31-10-20, 11:17 PM | #604 | |||||
| اقتباس:
كل الملاحظات مرحب بها عندي لأنها دليل على ان الأحداث تحرك فضول و اهتمام القراء حتى 💖💖شكرا 🌹🌹🌹🌹 | |||||
01-11-20, 10:57 PM | #607 | ||||
| البارت الثاني و الثمانون قبلة و تملك 💖 خلف المسرح لم تستطع ملك منع دموعها من النزول , هي حتى لم تدرك الشهقة الصغيرة التي تجاوزت شفتيها , و حاولت كتمها بيدها تفاديا للاحراج , لكن كان من المستحيل عليها تمالك نفسها , و طوفان من المشاعر و الذكريات تداهمها بقسوة , مستغلة الهشاشة العاطفية التي تمر بها مؤخرا , تذكرت حينما كانت صغيرة , لم يكن أحد والديها يفوت حدثا , من الأحداث المدرسية الخاصة بها , مهما بلغ انشغالهما و مشاكلهما , من جهتها هي كانت تبذل مجهودا مضاعفا , لتشريفهما بحصد المراتب الأولى دائما , و قد كانت جائزتها الكبرى التي تعيش لتحصيلها , هي نظرة الفخر و التقدير في عينيهما , و التي لا يضاهيها شيء . تذكرت ملك أيضا كيف وقف والدها يصفر و يشجعها بالهتاف , في حفل تخرجها من كلية الطب و هي بطول الحائط , و كيف احتضنها بقوة و رفعها عن الأرض , بعد أن استلمت شهادتها . فلطالما كانت بالنسبة لهما ابنتهما الصغيرة , التي حملاها في اللفة من المشفى , بعدما كتبت لها الحياة بأعجوبة , و لطالما كانت معجزتهما الصغيرة التي يباهيان بها العالم . " و الآن ؟ " غص حلق ملك فجأة , و قد داهمتها الحقيقة المرة و الواقع بكل قسوته , جعلت دموعها أكثر غزارة و قلبها أكثر ارتجافا . فالآن هي لم تعد تملك شيئا , فبعد أن كانت قره أعينهما , أصبحت منبوذة منهما دون ذنب , و لا تعرف حتى ان كانت الحياة , ستمنحها فرصة أخرى لرؤيتهما بخير أو لا . عادت ملك سريعا الى الركح و ما يحصل عليه , محاولة تناسي بركان الألم الذي عصف بروحها , و كفكفت دموعها برؤية ابتسامة الطفلة , التي أصبحت قطعة من قلبها , منذ اليوم الذي مسحت فيه على شعرها و هي مريضة , و التي تحرك مشاعرها بطريقة لم تختبرها يوما , تعدت مجرد تعلق و تأثر بأحد مرضاها . كانت ملك تفكر أنه اذا كان هناك شيء , قد يخفف من وطأة العذاب الذي تعيشه بفراقها عن والديها , فهو وجود رنا بكل براءتها و نقاء روحها حولها , تبدد ظلمة حياتها و مرارة أيامها . بعد أن هدأت مريم أخيرا أطلقت ابنتها , مع قبلة حارة أودعت فيها كل حنانها ، ليعود بعدها الجميع إلى أماكنهم ، و يقف التلاميذ على المنصة لاستلام شهاداتهم و جوائزهم , لم تغادر ملك الكواليس , كانت تقف جانبا تراقب بهدوء , فبعد ذلك المشهد المؤثر , هي لا تريد أن تكون دخيلة على الأشخاص الثلاثة ، و قد أصبحت أكثر اقتناعا من ذي قبل , أن مكانها ليس بينهم و لن يكون يوما ، لأنها قد تشوه سعادتهم و انسجامهم , فذلك الرجل الذي يقول أنه زوجها ، ملك لامرأة أخرى و لطفل آخر ، ستكون أنانية مجرمة إن فكرت , في الاستيلاء على حياتهم و تعكير صفوها . جلست ملك مكانها تراقب دور رنا ، في الحصول على شهادتها من المشرف العام ، و قد حصلت معدلا جيدا رغم كل الظروف , بمجرد أن تسلمت الطفلة الشهادة ، حتى ركضت ناحيتها أولا بفرحة كبيرة ، احتضنتها ملك بحب كبير و قبلتها لتهنئتها , ثم عادت للجلوس الى جانب والديها ، بعدما حصلت على تهنئتها منهما . قررت ملك بعدها الخروج و الانتظار , في الساحة حتى ينقضي الحفل ، بعد أن انتهى ما جاءت من أجله إلى هنا , و قد بدا مغريا جدا تنشق بعض الهواء العليل , لتصفية ذهنها و غسل همومها , التي لا يبدو أنها تتناقص أبدا , بالعكس كلما مر عليها يوم هنا تراكمت و زادت , ككرة ثلجية صارت تخاف أن تدفنها في أية لحظة , غادرت ملك غير منتبهة للعينين السوداوين , اللتين تراقبان كل سكناتها و حركاتها , و التي لم تفوت نظرة الحزن القاتل في عينيها , رغم المسافة التي تفصلهما . انصرفت ملك بخطوات متثاقلة ثقل قلبها , و قد كان ذهنها مشوشا و تركيزها غائبا , لدرجة أنها لم تلاحظ , الحركة الخفيفة القريبة منها , أو بالأحرى التي تلاحق خطواتها , فحينما كانت بصدد المرور في الردهة الخلفية للمسرح وسط الظلام ، شعرت بيد دافئة مع أصابع ضخمة تشدها من يدها ، و تجذبها الى زاوية معتمة هناك . شهقت ملك للحركة المريبة و انقبض قلبها , فبعد ثانيتين فقط وجدت نفسها , في حضن شخص ما لا ترى وجهه , كان الشبح يطوقها بذراعين قويتين , و يضمها إلى صدره الصلب بشدة ، واضعا يدا على خصرها , و مثبتا رأسها بيده الأخرى , و سرعان ما سمعت أنفاسه المتأنية , و هدير قلبه كالمضخة تحت أذنها . شعرت ملك بالذعر لأنها اعتقدت , أن أحدهم يتحرش بها في هذا المكان المعزول ، و شلت حركتها حتى أنها لم تقو على الصراخ و طلب المساعدة , خاصة أن التصفيق و الضجيج في الخارج , يغطيان على كل محاولة للاستنجاد بالآخرين . في لحظة بردت أطرافها من الخوف , و بدأت ترتجف بأكملها بطريقة ظاهرة ، و قد اعتقدت للحظات أنها ستصاب بنوبة قلبية من الفزع . رفعت ملك يديها لتدفع المتحرش بها من صدره , و اتسعت عيناها محاولة التعرف على مهاجمها , دون جدوى بسبب الظلمة الحالكة مما زاد توترها , لكن و قبل أن تفتح فمها لقول أي شيء ، وصلت إلى أنفها رائحة عطر هذا الشخص ، و الذي رغم أنها لا ترى وجهه , إلا أنها متأكدة أنه علي , هي لا يمكنها أن تخطئ رائحة عطره المميزة ، الرائحة التي حفرت في ذاكرتها عميقا , الرائحة التي ارتبطت بأسوء لحظات انهيارها و خوفها , فلا أحد آخر يضع مثل عطر هذا المتكبر الفاخر ، يبدو و كأنه يصنع خصيصا من أجله . بادراك الأمر هدأت ملك قليلا , دون حتى أن تستوعب الفكرة لماذا يشعرها وجوده الآن بالذات , ببعض الأمان بدل الذعر الذي كان يكتسحها ؟ لكنها لم تفهم ما الذي يفعله المجنون هنا ، و لم يحتضنها و كأن قنبلة على وشك الانفجار ؟ في المقابل ارتخت عضلات علي براحة كبرى , و هو يضم ملك بطريقة لطالما تخيلها , و قد زال ذلك التشنج الذي شعر به برؤية دموعها , كانت رائحة الياسمين المنبعثة منها تداعب حواسه كلها , و الدفء الصادر عن جسدها الغض , يوسوس له بأفكار مجنونة , لكنه شعر و كأنه عثر أخيرا , على قطعة ناقصة من روحه , لم يدرك حتى أنه يفتقدها مسبقا . مرت لحظات و الاثنان يقفان , وسط الظلام بسكينة تامة , حيث كان علي يستمتع بالملمس الحريري , تحت أنامله لبشرتها و شعرها , و ملك ترزح تحت وطأة الصدمة . و قبل أن تتمالك ملك نفسها لتتخلص من ذراعيه ، و تسمعه وصلة التوبيخ التي تصاعدت في رأسها , جاء صوته الرخيم إلى جانب أذنها ، ليؤكد هوية هذا المتطفل المجنون , و ما لبث علي أن همس في أذنها كلمة واحدة " شكرا " بعدها أطلقها مباشرة مانعا نفسه من التمادي , و قاطعا الطريق على فقدان سيطرته , و التصرف بمجون هنا ارضاءا لرغباته الملحة , لكنه لم ينه هجومه بعد , فقد انحنى عليها ليطبع قبلة خاطفة , على جبينها استمرت لثانيتين ، ثم خطا الى الخلف لينصرف بعدها مباشرة , تاركا ملك مصدومة وسط الظلام . كانت القبلة سريعة دافئة , و حنونة تشبه تقبيله لرنا , تركت أثرا رطبا هناك , يثبت أنه لم يكن تخيلا أو حلما , و قد حصل كل شيء خلال ثوان ، دون أن يكون لديها فرصة , للقيام بردة فعل مناسبة . وقفت ملك مكانها مجددا تلتقط أنفاسها المتسارعة ، تحدق بتيه في الاتجاه الذي غادر منه المجنون , واضعة يدا على مكان القبلة الندي ، و الأخرى على قلبها الذي يركض بجنون , يكاد يقفز من غلافه , و الحيرة تملأ عقلها دون أن تفهم ما الذي قام به علي للتو ؟ علام يشكرها و ما معنى تلك القبلة ؟ ثم كيف تجرأ و قبلها , من سمح له بذلك ؟ عادت ملك للارتجاف بشدة , من الغيظ هذه المرة , و قد شعرت أن علي استغلها , و لمسها بطريقة غير لائقة دون ارادتها , كانت تريد اللحاق به و الصراخ في وجهه , كما تفعل دائما حينما يستفزها , لكنه كان قد اختفى بالفعل ، و غادر المكان عائدا الى كرسيه ، قبل حتى أن تستفيق من صدمتها . كانت ملك تشعر بارتفاع حرارة وجهها و طنين في أذنيها ، أما قلبها فكان يدق بجنون ، ربما بسبب الخوف أو المفاجأة هي لا تعرف . لكن لا المكان و لا الزمان كانا مناسبين لأية ردة فعل , فقد كانا وسط جمع غفير من الناس ، و لا أحد هنا يعرف عنها شيئا ، إذا تصرفت بطيش فقد تثار فضيحة ، إضافة إلى أن مريم قد تستاء ، إن هي قالت أمامها شيئا كهذا عن علي . أسرتها ملك في نفسها ، و قررت أن تحاسبه لاحقا ، لن تدع الأمر يمر بسهولة ، هو وعدها ألا يقترب منها ، و لكنه أخلف بوعده و ستجعله يندم . في الطرف الآخر ، كان علي قد عاد إلى مكانه في القاعة ، مع ابتسامة خفيفة على فمه و قد بدا الرضا عليه ، كان الرجل يشعر بسعادة غامرة ، فلأول مرة تمكن من إظهار امتنانه لملك , بعد كل ما قامت به من أجل عائلته , تمكن أخيرا من شكرها بطريقته الخاصة , لو كانت شخصا آخر , لأنهى الأمر باصدار شيك محترم , لكنها العنيدة التي لا تتعامل الا بالعواطف , و قد أغدق عليها كما لم يفعل يوما في حياته . هو لم يصدق أنها تكبدت عناء الجدال معه ، و تحملت كل ذلك الانتقاد و الابتزاز , فقط من أجل أن تحضر مريم , هذه اللحظات النادرة مع ابنتها ، فهي لا تستميت الا من أجل الآخرين , كان عليه ادراك ذلك منذ البداية , بمجرد أن وافقت على مرافقته للعشاء ، رغم أنها لا تحب التواجد معه ، و قد بدا واضحا أنه تنازل منها , لأمر أكثر أهمية ألا و هو رنا . قد يعتبره الآخرون تهورا , خاصة من يعرفون بقصته معها , لكنه الآن يستأمن ملك على ابنته ، أكثر من أي انسان على الأرض , يكفي أنها تؤثرها على نفسها . هو ليس شخصا يشكر الآخرين بسهولة ، لأنه أصلا لا يعطي الفرصة لأحد حتى يقيده بأفضاله ، لكن ما تفعله ملك قصة أخرى ، لأن هاته العنيدة التي لا تدرك مقدار السعادة ، الذي جلبته إلى هذه العائلة البائسة ، منذ دخولها الى بيته تستحق امتنانه ، رغم كل ما جرى بينهما , إلا أنها أول شخص منذ وقت بعيد ، تمكن من أن يدين له بالكثير ، رغم ظروف بقائها تحت سقف بيته . خالج شعور غريب قلب علي لم يسبق أن اختبره هل يعقل أن القدر ألقى بها في طريقه ، فقط من أجل كل هؤلاء ؟ هل يعقل أنه عثر على كنز صدفة , و بسبب سوء فهم غريب ؟ هل هذا ما يقصد به " و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم " ؟ تساءل علي بينه و بين نفسه ، و هو يراقب الابتسامة المشرقة , على وجهي مريم و رنا . لكنه شعر فجأة بقشعريرة كريهة , تسري في جسده كله ، حينما لاح له احتمال أن مارك ذلك الغبي ، كان قد زوجها إلى شخص آخر , حينما رفض هو الزواج منها ، انقبض قلبه و ضاق صدره , و هو يتخيل ملك تعاني مع رجل آخر , ألقاها هو له بيديه . لكن سرعان ما تراجع علي عن التفكير في الأمر ، فما حصل كان من تدابير القدر ، و أكيد لحكمة لا يفهمها حاليا , هو لا يهمه ما سيواجهه مستقبلا ، لكن كل ما عليه فعله الآن , هو ايجاد طريقة لابقاء تميمة الحظ هذه الى جانبه طوال عمره . . . في السيارة و في طريق العودة ، لم تكف رنا عن إثارة الفوضى باشاراتها الكثيرة ، معلقة على ما حصل خلال الحفل , و كانت مريم ترد عليها في كل مرة . أما ملك التي كانت لا تزال غاضبة ، فقد كانت ترمق علي الذي يتجاهلها ، بالتحديق في هاتفه بنظرات قاتلة . كان علي بالكاد يستطيع السيطرة على نفسه ، حتى لا ينفجر ضاحكاً بصوت عال ، بسبب تعابير وجه ملك المستاءة و احمرار وجنتيها , لاحظت مريم أن ملك ليست على طبيعتها ، فبادرت الى السؤال عن حالها " ملك ما بالك هل أنت مريضة ؟ وجهك متورد هل تعانين من حمى ؟ " لم يصدر علي أي صوت ، لكن ظهرت ابتسامة شريرة على طرف فمه ، التقطتها ملك و زاد استفزازها " ها ؟ لا شيء ، فقط ارتطمت بحائط قبل قليل " قالتها بلهجة مستنكرة تقصده , و لمست جبينها مجددا مكان القبلة , و كأنها تركت أثرا حسيا هناك لا يزول . لم يصدق علي أذنيه ، يا الهي هل تصفه هذه العنيدة بالحائط ؟ رفع بصره ناحيتها و رمقها بنظرة محذرة ، لكنها كالعادة لا تهتم لأمره , بل ردت نظرته بأخرى متحدية و أضافت " كان حائطا باردا , لكن لا تقلقي أنا الآن بخير " و أشاحت بنظرها ناحية النافذة هربا من عينيه . " حائط بارد ؟ سأريك أيتها المتعجرفة , النيران التي سينفثها هذا الحائط البارد " توعدها علي بحنق كبير , لكنه التزم الصمت حاليا , سينتقم من لسانها السليط لاحقا . بمجرد الوصول إلى البيت ، غادر الجميع الى غرفهم بما أن الوقت متأخر ، و لكن ملك لا تريد أن تفوت ما حصل بسلام , هي ليست فتاة شارع أو بائعة هوى , ليضع يده عليها متى أراد ، هناك اتفاق بينهما و ستحرص على تنفيذ شقه منه . لذلك لاحقت علي على السلم , قبل أن يصعد بضعة درجات , و استوقفته بلهجة ساخطة جدا " أنت مالذي فعلته ، ألا تخجل من التصرف بانحراف ؟ ألا تتذكر الاتفاق بيننا ؟ " نظر اليها علي بحيرة مصطنعة ، و كأنه لا يفهم ما تقوله " مالذي فعلته أنا الآن ؟ " قال بلا مبالاة و بنبرة ملل , و هو يضع يديه في جيبه ، مما زاد في حنق ملك عليه " أثناء الحفل خلف المسرح " ادعى علي الجهل دائما , رفع حاجبه بتساؤل و استفسر منها " أنا لا أفهم عما تتحدثين ؟ أنا لم أبرح مكاني خلال الحفل ، ما الذي حصل خلف المسرح ؟ " قال بكل هدوء متصنعا البراءة . مما زاد غضب ملك و صرخت في وجهه , و هي تقف في أول السلم غير بعيد عنه , فيما هو ينظر لها باستمتاع من فوق , مراقبا تماوج التعابير الذي يعشقه على وجهها الصغير " أنت قمت ب ..." و توقفت فجأة لا تعرف ما تقوله له و هو ينكر الأمر . " قمت بماذا ؟ " حثها علي على الاستمرار فيما كانت تقوله ، و هو يريد رؤيتها تحرج نفسها ، خصوصا أن وجهها يبدو الآن كحبة طماطم " هل تراوغ الآن ؟ صحيح أن المكان كان مظلما ، و لكنني متأكدة أنه أنت " قالت ملك بثقة محاولة دفعه للاعتراف , لكنه كان أكثر خبثا و حاول استدراجها " كيف عرفت أنه أنا ، إذا كان هناك ظلام " أجابت ملك دون تفكير " لأن رائحة عطرك كانت .." و توقفت في منتصف الجملة مجددا ، ارتبكت و عظت على شفتها السفلى ، و قد أدركت كم أن ما قالته محرج و غير لائق ، فكيف تخبر رجلا أنها تعرفت على رائحة عطره , لأنه كان يحتضنها وسط الظلام ؟ " يا الهي هل كان شخصا آخر ؟ " اتسعت عينا ملك بذعر , بعدما أدخل علي الشك على قلبها , لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها بتذكر صوته , بصمة خاصة أخرى من بصمات المجنون , التي لا يمكن أن تخطئها . اضافة الى أن ردة فعله الهادئة الآن , تشير الى أنه الفاعل , فلو قالت ما قالته عن شخص آخر , لقفز من مكانه و بدأ جنون غضبه , لمعرفة هويته و الذهاب للانتقام منه . أما علي فقد استكمل تمثيله ، رفع يده و شم كم قميصه متصنعا الغباء " ما بها رائحة عطري هل تزعجك ؟ هل تريدين أن أغيرها ؟ " " هذا الرجل فعلا مثل الهواء ، لا يمكن إمساكه أو إدانته " تمتمت ملك بينها و بين نفسها , و قد شعرت بالعجز فجأة و احتقن وجهها ، و بدأت في لوم نفسها , لأنها سمحت له باحراجها مرتين في يوم واحد . بعد دقيقتين من تبادل نظرات التهديد و التحدي , رفعت سبابتها في وجهه و حذرته بجدية " لا شيء ، فقط تجرأ و افعلها مجددا " عادت ملك بعدها مسرعة الى غرفتها ، قبل أن تتهور و تلكمه على أنفه , أما علي فقد تحولت ابتسامته الى ضحكة ، مستمتعا بمنظر ملك الذي صار يسليه " هاي أنت ما به عطري ؟ سأتصل بمسؤول الماركة غدا لتغييره , لكن ماذا علي أن أخبره ؟ " قال باستمتاع بالغ , و عاد هو الآخر بتأن الى غرفته , دون أن يلاحظ سارة ، التي كانت تقف أعلى الدرج و كأنها تترصده , كانت تراقب حوارهما منذ البداية ، و قد خمنت ما حصل بالفعل , رغم أن ملك لم تقل أية التفاصيل ، إلا أن ملامح وجهها كانت جد معبرة , واضح أن علي قام بأمر حميمي اتجاهها ، و هو ينكر الآن حتى لا تثور في وجهه و تخاصمه . عادت سارة إلى غرفتها و الغيرة تأكلها ، من التطور السريع للعلاقة بين الاثنين , فكلما زاد اهتمام علي بملك ، كلما زادت حرقة قلبها ، هي الآن لا تريد طرد ملك من البيت فحسب ، بل تريد تحطيمها و اخراجها من حياة علي نهائيا ، تريده أن يكرهها و يحقد عليها بقية حياته ، و تريدها ألا تلتقط مشاعره أبدا ، و أن تستمر في كرهها له الى الأبد . و هذا ما عليها التخطيط له ببراعة , أو بالأحرى عليها الاسراع في تنفيذ خطتها التي فكرت بها , قبل أن تخسر كل شيء الى الأبد . . . . في اليوم الموالي ، عادت علياء للبقاء بضعة أيام ، و قد تركت ولديها لدى صفية ، كما رتبت أمر إرسال رنا , للبقاء يومين هي الأخرى , و وعدت علي أنها لن تغادر ، إلا إذا تأكدت أن ملك جاهزة للقاء . جلس الشقيقان يتبادلان الحديث في غرفة علي بعد العشاء " لا تقلق سيكون كل شيء بخير أنا متأكدة , ثم أنت اخترت أفضل من يقوم بذلك " و أشارت لنفسها بكل فخر رمقها علي بنظرة مستهجنة بسبب غرورها ، ثم سرعان ما تراجع ليؤكد كلامها " حسنا لذلك أنا أعتمد عليك " ترددت علياء لبعض الوقت قبل أن تسأله بفضول " علي أريد أن أسألك ، لم طلبت من ملك أن ترافقك الى هاته المناسبة بالذات ؟ أنت تحضر الكثير من اللقاءات بالفعل دون مرافق " ابتسم علي بخبث و أجاب بغموض " لأنني أريد درعا بشريا " لم تفهم علياء قصده ، لكن واضح أن لديه سببا وجيها لاصطحاب ملك ، و اصراره على أن تكون في أفضل مظهر . صمتت بعدها قليلا ثم سألت مجددا " بالمناسبة أين زجاجة العطر التي اشتريتها من أجلها ؟ " نظر إليها علي باستغراب " لماذا ؟ " " أرني إياها أشعر بالفضول " حدق إليها علي بصمت للحظات ، قبل أن يشير إلى أحد الأدراج في خزانة ملابسه " هناك في الدرج الثاني ، نقلتها من المكتب خفت أن يجدها أحدهم " نهضت علياء بحماس و أخرجت الزجاجة ، و بمجرد أن أمسكتها بين أصابعها ، اتسعت عيناها و فتحت فمها , ثم شهقت عائدة ناحية علي ، الذي لا يبدو أنه تفاجأ بردة فعلها " يا الهي أخي ، واو هل أنت جاد ؟ هذا العطر صنع خصيصا من أجلها ، و هاته الزجاجة تساوي ثروة ، كيف حصلت عليها ؟ " هز علي كتفيه ببرود و أجابها بلامبالاة " تعرفين أنني لا أجيد شراء الأشياء الرخيصة " لكن علياء لم توقف انبهارها بما تحمله " بربك أخي , هاته الزجاجة اصدار محدود من شانيل ، تساوي أكثر من ربع مليون دولار , عطر يصنع خصيصا لصاحبه ، يا الهي حتى أن اسمها مكتوب على الغطاء " قلبت بعدها العلبة و قرأتها لتتسع عيناها بصدمة " و ماذا لدينا هنا العنيدة ؟ فعلا ؟ منذ متى عدت الى مراهقتك يا أخي ؟ " قالت علياء بتهكم و ضحكت بصوت عال . نهرها علي بتأفف و قد ندم بالفعل لأنه أراها اياها , كان عليه اخفاؤها لن يسلم من سخريتها الآن " اخفضي صوتك سيسمعك أحدهم " تنهدت علياء بملامح مبتئسة , و ردت عليه بنبرة غيرة " واو أنا أحسد ملك فعلا على اهتمامك ، أنا لا أتذكر آخر مرة حصلت على عطر كهدية من سعد " " ماذا أفعل لك اذا كان زوجك رجلا بخيلا ؟ " قال علي منتقدا سعد , الذي لا يزال يحقد عليه , لأنه اختطف منه شقيقته الوحيدة . لكن علياء لم ترد عليه , و قد كانت مشغولة بالعطر , و الذي بعد أن تفحصته جيدا ، أخرجت الزجاجة و ناولته العلبة فارغة " خذ تخلص من هذه " مد علي يده يريد استرجاعها بانزعاج " أنت كفي عن الشغب و أعيدي الزجاجة مكانها " لم تلق علياء بالا إلى طلبه ، بل أخذت الزجاجة و بدأت برش العطر منها , على رقبتها و ملابسها بطريقة كثيفة . قام علي من مكانه بتحفز , و قد بدأ يشعر بالاستياء لما تفعله " ما الذي تفعلينه أنت ؟ أعيديها ليست لك ، اذا أردت أقتني أخرى من أجلك ، لكن هذه لملك توقفي عن استعمالها " نهرها بجدية و مد يده يريد استعادتها منها ، هو لن يسمح لها باستعمال العطر , الذي اختاره من أجل ملك بنفسه ، حتى لو كانت أخته . لكن علياء بعنادها تملصت منه ، و بقيت ترش لثوان أخرى ، قبل أن تتوقف و تحدثه ، و هي تضع الزجاجة أمام عينيها ، لتتأكد من الكمية المتبقية , نظرت بعدها ناحية شقيقها الذي بدأ يدنو منها , بملامح متجهمة ليأخذها عنوة من يدها , و سألته بخبث بالغ مع ابتسامة شقية " أنت ألا تريد من ملك أن تأخذ هديتها ؟ " نظر علي اليها بتوجس ، وقف مكانه و هز رأسه " أكيد " " و أنا سأجعلها تأخذها " فجأة توقف علي عن التكشير , و حاول فهم ما تصبو اليه " ماذا تقصدين ؟ " " ذلك شأني لا تتدخل ، تصبح على خير " أجابته و حملت بعدها الزجاجة معها , لتغادر الى غرفة الضيوف لقضاء الليلة . لم يعترض علي على شغبها , لأنه يعلم بأن علياء تنفذ ما تعد به ، و مادامت قالت ما قالته ، أكيد لديها خطة لذلك سينتظر و يرى . . . . تاهت أسيل في أفكارها , و هي تجلس أمام طاولة التصميم خاصتها , ترتدي منامة مريحة و ترفع شعرها كعكة , تمسك القلم في يدها , و عينيها تحدقان بتيه الى الفراغ , و هي تسترجع ما حصل معها منذ أيام " مرحبا أسيل " ألقت عليها ندى التحية , و جلست قبالتها على الكرسي , متجاهلة الملامح المتصلبة لأسيل , و التي سارعت لطأطأة رأسها , متجنبة الدخول في حوار معها . لم تفهم أسيل سبب مجيئها اليوم لرؤيتها , و هي لم تلتقها منذ أكثر من شهر , أو بالأحرى منذ الليلة التي دخلت فيها المشفى , هي لم تنس بعد كيف عاملتها , بمنتهى القسوة يوم الورشة , كالت لها التهم و الشتائم و حملتها نتائج تهورها , حتى أنها رفعت يدها عليها و صفعتها , و بالتالي فهي غير مرئية بالنسبة لها مهما قالت . تململت ندى قليلا في كرسيها قبل أن تبادر " كيف حالك ؟ " قالت بصوت هامس , و قد بدت مترددة جدا في كلماتها , ثم أضافت بابتسامة مصطنعة محاولة لفت انتباهها " هل أنهيت مشروعك ؟ " وصلة صمت آخرى جعلت ندى , تشعر بالارتباك للمعاملة الباردة , التي خصتها بها صديقتها القديمة , و التي غرست رأسها في حاسوبها و كأنها لا تسمعها . بعد بضع دقائق حاولت ندى مجددا , فيما لا يبدو أنها ستغادر بسهولة " أسيل أنا آسفة عما حصل بسببي , أعتذر لأنني تسببت في جرح شعورك " تشنجت ملامح أسيل لكنها تجاهلتها دائما , فيما لا يبدو بأن أي شيء قد تقوله ندى الآن , سيجعلها تسامحها و تنسى ما حصل " أنا طيبة لكنني ليست بلهاء و عديمة الكرامة " ذكرت أسيل نفسها , و قد اعتقدت أن ندى ستغادر , فهي تعرف كم أن أنفتها هائلة , و لن تتحمل معاملتها المهينة لها . لكن ندى خيبت ظنها , و بقيت جالسة مكانها تلتزم الصمت المطبق , تحدق في اتجاه صديقتها و تلاعب أصابعها و بعد وقت طويل انطلق صوتها مرتجفا يتخلله نشيج واضح " أسيل لقد فقدت طفلي " و دخلت مباشرة في نوبة بكاء مريرة , لدرجة أنها بدأت تشهق بصوت مرتفع , و تغطي وجهها بكلتا يديها , و هذه المرة لم تستطع أسيل الاستمرار بتجاهلها , فقد آلمها قلبها لنبرة العذاب في كلامها , رفعت أسيل رأسها فورا , و قد بدى التعاطف على ملامحها , لكن هالها منظر وجه ندى , و الذي لم تنتبه له الا الآن , لأول مرة تراها شاحبة اللون , دون الزينة التي لم تكن تغادر بيتها الا بوضعها , مع هالات سيئة تحت جفونها , و شعرها مجعد و مرفوع بعشوائية . لطالما كانت دائمة التأنق , لكنها تبدو بحال بائسة هنا , و عيناها تكادان تخرجان من محجريهما بسبب نحيبها . " حسنا أنا بلهاء " تمتمت أسيل لنفسها باستسلام , و قد خالفت كلامها السابق مباشرة , هي لا تستطيع التصرف بقسوة , أمام شخص يبكي بحرقة , و يقول أنه فقد طفله . لذلك قامت مباشرة من مكانها , و سارعت للوقوف الى جانب ندى التي حضنتها لمواساتها " البقاء لله , انا لله و انا اليه راجعون , اهدئي كل شيء سيكون بخير " قالت أسيل محاولة التخفيف عنها , و قد بدأت الأعين الفضولية بالتحديق ناحيتهما . هزت ندى رأسها دون كلام , و استمرت في بكائها , و هي تغرس رأسها في خصر أسيل , التي بدأت عينيها هي الأخرى بذرف الدموع . لأول مرة منذ تعرفها بندى , تراها كسيرة الروح هكذا , لطالما كانت قوية الشخصية لا تهاب شيئا , لكنها تبدو منهارة جدا بطريقة مخيفة . " لنغادر من هنا " اقترحت أسيل و قد بدأت تشعر بعدم الارتياح , من التواجد هنا بسبب النظرات المتطفلة , و وافقتها ندى بروح غائبة . جمعت أسيل أغراضها و غاردتا الاستراحة , بحثا عن مكان هادئ , من أجل بعض الخصوصية , بعد ربع ساعة استقرتا على كرسي في باحة الجامعة , يتوارى خلف الأشجار بعيدا عن الفضوليين . استمرت ندى بالبكاء بحرقة لوقت طويل , و كانت أسيل تجلس هناك تمدها بمناديل ورقية , قبل أن تعطيها كأس ليمون لتهدئ أعصابها الثائرة , منتظرة بكل صبر أن تتوقف و تكلمها . " اكتشف والدي ما حصل معي , اضطرت والدتي لاعلامه , بعدما وصلت الى طريق مسدود مع حسام , الذي كان يتهرب مني طوال الوقت , بسماعه ما حصل غضب مني بشدة , حتى أنه رفع يده علي , لأول مرة في حياته " تمتمت ندى بصوت مبحوح , ازدردت ريقها و أضافت " لولا أن جدتي تدخلت و أقسمت عليه , لما تركني الا جثة هامدة " مسحت ندى وجهها الغارق بالدموع للمرة المائة , و استرسلت فيما أسيل تجلس بصمت تام " اتصل بعد ذلك بوالد حسام لحل الموضوع , لكن الوضع ساء بمجئ حسام لمواجهته , بعدما هدده والده بالتبرؤ منه " أخذت ندى نفسا عميقا , تسترجع ما حصل يومها , و أضافت بصوت معذب " ما قاله يومها أمام عائلتي , جعلني أتمنى الموت على أن أعيش تلك اللحظات , قال أنني امرأة منحلة دون أخلاق سهلة المنال , و أنني آخر من يفكر الزواج بها , لأنني لست محترمة و لا أستحق اسمه , قال لوالدي أنه لم يحسن تربيتي , و الا ما كنت لوثت شرفه , و حملت طفلا دون زواج , و في الأخير عرض تسوية فرضها والده , بكتابة عقد زواج صوري بيننا , لمدة قصيرة لا تتعدى ثلاثة أشهر , و ننفصل بعدها بطلاق بالتراضي , لأنه لا يفكر أن يسدد نفقة لي كما قال , تخيلي أسيل صرخ في وجهي بكل وقاحة , ألا أحلم أبدا بأن يكون أبا لطفلي , و أن علي أن أتحمل مسؤوليته وحدي " ربتت أسيل على كتفها بحنان و اغرورقت عيناها , لكنها لم تعرف ما يمكنها قوله , لتخفيف الأمر عليها " المشكلة أن والدي وافقه على ما اقترحه , دون نقاش و كأنه يتصدق عليه , بدا ممتنا له جدا لأنه تنازل و قرر ستري , أخبرني أبي بعدها أنني علي أن أرحل بعد التخرج , حتى يمكنهم تلفيق القصة باختفائي , و أنه من الأفضل ألا أعود هنا مجددا , قال أنه موعود بمنصب اقتصادي هام في الحكومة , و لا يريد تضييعه بسبب استهتاري " صمتت ندى للحظات , قبل أن تضع يدها على بطنها بشرود كبير و تضيف " ليلتها شعرت بانقباضات سيئة جدا , و أصبت بنزيف شديد , فقدت بعدها جنيني أول طفل لي , من الرجل الذي اعتقدت أنني أحبه و يحبني " أطلقت بعدها ندى صرخة مكبوتة , و كأنها كانت تكتمها داخل صدرها , و هي تتحسس مكان رحمها الخاوي , من جنينها الذي كان يرافقها لثلاثة أشهر , حركة جعلت عينا أسيل تدمع بشدة , و تسارع لاحتضانها مجددا , و هي تربت على ظهرها محاولة تعزيتها " لا بأس هوني عليك , لم يكتب له الله ليعيش ندى , ستنجبين غيره من رجل يحبك فعلا " لم تستطع أسيل أن تخبرها , أن الخطأ يجر خطأ الى أن تحصل الكارثة , صحيح أن حسام تلاعب بها , و وعدها أن يتحمل المسؤولية حتى تثق به , لكن الوضع بأكمله كان غير سوي , و ما حصل كان متوقعا منذ البداية . قطعت عليها ندى أفكارها بأن استدارت ناحيتها " شكرا أسيل لأنك لم تقولي عن وضعي شيئا , حينما تجادلت مع حسام هنا و تفضحيني ذلك اليوم " رغم أن أسيل كانت حانقة جدا على ندى , الا أنها حينما اشتبكت مع حسام , لم تلمح حتى لعلاقته مع ندى أو الى حملها و قد كانت ممتنة جدا لوفائها و تكتمها , و هذا ما جلبها اليوم هنا للاعتذار منها . " لا بأس المشكلة كانت بيني و بينه , لم تكن تصفية حسابات معك " هذا ما فكرت فيه أسيل بعد كل ما جرى , فلولا نذالة حسام لما تلاعب بصديقتها , ثم قرر عرض مشاعره عليها , فثورة ندى كانت مبررة الى درجة ما , خصوصا مع الوضع اليائس الذي وضعها فيه , و هرب منه كالجبان . ابتسمت لها ندى بعناء , و قد تشوهت ملامح وجهها بسبب نحيبها " أعلم و شكرا لأنك رفضته و لم تمنحيه فرصة , لأنني حينها لم أكن سأحصل , حتى على تلك التسوية الرخيصة , التي ستنقذ ما تبقى من كرامتي التي أهدرها " " حسام آخر رجل قد أفكر بالارتباط به , حتى لو لم يصل الأمر الى حمل , ما كنت وافقت عليه " قالت أسيل بصراحة ما تفكر فيه , و احتضنتها ندى بشدة لأنها تعرف أنها صادقة " مجتمع ذكوري بغيض , يحاسب المرأة و يزكي الرجل " تمتمت أسيل بغل كبير , و هي تغوص في ذكريات ما حصل , و قد قضت يومها أكثر من ساعتين لتهدئة ندى , فرغم أن الذنب ارتكبه الاثنان , الا أن صديقتها ستدفع الثمن وحدها , فيما سيرتع ذلك السافل براحته و يستمتع بحياته , ليتزوج بعدها زيجة مشرفة , ستظل ندى منبوذة من أهلها , و المجتمع بقية حياتها , خاصة أنها أخبرتها بعدما هدأت , أن وجهتها ألمانيا بعد التخرج . " أنت أيتها الحمقاء أنا أكلمك " خرجت أسيل من أحلام اليقظة , على صوت خالد الخشن و هو ينهرها " ماذا تريد ؟ " " ليس أنا , والدي يطلبك في الصالون , قال أنه يحتاجك في أمر هام , و أنا أقف هنا أناديك منذ دهر , فيما أنت تحلقين في مكان ما كالبلهاء " قلبت أسيل عينيها بتذمر , و نهضت من مكانها بتباطؤ , و قد توجست من الموضوع الهام , فوالدها لا يحدثها الا اذا حمل لها مصيبة " مساء الخير أبي " ألقت التحية و رد سالم مباشرة و هو يخلع حذاءه " مساء الخير , أريدك أن تجهزي نفسك غدا , لترافقيني الى موعد هام جدا " بسماع أوامره شحب وجه أسيل و قطبت جبينها , أكيد سيعرضها على أحدهم أو يعرفها برجل ما نهرها والدها مجددا و طلب منها بنبرة تهديد جلية " ما بك لا تنظري الي هكذا كالصنم , أريدك أن ترتدي فستانا عصريا و تتزيني بأناقة , أريدك أيضا أن تتصرفي برزانة و أدب , و يا ويلك لو أحرجتني هناك , تعرفين ما سيحصل لك " هزت أسيل رأسها دون نقاش , و عادت الى غرفتها تجتر همومها , حتى أنها منعت نفسها من السؤال عن وجهتهما , لن يغير ذلك شيئا في الوضع , لكنها كانت متخوفة و بشدة , أن يقتادها الى عقد قران لا توافق عليه , كشاة تقتاد الى المذبح . " ألمانيا اختيار جيد " تمتمت أسيل لنفسها , و هي مستلقية على فراشها , و قد قارب الفجر على البزوغ , بعد ليلة مضنية من التفكير , فيما قد تكون المفاجأة التي يحضر لها والدها . و قد حزمت أمرها بالفرار من هنا , اذا حاول والدها اجبارها على الزواج من رجل لا تريده . . . . وصل موعد عشاء العمل ، الذي طلب علي من ملك مرافقته اليه , في الثالثة قصدت علياء مع ملك صالون التجميل , حتى لا تتأخرا في الاستعداد ، و رغم أن ملك كانت مصرة ، على أن تكون اطلالتها بسيطة كما تعودت ، لكن علياء بأسلوبها الجميل ، أقنعتها أنها عليها أن تتأنق لأن الموعد هام . بعد ساعتين التحق بهما علي مع كريم ، الذين قصدا الشركة سابقا لانهاء بعض الأعمال , كانت علياء تجلس بهدوء في غرفة الانتظار ، تقلب مجلات المودة الموضوعة أمامها ، و علي يجلس بجانبها يقلب هاتفه ، بحثا عن الأخبار الاقتصادية ، أما كريم فقد وقف الى جانب الشرفة ، لإرسال بعض الرسائل الالكترونية ، هو لا يحب هذه الأماكن ، لكنه هنا لأنه سيقل الزوجين ، و سيحضر مع علي كنائب له . بعد انتظار مطول بدا الانزعاج على وجه علي ، هو لا يحب انتظار أحد ، و ملك أخذت وقتها لعمل الشعر و الماكياج " لم كل هذا الوقت ؟ ملك لا تحتاج لعملية تجميل ، حتى تأخذ كل هذه الساعات " قال علي متذمرا و هو يهمس في أذن أخته ، التي رمقته بنظرة تحذير و نهرته " أنت تريدها أن ترافقك كزوجتك ، عليك أن تسمح لها أن تبدو كذلك ، كف عن التذمر " قبل أن يفتح علي فمه مجددا , و يضيف ما يفكر فيه ، دخلت صاحبة الصالون ، لتعلن عن انتهاء التحضير و جاهزية ملك للمغادرة ، صفقت بيديها الاثنتين و بعد دقيقتين ، دخلت ملك بخطى متأنية ، تحمل جانبي قفطانها في يديها , كانت متوترة بعض الشيء , و ترددت قبل الخروج لهم , لكن ذلك لم يغير شيئا في جمالها ، كان منظرها ساحرا ، شعرها مرفوع في عقدة منخفضة ، مع بعض الخصلات تنسدل على جبينها ، مكياج خفيف ركزت فيه المرأة على إبراز عينيها , و طلاء أظافر زهري أظهر جمال أصابعها الرقيقة , اللون الذهبي في القفطان ، تناغم برقة مع لون بشرتها الشفافة , و انعكس ليزيد بريق عينيها العسلية ، أما الحلي البسيطة , فزادتها أبهة دون ابتذال . انسدل القفطان ذو اللون الفيروزي على جسمها ، و كأنه تمت خياطته خصيصا من أجلها ، مع ترامي أطرافه على الأرض ، و فوق حذائها ذي الكعب العالي . بدخولها كان علي أول من تفحصها , من رأسها الى اخمص قدميها , اتسعت عيناه من المفاجأة ، و ابتلع ريقه قبل أن ينهض من مكانه ببطء ، و قد جالت نظراته التقييمية , على كل أنحاء جسدها بتركيز كبير , كان علي مشدوها بالمنظر أمامه , هو يعرفها منذ مدة طويلة نسبيا ، لكنها لطالما كانت ترتدي ملابس عادية ، مريحة و فضفاضة معظم الوقت ، حتى أن مناماتها طفولية و بسيطة , أما ما ترتديه الآن يجعلها تبدو أكثر نضوجا و اثارة ، تجعلها امرأة بأتم معنى الكلمة , حتى أنه بالكاد تعرف عليها ، استمر علي بالتحديق , دون أن يقول كلمة واحدة , و قد شعر بأن قلبه قد زادت نبضاته . ردة فعل علياء لم تختلف عن ردة فعله ، رغم أنها رافقت ملك الى التسوق ، و اختارت معها ما ترتديه الآن ، لكنها لم تتوقع أن تكون بهذا الجمال , بعد ارتداء كل هذا ، و كانت بدورها تشعر بالانبهار . حتى كريم الذي لا ينتبه كثيرا ، إلى هيئة الآخرين خاصة النساء ، توقف عن استعمال هاتفه ، و بقي يحدق ناحية ملك بفضول . شعرت ملك و صاحبة الصالون ، بالنظرات الغريبة من الأشخاص الثلاثة الواقفين قبالتهما ، دون أن تسمعا رأيا محددا لذلك بادرت المرأة بالسؤال " ها ما رأيكم ؟ ألا تبدو ساحرة ؟ " كلامها أشعر ملك بالخجل ، و توردت وجنتاها أكثر مغطية على ظلال الخدود ، الذي وضعته مختصة التجميل و كانت علياء أول من تحدث مع ابتسامة رضا " و الله تبدو رائعة ، لم أتوقع هذا " علي الذي يلتزم الصمت منذ البداية ، انتبه أخيرا بعد سماع ما قالته أخته , بعدما بدا الانبهار على وجهه للوهلة الأولى ، تحولت ملامحه فجأة الى استياء عارم و امتعاض واضح ، قطب جبينه و قد تجمدت تقاسيم وجهه , دون أي أثر للتقدير و الإعجاب كما توقع الجميع ، و سرعان ما فتح فمه ليبدي رأيه " لا ليس جيدا ، لم لا تساعدينها في التغيير الى ثوب آخر أكثر ملاءمة ؟ " كلم المرأة بفضاضة أجفلتها , و نظر بعدها إلى علياء , و قد عبس وجهه أكثر " ألم تقتني ثوبا آخر ؟ أو عباءة مثلا ؟ " قال بنبرة منزعجة , و همس آخر كلمتين بين أسنانه " عباءة ؟ " تفاجأت علياء لطلبه ، و هي لا تفهم ما الذي دهاه ، فملك تبدو جميلة جدا هكذا ، هل أصبح ذوقه سيئا فجأة ؟ لكنها أجابت بصراحة " لا لم نشتر شيئا آخر ، ثم ما ترتديه ملك الآن أفضل ما يمكن ايجاده " بعدما سمعت ملك تعليقه نظرت اليه بصدمة ، و قد التمعت عيناها بدموع مقهورة , هي لم تتوقع اطراءا منه , بما أنه ينتقد كل شيء و أي شيء ، كالمهووس الذي هو عليه , لكنها تفاجأت لمعارضته القوية لما ترتديه ، كان بامكانه التزام السكوت و مراعاة خاطرها , لكنه كالعادة لا يمكنه ابقاء لسانه السام داخل فمه . شعرت ملك بالاستياء فجأة ، و ألقت نظرة على ما تلبسه , و سألت بعفوية و بصوت مرتجف " هل هو سيء ؟ هل أبدو بشعة في هذا القفطان ؟ " على الأقل هذا ما كانت تقوله نظرات علي المستنكرة , التي أشعرتها أنها ترتدي كيس بطاطا مرقعا . هنا تدخلت صاحبة الصالون ، و التي لم تعد تتحمل الانتقاد غير المنصف , الذي تسمعه من علي " عن أية بشاعة تتحدثين سيدتي لا سمح الله ، لو كنت أنت بشعة فسأغلق صالوني من الغد ، لأن لا أحد سيحتاج خدماتي " رمقت بعدها علي بنظرة عتاب و أضافت " أرجوك سيد علي ألق نظرة أخرى ، السيدة تبدو آية في الجمال و الأناقة " قالت محاولة التأثير على رأيه , دون أن تدرك أن هذا بالضبط ما يفكر فيه ، فمنذ اللحظة التي خطت فيها ملك داخل الغرفة , و هي تبدو كدمية جميلة , خرجت للتو من علبتها ، دمية تغريه ليعيدها الى كيسها و يخفيها عن العالم , هو لا يريد لأحد أن يراها هكذا ، لا يريد لعينين غير عينيه , أن تستمتعا بهذا الجمال و هذه الفتنة , حتى لو كان ما ترتديه ، مجرد قفطان جميل و محتشم ، و ليس ثوب سباحة فاضح . تذمر علي بغيظ و بدأ يلوم نفسه , لأنه فكر في اصطحابها إلى العشاء معه , أو ربما عليه الغاء اللقاء مثلا و العودة إلى البيت , فقد بدت الفكرة مغرية جدا في رأسه . لم تأخذ علياء وقتا طويلا لادراك ما يحصل ، فهي تحفظ شقيقها عن ظهر قلب , لذلك قررت التدخل و ايقافه ، قبل أن يتطور الأمر الى انزعاج ملك ، و رفضها مرافقته نهائيا ، لا تريد أن يضيع جهدها في تقريبهما سدى . " احم السيدة أعجبتها ملك , و أنا أراها رائعة " قالت و هي ترسل نظرات معبرة ناحية علي ، الذي كان منشغلا بالتهام ملك بعينيه , و لم يلتقط الإشارة . أضافت ملك ردا عليها " و أنا أيضا يعجبني " استرسلت علياء بأن أخذت نفسا عميقا " لم يبق في الغرفة إلا كريم ، حسنا ما رأيك ؟ " "....." كريم الذي كان لا يزال واقفا مكانه الى جانب الشرفة ، تفاجأ للسؤال و قد تحولت الأنظار كلها إليه ، مما أشعره بالارتباك و قلة الحيلة من جهة نظرة علي القاتلة ، كمسدس موجه إلى رأسه ، إذا قال أنها جميلة قد يقتله ، و من جهة أخرى نظرة ملك المتأملة ، إن قال أنها سيئة ستحزن ، اضافة إلى كونها كذبة فاضحة ، فالمرأة هناك تبدو مثل عارضات الأزياء . صمت كريم لبضع ثوان ثم أجاب بحيادية , بعدما حاول أن يضع أكثر نظرة جدية على ملامح وجهه " تبدو مناسبة " لم يقل جميلة و لم يتغزل بمظهرها , رغم أنها تستحق الثناء ، إلا أن ذلك لم يمنع علي ، من إرسال نظرات مهددة ناحيته تقول " مناسبة ؟ انتظر سأريك لاحقا " قبل أن يسارع كريم ، و يشيح بوجهه إلى الخارج ، خوفا من أن يقفز علي عليه و يخنقه . بعد سماع جواب كريم ، سارعت علياء لانهاء الموضوع " إذا تفوز ملك بأغلبية الأصوات " نظر إليها علي نظرة مستهجنة ، سيكون حسابها معه عسيرا لاحقا , بسبب هذا الكرنفال الذي تسببت فيه , ما كان عليه تركهما يختاران بحرية , لكنها دنت من أذنه و همست له " بربك أخي توقف عما تفعله ، غيرتك واضحة ستفضح نفسك " "....." نظر إليها علي و المفاجأة في عينيه ، لم يتوقع أن ترى أخته من خلال تفكيره ، حتى هو لم يدرك أنها غيرة إلا قبل لحظات , المشكلة أن علياء لم تكن الوحيدة التي لاحظت الأمر ، بل كريم و صاحبة الصالون أيضا ، فقد بدا تملك علي واضحا جدا ناحية ملك ، و لكنهم لم يقولوا شيئا لاحراجه . حك علي جبينه بتوتر يفكر فيما يفعله , و قد راوده شعور سيء , بأنه سيأخذها لعرضها هناك , و الفكرة تعمي بصيرته , و تشعل النار في قلبه . رغم أن الحضور لا يتعدى خمسة أشخاص , الا أن ذلك لم يخفف من شعوره بالاستياء . بعد دقائق من الصمت ، كانت ملك من أخذ زمام الحديث " ماذا الآن ؟ أنا تعبت من الوقوف ، إن لم يكن مناسبا بالنسبة لك ، لا مشكلة سأغير ملابسي و أعود إلى المنزل , بإمكانك الذهاب إلى العشاء لوحدك " قالت بعدما تفحصت ما يرتديه ، كانت بدلة أرماني فاخرة سوداء ، و قميص أبيض مع ربطة فراشية مفتوحة ، و أزرار فضية على كميه ، و قد حلق ذقنه و مشط شعره باتقان كان علي يبدو أنيقا جدا و وسيما ، لذلك افترضت أنه لا يريدها أن ترافقه هكذا ، لأنه يعتقد أنها لا تناسبه , فقط لو تعرف فيما يفكر . قطع علي الجو المكهرب أخيرا , بأن ألقى عليها نظرة متفحصة أخيرة و أومأ برأسه " حسنا لا بأس لنغادر " قالها بلهجة استياء مخفيا , فقدانه السيطرة على تملكه المجنون , الذي طفا على السطح و كاد يفضحه , و وجهت له ملك نظرة بنفس درجة الاستياء . البارتات الجاية دمار , شكرا لوفائكم 😘💞💞 ....... | ||||
01-11-20, 11:15 PM | #608 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 66 ( الأعضاء 21 والزوار 45) ملك علي, منيتي رضاك, آلاء الليل, ام الور, Lolav, وردة الطيب, ميسيلسا, maha_1966, tok, روجا جيجي, Just give me a reason, Rere4040, mokdan, رهف أوس, قلب الاحزان, nora74, amana 98, هانا مهدى, بيجو, الاء ابراهيم, بالتفاؤل أحيا شكرا حبيباتي 💖💖🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺 | ||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|