع أنى مشفتش دبله فى أيديها )) ..

ضغط فوق شفتيه متجاهلاً تعليقه ثم قال بنفاذ صبر :
-(( مقلتش يا دكتور يعنى عندها أيه ؟! )) ..

أجابه بعملية :
-(( بسيطة .. الدم أتحبس وعشان كدة عمل تورم .. مجرد ما هنصرفه هيبدء الألم يهدى .. مع مسكن للألم ومضاد حيويى وربط الأيد كام يوم عشان نمنعها من الحركة .. هتبقى فل .. وكويس أنك جبتها على طول .. ساعات أصابة الباب بتأدى لبتر الصوبع لو أتعاملنا معاها بأهمال )) ..

سألته هى بقلق مستوضحة :
-(( يعنى حضرتك هتلف أيدى دلوقتى )) ..

رد بلا مبالاة :
-(( عندك أعتراض ؟! )) ..

أجابته بضيق :
-(( أه دى أيدى اليمين .. هتعامل أزاى ؟! )) ..

نظر الطبيب إلى طاهر الواقف جوارها ، ثم قال ببساطة رغم الحنق المغلف ملامحه :
-(( الأستاذ جوزك ممكن يساعدك فى أى حاجة )) ..

زفرت مطولاً قبل أستسلامها للأمر الواقع ، تاركة الطبيب يباشر بعمله متحاملة على نفسها وكاتمة تأوهاتها حتى لا تظهر أمامه كالطفله المدللة المتذمرة .

********************************

خلف أحدى الطاولات المربعة بجوار ملعب السلة ، جلس متشوقاً ، حيث أتفقا على اللقاء ، يترقب وصولها ، ممنياً قلبه باللقاء ، مذكراً نفسه بما عاهدها عليه ، ولاوياً فمه بسخرية شاعراً أنه قد عاد طالب مشاغب من جديد ، يتوجب عليه تكرار درسه مراراً وتكراراً حتى يستقر داخل عقله الصدأ، جاذباً عينيه تقدمها منه مبتسمة بترو شديد ، حيث تسير على خطى طفلة أخيها الصغيرة ، سارع يحيى بالوقوف أحتراماً لها ، قبل أن يجذب أحدى المقاعد كى تجلس عليه ، تسمرت علياء مكانها على فعلته ، تسأله بأنبهار :
-(( ده عشانى ؟! )) ..

أجابها بجمود كاتماً إبتسامة مرحة تلوح بالظهور فوق شفتيه :
-(( مفيش غيرك هنا صح ؟! )) ..

تنحنحت بحرج لأئمة نفسها على تهورها فى الحديث ثم غمغمت معتذرة بأحباط بعدما أختفت بسمتها :
-(( أسفة .. مأخدتش بالى )) ..

لعن نفسه سراً على حدته وجفائه فى التعامل فأردف يقول بنبرة خرجت ساخرة رغم نيته تلطيف الأجواء :
-(( أتفاجئتى ليه .. خطيبك مش بيعمل كدة )) ..

رفعت رأسها تنظر إليه بعدما أعادت أحدى خصلاتها للوراء ثم قالت بأرتباك :
-(( خطيبى !! .. أه .. طبعاً .. أه .. بيعمل كدة )) ..

أرغم ثغره على أغتصاب أبتسامة مقتضبة رسمها فوق شفتيه ، شاعراً بالغيرة تمزق أحشاءه ، قبل أن ينحنى بجذعه ليحي الطفلة الصغيرة التى تجاوبت معه على الفور كعادتها ، ثم شروعه فى عمله المكلف به ، بينما جلست هى جوارهم شاعرة بالاختناق ، بسبب توتر الجو من حولهم ، ومن ذلك الصوت الخافت الذى لا ينفك يحثها على الرحيل ويخبرها أن وجودها هنا ، فى تلك اللحظة ليس مرحب به ، فمنذ وصولهم وهو يتعامل معها كم لو أنها نكرة ، شئ لا قيمة له على الأطلاق ، وكم تود الهرب لولا الطفلة الصغيرة ، أما عن الجانب الأخر ، جانبه هو ، كان كمن يحارب على جبهتين ، واحدة تطلب منه النظر إليها وأشباع عينيه برؤيتها ، والأخرى تتوسله كى يتحدث معها ويزيل ذلك العبوس المعتدى من فوق جبهتها ويعيد إليها بسمتها الساحرة ، وفى الأخير ، خضع إلى نداء عقله والذى أجبره على تجاهلها ، حتى أخر الجلسة ، لتنتفض بعدها بحدة تحمل الصغيرة بين ذراعيها وتتمتم بنبرة خالية يخالطها الغضب ، بعدما قررت الأنسحاب :
-(( شكراً لحضرتك .. ومن المرة الجاية إن شاء الله .. هخلى جواد هو اللى يتواصل مع حضرتك عشان لينة .. وأسفه تانى مرة لو أزعجتك أو عطلتك )) ..

أرخى جفنيه زافراً بأحباط بعدما فتح فمه هاتفاً بأسمها يستوقفها ولكنها تجاهلت ندائه عن عمد وهرولت مبتعدة تشعر بحزن غير مبرر .

**********************************

صرخات متأوهة مرتاعة كالمنشار تشق حلقها نصفين ، كانت هى سبيلها للتنفيس عن نيران الخيانة التى تحرق كبدها ، بينما ذراعيها تتحرك فى ألية تحطم كل ما يقع فى طريقها ، كل ذكرياتهم معاً ، كل شبر خطت به داخل المنزل ، كل ركن جلست به معه ، تمحى أثر كل أبتسامة ، كل دمعة ، كل فرحة ، كل أمل ، لا تُبقى على ذكرى واحدة تجمعهم ، إلى أن خارت قواها وأُستنفذت قوتها ، فأرتمت منهكة الروح والجسد ، تبكى بحرقة ، تاركة الدمع يشق طريقه فوق وجنتيها ، حتى جفت عينيها ، وجلست تحدق فى الفراغ بصمت ، منتظرة عودته لتنفيذ ما تنتوى ، وبالفعل بعد نصف ساعة ، دلف "بدر" المنزل بتأهب شديد ، يسير بهوادة ويطالع محتوياته المحطمة عن بكرة أبيها ، حتى وصل إليها وجلس القرفصاء أمامها ، هامساً أسمها بتوسل :
-(( غفران )) ..

دفعت يده التى بُسطت نحوها بأشمئزاز ثم أستقامت فى جلستها مبتعدة عنه بالقدر الكافى حتى لا يتسنى له لمسها ثم قالت بهدوء ، عكس الأعصار الذى يموج داخلها :
-(( قدامك لحد بكرة تكون ورقتى عندى )) ..

غمغم يستعطفها متضرعاً :
-(( طب بس أسمعينى .. عشان خاطرى )) ..

أبعدت خصلاتها الثائرة عن عينيها بحدة ثم صاحت معقبة بنبرة عدائية كارهة :
-(( أسمعك ليه !! .. عشان تبرر خيانتك !! .. لأ أستنى .. أكيد جاى تقولى عملت كدة عشانك .. ولا ممكن نعمل زى الأفلام .. وتقنعنى أن هى مجرد بطن تشيل .. وبعدها ترميها وتاخد الولد تكتبه بأسمى صح !! .. ماهو أنا برضة الأولى لحد ما أرضى بالأمر الواقع أكيد ؟! .. وتبقى جوز الاتنين .. فكرة اتهرست مليون مرة وقلت تجرب حظك أنت كمان يمكن تنفع معاك !! )) ..

صمتت لوهلة تحدجه بأزدراء قبل أن تضيف ساخرة :
-(( ولا يمكن هتيجى تقولى ماما غصبت عليا .. مانا عارفاك حبيب مامى !! .. تيجى عندها ومتقدرش ترفض طلب !! ولا ممكن برضه تقولى أخاف أعصيها تغضب عليا .. وأنا كزوجة متربية أصيلة مكسورة هقولك حاضر يا سى بدر .. خدامتك .. أتفضل دوس على قلبى أنت والست الوالدة .. أنا عاقلة .. وصابرة .. وراضية !! )) ..

قال مواجهاً بأحباط :
-(( لا مش هقولك كدة .. عشان غلطان ومعنديش مبرر أقوله .. غير أنى بحبك ومش عايز أخسرك أو أظلمك )) ..

صرخت تقاطعه بحسرة :
-(( كــدااااب .. أنت واحد واطى .. أنانى .. وندل .. مبتحبش غير نفسك .. وعمرك ما هتشوف غير مصلحتك .. لو بتحبنى كنت حسيت بوجعى .. حسيت بقهرتى وأنا بدخل عملية مرة وأتنين عشان أفرحك وتفشل .. كنت صعبت عليك وأنا كل يوم بتنغز بالأربع أبر عشان أحققلك أمنيتك انت والست الوالدة .. كنت أشفقت عليا وأنا بشوف طفلى كل مرة احمله ويسقط قدامى وأطلع أبتسم قدامك عشان متقلقش .. كنت فكرت أن أنا كمان نفسى أبقى أم .. وأنى محرومة زى زيك من غير مانع .. ومكنتش طعنتى فى ضهرى وبعدها دبحتنى بسكينة تالمة )) ..

بلعت لعابها بقوة ثم أردفت تقول بنبرة متحشرجة من كثرة الدموع التى عادت تباغت جفنيها :
-(( عطيت لنفسك الحق تحقق أمنيتك ونستنى )) ..

ضربت فوق صدرها بقوة عدة مرات ثم أستطردت تصرخ بقهر :
-(( ولعت النار فى جوفى وجاى تقول غلطان .. لا يا بدر .. النار حرقتنا سوا .. ومش هسمح أنك اللى تطفيها .. طلقنى وألا أنت عارف .. من بكرة هرفع عليك قضية خلع وهتتفضح فى كل المواقع .. لو لسه عندك ذرة كرامة .. أو خايف على سمعتك طلقنى )) ..

همس بعجز :
-(( أنتى طالق .. بالتلاتة )) ..

رفعت رأسها بكبرياء بعدما تنفست الصعداء براحة ، ثم قامت بسحب حقيبة سفرها المحضرة سابقاً من جوار الفراش ، وسارت برأس مرفوع نحو باب الخروج ، غالقة تلك الصفحة من حياتها بكل ما فيها ، بينما راقب هو رحيلها بأعين دامعة ، وقد أختار الحل الأسهل ، الأمثل ، الذى طالبه به قلبه منذ عدة أيام ، بل منذ مالت كفة مضغته إلى الأخرى .

*********************************

عاد إلى المنزل متلهف الخطى ، متشوق الرؤى ، ومندفعاً إلى غرفته فوراً ، متناسياً كل وعوده التى قطعها البارحة ، وقراراته التى أنتوى تنفيذها ، ومنتوياً تبديل ثيابه أولاً ، قبل زيارتها والأطمئنان على أحوالها ، مقاطعاً ترتيبه ، طرقة خافتة فوق باب الغرفة يليها ، ظهور مدبرة منزله القديرة " ام الحسن " حاملة بين يديها ، صينية عشاء كبيرة ، محملة بكل أنواع الطعام الممكنة ، ضيق طاهر حدقتيه فوقها قبل أن يسأل بفضول :
-(( أيه ده كله يأم حسن ؟! )) ..

أجابته مسترسلة بأبتسامتها المعتادة :
-(( ده أكل لست البنات .. مأكلتش حاجة من الصبح .. فقلت أطلعلها الأكل هنا وأكلها بنفسى .. مانت عارف مش هتعرف ياحبة عينى تاكل لوحدها بأيديها الملفوفة دى )) ..

أرتفعت زواية فمه بأبتسامة خفيفة ثم قال بصوته الأجش :
-(( طب هاتى الصينية وروحى أنتى ؟! )) ..

شهقت مستنكرة قبل هتافها معترضة :
-(( يالهوى .. أسيبك تشيلها بنفسك .. لا والنبى ما يحصل .. عدينى بس وأنا هحطها )) ..

أتسعت إبتسامته المسلية فوق ثغره ثم قال بنبرة تحتفظ داخل طياتها بالأبتسام :
-(( هاتى بس وملكيش دعوة )) ..

رفعت ذراعيها تضع صينية الطعام بين يديه باندهاش تام قبل خروجها من الغرفة عائدة بأدراجها إلى الأسفل ، بينما طرق هو بمرفقه الباب مستأذناً فسارعت رحمة تسأل بفضول :
-(( مين ؟! )) ..

أجابها بتأن :
-(( أنا )) ..

ارتبكت فى الحال معتدلة فى جلستها فوق الفراش ، بينما أنزلقت عينيها فوق وشاح رأسها الموضوع جوارها تنظر إليه ، مفكرة بسذاجة فى تغطية شعرها ، قبلما تذكرها ليلة البارحة التى قضتها بين ذراعيه ، ثم وأليس ومن السخافة أرتدائها لحجاب رأسها بعدما رأها دونه عدة مرات ، هذا ما هتفت به داخلياً قبل أن تأذن له بالدخول دون وضعه فوقها ، دلف طاهر الغرفة ثم أغلق الباب من خلفه بقدمه ، مواصلاً سيره نحوها ، فرغ فاهها وهى تراقب تقدمه منها بعدم تصديق ، فهو حقاً يحمل الطعام بين يديه !! ، أم تتوهم هى بذلك ، مقاطعاً دهشتها جلوسه أمامها ، أولاً ثم قوله وهو يمد يديه بملعقة الطعام إلى فمها ثانياً :
-(( حرام تاكلى بأيديك الشمال )) ..

نفضت رأسها ببلاهة قبل أن تنحنى برأسها فى أتجاهه تطيعه و تتناول الطعام من يديه بألية شديدة غير قادرة على الرفض أو التعبير ، بينما راقب هو نعومتها فى الحركة ، سائلاً قلبه بحيرة ، عن حاله وهو يقف هكذا فى المنتصف ، يريدها ويرفضها ، يتلمس القرب ، ويود أيضاً الابتعاد ، يتمنى لو كان ادنى قليلاً ، ولكنه يخاف الأقتراب ، يخشى الخيانة ، حرقة القلب ، وخذلان الروح ، يقف هناك فى المنتصف حيث هو قريب وبعيد ، راغب وممتنع ، يكتفى بنظرة عابرة ، بسمة خافتة ، همسة ناعمة ، منها
وبعد انتهائها من تناول طعامها ، وضع الصينية جانباً فوق الفراش ، ثم دس يده داخل احدى جيوب بنطاله ، واخرج منها صندوق صغير من القطيفة ، فتحه أمام عينيها ثم قال بأرتباك وهو يقدمه إليها :
-(( يعنى .. لحد ما كل واحد يروح لحاله .. ألبسى ده .. عشان محدش يعلق زى النهاردة وقبل كدة )) ..

شهقت رحمة بعم تصديق وقد تعلقت عينيها فوراً ، بمحبس زواج يخطف الأنفاس من الألماس الخالص ، مكون من خمسه فصوص صغيرة بيضاء ، متراصة جوار بعضها البعض ، جاذبها من صدمتها الفرحة ذراعه الذى امتدد نحوها محتضناً كفها الأيسر ، ثم قام بأدخال المحبس فى أصبعها الرابع ، قبل أنحناءه نحوها ، طابعاً قبلة رقيقة مطولة فوق جبهتها ، ثم أنصرف على الفور ، هارباً من قلبه والذى أضحى يتحكم كلياً بتصرفاته .

**********************************

فى منتصف اليوم التالى ، وأثناء أستعدادها للهبوط إلى الأسفل تهادى إلى مسامعها صوت طرقة خفيفة فوق باب الغرفة ، يليها ظهور علياء من خلفه ، أبتسمت رحمة بسعادة قبل أن تقول بترحاب شديد :
-(( وأنا أقول البيت نور ليه )) ..

قالت علياء مازحة بخفة :
-(( عرفت أنك تعبانة ومريضة وقعيدة الفراش .. قلت أعمل ثواب وأجى أشوفك )) ..

قهقهت رحمة مطولاً ثم قالت مشجعة :
-(( طب تعالى أقعدى .. وفرتى عليا النزول تحت )) ..

زمت علياء شفتيها للأمام ثم سألتها مشاكسة :
-(( ألا قوليلى يا ريمو .. هو تيتو بينام برة .. ولا...... )) ..

مطت كلمتها الاخيرة بنبرة ذات مغزى ثم تركتها ناقصة مما دفع الأخرى للكزها داخل مرفقها معنفة ، ووجنتيها تتوردان خجلاً من ذكرى مبيتهم داخل غرفة واحدة ، وبعد فترة من التردد ، هتفت رحمة تقول بأرتباك :
-(( علياء .. هو أنا ممكن أسألك عن حاجة ؟! )) ..

سارعت علياء تجيبها وعيونها تلمع بفضول :
-(( أه طبعاً أتفضلى ؟! )) ..

تنحنحت عدة مرات ثم قالت بتعلثم :
-(( فاكرة يوم ما كنا سوا .. فى البلكونة .. قصدى يعنى يوم ما قلتيلى على طــطـاهـر .. مش أول مرة يفترق .... )) ..

قالت علياء بفهم :
-(( ااااااه .. قصدك عن عمرو وطاهر )) ..

أومأت الاخرى رأسها مؤكدة بلهفة ، فى حين سحبت علياء نفساً عميقاً قبل أن تجيبها بتأثر :
-(( عمرو وطاهر كانوا بيحبوا نفس البنت .. ريم يعنى .. مرات طاهر .. أتعرفت على عمرو الأول وكان بيحبها بجنون .. وهى كمان كانت تدى بتحبه .. لحد ما شافت طاهر واتعرفت عليه .. وعرفت أن كل حاجة فى أيديه وهو الآمر الناهى.. مش عمرو زى ما كانت متخيلة .. وقتها بدءت ترمى شباكها حوالين طاهر .. وتظهرله فى كل مكان .. لحد ما حبها هو كمان بجنون .. وطبعاً أختارته هو .. والحقيقة أنه حارب الدنيا كلها عشانها .. حتى أنه وعمرو قاطعوا بعض كام سنة بسببها .. لحد ما ضربته وورطته فى قضية كبيرة بأسم الشركة وتحت توقيعه .. وكان هيتسجن فيها لولا ستر ربنا .. بعدها أختفت طبعاً .. ومن رحمة ربنا بيه جاله خبر موتها بعد فترة عشان يخلص منها )) ..

صمتت علياء لوهلة تتابع ردات فعل رحمة المتأثرة ، ثم أردفت تقول بصدق :
-(( بصى .. أنا لحد دلوقتى معرفش أنتى بريئة من دم عمرو ولا .. رغم أن قلبى بيقولى أنك مظلومة .. بس لو كنتى فعلاً بريئة يا رحمة أثبتيلى ده .. وأنقذى اللى عايش لو فى أيديك .. وعوضيه عن كل اللى راح .. ساعتها بس هتأكد أن نظرة بابا فيكى صح )) ..

أعقبت جملتها ببسمة خافتة حزينة جعلت الأخرى تشرد بنظراتها إلى الفراغ وقد تحرك شئ بداخلها ، شئ وضعته من فوره تحت بند الشفقة .

*********************************

داخل مقعده خلف مكتب رئيس مجلس الادارة ، هتف طاهر بنفاذ صبر ملتاعاً ، بمجرد رؤيته وجه ماكسيم الذى طل من خلف الباب يسير فى اتجاهه ببطء ولا مبالاة :
-(( ها !!! .. ايه الحاجة اللى كلمتنى عشانها وقلتلى متنفعش تكون فى التليفون ؟! )) ..

أبتسم التحرى الخاص عن ملئ فاه ثم قال مازحاً :
-(( أنا بخير .. كيف حالك انت أيضاً سيد طاهر )) ..

حدجه طاهر بنظرة حانقة جعلت الاخير يسارع بالجلوس وأخراج وثيقة مصورة من حقيبته قائلاً ومبتسماً بأنتصار :
-(( من أجل تلك سيد طاهر .. مجهود أيام عدة .. أتصل خلالها نهارنا بليلنا حتى توصلنا إليها )) ..

سحبها طاهر من يده بلهفة يقرأها على عُجالة ، ثم عاود قرأتها من جديد ، مرة تلو مرة ، يتأكد مما تراه عينه ، قبل أن يغمغم بصدمة واضحة بعدما سقطت الوثيقة من يده واستقام فى وقفته :
-(( قصدك .. رحمة بنت عمى أنا .. أنور !! )) ..

****************************


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-20, 05:04 PM   #23

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اووووف القفلة نااااار و حماااااااااااس كتييييير حبيت القصة 👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏
في انتظار التطورات القادمة😘😘😘😘😘😘😘😘😘


آلاء الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-20, 05:22 PM   #24

ban jubrail

? العضوٌ??? » 276280
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 680
?  نُقآطِيْ » ban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond repute
افتراضي

نهاية الفصل صادمة للبطل طاهر والأحداث التي وراء السر الذي يكشف أن رحمه التي اتهمها بأنها قاتلة أخي والتي تزوجها ابنة عمه الطاهر ماذا سيحدث من صدمات وكشف الألغاز للبطلة رحمه هذا ما سننتظره في البارت الرابع عشر من رواية في لهيبك احترق . بالتوفيق .

ban jubrail غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-20, 05:24 PM   #25

ban jubrail

? العضوٌ??? » 276280
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 680
?  نُقآطِيْ » ban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond repute
افتراضي

نهاية الفصل صادمة للبطل طاهر والأحداث التي وراء السر الذي يكشف أن رحمه التي اتهمها بأنها قاتلة أخيه والتي تزوجها ابنة عمه الطاهر ماذا سيحدث من صدمات وكشف الألغاز للبطلة رحمه هذا ما سننتظره في البارت الرابع عشر من رواية في لهيبك احترق . بالتوفيق .

ban jubrail غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-20, 11:19 AM   #26

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

فييييينك يااااشيمااااااء انا متابعة للرواية كل يوم اعمل اكثر من مرة تحديث فانتظااار الفصل الجديد 😭😭😭😭😭
الرواية كثير حلوة بليييييز لا توقفي 😍😍😍😍😍😍😍😍😍و اعطينا موعد للتنزيل


آلاء الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-20, 07:18 PM   #27

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل مشاهدة المشاركة
فييييينك يااااشيمااااااء انا متابعة للرواية كل يوم اعمل اكثر من مرة تحديث فانتظااار الفصل الجديد 😭😭😭😭😭
الرواية كثير حلوة بليييييز لا توقفي 😍😍😍😍😍😍😍😍😍و اعطينا موعد للتنزيل
بعتذرلكم عن الانتظار بس لما ملقتش تعليقات افتكرت محدش مهتم.. إن شاء الله هنزل ٤ فصول دلوقتي


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-20, 07:20 PM   #28

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الرابع عشر ♥️🔥



يا قاتلي ولهاً ، أحييتني تيها
كلّ الأغاني سدىً ، إن لم تكن فيها
جراح حبك تذكارٌ على جسدي
إن كان لي فيك خيرٌ، لا تداويها .

أمس واليوم الذى سبقه ، كان يَظُن أن هناك مؤامرة ما تُحاك ضده لجعله يخُر على ركبتيه مستسلماً أمام سطوة عينيها ، أما الأن فقد بات متيقناً أن قدره يسوقه إليها شيئاً فشئ وكأنها من المقدرات عليه منذ أزل الأزل ، ضلعه الأعوج المفقود ، حامى القلب ، والذى يأبى الأعتراف بأيجاده أو أهميته ، فتظل السماء فى الأعلى بأرسال معطياتها ، واحدة تلو الأخرى ، حتى يرفع عن جميع راياته لها متقبلاً .. منهزماً .

-(( ليس تماماً سيد طاهر ، ولكن طبقاً للوثيقة التى بين يديك ومقارنتها بتاريخ ميلاد السيدة رحمة ، فنعم ، هذا أحتمال وارد بنسبة كبيرة )) ..

كان هذا هو جواب التحرى الخاص الذى نطق به عاصفاً بأمال الاخر المتباينة مشاعره ، ما بين الفرح ، الأرتياح ، الحيرة والترقب ، وأهمهم الاستغراب ، هاتفاً بأحباط بعد وهلة من التفكير الصامت :
-(( قصدك أيه !! .. ماهو التاريخ ماشى بالظبط مع قسيمة الجواز دى !! .. عكس تاريخ الجواز التانى )) ..

صمت قليلاً يعاود الجلوس فوق مقعده ، ويقلب بين أنامله الوثيقة التى بيده ، قبل أن يستطرد مهمهاً بأستنكار :
-(( مش مصدق !! عمى أنا أنور !! متجوز على طنط كريمة !! .. والتاريخ كمان بعد ولادة جواد .. يعنى بعد جوازهم !!.. ودوناً عن الناس كلها .. تطلع أم رحمة !! حاسس أنى فى فيلم )) ..

أزدرد لعابه ثم أردف يسأل بجوع متشوقاً لمزيد من التفاصيل :
-(( أنت وصلت للوثيقة دى ازاى !! وأيه اللى لم عمى على فريدة دى !! ))..

أجابه التحرى شارحاً بترو أرضاءاً لفضوله :
-(( الأمر بسيط سيد طاهر ، بعد قليل من البحث داخل سجلات والديها كما أخبرتك من قبل ، أكتشفت أن السيدة فريدة كانت تعمل مع شقيق لها ، بأحدى دول الخليج كممرضة بمشفى الأمير ***** ، ومع الكثير من التحريات هنا وهناك والتحدث مع بعض الأصدقاء، بدء ينكشف لنا ماضِ العائلة ، وبالطبع أهم معلومة تحصلت عليها من واحدة من صديقات السيدة فريدة المقربات، هى زواجها من رجل ذو شأن والعودة بعدها إلى أرض الوطن ، بالطبع يمكنك توقع التالى ، بزيارة بسيطة إلى سفارة مصر أستطعت أستخراج وثيقة الزواج تلك ، لم يكن الأمر بتلك الصعوبة )) ..

تنهد طاهر مطولاً منصتاً بتركيز وأهتمام إلى كل ما تفوه به ماكسيم ثم همس يقول بتيه بعدما مسح فوق وجهه عدة مرات :
-(( عقلى مش قادر يستوعب اللى قلته ده .. وعشان كده لازم أتاكد من الشك اللى فى دماغى وأرتاح .. وأواجه عمى باللى عرفته )) ..

قال ماكسيم بنبرة قاطعة ينهى حالة التخبط التى أصابت مستأجره وظهرت واضحة فوق ملامحه :
-(( أمامك حل واحد سيد طاهر للتأكد من تلك الشكوك قبل أتمام المواجهة تجنباً للأنكار ، ويجب علينا البدء به فى أسرع وقت ممكن )) ..

رفع طاهر رأسه من فوق الورقة التى أمامه بعدما عاد قرأتها للمرة الخامسة قائلاً بأصرار قاطع :
-(( عندك حق .. لازم نعمل تحليل فى أسرع وقت .. وبعدها يجى وقت المواجهة .. وأنت من دلوقتى أرجع تابع قضيتنا الأساسية )) ..






*********************************




ضيق حدقتيه فوقها مندهشاً ، وهو يراها تتقدم منه بخطى متبخترة والابتسامة الواثقة تعلو ثغرها ، مرتدية حلة نسائية رسمية سوداء اللون ، وعاقصة شعرها إلى الأعلى على هيئة كعكة بسيطة ، تاركة بعضاً من خصلاته تنفلت عن قصد بحريه خلف عنقها ، ومتجاهلة بعمد هواء فبراير البارد ، المداعب غرتها ومؤخرة عنقها ذياباً وإياباً كما يحلو له ، قطب "جواد" جبينه مستنكراً بأستغراب ولازالت عيناه تتبع أثر خطاها ، أوَليست نفسها طالبة العون بالأمس أم اختلط الأمر على عقله ، حتى أن مصطلح " الأنهيار " ، ليس اللفظ المناسب فى وصف ما رآه البارحة ، ومن ثم ، أنى لها تلك القوة فى التبدل بين ليلة وضحاها وكأن شيئاً لم يكن !! ، أخرجه من تفكيره المضطرب ، صوتها الموجهه إليه تسأله بنبرة رنانة قوية عكس ما توقعه بعدما ألقت تحيية الصباح عليه :
-(( أيه أخبار الصب يا أستاذ جواد .. فى أمل نخلص على أخر الأسبوع ؟! )) ..

أرتفعت زواية حاجبه بالتزامن مع مثيلتها عند فمه ، قبل غمغته ببلاهة بعدما رفع ذراعه وفرك جبهته محتاراً :
-(( هو أنا مش وصلتك إمبارح بيتك برضة .. ولا كنت بحلم )) ..

أبتسمت بخفوت ثم أجابته ساخرة :
-(( لا مانا بتحول بسرعة متخافش )) ..

بادلها الأبتسام بدوره قبل أن يسألها بتردد مدفوعاً بفضوله :
-(( طب وينفع أعرف سر التحول ده .. بس بتاع إمبارح مش دلوقتى ؟! )) ..

أستدارت تقف فى مواجهته بعد أن كان جسدها موازياً له ، ثم قالت بشجاعة بعدما أخذت نفساً عميقاً تستعد به لأولى مواجهاتها :
-(( بيتهيألى واجب عليا بعد تعبك معايا إمبارح أنى أبرللك صح خصوصاً أنى نسيت اشكرك .. بس أنت عارف .. مش ده السبب اللى هيخلينى أتكلم .. أنا هقولك الحقيقة عشان المفروض أواجه الموقف وأقدر أتخطاه .. الهرب والكدب مش هيحل مشكلة حصلت )) ..

صمتت لوهلة تتجاوز غصة قلبها ، ثم زفرت بقوة وصوت مسموع ، قبل قولها بنبرة متهدجة سريعة كمن يُلقى بثقل حمله من فوق كتفيه :
-(( إمبارح يا سيدى إكتشفت أن جوزى العزيز طلع متجوز عليا .. والمدام الجديدة كمان حامل )) ..

أردفت مصححة بتهكم واضح بعدما رأت الصدمة تغلف نظراته :
-(( قصدى طليقى .. مانا برضة أطلقت إمبارح )) ..

أنهت جملتها بأبتسامة واسعة تخفى خلفها حزنها الدفين ، بينما رمش جواد بجفنيه عدة مرات بصدمة قبل أن يمد ذراعه موجهاً كفه المفرود نحوها ، تطلعت غفران عدة ثوانِ إلى يده الممدودة أمامها بأستغراب ، ثم بسطت كفها هى الأخرى على مضض تبادله التحية ، فى حين انتظر هو حتى ألتهم كفه الكبير ، خاصتها الأصغر حجماً ، ثم هزه بقوة صعوداً وهبوطاً قائلاً بسخرية مريرة :
-(( أهلاً بيكى فى عالم المغدورين )) ..

رفعت رأسها لأعلى كى تُتاح لها رؤية أفضل تستطيع من خلالها تفرس ملامحه بحسها البوليسى لأستبيان مقصده ، مقاطعاً تفحصها رنين هاتفها معلناً عن أتصال جديد من قبل صديقتها ، أجابت غفران بخفة بعد رؤيتها هوية المتصل ، توارى حزنها خلف مزاحها المستمر:
-(( خلاص والله هجيلك .. مادام وعدتك هنفذ .. أخلص بس المشوار اللى أنا فيه .. وربنا يقدرنى على طريقك البعيد ده )) ..

ردت رحمة متلهفة :
-(( متتأخريش عليا بالله عليكى .. كفاية أنى من إمبارح مش عارفة أشوفك بسبب أستاذ رمادى ده ومزاجه اللى شبهه )) ..

صمتت لوهلة ثم أستطردت معاتبة بأحباط :
-(( حتى أنتى مش عايزة تريحينى وتحكيلى أيه اللى حصلك .. وسايبانى بقلقى وضميرى اللى واجعنى من إمبارح ده عشان معرفتش أجيلك )) ..

أجابتها غفران متفهمة بحب :
-(( يا بنتى خلاص مش مستاهلة .. مانتى كلمتينى بليل وشرحتيلى .. وكمان كان لازم أتوقع أنه حابسك وأستحاله يسمحلك تخرجى لوحدك يمكن تهربى .. فأكيد مش هزعل منك )) ..

هتفت رحمة بضيق :
-(( بس برضة كان لازم مسمعش كلامه وأجيلك .. أنا غلطانة )) ..

زفرت غفران معبرة عن نفاذ صبرها ، ثم قالت بتأفف ناهية الحديث :
-(( لا بقولك أيه لو جيت وفضلتى على أسطوانه أنا غلطانة وكنت لازم أجيلك دى همشى وأسيبك .. يلا أنا هتحرك مسافة الطريق وإن شاء الله هكون عندك )) ..

ودعتها رحمة على أمل اللقاء القريب . ثم عادت إلى عملهم المشترك تباشره بشغف وحماسة ، وبعد فترة من المتابعة والنقاش والأطمئنان على سير العمل ، هتفت وسط صخب العمال مستأذنة فى الرحيل :
-(( طب عن أذنك يا أستاذ جواد مضطرة أمشى .. كان نفسى أقعد أكتر من كدة .. بس لسه هضرب مشوار محترم لبرج العرب رايح جاى )) ..

قال جواد معقباً بعدما إشار إليها بكفه كى تتقدمه فى السير مبتعداً بها عن ضجيج البناء والعاملين :
-(( بيتهيألى كلمة أستاذ مش لايقة بعد إمبارح وأسرار النهاردة .. وبعدين أنا كدة كدة طالع برج العرب .. تعالى أوصلك فى طريقى لو المكان قريب )) ..

مطت غفران شفتيها للأمام ثم أجابته مفكرة على مضض :
-(( بصراحة أعتقد اه أن المكان قريب .. أنا رايحة عند رحمة )) ..

هتف بحماسة بمجرد الأستماع إلى أسمها يُلفظ أمامه :
-(( ده كدة مش بس قريب .. ده لازق .. يلا أركبى وهوصلك )) ..

قاطعته غفران معترضة بحرج :
-(( لا مفيش داعى أتعب حضرتك .. أنا هتصرف )) ..

رد قائلاً بأصرار :
-(( مفيش تعب .. أنا بيتى تقريباً جنب بيت طاهر .. ومعتقدش العربية هتشتكى من حمولتك معايا بوزنك ده .. فأتفضلى أركبى )) ..

كانت على علم مسبق بتلك المعلومة ، والتى أخبرتها بها رحمة فى أحدى محادثاتهم الهاتفية الغير منتهية ، لذلك صعدت السيارة راضخة لأرداته ثم تمتمت مازحة :
-(( كدة ليك فى رقبتى توصلتين .. خليك فاكر )) ..

رد جواد معقباً بسخرية :
-(( خليهم يمكن أحتاجك فى مصيبة تدافعى عنى .. مادام أنتى محامية شاطرة كدة )) ..

أومأت برأسها موافقة ، قبل أن ينطلق هو فى طريقهم والذى لم يخلو من الحديث والمزاح عكس لقائاتهم السابقة .





*********************************




بعد ساعتين من الترقب المستمر ، والتنقل من الشرفة إلى باب المنزل ومن باب المنزل إلى الشرفة تكاد تموت يأساً لمعرفة ما الذى حل بها البارحة ، هتفت رحمة بأرتياح بعد رؤيتها لصديقتها تسير داخل ممر الأستقبال متوجهه نحوها :
-(( أخيرااااً وصلتى !!.. أتأخرتى كدة ليه ؟! )) ..

أجابتها غفران بأمتعاض بعدما أحتضنتها بقوة مرحبة :
-(( على أساس أنك ساكنة فى نص البلد يعنى !! .. يابنتى أحمدى ربنا أن جواد كان مروح وعرض يوصلنى فى طريقه )) ..

سارعت رحمة تقول مشاكسة :
-(( أوبااااا .. بنقول جواد .. وحاف كدة .. من غير أستاذ ولا باشمهندس .. ووصلك كمان !! .. لا واضح أننا رضينا عنه خلاص .. فينك يا بدر تيجى تشوف مراتك )) ..

تبدلت ملامح غفران فى الحال بمجرد سماعها أسمه ، فأستطردت رحمة تسألها بقلق بعدما لمحت الدموع تغزو مقلتيها:
-(( مالك فى أيه ؟! )) ..

ضغطت غفران فوق شفتيها بقوة ، مانعة عبراتها من الأنهمار فى منتصف البهو ، ثم أجابتها بنبرة خافتة متحشرجة :
-(( تعالى نقعد فى مكان واحكيلك )) ..

قادتها رحمة على الفور إلى حيث غرفتها الخاصة ثم عادت تسألها بلهفة بعدما اغلقت الباب خلفهم ، وجلست تتأملها بحزن شاعرة بوجود خطب ما جلل :
-(( أنتى روحتى لحماتك صح ؟! )) ..

أومأت رأسها موافقة بوهن ، ثم بدءت تقص عليها كل ما حدث ، منذ حادثة الطريق فى بداية النهار ، إلى أخر يومها وانتهاءه بالانفصال ، مروراً بكل ما عايشته من أحداث ، ألم ، وطعنة غدر، لم تغفل عن تفصيلة واحدة ، وعلى عكس توقعها شعرت بشئ من الراحة بعدما اخرجت ما فى جوفها لصديقتها الوحيدة ، بينما أستمعت رحمة بأنصات إلى كل جملة نطقت بها ، مشاركة بدموعها قبل وجدانها معاناة صديقتها المقربة ، أصغت بقلبها قبل أذنها إلى أنينها الصامت ، فالصداقة الحقيقة لا تقاس بالسنوات ، ولا تحتاج إلى الألفاظ أو العبارات.

ومع بداية أنسحاب القرص البرتقالى من السماء ، مفسحاً المجال إلى مثيله فضى اللون كى يتوسطها ويزينها ، أعتدلت غفران فى وقفتها تنتوى الرحيل ، بعدما قضت عدة ساعات برفقة رحمة ، تبادلا خلالها جميع الأخبار والأحاديث ، فسارعت رحمة تقف هى الأخرى فى مقابلتها ، قبل أن تقول معترضة بقوة بعدما ألقت نظرة سريعة على السماء من فوقهم :
-(( تروحى فين بتهزرى !! .. أخاف عليكى تمشى بليل لوحدك كدة .. أنتى يادوب على ما تطلعى أول الطريق هتكون الدنيا ضلمت )) ..

قالت غفران ممتعضة بحسم :
-(( لا مانا أستحالة أبات معاكى هنا .. فى بيته .. هطلب أوبر وأروح متخافيش )) ..

رمقتها الأخرى بنظرة معاتبة ، ثم هتفت مصححة بنزق :
-(( على فكرة مش هياكلك يعنى )) ..

فرغ فاه غفران بأندهاش ، حيث باغتتها بتعليقها الحاد على حين غرة ، ثم همست تسألها بأرتياب بعدما تجاوزت صدمتها ، وعينيها تراقب ردات فعلها بتركيز تام :
-(( أنتى بتدافعى عنه ؟! )) ..

حركت رحمة رأسها بقوة عدة مرات نافية التهمة عن نفسها ، فأردفت غفران تقول مؤكدة :
-(( لا أنتى دافعتى عنه متنكريش !!!! .. أنتى أيه حكايتك بالظبط .. أوعى تكونـــى )) ..

تركت جملتها ناقصة عن قصد ، فى حين سارعت رحمة تنفى بأرتباك مبررة :
-(( والله أبداً .. وبعدين بعد كل اللى حكتهولك من شوية ده .. طبيعى يعنى يصعب عليا .. مش أكتر )) ..

أستأنفت غفران تأملها بصمت دون تعقيب ، مما جعل الاخرى تفر من الغرفة هاربة بعدما تمتمت بخفوت :
-(( سيبك من أوبر .. هروح أشوف ماما فادية لو ينفع تطلب السواق يوصلك )) ..




***********************************





وفى الأسفل بعدما جالت بعينها أركان المطبخ بحثاً عن مبتغاها حتى رأتها قادمة من الخارج عابرة الباب الخلفى ، همست وقتها تسأل على أستحياء برقتها المعتادة :
-(( ماما فادية .. أنا بشوف برة عربية تانية واقفة .. ينفع حد منهم يوصل غفران صاحبتى بدل ما تروح مع حد غريب فى الوقت ده )) ..

هتفت مدبرة المنزل معاتبة بضيق :
-(( يادى العيبة يا ست رحمة .. يعنى أنتى تنزلى بنفسك عشان تستأذنيني وكل حاجة هنا فى البيت تحت أمرك )) ..

غمغمت رحمة معترضة بتردد :
-(( بـــس....... )) ..

قاطعتها أم الحسن بحزم :
-(( مفيش بس .. اللى يعجبك أعمليه .. بس بيتهيألى برضة ناخد إذن طاهر بيه من باب الأحترام مش أكتر مع أنى متأكدة عمره ما هيقول لأ )) ..

فركت رحمة كفيها معاً بتوتر ثم أقترحت هاربة :
-(( خلاص أطلبيه وأعرضى عليه )) ..

لوت مدبرة المنزل فمها غير مستساغة الفكرة ، قبل أن تقول مستنكرة :
-(( أنا أتصل بيه .. عشان أقوله ست البيت عايزة تطلب منك حاجة .. لاه متجيش )) ..

تنهدت رحمة بأحباط ثم سألتها بضيق :
-(( طب أيه الحل دلوقتى ؟! )) ..

أجابتها مشجعة :
-(( الحل أنك تتصلى بيه وتقوليله كل اللى أنتى عايزاه )) ..

سارعت تنفى متحججة بعدما ازدردت لعابها بقوة :
-(( لا مش هينفع .. أصل معييش رقمه )) ..

نظرت مدبرة المنزل إلى الهاتف بيدها ثم هتفت مستفسرة بتهكم :
-(( واللى فى إيديك ده أيه ؟! )) ..

أخفضت رحمة عينيها تنظر إلى الهاتف داخل كفها قبل قولها بتلقائية :
-(( تليفون )) ..

عقبت أم الحسن ساخرة :
-(( ولما هو تليفون .. ما تاخدى الرقم وتكلميه )) ..

نظرت إلى الفراغ ولم تعقب تبغى الأنسحاب بعد ألغاء الفكرة كاملة من رأسها ، مما دفع أم الحسن إلى الأنحناء بجذعها ، وسحب الهاتف من يديها وتسجيل الرقم ثم الضغط على زر الأتصال ووضعه أمام وجهها كأمر واقع .

وعلى الجانب الأخر ، وتحديداً داخل غرفة الأجتماعات ، جلس منقسم إلى ثلاث ، جسده يقبع بأريحية فوق المقعد الجلدى المريح يتابع بأعين فارغة ما يدور حوله من مناقشاتٍ ، بينما عقله على بعد أمتار منه ، حيث نسخة الوثيقة المخبأة داخل خزانة غرفته الخاصة ، أما عن قلبه ، وآه من ذلك المتمرد ، فهو لم يتزعزع من الغرفة منذ الصباح ، بل ظل هناك قابعاً جوارها ، مترقباً ، نظرة ، إبتسامة ، همسة حانية تخبره أن لازال فى الحياة شئ يستحق النبض من أجله ، فمجرد شعوره بها يصيبه بقوة لا تُقهر ، وكأنها قادرة على تضميد جراحه ، بمسحة واحدة من يدها فوقه ، فلا خدوش ، ولا جروح ، أو قروح ، يمكنها مداهمته ، مادامت أناملها ساهرة ، تحرص على شفاءه وتعيد ملئ تشققاته ، ومع الرنين الثانى المتواصل لهاتفه والصادح داخل غرفة الأجتماعات بأكملها أندفع يجيب بنفاذ صبر ، مستمعاً إلى الطالب المجهول يهمس بنعومة بالغة :
-(( ألو .. سلام عليكم )) ..

منذ أشهر مضت ، لو أخبره شخص ما أنه فى المستقبل القريب ، سيستطيع تميز صوت أنثى من خلال ثلاثه أحرف بسيطة ، لكان أتهمه بالجنون وطرده من محيطه ، أما الأن ، وهو بكامل قواه العقلية كل ما أستطاع فعله بعد التعرف على هويتها ، هو أغماض عينيه متلذذاً بصوتها وهو يعزف على أوتار روحه :
-(( أنا رحمة .. أسفة لو أزعجتك بس كان عندى طلب )) ..

"تحدثى ، أطلبى ، وتدللى يا صاحبة الصوت العذب" ، كم طاق للنطق بتلك الكلمات البسيطة التى ظلت حبيسة تائهة ، تجيش داخل صدره ، مع الكثير من عبارات الغزل والتى يتمنى لو يغدقها بها وهو يحاصر جسدها بين ذراعيه، وبدلاً عن ذلك صمت يتشرب أسمه الذى لحنته شفتيها ، محلقة به بعيداً إلى عالم من الخيال :
-(( ألو .. طاهر .. أنت سامعنى ؟! )) ..

همست وهمس من بعدها مع النداء الثانى بعدما تنحنح عدة مرات منقياً صوته المتحشرج :
-(( معاكى )) ..

كانت تلك أصدق عباراته التى نطقها منذ زمن مضى ، فهو حقاً معها ، حتى من قبل تواصلهم ، معانقاً همسها ، صمتها ، وتذبذبها عندما قالت مترددة بحرج :
-(( ممكن لو ينفع .. حد يوصل صاحبتى الأبراهيمية .. مش هرتاح لو ركبت مع حد غريب )) ..

أبتسم ببطء ، رغم الشعور المباغت الذى ضرب جانب صدره ، حقداً وغيرة من أهتمامها ، الأ انه أجاب بهدوء :
-(( هكلم حد منهم يستناها وقت ما تحب )) ..

زفرت بأرتياح ثم غمغمت شاكرة بنبرة ناعمة مخملية :
-(( شكراً أوى .. شكراً أنك ريحتنى )) ..

كلمات بسيطة المعنى ، قوية التأثير ، تطيح برزانته وتجعله يتمنى لو يركض مسرعاً ، قاطعاً الأميال الفاصلة بينهم ، وقضاء باقى ساعات ليله بصحبتها ، وقد أستجابت السماء لندائه الخفى محققة أمنيته ، عندما دلفت مديرة مكتبه تخبره بضيق :
-(( طاهر بيه .. فى إيميل وصلنا تانى بالصينى .. واضح أن الشركة لسه محلتش مشكلة المترجم )) ..

قبل أستئناف شرحها ، كانت كفه تسبقه إلى حيث ذراعها ، يسحب الملف من بين يديها ، آمراً الجميع بالأنصراف معلناً عن أنتهاء مشاورتهم لليوم ، ومن ثم كان هو أول المهرولين خارج الشركة .


**********************************



وفى المساء دلف المنزل متسلقاً الدرج بلهفة ، حيث وجهته الواضحة ، وكل ما يأمله ، هو تمتع عينيه برؤية شلالها الفحمى ، متنهداً بحرارة ، ومتذكراً ملمسه الناعم أسفل يده ووجنته تلك الليلة ، ثم همسها أسمه ، مرة بعد مرة ، شاعراً بها تتغلغل داخل مسامه وأسفل جلده ، وتسير بحرية داخل أوردته ، حتى وصلت إلى مضغته ، مباغتة ضلعه الحامى ، ومتربعة وسط صدره ، تأسره بعينيها تارة ، وتحاصره بنبرتها تارة ، وتكبله بلمستها تارةً أخرى ، تجذبه ، بأقل حركة منها ، دون مجهود يُذكر ، وكأنها متمرسة فى فنون الأغواء ، رغم براءة ملامحها ونظرتها ، وكل ما يملكه هو ، الغوص فى تفاصيلها ، مرة بعد مرة ، والغرق فى ملامحها ، دون الجرأة على وضع مسمى واضح لمشاعره التى تزداد مع مرور الساعات وليست الأيام ، حتى أضحت جزء هام من حياته ، بل أصبحت محور حياته ، يدور حول فلكها ، فى صحوته وغفوته ، حلمه وواقعه ، غضبه ورضاه ، دلف داخل حجرته ، ومنها إلى غرفته السابقة ، يطلب الأذن فى الدخول ، وكل ذرة فى جسده متحفزة لرؤيتها ، حتى تهادى إليه صوتها تغمغم بخفوت :
-(( اتفضل )) ..

سحب نفساً عميقاً ، يعيد به بسط رئتيه المنقبضتان ، معانقاً بنظراته جسدها أكمله ، من أخمص قدميها المتشابكة معاً فوق مضجعها ، وصولاً إلى تميمته ، المنسدلة بأريحية على جبهتها وكتفيها ، يطالعه بأشتياق ، ولم يشعر بخطواته الهائمة ، سوى وهى تقف أمامها بجوار الفراش قبل أن يقول معللاً بعد أنتباهه لنظراتها المستنكرة :
-(( فى نص أتبعت من الشركة تانى .. محتاج مساعدتك فى ترجمته )) ..

أجابته موافقة بترحاب :
-(( مفيش مشكلة أترجمه شفوى )) ..

صمتت لوهلة ترفع كفها المضمد أمام وجهه ثم أردفت تقول بعجز :
-(( بس مش هقدر أكتبه عشان أيدى )) ..

أومأ برأسه متفهماً هو الأخر ، ثم أنسحب من أمامها عدة لحظات ، قبل معاودته الظهور من جديد حاملاً الجهاز اللوحى بين يديه ، ولدهشتها تفاجئت به يجلس فوق الفراش ملتصقاً بها ، ثم قام بوضع الجهاز ، فوق فخذها ، متمتماً ببساطة بعدما قطع المسافة القليلة الباقية بينهم :
-(( مفيش مشكلة .. أنتى ترجمى .. وأنا هكتب بالقلم )) ..

رمشت بعينها عدة مرات ، ثم أزدردت لعابها بقوة ، تحاول الأبتعاد عن أنفاسه الساخنة اللافحة شطر وجهها ، والتركيز على مهمتها الشبهه مستحيلة ، خاصةً وجسده يحتك بجانب جسدها مع كل حركة بسيطة يقوم بها ، غير قادرة على النطق بحرف واحد مما تقرأه ، فعينيها تمر على الكلمات أمامها ، بينما عقلها منشغلاً به ، وبيده المستلقية بأريحية شديدة بجوار الجهاز اللوحى ، وبالتالى فوق فخذها ، وبعد عدة محاولات فاشلة ، أستطاعت ترجمة السطر الأول من البريد الألكترونى ، قبل أن تتسع عينيها بعدم تصديق ، وهى ترى أنامله تتلمس بنعومة شديدة بشرة وجهها ، بداية من وجنتها وأنفها ، وصولاً إلى جبهتها ، يزيح بعضاً من خصلاتها المنسدلة ، ثم أنزلاقه ببطء شديد إلى حيث عنقها يمسد فى طريقه بأنامل خبيرة بشرتها الناعمة بتلكؤ مثير ، قبل أبعاده شعرها إلى الجانب الأخر وهو يقول مبرراً وهامساً جوار أذنها :
-(( كدة أحسن )) ..

أنفرج ثغرها وأرتجفت شفتها السفلية بشدة ، فأردف مصححاً ، ومزيداً من توترها البكر :
-(( عشان أعرف أركز )) ..

قفزت من فوق الفراش منتصبة فى جلستها ، كالذى لدغته حية ، قبل هرولتها نحو الخارج مبتعدة عنه ، تحاول سحب وأدخال الهواء عنوة داخل صدرها ، متجاوزه نوبة صدرية جديدة ، هددت بالكشف عن مدى تأثرها بلمسته .





**********************************




بعد مرور أسبوع ..

وقف أمام مرآته يتفحص بذلته الجديدة بأهتمام ويتأكد من مظهره للمرة الأخيرة قبل ذهابه ، مقاطعاً تأمله ، رنين هاتفه فى أتصال ملح من مساعده ، جعله ينحنى بجذعه نحو الفراش يلتقط هاتفه أولاً ثم يقول بهدوء :
-(( نص ساعة بالكتير وأتحرك .. قابلنى فى الشركة عشان عايزك )) ..

هتف كريم يجيبه بنفاقه المعتاد :
-(( أنت تؤمرنى يا باشا البشوات كلها .. وقت ما توصل الشركة هتلاقينى واقف مستنيك على الباب كمان )) ..

تأفف رائف محركاً بؤبؤ عينيه بملل قبل هتافه بنفاذ صبر :
-(( أخلص يا كريم مش فاضيلك .. وقولى كنت بتتصل عشان حاجة ولا فاضى !! )) ..

أجابه مساعده لائماً ومدعياً الحزن :
-(( كدة برضه يا رائف باشا !! .. أنا عمرى بتصل على مفيش !! .. الحق عليا وأنا اللى كنت عايز أقولك خلصت معاها الشغل القديم وبدئنا فى الجديد زى ما حضرتك وصيتنى )) ..

تنبه رائف بكل حواسه إلى حديث مساعده ثم هتف يسأله بلهفة :
-(( مين .. رحمة ؟! )) ..

أجابه مؤكداً :
-(( ومين غيرها يا باشا .. شوف بقى عايز تقابلها أمتى .. أنا كدة عملت اللى عليا ووصلتهالك .. والباقى عليك )) ..

همس رائف بأشتياق من بعده :
-(( دورك لحد كدة أنتهى .. سيبنى بقى أقابلها بمعرفتى وقت ما أحب )) ..

هتفت من خلفه تسأله بعدما كانت واقفة تتلصص على حديثه وتستمع إلى ترتيباته :
-(( هى مين دى يا رائف بيه اللى عايز تقابلها )) ..

أستدار بجسده يطالعها بأزدراء ولم يعقب ، وبدلاً من ذلك سحب حقيبة أوراقه الهامة وسار بلا مبالاة نحو باب الخروج دون أعارتها أى أنتباه أو أهمية ، الأمر الذى أثار حنقها وجعلها تهرول من خلفه لاحقة بخطواته وصائحة بتهديد صريح :
-(( مش عايز ترد عليا براحتك .. بس خليك عارف .. مش بعد كل الذل والبهدلة دى هتيجى واحدة تشاركنى فيك .. وقتها .. هتشوف رنا تانية متعرفهاش ولا تتمنى تعرفها أنت والحلوة اللى بقالك أسبوعين بتلف وراها .. ماشى !! .. محدش هيستحمل شذ........ )) ..

قطع حديثها يده التى قبضت على عنقها بقوة وعنف مما جعلها تسعل عدة مرات وهى تضرب بكفها ذراعه يائسة ، تحاول الافلات من قبضته وتحرير عنقها ، بينما همس هو محذراً بنبرة ناعمة ولكن حادة كالسيف :
-(( لسانك ده مينطقش بدل ما أسكته بطريقتى .. ولو على بهدلتك فأنتى واخدة حقك قصاده تالت ومتلت .. غير كدة ملكيش .. ولو عقلك شاورلك تلعبى بديلك من ورايا .. ساعتها أنتى اللى هتشوفى رائف تانى .. وصدقينى لما أقولك انك لسه مشفتيش حاجة وحشة منى )) ..

سعلت بحدة بعدما دفعها بأشمئزاز نافضاً يده من فوق حلقها ثم أنصرف تاركها خلفه تزداد أصراراً وتوعداً لمعرفة ما يحيكه من خلف ظهرها .




**********************************




أرتمت فوق الفراش تريح جسدها المنهك بعدما وضعت السماعات اللاسلكية داخل أذنها ثم هتفت تقول بأرهاق واضح :
-(( النهاردة يوم متعب أوى .. الأسانسير بتاع العمارة كان عطلان .. وطلعت التاسع على رجلى ونزلت ٣ مرات عشان طلبات الصنايعية .. غير أنى فضلت واقفة معاهم لحد ما خلصوا شغل .. وبعدها روحت الشركة لجواد .. وبعد ما خلصنا شغل سوا .. خرجنا لينة شوية ويادوب لسه راجعة .. بس بجد ضهرى وجعنى وهموت وأكل )) ..

هتف ساخراً من جهدها :
-(( يا سلام !! .. وهو اللى عملتيه ده يتعب !! .. ولا عشان متعودة على قاعدة البيت شوية مجهود خلوكى تشتكى .. أسكتى أسكتى .. أومال لو شغالة فى الحر زيى كنتى عملتى أيه .. أيه المشكلة لما تطلعى شقتنا كذا مرة !! بطلى دلع يا علياء وأعملى حاجة مفيدة )) ..

أغتاظت من أستخفافه بحديثها فأندفعت تهاجمه بنبرة محتدة :
-(( على فكرة أنا عارفة أنى معملتش حاجة مهمة قدام أنجازاتك العظيمة فى أنك بتشتغل كل يوم فى بلد درجة حرارتها معدية الأربعين عشان خاطرى طبعاً .. وعشان نتلم فى بيت واحد .. اللى هو بالمناسبة بيتك مش بيتى .. بس كل الحكاية أنى حبيت لأول مرة أشاركك تفاصيل يومى .. ومكنتش مستنية منك أكتر من كلمة واحدة تجبر بيها خاطرى زى مانا بعمل معاك يا محمد .. أو على الأقل أسمعنى ومتعلقش )) ..

زفرت بضيق تسيطر على أنفعالاتها ثم أستطردت معاتبة :
-(( مفتكرش فى مرة واحدة .. جيت قلتلى تعبان وطلع منى تعليق غير معلش وربنا يقويك أو يعينك .. عارف ليه .. عشان ده واجب الشركا على بعض .. زى ما ربنا قال " مودة ورحمة " .. مش أستهزاء وتقليل من مجهود شريكك حتى ولو بسيط !! )) ..

أستمع إلى عتابها كاملاً ثم هتف مدافعاً عن خطأه وملطفاً الأجواء :
-(( حبيبتى أنتى زعلتى ؟! .. أنا مكنش قصدى .. متزعليش لو ضايقتك بس كنت بهزر معاكى )) ..

أجابته كاذبة بأحباط :
-(( لا مزعلتش عادى .. كنت بفهمك بس .. عمتاً ماما بتنادى عليا هشوفها محتاجة أيه وأتعشى وأبقى أكلمك لو فضيت )) ..

وفى الأسفل بعدما أنتهت من الاغتسال وتبديل ثيابها ، صاحت هاتفة بلوعة إلى والدتها الجالسة تلهو مع حفيدتها :
-(( يا مامــااااا انا جعانة .. معقول كل ده الاكل مخلصش )) ..

أجابتها السيدة كريمة بهدوئها المعتاد بعد أستماع كلتاهما إلى رنين جرس الباب :
-(( خلاص يا عاليا قربنا .. هروح أشوف العشا لو خلص وأجيب بابا من أوضته وأنتى أفتحى الباب شوفى مين بدل ما أم السعد تيجى من المطبخ )) ..

غمغمت موافقة ثم سارت على الفور تلبى طلب والدتها وتفتح باب المنزل بغير أهتمام ، قبل أن يفرغ فاهها ببلاهة مضحكة ، وهى تراه واقف أمامها ينظر إليها بجمود ملامحه وغطرسته المعتادة ، فقطبت علياء جبينها بأستنكار ثم هتفت بأندهاش :
-(( دكتور يحيى ؟! )) ..

وقف بجسده المتصلب أمامها ، بينما داخله يرقص طرباً لسماع أسمه من بين شفتيها ، وبجهد غير مسبوق ، حاول السيطرة على خفقات قلبه المتزايدة ثم أجابها بنبرة خالية مبرراً تواجده :
-(( جواد أتواصل معايا وأتفقنا سوا نكمل جلسات لينة فى البيت .. هو عنده علم بوجودى دلوقتى )) ..

هزت رأسها موافقة عدة مرات وقد أدركت أنها إلى الأن تقف أمام الباب ، تسد طريق الدخول ، فسارعت ترحب به بأبتسامة مقتضبة وملامح جامدة ، بعدما زاحت جسدها من أمام المدخل :
-(( أه أتفضل .. أسفة على قلة ذوقى )) ..

سألها والدها من الخلف بفضول :
-(( مين يا علياء )) ..

أستدارت برأسها تنظر إلى والدها ثم أجابته صائحة بصخبها المنزلى المعتاد :
-(( ده دكتور يحيى يا بابا .. واضح أن ميعادنا معاه النهاردة )) ..

التفت تطالعه مرة أخرى مغمغمة بنبرة متهكمة ، ومتعمدة وصولها إلى مسامعه :
-(( بعد ما أتفق مع جـــواد )) ..

ضغطت على حروف كلمتها الاخيرة مطولاً بنبرة ذات مغزى ، بينما عينيها تحدجه بنظرة غاضبة مشتعلة ، فى حين وقف يحيى يطالعها هو الأخر مأسوراً بسهام بندقيتها اللامعتين بغضب غير مفهوم ، ومحدقاً بها بحسرة ، ورغم براعته فى أخفاء مشاعره ، لم يقوى على أزاحه عينيه عنها ، بل ظل ساكناً ، يحدق بها فى صمت ويبادلها نظرتها المتحدية ، بأخرى متمنية ، حتى قاطعهم صوت والدها يرحب به بحفاوة :
-(( أهلاً يا دكتور يحيى .. جواد بلغنى بميعادك .. اتفضل نورتنا )) ..

كان هو أول من جذب عينيه من خاصتها ، مقاطعاً تواصلهم الحسى ، الذى دام ربما عدة دقائق ، ثم تجاوزها بخطاه ، مردداً تحية والدها بعدما أرتفعت زواية فمه بربع أبتسامة مغترة ، جعلتها تلعنه بخفوت ، مغتاظة من عجرفته الزائدة .






**********************************





قطعت غرفتها ذهاباً وإياباً عدة مرات بقلق ، بعدما ألقت نظرة خاطفة على الخارج من خلال الشرفة متأففة ، ثم عادت للداخل ورفعت ذراعها تنظر فى ساعة يدها ، فقد تجاوز الوقت منتصف الليل تقريباً ولم يظهر له أثر حتى الأن ، منذ راسلها فى الصباح ، بعد أستيقاظها باكراً ولم تجده ، برسالة نصية مختصرة ، يعتذر فيها عن عدم قدرته فى الذهاب معها إلى أستشارتها الطبية ، بسبب وقوع حادثه بسيطة داخل أحدى مواقع الأنشاءات الخاصة بالشركة أضطرته إلى الذهاب باكراً ، زفرت بضيق ، وقد قررت الهبوط إلى الأسفل ، متجاهلة عن عمد أجابة ذلك الصوت الخافت بداخلها ، والذى لا ينفك يسألها عن سبب أهتمامها به ، وفى منتصف الدرج ، حيث كانت تهبطه بتردد ، لمحته عيناها يعبر باب المنزل بتكاسل وخطى متلكئة ، قبل أن يجذب عينيه جسدها المنتصب فى منتصف الدرج ، تطالعه بأرتباك ، محاولة التوصل لقرار ، هل تواصل طريقها إلى الأسفل ، أم تنسحب متقهقرة إلى الاعلى مرةً أخرى ، وقبل أتخاذها الخطوة ، كان يقف هو أمامها بجسده قاطعاً الطريق عليها ، بعدما تسلق الدرج قافزاً بلهفة كل ثلاث درجات معاً ، يتوق الوصول إليها ، ثم سألها بخبث ، بعدما ضيق المسافة بين جسديهما ملتصقاً بها :
-((كنتى رايحة فين ؟! )) ..

أجابته هامسة بتعلثم واضح بينما تحاول الهرب من أمامه :
-(( كــكــنت .. نــازلـلــة .. تحت )) ..

باغتها فى حركة مفاجئة يدفع جسدها للخلف مانعاً هروبها ، قبل محاصرته له بين ذراعيه وحائط الدرج من خلفها ، قابضاً بكلتا كفيه على طرابزون الدرج ، يراقبها وعينيها تزداد أتساعاً ، بينما تبتلع لعابها بصعوبة ، ثم عاد يسألها بهمس ناعم كالحرير :
-(( عملتى أيه فى المستشفى النهاردة )) ..

اللعنة هل سيتبادلا أطراف الحديث الأن وهما بتلك الوضعية ! ، هذا ما فكرت بتوجس قبل غمغمتها بخفوت :
-(( ولا.. ولا حاجة .. الدكتورة الجديدة فكتلى الرباط وقالتلى كدة كويسة )) ..

أخفض عينيه حيث يدها ، يتأملها مطولاً ، قبل تسلل كفه نحوها ، يرفعها إلى حيث وجهه ، مستأنفاً دراسة كل ما يصدر منها ، رعشه شفتيها ، رمش أهدابها ، أرتفاع وتيرة أنفاسها ، وأخيراً أنفراجة ثغرها ، ثم قام بطبع قبلة ناعمة بباطن كفها وظاهره ، فأطبقت رحمة جفنيها بقوة ، هاربة من حدقتيه التى تخترق دفاعاتها ، وصدرها يعلو ويهبط من فرط الأنفعال ، مع أقتراب أنفاسه منها بمرور الوقت ، ثم اجتياحه فمها ، فى قبلة طويلة خبيرة ، متطلبة ، تجاوبت مع أجتياحه لها بالكامل رغم خبرتها المعدومة ، فيكفيه أستسلامها له ، حتى يتعمق بها كيفما يشاء ، وينفذ كل ما تتوق له نفسه ، منذ الصباح عندما تسلل إلى غرفتها يتأملها وهى نائمة دون وعى منها ، بل منذ همست أسمه من بين شفتيها .


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-20, 07:22 PM   #29

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الخامس عشر ♥️🔥


'' أقولُ أمام الناس لسـتِ حبيبتـي ، وأعرف في الأعماق كم كنتُ كاذبا
وأعلـنُ في شكل غبـيّ براءتـي ، وأذبح شـهواتي وأصبـح راهبـا
وأقتـل عطـري عامداً متعمـّدا ، وأخرج من جناتِ عينيكِ هاربـا
أقوم بدورٍ مضحـكٍ يا حبيبتـي ، وأرجع من تمثيـل دوري خائبـا
فـلا الليل يخفي لو أراد نـجومه ، ولا البحر يـخفي لو أراد المراكبا ''
-نزار قبانى .





ماذا لو أتخذ الأن ، وتحديداً تلك اللحظة تاريخاً جديداً لميلاده ، ثم أستيقظ فى صباح الغد كالطفل الوليد ، بصفحة فارغة ، بيضاء كلياً ، دون ماضٍ مؤلم ، أو مستقبلٍ مبهم ، ووجد أن سنواتهِ العجاف قد أسمنت ، وأن زهرة عمرهِ الذابلة أيعنت ، وأن أفرع أيامه المائلة ، قد أزهرت ثمراً فوق الأشجار ، ثم أتخذ من جبهة سارقة راحة عينيه وطناً ، ومن أهدابها مخبأً ، ومن أنفاسها رئتاً ، ومن شعرها ليلاً ومن بسمتها نهاراً ، محرراً بتلك الفكرة ، شفتيها المشتعلاتان من بين خاصته ، ثم راح يتأمل بأنفاس متأججة حدقتيها الزائغتان فى جحريهما ، ونهر خصلاتها الأسود الثائر، المنساب فوق كتفيها ووجهها بعشوائية ، بفعل يده ، مشدوهاً ومبهوراً بحمرة وجهها ، وجرأته فى غزو شفتيها ، فأخر ما يعيه ، هو رغبته البائسة فى تذوق كرزتيها الناضجتين ، وما أن أكتملت الفكرة فى مخيلته ، حتى بادر جسده دون وعى منه العمل بأرادة منفصلة ، فى تنفيذ ما تمناه يأساً ، أما عنها هى " رحمة " فبعدما أستعاد عقلها جزءاً من رجاحته ، سارعت بدفع جسده من أمامها بكفيها المرتعشتين ، تفك حصاره من حولها ، قبل فرارها هاربة بساقيها الهلاميتين إلى حيث غرفتها تتخذ منها حصناً وملجأً ، مستندة بثقل جسدها فوق باب الغرفة ، بعدما تأكدت من غلقه خلفها جيداً ، تضغط بقبضتها المتكورة فوق مضغتها الثائرة ، إلى أن هدئت قليلاً وأستطاعت التنفس براحة ، بعدها توجهت إلى مضجعها ، تجلس فوقه بضياع ، وتفتح بأطراف أناملها دفترها السرى ، وتخط بأحرف مرتعشة حائرة
(( مذكرتى العزيزة :
هناك شئ خطير ، خطير للغاية يحدث لى ، أخشى التفكير به ، الأستماع له ، أو الألتفات إليه ، حتى أننى أخشى تدوينه ، شئ يذكرنى بواحدة من قصص الأطفال الخرافية ، حيث أعتادت والدتى ألقائها كل مساء فوق مسامعى ، عن تلك النعجة الساذجة ، التى وقعت فى حب ذئبها الوديع ، بعد أن ألقاههم القدر فى طريق أحدهما الاخر ، وعلى عكس طبيعتهم المتناقضة ، أتفقا على تجاهل هويتهم المعادية ، والبقاء على صداقتهم التى تشكلت خلال ليلة واحدة ، والمحاربة للحفاظ على مشاعرهم المتنامية ، وما لم تأخذه النعجة الصغيرة فى الحسبان ، هو أصابة ذئبها فى حادثه ، فقد على أثرها ذاكرته وكل ما يتعلق بها ، ووقتما سارعت بالذهاب إليه ، غلبته غريزته الباقية ، وبينما كانت الشاه الصغيرة تقف أمامه بثقة شعوره نحوها ، كان يخطط هو لأسرها داخل مملكته لألتهامها ، حينها تأكدت صغيرة النعج من فشل محاربتها ، وأن مهما جمعتهم من مشاعر أو أشياء مشابهة ، يبقى الذئب ذئباً ، وتبقى هى الصغيرة الضعيفة ، الوحيدة المتضررة )) ..









************************************







نظر فى ساعة يده متأففاً وحرجاً ، فها قد تجاوز الوقت منتصف الليل ، وهو لازال جالساً أمامها يتأملها بحسرة ، وكلما أراد الذهاب والخلاص من ذلك العذاب المستمر ، منعه والدها متحججاً ، بأن ولده " جواد ". أوصى بعدم رحيله الأ بعد ملاقاته شخصياً ، حتى أنه هاتفه منذ قليل يعتذر منه على التأخير الغير متعمد ، ويطلب منه بتوسل أنتظاره ، حتى يتباحثا معاً فى وضع طفلته ، والتى يتولى مهمة علاجها شخصياً ، جاذباً أنتباهه صوتها العذب ، تتسائل عبر هاتفها بأستغراب أمام الجميع :
-(( محمد !! .. أنت لسه سهران للوقت ده ؟! )) ..

أجابها من الطرف الأخر بنبرة ناعسة :
-(( لا مش سهران .. بس قلقت وأنا نايم ولما فتحت الفون .. لقيتك أون لاين .. فقلت أكلمك أشوفك قاعدة للوقت ده ليه )) ..

أجابته علياء مفسرة بتلقائية :
-(( أه أصل عندنا ضيف فعشان كدة كلنا سهرانين )) ..

هتف يسألها متأهباً وقد أحتدت نبرته فى الحال :
-(( ضيف مين اللى أنتى قعداله للوقت ده !! )) ..

أجابته بضيق بعدما ألقت نظرة خاطفة على الجالس قبالتها يطالعها بأهتمام :
-(( دكتور لينة يا محمد )) ..

أخفضت نبرتها حتى لا تصل إليهم ثم عاودت تقول من جديد :
-(( أنا كنت حكيتلك قبل كدة )) ..

قال بتأنيب واضح :
-(( أه حكتيلى .. بس برضه قلتى أنه شاب لما سألتك .. يعنى عيب يا هانم تقعدى معاه لبعد نص الليل )) ..

أمتقع وجهها وأنتفضت من جلستها مبتعدة عن الجمع بالقدر الكافى ، ثم هتفت تجيبه بنبرة هجومية رغم انخفاضها :
-(( أيه اللى أنت بتقوله ده !! أنت أتجننت ولا بتخرف !! .. أساساً بابا وماما قاعدين معانا .. ولو أنت مش واثق فى نفسك دى مش مشكلتى على فكرة )) ..

كانت جملتها الأخيرة كفيلة بأشعال فتيل غضبه ، فصاح يقول بصراخ ، وصل إلى مسامع الجالسين بعيداً عنها بسهولة :
-(( أنتى أتجننتى !! .. كمان بتردى عليا ! .. لا كدة كلامى على غلطك فيا مش معاكى .. كلامى مع اللى أكبر منك )) ..

ضغطت فوق شفتيها تحارب وغز الدموع الحارق مقلتيها ، قبل قولها بنبرة متهدجة :
-(( عندك حق .. أنا هدى الفون لبابا وأتفضل أتكلم معاه .. وياريت تنهى كل حاجة بينا عشان أنا خلاص تعبت وفاض بيا بجد .. وأخر حاجة ممكن أسمحلك بيها أنك تتهمنى فى أخلاقى )) ..

تحولت نبرته فى الحال ، من الغضب إلى الأستعطاف ، ومن الصياح إلى الهمس ، تماماً كالهر الصغير المخطئ المستجدى تعاطف مالكته :
-(( عشان تكونى عارفة .. انا عمرى ما هسيبك غير على جثتى .. ولو أنا هاين عليكى يا علياء .. أنتى عمرك ما تهونى عليا .. ده أنا أموت قبل ما أسيبك .. وواحدة غيرك كانت تفرح أن حبيبها بيغير عليها .. وتهديه بدل ما تتعصب عليه )) ..

رفعت كفها الأيمن بعصبية ، تمسح بعنف بعض العبرات المتقطعة والفارة عنوة من داخل جفنيها ، ثم قالت بأنكسار :
-(( حصل خير .. الوقت أتأخر وأنا هطلع أنام .. تصبح على خير )) ..

عقب بنعومة عاشق أدمى قلبه الفراق :
-(( طب قولي أسمى بصوتك عشان أطمن أنك مش زعلانة )) ..

فتحت فمها وأغلقته مرة ، اثنان وثلاثة ، تجتهد فى النطق بأسمه متجاوزة الخلاف الواقع بينهما منذ قليل دون جدوى ، فحتى أحبالها الصوتية تمردت عليها ثائرة لكرامتها المهدرة ، آبية الأنصياع له فى تلبية طلبه ، وبعد فترة من الصمت تخللتها المحاولة الفاشلة ، همست بأختناق تنهى الحديث :
-(( محمد .. لو سمحت متضغطش عليا .. خلينا نتكلم بكرة أحسن ليا وليك )) ..

لم تنتظر حتى الأستماع إلى أجابته ، فبعد نطقها بطلبها المقتضب ، أنهت المكالمة ، ثم أغلقت الهاتف بأكمله ، و أنسحبت من أمامهم متوجهة إلى الدرج ، غافلة عن ذاك الجالس يتابع بأعين كالصقر لغة جسدها ، محللاً بكل سهولة ، ردات فعلها ، الغاضبة ، المحبطة ، وأخيراً المنكسرة ، قبل ألتفاتها تنظر فى جهته على صوت والدتها وهى تطلب منها بهدوء :
-(( علياء من فضلك .. ممكن تورى دكتور يحيى طريق حمام الضيوف )) ..

أومأت برأسها موافقة ، دون رفع جفونها من فوق الارضيّة ، تُخفى عن الجميع دموعها المترقرقة داخل عينيها ، ثم بسطت كفها للأمام كأشارة له أن يتبعها ، وسارت بترو نحو وجهتهم تتأمل محبس يدها بأعين ضبابية ، فظاهرياً تمتلك كل ما تريد ، والد حنون ، وشقيق مراعِ ، وزوج مستقبلى وسيم يعمل فى أحدى دول الخليج حيث الأموال الوفيرة ، أما باطنياً فهى ليست سوى فتاة حزينة محرومة ، أُستنزفت روحها وفقدت أيمانها بالحب ، تغفو يومياً أملة فى غد مشرق جديد ، تتمنى لو يستطيع خطيبها مؤانسة وحدة قلبها ، سحابة أشد وطأة من العبرات غشت عينيها وتسببت فى ترنحها بعدم أتزان بعدما تعثرت فى أحدى قطع الأكسسوارت الأرضية ، ماداً هو بلهفة كلتا ذراعيه ، يدعم جسدها ويحول بينها وبين سقوطها أرضاً ، بينما صوته يهتف مستفسراً بلهفة :
-(( أنتى كويسة ؟! )) ..

للحظات لم تسحب جسدها من بين ذراعيه ، بل ظلت ساكنة أمامه تطالعه بأعين ينسكب منها الدمع فى صمت ، فهمس يحيى أسمها بألم شديد ، شاعراً بخنجر يضرب صدره :
-(( علـــيـٰــاء ؟؟؟ )) ..

حركت رأسها رافضة بعنف تطرد نبرته التى سكنت عقلها ، ثم أخفت وجهها داخل كفيها منخرطة فى نوبة بكاء قوية ، ومتمتة من بين شهقاتها المتلاحقة بصوت مكتوم :
-(( مش كويسة .. مش كويسة .. أبعد عنى الله يخليك )) ..

فتح فمه يستوقفها ثم عاد وأغلقه بعدما راقب أنسحابها من أمامه راكضة إلى حيث الأعلى ، يناظرها بقلب ممزق وملامح متباينة ما بين الغضب والحزن والأشفاق ، ومتاوهاً فى صمت ، من ذلك الصوت الخافت بداخله ، الذى يحثه على خطفها من أمام الجميع والفوز بها ، وبدلاً من ذلك ظل مزروعاً فى أرضه ، يطالع بقلب أدماه الفراق ، حزن معذبته .










******************************









شعور متقطع بالغثيان بالأمس ، ومتواصل منذ الصباح ضرب مقدمة معدتها بقوة ، تجاهلته وأستمرت فى فعلها ، إلى أن داهمها بشكل أقوى وأجبرها على الأنسحاب من موقع العمل واللجوء إلى أحد الحوائط الجانبية والأستناد عليها ، منتوية العودة إلى موقع البناء ومتابعة سير العمل بحماسها المعتاد بعد زوالهِ، غافلة عمن يتابعها بعينيه وقتما لفت أنتباهه وهنها يراقب خطواتها المترنحة حتى وصلت إلى أحد الأركان وأنحنت بجسدها نحو الأسفل ، وقتها تحرك إليها يسألها بعدما وقف قبالتها بصوته العميق :
-(( أنتى تعبانة ولا أيه )) ..

زوجان من الأحذية ، أول ما تعلقت بهم نظرات غفران قبل أن ترفع رأسها بترو إلى أعلى تنظر بأحداق زائغة إلى وجهه العابس ، يليه أبتلاعها لعابها بصعوبة للسيطرة على أحساس القئ الذى داهمها فجأة ، قائلة بأعياء واضح :
-(( تمام تمام .. أنا كويسة )) ..

تفحصها للحظات قبل معاودته القول بأستنكار صريح :
-(( كويسه ازاى ؟! .. أنتى وشك أبيض تقريباً )) ..

زفرت بقوة تقاوم نوبة أخرى من الغثيان غزت معدتها ، ثم أجابته بأصرار :
-(( صدقنى أنا كويسة .. محتاجة بس أروح أشرب حاجة سخنه وأكيد تعب معدتى هيـــ... )) ..

قبل نطقها بأحرف كلمتها الأخيرة ، كانت تخرج جميع ما فى جوفها فوق الأرضية ، بعدما دفعته بعيداً عنها وأستدارت بجسدها معطية ظهرها له ، أنتظرها جواد حتى أستقامت فى وقفتها من جديد ، ثم قال بنبرة جادة قاطعة :
-(( أغسلى وشك وتعالى نروح المستشفى )) ..

همست معترضة بضعف :
-(( لا أنا هوقف تاكسى وأروح على البيت )) ..

رد بحزم :
-(( بصى أنا مبحبش جو المصريين ده .. ولو تعبان خدلك أى برشامتين ونام هتقوم زى الحصان !! الدكاترة أتعلمت عشان لما نتعب نروحلها .. فياريت من غير كلام كتير تتفضلى معايا )) ..

لم تكن فى حال يسمح لها بالجدال معه ، لذا سارت جواره ببطء ، وداخلها ينتوى عند الوصول إلى المشفى ، طلب دواء للمعدة ثم الأنصراف دون الكشف .

وبعد ساعة من أصراره على فحصها وعدم نجاحها فى أقناعه ، قال الطبيب بنبرة عملية مقترحاً :
-(( من الكشف الظاهرى مفيش حاجة .. بس أنا بقترح نعمل التحاليل دى عشان نتأكد من الأنيميا وميكروب المعدة والحمل )) ..

أنتفضت غفران من مرقدها تردد بعدم أستيعاب :
-(( حمل !!!!! )) ..

أجابها الطبيب بنبرة خالية :
-(( مش حضرتك بتشتكى من تقلصات أسفل البطن ؟! .. مع غثيان وشعور بالقئ .. غير الأرهاق ؟! .. يبقى خلينا نعمل تشيك بالمرة )) ..

هتفت غفران معترضة بقلق شديد :
-(( بــــس )) ..

قاطعها الطبيب يسألها بنفاذ صبر :
-(( بس أيه يا مدام )) ..

ألقت نظرة سريعة على جواد المصاحب لها والذى أومأ برأسه مشجعاً ثم عادت تقول بأستسلام بعدما تراجعت عن قول ما تريد:
-(( ولا حاجة .. أتفضل أعمل اللى حضرتك شايفه )) ..

أومأ الطبيب برأسه مستحسناً ثم قال بشئ من الأرتياح :
-(( تمام هبعت ممرضة تسحبلك دم .. وبعدها تقدرى تروحى وتستلمى النتائج بكرة الصبح .. أو تستنى ساعتين وتعرفى نتيجه الحمل وصوره الدم )) ..

بعد ما سمعته لم يكن ليهدء لها بال حتى تعرف نتيجة الشك الذى ألقاه الطبيب بداخلها ، لذا قالت بأصرار :
-(( لا أنا هستنى )) ..









***********************************









ألقت نظرة جانبية على ذلك الجالس جوارها شارد الذهن ، مرة تلو مرة ، تفتح فمها ثم تعود وتغلقه متراجعة ، تخشى أنقلاب الأمور ضدها ، بعد أن صارت أخيراً فى نصابها الصحيح ، وأيضاً ، ترتعد خوفاً من الفكرة المستحوذة على عقلها منذ صار ملكاً لها ، فالطالما كانت آفة الإنسان الكبرى ، بعد الأعتياد ، التملك ، فبعد فترة من الوقت يرفض التنازل عما أكتسبه ، بل ويحارب بضراوة وبشتى الطرق المشروعة والغير مشروعة للحفاظ عليه ، بعد أن كان فى ظروف أخرى ، يرتضى فقط بنصفه ، وبعد عدة دقائق من التدبر ، هزت رأسها بأستحسان ، ثم لوت فمها بخبث قبل تأوهها مدعية الألم :
-(( آااااااه .. أه بطنى )) ..

أنتفض من جلسته مستديراً بكليته نحوها وهو يغمغم محتاراً بلهفة :
-(( مالك يا أفنان فى أيه ؟!! )) ..

كتمت ابتسامتها المنتصرة بعدما نجحت فى جذب أنتباهه ثم اجابته كاذبة ببراعة ، بعدما بسطت كفها فوق موضع رحمها ، تدلكه بترو :
-(( مش عارفة يا بدر .. فى وجع عمال يضربنى هنا من وقت لتانى مش قادرة أستحمله )) ..

صمتت لوهلة تطالعه بمكر ثم أستطردت تقول مدعية الحزن :
-(( شكل أبننا حاسس بزعلك .. ودى طريقته عشان يقولك بيها متزعلش )) ..

تتهد مطولاً ثم قال بنبرة خالية بعدما أرتخت ملامحه وعضلات جسده المنقبضة بعض الشئ :
-(( معلش يا أفنان .. أنا عارف أنى اليومين دول مش معاكى .. وده مش صح فى حالتك دى .. بس أعذرينى ووعد من بكرة مش هسيبك لحظة واحدة )) ..

همهمت موافقة بنعومة ، ثم سألته على مضض ويدها تمتد نحو وجنته تتحسسها :
-(( زعلان أنك طلقتها ؟! )) ..

بلعت لعابها وغصبت صوتها على أستئناف الحديث مغمغمة بخبث :
-(( لو زعلان تقدر تروح ترجعها .. متشغلش بالك بيا أنا وأبنك اللى لسه فى الطريق .. أهم حاجة راحتك أنت .. ومش مهم أى حاجة تانى )) ..

كتمت أنفاسها داخل صدرها مترقبة إلى أن جائتها إجابته يقول بهدوء :
-(( لا مش هينفع .. أنا بس لما كلمتك وقتها كنت بشوف رد فعلك أيه .. لكن جوايا عارف أن غفران عمرها ما كانت هترضى بالوضع ده )) ..

زفر بألم يجهل سببه ثم اردف بخفوت ناهياً الحديث :
-(( سيبك من أى كلام ملهوش لازمة وقوليلى لسه تعبانة )) ..

أرتباك أصابها للحظات ، سرعان ما تجاوزته ثم أجابته نافية عل مضض :
-(( لا الحمدلله بقيت كويسة .. مش بقولك أبنك بيحس بيك .. عشان كدة لو أنت كمان بتحبه وبتحس بيه متزعلش لحد ما يجيلنا بالسلامة )) ..

تنهد مطولاً ثم أقترب منها طابعاً قبلة حنونة فوق جبهتها ، قبل سحبه لها داخل ذراعيه ، بينما بقيت بداخل قلبه غصة ، لا يعلم سببها ، أو بالأدق ، فسرها كأعتياد على حياته السابقة حيث كانت جزءاً هاماً منها ، مع قليل من الأحساس بالذنب .










************************************









سكون بثبات ظاهرى مع أعين هادئة تراقب المارة أمامها بشغف ، وكأنها أحدى هواياتها المُفضلة منذ الصغر ، أما داخلها ، فكانت كمن يجلس داخل مرجل ، كل عضو من أعضائها يغلى ، يأن ، يصرخ من هول شكوكها أذا ثُبتت ، ( حامل .. طفل .. بدر .. تحليل .. حامل .. طفل ، طليقها .. طفل صغير .. بوق السيارات .. صوت الرياح .. تلاطم الأمواج .. حامل .. طفل .. ظلت تلك الكلمات والأصوات تضرب جنبات عقلها دون هوادة إلى أن قفزت من جلستها صارخة بحرقة ، جاذبة أنظار المارة من حولها ، حيث كانت تجلس فوق أحد المقاعد الخشبية الموضوعة على طول الشاطئ ، بعدما أشفق جواد على حالها ، وساقها التى ترتجف من شدة التوتر ، فعرض بشهامته المعتادة ، الذهاب بدلاً عنها لأستلام نتيجة أختبار الحمل والفحص الأولى ، وبعد نصف ساعة أخرى من الترقب والقلق ، لاح ظله من بعيد ، يعبر الطريق متجهاً نحوها بملامح وجه خالية ، علقت أنفاسها بين ضلوعها المنتفضة بضع دقائق ، تاركة حدقتيها تساير خطواته ، تترجاه بصمت نفى ظنونها التى توشك العصف بها ، إلى أن وصل إليها ورمقها بنظرة مشفقة ثم قال بهدوء شديد :
-(( إيجابى .. أنتى فعلاً حامل )) ..

أرتمت بجسدها فوق المقعد مرةً أخرى ، تحول دون سقوطها بعدما أنهارت ساقيها أسفل منها ، فللقدر أحكام غريبة ، بعد سنوات من التمنى والرجاء ، ها هو قد جائها الأن ، فى أكثر وقت زهدت به ، ظلت على هذا الحال فترة من الوقت النحو ، حتى جلس جواد جوارها ، وقتها حركت رأسها جانباً ببطء ثم قالت نبرة مرتعشة بعدما طالعته مطولاً ، ففى تلك اللحظة تحديداً تريد مشاركة ما يحدث لها مع أى كائن حى ، حتى وأن كان عابر سبيل :
-(( هربى أبنى لوحدى )) ..

عقب معترضاً بعدما أستدار برأسه ينطر إليها هو الأخر :
-(( لو بتقوليلى عشان أنصحك .. فواضح من نظرة عينيك أنك واخدة قرارك .. بس لو هتسمعى رأيى اللى ملهوش لازمة بما انك أخترتينى من كل الناس دى عشان تتكلمى معايا )) ..

أشار برأسه إلى المارة من حولهم وأمامهم ثم عاد يقول بصوته الأجش :
-(( يبقى من حقه يعرف أن عنده أبن .. ده شرع ربنا )) ..

أبتلعت غصة مؤلمة فى منتصف حلقها ثم همست تقول بمرارة :
-(( عنده مراته وأبنه اللى لسة هيجى .. هو مبقاش محتاجلى )) ..

أعتدل جواد فى وقفته ، ثم أجابها بعدما مد كفه له يساعدها على النهوض :
-(( ملامح وشك بتقول أن الصدمة أكبر من أنك تداريها .. وعشان كدة أسمحيلى أوصلك النهاردة وأرتاحى .. ومن بكرة خدى وقتك فى التفكير وقررى على مهلك )) ..

أبعدت بأصابع واهنه خصلات شعرها المنتشرة حول وجهها بفعل الرياح الباردة ، ثم قالت برجاء بعدما سارت جواره نحو سيارته :
-(( ممكن متقولش لحد على اللى حصل النهاردة .. طبعاً أنا مقدرة وقوفك جنبى النهاردة .. بــ.. )) ..

قاطعها متفهماً :
-(( من غير بس .. فاهم شعورك كويس .. ومادام أخترتى تثقى فيا فحفظ سرك واجب عليا .. أعتبرينا مشفناش بعض النهاردة من الأساس )) ..

أبتسمت بأمتنان ثم حركت رأسها موافقة بقدر ما سمح لها دوار رأسها ، قبل صعودها إلى السيارة عائدة إلى شرودها ، تحاول طرد ذلك الشعور السئ ، الذى أجتاحها منذ سماع الخبر










***********************************









طلت برأسها من خلف حائط الممر تنظر إلى باب الغرفة المغلق منذ الصباحx ، ثم عادت وأختبئت خلف الجدار العازل بين رواق المنزل وغرفة ولدها ، حينما أستمعت إلى صوت صرير الباب يُفتح ثم يُغلق ، يليه ذهاب فلذة كبدها ، وقتها أندفعت تقتحم غرفة زوجته بلا مبالاة متشدقة بنزق :
-(( أيـــه .. بقالك ساعة نازلة كلام فى ودانه .. الله يرحم أيام ما كنتى بتشوفيه ساعتين بس فى اليوم .. وسرقة )) ..

حدجتها أفنان بنظرة محتقنة ، ثم قالت بدلال مبررة تبغى أثارة حنقها :
-(( معلش يا حماتى .. أصل بطنى كانت وجعانى شوية .. وبدر خاف ينزل قبل ما يطمن على اللى فى بطنى .. مانتى أكتر واحدة عارفة أستناه قد أيه )) ..

لوت والدته فمها ممتعضة ثم قالت بفضول ، متجاوزة شعور الغيرة الذى ينهش داخل صدرها :
-(( طب ياختى أنشاله تكونى كويسة دلوقتى .. وطمنينى .. مقالكيش طلقها رسمى عند المأذون ولا لسة ؟! .. عايزة اعرف وصل معاها لأيه )) ..

أجابتها نافية بضيق :
-(( معرفتش أطلع منه بحاجة .. مانتى عارفاه بيتكلم بالقطارة وخفت أساله صراحة يزعل أو يتعصب عليا )) ..

تأففت رجاء ثم هتفت بنبرة شبهه محتدة :
-(( فالحة .. خليكى فى خوفك ده لحد ما تلاقيه ردها لعصمته وأحنا نايمين على ودانا )) ..

أجفل جسد أفنان وأعتدلت فى جلستها بتأهب تفكر قلقة فى جملتها ، بينما سارت والدته عائدة إلى باب الخروج ، ثم أستدارت بجسدها تنظر إليها قائلة بتحذير صريح وهى تقف على حافة الغرفة من الخارج :
-(( خليكى عارفة .. طول مانتى تحت طوعى .. كسبانه )) ..









******************************************








يومان ما طبق له جفناً على أخر ، بثمان وأربعون ساعة ، وحوالى ألفان وثمانمائة دقيقة ، وستون ضعفاً من الثوانِ ، منذ طالعت عينيه محياها ، ولامست كفيه وجنتاها ، وأحتضنت شفتيه شفتاها ، أرتفعت حرارة جسده وأزدادت وتيرة أنفاسه تلقائياً من الذكري ، مؤنباً نفسه على تصرفه الأهوج الطائش ، فى مطاوعة رغبة جسده التى قيدته بها ، ففيما سبق كان يظن أن هنالك تعويذة ما خاصة بها موجهة إليه ، أما بعد تقاربهما ، بات متيقناً بأنها قدره ، وأن تلك المرأة المتربعة وسط أضلعه ، خُلقت خصيصاً من أجله ، لن يتغنى بكلمات الشعر ، أو الروايات التقليدية ، ويقول أن ما شعر به عند ملامسة شفتيها لم يشعر بها من قبل ، ولكنه يجزم بأختلافه ، وكماله ، ويكأن كل الأمور أصبحت فجأة ، وبمجرد أحتضانه ثغرها ، فى نصابها الصحيح ، حتى أن الحياة ، منذ ذاك التوقيت ، أضحت فى عينيه ، أحلى ، أكثر أملاً ، وأزدهاراً ، مقاطعاً شروده صوت جواد الذى هتف مستفسراً عند أقتحامه خلوته ، بعدما طرق باب الغرفة ولم تصله إجابة وعليه قرر الدخول :
-(( أيه يابنى !!!! خبطت مرتين معبرتنيش .. لولا أن وفاء قالتلى أنك جوة كنت أفتكرتك مشيت ! )) ..

ألتفت طاهر ببطء ينظر إليه ثم سأله ببرود :
-(( عايز أيه ؟! )) ..

أختفت المسافة ما بين حاجبى جواد ثم أجابه مستثاًراً بسخط :
-(( أنا الحق عليا أنى عبرت أنسان زيك .. وقلت أجى أطمن عليك بدل مانت مختفى من إمبارح )) ..

أعتدل طاهر فى جلسته ثم قال بنبرة أكثر ليناً :
-(( طب تعالى متزعلش .. معلش كنت سرحان شوية )) ..

سارع جواد يسأله بفضول ماطاً حروف كلماته :
-(( أيــوة .. سرحان فى أيـــه بقى معالـــيك )) ..

رمقه طاهر بنظرة جامدة ولم يعقب ، فعاد جواد يسأل من جديد بأهتمام زائد :
-(( شاله ما عنك رديت .. أحم .. الأ قولى رحمة عاملة أيه ؟! )) ..

أنتفض من جلسته منتصباً بتأهب ثم سأله بنبرة متشنجة :
-(( وأنت بتسأل عنها ليه !!! )) ..

أجابه جواد معللاً ببساطة :
-(( عادى يعنى بقالها فترة مجتش عندنا فكنت بطمن عليها مش أكتر )) ..

أزداد تشنج فكه وعضلاته ، قبل هتافه بنبرة تحمل داخل طياتها مزيج من العصبية والتهديد :
-(( وهى كانت قريبتك عشان تسأل عنها !! .. مفتكرش أنى فى يوم جيت وسألتك عن مراتك عشان أنت تسألنى .. فياريت متتكررش )) ..

فرغ فاه جواد لعدة لحظات يستوعب خشونة رفيقه فى الحديث معه ثم عقب بأستغراب :
-(( خلاص يا عم الموضوع مش مستاهل كل ده أبداً .. اللى يسمعك يقول الحب مقطع بعضه بينكم )) ..

صمت لوهلة ثم عاد يغمغم بنبرة خفيضة لم تصل إلى مسامع الواقف قبالته :
-(( أنا لما أقول فيه حاجة متغيرة يبقى عندى حق )) ..









*********************************










على الجانب الأخر ، وتحديداً داخل غرفتها ، أرتفع رنين هاتفها عدة مرات برقم مجهول ، تجاهلته وأستمرت فى فعلها حتى المحاولة الخامسة ، وقتها أرتفع رنينه من جديد برسالة نصية قصيرة يخبرها بأنه صاحب العمل وقد قام بتغير رقم هاتفه ، سارعت رحمة تجيبه بلهفة معتذرة بمهنية شديدة :
-(( أستاذ رياض .. أسفة أنى مردتش على حضرتك من أول مرة .. بس أنا مبردش على أرقام غريبة )) ..

أغمض رائف عينيه ، مستمتعاً بصوتها العذب المتدفق داخل أذنه بأشتياق ثم أجابها بصوته الأجش متفهماً :
-(( مفيش مشكلة .. أنا واقف برة قدام بيتك لو ينفع تخرجيلى )) ..

قطبت جبينها بمزيج من التركيز والأستنكار ، بعدما أبعدت الهاتف عن أذنها تنظر بداخله متسائلة سراً ، من أين له بعنوان منزلها !! فأن لم تخنها ذاكرتها ، لم تخبره خلال تواصلهم المرات السابقة بعنوان مسكنها ، كما أن صوته مألوف بالنسبة إليها عكس ذى قبل ، لذا هتفت تسأله بتأهب شديد بعدما أعادت وضع الهاتف فوق أذنها :
-(( نعم !! أطلعلك أزاى مش فاهمة !! .. ثم أنى مش عارفه حضرتك جبت عنوان بيتى منين !! ، ده غير أن صوتك مختلف عن كل مرة .. يبقى أطلعلك بأى وجه حق !! .. بس يا حضرت .. لو حضرتك فاضى وجاى تهزر فياريت تحترم نفسك وتقفل أحسنلك .. بدل ما أخلى جوزى يتصرف معاك )) ..

قهقه رائف بأستهزاء أنقبض له صدرها ، ثم هتف يقول ساخراً بثقة شديدة :
-(( وهو فين جوزك ده ؟! .. مش برضة الأستاذ فى شغله .. اللى يبعد عنك ساعة وربع لو الطريق فاضى !! .. خليكى حلوة وأطلعى نتكلم بهدوء )) ..

سحبت رحمة نفساً عميقاً ثم سألته بنبرة قلقة لم تخف عنه :
-(( أنت مين وعايز منى أيه ؟! )) ..

أجابها بهدوء :
-(( عايزك تطلعى عشان نتكلم شوية فيس تو فيس .. عن حاجات كتير .. وأولهم عن أخوكى )) ..

أتسعت عيناها اللتان أطل منهما الذعر ثم هتفت تستوقفه متوسلة :
-(( خليك مكانك .. ثوانى وهكون عندك )) ..

وبالفعل ، بعد دقيقتان كانت تقف أمامه لاهثة الأنفاس ، محتقنة الوجه ، وصائحة بكره شديد بعدما علمت بهويته :
-(( أنت !!! عايز أيه منى يا حقير !! .. مش كفاية اللى عملته فيا يا ندل يا جبان ؟!.. ليك عين تقف قصادى بعد اللى حصل )) ..

أرتسمت فوق شفتاه إبتسامة حنين واسعة ، وهو يراها تقف أمامه بهيئتها الكاملة ، ووجنتيها الحمراوتين ، وشفتيها المكتنزين ، مع حدقتيها المشعان بغضب صريح ، ثم أجابها وهو يقترب منها بخطواته البطيئة :
-(( وحشتينى )) ..

تراجعت للخلف بحدة مبتعدة عنه بقدر الأمكان ثم قالت محذرة بنبرة مرتعشة بعدما رفعت أبهامها فى وجهه :
-(( أبعد عنى أحسنلك .. متنساش فى حرس هنا ممكن أناديهم فى أى لحظة )) ..

أجابها واثقا بهدوء منقطع النظير :
-(( مش هتقدرى .. ع الأقل لما تسمعى اللى جاى أقولهولك )) ..

شكبت ذراعيها معاً أمام قفصها الصدرى ، ثم سألته بأستخفاف :
-(( وأيه اللى يخليك واثق أنى ممكن أسمعك بعد كل اللى عملته .. ولا فاكرنى مش عارفة أنك نصبتلى فخ ، وبعده وقفت بكل بجاحة قدامى تشهد عليا فى المحكمة .. لو فاكر أنك فلتت بعقابك فصدقني عقاب ربنا أقوى .. ودم الغلبان ده لو أيدك متلوثة بيه .. أعرف إن كما تدين تدان )) ..

حك رائف مؤخرة رأسه بكف يده ثم قال بلا مبالاة :
-(( مقابل حريتك .. مش ناوى أقرب من حد من عيلتك .. تهديدى بأخوكى كانت وسيلة ضغط عشان أشوفك .. لكن الحقيقة أنى عارف ومتأكد أنك مغصوبة على الجوازة دى .. فعرضى بسيط .. تنقليلى كل الأخبار من جوة .. ووقت ما اطلب منك تنفذيلى حاجة الاقيكى .. مقابل حريتك .. قلتى أيه ؟! )) ..

رفعت كفها وقامت بلطمه فوق شطر وجهه بكل ما أوتيت من قوة ثم صاحت تقول بأزدراء واضح قبل ركضها إلى حيث بوابة المنزل تختبى داخله :
-(( ده ردى )) ..

على الصعيد الأخر ، وأثناء أنشغاله بمراجعة بعض الاوراق الهامة ، أرتفع رنين هاتفه فى أتصال ملح ، دفعه إلى الأجابة فوراً ، بعد معرفته هوية المتصل ، متسائلاً بقلق :
-(( فى حاجة حصلت عندك ؟! )) ..

أجابه مدير الأمن بجدية :
-(( طاهر بيه .. الشخص اللى حضرتك حذرتنا منه .. واقف قدام البوابة دلوقتى .. ومعاه رحمة هانم .. خرجتله من دقيقة واحدة )) ..

هتف طاهر يتسائل بتوجس :
-(( قصدك رائف الشافعى ؟! )) ..

أجابه قائد الحرس مؤكداً :
-(( أيوة يا فندم هو )) ..

لم يستمع إلى باقى حديث خادمه ، فبعد سماعه جملة التأكيد ، سحب سترة بذلته وركض نحو الخارج ، ومنها إلى سيارته متجهاً إلى منزله ، بينما يده تعبث بهاتفه الجوال يحاول الوصول إلى التحرى الخاص ، والذى بمجرد أجابته على الهاتف ، صاح طاهر يأمره بعدائية وغضب واضح :
-(( عايزك تجبلى سجل مكالمات رحمة حـــااااااالاً ، رقمها ****01.. تقلب الدنيا وقبل ما الصبح يجى يكون سجل مكالمتها عندى بالتسجيل .. أدفع أى رقم ميهمكش .. بس أعرف كلمت مين وقالت أيه )) ..








******************************************








أنقضت الساعة ، وها قد أوشك نصف أخرى على الأنتهاء ، ولازال جسدها ينتفض بشدة ، غضباً وحنقاً وكرهاً للموقف ، بدءاً من التعدى السافر لذلك الوقح وجرأته فى نصب فخ أخر لها بحجة العمل ، ثم وقاحته فى التعامل معها ونظراته المثيرة للشك ، والتى تنبهت لها للمرة الأولى ، ثم عرضه الأكثر وقاحة ، وكأنها فتاة خائنة ، تنتظر مساعدة ذلك المزور والأرتماء فى أحضانه فور تلقى عرضه للخلاص من زيجتها !! ، على ذكر زيجتها ، فقط لو كانت الأمور بينهم أكثر بساطة ، لأستطاعت أخباره بما حدث معها وتلك الزيارة الغير مستحبة ، بل لو كانت علاقتهم أقل تعقيداً لهاتفته فوراً ، وقصت عليه كل ما حدث منذ بدء عرض العمل ، بل لكانت أخبرته عن شكوكها تجاه ذلك المجرم ، وعلاقته بمقتل شقيقه ، زفرت بقوة ثم أخفضت رأسها تضعها بين كفيها المستندة على كلتا ساقيها ، منصتة إلى ذلك الصوت الخافت ، والذى لا ينفك يذكرها ، بما حدث بينهم منذ يومان ، وطريقته المذهلة فى تولى الأمور بطريقة شلت دفاعاتها ، وحفرت تقاربهم داخل عقلها ، منتفضة من جلستها على صوته فى الخارج يصرخ بأسمها ، يليه ركله لباب الغرفة وأقتحامها ، فقفزت من جلستها مذعورة من تصرفه البربرى ، قبل تفاجئها به يغرز أصابعه فى ذراعيها صائحاً بغضب شديد :
-(( فين تليفوووونك .. فين انطققققققققى )) ..

حركت رأسها نافية بذعر فى حركة تلقائية منها ، تحاول الهرب من بركانه الثائر قبل قبضته التى تكاد تخترق جلد ذراعيها ، دون القدرة على النطق أو أجابة سؤاله ، بينما نفض طاهر كلتا ذراعيها بعنف أسفل قبضته يبحث بعينيه عن هاتفها إلى أن وجده وقام بسحبه من فوق المنضدة الصغيرة المجاورة للفراش وحاول فتحه عدة مرات ثم قام بألقائه من الشرفة صارخاً بأهتياج :
-(( أنتى رخيصة .. واحدة ملهاش قيمة .. كل يوم مع حد ولابسة توب البراءة ومتخفية ورا حجابك الكداب )) ..

راقبته بأعين ملتاعة دامعة ، وجسد على وشك السقوط من شدة الفزع والأعياء ، تحاول جاهدة غصب عقلها على التذكر وتفسير سبب غضبه وأفعاله الجنونية دون جدوى ، فى حين أبتلع هو لعابه بقوة ثم أستطرد يقول بمزيج من الغضب والحسرة بعدما عاد يقف أمامها :
-(( أنا غلطان أنـــى .. أنـــ...ى )) ..

حرك رأسه أسفاً وقد تزاحمت العبارات بداخله ثم ركض من الغرفة بأكملها شاعراً بالعجز ومرارة الخيانة ، للمرة الثانية .


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-20, 07:24 PM   #30

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس عشر ♥️🔥



يا سيِّدتي:
لا أتذكَّرُ إلا صوتُكِ
حين تدقُّ نواقيس الآحادْ.

لا أتذكرُ إلا عطرُكِ
حين أنام على ورق الأعشابْ

لا أتذكر إلا وجهُكِ
حين يهرهر فوق ثيابي الثلجُx
وأسمعُ طَقْطَقَةَ الأحطابْ.
-نزار قباني .




بأحداق هائمة وأثقال أشد وطأة على الصدر ، أنسحب من أمامها يمشى الهوينة إلى أن وصل غرفة مكتبه ، وأغلق الباب خلفه ثم أرتمى فوق أحدى المقاعد يأن بصمت ، متألما من تلك اليد الخفية المعتصرة مهجته ، ويتأوه بحسرة ، غاضباً من سذاجته فى تقدير الأمور ، وهو من ظن أن روحه أخيراً قد وجدت من تسكن إليه ، متجاهلاً كل الظروف ، العوائق ، والسدود الفاصلة بينهم ، وكم كان أحمقاً ، حين ظن أن الحياة ، قد تهبه ، فرصة أخرى للعيش ، معطياً لنفسه المساحة الكاملة فى لومها ، أينما شاء وكيفما شاء ، ثم بعدها ، مع حلول منتصف الليل تقريباً ، رفع رأسه المتعب وأنتصب فى وقفته ، متوجهاً إلى طاولة مكتبه ، يشاهد تفريغ كاميرة المراقبة ، الخاصة بالجزء الخارجى من المنزل ، متابعاً بتركيز تام وأنفاس متحشرجة ، خروجها من المنزل ، يليه ملاقاتها لذلك النذل ، ثم أقترابه منها بطريقة مثيرة للأعصاب ، فأنتفض بعنف ، يحاول السيطرة على ردات فعله ، وتمالك أعصابه ، حتى لا يعود إليها ، ويصب جام غضبه فوق رأسها ، لافتاً أنتباهه بعد دقيقة واحدة تقريباً ، كفها الذى رُفع فجأة ، ثم هوى فوق وجه غريمه ، يتبعه هرولتها نحو البوابة مرةً أخرى مختبئة داخل منزله ، مملكته ، أغمض عينيه وتنفس الصعداء ، قبل أعادته المشهد مرة بعد مرة ، يسحب نفس الحياة إلى رئتيه مع كل صفعة تهوى فوق وجه ذلك الرائف ، وكأن صفعتها تلك مطرة ، تسقط على عطش روحه وصحراء قلبه ، فيزهر شيئاً فشئ ، وبعد ساعة كاملة من المشاهدة، لم ينتبه لمرورها الا عندما أرتفع رنين هاتفه فى أتصال مترقب من تحريه الخاص " ماكسيم" ، يخبره بنبرته العملية :
-(( مرحباً سيد طاهر ، لقد تم تنفيذ طلبك ، وبعد عدة ثوانٍ ، سيصل إليك عبر تطبيق what's app ، سجل مكالمات السيدة رحمة ، مرفق به تسجيلات الأسبوع المنصرم إلى يومنا هذا )) ..

غمغم طاهر يشكره على عُجالة ، ويُنهى بنفاذ صبر المكالمة حتى يتسنى له سماع تسجيلاتها :
-(( تمام تمام .. شكراً ماكسيم )) ..

أستمع إلى أجابة الطرف الأخر ثم أغلق الهاتف على الفور ، يراجع أولاً قائمة السجلات بدءاً من اليوم ، جامعاًx كامل شكوكه ، عند رقم وحيد غير مسجل على قائمتها ، هاتفها فى نفس التوقيت الذى تواصل معه مدير حرس المنزل ، وأخبره بما رأه ،x لذا سارع متلهفاً فى تشغيل التسجيل الصوتى المدون أسفله تاريخ اليوم ، مستمعاً إلى صوتها وهى تهدده بزوجها ، ثم أبتزازه لها بشقيقها وإجبارها على مقابلته ، وقتها ألقى الهاتف من قبضته ، وأنتصب فى وقفته ، ماسحاً بقوة ، قسمات وجهه المتجهمة ، ومتمتاً بندم :
-(( عملت أيه يا طاهر .. عملـت أيـــه )) ..










*****************************************











فى الأعلى . حيث غرفته السابقة وخاصتها الحالية ، تابعت أختفائه من مجالها برأس مرفوع وردات فعل ثابتة ، حتى تيقنت من ذهابه ، وقتها تركت لدموعها العنان مرتمية فوق فراشها ، تخفى وجهها داخل الوسادة حتى لا يصل إليه شئً من نحيبها ، والذى بالنسبة إليها دليل ضعف ، وأبداً لن تعطيه شرف الأنتصار عليها ، ثم بعدها سحبت دفترها ، تدون بعبرات عينيها قبل عبارات قلمها ،
(( مذكرتى العزيزة :
ها أنا ذا ، أَجِد نفسى للمرة التى لا أُحصى عددُها ، موضع أتهام ، بما لم تُجنيه يداى ، وكأن أتهامى دون دليل ، هو أسهل الأمور وأبسطها ، فقط يكفى لأى فرداً كان ، أن ينصب نفسه حاكماً فوق رأسى ، ويعلن دون تمحيص فى شكل سافر جُرمى الغير مشهود ، ثم يصرخ مشيراً إلى قبحى حتى يتبعه البقية ، تماماً كالمرة السابقة ، حينما أعلننى القاضى ، سيد العدل ، والموكل به ، قاتلة ، وبالتالى ، تعامل معى الجميع بصفتى المنافية ، بدءاً من موظفى الدولة فى قطاع السجون ، نهاية إلى ساكنى العنبر ، مثيلاتى ، حيث قاموا بتنظيم حفل أستقبال فخم ، يليق بى كب .. كباغية ، أنتهى بتمزيق جميع ثيابى عن بكرة أبيها ، يبغون رؤية جسدىx ، كما عرضته على الرجال من قبل ، فى الحقيقة تلك واحدة من أسوء ذكرياتى ، والتى أحاول بكل طاقتى نسيانها أو الأدق تجاهلها ، فأمثال تلك المواقف ، تخمد روحى ، وأنا أحارب جاهدة الحفاظ على الجذوة الضعيفة الباقية داخلى ، حتى لا أُظلم كلياً ، أو أصبح شبح ، يعيش بين الأحياء بلا روح )) ..










***************************************









فى الأسفل مجدداً ، وبعد أنتهاءه من لوم نفسه ، وتأنيب ضميره ، ركض كالمجذوب ، يقود سيارته بنفسه ، متوجهاً إلى عنوان غريمه ، غير عابئاً بالتوقيت ، فكل ما يشغل تفكيره فى اللحظة الحالية ، هو مدى رغبته فى رؤيته والتنفيس عن غضبه ، وبالفعل بعد خمس وأربعون دقيقه كاملة ، أستغرقها فى القيادة المتهورة ، نظراً لخلو الطريق أمامه ، كان يقف أمام شقة عدوه الحاقد ، يضرب بكفه ويركل بساقه اليمنى باب المنزل ، صارخاً بأهتياج :
-(( يا جبــان .. يــا رائـــف يا نـدل .. أفتح وواجهنى زى الرجالة )) ..

أما بداخل المنزل ، قفز رائف من فوق صاحبته الساكنة منزله وفراشه ، يرتدى ملابسه بأقصى سرعة ممكنة ، متأهباً للقاء ، قبل هرولته نحو الباب ، يستقبل طاهر بأبتسامة سمجة مستفزة وكأنه يحثه على قتله ، بينما أندفع الأخر يسحب جسده ويقبض على تلابيه ، مصوباً لكمة نحو أسنانه الظاهرة ، ثم عدة لكمات متفرقة ومتتالية فوق وجهه وعلى جميع أجزاء جسده ، صائحاً بأنفاس منقطعة :
-(( ألأ مراتى .. فاهم .. ألا مراتــى .. هقتلك وأشرب من دمك وأخلص من شرك .. لو فكرت تقرب من رحمة مش هرحمك .. هخلص عليك بدم بارد يا *** )) ..

أتسعت أبتسامة رائف يهمس كاذباً من بين شفتيه النازفة بأستفزاز صريح :
-(( مراتك هى اللى تعرفنى .. هى اللى كلمتنى .. مش ذنبى أنها مش بتحبك ومش عايزاك )) ..

قفز طاهر فوق غريمه بعدما دفعه وكومه أرضاً ثم عاد ينهل بالضرب فوق جسده دون وعى صارخاً بغضب :
-(( كدااااااب .. سمعتك وأنت بتهددها يا****** .. يا ***** .. يا****** .. والله هقتلك .. سامع هقتلك )) ..

أومأ الصريع برأسه مستسلماً بهوادة ، بعدما أعيته شدة الضربات التى تلقاها ، ثم أغمض عينيه خائر القوى نازف الجسد ، بينما زفر طاهر بقوة يعيد تنظيم أنفاسه المتسارعة بعدما أنتصب فى وقفته ، ونفض مزدرياً الدماء السائلة من فوق قبضته ، ثم ترك المكان بأكمله وأنصرف ، فى حين انتظرت رنا حتى ذهابه ثم ركضت بلهفة تُكشف عن وجودها ، كى تُنجد الملقى أرضاً وتساعده على النهوض ، وتضميد جراحه المؤلمة ، قائلة هى الأخرى بنبرة شديدة اللهجة :
-(( يعنى اللى شاغل عقلك بيها فى الأخير طلعت مرات طاهر أبن عم طليقى )) ..

توقفت عن الحديث لثانية تمسح الدماء من فوق وجهه بالمطهر، ثم أستطردت محذرة :
-(( انا قلتلك يا رائف ومش هكررها .. لو شميت خبر أنك حاولت تقرب منها .. ساعتها هريح نفسى ونفسك منها )) ..

رفعت ذراعها الخالى تزيح ياقة سترتها بأنامل مرتعشة ، وتشير إلى أثار قربه والكدمة الزرقاء المغطية عنقها بأكمله ثم أردفت تضيف بحسرة :
-(( مش مستحمله منك كل ده عشان تشاركنى واحدة فيك .. مش هسمحلك !! )) ..









*************************************








وبعد عودته دلف بخطوات مرهقة غرفته المشتركة معها والمؤدية إليها مبتسماً ومفكراً بسخرية ، أن كل طرقه أصبحت تؤدى إليها وليس فقط غرفته ، ثم أستحم وبدل ثيابه بأخرى بيتية مريحة بعدما زال جزءاً كبير من غضبه بعد تلك المواجهة ، أو تحديداً منذ رأها تقف شامخة تدافع عن نفسها كعادتها ، نعم تلك هى شيمتها المهلكة أمام الجميع حتى معه ، أمرأة بطابع خطير ، تجمع بين اللين والشدة ، والغضب والهدوء ، القسوة والطيبة ، وعندما تقف أمامه تكن صلبة ، شامخة ، معتزة بنفسها ، ثم يراها تضحك وتبتسم مع غيره من النساء ، فتصيبه عقله قبل قلبه بالأرتباك ، الحيرة والعجز ، وما بين ذلك وذاك ، أضحى وأمسى لا يملك سوى الأعتراف بغزوها له بالرقة تارة وبالنعومة تارة ، وبالتحدى تارةً أخيرة حتى باتت بالأفعال قبل الأقوال سلطانة القلب ومالكته ، أتسعت أبتسامته المعجبة وهو يقف أمام فراشه معلقاً نظراته بباها المغلق فى وجهه وقد تحولت إلى أبتسامة أشتياق ، يليها أخرى عابثة ، قبل سيره فى أتجاهها وأقتحامه لها ، مقرراً العودة والأستقرار فى غرفته السابقة ، كاتماً قهقهته التى تهدد بفضح وجوده وهو يتخيل رد فعلها عندما تكتشف ما أنتواه ، أما عنها هى رحمة ، فقد كانت غارقة فى ثُباتها ، حتى أنها للوهلة الأولى ، ظنت أن تلك اليد المحاصرة خصرها ليس سوى حلم صيفى ناعم ، أ وأمل ضائع فى الأمان ، ورغم ذلك كعادة أكتسبتها منذ أيام الحبس ، فتحت عينيها وأستدارت تتأكد من عبير عطره الذى أخترق حاسة شمها ، متفاجئة به يستلقى حقاً بجوارها ، ويده الخشنة تحاوط خصرها بأريحية شديدة ، بينما حدقتيه مسلطة فوقها بنظرة لم تفهمها ، فسارعت تقفز مبتعدة عن الفراش ، فى حين أعتدل هو فى نومته من بعدها ، مضيقاً عينيه فوقها وهى تغمغم متسائلة فى مزيج من الغضب والأرتباك :
-(( أنت بتعمل أيه هنا ؟! )) ..

أجابها ببساطة مستمتعاً برد فعلها الطفولى :
-(( هنام )) ..

هتفت معترض بحنق وحروف متعلثمة كعادتها عند التوتر :
-(( ن.. نعـــم .. أز .. أزاى يعنى !! أستحا..لة تنـام هننا )) ..

رد بلا مبالاة :
-(( ليه استحالة .. أوضتى وحبيت أرجعلها .. مفيش حاجة مستحيلة هنا )) ..

أندفعت تقاطعه بضيق واضح :
-(( تمام مادام أوضتك هروح أنا أنام فى أوضة تانية .. وخليك فاكر .. قدامك يومين وتكون ورقتى عندى )) ..

قفز من جلسته متجاهلاً عن عمد جملتها الأخيرة ، قاطعاً الطريق أمامها بجسده وهاتفاً بحزم :
-(( مفيش خروج من الأوضة )) ..

شكبت ذراعيها أمامه قائلة بتحدى واضح :
-(( هخرج ومش هتقدر تمنعنى .. وأنسى أنى أنام معاك فى أوضة واحدة .. لأنك بالنسبالى مش أكتر من واحد غريب )) ..

أرتفعت زواية حاجبه بالتزامن مع مثيلتها عند ثغره مردداً بتهكم ومقلداً نبرتها :
-(( أنسى أنى أنام معاك فى أوضة واحدة )) ..

فتحت فمها منتوية أجابته بتعليق لاذع ثم عادت وأغلقته متراجعة ، عندما رأته ينحنى بجزعه نحوها ، قبل حمله لها من خصرها فى حركة مباغتة لم تتوقعها ، ثم ألقائها فوق الفراش محكماً حصار ذراعيه لجسدها ، ومتجاهلاً صرخاتها المحتجة بغضب شديد تطالبه بالأبتعاد عنها وإفلاتها ، إلى أن سكنت بعدما شعرت بأختناق رئتيها دلالة على أقتراب نوبة صدرية جديدة ، تنتوى العودة ومقاومته بعد مرورها بسلام ، مستغلاً هو ضعف مقاومتها فى أحتضان جسدها بين ذراعيه ، ومستسلماً فى نوم هادئ بعدما غفت هى الاخرى بين يديه .








*****************************************









فى صباح اليوم التالى ، صف جواد سيارته بجوار أحد الأرصفة القريبة من موقع الإنشاءات ، ثم سحب هاتفه من المقعد المجاور له ، ينظر فى ساعته ويتأكد من عدم ورود أية رسائل نصية جديدة تخصها أو تخص العمل ، قبل ترجله من السيارة ، ينظر حوله فى الأركان بحثاً عنها ، حيث أخبرته البارحة بعد أن أقلها إلى منزلها عن نيتها فى العودة صباح الغد لمتابعة سير العمل ، غير عابئة بطلبه فى المكوث داخل المنزل حتى تتحسن حالتها الصحية ، مؤكداً المعلومة حارس الموقع عندما هاتفه منذ قليل ثم أخبره عن حضورها تنفيذا لوصيته ، يمشط المكان من حوله ، إلى أن رأها تجلس فوق احد المقاعد الخشبية البسيطة ، تتابع بهدوء صخب العمال وحركتهم المستمرة أمامها ، وقتها سار متوجهاً إليها ، هاتفاً بحنق بعد وصوله :
-(( أيه اللى جابك ؟؟! .. مش أنتى اللى كانت روحك بتطلع إمبارح ولا تهيأت )) ..

أجفل جسدها أولاً فزعة من صوته وزيارته الغير متوقعة ، ثم قفزت من بعدها تقف قبالته وتجيبه بسخرية :
-(( مانا قلتلك بتحول بسرعة بس أنت اللى مصدقتنيش المرة اللى فاتت )) ..

ضيق حدقتيه فوقها يتفحصها لعدة ثوانِ ، ثم بعدها قال مقراً على مضض :
-(( عندك حق دلوقتى صدقتك .. لأن أستحالة الأنسانة اللى كانت روحها بتروح إمبارح ووشها مخطوف .. تقف قدامى النهاردة ولا كأن حاجة حصلت )) ..

أنتفخت أوداجها ، وأرتفع أنفها مع جبهتها بشموخ ثم قالت معقبة بمزاح :
-(( عشان تعرف بس أن عندى قدرات خاصة )) ..

مط جواد شفتيه بأستغراب ثم هتف يسألها بفضول :
-(( وقدراتك الخاصة دى .. قالتلك تعملى أيه ولا لسة على موقفك )) ..

تهدلت أكتافها وخبت مرح حدقتيها ثم أجابته هامسة بنبرة مترددة رغم حسم كلماتها :
-(( أبنى محدش هيربيه غيرى .. ولوحدى .. ده قرارى الأخير )) ..

صاح معنفاً بضيق :
-(( أنتى مجنونة !! .. أستحالة تخبى طفل كامل عن والده طول حياته !! .. أنتى بتفكرى أزاى )) ..

هتفت هى الأخرى معترضة بأمتعاض :
-(( جواد لو سمحت متدخلش فى خصوصياتى !! .. دى مشكلتى وأنا هتصرف فيها .. كل اللى محتاجاه ننهى الطلاق عند مأذون وبعدها هختفى أنا وأبنى عن الكل .. أنا مرتبة كل حاجة ومش طالبة منك أكتر من أنك تحفظ سرى )) ..

قال ناهياً الحديث بهدوء :
-(( كنت فاكر أن بعد اللى حصل ليا الحق أنبهك وأقولك الصح أيه .. بس واضح أنك مقررة فكلامى ووجودى ملهوش لازمة من الأساس .. عن أذنك أشوف العمال )) ..

أنهى جملته المؤنبة ثم أنسحب من أمامها ، بينما نظرت هى فى أثره شاعرة ببعض الذنب ، ففى الأيام القليلة الماضية كان هو الداعم الوحيد وشريكها فى أسوء المواقف ، بعد أنشغال كلاً من يحيى ورحمة فى حياتهم الخاصة .









***************************************






أتسعت إبتسامة ثغره العابثة قاطعاً الممر المفضى إلى غرفتهم ، عند تذكره لصباح اليوم وهروبها منه داخل حمام الغرفة ورفضها الخروج ألا بعد رحيله ، فبعد ما حدث البارحة ، أستيقظ فى الصباح الباكر مع تسلل الخيوط الأولى لشمس فبراير الهادئة ، على كفها الذى يدفع ذراعه ، تحاول بأستماتة فك حصاره من حولها ، وعندما نجحت فى ذلك ببعض التساهل من طرفه ، ركضت تختبئ داخل الحمام ، بعدما باءت محاولتها فى ترك الغرفة أكملها بالفشل ، نتيجة لأستباقه الأمر فى المساء ، وغلق الباب داخلياً بالمفتاح ثم اخفاه داخل جيب بنطاله ، يجول بعينيه الغرفة الفارغة أولاً ، يليها غرف الطابق بأكمله ، قبل هبوطه إلى الطابق الأرضى وأعادة الكرة ، وبعدما فشل فى العثور عليها ، هتف بأسم مدبرة منزله يسألها بعدما هرولت تقف أمامه ، وتمسح كفها المبلل داخل ملابسها :
(( رحمة فين يأم حسن )) ..

أمتنعت عن الحديث ، بينما تولت ملامح وجهها الأجابة بدلاً عن فمها ، فعاد يهتف من جديد بنفاذ صبر :
-(( أيييه مالك !! .. السؤال صعب للدرجة ؟! .. أنا عارف أنها مخرجتش برة البيت .. راحت فين ؟! )) ..

أجابته على مضض :
-(( بصراحة .. الست رحمة من الصبح نقلت حاجتها لأوضة الجنينة اللى برة .. اللى كانت فيها قبل كدة )) ..

أنسحب بخطوات واسعة عنيفة ، يقطع الخطوة بثلاث حتى وصل إليها ، وأقتحم الغرفة دون أستئذان ، هاتفاً فى تلك التى أنتفضت تقف متأهبة بمجرد رؤيتها له :
-(( بتعملى أيه هنا عايز أعرف )) ..

أجابته بهدوء تام :
-(( قلتلك بليل مش هنام معاك فى مكان واحد .. الموضوع بسيط )) ..

رد بتأهب :
-(( وأنا قلت أيه ؟! ))..

أجابته متحدية ومحافظة على نفس النبرة الهادئة ، والتى تمرنت عليها مراراً وتكراراً أستعداداً لذلك الموقف :
-(( قلت حاجات كتير متهمنيش .. اللى يهمنى طلبى .. من فضلك أرمى عليا اليمين وورقتى توصلنى )) ..

صمتت تطالع قسمات وجهه المتجهمة ثم أردفت تقول بسخرية ونبرة ذات مغزى :
-(( مينفعش تقى زيك .. يأوى داخل بيته .. رخيصة زيى )) ..

ضربت كلماته فى وجهه بثبات شديد ثم أستدارت تنشغل بترتيب ملابسها داخل حقيبتها متجاهلة وجوده من الأساس ، بينما أغمض هو عينيه متجاوزاً كلماتها وتصرفاتها المعاكسة لطلبه ، يعطيها كامل الحق فى غضبها منه ، ثم بعد عدة دقائق من مراقبته لها ، همس بتحذير ، ضاغطاً على حروف كلماته ، وماداً ساقه نحو الأمام كأشارة على تأهبه :
-(( الأوضة دى مش هتقعدى فيها .. لا هى ولا فى أى مكان غير أوضتك اللى هى أوضتى .. وقدامك ٣ دقايق تحسمى قرارك .. تطلعى بهدوء ولا غصب )) ..

ألتفتت تنظر إليه ثم قامت بدفعه بكلتا كفيها قائلة بعنف :
-(( مش هتحرك من مكانى .. وأخرج من هنا )) ..

أومأ رأسه موافقاً بأصرار ثم قال وهو ينحنى بجذعه نحوها :
-(( مكنتش عايز أشيلك خصوصاً قدام اللى فى البيت بس أنتى اللى جبتيه لنفسك )) ..

صرخت تستوقفه مستسلمة بعدما حملها ووصل بها إلى الباب الخارجى :
-(( خلاص سبنى وهنزل )) ..

لم يعيرها أنتباه وبدلاً عن ذلك ضرب الباب بساقه مستمراً فى حملها أمام أعين أم الحسن التى وقفت تقهقه بسعادة ، فى حين عادت رحمة تتوسّله من جديد ، بيأس خجلة من الموقف بأكمله :
-(( نزلنى والله هكمل لوحدى )) ..

توقف عن التحرك بها دون أجابه فأستطردت تضيف بصدق :
-(( أنا حلفت ب والله مش هكدب .. نزلنى وهكمل لوحدى عيب كدة )) ..

أختار الثقة بها للمرة الأولى منذ لقائهم وبادر بوضعها أرضاً ، بينما هرولت هى نحو الأعلى حيث الغرفة تختبئ بداخلها هرباً وحرجاً من الجميع ، أما عن طاهر فعندما أوشك على التحرك واللحاق بها ، أوقفه صوت سائقه يقول بأحترام :
-(( طاهر بيه .. طلب حضرتك وصل أهو )) ..

أستدار بجسده يستلم الصندوق المغلف من بين يديه ثم أستئنف طريقه نحو الأعلى ، نحوها .

أما فى الأعلى فبعدما دلف الغرفة ووجدها داخلها ، مد كفه يقدم إليها الصندوق هامساً بأعتذار مبطن :
-(( أتفضلى .. بدل تليفونك اللى أتكسر إمبارح )) ..

رفعت أحدى حاجبيها تطالعه بعدم فهم ثم قالت بحنق بعدما ألقت نظرة خاطفة على شعار الماركة الشهيرة وعلمت نوع الهاتف :
-(( أنا مبقلبش عوض .. وعلى العموم أنا تليفونى مكنش زى ده .. عشان تجيبلى الماركة دى )) ..

قطع المسافة الفاصلة بينهم ثم قال بعدما ألقى الهاتف فوق الفراش ، وحاوط خصرها بذراعيه :
-(( تليفونك كان حديث برضة .. وحتى لو مش نفس النوع فأنا متأكد أنه نفس السعر .. ولو على ضيقك منى فأحب أطمنك أنى مسافر لمدة يومين .. عشان ترتاحى منى )) ..

أنهى جملته بطبع قبلة دافئة ناعمة فوق جبهتها كتوديع ، ثم فك حصارها وأنصرف يسحب ملابسه وشنطة سفره أستعداداً للرحيل ، تاركها تقف حيث هى كالصنم ، تحاول تفسير تصرفاته المتناقضة .









****************************************






بعد مرور يومان
وقفت أمام شجرة الليمون الصغيرة ، شاردة الذهن، حانقة على عقلها الخائن ، والذى قضى اليومين السابقين ، منشغلاً فى التفكير به ، والتساؤل عن أحواله ، وسبب سفره المفاجئ ، دون التوصل إلى أية تفاصيل تُرضى فضولها ، مع تذكيرها بشكل مستمر ، بقبلتهم الوحيدة المباغتة ، منتبهة بعد فترة من الوقت إلى حالتها الغريبة والتى تزداد سوءاً مع مرور الوقت ، وكأنها فقدت فجأة ثباتها وتوازنها ، وتحولت إلى فراشة ساذجة ، تنجذب بكل سهولة ، إلى الضوء الحارق ، ومقررة صرف أنتباهها ، على الوريقات الصغيرة ، تتلمسها بنعومة ، بعدما تنهدت مطولاً ، ثم غمغمت تتسائل بحيرة :
-(( ويا ترى أنتى هتكبرى أمتى بقى )) ..

جائها صوته الهامس من خلفها مجيباً بحشرجة ناعمة :
-(( قدامها من سنتين لتلاتة .. أهم حاجة فى الزرع .. الصبر .. وقتها هتاخدى أحلى محصول )) ..

أجفل جسدها على صوته الأجش مستديرة برأسها تطالعه من فوق كتفها ، بمزيج من التوتر ، الخوف ، والأشتياق ، شاعرة بأنفاسه الدافئة تلفح شطر وجهها ، بعدما كانت تداعب أسفل عنقها ، فى حين مد هو كلتا ذراعيه ، يتلمس كفها وصولاً إلى خصرها ، ثم قام بدفعها نحو الشجرة ، يحاصرها بين الجذع وجسده ، تاركاً حدقتيه تتعلق بشفتيها المرتعشة ، متسائلاً بهمس ناعم ، وممسداً بأنامله ، عضلات جسدها المتشنجة :
-(( عاملة أيه ؟! )) ..

رمشت بأهدابها عدة مرات تستوعب الموقف !! ، هل حقاً يسألها عن أحوالها ، بينما كفه تسرح بحرية فوق أنحاء جسدها ! ، اخذت نفساً عميقاً تستجمع به أرادتها المفقودة ، ثم همست تستجديه بخفوت شديد :
-(( طاهر !! )) ..

أجابها هامساً بينما رأسه تنحدر إلى نحو شفتيها :
-(( نعم ؟! )) ..

أسدلت أهدابها ثم همهمت تضيف بنبرة مرتعشة :
-(( لو سمحت .. )) ..

عقب وأنامله تمسد بنعومة وبطء شفتها المرتجفة :
-(( لو سمحت أيه بالظبط )) ..

اللعنة ! لقد بدءت ساقيها فى الأرتخاء حرفياً وليس مجازاً ، وأختفى صوتها داخلها فلم تعد قادرة على النطق ، أما عن حرارة جسدها ، فحدث ولا حرج ، حتى أنها لا تقوى على رفع ذراعها ودفع جسده ، لذا أنتظرت يائسة حتى أشفق هو على حالتها ، وأبتعد عنها ، تاركاً لها المجال فى الركض ، وبالفعل بمجرد فك حصاره لها ، ركضت بقدر ما سمحت لها ساقيها الهلاميتين إلى الداخل ،x وتركته ينظر فى أثرها بأرتياح ، ثم أخرج مظروف أبيض من جيب سترته ثم غمغم يقول بغموض :
-(( جه وقت الحقيقة )) ..

ثم سار بعدها متجهاً إلى حيث منزل عمه ، ومنه مباشرةً إلى غرفة المكتب حيث كان بأنتظاره كلاً من جواد ، ووالده السيد أنور بناءاً على طلبه ، والذى ما لبث أن رأه حتى هتف يستفسر بقلق :
-(( خير يا طاهر ؟! .. موضوع أيه ده المهم اللى مينفعش يتأجل أكتر من كدة ؟! )) ..

أجابه طاهر بهدوء ، بعدما تأكد من غلق الباب خلفه جيداً :
-(( خير يا عمى .. بس قبلها عايز وعد أن الكلام اللى هيتقال ده .. ميطلعش بينا أحنا التلاتة .. مهما حصل .. أو لحد ما ربنا يريد أنه يتكشف )) ..

أومآ برأسيهما موافقين بقوة ، فعاد طاهر يقول بعدما أخرج المغلف الابيض ورفعه أمام وجهيهما :
-(( اللى فى أيدى ده .. تحليل إثبات نسب )) ..


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
زواج، حزن، مكيدة، جريمة، غيرة، حب، رومانسية، ألم،انتقام

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:51 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.