آخر 10 مشاركات
وشاح من دخان-قلوب شرقية(79)-حصرياً- للكاتبة:داليا الكومي{مميزة}-(مكتملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          حنين الدم ... للدم *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : رؤى صباح مهدي - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          [ تحميل] من تحت سقف الشقى أخذتني للكاتبه نـررجسـي?? ( جميع الصيغ ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          بخصوص رواية قبلة المموت … (الكاتـب : فجر عبدالعزيز - )           »          فرشاة وحشية ج1 من س تمرد وحشي-قلوب أحلام زائرة-للكاتبة: Nor BLack*مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Nor BLack - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          للقلب رأي أخر-قلوب أحلام زائرة-لدرة القلم::زهرة سوداء (سوسن رضوان)كاملة (الكاتـب : زهرة سوداء - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-08-20, 01:33 AM   #41

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثالث والعشرون ❤️🔥

لاَ تَحْسَبَنَّ الْهَوَى سَهْلًا ؛ فَأَيْسَرُهُ
خَطْبٌ لَعَمْرُكَ لَوْ مَيَّزْتَهُ جَلَلُ
يَسْتَنْزِلُ الْمَلْكَ مِنْ أَعْلَى مَنَابِرِهِ
وَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الرِّعْدِيدُ وَالْبَطَلُ .

_محمود سامي البارودي .


يقول العارفين أن العين مرآة القلب ، ففي أنعكاس حدقتيها نرى مكنوناته الخفيه بوضوح ، ويؤكد العلماء بأن العين صورة العقل ، ومن خلالها نستدل على ما فى الوجدان دون الحاجة إلى البوح ، بينما يظن الشعراء أنها دلالة على ما تشتهيه الروح ، أذاً ، فماذا لو أتفق ثلاثتهم ؟! ، القلب والعقل والروح ، مباركاً البصر تحالف البصيرة ؟! ، هل تعتبر إشارة كافية على ما تجاهلته لأيام ؟! أم يجب عليها أنتظار المزيد ؟! ، ضغطت فوق عينيها بقوة هاربة من صورته التى حاصرتها ، فهى حقاَ جاهلة فى أمور الحب ، لا تعلم ولا تدري عنه ، وأن سألها عابر سبيل عن تعريفه ، ستتعلثم وتحتار ، ولن تخرج بأجابة واضحة ، كافية ، شافية ، أما الأن وبمجرد التفكير بماهيته فلا يمكنها ألا أن تراه يقفز متجسد بأدق تفاصيله ، عندما تغلق الأجفان ، وحتى بعدما فتحت عينيها بفزع عندما لطمتها الحقيقة المفاجئة متمتمة بذهول :
-(( مينفعش .. صح .. مينفعش )) ..

لم تكن الوحيدة المندهشة فى الغرفة فلقد شاركتها غفران تعجبها عندما رفعت رأسها تسألها بتوجس ضاغطة على أحرف سؤالها الأستفهامى :
-(( أنتى قلتى مين ؟!!! )) ..

حركت علياء رأسها يميناً ويساراَ كأنها تفتش عنه فى الأركان قبل أن تستأنف هذيانها مغمغمة بضياع :
-(( اللى بعمله ده غلط صح ؟! )) ..

رفعت عينيها تناظر الواقفة أمامها وتحدق بها بأعين خاوية ، ثم أردفت تقول بهمس مبحوح :
-(( مينفعش أخدعه صح ؟! .. مادام عرفت مينفعش )) ..

فتحت غفران فمها وأغلقته مرة وأثنان وربما عشرة ، تحاول القبض على صوتها الهارب لأسدائها نصيحة ستقلب موازين العائلة رأساً على عقب ، مقاطعاً شجاعتها عندما همت فى الحديث ، طرقة خفيفة فوق باب الغرفة يليها صوت ذكورى أجش يمتاز برنة جذابة ، يسأل من خلف الباب المغلق فى وجهه :
-(( علياء .. أنا أستأذنت بباكى أطلع أسلم عليكى .. لو سمحتى ينفع أدخل ؟! )) ..

شهقة خفيفة صدرت عنها بمجرد سماعها صوته ، جعلت غفران التى بادرت بالتحرك لأعطائهم المساحة الشخصية الكاملة تلتفت عائدة إليها مرةً أخرى ، تتأملها للحظات والشك يتوغل بداخلها خاصةً وهى ترى نظرة الأخرى وملامحها الشاحبة ، وكأنها تستجديها بنظرة عينيها الصامتة أن تجد حلاً لمعضلتها ، فأومأت الأخيرة برأسها مشجعة ثم أنسحبت للخارج بعدما فتحت الباب على مصراعيه مرحبة بالضيف الغائب ، وبعد تأكدها من دخوله وخلو الممر من حولها ، سارعت تُخرج الهاتف بنية مهاتفته منتظرة أجابته بلوعة كمن يقف على جمرات من اللهب ، وبمجرد سماعها الأجابة قادمة من الطرف الأخر ، هتفت تسأل بريبة :
-(( يحيى .. هسألك سؤال وتجاوب عليا بصراحة .. أنت فى حاجة بينك وبين علياء أخت جواد ؟! )) ..

أنحبست أنفاسه وهو يستمع إلى أسمها ينساب داخل أُذنيه ، ثم قال بنبرة منكسرة واضحة لا تخفى على ذوى الفطنة :
-(( واحدة فرحها النهاردة .. تفتكرى ممكن يكون أيه بينى وبينها غير أنى أتمنالها السعادة ؟! )) ..

مسحت غفران وجهها عدة مرات وهى تدور حول محورها كالشريدة ، قبل أن تقول بتردد واضح :
-(( أنا مش عارفة أيه اللى بعمله ده .. بس لو أنت حاسس بحاجة ناحيتها .. أظن وجودك هنا هيفرق دلوقتى بالذات )) ..

أغلقت هاتفها بعد نطقها بتلك الكلمات الغامضة وهى تدعو أن تصدق ظنونها ، وتوفق مساعيها فى أنقاذ موقف ربما يعيد حياة صديق عزيز على قلبها إلى مسارها الصحيح .





**********************************





من أبلغ ما قاله الرافعي فى تعريف المحبوب ، " أن الحبيب ، هو من تلتهمه بكل حواسك ، فأذا رأيته فقد ، رأيته وسمعته وذُوقته ولمسته وشممته ، وكم كان صادقاً كأسمه تماماً ، فى وصف حالتها منذ الصباح وتفاعلها معه بكل حواسها وكأن قلبها قد انشطر أثنين ، نصف يضرب داخل جنباتها والشطر الأخر يخفق فى جوف أضلعه فيرتد صداه داخلها ، مقاطعاً ألتهام عينيها لتفاصيله ، لكزة خفيفة آصابت مرفقها ، قادمة من ذراع صديقتها التى أنضمت إليها تقول مازحة :
-(( بالراحة يا ست رحمة .. هتاكلى الراجل بعنيكي .. خلاص عرفنا أنك وقعتى بس خليكى تقيلة شوية مش كدة )) ..

تنحنحت بقوة قبل أن تهتف بأرتباك مدعية عدم الفهم :
-(( وقعت أيه وهبل أيه !! أيه اللى أنتى بتقوليه ده )) ..

أبتسمت غفران عن ملئ فاهها ثم قالت ساخرة :
-(( لا مبقولش .. ومش هقول أن هو كمان بيبصلك دلوقتى أهو )) ..

ألتفتت مسرعة تنظر بلهفة حيث أشارت رفيقتها بكفها قبل أن تعود بأدراجها خائبة ، تهتف ساخطة بغضب بعدما وجدت المكان من حولها خالِ منه :
-(( تصدقى أنى عيلة عشان وقفت أتكلم معاكى .. وشكراً على تريقتك دى )) ..

قالت غفران معتذرة :
-(( خلاص والله بهزر .. وعشان تكونى مرتاحة .. هو كمان وقت ما أختفيتى كان هيتجنن عليكى )) ..

أنفرجت أساريرها وأتسعت إبتسامتها الخجلة ولم تعقب لوهله حيث شردت حالمة فى جملة رفيقتها حيث بادر عقلها برسم مشاهد وردية ناعمة ، مدفوعاً بالتحولات التى طرئت على علاقتهم منذ ذلك الحين ، وكأن أرتباطهم درج ، يتسلقان كل فترة عدة درجات منه ، حتى أوشكا على الوصول للنهاية ، هناك ، حيث بر الأمان ، وبعد فترة من الشرود أنتبهت على حالتها فعاودت تسأل مغيرة مجرى الحديث :
-(( مطمنتنيش .. عملتى أيه مع بدر ؟! )) ..

أجابتها بنبرة خالية :
-(( ولا أي حاجة .. نيمته وروحت سحبت القضية زى ما طلب .. مستنية الدكتور يطلع تقريره .. هو غالباً الممرضة قلقانة منى وعايزة تتأكد أنى مش هضرها فلازم أطمنها هى كمان .. وعمتاً هى وعدتنى الأسبوع الجاى أول ما الدكتور يخلصه هتدهولى بالحالة كاملة ووقتها هعرف لو كانوا بيلعبوا عليا ولا فعلا الجنين مات بسبب الوقعة )) ..

زفرت رحمة بضيق ثم قالت بأحباط :
-(( طولتى أووووى يا غفران .. أنا قلت هتاخدى التقرير فى نفس اليوم ونخلص ونطمن )) ..

قالت معقبة بأريحية وثقة :
-(( يابنتى متقلقيش بالعكس .. ده تأخير التقرير وقلق الممرضة وراه حاجة .. ولولا أنى لقيت سكة مع الممرضة دى مكنتش عرفت أطلع بحاجة مفيدة .. خصوصاً بعد ما محاولتى مع دكتور الحالة فشلت .. متخافيش عليا .. أنا مرتبة كل أمورى غير أنى بحاول اوصل لأسم الدكتور أو الدكتورة اللى كانت متابعة معاها من الأول .. مش واحدة زيها هتغلبنى عيب عليكى )) ..

صمتت لوهله تنظر من فوق كتف نديمتها قصيرة القامة ، ثم أستطردت تقول محذرة بأبتسامة واسعة :
-(( أستعدى عشان جاى علينا )) ..

سألتها رحمة بفضول :
-(( قصدك مين ؟! )) ..

أجابتها مازحة كى ثُثير حفيظتها :
-(( أبو تكشيرة جنان )) ..

قالت رحمة معاتبة بضيق شديد :
-(( غفران بجد .. متقوليش عليه كدة )) ..

حركت غفران رأسها يميناً ويساراً مستسلمة ثم قالت قبل أن تنسحب من جوارها :
-(( عشان لما أقول وقعتى .. متبقيش تقاوحى معايا )) ..

قبل أن تفتح فمها للأجابة شعرت بحركته خلفها فسارعت تستدير فى مواجهته بينما مال هو بجذعه نحوها يسألها بصوته العميق :
-(( ممكن أعرف خدودك حمرا ليه )) ..

رفع كفه يتلمس وجنتها بأنامله ثم أستطرد يقول بأعجاب :
-(( وسخنة كمان )) ..

أندفعت تنفى عنها تهمة لم ينطق بها :
-(( مش بتكلم عليك متقلقش )) ..

تنهد مطولاً ثم قال بحرارة وكفه تتلمس وجنتها الساخنة :
-(( لو خدودك الحلوة دى أحمرت عشانى .. تبقى واحدة من أهم أمنياتى أتحققت .. وبعدين انا مش قلتلك من الصبح خليكى جنبى )) ..

قالت معترضة بأستنكار :
-(( مانا جنبك أهو والله )) ..

همس مؤكداً بعدما حاوط ذراعه خصرها ودفعها نحوه حتى أصبح جسدها ملتصق به :
-(( لما أقول خليكى جنبى يبقى قصدى كدة )) ..

رفعت رأسها تنظر إلى وجهه الشبهه ملاحم لها نتيجة لأخفاض رأسه فى أتجاهها ، هامسة بحرج :
-(( كدة مش جنبك .. أنا كدة فى حضنك تقريباً )) ..

أنفرج ثغره بأبتسامة مطولة ، ثم قال بنبرة عابسة بجوار أذنها :
-(( لا موضوع حضنى ده هعرفهولك بعدين وعلى مهلنا )) ..

سارعت بدفع جسده بعيداً عنها عند أستماعها لوقع أقدام بالقرب منهم متمتمة بخجل شديد :
-(( طاهر لو سمحت .. لو حد شافنى هيقول عليا أيه )) ..

ألتفت ينظر حوله يميناً ويساراً يتأكد من خلو المكان حولهم ، قبل أن يقول موافقاً :
-(( عندك حق .. رغم أن مفيش حد بس مش هسمح لحد يبصلك .. بس هعمل حاجة أخيرة وأمشى )) ..

سألته بفضول ولازالت وجنتاها تنفجر بحمرة الخجل :
-(( هتعمل أيه )) ..

باغتها بطبع قبلة عميقة مطولة فوق شطر وجهها الأيمن ثم أنصرف ، بينما وقفت هى تضغط بقوة فوق مضختها بعدما رفعت كفها ، فى محاولة بائسة منها لأخماد دقاته الثائرة .






***************************************







وقفت أمامه على بعد مسافة كافية بينهما ، بعدما تراجعت بخطواتها للخلف حتى وصلت إلى أخر الغرفة ، تطالعه بأعين دامعة ، تتفرسه وكأنه ودعها البارحة عندما قطع عهداً على نفسه بالعودة إليها فى أقرب وقت ، فلازال لامعاً كما كان ، بأبتسامته الساحرة ، ولمعة عينيه الصافية ، بنبرته العذبة ، ونظرته المحملة بالعشق ، يقف بثبات وخيلاء أمامها ، وكأنه لم يدهس أثناء سيره طريقه الطويل نحو طموحه قلبها ، وكأنه لم يستبيح خلال سعيه للنجاح أيام عمرها ، وكأنه لم يكسر مرات ومرات بكلماته الجارحة وشكه خاطرها ، طبقات من الخذلان ، الغياب والحرمان ، لم يتوانى أو يدخر جهده فى دفن علاقتهم أسفلها ، وكأنه تفنن خلال الأيام الخالية في أفساد العلاقة بينهم حتى أستفاقت اليوم على حقائق أخرى ، واقع جديد يرفض قلبها وعقلها أن يكون هو جزءاً منه ، لذا همست تقول بأصرار :
-(( محمد )) ..

تحرك نحوها يقطع بجسده العملاق بعد أكتسابه بعض الوزن المسافة الفاصلة بينهم مجيباً بأشتياق ، بينما يده تشق الطريق إليها :
-(( يا قلب محمد .. لو تعرفى أنتى وحشانى قد أيه )) ..

سارعت بوضع كفها فى مقابلته كعلامة على عدم رغبتها فى أستئناف حديثه ، ثم قالت بشجاعة بعدما أخذت نفساً عميقاً :
-(( وحشاك ؟! .. مش حاسس أنها كلمة غريبة بينا ؟! )) ..

دارت بحدقتيها المتوترة الغرفة بأكملها ثم أردفت تقول بنبرة مختنقة خافتة متجنبة النظر في عينيه :
-(( أنت عارف )) ..

أبتلعت غصة قوية توسطت حلقها ، ثم أستطردت تقول بحسرة :
-(( حتى العتاب مبقتش عايزاه .. أنت غريب .. ومش هلوم نفسى ع اللى وصلناله .. عشان حاولت للأخر بس للأسف .. قطعة الأكسسوار اللي حنطها جنبك عشان ضامن وجودها طلعلها لسان .. فاض بيها وأتكلمت .. وبتقولك دلوقتى مش عايزاك )) ..

رفعت كفها تمسح دمعة سقطت من حدقتها على حين غرة ، ربما هى دموع الأرتياح ، قبل أن تقول بحزم وسط نظراته المذهولة :
-(( أنا مش هكمل .. ودى دبلتك .. ربنا يوفقك فى طريقك مع غيرى )) ..

قبل تحرير أصبعها من قيده الذهبى ، كان قد أرتفع رنين هاتفها وهاتفه فى نفس التوقيت ، بعدة رسائل إلكترونية متتالية ، جذبت أنتباه كليهما ، فعجل بأخراج هاتفه قائلاً بعدم أستيعاب :
-(( علياء !! أنتى بتقولى أيه ؟! .. أكيد الكلام ده من توتــــ....... )) ..

جحظت عيناه للخارج ، وأبتلع باقى جملته بداخله ، ولحظات هى كامل الوقت الذي أستغرقه فى فر هاتفه قبل أن يبدء فى الصياح ، مبادراً فى أتهامها بعدما أنقلبت موازين اللعبة إلى صفه :
-(( أيه ده يا ست الصون !! .. ااااه طبعاً .. كنتى عارفة أن الندل اللى غلطتي معاه هيفضحك فقلتى تسبقى عشان تسترى نفسك )) ..

ضاقت المسافة ما بين حاجبيها ، تسأله بأستنكار واضح بعدما طالعته بأزدراء :
-(( غلطت أيه وفضيحة أيه ؟! أيه التخاريف دى؟! )) ..

صاح بأهتياج بعدما فتح باب الغرفة وركض نحو الأسفل ، حيث الجمع المترقب :
-(( أسألى نفسك يا هانم .. كمان ليكى عين تتكلمي ؟! )) ..

كان جواد هو أول من ركض فى إتجاه الدرج حيث مصدر الصوت ، بينما هتف والدها يسأل بقلق :
-(( مش ده صوت محمد ؟! .. خير يارب حصل أيه ؟! )) ..

أجابه صاحب الثورة بعدما تجاوز شقيقها ووقف أمامه يضع الهاتف بصوره المخلة أمام وجهه :
-(( فى ده .. عملتوا عليا تمثيلية وحوار أنها أتسرقت عشان تعجلوا بالجواز .. وفى الحقيقة بنتك مقضياهـ.... )) ..

-(( أخرس .. كلمة كمان على بنتى ومش هخلى فيك لسان تنطق بيه )) ..

كان ذلك رد فعل السيد أنور المبدئى ، بينما سارع جواد بسحبه من تلابيه هادراً بعصبية :
-(( أنت بتقول أيه يا حيوان )) ..

وضع الهاتف فى وجهه قائلاً بعصبية :
-(( أتفضل شوف بنفسك )) ..

سحب جواد الهاتف من يده ينظر إلى صور شقيقته بوضعية شبهه إباحية مع رجل ما بملامح مبهمة ، وأنضم إليه على الفور طاهر ، ولم يحتاج الأمر إلى كثير من التفكير لمعرفة متى وأين تم ألتقاط تلك الصور وتحت آية ظروف ، وبالرغم من جرأة الصور الفوتوغرافية الأ أنها لا تتعدى صورة رجل وأمرأة ممدان فوق الفراش بملابس فوقية شبهه منعدمة ، فى حين هرولت رحمة تحتضن بذراعيها علياء التى كانت ترتجف كورقة فى مهب الريح بعدما طالعت هي الأخرى هاتفها ، وبعد فترة من التدقيق فى الصور كان طاهر أول من تحدث يقول بنبرة واثقة :
-(( لو أنت مش واثق فيها يبقى متلزمناش من الأساس .. وبعدين الصور باينة أنها متخدرة فيها يوم ما أتخطفت .. بس اللي زيك حتى التبرير خسارة فيه )) ..

بعد عدة محاولات من التحدث الفاشلة ، أخيراَ وجدت هى شجاعتها وصوتها للأعتراض فصاحت تقول بأصرار :

-(( كل اللى حصل مش هيغير حقيقة أنــ..... )) ..

قاطعها صوت والدها يقول مبادراً بنبرة قوية :
-(( أنا اللى هتكلم مش أنتى يا علياء )) ..

أدار رأسه نحو الغليظ الواقف بالقرب منه قائلاً بأحتقار :
-(( أنت عارف كام مرة جيت على بنتى بسببك .. عارف كام مرة جت تقولى مش مرتاحة وأدافع عنك .. كنت بقول بيحبها .. حجتى لنفسى وليها ولأخوها أنك متمسك بيها .. بس يا شيخ لو ده الحب فلمعون أبوه لو هيكسر اللى حيلتى .. وأنا بقولها قدام الكل وأولهم أهلك .. علياء أغلى من أن واحد شكاك زيك يوسخها .. أطلع برة بيتى )) ..

أتسعت حدقتيه وحاول تدراك الموقف بالتفاوض فرغم هوجائيته ، لم يتصور أن تتخذ الأمور ذلك المنحنى الخطير وخسارة الزيجة خاصة مع عائلة المناويشى بآموالهم الطائلة ، فسارع يهمس مستجدياً بعدما سلط نظراته فوقها :
-(( علياء ؟ أنا لسه بحبك )) ..

سارت برأس مرفوع حتى وصلت إلى باب المنزل ثم قالت بكبرياء بعدما فتحت الباب على مصراعيه :
-(( سمعت بابا .. برة )) ..

فى تلك اللحظة وبعد أدراكه لخسارته الحتمية كان كالثور المذبوح ، يترنح هنا وهناك مكتسحاً فى طريقه كل ما يقابله دون تفكير ، لذا صرخ يقول بأستهزاء بعدما دفعه جواد فى أتجاه الخارج :
-(( أنا ماشى فعلاً .. وأبقى ورينى مين هيعبرك بعدى )) ..

جائه الصوت اللاهث من خلفه يقول بتصميم :
-(( أنا )) ..

أستدار الجميع على صوت الزائر الذى أردف يقول بألحاح :
-(( يشرفنى لو علياء وافقت تكمل مشوارها معايا )) ..







************************************






زواج/ها ، ومنه ، هو شخصياً ، والأن تحديداً !! ، أية جنون هذا الذى أصابه وأباها ؟! ، وعن أي عقد قران يتحدثا ، حتى أن عقلها ورغم فقده لنصف أهليته جراء ما سمعه منه ، لازال يحافظ على بعض من أتزانه بما يكفى لجعلها ترفض تلك المهذلة ، عكس ذلك الخائن الذى يقفز بين أضلعها منذ رفضها القاطع لطلبه وركضها إلى الأعلى ، حيث غرفتها تختبئ بها خوفاً من الأندفاع والنطق بما تهفو إليه روحها ، مقاطعاً أبتسامتها البلهاء المرسومة فوق ثغرها بمجرد تذكرها موافقة شقيقها ومن وراءه والدها طلبه الجنونى ، طرقة ناعمة فوق باب الغرفة يليها دخول شقيقها يقول دون مقدمات بجدية رغم لين ملامحه :
-(( تعالى نتكلم شوية )) ..

أومأت برأسها موافقة بعدما أعتدلت فى جلستها ، تنظر إليه ولسان حالها يخبره بأن كلها آذان صاغية ، فتحدث يسألها بعدما تنحنح عدة مرات لتقنية حلقه :
-(( الحيوان اللى أطرد من شوية ده .. يهمك فى حاجة ؟! )) ..

حركت رأسها نافية فى صمت ، فأستطردت حديثه بعدما هز رأسه هو الأخر مستحسناً أجابتها يسأل بهدوء :
-(( شايفة فى يحيى حاجة تخليكى ترفضيه لشخصه ؟! )) ..

عاودت تحريك رأسها نافية بحدة شديدة جعلته يقاوم أبتسامة لاحت بالظهور على شفتيه ، قبل أن يردف بحنو :
-(( طب عشان نكون واضحين .. أنا جايلك مرسال من بابا .. بعد اللى حصل تحت .. بيقولك القرار كامل فى أيديكى .. واللى هتطلبيه هيتنفذ سواء وافقتى أو رفضتى .. بس كلامى معاكى دلوقتى بصفتى أخوكى .. ليه قلتى لأ على يحيى يا علياء ؟! )) ..

سألته بأستنكار :
-(( أنت اللى بتسأل السؤال ده يا جواد ؟! )) ..

أبتسم بتفهم ثم عاد يقول من جديد مستفسراً :
-(( وهو حاجة من اللى خايفة الناس تتكلم عليكم بيها صح ؟! )) ..

سارعت تنفى بقوة :
-(( لا والله أبداً .. مفيش بينى وبينه غير كل أحترام )) ..

قال مؤازاً :
-(( وأنا عارف ده ومتأكد منه .. مش عشان بثق فيكى وبس .. لا عشان واحد فتحتله بيتى وكان قد المسؤلية والثقة .. عشان شفته يوم ما قصرت وقف يسد مكانى .. ومش هتمنى أكتر من كدة ليكى )) ..

همست تقول معترضة :
-(( بس يا جود )) ..

تسائل يحثها على الأستمرار :
-(( بس أيه سامعك ؟! )) ..

قالت صادقة :
-(( يحيي أكبر من أنه يكون بديل .. مش عايزة أجرحه )) ..

أبتسم جواد بعمق ثم سأل معقباً بعدما تفرس ملامحها المرتبكة للحظات :
-(( وأنتى برضة شايفاه بديل ؟! )) ..

أجابته معترفة :
-(( جواد .. أنا طلبت من محمد ننفصل قبل ما يشوف الصور )) ..

هنا هتف شقيقها قائلاً بأرتياح :
-(( يبقى بعد كتب الكتاب أو الفرح مهمتك أنك تصارحيه بكدة .. وتعرفيه أنه مش بديل )) ..

صمت لوهلة ثم أستطرد يقول ناصحاً :
-(( عارفة ليه أنا مصر توافقى وموافق يتكتب الكتاب دلوقتى والفرح فى ميعاده كمان كام يوم .. عشان هو راجل لدرجة أنه مشافش نفسه بديل أو أن الموقف ده يسيئ له .. ولو ده دليل على حاجة فهو دليل على أنه واحد عـ... )) ..

صمت متداركاً خطأه ، قبل أن يعاود الحديث راجياً :
-(( وافقى يا عاليا وفرحى قلب الراجل اللى القهرة باينة فى عينه حتى لو مقالهاش .. مش كل الفرص لما بتروح بترجع )) ..

فتحت فمها ثم عادت وأغلقته مترددة ، فرغم توقها للنطق بالموافقه الغالية لازالت تخشى الخذلان ، أن يكون عرضه ليس لشخصها كسابقه ، معيدها من شكها الخانق صوت شقيقها يقول بنفاذ صبر :
-(( هــا .. موافقة ولا أنزل أمشيه )) ..

طالعته بحيرة ، كمن يقف على قمة جبل ، بقدر ما تتوق لعيش تجربة القفز تخشى السقوط من فوق الهاوية ، رافعاً جواد عنها الحرج عندما هتف يقول بحماس :
-(( السكوت علامة الرضا .. هنزل أبلغهم الموافقة وهطلعلك تانى عشان الأمضة )) ..








*******************************






بعد أنتهاء الأمسية بسلام ، وقفت داخل الحديقة مكتفة اليدين ، تتابع بقرنيتين شاردتين ، وريقات شجرتها المفضلة ، وهى تصارع من أجل شق طريقها الطويل فى الأعلان عن نفسها ، ولم تنتبه إلى وقوفه خلفها ، إلا عندما مد ذراعيه ، يحاوط بتملك خصرها ، مستنداً بثقل رأسه فوق كتفها الأيمن فى عادة أصبحت محببة بالنسبة إليها ، يليه صوته يسأل بنعومة مع مزيج من الأرهاق والأسترخاء :
-(( واقفة عندك بتعملى أيه فى الوقت ده ؟! )) ..

أغمضت عينيها تستنشق عبق عطره المخالط بدايات رحيق الربيع الخفيفة ، مستشعرة الدفء المصاحب لحضرته ، فكم هو عجيب حالها معه ، بهمسة واحدة منه تتبعثر كحبات اللؤلؤ المفروطة هنا وهناك ، ثم بضمة صغيرة من ذراعيه يجمعها من ذلك الشتات ، وبعد فترة من الصمت وقد هربت من فوق شفتيها جميع اللغات ، أستدارت بجسدها تواجهه ثم همست بأستغراب :
-(( اللى حصل النهاردة دة غريب أوى صح )) ..

سألها مستفسراً :
-(( قصدك جواز علياء ؟! .. هو فعلاً غريب .. بس النصيب ليه حسابات تانية غيرنا كبشر )) ..

تمتمت بفضول :
-(( فعلاً .. بس أنا لحد دلوقتى مش فاهمة .. أنتوا أتكلمتوا مع يحيى فى أيه جوة وعشان كدة طلعتوا موافقين بعد مانت كنت متعصب !! )) ..

أبتسم مطولاً وهو يشدد من ضم ذراعيه حولها ثم قال ببساطة :
-(( قال أنه بيحبها .. ومن اول مرة قابلها فى النادى كان عايز يرتبط بيها وبعدها أكتشف أنها مخطوبة )) ..

قالت معقبة :
-(( طب ما يمكن بيضحك عليكم أو بيقول أى كلام وخلاص .. مع أن علياء تستاهل كل الحب .. بس اصراره فى اللحظة دى كان غريب اوى )) ..

أجابها بنبرة مبحوحة :
-(( العاشق عينه فضحاه .. من وقت المستشفى مش من دلوقتى .. غير أنها كانت أمنية جواد اللى صرحلى بيها من فترة .. على كلاً هما أتجوزوا .. وبقى عنده فرصة يصارحها بحبه ده )) ..

همهمت موافقة قبل أن تقرر النطق بسؤال يلح على عقلها منذ فترة :
-(( طب جوازك .. يعنى علياء قالتلى أنك كنت متجوز .. قصدى حبيتها )) ..

طالعها مطولاً قبل أن يقول بنبرة خالية من المجاملات :
-(( حبيتها على قد ما حبتنى .. حب أنانى مجنون ومتهور .. وقفت عشانه قصاد كل اللى أعرفهم .. وأولهم عمرو الله يرحمه .. ورائف .. صاحب عمرو وصاحبى )) ..

همست مستنكرة رغم الألم الذى أعتصر قلبها من أجابته :
-(( رائف !! )) ..

أومأ برأسه مؤكداً ، ثم أردف يقول بجمود :
-(( عمرو ورائف كانوا صحاب .. أعز صحاب كمان .. يعنى فى وقت من الأوقات رائف كان أقرب لعمرو منى .. لحد ما ظهرت فى حياتهم "ريم" .. بخفتها ودلعها وحيويتها .. قلبت حياة رائف وكان ماشى وراها فى كل مكان .. لحد ما فى يوم قرر يعرفها على أنتيمه "عمرو".. ملك العلاقات زى ما بيسموه .. مش بس عشان فلوسه .. لا عشان قدرته على إقناع أي حد مهما كان موقفه صعب )) ..

أبتسم فى ألم ثم تابع متحسراً :
-(( وقتها لو قارنا فلوس عمرو برائف الأخير يخسر .. فكان طبيعى تبدء تهمل رائف مجنون ريم وتنصب شباكها حوالين عمرو الله يرحمه .. واللى برغم من فهلوته معرفش يفلت من مصيدتها بحكم تخيلها أنه الوريث المنتظر .. وتواقيع المناويشى كلها فى جيبه .. طبعاً قبل ما يظهر فى الصورة أنا .. المغفل التالت والأكبر .. فى الوقت ده كانت العداوة بين رائف وعمرو وصلت لأخرها .. خصوصاً بمرض رائف النفسى واللى مش لازم أحكيلك عنه واللى برضة كان واضح فى كل تصرفاته أيام الشباب )) ..

زفر بضيق ثم أستطرد قائلاً بأختناق :
-(( وفى الوقت اللى كنت بحاول أحل فيه الخلاف بينهم .. كانت عرفت بمصادرها أن الشركة هتقع فى نصيبى .. وأنى الوحيد اللى هيوصلها لغايتها .. فبدءت تستنجد بيا من مضايقات رائف المستمرة ليها .. لحد ما لقيت نفسى بغرق فى كل تفاصيلها الوهمية .. وبحارب عشان أختارتنى أنا .. بس فى الحقيقة طلع ميهماش غير كام إمضة غبية .. تكسب بيهم بباها ومش مهم حد تانى .. حتى لو على حساب التفرقة بين أتنين خوات .. وفى الأخير خسرت أخويا كام سنة وكسبت عداوة رائف اللى حلف يردلى القلم عشرة .. مقابل وهم كان فى دماغى أنا وبس )) ..

شهقة عاجزة صدرت عنها ، وقد وقع سيل كلماته على قلبها كالنار ، تطالعه بأعين دامعة ، فإن كان للروح حديث ، فلا يوجد من يعبر عنه أبلغ من دموع عينيها السائلة ، بينما وقف هو يستمع إلى سؤالها الأخير والذى نطقته بنبرة مختنقة متهدجة :
-(( أنت .. لسة .. بتحبها ؟ )) ..

ظهر صراع مشاعره جلياً فوق وجهه ، فإجابة سؤالها فى الوقت الحالى ستفرض عليه نتائج أخرى حتمية ، بينما هو مدين لمن وارى جسده التراب بتنفيذ ذلك الوعد ، لذا عاد وأغلق فمه بعدما هم فى إجابتها ، فى حين حركت هى رأسها متفهمة بأحباط قبل أنسحابها من أمامه ، وتركته ينطق من ورائها بأشتياق ما ودت سماعه :
-(( كنت بكرهها لحد ما قابلتك .. وقتها محيتى حتى مرورها على حياتى )) ..

أما فى الأعلى ، وبعدما أنفجرت فى البكاء حتى ضاقت عليها رئيتها ، أرتمت فوق الفراش مستسلمة لضيف تعلم جيداً وتلك اللحظة تحديداً كم هو غالى ، متيقظة بعدها بقليل بكامل حواسها على صوت خطواته يليها دخوله وتبديل ثيابه ثم الأستلقاء جوارها ، وريثما هم بوضع ذراعه حولها ، سارعت بدفع كفه قائلة بحنق :
-(( ممكن تبعد أيدك ؟ )) ..

سألها بأستغراب شديد :
-(( حصل ايه ؟! )) ..

أجابته بحدة :
-(( الجو حر وأنا بضايق .. وبعدين عيب كدة )) ..

هتف مستنكراً :
-(( الجو حر شهر ٤ !! .. وبعدين عيب أيه أنا جوزك على فكرة مش من الشارع )) ..

أدارت رأسها تنظر إليه من فوق كتفها بعيون ترمى بشرر ، قبل أن تقول بأقتضاب :
-(( ولو جوزى ده ميدكش الحق تقرب منى براحتك .. ولو سمحت عايزة أنام )) ..

عادت برأسها إلى سيرتها الأولى ، بينما ظل هو ينظر فى أثرها ببلاهة ، قبل أن يعود ويتمدد جوارها ، وبعد فترة قليلة من الوقت ، شعرت بذراعه الأيمن ينسل إلى خصرها ، ورأسه تحتل المسافة الفارغة بين عنقها ومقدمة كتفها متمتاً بنعاس :
-(( فى حب زى الشجر .. مبيظهرش للناس غير بعد ما جدره يتمكن ويتشعب فى القلب كله .. وفى حب زى الطحالب .. تشوفيه كبير بس ملهوش قرار .. لما يروح تكتشفى أنك أرتحتى منه .. بس الأول لو سابك .. يطلع بقلبك وروحك )) ..

حركت جسدها مقاومة تحاول الأفلات منه ، فسارع يقول مهدئاً بعدما شدد من حصار ذراعه لها :
-(( هششش .. أهدى .. مش طالب حاجه صدقينى .. هرتاح بس )) ..





**********************************







تمددت فوق الفراش بوضعية عكسية ، بعدما أنتهت من تبديل ثيابها وغسل وجهها من مساحيق التجميل التى غطته ، تتأمل بعدما رفعت كفها للأعلى فى مقابلة وجهها ، إصبعها الأوسط الفارغ من محبسه بأرتياح شديد ، ويكأنه قيد من نار ، يكوى جلدها ، وكم سعدت بالتخلص منه ، ورغم ذلك لازال فى القلب غصة ، تعود إليها كلما شردت بتفكيرها إليه ، زوجها ، الذى لم يطالب بحقه فى رؤيتها بعد عقد قرانهم ، بل شرع فى تنفيذ رغبتها فى عدم مقابلته ، دون بذله حتى أدنى قدر من الجهد ، يحثها به على تغير موقفها ، نعم لقد ندمت على طلبها ذلك ولكن ، تمنت لو فاجئها وأصر على التحدث معها ، رؤيتها ، أو أى شئ من ذلك القبيل .
أما على الجهة الاخرى ، وبعد وصوله منزله ، ارتمى بجسده فوق الأريكة الوثيرة والأبتسامة البلهاء لا تفارق وجهه ، فأخيراً ، وبعد ليالِ طويلة من العناء ، التأمل ، والدعاء ، أصبحت زوجته بشكل رسمى ، داره ، وكامل عائلته ، وما هى ألا أيام قليلة حتى تشرفه بالعيش معه ، لذا حتى ولو تدللت الأن أو رفضت مقابلته سيتركها تفعل ما يحلو لها ، ولن يضغط أو يجبرها على شئ لا تريد فعله وإن كان عكس رغبته شخصياً ، سيعطيها مساحتها الكاملة لتتقبله على مهل ، وبالطبع سيستعين بخبرته العلمية فى جعلها تتخطى وضعهم المفاجئ ، أما الأن ، فسينصاع إلى طلب قلبه فى الأستماع إلى صوتها ، عشقه الأول ، دون أدنى قيود تعرقله أو تشعره بالذنب ، وبعد الرنين الخامس تقريباً وصله همسها الناعم تجيبه بتوتر شديد :
-(( ألو ؟! )) ..

غمغم أسمها بنعومة أربكت كامل دفاعتها :
-(( علياء )) ..

أجابته بعد وهلة من الصمت :
-(( نعم )) ..

قال بنبرة سعيدة :
-(( مبروك يا مراتى )) ..

همست بأنفاس متقطعة :
-(( الله يبارك فيك )) ..

سحب نفساً عميقاً يحد به من أرتفاع وتيرة خفقاته ، قبل أن يستأنف حديثه المربك بسؤال فضولى عابر :
-(( بتعملى أيه ؟! )) ..

ودت لو أجابته بأنها كانت تصرف ساعتها الأخيرة على التفكير به ، ورغماً عن ذلك قالت موارية نصف الحقيقة :
-(( كنت بفكر في النهاردة )) ..

تحولت نبرته إلى الجدية ثم قال متفهماً :
-(( علياء بخصوص النهاردة .. فى كلام كتير محتاج أقولهولك .. بس عشان مضغطش عليكى هستنى الوقت اللى تطلبينى نتكلم فيه .. أنا عارف أن اللى حصل مفاجأة وصدمة ليكى حتى لو معترفتيش بدة لحد .. ومش عايز أبدء حياتى معاكى منتهز فرصة صدمتك دى .. وصدقينى ده السبب الوحيد اللى خلانى أمشى النهاردة من غير ما أشوفك .. بس من فضلك حاولى متتأخريش عليا .. وأفتكرى أنك حرة حتى وأنتى مرتبطة بيا )) ..

أبتسمت بسعادة وودت لو أخبرته بمدى لهفتها لرؤيته ، التحدث معه ، وأخباره كيف أكتشفت حقيقة تعلقها به ، وكيف أستطاع إعادة الأمل المفقود إليها ، فلأول مرة منذ عامان ، يغمرها ذلك الشعور بأنها كائن حى ..






********************************






في صبيحة اليوم التالى ، وبعدما تأكد مسئول الزيارات من صحة الطلب ، أمر مجند الحراسة بإيصال الحبيس إلى غرفة المأمور الخاصةً ، تقديراً لهويته ، بينما قفز مساعده "كريم" فور رؤيته يدلف الغرفة الموثثة يقول مؤازراً :
-(( شدة وتزول يا باشا .. إن شاء الله قريب هتخرج من هنا صدقنى )) ..

حدجه رائف بعدة نظرات حانقة وهو يسحب المقعد المقابل له هاتفاً بسخط :
-(( سلامة ايه وزفت أيه وأنت والمحامى ال**** لحد دلوقتى مش عارفين تخرجونى !! .. أنت مش شايف حالتى عاملة أزاى من المكان ال*** ده !! )) ..

طأطأ مساعده رأسه ثم قال بحذر :
-(( نعمل ايه بس يا باشا .. ما على يدك كل حاجة .. كله بيقول قرار الحبس جاى من حد من فوق .. عشان كدة مفيش ولا طلب خروج بكفالة بيتقبل )) ..

تمتم رائف بغل من بين أسنانه :
-(( طاهر ال**** عرف يعملها ويقعدنى هنا .. بس أقسم بالله لما أطلع لهاخد روحه .. بس بعد ما أخلص حسابى مع الكلبة رنا .. وأنت قولى .. حابسها كويس ؟ .. ولا حتى دى كمان مش نافع فيها )) ..

سارع الرجل يقول مؤكداً :
-(( حابسها والله يا باشا .. مبيدخلهاش غير الأكل .. حتى الدكتور منعته عنها زى ما سيادتك أمرت )) ..

هتف مستحسناً بنفاذ صبر :
-(( طب كويس وأسمعنى خلينى أخلص .. مفيش حل قدامنا يطلعنى من القضية دى غير أن حد يعترف على نفسه بخطفها )) ..

سأل مساعده بتوجس :
-(( قصدك أيه با باشا البشوات ؟! )) ..

صاح به بعدائية :
-(( هى فيها قصد وشرح يا غبى !! .. روح شوف حد غلبان من العمال عندنا يعترف أن هو اللى خطفها .. ويقول أنى لما عرفت روحت أنقذها .. خلصنى ونفذ حالاً أنا بقالى أسبوع هنا .. مش لسة هستنى )) ..

قفز خادمه يشرع فى تنفيذ خطته الفورية ، قبل أن يوقفه صوته آمراً بطلب أخير :
-(( أه وأسمعنى .. شهادة ميلاد رحمة الأصلية والتانية مع قسيمة جواز أمها من أنور وطلاقهم جهز منهم نسخة وحطهم فى جواب .. عشان هنعمل بيهم زيارة لبيت أستاذ طاهر )) ..






***********************************





فى مقر الشركة ، وتحديداً داخل الطابق المخصص لركن السيارات ، هتف طاهر يسأل رفيقه السائر جواره قبل صعوده سيارته :
-(( ناقص حاجة بخصوص فرح عالية ؟! .. ولا خلصت كل اللى محتاجاه )) ..

أجابه جواد بثقة فخوراً :
-(( عيب عليك .. مفاضلش غير عمك أنور يجيب يحيي يبات معانا اليومين دول عشان يتأكد أن الفرح هيتم فى ميعاده .. غير كدة كله جاهز وتمام )) ..

قهقه طاهر عالياً بعد سماعه دُعابه قريبه ، مقاطعاَ تسامرهم رنين هاتفه فى أتصال طال أنتظاره ، فسارع بالأجابة ، حتى آتته البشرى بصوت الأجنبى يقول بفخر :
-(( أريد مكافأة البشارة سيد طاهر )) ..

هتف طاهر يسأله بأختناق :
-(( متقولش وصلتله ؟! )) ..

قال البلجيكى مؤكداً :
-(( نعم سيد طاهر .. لقد تم التوصل إلى مساعده الأول والذى أعترف بمخطط الجريمة كاملة .. والأن أذا أردت .. يمكننا التحرك للقبض عليه أو أنتظارك .. أيهما تود ؟! )) ..

كالناجى بعد فقدان قافلته فى عرض الصحراء المقفرة ، همس يقول بأرتعاش :
-(( هجيلك .. هركب أول طيارة واكون عندك )) ..

قاطع حديثه جواد يسأله بقلق :
-(( حصل حاجة ؟! )) ..

أومأ برأسه موافقاً بينما دموع الأرتياح تنساب من بين مقلتيه :
-(( وصلوا لقاتل عمرو )) ..

هتف جواد بأرتجاف بعدما أبتلع لعابه بصعوبة :
-(( مستنى أيه .. يلا بينا )) ..

أوقفه طاهر يقول بعقلانية رغم حالة الآرتباك التى أصابته :
-(( لا أنت خليك )) ..

صاح معترضاً وهو يتحرك بجسده مبتعداً عنه :
-(( أستحالة أخليك تسافر لوحدك )) ..

قال طاهر وهو يمسك بمعصم رفيقه :
-(( أسمعنى .. مش هأمن نسافر أحنا الأتنين ونسيبهم هنا لوحدهم .. خليك بدالى )) ..

بدا الأقتناع يظهر فوق ملامح جواد بينما أردف طاهر يقول برجاء قبل شرعه فى الأتصال بمدبرة منزله وطلبه منها تحضير حقيبة سفره :
-(( جواد .. رحمة أمانة فى رقبتك لحد ما أرجع )) ..

وبعد حوالى الساعة والنصف قضاها فى الطريق إلى منزله ، دلف يركض أولاً نحو غرفة مكتبه ، يبحث عن جواز سفره وكافة بطاقاته الأئتمانية ، قبل معاودة ركضه إلى الخارج وعينيه تجول بلهفة الطابق الأرضى بحثاً عنها ، حتى لمحها تهبط الدرج نحوه بعدما علمت بعودته ، تلاقيه فى منتصف المسافة بينهم ، فسارع يقول بنبرة مختنقة من كثرة الحماس بعدما وصل إليها ووقف أمامها :
-(( رحمة .. أنا مسافر ضرورى .. ولما أرجع فى كلام كتير أوى جوايا لازم تعرفيه )) ..

سألته بأرتياب :
-(( هتغيب ؟! )) ..

قال مؤكداً بأصرار :
-(( مش هقعد دقيقة زيادة عن المطلوب .. هخلص وأرجعلك على طول )) ..

عادت تسأل بقلق :
-(( طب حصل حاجة ؟! )) ..

قال ويده تشق طريقه إلى كفها :
-(( حاجة اتمنتها من زمان .. هخلصها وبعدها مش هسمح لحاجة تفرقنا .. أستنيني )) ..

همهمت موافقة بحيرة وحزن وهى تراقبه يهرول مبتعداً عنها حيث باب المنزل الخارجى ، ثم فى اللحظة التالية كان يعود إليها ، يطبق بفمه على ثغرها ، فى قبلة عميقة مطولة ، بث خلالها كل مشاعره المكبوتة ، قبلة تحمل من الوعود ما لايستطيع لسانه النطق بها ، وبعد فترة ليست بقليلة حرر شفتيها من بين خاصته على مضض قائلاً من بين أنفاسه اللاهثة :
-(( أستنينى)) ..


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-08-20, 09:30 PM   #42

بانتظار الامل

? العضوٌ??? » 470586
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 58
?  نُقآطِيْ » بانتظار الامل is on a distinguished road
افتراضي

االسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بانتظار الامل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-08-20, 05:05 AM   #43

duaa.jabar
 
الصورة الرمزية duaa.jabar

? العضوٌ??? » 395763
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » duaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond repute
افتراضي

الروايه جميلة جدا والاحداث مشوقه جدا بأنتظار الفصل القادم

duaa.jabar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-08-20, 09:18 PM   #44

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الرابع والعشرون ❤️🔥
قبل الفصل عندي تنويه أحبائي وهو أن الفصل القادم أخر فصل في الجزء الأول.. لو حابين أكمل نشر ياريت الاقي تشجيع ❤️

"يا حبيباً إذا حننت إليه ، حنّ في رقتي عليه حنيني
أنت شخصان في الفؤاد ؛ فشخص ٌ، عند ظني ، وآخر في يقيني
واحد كيف شئت أنت ، وثانٍ ، كيفما شئته أنا وظنوني
لا بهذا رحمتني أو بهذا ، بل بعقلي عذبتني وجنوني !
أملي فيك كالخيال على المــرآة كذب مصور للعيون !"

-الرافعي .


فى بعض الأوقات ، وخاصة العصيبة منها ، حيث تبدل الأحوال ونزول الأهوال ، وما بين إدراك الحدث وإنكاره ، ثم تلك المسافة الطويلة التي يقضيها الكائن الحى فى تقبل الصدمة ، توجد تلك المرحلة الأخيرة ، التى تلى الصراخ والغضب ، الأنغلاق العاطفى وجلد الذات ، إتهام الأخرين وإلقاء اللوم عليهم ، حيث نجد أنفسنا مستعدين لمواجهة المستقبل ، بل والبدء فى إعادة رسمه من جديد ، بكل تطلعاته وأماله ، وحتى وإن خالطت آلالام الخسارة الفرح ، ستظل هناك مساحة من الحب والثقة بالأخرين ، فغالباً تبدو الحياة بعد الأزمات أكثر سوداوية وهشاشة ، ولكنها أيضاً تصبح ذات معنى أكثر من ذي قبل ، وهذا تحديداً ما مر به خلال الثمان أشهر المنصرمة ، منذ فاجعة فقدان شقيقه ، حتى لحظته تلك ، حيث يقف هنا ، على أرضية بلد أجنبى غريب عنه ، كى يخطو أخر مراحل شفائه ، ثم العودة إلى موطنه كإنسان جديد ، أعمق وأقوى ، والأهم غارق فى العشق ، عشق تلك الرحمة التى أُرسلت إليه فى ذلك الوقت تحديداً ، لا قبله ولا بعده ، فقط فى الزمن المثالى للأخذ بيده نحو التعافِ والنجاة ، أبتسامة خفيفة ناعمة أحتلت ثغره بمجرد وصول تشتت أفكاره إلى عتبتها ، وقد أصبحت كل صحواته وغفواته ، شروده ويقظته ،ثورته وردات أفعاله توصله إليها ، كما كانت كل الطرق تؤدي إلى روما ، مثلث الحياة .
ومع حركة خفيفة قادمة من خلفه ، جعلته يلتفت برأسه متحرياً عن مصدرها ، أتسعت أبتسامته المرحبة السعيدة ، فى تحيية تقدير إلى ذلك المتفانى ، والذى لم يدخر جهداً فى الوصول إلى الحقيقة فى وقت قياسى ، هتف التحرى الخاص مرحباً بمستأجره :
-(( مرحباً بقدومك سيد طاهر .. أرجو أن تكون رحلتك مريحة وآمنة )) ..

سارع طاهر بتقديم يده فى تحيية ممتنة حارة ، مؤكداً برضا :
-(( ممتازة .. مستحيل بعد الأخبار اللى قلتهالى دي رحلتى تبقى فيها أى مشاكل )) ..

حرك ماكسيم رأسه متفهماً حماس الأخير ، بينما أستطرد طاهر حديثه يسأل بلهفة ألتهمت ملامحه قبل تغليفها نبرة صوته :
-(( ها طمني .. فى جديد ؟! )) ..

أجابه التحرى الخاص وقد تحولت نبرته للعملية فى لحظة واحدة :
-(( فى الحقيقة .. هناك خبر محبط أريد إخبارك به قبل الجيد )) ..

تنبهه طاهر بكل حواسه ، فى حين أردف المستقصى يضيف بجمود :
-(( أنه خاص بالقاتل الفعلى .. فللأسف يبدو أن هناك من أخبره ببحثنا عنه ، لذا عند وصولنا مسكنه وجدناه فارغاً منه ولكن )) ..

هتف طاهر يسأل بلوعة ويحثه على الأستئناف :
-(( ولكن أيه بس !!! )) ..

أبتسم ماكسيم فى تفهم ثم قال بثقة :
-(( جميع رجالى بالتعاون مع أحد أصدقائى القدامى والذى لازال يعمل شرطياً فى أمستردام .. يتقفون أثره .. وخلال يومان أو ثلاث على أكثر تقدير سنقف أمامه لا تقلق .. كما أننى طلبت إذن تسجيل من النيابة .. فالخطة كالتالى عند الوصول إليه سنحاول أستدراجه للأعتراف بالجريمة كاملة ومن خلفها والمدبر الأساسى لها .. وفى تلك الحالة نستطيع مخاطبة الأنتربول الدولى لتسليم القاتل والمخطط إلى الشرطة حتى يلاقوا جزائهم حسب القانون )) ..

صمت ماكسيم لوهلة يتفرس ملامح طاهر الثائرة مع نظرة عينيه المتوعدة ، قبل أن يقول بأرتياب مضيفاً :
-(( سيد طاهر .. أتوسل إليك الألتزام بأقصى درجات ضبط النفس .. فبعد كل ما مررنا به .. لا أريد أن يتسبب غضبك فى إفساد كل شيء )) ..

أومأ برأسه موافقاً على مضض ، ثم قال بأرهاق مخلوط بضيق واضح :
-(( ربنا يسهل إن شاء الله .. ودلوقتى بما أن موصلناش لحاجة .. خلينى أروح الأوتيل أحط شنطتى وأغير هدومى وبعدها عايزك تحكيلى بالتفصيل الراجل التانى فى الجريمة أعترفلك بأيه )) ..

تمتم التحرى مؤكداً طلبه وهو يمد ذراعه إلى الأمام كى يتقدمه الأخر فى السير :
-(( بالطبع .. فى المساء سأطلعك على كافة التفاصيل مع تقرير مفصل بكل تحركاتنا أيضاً )) ..





**********************************




شهقة إعجاب خافتة صدرت عنها بعدما خطت بساقيها نحو الداخل تتأمل المنزل من حولها بألوان جدرانه الهادئة ، وتأثيثه المُنتقى بلمحة عصرية فاتنة ، مع تلك القطع النحاسية المُزينة أركانه هنا وهناك ، جعلته يتعجل فى وضع حقائب ملابسها الجديدة كلياً ، حتى يُفرغ كفه المشغول ويحاصر بذراعه نهاية جذعها بخيلاء وإبتسامة الفاتح المنتصر تُزين وجهه ، وهو يستمع إلى نبرتها المفتونة مع لمعة عينيها المنبهرة حيث قالت :
-(( بدر .. البيت حلو أوي أوي .. زي اللي بشوفه في الأفلام القديمة .. هو خلاص بجد بقي بيتي ؟! )) ..

أجابها مزهواً بأنجاز لم يشارك به :
-(( طب كويس أنه عجبك .. وأه من هنا ورايح بقي بيتك وكل ما فيه تحت أمرك )) ..

دارت حول نفسها حالمة بعدما فردت ذراعيها فى الهواء ، تاركة شلالها الذهبى يتطاير من خلفها متمتمة بسعادة :
-(( أنا بحبك أوي .. أوي يا بدر )) ..

تابع بعينيه تعبيرها الطفولى عن سعادتها ، ثم عقب قائلاً بحنو :
-(( وأنا كمان بحبك يا عمر بدر )) ..

صمت لوهلة شارداً فى الفراغ أمامه قبل أن يقول على مضض :
-(( بس برضة بضايق كل ما أفتكر نظرة ماما لما عرفت أننا خلاص ماشيين .. مكنش ينفع يا أفنان أعتمد عليكى تمهديلها مشايننا زى ما طلبتى .. وفى الأخير أكتشف أنك خفتى تقوليلها .. وهى تتفاجئ بأننا واخدين الشنط وطالعين كدة !! )) ..

ضغطت فوق شفتيها بعدما توقفت عن الدوران ، ثم قالت بدلال مدعية الذعر بعدما دنت منه وألتصقت بجسده تحاول تفادى الموقف :
-(( والله خفت وأتكسفت .. خفت تزعل منى وكنت كل ما أجى أتكلم لسانى يتربط زى اللى عامل عملة .. وبعدين أتكسفت تسألنى عن السبب وتعرف أننا ماشيين عشان نبقى على راحتنا .. وأنا غلطت وعارفة أنك زعلت بس وحياة أغلى حاجة عندك ما تزعل .. أعتبرنى عيلة وغلطت .. ولو عليها هروح أبوس إيديها وأراضيها )) ..

أردفت بنبرة هامسة مبحوحة بعدما تعمدت التحرك وهى لازالت ملتحمة به مما أدى إلى أحتكاك تضاريس جسدها بمثيله :
-(( وأنا مستعدة لأى عقاب .. بس أفتكر أنى يتيمة وغلبانة ومليش حد حنين عليا غيرك )) ..

تنهد مطولاً ثم سأل مستفسراً بأنفاس غير منتظمة :
-(( هى الدكتورة قالتلك هتخفى أمتى )) ..

أرتخت ملامحها وتنفست الصعداء بعدما أستطاعت تغيير دفة الحدث والحديث إلى حيث تريد ، ثم إجابته بعدما طبعت قُبلة خاطفة فوق وجنته وركضت كالطفلة المشاكسة تستكشف باقى غرف المنزل :
-(( لسة خليك متعذب شوية )) ..





*********************************





خلف الطاولة الجانبية الصغيرة ، وتحديداً فوق أحد مقاعد الفندق الوثيرة ، جلس يستمع متيقظاً بكامل حواسه إلى حديث ذلك الجالس قبالته ، عارضاً عليه من خلال تقارير ورقيه وصور فوتوغرافية كل ما توصل إليه ، منذ لحظه هبوطه الأراضى الهولندية ، حتى يومهم هذا ، وبعدما أستمع إلى التفاصيل المبدئية ، رفع طاهر بأطراف أصابعه أحدى الصور الفوتوغرافية العائدة إلى مرتكب الجريمة ، متسائلاً بنبرة خفيضة محملة بالعدائية وشعور أخر غريب ، مزيج من الغضب ، الحرقة والأرتياح :
-(( يعنى ده .. اللى قتل عمرو أخويا .. وخلى رحمة تشيل القضية من أولها )) ..

كان حديثه أجابة أكثر منه بسؤال ، ورغم ذلك ، بادر ماكسيم يجيبه مستفيضاً فى الشرح :
-(( بعد أعتراف شريكه الثالث .. وتطابق شهادته مع ظنونى السابقة ودفاع السيدة رحمة .. نعم سيد طاهر .. هذا هو الرجل .. ذو الجنسية البولندية .. والذى كان يقطن على أرتفاع طابقين من طابق شقيقك الراحل .. وهو من غادر البلاد ضمن ثلاثتهم حيث أمستردام .. هنا .. ولم يغادره منذ ذلك الحين )) ..

سحب نفساً عميقاً زفره بعدها بترو وعلى مهل ، عله يساعده فى أخماد الحريق المستعر داخله ، معاكساً بذلك كافة القوانين الطبيعية ، قبل أن يقول بهدوء ، أثار ريبة وأستنكار البلجيكي ذو الدم البارد :
-(( وكدة كل اللى شرحته من فترة كان صح .. ال٣ دخلوا البلد عشان يغطوا على بعض .. وسافروا بعد ما القاتل المحترف خلص مهمته .. وطبعاً كدة الجريمة هتتوزع عليهم هما ال٣ مع المحرض الأساسى ؟! )) ..

قال ماكسيم نافياً :
-(( لا سيد طاهر .. فكلاً من الشريك الثانى والثالث كانوا فقط للتمويه .. ولم يتدخلا فى عمل القاتل على الأطلاق .. هو من قام بتنفيذ كامل أركان الجريمة بنفسه .. طبقاً لأقوال الرجل الواشى بالطبع .. لذا سيتم محاكمة كلاً من القاتل والمحرض فقط على الأغلب )) ..

تمتم طاهر دون شك :
-(( قصدك رائف .. الشافعى .. زى ما قال )) ..

أومأ التحرى برأسه موافقاً ، ثم أضاف بعدما أنتصب فى وقفته مستأذناً الرحيل :
-(( تماماً .. الأن تبقى لنا الخطوة الأخيرة وهى إلقاء القبض عليه .. ثم دفعه إلى الأعتراف المسجل بطريقة تنفيذ الجريمة حتى يتنسى لنا تقديمه للعدالة وأغلاق القضية .. وحتى ذلك الوقت .. سأعود إلى مباشرة عملى وأنت يمكنك قراءة أعتراف "باولو" كامل من خلال الأوراق التى أمامك .. ثم الأستراحة من عناء السفر .. أعتنى بنفسك جيداً سيد طاهر )) ..

أعتدل طاهر هو الأخر من جلسته ، وسار خلف التحرى حتى وصل إلى باب الخروج وألقى تحيية الوداع عليه ، ثم وجد نفسه يعود تلقائياً بأدراجه إلى حيث هاتفه ، وكل ما يريد فعله تلك اللحظة هو التحدث إليها وطلب العفو ، وكأن كل حياته تتوقف على هذا الفعل ، فمنذ أستماعه إلى المخطط القذر وكيفية توريطها فى تلك القضية ، ولا تنفك صورتها وهى تخبره بحادثة أصابة كتفها ومدى الألم الذى أعتلى ملامحها وقتها ، صراخها كل ليلة عندما يراودها ذلك الكابوس المزعج عن الحادثة المشئومة ، معاناتها عندما تهاجمها تلك النوبة المرضية اللعينة تقفز أمام مخيلته ، يود لو يركع أمامها الأن طالباً السماح عن كل ما بدر منه ، متهادياً إليه بعد الجرس الثالث صوتها الناعم ، بعدما حاولت هى قدر الأمكان السيطرة على اللهفة التى غلفته :
-(( ألو طاهر )) ..

تنهد مطولاً ثم قال بحرقة :
-(( عارفة .. مستعد أدفع نص عمرى وأكون قدامك دلوقتى أو تكونى قدامى )) ..

أتسعت إبتسامتها حتى شعرت بالألم يوخز جوانب فمها ، قبل أن تسأله بتمنى :
-(( طب أيه اللى منعك ؟! )) ..

قال بعجز :
-(( أنتى )) ..

رددت من خلفه بأستنكار :
-(( أنا !! .. أزاى؟!! )) ..

قال معتذراً :
-(( لازم أجبلك حقك .. وعشان كده أنا أسف .. عن كل اللى حصلك حتى لو مكنتش سبب فيه )) ..

هتفت تسأله بقلق ، وقد أثار حديثه ريبتها وذعرها :
-(( طاهر أنت فين ومسافر ليه ؟! )) ..

أجابها بأقتضاب رغماً من نبرة الحنان التى لازالت تغلف حديثه :
-(( هتعرفى بعدين .. وعد لما أرجع هقعد معاكى ونتكلم فى حاجات كتير وهشرحلك كل حاجة )) ..

قالت معترضة :
-(( طب وفرح علياء ؟! .. هتلحق تيجى قبله .. دول كلهم ٣ أيام )) ..

أجابها مطمئناً وراجياً :
-(( إن شاء الله هاجى فى أسرع وقت عشانك قبل أى حد .. ولو ملحقتش فرح علياء ومكنتش جنبك .. أوعدينى تاخدى بالك من نفسك )) ..

همهمت مستسلمة بنعومتها المعتادة قبل أن يستطرد هو حديثه قائلاً برجاء :
-(( مش عايز أقفل .. ينفع نتكلم لحد ما أنام )) ..

رغم تفاجئها من بساطة طلبه ، ألا أنها شعرت بأجنحة الفراشات الحالمة ترفرف داخلها ، حماسة وسعادة من تجربة جديدة ، تختبرها معه هو خصيصاً دوناً عن الجميع ، ولا تملك سوى التطلع إليها كالطفلة الصغيرة ، تزور مدينة الألعاب لمرتها الأولى .






******************************




بعد مرور يومان

خطى بساقه اليمنى الفاصل الحديدى بين الجدران العفنة والهواء الطلق ، ينظر حوله يميناً ويساراً بأشمئزاز واضح من الجميع حتى من جلده وملابسه ، قبل أن يرفع رأسه على صوت مساعده يهلل مرحباً بإفكه المعتاد :
-(( الدنيا نورت يا باشا البشوات كلها .. حمدلله ع السلامه وكفارة )) ..

حدجه رائف بنظرة مزدرية ، تعكس مدى حنقه وغضبه من الجميع ، حتى من ذلك الواقف أمامه ، والذى لا يتوانى أبداً فى ارضاءه مهما كلفه الأمر ، ثم هتف متسائلاً بنفاذ صبر :
-(( خلصنى عشان معنديش وقت أضيعه .. عايز أروح البيت أستحمى من القرف ده وأغير الهدوم الملوثة دى .. قولى اللى طلبته منك جاهز ؟! )) ..

هتف مساعده يسأله ببلاهة وهو يحك مؤخرة رأسه بكفه :
-(( أى طلب يا باشا فيهم ؟! )) ..

صاح موبخاً بعصبية :
-(( أنت غبى !! .. كلهم )) ..

هنا هتف يده اليمنى مؤكداً :
-(( ااه يا باشا .. أه كل اللى أمرت بيه أتنفذ .. الشهادات إياها اللى حضرتك طلبتها جاهزة ع التسليم وقت ما تدينى الأوك .. وبالنسبة للعامل اللى شال الليلة بدالك .. الفلوس أتحطت فى البنك بأسم مراته زى ما هو طلب .. والبيت اللى أشتريناه لعياله برضة أتسلم .. والفيديو اللى سجله على نفسه ووصل الأمانة عشان لو فكر يغدر بينا معايا وكله فى الأمان )) ..

قاطعه يسأل بعدما أستمع إلى تنفيذ أوامره :
-(( والموضوع التانى ؟! )) ..

قال كريم شارحاً :
-(( أتفقت مع واحد شبح هيراقبه كام يوم لحد ما يستدرجه لحتة مقطوعة وبعدها بح .. يقطع رقبته زى ما طلبت .. بس يا بـاشــا )) ..

سأله بنفاذ صبر :
-(( بس أيه بالظبط أنطق )) ..

أجابه الخادم قلقاً :
-(( طاهر مش سهل أباشا .. وممكن يشك أو يكون واخد حذره خصوصاً لو عرف بخبر خروجك .. ما تخلينا فى الأمان ونعمله جريمة معتبرة زى أخوه .. محدش يعرف يجيب قرارها .. عشان نكون فى الأمان بس )) ..

قال رائف بغل ضاغطاً على أسنانه :
-(( عايز أخد أجله فى أسرع وقت .. مش هسيبه لتانى مرة ياخد حاجة أنا عايزها من أيدى .. موته أهونلى .. بس عمتا سبنى كدة يومين أعيد ترتيب حساباتى يكون هو كمان رجع من السفر زى ما عرفت .. وهبقى أديك الأشارة تنفذ .. والجواب .. سلمه وأنجز .. أكتب عليه يسلم ليد رحمة خصيصاً وشوف أى ساعى مضمون من بتوعنا يوديه البيت .. عايز أنتهز فرصة سفره عشان يرجع يلاقى الدنيا مقلوبة عليه .. وقتها هيتشتت ونعرف ساعتها نخلص عليه بسهولة )) ..

عاد بجسده خطوتين للخلف يستطرد بفضول :
-(( أه صحيح .. ال**** التانية لسة مرمية فى البيت ؟! )) ..

أجابه مساعده بثقة :
-(( معتبتش براه )) ..

حرك رأسه موافقاً قبل أن يقول بتوعد :
-(( طب أطلع بيا على البيت .. خلينى أشوف شغلى معاها )) ..

وبعد حوالى الساعة ونصف أخرى من التكدس المرورى ، أستمعت إلى وقع خطوات أمام باب المنزل يليها قلقة مفاتيح ، ثم ظهوره يقف بكامل هيئته وإعصاره أمامها ، بعدما أنقطعت أخباره عنها ، وظنت بالخلاص أو زهده بها ، فهمست تغمغم برعب ، خاصة بعدما رأته يهم بخلع حزام بنطاله :
-(( رائـــف !! )) ..

قال مؤكداً وهو يضغط على حروف كلماته بينما يتقدم بخطواته منها :
-(( أيوة رائف .. اللى بسببك أترمى ١٠ أيام فى زنزانة مع شوية ***** .. بس أدينى رجعتلك .. عشان نكمل الحفلة اللى سبتها فى نصها فكراها ؟؟ )) ..

صرخة مدوية صدرت عنها عند ملامسة السطح الجلدى الخشن لجسدها الغير متعافى ، يليه عدة صرخات مستنجدة راجية ، مستمتعاً هو بتلك التوسلات التي تخترق أذنه فيزيد من بطشه متلذذاً بعجزها وقلة حيلتها أمام قوته .



********************************

-(( علمنا مكانه سيد طاهر .. لقد تم العثور عليه مختبأ فى أحدى الضواحي القريبة من مدخل العاصمة .. وهو الأن فى قبضة يدنا .. عشر دقائق وستجدنى بأنتظارك فى طابق الأستقبال .. حتى نذهب إليه سوياً )) ..

كلمات ، سقطت على روحه المنهكة كتهاويد المساء ، حيث أعتادت والدته قديماً ، دفعه إلى النوم من خلالها ، ولعدة لحظات تعقد خلالها لسانه ، وتطايرات الأحبال من حنجرته ، وجد أخيراً كلماته ، فهتف يقول بلهفة ، بينما ساقيه تسبقه إلى موعد اللقاء :
-(( ثانية وهتلاقينى مستنيك تحت )) ..

عجيب هو أمر العقل البشرى وقدرته على التحكم بكامل تصرفاتنا ، بل وسرعته فى تحويل الأنسان خلال لحظةً واحدة ، من عقلية متحضرة ، إلى كائن همجى متعطش للدماء ، كل ما يُشغل تفكيره هو ممارسة العنف ، كحاله الأن ، تظل تقفز داخل مخيلته مئات الصور والمشاهد الأنتقامية ، كمصاص دماء محترف ، كل ما يتوق إليه ، هو الفتك بضحيته ، ثم يأتى الندم لاحقاً ، جاذباً بعد فترة ليست بقليلة أستغرقها كاملة فى تخيل السيناريوهات التى سيقوم بها فور رؤيته ، صوت التحرى يطالب بتوسل للمرة الأخيرة :
-(( ها هو الكوخ سيد طاهر .. وأود أن أذكرك للمرة الثالثة بضبط النفس .. فنحن لا نريد إفساد الأمر برُمته عند تلك المرحلة )) ..

سحب نفساً عميقاً ثم عد حتى العشرة قبل أن يحرره ، ثم قام بتكرار فعلته مرات لم يُحصى عددُها ، حتى أنتظمت أنفاسه ، وسكنت ملامحه ، قبل تبخر كل ذلك بعد نظرة واحدة ، ألقاها على الغادر مكبل اليدين ، فسارع بالركض نحوه ، يسدد اللكمات فوق سائر جسده دون المساس بوجهه ، وكأنه متمرس فى فنون القتال النظيف ، صائحاً بأهتياج :
-(( اللعنة عليك .. أنت من فعلتها أليس كذلك ؟! .. أنت من أهدرت دماء أخى .. وورطت زوجتى فى تلك القضية )) ..

أبتسم القاتل المأجور عن ملئ فاه ، قبل أن يقول مثيراً أعصاب الأخير :
-(( أتقصد تلك الشرقية الفاتنة ؟! .. لازالت أتذكر ملمس جلدها الناعم أسفل يدى .. فكما تعلم أنا من قمت بخلع ثيابها عنها حتى تبدو كالعاهرة .. وأستمتعت وقتها بمطالعة مفاتنها كيفما شئت )) ..

صرخة مدوية صدرت عنه ، قبل أن ينقض بجسده عليه ، ويقبض بكفه على عنقه ، صائحاً بأهتياج :
-(( سأقتلك .. إذا تحدثت عن زوجتى ثانية سأتولى مهمة تحقيق العدالة بنفسى .. أيها اللعين )) ..

هنا تدخل ماكسيم بعدما أشار إلى إثنان من رجاله ، يركض نحو طاهر ، محاولاً بكل قوته الفصل بينهم ، وبمساعدة الرجال ، أستطاع القاتل الافلات من بين براثنه ، بينما بقى طاهر مكبلاً بين يديهم بعدما أشار لهم ماكسيم طالباً السيطرة عليه ، فى حين أستطرد القاتل يقول بأستفزاز صريح :
-(( إذاً .. أنت من فاز بها .. لقد آمنت الأن بأن للقدر تصاريف أخرى ))..

سأله ماكسيم بفراسة بعدما ضيق عينيه فوقه :
-(( أفهم من حديثك السابق أنك تعرفها بشكل شخصى ؟! .. ومن أجلها تركت عملك ناقص .. أم أنا مخطئ )) ..

أرتفعت زواية فم البولندي بأبتسامة أستخفاف ، ثم قال بخفة لا تتماشى مع الموقف :
-(( هيا ماكسيم .. يُشاع فى المدينة أنك فطين .. فهل تعتقد أن قاتل مثلى .. سيترك تلك الثغرات ألا عن عمد )) ..

بدءت ملامح طاهر الثائرة فى الأرتخاء خاصةً بعد الجملة الأخيرة ، فها قد أوشكوا على تسجيل أعترافه ، بينما هتف ماكسيم يقول بعدما تبادل نظرة خاطفة مع طاهر :
-(( لا .. بالطبع .. فعملك دائماً ما كان نظيف وكامل .. ألا تلك المرة .. حتى ظننت أنه ليس أنت من قام بها )) ..

قال الرجل بزهو مدافعاً عن عمله :
-(( لا عزيزى .. لقد تعمدت ترك ثغرات بالقضية .. فذلك المغفل المصرى من قام بالتواصل معى .. طلب منى فقط توريط الشرقية بتلك القضية .. وليس إيصالها إلى عتبة الأعدام .. وبعد عدة أيام من مراقبتها .. والأحتكاك بها مرة واحدة .. عن طريق الصدفة طبعاً .. وتجاذبت معها أطراف حديث مختصر .. قررت أخراجها من تلك الورطة .. بترك ثغرات بسيطة تُشير إلى .. فقد فتنتنى نعومتها .. ولون بشرتها المثالية .. وكم وددت لو أتاحت لى الفرصة فى العودة إليها .. وتعليمها فنون العشق )) ..

زمجرة قوية صدرت عن طاهر ، مع محاولة منه للتخلص من أيدى الرجال المحاصرة له ، جعلت ماكسيم يسارع فى التحدث قائلاً بأستهزاء :
-(( بحقك ألكس .. هل تود إقناعى الأن .. بأن ذلك الأحمق المصرى والمُدعى رائف الشافعى .. سمح لك بترك قضية القتل التى دفع إليك من خلالها أموال طائلة .. ناقصة .. من أجل شرقية !! )) ..

هتف القاتل مدافعاً بفخر :
-(( أنه أحمق كما قلت .. وكل ما أراده هو التخلص من المقتول وتوريطها .. أما باقى التفاصيل .. منذ لحظة أطلاق النار على المفقود بعدما قمت بتخدير الشرقية .. وحتى سفرى إلى الخارج فى صبيحة اليوم التالى .. كانت من ترتيبى وتنفيذى )) ..

تنفس ماكسيم الصعداء ، بعدما أستمع إلى الأعتراف المباشر من فم القاتل المأجور ، قبل أن تقتحم الشرطة المكان ، بعد أستماعها من خلال جهاز صغير إلى الحديث ككل ، ثم بدءت مهمة تولى القبض على القاتل وتسليمه للعدالة ، أما عن طاهر .. فقد أرتمى أرضاً ، بعدما فقدت ساقيه القدرة على الصمود أكثر ، فالتمنى وحتى الظنون شئ ، والأستماع إلى الأعتراف وبرائتها من فم المعتدى شئ أخر ، حتى أنه لم يعى لعبراته التى سقطت بعدما رفع رأسه للسماء ألا عندما شعر بحرارتها تلسع وجنته ، مغمغماً بأرتياح :
-(( لقيت اللى عمل فيك كدة .. أرتاح يا عمرو فى قبرك وأنا هرتاح فى دنيتي لحد ما نتقابل .. وعمرى ما هنساك .. دايماً مكانك هيفضل هنا )) ..

ضرب بقوة فوق موضع مضغته الهائجة المضطربة ، أملاً فى غد جديد ، يستطيع من خلاله التوقف عن لوم نفسه ، والعيش ، وتعويضها عن كل ما عايشته ، هكذا كرر تكريس حياته خلال المرحلة القادمة ، حتى أخر نفس يدخل رئتيه






***********************************




هرولت للخارج منشغلة بوضع ذراع حقيبة ظهرها فى موضعه الصحيح بعدما ألقت نظرة عابرة ممتنة على منزلها الجديد ، والذى انتقلت إليه حديثاً بعدما نجحت بصعوبة بالغة فى أقناع والديها بتلك الفكرة خصوصاً مع مشاكلها الحالية والمتسبب بها زوجها السابق ، لافتاً أنتباهها الكامل صوت ليس بغريب عنها ، يهتف أسمها بقوة وإصرار ، فألتفت تؤكد ظنونها وتطالع والدته التى تقف إمامها بكبريائها المعتاد ، وبمجرد رؤيتها لها ، أردفت تقول بعليائها :

-(( مستنياكى من بدرى .. عايزة أتكلم معاكى )) ..

رفعت غفران ذراعيها تضع كفها فوق بطنها فى حركة دفاعية تلقائية صدرت عنها ، جعلت والدته تبتسم فى سخرية ، بينما تسائلت غفران بأستنكار وتأهب واضح :
-(( أنتى عرفتى عنوانى ده أزاى ؟! )) ..

قالت الأخرى بغموض :
-(( اللى يسأل ميتوهش .. المهم خلينا نتكلم فى اللى جيالك عشانه وأمشى .. لأن واضح أنك مستعجلة )) ..

هزت غفران رأسها موافقة بحيرة والفضول يطل من داخل حدقتيها ، فأردفت والدته تقول بسخط واضح :
-(( أنتى عارفة ميجمعنيش بينى وبينك غير حد واحد .. وعارفة برضة أنى مبتحركش خطوة واحدة غير لمصلحته .. تتفقى بقى تختلفى معايا بكرة تبقى أم وتجربى أحساسى وساعتها هتفهميني .. والنهاردة مصلحته أتفقت مع مصلحتك .. عشان كدة جيتلك )) ..

ضيقت غفران جفنيها فوقها ، ثم سألتها متشككة بحدة :
-(( أيه المصلحة اللى ممكن تجمعنى بيكى ممكن أفهم ؟! )) ..

قالت والدته متجاوزة أجابة السؤال :
-(( مش لازم تعرفى غير اللى يخصك .. دلوقتى أنتى بريئة من إجهاض أفنان .. الجنين كان ميت من قبلها وهى أنتهزت الفرصة عشان تطلع عليكى ونجحت .. وأكتشفت أن طلوعها ده هيخسرنى أبنى وده مش هسمح بيه .. عشان كدة عندى عرض ليكى .. هروح معاكى للدكتورة بتاعتها ونطلب تقرير وأكيد هتسلمهولى لأنها عرفانى كويس .. وقتها أرميه فى وش بدر وعرفيه حقيقتها )) ..

سألتها غفران بعدم فهم :
-(( أنتى عارفة اللى بتقوليه معناه أيه ؟! .. أنا مش هبقى مربوطة بأبنك )) ..

قالت والدته متفهمة :
-(( المكسب من وراه أهم .. هيعرف حقيقتها وأنه ظلمك .. تخيلى بقى تمسكه بيكى وأنتى أم إبنه اللى جاى .. ده عندى كفاية .. وبعدين مش هكدب طلاقك منه أحسن من وجودك معاه .. يكفى مترفعيش عليه قضية خلع .. وأنا هضمنلك طلاقك منه .. للمرة التانية )) ..

حركت الأخرى رأسها مذهولة ، ثم همست بعدم أستيعاب :
-(( أنتى أزاى كدة !! .. بتلعبى على الكل وتتحكمى فى الكل !! ))..

صاحت والدته تقول بعدائية وتملك :
-(( مخلصتش من واحدة قوية عشان تيجى التانية تاخده منى .. ها هتقبلى عرضى وتأخدي التقرير ولا أتصرف بمعرفتى )) ..

سارعت غفران تقول موافقة :
-(( تمام تمام .. موافقة )) ..

مدت والدته كفها فى مصافحة سلام قائلة بشبه أرتياح :
-(( كدة متفقين )) ..






******************************





رفع راسه يتأمل السماء بزرقتها الصافية ، دون أن يدرى ، أهى حقاً صافية ، أم أن مزاجه السعيد هو من يهيأ له ذلك ، فى الحقيقة ليست السماء فقط بديعة اليوم ، بل كل المخلوقات ، حتى ذلك الأحمق الذى يتقدم منه بأبتسامة واسعة يبدو أكثر وسامة عن المعتاد ، بينما هتف جواد بأرتياح بالغ بعدما توقف أمامه :
-(( حمدالله على السلامه .. مش هتصدقنى لو قلتلك مصر نورت .. ولا أنى مستنى رجوعك من ساعة ما كلمتنى على نار يا اخى .. ولا كأنك جوزى .. حتى منمتش لدلوقتى )) ..

بادله طاهر عناقه بأخر طويل ، بث من خلاله كل عبراته المتزاحمة ، والتى تأبى الخروج فى هيئة جمل مترابطة ، فتركها تخرج من خلال ضمة قوية ، مع ربتة ممتنة حانية ، وهو يقول مازحاً :
-(( يا راجل !! .. بقى بذمتك كل ده عشانى .. ولا فرحان عشان لحقتك قبل ما تتدبس فى تفاصيل فرح علياء بليل لوحدك ؟ )) ..

أبتعد جواد عنه مسافة بسيطة حتى تتاح له رؤية كاملة لوجهه ، قبل أن يقول بصدق حقيقى :
-(( ولا ده ولا ده .. مستنيك عشان أقولك عشت .. وكنت قد وعدك ورجعت حق أخويا وأخوك )) ..

فى تلك اللحظة تحديداً ، كانا كالشطرين ، حيث لمعت عيون كلاً منهما فخراً بالأخر ، مقرراً طاهر بعد فترة قطع الصمت حيث هتف يقول بلهفة :
-(( أنت واقف بينا ليه .. يلا ع بيت ال**** .. خلينا نشوفه وهو بيتقبض عليه )) ..

سارع جواد بإيقافه من خلال القبض على معصمه ، ثم قال معترضاً بقوة :
-(( بينا أيه وبيت أيه ؟! .. أنت مش قلت أذن الضبط والأحضار لسه هيطلع ؟! .. يعنى قدامنا لبليل وأحنا لسه الصبح .. أتفضل روح على بيتك وشوف اللى مستنياك فيه .. أكيد بعد اللى عرفته محتاج تشوفها .. وبعدها ابقى أرجع لرائف مش هيطير يعنى !! )) ..

تسارعت خفقاته تلقائياً فور سماعه سيرتها ، ولم الأنكار ؟! ، فقد جاء حديث قريبه على هوى القلب ، ورغم ذلك ظل واقف مكانه متردداً ، ولم يحثه على التنازل عن الفكرة الأولى ، سوى صوت جواد يقول وهو يدفع جسده للأمام كى يسير :
-(( يلا .. روح شوفها .. مش هقولك خدها فى حضنك عشان متضربنيش .. بس مش عايز أشوف وشك غير بليل على ميعاد الفرح )) ..

قبل أن يهتف معترضاً أوقفه جواد مضيفاً بنفاذ صبر :
-(( فاهم فاهم .. وطبعاً هتابع الكلب رائف .. لو طلعوا أمر القبض عليه هبلغك متقلقش )) ..

أما على الطرف الآخر ، وتحديداً داخل منزله وبغرفة نومهم ، جلست فوق الفراش تدّون بأحرف مرتبكة :
"مذكرتى العزيزة وأحد أركانى الخفية الركيزة :
منذ أستيقاظى فى الصباح وقد رحت أتسائل فى حيرة ، كيف يمكن لثلاثة أيام بسيطة ، أن تمر كالدهر ، حتى أننى فى حيرة من امرى ، هل العلة فى ساعة يدى أم فى قلبى الذى يقفز كلما تذكره ، وكعادتى عند التفكير به أغمضت عينى واتبهلت إلى الله فى صمت أن يتقبل دعائى وأراه عندما أفتح عينى يقف أمامى ، فكما تعلمين الليلة زفاف علياء ، وكم تتوق نفسى إلى السير بجانبه ومشاركته تلك الأمسية السعيدة "

طرقة خفيفة فوق باب غرفتها قاطعت خلوتها ، وجعلتها تسارع بأخفاء دفترها السرى أسفل ملاءة الفراش ، أثناء أستماعها إلى صوت مديرة منزله تقول بهدوء من خلف الباب المغلق :
-(( رحمة يابنتى .. فى حد سابلك جواب من شويه ومكتوب عليه أسمك .. وبيقول ضرورى جداً جداً تستلميه )) ..

قفزت من مرقدها تسارع فى فتح الباب وأستلامه عله تذكرها وقرر مراسلتها على الطريقة الكلاسيكية القديمة ، ثم بأصابع مرتعشة متلهفة شرعت فى قرائته ، ورقة تلو ورقة ، تقرأها ، ثم تعود وتقرأها من جديد ربما يكون الخلل فى عينيها وليس الوثائق ، ولم ترفع عينيها الدامعة عن المغلف الذى بين يديها سوى على صوته يقول بأشتياق :
-(( رحمة .. أنا وصلت )) ..

مررت عينيها الدامعة فوق وجهه بحيرة ، قبل أن تهمس مسائلة بذهول ونبرة مختنقة حائرة :
-(( طاهر .. أنا بنت عمك !! )) ..


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-09-20, 12:33 AM   #45

duaa.jabar
 
الصورة الرمزية duaa.jabar

? العضوٌ??? » 395763
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » duaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل جميل
طاهر اخطأ بعدم اخبار رحمه بالحقيقه وخصوصا ان رائف عنده علم وبالتالي ممكن يأثر على رحمه بوضعه المشوش الحالي يمكن ان يتوقع اي تصرف منها
بدر وامه حالة من القرف اللامتناهي ضعفه امام امه ورغباته مزعج ومستفز ويارب تأدبه غفران هو وزوجته اليتيمه الغلبانه اللي ترمي بلاها على الناس
وشكرا لجهودك


duaa.jabar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-09-20, 01:47 AM   #46

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

يا ترى ايه رد فعل رحمة على الحقيقة
اكثر حدث متشوقاله كيف راح تتخلص غفران من بدر حاسة انه راح يلصق فيها اكثر بعد كشف افنان
لفصل روعة في انتظار القااادم😍😍😍😍😍😍😍😍😍


آلاء الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 12:34 PM   #47

شيماء_يوسف

? العضوٌ??? » 474730
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » شيماء_يوسف is on a distinguished road
افتراضي

الخامس والعشرون ونهاية الجزء الأول
كدة الروايه انتهت بالنسبه الجزء الأول وزي ما قلت لو حد مهتم او مستني الجزء الثاني يعرفني ف الردود حتى من باب التشجيع ❤️


أحـــــــــبك أيكـــــفي وحــده الْحَبّ
ذَاك المــــــــــنير غــــــياهب الْقَلْب
إذَا حَضَرَتْ كــــزلزال بروحي دَبّ
و كــــعاصف بِأَطْرَاف وِجْدَانِيٌّ هَب
و أهــــــاتي التـــــي ألــــــهبت لَيْلِي
حــــــــريق بـــأنفــــــــــاسي شـــب
أحــــــــــبـــــك أيكفي وحـــده الْحَبّ
أَم ترهــقه ليلــــي الصَّدّ و الصـــب
و تـــــــــــــضيعه خــــطى الدَّرْب
و يغـــــــتاله كـــــــبريائنا الطَّاغِي
قلــــــوبنا تستشهد فـــــي الحــــب
و تــــقتل الأقــــــــدار بكرى آمَالِنَا
و نــــــصير بَعْدَ كُلِّ الْحَبّ غَرَّب
و تضـــــــاف أســـــماءنا بِالْأَسْوَد
لقــائمة حـــــزانى الرَّوْحَ وَ الْقَلْب
ونســتجدي النســـــيان عطـــــــفا
و يَصِيح الْمُعَذَّب رحماك يـــا رَبّ
أُحِبُّك لكــــــن أيكفي وَحْدَه الْحَبّ

-سليم الخطابي ..



يقال بأن رزق الأنسان مكتوب منذ لحظة ولادته ، أو ربما من قبل ذلك ، منذ وضع كنطفة فى رحم أمه ، ومكتوب أيضاً كل ما سيحدث له ، من خير أو شر صنعته يداه ، حتى شقاءه وتعاسته ، كُلاً مدون فى كتاب محفوظ ، ورغم أختلاف الديانات والمعتقدات ، وتراشق العلماء وتضاد النظريات ، طلت علينا أحدى دراسات الفيزياء الكمية ، لتثبت للعاقل مما لا يدع مجالاَ للشك أن الأنسان فى حالته الأساسية مسيّر ومخيّرx "بتشديد الياء "، على حد سواء ، داعمة بذلك الفلسفة الدينية ، فالأنسان لا يستطيع التحكم فى قدره وما يحدث من مواقف تصير من حوله (مسيّر) ، ولكن بكل تأكيد تفاعله مع تلك المواقف وطريقة تعاطيه معها هو ما يُخرج المعادلة بشكلها الأخير (مُخيّر) ، فالعاقل لا يستطيع منع الكارثة ، ولكن بأختياره يمكنه السير إليها أو تفاديها ، وهى من جنت على نفسها بكل ذلك ، نعم ، هى من ركضت خلف أمل زائف سولته لها نفسها الطامعة الغير سوية ، وتخلت على أثره عن حياتها الزوجية المستقرة ، زوجها المراعِ ، وطفلتها الهادئة النقية ، لذا والأن تحديداً ، حيث ترقد صريعة منكمشة كالجنين فوق الأرضية الرخامية الباردة ، بعدما نفّس عن غضبه الكامن بها ، وتركها شبهه عاجزة عارية الجسد كنوع من العقاب الأضافي لها ، يعصف بها الألم ، وتمور بها الحمى ، ويتنفض جسدها من شدة الحرارة ، وتلسع عبرات الخيبات وجهها ، وتحرق الآهات المكتومة جوفها ، لا تملك سوى جلد ذاتها ، عن سوء الأختيار وما آلت إليه أمور حياتها ، ومع نظرة عاجزة للمكان من حولها ، بعدما فتحت جفنها الأيمن وأغلقته عدة مرات دون جدوى ، وتأكدها من فقدان البصر لتلك العين بعدما تلقت عدة لكمات فوقها ، وأن لا شئ سوى السواد أمامها ، أستسلمت لأمرها الواقع وحاولت مد ذراعها لألتقاط هاتفه الملقى عن غير قصد بالقرب منها ، وقد أصبحت شبهه متيقنة من أقتراب هلاكها ، ثم سحبت نفساً ضعيفاً للغاية بعدما فشلت فى الوصول إليه مقررة الزحف على ركبتيها ، وأخيراً وبعد مجهود مضنى فقدت بسببه نصف قوتها ، نجحت فى الوصول إليه وصار فى متناول يدها ، فسارعت تضمه بلهفة وقد أضحى فى تلك اللحظة أغلى ممتلكاتها ، ضاغطة بأصابع ملتهبة كُويت بالنار ، على أزار الهاتف وهى تشكر ربها سراً على ذاكرتها القوية ، حابسة أنفاسها تترقب أجابته بقلب مرتجف ، حتى أتاها صوته بعد المحاولة الثانية يجيب بهدوء أشتاقت إليه :
-(( ألو )) ..

جاهدت لكبت جماح شهقاتها المتحسرة ، ومن ثم ، بعد سماعها أجابته تُكرر للمرة الثالثة بنفاذ صبر ، همست تقول راجية بوهن :
-(( جواد ؟! )) ..

صمت مطبق فرض نفسه على المخابرة الهاتفية حتى فقدت الأمل فى الأجابة ، جائتها بصوته المعهود يتسائل بعدائية تعمد أخراجها مضاعفة :
-(( عايزة ايه ؟! .. مش قلتلك مسمعش صوتك تانى .. ومتحاوليش تتواصلى معايا عشان مخلصش عليكى )) ..

تحاملت على نفسها فحتي القدرة على الحديث فى تلك اللحظة رفاهية حرمت منها ، ثم همست متوسلة ببكاء أجبره على الأستماع إليها أشفاقاً :
-(( جواد أسمعني أبوس أيدك .. أنا حاسة أنى بموت خلاص .. صدقنى دى أخر مرة هزعجك فيها .. بس أبوس رجلك .. خلينى أسمع صوت بنتى للمرة الأخيرة )) ..

صمت أخر طالت مدته لم يتخلله سوى صوت أنفاسه الثقيلة ، جعلها تبتسم فى شوق وكأنها ترى صراع ملامحه أمام عينيها المتورمة ، قبل أن تُردف متضرعة :
-(( أنا أتبهدلت من بعدك يا جواد وأخدت جزائى .. رائف طلع مجنون وببضربنى زى الحيوانات .. ومبقاش عندى أمل حتى أني أعيش لحد ما أشوف بنتى .. عشان كدة بترجى جواد الشهم .. بترجى أنسانيتك تحققلى الطلب ده بس .. وبعدها هختفي حتى من حياتك )) ..

زفرة قوية حارقة صدرت عنه ، حتى كادت تُجزم بوصول حرارة أنفاسه إليها ، قبل أن يقول متردداً على مضض :
-(( طب ثوانى .. خليكى معايا هصحيها )) ..

حركت رأسها موافقة بأصرار كأنه يراها ، ثم أخذت تحصى الثوانٍ ، حتى أتاها صوت طفلتها تقول بنعومة :
-(( ألو .. مامى .. ده حلم ؟! .. بابى هو مامى هترد عليا دلوقتى ؟! )) ..

أنفجرت الدموع كالشلال من داخل أعينيها مغمغمة من بين شهقاتها :
-(( لينة .. بنتى .. حبيبتى .. وحشتينى .. أنا أسفة أنى سبتك .. سامحيني ولما تكبرى حاولى تخلى بباكى يسامحني )) ..

همهمت الطفلة تقول بنبرتها الطفولية الناعسة :
-(( مامى .. رحمة قالتلى لما تكونى وحشانى هغمض عينى وأنتى هتجيلى فى الحلم .. أنا سمعت صوتك بس مش مشكلة .. أنتى المرة الجاية هتجيلى صح ؟! )) ..

وضعت يدها فوق كفها تمنع نوبة بكاء أخرى داهمتها من كشف أمرها ، بينما سحب جواد الهاتف من يد صغيرته ، قائلاً بحدة :
-(( أظن كدة كفاية .. سمعتى صوتها ومتفكريش تتصلى تانى )) ..

أجابته فى أنكسار :
-(( جواد .. رائف ورا كل اللى حصل لرحمة وعلياء .. سامعنى .. كل حاجة كانت ليه يد فيها )) ..

-(( بتكلمى مين يا **** !!! )) ..

صرخة مدوية أخترقت أذنه قبل أنقطاع المكالمة مقرراً تجاهل ما حدث والعودة إلى ترتيبات مناسبة شقيقته ، أما على الطرف الأخر ، فبعدما وقف أمامها متأهباً ، أنحنى يجرها من خصلات شعرها ، حتى وصل بها إلى الغرفة الخارجية ، صائحاً بأهتياج :
-(( بقى دلوقتى ضميرك صحى وبتتصلى تبعيني ليه .. شكلك بتتمزجى من الضرب زى حالاتى وأنا مش هحرمك )) ..

رفعت رأسها بعد أرتطامه بالطاولة المنخفضة القوائم ، تنظر إليه ثم إلى طبق الفواكه الموضوع فى منتصفها وجواره السكين الصغير ، قائلة بحزم :
-(( رائف .. لو قربت منى هاخد روحك )) ..

قهقه مطولاً بأستهزاء صريح ، ثم أنحنى بجذعه نحوها يقول مستخفاً بقدراتها :
-(( ودى هتعمليها أزاى يا روح خالتك )) ..

أنهى حديثه بلطمة قوية عنيفة نالت شطر وجهها بأكمله وقبل حركته التالية كانت تدفعه وتقفز فوق الطاولة بعدما أندفع الأدرينالين داخل جسدها حيث غريزة البقاء البدائية ، تسحب سكين الفاكهة ، ثم وقبل تفاديه لشرها ، شرعت فى طعنه وهى تصرخ رافضة بكل ما أوتيت من قوة :
-(( لا مـش هسمحــلــك تقربلي تـانى .. ســـاااااااامـــع .. مش هسمحلااااااااااااك )) ..

توقفت بعد الطعنة الثامنة حينما شعرت بدمائه اللزجة تغطى كفها المزروع داخل تجويف صدره من كثرة الطعنات وقوتها ، ثم رؤيتها لجسده ينزلق على مهل أمامها ، يليه وقوعه صريعاً تحت أقدامها بعد أنتهائه من لفظ أنفاسه الأخيرة ، موقعة بفعلتها تلك ، وبكامل أرادتها ووعيها ، قرار نهاية حياته وحياتها عامدة متعمدة .







***********************************







القلب بوصلة العقل ، عبارة قد تصدم الكثير من الناس رغم منطقيتها ، فيما يخص ذلك النداء السحرى العجيب ، الذى يدفع الأنسان للأنسياق خلفه كالمغيب ، دون التفكير فى عواقب أمره ، فكم من أساطير وحكايات عن هؤلاء ممن ركعوا أمام سطوته ، وهرعوا وراء شغفه ، بعد تنازلهم عن كل غالٍ ونفيس أثناء سعيهم خلفه ، ورغم أهانة العقلانيين له ، بأعتباره العضو الأهوج ، الأقل حكمة وتحفظاً ، تظل ضرباته المنتظمة علامة على الحياة نفسها ، ونافذتنا الأساسية فى إدارك كل ما لا تراه العين ، وبينما يقود القلب تصرفات العقل ، يقف الأخير عاجزاً عن التأثير به ، هذا ما أدركته وهى تقف أمام فستان زفافها الأبيض مبتسمة فى سخرية ، فمنذ عامان وعقلها يحاول أجبار تلك المُضغة المتمردة المتمركزة فى جهة الشمال ، على الوقوع فى الحب دون جدوى ، وعندما خفق الأخير فى النهاية ، لم يملك العقل سوى الخضوع لرغبته ، تنهيدة أشتياق حالمة صدرت عنها وهى ترفع ذراعها ، وتتلمس برهبة تامة ، القماش المطرز الأنيق ، ببتلاته المخرمة الصغيرة ثلاثية الأبعاد أسفل أناملها ، ليست رهبة نابعة من القلق أو الرفض ، بل ذلك النوع الأخر المفضل ، الناتج عن الحب ، التوق ، والوقار ، وكأنها تخشى أن زادت من ضغط أصابعها فوقه أن تصيبه بأذى ، أبتسامة أخرى أكثر أتساعاً أحتلت ثغرها الناعم ، وقد داهمتها ذكرى أنتقاء ذلك الفستان ، ورغم حالة الفتور التى سيطرت عليها ذلك الوقت ألا أن والدتها أصرت على أبتياع الأفضل ، أما الأن وبعد كل عبارات الأمتنان التى يجيش بها صدرها لوالدتها ، يكاد جلدها الرقيق ينفجر حماساً حتى تُحين ساعة أرتدائه ، وتشعر بملمسه المخملى فوق جسدها ، مترقبة بخفقات مضطربة ، تلك اللحظة تحديداً حيث رد فعله عندما يراها به ، هو ، زوجها ، وكعادة كل الأيام الفائتة ، بل كعادة كل الساعات ، عاد سيل أفكارها فى التدفق نحوه ، ومع لمعة حنين حانت منها إلى الهاتف الجوال ، أضاءت شاشة الأخير بأتصال هاتفى يحمل صورته ، جعلها تركض ملهوفة تجيب قائلة بنبرة مختنقة هامسة :
-(( أنت صحيت ؟! )) ..

أبتسم حتى حملت نبرته تلك الأبتسامة إليها عبر الهاتف ، ثم قال صادقاً بعدما تنهد بعمق :
-(( هتصدقينى لو قلتلك منمتش أساساً )) ..

عضت على شفتيها بخجل وقد ترجم عقلها ما سكت هو عنه ، فعدة ساعات ، هى إجمالى المدة الفاصلة عن أجتماعهم سوياً ، فاليوم هو يومها المنتظر ، ليس لأنه يوم زفافهم فحسب ، بل لأنه ولأول مرة ، منذ دخوله العاصف ، وأعرابه المجنون عن طلبه فى الأرتباط بها ، ورد فعلها الأكثر جنوناً منه ، ستتمكن عيناها من رؤيته ، بالطبع خلال الأسبوع المنصرم ، حرص على التحدث معها هاتفياً كل ليلة ، ولكن متى سمعنا عن قلب عاشق يكتفى بسماع صوت معشوقه ، نداء أخر صدر عنه أعادها إلى أرض الواقع فسارعت تهمهم كعلامة على أنصاتها إليه ، بينما أعاد هو سؤاله للمرة الثانية مستفسراً :
-(( عالية !! .. ساكتة ليه ؟! )) ..

همست تجيبه على أستحياء فلازال حديثها معه يربك كافة أجهزتها الحيوية :
-(( عادى يعنى )) ..

قال بجدية :
-(( أنا عارف أن النهاردة يوم مشغول بالنسبالك فهسيبك عشان تشوفى هتعملى أيه .. أنا بس حبيت أسمع صوتك وأقولك أنى حجزت فى فندق .. أنتى عارفة جوازنا كان مفاجئى وملحقتش أعمل حاجة فى الشقة اللى عايش فيها .. وبصراحة مش حابب أعمل فيها حاجة من غير رأيك .. عشان كدة حجزت فى فندق نقعد فيه ولما تشوفيها قررى محتاجة أيه وأنا عليا أنفذ كل طلباتك )) ..

عقبت معترضة بهدوئها ونعومتها المعتادة :
-(( بس أنا مليش طلبات .. مادام دى شقتك اللى عايش فيها عادى أجى أعيش معاك من غير ما تعمل حاجة زيادة )) ..

هتف رافضاً بأستنكار واضح :
-(( أزاى مش عايزة حاجة ؟! .. عالية أنتى من الليلة شريكتى ومراتى .. ومن حقك تختارى بيتك اللى هتعيشى فيه .. وأنا واجب عليا أنفذلك أختيارك ده )) ..

جمله ، ورغم بساطة نطقه بها ، ألا أنها سقطت على صحراء قلبها المتعطش للأحترام والأهتمام فأنبت وأزدهر فى الحال ، وبعدما مسحت بطرف بنانها عبرة ممتنة سعيدة سقطت من داخل جفنها ، قالت شاكرة مراعاته :
-(( ربنا يخليك .. بجد كل ده مش مهم .. وكفاية عرضك عندى )) ..

سألها مشاكساً بخفة بعدما أكد عزمه على أتمام عرضه :
-(( طب مينفعش تكمل بربنا يخليك ليا .. ولا أنا مليش نفس أسمع كلمة حلوة تصبرنى )) ..

غمغمت معترضة بأرتباك جعله يقهقه عالياً :
-(( لا مفيش .. يحيى لو سمحت .. كدة غلط وأنا هقفل )) ..

سارع يوقفها بلهفة راجياً :
-(( طب خلاص هقفل .. بس قبلها أعرفى أنى بعد الثوانى لحد ما أشبك أيدى فى أيديك )) ..

ثوانِ أو ربما دقائق من الصمت ، ألا من صوت خفقات قلبها الثائر ، حيث توقف العالم من حولها عن الضجيج وتحولت إلى جرم صغير ، فى سماء قلبه الصافية ، ذلك المكان النقى ، والذى لم تطأه أقدام أنثى سواها ، ولم يعيدها من جولتها الحرة داخل صفحات قصتها الأسطورية ، سوى صوت والدتها تهتف من خلف الباب الموصد قائلة بمزيج من الأستغراب والرزانة :
-(( عليا .. حبيبتي معايا ضيفة واقفة جنبى مصممة تشوفك .. ورافضة تتكلم غير قدامك )) ..

قفزت من مقعدها تجيب والدتها بأستنكار بعدما أستأذنته فى أنهاء المخابرة :
-(( أتفضلى يا ماما انا صاحية أدخلى )) ..

دلفت والدتها الغرفة ، وتبعتها الضيفة المجهولة بجسدها الممشوق وشعرها الملون بحرفية شديدة حتى يكاد يُجزم من يراها بطبيعته ، مع زينة وجهها المتناسقة إلى حد كبير ، طالعتها علياء بفضول من رأسها حتى أخمص قدميها ، فهى تحمل من الشبهه منها بقدر ما تختلف عنها ، وقبل أن تبادر علياء فى الحديث ، سبقتها الزائرة المجهولة تُعرف عن نفسها قائلة بتأهب مخلوط بنبرة أستعلاء خفية :
-(( قبل ما تسألى هعرفك بنفسى حالاَ .. أنا جيداء بنت عم يحيي وخطيبته )) ..

صمتت لوهلة حيث لقى حديثها صداه المطلوب ، ثم أردفت تقول بحدقات لمعت بشماتة :
-(( أو خلينا أكتر دقة .. المفروض النهاردة أكون مكانك .. بما أننا كنا كاتبين الكتاب برضة )) ..







*********************************






إن الحرية ، ذلك المصطلح الذى يقع الكثير فى مصيدة خطأه ، خصوصاً فيما يتعلق بتعريفه ، تعنى قدرة الأنسان على فعل كل ما يريد وقتما يريد ، أما منتهاها أو ما يسمى ب "الحرية الحقيقة" فهو أمتناعه عن فعل كل ما لا يريد ، والتحرر من جميع القيود التى يفرضها الُعرف والمجتمع ، بكافة عاهاته وتقاليده ، طالما تصب فى مصلحته ، تلك هى فكرتها الخاصة عن الحرية ، كما تتعاطى معها وكما تدعو إليها يومياً ، حتى وأن كانت غير مستساغة لأقرب الناس إليها ، أبتسامة عابرة داعبت ثغرها الملتوي ، بينما تقلب بين أصابعها الطويلة ، المظروف المغلق ، وما يحويه داخل طيات ورقته البيضاء الموقعة من قبل طبيبة زوجته الثانية ، بعدما أوفت والدته بالنصف الأول من عهدها الذى قطعته لها ، وأستطاعت بكل سهولة ويسر الحصول على التقرير الكامل مرفق به صورة مصغرة للجنين قبل فقده ، عائدة بالذاكرة إلى حديثها الشيق فى الصباح مع أحدى زميلات العمل ، حيث قضت ما يقرب الساعة فى محاولة اقناعها بتقبل الأمر الواقع ، فزوج مشترك ، أفضل من لا زوج على الأطلاق !! ، نفضت عن كاهلها كل تلك الأفكار والذكريات ، فها هى قد أوشكت على هد الحائط الذى يحول بينها وبين الخروج ، فى ذلك الطريق السد ، الذى جمعها به ، مقاطعاً سيرها داخل ساحة مبنى قضت به ما يقارب الأربع سنوات ، رنين هاتفها الخلوى ، فبادرت تجيب مرحبة بعدما توقفت خطاها عند المصعد :
-(( أهلاً أهلاً بالعريس .. أنا عايزة أعرف أنت بتكلمنى ليه دلوقتى وكلها كام ساعة وأشوفك .. أتفضل يلا أقفل وروح خلص اللى وراك )) ..

قال يحيى واعداً بنبرة لا تخلو من أبتسامة السعادة :
-(( هروح بس أطمن ع القضية الأول .. مش كفايه مخلتنيش أحضر معاكى جلسة النهاردة )) ..

تهدلت أكتافها فور سماعها جملته ، ثم قالت محبطة بعدما زفرت بضيق :
-(( متشغلش بالك .. ولا أي جديد .. محامى الباشا محضرش الجلسة فأتاجلت .. بس وحياة أغلى حاجة عندى ما هيأس ولا هسيبه غير لما حق ولاد الملجأ يرجع .. وأشوف نادر أبو المجد .. مرمى ورا القضبان )) ..

قال يحيى مشجعاً رغم خيبة الأمل التى غلفت نبرته :
-(( عمتاً ده كان متوقع .. القضية كبيرة وتقيلة يا غفران .. وهو مش هيستسلم أو يعترف باللى عمله فى الولاد .. وأكيد هيستخدم أساليب زبالة زيه عشان يوقف سير القضية والتحقيق .. المهم أنتى تخلى بالك على نفسك .. وإن شاء الله الجلسة الجاية هحضرها معاكى )) ..

غمغمت موافقة بعدما شكرته مستأنفة تجاذب أطراف الحديث معه فيما يخص يومه الموعود ، أما فوقها بعدة طوابق قليلة ، وتحديداً داخل منزل شهد الكثير من الذكريات والمواقف ، جلس "بدر" وأستقرت هى فوق ساقه ، وداخل أحضانه تتلمس بطرف أبهامها شعيرات ذقته النابتة ، قائلة بمزاح :
-(( عندك شعرة ببضا على فكرة )) ..

شدد من أحتضان ذراعيه حول جذعها العلوى المستند بأريحية وحميمية فوق صدره قائلاً بتهكم :
-(( معلش بقى جوزك كبير عليكى شوية .. أستحمليه )) ..

قالت مازحة بدلال بعدما أقتربت منه وطبعت قبلة عميقة حيث أشارت منذ بُرهة :
-(( أنت مش كبير .. أنت بس أتأخرت عليا على ما جتلى )) ..

تجاوز عتابها الباطنى ، هاتفاً بعدها بأستنكار :
-(( كنت هيجيلك قبل كدة أيه بس .. وقتها كنتى هتبقى قاصر وكنت هتحاسب عليكى )) ..

قالت بنبرة طفولية معترضه :
-(( مليش دعوة قاصر قاصر .. المهم كنت أبقى معاك ونكبر سوا )) ..

همس مبتغاً رضاها ، بينما أصابعه تداعب خصلاتها الحريرية المنسدلة فوق جبينها على شكل غرة :
-(( طب أيه رأيك أعوضك دلوقتى )) ..

سألته بفضول بعدما أسبلت أهدابها فى نظرة حالمة :
-(( أزاى )) ..

جائتها الأجابة كما توقعتها بقبلة عاطفية محمومة ، بث من خلالها كل ما يريد قوله دون حديث ، فاضاً أشتباك شفاههم بعد فترة ليست بالقليلة ، صوت جرس المنزل الخارجى ، مما جعله يبتعد عنها على مضض لاعناً زائره المجهول ، قبل تفاجئه بها "أختياره الأول الحر" تقف أمامه بقوتها وكبريائها المعتاد ، قائلة بحزم وأختصار فور فتحه الباب ، وهى تمد ذراعها بالمغلف أمام وجهه :
-(( الظرف ده .. هتلاقى فيه تقرير عن حالة مدام / أفنان المسيرى .. حرم حضرتك يعنى .. بيوضح من الدكتورة الخاصة بحالتها .. وضع الجنين الفاقد للنبض من يوم ١٤ .. يعني من قبل حتى ما أشوفها .. معاه توصية للطبيبة بضرورة أجهاضه تجنباَ لأذى والدته )) ..

صمتت تطالع بشماتة لمعت من داخل عينيها رغماً عنها ، ملامح وجهه التى أستحالت إلى اللون الأصفر ، مضيفة بنبرة المنتصر :
-(( أظن باقى الخطوات المفروض تعرفها من نفسك .. تهديد والدتك بح .. ولو اتعمل فيا محضر هعمل واحد مضاد ببلاغ كيدى كاذب فيا وبعدها هقدمه فى محكمة الأسرة كأثبات ضرر أضافى )) ..

ألتفتت تنظر إليه من فوق كتفها بعدما أستدارت بجسدها أستعدداً للرحيل ، قائلة بتهديد وأصرار :
-(( أه .. هستنى ورقتى بكرة كحد أقصى )) ..

تلك المرة لم تنتظر حتى رد فعله ، بل سارت بخطوات مختالة واضعة كفيها داخل جيوب ردائها الأنيق حتى وصلت إلي بداية الطريق الرئيسى تدندن بخفوت لحن أغنية شعبية محببة إليها ، قاطعاَ الطريق الخالي من المارة حولها عدة رجال ، من ذوى الأجساد العريضة ، وقبل أن تفتح فمها أو تُخرج يدها طلباَ للنجدة ، أنهال شخصاً منهم بالضرب فوق رأسها وبطنها وظهرها ، قائلاً بتوعد صريح :
-(( دى رسالة بسيطة من نادر بيه .. عشان متدخليش فى حاجة متخصكيش تانى )) ..

فى الحال وبعدما تفرق جمع المعتدين من حولها ، وخار جسدها أرضاً ، شعرت بسائل لزج يتدفق أسفلها ، مع ألم شديد اجتاح أسفل بطنها ، مع تشوش فى الرؤية من أمامها ، وما هى ألا ثوانً معدودة ، حتى فقدت كامل وعيها وسقطت فوق رصيف المارة تنتظر من ياتى لنجدة عابرة طريق .








************************************






دائماً ما أستمع إلى الشرقيات من حوله وهن يتغنين بأحدى أشهر قصائد شاعر المرأة قائلاً " قولي أحُبكَ كي تزيدَ وسامتي .. فبغيرِ حبّكِ لا أكـونُ جميـلا "x ، وكم سخر حينها من تلك الكلمات ومنهن ، أما الأن وتحديداً بعدما ذاق حلاوة ذلك المسمى بالعشق ، لم يقر فقط بصدق عاطفة الشاعر ، بل أيضاً يعتب عليه أغفاله عن ذكر النصف الأهم من الحقيقة ، فأولى مراحل العشق وقبل أن يصبح وسيماً بحبها ، ومع خفقة القلب الأولى ، يغدو الكون أجمل برؤيته ملامحه محبوبته فى كل شئ ، ومن ثم ومع التوغل فيه ، يرى الكون بأكمله من خلالها حتى تصبح حبيبته نسخة مصغرة عنه ، تماماً كما يقف هو أمامها الأن ، ويرى كل شئ أزهى وأنقى ك لوحة طبيعية فاتنة ، مكتملة الأركان منها وبهاx ، تبدء من شعرها ذو الخصلات الفحمية والذى يمثل السماء الصافية فوقه ، ثم قرنيتيها المتلألئتين كالنجوم الفضية المزينة لتلك السماء ، وفى الصباح ينحسر البدر المتمثل فى وجنتيها والمفضى بظلاله السحرية فوق وجهها ، فاسحاً المجال إلى الشمس الساطعة من أبتسامتها فى الآشراق ، هبوطاً إلى ثمر الكرز النابت فوق شفاهها والمتصل بكفها الرقيق الممدود بالخير للجميع مُتخذاً منه جذراً له يستمد منه غذائه وحمرته عن طريق جذع طويل يتمثل فى ذراعها ، أما أخيراً ، فتكتمل الصورة فقط فى مخيلته بأرجوحة صغيرة ، حيث ضلعها يحمل أحد أطرفها ، والأخر معقود حول ما يماثله فى جسده ، تلهو فوقها طفلة فى نسخة مصغرة عنها ، تتأرجح أمام عينيه يميناً ويساراً ، وها هو يقف متمنياً أتمام أكتمالهما حتى تصبح واقعاً ملموساً يمكنه ضمها بين ذراعيه ، كما يفعل الأن مع والدتها ، حينما تحرك بجسده يعتصرها بين ذراعيه بأشتياق تعدى حدود صبره ، بينما وقفت هى قبالته كالجماد ، وذراعيها متدليان على كلتا جانبيها ، تهمس بذهول لازال يعتريها منذ قرائتها للوثائق :
-(( الشهادات دى صح ؟! .. أنا بنت عمك أزاى )) ..

تجاهل حديثها وكأن سعادته بالتأكد من برائتها قد همشت كل ما دونها بالنسبة إليه ، ثم أخذ يغمغم بأرتياح وهو يشدد من محاصرة ذراعيه لها :
-(( رحمة .. قبضنا على قاتل عمرو .. أنتى بريئة ورائف هو اللى عمل كل دة )) ..

أبتعد عنها فور شعوره بمحاولتها دفع جسده والتملص من بين قبضته ، ثم بادر بأحتضان كفيها الناعمة بين كفيه ، قبل تحركه بها نحو المقعد القصير الموضوع قبالة الفراش وأجلسها فوقه أولاً ، قائلاً بهدوء بعدما حذى حذوها ولازالت كفيها مخفية تحت قبضته الضخمة :
-(( أنا هشرحلك كل حاجة دلوقتى .. ممكن تسمعينى ؟؟ )) ..

حركت رأسها موافقة فذلك كل الخيارات المتاحة أمامها فى الوقت الحاضر ، فى حين أستطرد هو حديثه بعدما سحب قدر لا بأس به من الهواء إلى رئتيه ثم حرره على مضض :
-(( أنا معرفش أيه المعلومات اللى عندك .. عشان كدة هقولك كل اللى أعرفه .. الحقيقة أن والدك ووالدتك وخالك شهاب وعمى أنور وأيمن اللى هو أبو رائف كانوا يعرفوا بعض من أيام السفر .. كلهم كانوا شغالين فى بلد واحدة .. وصحاب كمان ومن هنا بدءت حكايتهم .. اللى أحنا دفعنا تمنها )) ..

همست تقاطعه بأستنكار :
-(( صحاب ؟!!! )) ..

هز رأسه مؤكداً ثم قال بصوت خفيض بعدما تأكدت ظنونه :
-(( محدش منهم حكالك .. كنت متوقع )) ..

حركت رأسها نافية فأستطردت هو على الفور يقول محاولاً أرضاء فضول عينيها اللامعة :
-(( المشكلة كلها بدءت لما والد رائف شاف والدتك بالصدفة بحكم أنه وخالك صحاب .. واضح أنه كان حب من أول نظرة بس هى رفضته .. وواضح أن عنده جنون العظمة زى أبنه .. فرفض رفضها ليه وصمم يضايقها لحد ما وصل بيه الأمر بالأعتداء عليها )) ..

شهقة خافتة صدرت عنها مع جحوظ ملحوظ فى عينيها جعله يسارع فى قوله مطمئناً :
-(( بس محصلش حاجة متخافيش .. وقتها كان عمى أنور معارفه زادت فى البلد وخالك مع والدك اللى تقريباً كانوا أصحاب جداً .. طلبوا من عمى أنور يساعدهم فى وضع حد لجنون أيمن أبو رائف وأتفقوا للأسف على حل وحيد .. وهو أن عمى أنور يتجوز والدتك عشان يحميها من جنون أيمن وحصل .. وبعدها بكام شهر رجعوا مصر .. وتقريباً مكنش فى بين والدتك وعمى أتفاق فقرروا ينفصلوا .. عمى نسى الموقف وعاش حياته وفى الوقت ده غالباً والدتك كانت حامل فيكى بس عمرها ما أتواصلت معاه .. دى كل المعلومات بخصوص أنك بنت عمى .. وللأسف الباقيين كلهم توفاهم الله فمقدرش أعرف والدك ووالدتك خبوا تاريخ ميلادك الأصلى ليه .. مع أنه مش محتاجة تفسير محبوش يشتتوكى أو ينبشوا فى ماضى مش هيفيد بحاجة )) ..

بدت وكأنها لازالت فى حالة من الصدمة وعدم الأستيعاب ، ورغم ذلك همست تسأله متشككة :
-(( أنت كنت عارف .. عشان كدة بتحكيلى كل التفاصيل دى ببساطة !! )) ..

أجابها بتردد بعدما أبتلع لعابه بقوة يخشى رد فعلها فهدوئها ذلك يثير ريبته بشكل كبير :
-(( أحـم .. عرفت من فترة لما ماكسيم كان بيدور فى قضية عمرو .. وقبل ما تسألى ليه خبيت .. هقولك عشان وضعنا مكنش مناسب لحقيقة زى دى .. وعشان سبب تانى لو سمحتيلى أكمل للأخر هتعرفيه )) ..

حركت رأسها بحدة كأنها تنفض الأفكار الغير ضرورية منها ، أو ربما تُجبر عقلها على تقبل المعلومات التى سمعها للتو ، قبل أن تسأله بحيرة :
-(( طب أنت قلت فى أول كلامك .. أحنا اللى دفعنا التمن .. ولقيت القاتل وطلع رائف هو السبب !! )) ..

قال مؤكداً بحزن لم تستطع غض الطرف عنه خاصةً بعد رؤيتها للمعة عينيه به :
-(( اللى حكتهواك ده دخلنا فى اللى جاى .. رائف عنده مشكلة من وهو صغير .. تربية والده الجافة ليه طلعته إنسان قاسى .. أو نسمى الأمور صح .. بقى إنسان سادى بيحاول ينتقم ويأذى كل اللى حواليه عشان يحس بالأنتصار .. ومن حظنا أن التاريخ عاد نفسه .. وزى ما بباكى وعمى أخدوا مامتك من أيد باباه )) ..

صمت قليلاً متجاوزاً الغصة التى أعتصرت قلبه ، ثم أردف بأختناق :
-(( أنا ومن قبلى عمرو أخدنا منه ريم .. فحب ينتقم من عمي أنور فى علياء لما خطفها وصورها عشان يشوه صورتها ومن قبلها لما لف على مرات جواد وخلاها تخونه معاه .. وأنتقم من باباكى فيكى لما أتفق مع القاتل يشيلك القضية .. وبكدة يكون أنتقم ل باباه زمان .. أما أنتقامه منى فكان بحرقة قلبى على عمرو .. ده تفسيرى الوحيد )) ..

أغمضت عينيها وضغطت فوق شفتيها ثم قالت بصوت باكِ وقد بدئت بالفعل العبرات تنساب من داخلx أجفانها :
-(( أنا مش مصدقة حاجة من اللى بسمعها دلوقتى .. حاسة أنى فى حلم غريب .. الحقيقة الوحيدة فيه أنى بقيت حرة )) ..

أجفل جسده عند أستماعه حفيفها وبمجرد أرتخاء قبضته من فوقها سارعت بسحب يدها وأنتصبت فى وقفتها بعد وضع مسافة كافية بينهم ، بينما سألها هو بتوجس وقد تقلصت ملامحه :
-(( قصدك أيه ؟! )) ..

قالت ببساطة رغم الدموع الجارية فوق وجنتيها :
-(( قصدى وعدك .. لما تعرف مين اللى قتل أخوك هتطلقنى )) ..

هتف بعصبية وقد أحتدت نبرته فى الحال شاعراً بالعجز ينسج خيوطه من حوله :
-(( لا مش حرة .. ولا عمرك هتكونى طول ما قلبى معاكى )) ..

أستدارت بقوة تناظره بمزيج من الذهول والسعادة ، بينما أردف هو يؤكد بحشرجة :
-(( أيوة .. رحمة أنا بحبك .. وأظن أن أحساسى بيكى عدى مرحلة الحب من زمان )) ..

بقوة هائلة حافظت على توازن جسدها قبل نبرتها ، ثم هتفت تسأله ساخرة :
-(( ويا ترى حبك ده .. عشان بقيت بريئة من دم أخوك .. ولا عشان طلعنا مشتركين فى النسب )) ..

صرخة قوية كادت تصدر عنه تمالكها فى اللحظة الأخيرة فور رؤيتها لنظرة الدفء التى غلفت عدستيها رغم ذلك الجمود المعتلى ملامحها ، وكأنها تستجديه أن يخيب ظنووها ، قبل أن يقول بنبرة ناعمة حريرية جاهدت معها للحفاظ على رباطة جأشها :
-(( عشان من أول مرة شفتك فيها حسيت بحاجة حصلت هنا )) ..

أشار نحو موضع قلبه مستطرداً :
-(( فى الأول مفهمتش السبب .. ولما شفتك بعدها متهمة فى قضية عمرو قلت يمكن ده قلبى أتقبض وحس باللى هيحصل .. بس مع الوقت عرفت أنه كان ضلعى اللى أتكسر لما أتخلقتى منه .. كان بيقولى بطريقته أنى لقيتك أخيراً .. وأنك جزء منى )) ..

حركت رأسها رافضة الأنصياع لحديثه رغم الرغبة الملحة التى حاصرتها فى الركض إليه ، قبل أن تتمتم بحسرة :
-(( أنت بتحب واحدة حتى مبقتش عارفة هى مين .. كل حاجة طلعت كدب .. حتى لــو .. حتى ل... )) ..

أبتلعت لعابها ثم عادت تضيف بعدما أنتقت كلماتها بعناية :
-(( حتى لو جوايا حاجة بدءت تتحرك .. حتى لو كنت أنت بداية الصح .. اللى أنت بتقول بتحبها دى أنقاض .. معندهاش حاجة ممكن تقدمهالك .. حتى بدايتنا كانت غلط .. والغلط أستحالة يتبنى عليه صح )) ..

سارع يقول مستجدياً :
-(( تعاليلى بأنقاضك وأنا هبنيكى من جديد .. حتى لو أضطريت أقطع من روحى وأسد فجوات روحك .. يكفى أنك تثقى وتسلمى نفسك ليا .. وتسمحيلي أداوى جروحك )) ..

ترنح جسدها للأمام مع ذلك الأعتراف الذى هز أركان خلاياها ، بينما ركع هو فوق أحدى ركبتيه بعدما لاحت أمام عينيه ذكرى ليست بعيدة عن توعدها له ، هامساً برجاء :
-(( زمان قولتيلي مفيش رحمة بتتوسل .. الناس هى اللى بتتوسل لرحمة ..x ووعد على وعدك .. قبل ما أخلص منك .. أنت اللى هتركع قدامى تطلب الرحمة .. وأنا أهو بركع قدامك .. وبقدملك قلبى .. أرحمى ضعفه وأقبليه .. متبعديش واحد ملقاش نفسه غير بلقاكى .. ومشافش مستقبله غير بعينيكى )) ..

تعالت شهقاتها المنتحبة بعدما أنزلقت بجسدها تركع أمامه هى الأخرى ، وتضم بكفها المرتعش خاصته ، فكم تتمنى قبول عرضه ، وأن ترتمى بكل ما يثقل كاهلها داخل أحضانه ، أن تختبأ بداخله عن كل ما يؤرق مضجعها ولكن كيف ، كيف تستطيع عيش حياة سوية معه وهى لازالت ترى شقيقه كل ليلة فى منامها ، وأى جرم قد ترتكبه بحقه أذا همت بالموافقة وهو لايزال حاجزاً بينها وبينه ، تراه كلما أغمضت عينيها ، أو كلما ألتفت حولها ، صرخة قوية صدرت عنهاx قبل أن تدفعه بكفيها قائلة بأصرار :
-(( أستحالة .. لو بتحبنى زى ما بتقول أدينى حريتى .. أسمحلى أداوى نفسى بنفسى .. أظهرلى حبك بكدة .. خلينى أخرج من حصار توأمك اللى بشوفه فيك )) ..

صمت مطبق خانق تغلل ذرات الهواء من حولهم ، مع نظرة ثابتة من عدستيه فوقها ، يحاول أجبار عقله على أتخاذ القرار الصحيح من أجل كليهما ، بل من أجل الأمل فى العودة ، ثم قال بأنكسار مطأطأً الرأس بعدما أعتدل فى وقفته وقد جرح حديثها كرامته :
-(( أخرجى .. روحى قبل ما أغير رأيى وأحبسك هنا .. بس أعرفى أنك مراتى وهتفضلى لأخر نفس فيا كدة .. ولحد ما ترجعى هتلاقينى فى كل مكان حواليكى )) ..

تلاقت أعينهما فى نظرة وداع أخيرة مطولة ، أحتضن كل منهما الأخر من خلالها ، قبل فرارها هاربة ، ليس منه ، بل خوفاً من نفسها وروحها المعلقة به ، من قلبها الخائن ، الذى أخذ يطالبها بالعودة ، ولولا صوت العقل الذى أخذ يحثها فى الأبتعاد عنه ، لكانت الأن تركض فى الأتجاه المعاكس عائدة بأدراجها إليه ، أما عنه وبعدما تابع بحسرة أنسحابها ، أرتمى بجذعه فوق الفراش ، قبل شعوره بشئ صلب أسفل ذراعه ، جعله يعتدل فى جلسته ويسحبه بأستنكار ، ثم شرع فى فتحه بعد رؤيته له وقراءة ما به ممراً عينيه بلهفة فوق كلمات دونت بدمع عينيها قبل حبر قلمها .....
"مذكرتي العزيزة :
أظن أنك الحل الوحيد المتاح أمامى خلال الفترة القادمة ..

ذلك الشهيق الذى أسحبه الأن لأتمام عملية التنفس وإبقائى على قيد الحياة يؤلمني .. تلك الدمعة التى سقطت من عينى الأن وبللت ورقتى وأسالت حبر كلماتى تؤلمنى .. كوابيسى الليلية وتذكرى لمشهد دمائه حولى يؤلمني .. حتى تدوينى لما أشعر به الأن يؤلمني ..

مذكرتى العزيزة :
لازالت تعترينى حالة من الضياع والتخبط ، حتى أننى أشعر بيد الأختناق تقبض بكل قوتها فوق عنقى مانعة عنى أبسط حقوقى فى الحياة ..

مذكرتى العزيزة :
لقد تجاوزت الساعة الثالثة صباحاً ولازلت أرتجف كورقة فى مهب الريح ، لا أستطيع التنفس براحة ، وأخشى أغماض عينى حتى لا أراه أمامى ، وكم أود لو أمتلك قدر بسيط من الشجاعة يجعلنى أطلب ممن يرقد فى الخارج النوم بجواره ، ربما يؤانس ذلك وحشة ظلامى ..

مذكرتى العزيزة .. أنها أحدى تلك الليالى حيث صفير الرياح يخترق أذنى بلا هوادة .. ورغم دفء المنزل ألا أننى أشعر بيد الصقيع تُغلف روحى ..

مذكرتى العزيزة :
للمرة الأولى أستطعت النوم براحة ، وذلك بعدما روادنى كابوسى المعتاد وتفاجئت به بعدها جوارى ..


مذكرتى العزيزة :
هناك شئ خطير ، خطير للغاية يحدث لى ، أخشى التفكير به ، الأستماع له ، أو الألتفات إليه ، حتى أننى أخشى تدوينهx ..

مذكرتى العزيزة :
منذ أيام عدة غابت خلالها ، عادت أشعة الشمس الذهبية لنشر دفئها فوق رؤوسنا ، وعلى رغم كثير من الناس ، ذلك الطقس يبعث على بالكآبة ، إذ يذكرنى بأيام محبسى ، حين تجرؤ أحد الحراس مستغلاً ساعة التريض المسموح لنا به فى محاولة الأعتداء الجسدى على ..

مذكرتى العزيزة :
الأن أصبحت أفضل حالاً بفضله ، رغم أستمرار رؤيتى لذلك الكابوس المزعج الأ أن وجوده جوارى يخفف من حدة الأمر ..

مذكرتى العزيزة :
أن قلبى يخفق بشدة كلما رأيته أو تذكرته أو أقترب منى ، ربما الأن صرت أعلم ما حل بى ، ولكنى أبداً لن أضعه فى أطاره وتعريفه الصحيح ..

مذكرتى العزيزة وأحد أركانى الخفية الركيزة :
منذ أستيقاظى فى الصباح وقد رحت أتسائل فى حيرة ، كيف يمكن لثلاثة أيام بسيطة ، أن تمر كالدهر ، حتى أننى فى حيرة من امرى ، هل العلة فى ساعة يدى أم فى قلبى الذى يقفز كلما تذكره ، وكعادتى عند التفكير به أغمضت عينى واتبهلت إلى الله فى صمت أن يتقبل دعائى وأراه عندما أفتح عينى يقف أمامى ، فكما تعلمين الليلة زفاف علياء ، وكم تتوق نفسى إلى السير بجانبه ومشاركته تلك الأمسية السعيدة "

ألتهمت عيناه الورق والكلمات ، يقرء بتركيز تام كل حرف خطته يداها المرتجفة ، كل خيبة وحسرة وحزن ، كان هناك مخطوطاً فى تلك الأوراق ، شاعراً بالألم الذى مرت به يضرب صدره ويعبر من خلاله ، ومع أنسياب أغلى عبراته فوق تلك الكلمات ، صرخ أسمها بحرقة لو وُزعت على ساكنى العوالم لنال كل فرداً منها نصيبه :
- رحـــــــمـــــــاااااااا ااااااااااااااة .







********************

إلى اللقاء في الجزء الثاني ان شاء الله
Chimaa youssef


شيماء_يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 02:08 PM   #48

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

😭😭😭😭😭😭😭😭😭دمووووووع ابدا ما توقعت انه راح يكووون في جزء ثاني بس و الله تستاااااهل الروااااية 🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥🔥حبيت الفكرة كيف انه كل واحد بقت نهايته مفتوحة تمهيدا للجاي
غفران و ما ادراك ما غفران كان لازم ينزل البيبي لتتخلص نهاااائيا من بدر رغم انها راح تعاااني المسكينة متشوقة لرة فعل بدر الزفت و حبيت كيف ذكرتي انه غفران شمتت فيه حتى لو مو بإرادتها غفرااان واقعية ماتقدر تنسى و أكثر شي اكرهه هو المثالية الطيبة الزايدة
يحيى المسكين جات العروسة تفرح مالقتلها مطرح عاليا اصلا كانت في غصة بقلبها على طريقة زواجهم كملت مع هالحرباية
رحمة كان لازم تبعد و تبني نفسها من جديد حبية الفكرة فعلا خاصة انه ما مططت فاعترافهم لبعض و ماصار طلاق يعني هم راح يبعدو على أمل اللقاء ياااريت نشوف شخصية رحمة قوية و ترجع لشغلها و حياتها و شكرا فعلا لانك خليتي طااااهر يقرا المذكرة
الرواية و الأحداث و السرد روعة بلييييز لا تطولي علينا😍😍😍😍😍😍😍😍💖💖💖💖💖💖💖


آلاء الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 02:13 PM   #49

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بلييييييييييييييييييييز اعطينا موعد الجزء الثاني ان شاء مو مطولة لانه فعلا مافي صبر للأحدااااث الجاية
الله يخليك لاتحرميني من هالابداع 😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭
و اذا علةى التعليقات و المشاهدات بتمنى من المشرفين بالمنتدى يعرفونا كيف يمكن نساعد فالترويج للرواي لانه فعلا تستاااااهل🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩


آلاء الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-20, 05:16 PM   #50

ملك اسامة

? العضوٌ??? » 476553
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 22
?  نُقآطِيْ » ملك اسامة is on a distinguished road
افتراضي

روايه كتير حلوه وانا متشوقه لمعرفه أحداث الجزء الثاني .يا ريت متتاخريش علينا فى تنزلها بالتوفيق إن شاء الله فى جميع كتاباتك

ملك اسامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
زواج، حزن، مكيدة، جريمة، غيرة، حب، رومانسية، ألم،انتقام

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:32 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.