14-10-20, 08:05 PM | #101 | ||||
كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء
| تابع الفصل التاسع عشر بعد أيام: دَقَّ عاصم على سطح المكتب بِغيظ ثم وضع كفيه على وجهه هاتفاً: _يا إلهي! ألن ننتهي من تلك القصة؟ هل أَصْبَحَت هوايتك أم ماذا؟ خاطبه ساري بهدوء قائلاً: _يا عاصم اسمع أنا... قاطعه بحنق شديد صائحاً: _ماذا أسمع ساري؟ أتريد بالفعل إقامة حفل زفاف للمرة الثالثة؟! أنا بحياتي لم أر مُطلقاً رجل يقيم ذلك العدد من حفلات الزفاف على نفس المرأة. زفر ساري بضيق شديد وهو يُصيح به: _يا ابني اسمعني، تلك المرة لن يكون حفل ضخم مثل سابقيه، سيكون تجمُعاً بسيطاً يضم أقرب المقربين فقط. ضغط عاصم أسنانه بغيظ مُتسائِلاً: _ألم تتعظ ساري؟! لِمَ لا تؤمن أن حفلات الزفاف بالنسبة إليك هي فأل سيء؟ رهف بالفعل زوجتك، فلتأخذها ولتذهبا إلى بيتكما وتُجَنِّب نفسك وتُجَنِّبها الفضائح وتُجَنِّبني أنا تخطيطاتك التي لا تنتهي والهرولة خلف مصائبكم بعد كل زفاف! ابتسم ساري بمُهادنة وهو يُعلِّق: _إن شاء الله سينتهي على خير هذه المرة.. ثم أردف بِشَك: _أعني.. أتمنى أن ينتهي على خير هذه المرة! مط عاصم شفتيه بعدم اقتناع وهو يسأله: _إذن ماذا تُريد سيادتك "هذه المرة"؟ هل أقوم بدعوة قاتل مأجور أم تِنينَ مُجَنح إلى حفلِكم ليُضيف بعض الحركة والإثارة والمتعة؟ نظر له ساري بامتعاض هاتفاً: _لا يا خفيف الظل، أنا اتفقت مع عَمَّار على إقامة الحفل ببيته في الأصل، كل ما عليك فعله أن تجعل خطيبتك المُبَجَّلَة تُقنِعها بالذهاب معها إلى حفل ما في نفس الوقت. حدَّق به عاصم بدهشة ثم صاح: _يا إلهي! أتريد ألا تجعلها تحضر حفل زفافها؟ لقد جَنَحت أفكارك بعيداً هذه المرة حقاً! عض ساري على شفتيه بغيظ وهو يهتف به: _يا عاصم ركِّز معي قليلاً، أريد أن أُرتب لها نوعاً من المفاجأة، هي لا تعلم بذلك الموضوع من الأساس. ظهرت علامات الاستيعاب أخيراً على وجه عاصم ثم رد: _فهمت، اعذرني أنا لي خبرة سابقة مع مفاجآتك وهي ليست دائماً بتلك الشاعرية! ابتسم ساري باستفزاز وهو يرد: _لايزال طريقك طويلاً جداً لتتعلم مني! رمقه عاصم بضيق وهو يسأله: _إذن ما هي الخطة الجديدة؟ التمعت عينا ساري بمكر وهو يُجيبه: _سأخبرك! ********** "هُناك حالة أخرى بعد دكتور حمزة." نظر حمزة إلى مساعدته بضيق، فقد كان يستعد للعودة إلى المنزل والحصول على بعض النوم الذي يهرب به من عينين خضراوتين لا تتركانه ينعم بأية أفكار هادئة. _أدخليها رنا ولتكون الأخيرة لليوم. شرد بأفكاره إلى مُقتحِمة عقله والتي لم يعلم عنها شيء منذ أن أفضى إليها بأشد أسراره ألماً، ربما لاتزال غاضبة منه، ربما تعاطفت معه لكن ذلك التعاطف لم يُغير من نظرتها إليه كضارب للنساء! لكن أفكاره البائسة حَلَّقَت بعيداً فجأة مع اندفاع الباب وانطلاق أكثر صوت يتمنى سماعه هذه اللحظة بهتاف: _ أنا حقاً أريد رفع شكواي إلى مدير هذا المركز، لقد أُصيبت عيني منذ بضعة أسابيع بالتهاب فوَصَفْت لي نوعاً ما من القطرات لينتهي الالتهاب فوراً ثم يعود الآن بصورة أشدّ! واقتربت منه تميل على مكتبه مُشيرة بسبابتها إلى عينيها هاتفة: _انظر! ليرد بخفوت على ثورتها المُصطنعة غارقاً بِحقول عينيها: _أنا بالفعل أنظر! حمحمت بخجل مُتظاهرة بالحنق وهي تهتف: _أنا أفهم حركات الأطباء تلك، أردت أن تجعلني أُدمن تلك القطرات ولا أتوقف عن شرائها، ربما تذهب بعض أرباح بيعها إلى أحد أصدقائك في النهاية، أليس كذلك؟ هنا هب واقفاً بدهشة مُفتعلة هاتفاً: _مهلاً مهلاً! لِمَ تُصيحين بي بهذا الشكل؟ أنا قد وصفت لكِ علاجاً لحالتك ونجح، انتهينا!، ما يحدث بعد ذلك ليس من مسئوليتي، هو إهمال منكِ لا أكثر! ثم مال مُحدِّقاً بعينيها قائلاً: _لا ذنب لي أنكِ لا تقدرين قيمة تلكما العينين! وتوقفت عن التظاهر.. فتوقف هو؛ وتوردت وجنتاها.. فاتسعت ابتسامته هو؛ ولمَّا نضبت كلماتها.. تحدث هو: _إذن يا آنسة سارة، هل أفهم من زيارتك أنكِ تراجعتِ عن كراهيتي؟ هزت رأسها نفياً بسرعة وهي تهتف: _أنا لم أكرهك أبداً دكتـ... قاطعها مُبتسماً: _حمزة! عضت على شفتيها بحرج وهي تعي نظرته المُتأملة ثم تحدثت: _أنا لم أكرهك أبداً حمزة، لكنني نشأت على احترام المرأة وعدم استخدام العنف معها، لذا فلم أتقبَّل كونك ضربت زوجتك السابقة. هتف مُدافِعاً بلهفة: _لكن.. فقاطعته هي مُبتسمة بهدوء: _لكن أنا فهِمت حمزة، أُدرك معنى الفُقدان جيداً وأشعر بما شعرت أنت به من صدمة وألم وحسرة. لثوانِ لم يجدا سوى النظرات المُتبادلة كي تُعبر عما يشعره كلاهما، حتى حمحمت هي بحرج مُستدعية حنقاً زائفاً: _إذن يا دكتور حمزة، هل ستصِف لي نوعاً أفضل من تلك القطرات السابقة؟ أم أبحث عن طبيب رمد آخر؟ ابتسم هو مُجيباً إياها بخفوت: _لا طبيب رمد آخر بعد اليوم آنسة سارة، عيناكِ لي وحدي وسأُشرف على علاج ذلك الالتهاب بنفسي، لن أسمح له بتكدير صفو حبيبتاي أكثر من ذلك. تهرَّبت بعينيها منه وهي تتشبث بحقيبتها لا تستطيع التحكم في ابتسامة مُلِحَّة عاشقة ثم قالت: _إذن سامحتك، لن أثير المشاكل هذه المرة، إلى اللقاء! وكعادتها دون انتظار ردَّاً رحلت! لكنه لم يندهش تلك المرة، لقد أصبح يفهم كل طِباعها، وقريباً لن تستطيع منه هرباً.. المجنونة، الشقية، الرائعة، حبيبته الأولى والأخيرة! ********** "لا أفهم عاصم !إنها الشقة الثالثة التي نتجول بها بنفس البناية؟ ! أستترك الهندسة وتبدأ بامتهان المقاولات أم ماذا؟" هتفت سما بتلك العبارة وهي تتأمل أركان الشقة حديثة البناء والتي تُشبه سابقتيها، فحينما مرَّ عليها عاصم اليوم بالعمل أخبرها أنه يريد عرض "شيء هام" عليها، ليبدأ في المرور معها على شقتين حديثتين البناء وها هما الآن بالثالثة! ظهر التفكير على ملامحه ثم قال بِنبرة متآمرة: _أتعلمين أنها فكرة ممتازة كي أتخلص من ساري وتخطيطاته؟! إلا أنها للأسف ليست صحيحة، أنا أريد أن أعرف رأيك أنتِ في تلك الشقق اللاتي شاهدناها. ضيقت عينيها وابتسمت ببرود وهي تسأله: _أنت تعلم بتماثلهن تماماً، أليس كذلك؟ رد بنفاد صبر: _أعلم ولازلت أريد رأيك. حملقت سما في الأسقف والجدران الخالية وهي تهز رأسها باستحسان قائلة: _مساحتها واسعة، والغُرَف مُنظمة، والمنظر من الشرفة رائع. ثم عادت بنظراتها إليه مُتسائلة: _هل ستفتتحون فرعاً آخر للشركة؟ اقترب منها مُبتسِماً بحب مُجيباً سؤالها بهدوء: _الشقة الأولى لأمي، والثانية لأبي ولمريم، والثالثة لنا أنا وأنتِ. فغرت فاهها دهشة ثم هتفت: _كيف؟ اتسعت ابتسامته مع الذهول المُتقافز من عينيها وهي تهتف: _كيف؟ أمي لديها شقة، وأبوك ومريم لديهما شقة، و...كيف؟ حدَّق بعينيها مُخاطِباً إياها بحنان: _إنها فكرة أبي بالأساس عندما علِم أنني لا أجد حلاً لتلك المشكلة، فأمي مُتشبثة بكِ وأنتِ لا تودين مُغادرتها ولا نستطيع تركها وحدها، وأبي أيضاً لا أستطيع تركه بمفرده تماماً ومريم لاتزال صغيرة، فاقترح هو أن نبحث عن بناية حديثة البناء تضمنا جميعاً. أخيراً ابتسمت وهي تقفز بفرحة شديدة صائحة: _أنت تمزح عاصم أليس كذلك؟ لقد ظننت أنه لا يوجد حل لتلك المُعضِلة على الإطلاق، حتى اعتقدت أننا سنظل إلى الأبد مخطوبين فقط. عقد حاجبيه بضيق هاتفاً: _أبعد سيرة الزفاف التي لا ينفك ساري يحدثني بسواها منذ أشهر لا أحصل على واحد؟! بالطبع سنتزوج وسنقيم حفل أفضل من حفلهما، بل وسينتهي بالنهاية الطبيعية: دون كوارث..و العروس للعريس! تعالت ضحكاتها التي أصبح لا يُطيق يومه دون الاستماع إليها، ثم اقتربت هي منه مُبتسِمة بمكر هاتفة برقة: _عاصم، أود أن اعترف لك بشيء. اتسعت ابتسامته فوراً وهو يُحمحِم قائلاً بِزهو: _أعلم طبعاً سما! اعترفي وكُلِّي آذانٌ صاغية. شبكت أصابعها ببعض بتوتر وتوردت وجنتاها ثم هتفت بخفوت: _أنت لم تعُد عديم الإتيكيت! انمحت ابتسامته فوراً وقبل أن يُعلِّق كانت هي تتجاوزه بضحكة عالية: _هيا عاصم سنتأخر على أمي! بينما وقف هو مكانه للحظات يتراقص الغيظ على وجهه ثم اتجه إلى الخارج متمتماً: _لن تهدأ ضئيلة القامة حتى تُصيبني بمرضٍ ما! ********** "ماذا تعني سامح؟ أليس هناك أية وسيلة؟" صاح بها شديد بغضب هائل بالمُحامي الذي شعر بالغيظ وهو يرد: _أية وسيلة شديد بك؟ الوثائق كُلها مُثبتة وليست بها ثغرة واحدة أستطيع الانتفاع بها، لا أفهم حتى الآن كيف تحتفظ بمثلها بغرفة مكتبك؟ صاح شديد بحنق مُوَبِخاً المحامي: _هل أتيت إلى هنا كي تتساءل عن سبب احتفاظي بها بمكتبي أم لنرى حلاً لتلك الكارثة؟ نظر له المحامي ببرود ثم رد بهدوء مُشدِدَاً على كل كلمة: _لا يوجد حل سوى أن تتمنى أن أستطيع الفوز بحكم مُخفف. اتسعت عينا شديد بذهول تحول إلى غضب بالتدريج هاتفاً: _أتعني أنني سأقضي فترة من حياتي بين هؤلاء اللصوص والمجرمين؟ هز المُحامي كتفيه بلا اهتمام وبدأ بلملمة أوراقه مُجيباً: _يبدو كذلك شديد بك، فعلى العكس من كل مرة لن أستطيع أنا أو غيري إخراجك من هذه المُصيبة. ثم هبَّ واقفاً وانصرف دون كلمة إضافية.. أما شديد فقد ظل مكانه مُحملِقاً في اللاشيء للحظات يحاول استيعاب وضعه الحالي... هو شديد محمود الناجي الوريث الوحيد لأحد أهم مصانع الأخشاب ومعارِضها ينتهي به الحال في السجن؟! هو شديد محمود الناجي تُنسب إليه الفتاة التي لطالما هرِب منها ومن أمها؟! هو شديد محمود الناجي يُهزم على يد من وضعه تحت قدمه طفلاً وأهانه طِفلاً وجَلَدَه طفلاً وعذبه قدر ما استطاع؟! أبعد مشواره الطويل ينتهي هنا؟! أعلى الرغم من علاقاته وصلاته ينتهي هنا؟! أبعد كل الشهرة وكل النفوذ وكل المال وكل القوة ينتهي هنا؟! مع السارقين والقاتلين وتاجري المُخدرات؟! أي عار هذا؟! ********** "أنا لا أفهمك سما، لِمَ لا تصطحبين سارة معِك إلى ذلك الزفاف؟" هتفت رهف بهذا السؤال بحنق بينما تجذبها الأخرى إلى غرفتها مُغلِقة الباب وهي تُجيبها: _وهل أصبَحَت سارة مُتفرغة لي؟ لقد أطاح الدكتور بصوابها تماماً، منذ أن حدد موعد مع أخيها كي يأتي ليطلبها منه وهي لا تعيرني أدنى اهتمام. شهِقت رهف بانبهار وهي تتطلع إلى تلك التُحفة الفنية بغرفة سما! فأمامها وعَلَى بُعد بضعة أمتار يتدلى الفستان الأكثر روعة الذي رأته بحياتها من على الخزانة، ظلت مُحدِّقة به بذهول ثم سألت: _سما! ما هذا؟ تظاهرت سما باللامُبالاة وهي تُجيبها: _إنه فستان عادي، هدية، لكنه ليس بقياساتي، أترين الطول؟! ثم تظاهرت بالاستدراك هاتفة: _أتعلمين رهف؟! ربما يجب عليكِ أن ترتديه في زفاف صديقتي الليلة! هزت رهف رأسها باعتراض وهي لاتزال مُحدِّقة به بإعجاب واضح قائلة: _لا أستطيع، يبدو باهظ الثمن للغاية، كما أنني لا أعرف أي شخص في ذلك الفرح كي أذهب بهذا التأنق. اعترضت سما بشدة مُحاولة إقناعها: _يا فتاة! لقد حضرت زفافك الأول وأنا لا أعرف به إلا عاصم وسارة وذهبت بكامل أناقتي. ثم دفعتها برفق تجاه الخزانة هاتفة: _هيا هيا! أنا سأرتدي فستاني بغرفة أمي وأنتِ ستُبدِّلي ملابسك هنا، أسرعي لأن عاصم ليس صبوراً كثيراً. ثم تركتها وخرجت وهي لازالت مكانها تنظر إلى الفستان ذات لون السماء.. بانبهار! ********** "عُذراً يا عاصم! لماذا تذهب من هذا الطريق؟ إنه يؤدي إلى بيت أخي!" اتسعت عينا عاصم بإدراك متأخر بعض الشيء ثم حمحم مُحاولاً البحث عن إجابة فبادرت سما بابتسامة أخفت غيظها من.. ذكائه المعتاد: _أنا أريد أن أسأل مَوَدَّة عن شيء عاجل يخص العمل، سننصرف سريعاً. نظرت لها رهف بدهشة فتظاهرت بالتحدث مع عاصم بشأن البدء بتجهيز شقتهما.. انشغلت رهف بتحسُس قماش الفُستان الذي لا تُصدق حتى الآن أنها أطاعت سما وارتدته بمنتهى البساطة، مع الحجاب المُلائم والحذاء اللامع ذو المقاس المضبوط أيضاً! لِمَ بدأت تشعر الآن أن هناك أمراً غير طبيعياً؟! ... صعدت مع سما يتبعهما عاصم ووجيب قلبها يعلو بلا تفسير واضح، لقد رأت بعض الأضواء الرقيقة مُقترِنة ببعض الزهور مُعَلَّقين على الشُرفة من الخارج، والآن يقف ثلاثتهم على الباب فيفتح عَمَّار بأبهى حُلَّة. نظرت له باستغراب مُتسائلة: _عَمَّار! هل ستأتي معنا إلى الزفاف أم... بترت عبارتها عندما جذبها عَمَّار إليه مُقبلاً جبهتها بحنانه المعهود فأغمضت عينيها باستمتاع ككل مرة يفعلها بها. _مُبارك حبيبتي! رزقكما الله السعادة! فتحت عينيها بدهشة وقبل أن تنطق وقعت عيناها عليه.. خلف ظهر أخيها يقف.. بحُلَة سوداء وباقة ورود رقيقة وابتسامة عاشقة.. بدأ الإدراك يغزو عقلها وهي تتطلع إلى الزينة المُعلَّقة بجميع الأنحاء، وإلى أفراد عائلتيهما الذين يتطلعون إليهما بسعادة واضحة.. بدلاً من القاعة الفخمة.. كان هناك بيت أخيها الحبيب؛ وبدلاً من الحضور المُتلَهِّف للثرثرة والفضائح.. كان هناك أفراد معدودين مُتأكدة هي من تمنيهم السعادة لهما؛ وبدلاً من الفستان الأبيض الفخم.. كان هناك فستان رائع باللون السماوي وقعت بغرامه منذ اللحظة الأولى! لا يجب أن تفضحها دمعات فرحها الآن.. أو هي حقاً لا تهتم، لا يوجد هنا من تخجل أمامه. اقترب منها بابتسامته التي تعشقها مُحدِّقاً بعينيها هامساً: _مُبارك يا زوجتي! والابتسامة اقترنت بالرد الذي لم يتوقعه: _أتعني أن ذلك الفستان يخُصني أنا؟ اتسعت ابتسامته وهو يُجيبها: _الفستان وصاحب الفستان يا مُشَعَّثَة! لتُبادر هي للمرة الأولى وتحيط عُنُقه بذراعيها تُخفي دمعاتها على كتفيه، فما كان منه إلا اعتصارها بين ذراعيه وهو يُدرِك أخيراً أنها بالفعل أصبحت..له! وعندما ابتعدت هي بحياء همست: _أتعتقد أنك وحدك من تستطيع التخطيط للمفاجآت؟ استعد لمفاجأتي إذن! وغمزتها الشقية التي اختتمت بها عبارتها أرسلت الرجفة بجسده وأطلقت الخيالات الماجنة بِعقله فابتعد بعينيه عنها حتى لا يتهور أمام الجميع. ********** بعد ثلاث ساعات: "لماذا أصررتِ على عَمَّار أن يقوم هو بإقلالنا؟" ألقى السؤال عليها ما إن استقل المقعد الخلفي بالسيارة الزرقاء إلى جوارها، فأجابته بِمَرَح مُفتعل مُخفِية توتراً هائلاً: _ألم تُحرِّض صديقك وخطيبته على اختطافي؟ سنفعل أنا وأخي المثل معك، أنا لن أترك حقي ثانية! اتسعت ابتسامته وهو يقترب منها هامساً: _أصبحتِ شغوفة بالانتقام يا رهف، لكن احذري! أنا لستُ بالخصم الهين! أشاحت بوجهها مُبتعِدة عنه قدر ما استطاعت، بينما استقل عَمَّار مقعد القيادة رامقاً إياهما بِقلق من خلال المرآة ثم هتف: _هل أنتِ مُتأكِدة رهف؟ أومأت رهف برأسها إيجاباً فبدأ عَمَّار بالقيادة مُتَمتِماً بحنق: _احفظ لنا نعمة العقل يا الله! نقل ساري نظراته بين عَمَّار الذي يعقد حاجبيه ورهف التي اجتاح التوتر ملامحها بوضوح ليشعر بالقلق بدوره مُتَذكِّراً شرطها الغامض بالمشفى ومُتسائلاً بداخله: علام تنوي ؟! ********** وعندما توقفت السيارة أخيراً هبط منها عَمَّار تاركاً إياهما وحدهما، بينما تعالى صوت تنفس ساري بغضب شديد فمدت هي يدها تتمسك بيده هاتفة بهدوء: _ساري... قاطعها بغضب: _ما الذي نفعله بهذا المكان رهف؟ وإجابة على غضبه توسلته بنبرة ضعيفة: _أتثق بي ساري؟ هتف بها مُتسائلاً بنزق: _ما علاقة ثقتي بك بإحضاري إلى أكثر الأماكن التي أكرهها بالعالم؟ هنا كررت سؤالها بارتجاف: _أتثق بي حبيبي؟ تعانقت عيناهما وهي تدرك صعوبة الصراع الذي يعانيه بينما يرفض هو ما تطلبه منه، لكنه استسلم بآخر الأمر قائلاً بضيق: _أثق بكِ رهف. شبَّكت أصابعها بأصابعه وهي تبتسم له: _هيا بنا! هبط من السيارة وساعدها على الهبوط بدورِها ثم نظر إلى عَمَّار بحنق فهتف الأخير مُدافِعاً: _أقسم حاولت إثنائها عن ذلك الجنون لكنها يابسة الرأس كعمود الإنارة! لم يُكلف ساري نفسه عناء الرد على عَمَّار وهو ينظر إليها مُتسائلاً بغضب: _والآن، ماذا سنفعل؟ ردَّت بصرامة لا تدري من أين اكتسبتها أمام غضبه: _سندخل ساري، أريد الدخول إلى ذلك المنزل معك، أنت اشتريته لهدف ما على أي حال. تعاظم الجنون بعيني ساري فبادلته جنونه بنظرتها المُتوَسلة، هنا انسحب عَمَّار إلى السيارة واضعاً يديه على عجلة القيادة قائلاً: _إن أزعجك هذا الرجل هاتفيني سآتي وسآخذك منه على الفور! نظر له ساري بغيظ بينما شبَّكت رهف يديها بذراعه وهي تسحبه إلى المنزل.. حيث القبو الملعون! تطلع إلى حقيبة الصغيرة التي أعطاها لها عَمَّار قبل انصرافه، ووضعتها بجوار الخزانة بدهشة مُتسائلاً: _أهذه ملابس لنا؟! أجابته بلا اكتراث وهي تقوم بفك حجابها أمام المرآة: _نعم! حدَّق بها بدهشة وعقد حاجبيه بغضب وهو يسألها بهدوء مُريب: _هل أفهم أنكِ تريدين السكن بذلك المكان؟ ثم أردف صائحاً: _مستحيل رهف! التفتت إليه بعد أن حررت شعرها من عقدته صائحة بدورها: _أنا لم أقل أبداً أنني أريد السكن هنا، أردت فقط أن أتخلص من كل ما يجعلك عالقاً بهذا المكان، أردت أن أمحو معك كل الذكريات السيئة هنا، لِذا سنبقى هنا حتى أتيقن من أنك شفيت من عقدتك إلى الأبد. ثم أردفت بنبرة أضعف: _أنا لم أعرف منك أنت ما حدث، أخبرتني والدتك، وأخبرني عَمَّار، وأخبرني "هو"، لكنني أريدك أن تفضي لي بنفسك. وتابعت متسائلة: _لِمَ اشتريته في الأصل ساري؟ ما السبب الذي يجعلك تشتري أكثر مكان تكرهه بالعالم كما قلت؟ حدَّق بها والجنون يتراقص بأعينهما على التساوي.. قوي لكنه ضعيف.. رجل لكنه لا يزال طفلاً.. حُر لكنه_هنا بالتحديد_ لايزال سجين! وهي.. جميلة..فاتنة! فاتنة بشعر أسود تقف نهايته على حافة ظهرها.. بشفتين مُرتجفتين تأثراً وكأنها تُدرك أنها تقف على أعتاب أشد عذاباته ظلمة.. تتحداه الفاتنة! تتحداه وتضغط على أكثر جُروحه تقيُحاً؛ تدفعه للصراخ شاكياً باكياً؛ وبمنتهى الجمود رادَّاً على أسئلتها كلها بإجابة مُبَسَّطة: _لأنني لا أريد لأيٍ كان أن تطأ قدمه ذلك المكان كاشفاً جروح سحق كرامتي مُحتفِلاً بصخب إذلالي! تخشبت ملامحها مع مرأى الألم على قسماته ثم تابع هو بوجوم: _أرغب بأن أعترف لكِ بشيء. تسارعت دقات قلبها وَجَلاً، بينما تحدث هو بهدوء غريب قائلاً: _يوماً ما قلتِ لي أنني لِص. عقدت حاجبيها دهشة فابتسم بحسرة مردداً بخفوت: _أنا فعلاً لص يا رهف! اقتربت خطوة فأوقفها بإشارة من كفه متسائلاً بصوت مكتوم: _أتعلمين ماذا سرقت للمرة الوحيدة بحياتي؟! كالصنم صارت حيث تقف؛ كالتمثال يناظرها بعنفوان أدركت مدى هشاشته؛ ثم تخلص من سترته وألقاها على الفراش النظيف بهدوء قائلاً: _هذا هو بيت الأشباح خاصتي رهف! أردف وهو يُشير إلى الجدار المُتاخم لأحد المقاعد هاتفاً بهدوء: _إذا دققتِ النظر ستجدين بُقعة دِماء على ذاك الجدار.. تخصني! واستدار إلى العمود المُجاور للفراش بينما يَحُلّ رابطة عُنُقه بعنف مُتابعاً: _إذا دققتِ النظر ستجدين بُقعة دماء على ذاك العمود.. تخصني! وانطلق إلى الخزانة مُندفِعاً بغضب مُستخرِجاً منها أحبال خشنة، أصفاد، سلاسل حديدية و.. ذلك السَوْط! عاد إليها يرفعهم أمام عينيها المُترقرقتين بالدموع صائحاً: _إذا دققتِ النظر ستجدين بُقَع دماء متناثرة عليهم.. تخصني! فغرت فاهها بذهول تحدق في يديه المرتجفتين بـــ.. مسروقاته! _لقد سرقتهم رهف، لقد عُدت إلى هنا وسرقت أدوات تعذيبي بنفسي بعد أيام من رجوعي لأسرتي كي لا يؤذى بهم غيري! ثم ألقاهم أرضاً بقوة وبدأ بِحل أزرار قميصه ببطء لتشهق هي بصدمة وهي تتطلع إلى علامة الجَلْد المُميزة على صدره بينما تابع هو يهدُر ودمعاته تنحدر بلا توقف: _إذا دققتِ النظر ستجدين آثار ضعفي وعجزي واضحة كنور الشمس لن تنمحي يوماً. ثوان من الصمت وهو يتطلع إليها بعيني صبي في الرابعة عشرة لم يرتكب ذنباً بعمره القصير سوى أنه أبرز دفاعاً واهياً أمام الطاغية.. يسألها بدون كلمات ألن تنتهي معاناتي مُطلقاً؟! فتُجيبه بعينيها أنها ستقوم بكل ما يتخيل أو لا يفعل كي تنتشله من بؤرة ضياعه، كي يتحرر من ذلك القبو ولا يعود إليه أبداً.. مدَّت أنامل مرتجفة تتحسس طبقات الجلد البارزة وهي لا تراها جيداً بسبب تشوش نظراتها.. ثم مالت على الندبة الطولية فوق صدره تنثر قُبُلاتها الرقيقة المُختلطة بدمعاتها، أُغمِض هو عينيه لثوان أخرى ثم جذب رأسها إليه مختطفاً شفتيها مُفرِغاً كل آلامه بهما لتقرر هي الاستسلام حتى يُعلن تحرره.. وتحرُرها! ومن بين لُهاثهما المُتبادل همس أخيراً: _روحي ثائرة رهف، روحي تنتفض ثائرة فهل لديكِ لها من سَكَن؟ لِترد هي بكل العشق الذي يعتمل بصدرها تجاه ذلك الرجل، الحبيب، الزوج، الفارس المنقذ: _أعشقك ساري، وأعدك أن تنسى كل ما حدث هنا، الآن وفي نفس المكان سنبدِّل ذكرياتك البشعة سوياً بأخرى تخصنا وحدنا، ذكريات حُبنا فقط ساري! وتحولت الدموع المُظلِمة بعينيه إلى دموع هائمة وهو يجتاحها بعشقه بينما هي بين يديه..ساكنة! *****نهاية الفصل التاسع عشر***** موعدنا يوم الأحد إن شاء الله مع الفصل العشرين والأخير + الخاتمة | ||||
14-10-20, 09:40 PM | #102 | |||||
كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء
| اقتباس:
| |||||
14-10-20, 09:54 PM | #105 | ||||||||
| واااو فصل اكثر من راااائع و أخيرا استقرت كل الشخصيات لما تستحقه من نهاية سعيدة او عقاب على افعالهم السيىة و أعني بهذااشواق و دينا المشهد الأخير حرفيا عيوني اربع اربع 😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭 في انتظار الفصل الاخير و الخاتمة و ياريت لو ترجعين برواية اخرى | ||||||||
16-10-20, 02:00 AM | #106 | ||||
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته آسفة للتأخير كان اسبوع مشحون 😅 احم سعيدة انه رهف طلعت بخير واخيرا خلصنا من شديد 😃 حقيقي بيصعب عليا عمار وتغريد وصدمتهم كل فترة بمدى قسوته وقسوة أمهم وسعيدة انهم بيلقوا التعويض مع بعض ساري ورهف اكتر اتنين ندوبهم كتير وكويس انها طلعت سليمة بدل ما ينجن صعب عليا رغم لم بيجي يعترض ع الفرح اللي هو كل من تحت رأسك كان زمانه واحد وخلصنا يا بني 😂 بس بما انه ثنائي مميز فلايق عليهم تلت افراح وتقضية اول ايامهم في سحن ذكريات واتمنى يكتفوا بكده 😃 عموما ساري محتاح يطلع من الذكرى المحبوس فيها عشان يقدر يكمل حياته مع رهف اكتر حاجة بحبها بعد خناقات عاصم وسما خناقات ساري وعمار وغيرتهم من بعض 😂 أطفال حقيقي والفرح التالت بيثبت ان رهف لقطه وعلى نيتها وبدأت تشك لم راحت على ببت اخوها 😃 سعيدة ان سارة سمعت لحمزة وانه الدنيا وضحت بنهم عقبال ما نفرح بيهم وعاصم وسما بفرح واحد دون اعادة 😃 دينا وامها يستاهلوا اللي بيحصل لهم خالد موجود يرفع الضغط هو ملهوش نصيب يترفع ضغطه ولا ايه بارد جدا مفيش احساس مفيش حتى فهم للمواقف خالص 😂 شكرا لك ع الرواية اللطيفة جدا وان شاءلله الحق معاكي الفصل الاخير يوم الاحد ❤️ | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|