آخر 10 مشاركات
مرت من هنا (2) * مميزة *,*مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          حرمتني النوم يا جمان/بقلمي * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : esra-soso - )           »          أحزان نجمة ( تريش جنسن ) 446 ـ عدد جديد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الوصية ـ ربيكا ونترز ـ 452 ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          533 - مطلوب زوجة وام - بربارة ماكماهون - قلوب عبير دار النحاس ( كتابة - كاملة ) (الكاتـب : samahss - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          يا أسمراً تاه القلب في هواه (21) سلسلة لا تعشقي أسمراً للمبدعة:Aurora *كاملة&مميزة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ظلام الذئب (3) للكاتبة : Bonnie Vanak .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          الشيـطان حــولك .. *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : smile rania - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-09-20, 05:21 PM   #1

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي جريمة قلب (9) .. سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة * مكتملة ومميزة *








السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طبعا حابة اشكر جميع من قام وشارك وساهم في اصدار هذه السلسلة المميزة والتي تناولت قضايا شائكة في غاية الاهمية واتمنى ان تنال مشاركتي الصغيرة رضاكم وتفاعلكم معي وبقدم هالمجهود لغاليتي ضحى حماد ومنى لطفي نصر الدين يلي تعبوا معنا لحتى قدرنا نقدم هالمجهود

تنويه ..

النوفيلا منفصلة بالاحداث عن باقي السلسلة ولكنها مجتمعة في التقديم والفكرة مع باقي السلسلة التي تناولت كل لؤلؤة منها قصة منفصلة ايضا وتعالج قضية مختلفة اي انها نوفيلا مكتملة

مواعيد التنزيل كل يوم لمدة اسبوع باذن الله



### جريمة قلب ###









اللؤلؤة التاسعة من سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة




تمهيد .............
( يقال .. ان الاحساس بالضعف احيانا .. يجعلك تشعرين وترين امور لم تكوني ترينها في السابق .. امور قد لا يراها ايضا اغلب البشر او الاقوياء وهم مشغولين بصراعاتهم ليبقو على قيد الحياة .. ولكنها مع الاسف .. تكون هي الحقيقة المجردة بالفعل .. الحقيقة التي تصبح امامك معراة بالكامل ... وذلك الشعور يجعلك تتساءلين .. ياترى .. الى اين انا ذاهبة .. ما هو هذا المستقبل الذي اخطو نحوه دون ان اعلمه .. هل تصدقين .. بعد خروجي من السجن .. اكتشفت ان الكثير من الامور التي كنت احبها ومتعلقة بها قبل دخولي اليه .. او حتى كنت اشتهيها وانا بين جدرانه وكنت احلم في اليوم الذي ساقوم بها فيه .. قد تبخرت وتبدلت بالكامل .. لاجد نفسي وقد تعلقت بامور جديدة مختلفة تماما عن سابقتها .. امور لا تشبه نفسي السابقة .. ولا حتى نفسي الحاضرة التي كنت اعيش فيها بين جدران السجن .. لقد دخلت الى هناك وانا مجرد انثى طائشة قد غادرت مراهقتها مؤخرا .. بعمر الاثنى و عشرين عاما .. لاخرج وانا امراة ناضجة .. بعمرالثانية والثلاثين .. هل تصدقين انني في الكثير من المرات اتعمد المشي اسفل المطر والابتلال بمائه فقط لاصدق باني بالفعل اصبحت حرة .. صوت قطرات المطر الذي كنت اسمعه اثناء اصطدامه بنوافذ وقضبان السجن .. فاتساءل وانا هناك .. ترى .. هل هو لازال بنفس شكله .. بنفس نقاء ماءه .. برائحته المميزة مع اختلاطه بالتراب ...امور نسيتها تقريبا مع طول فترة حبسي .. ااااااااه ... اين كنت والى اين انتهيت امر غريب جدا .. وتجربة ما كنت لاخوضها لولا ضعفي .. قد تسالينني ما هو شعورك الان تحديدا .. وبعد مضي عامين على خروجي من هناك .. بصراحة .. لازلت اشعر في الكثير من الاحيان باني اجنبية رغم اني اعيش في عقر بلادي .. ولكني .. لازلت صامدة .. ربما بسببه هو فقط .. فانا اشعر بان التجربة التي عشتها بعد خروجي من السجن قد شقتني من المنتصف .. وغيرتني كما لم يغيرني السجن .. يده اتي امتدت لي في احلك اوقاتي وكانها استأصلت قلبي الاثم ذاك واستبدلته بقلب جديد نقي ينبض بالحياة والتفاءل والامل رغم كل الصعاب .. قلب لم يشبهني في البداية .. رغم اني قد اظهر وكاني متاقلمة معه ولكن .. لازالت روحي ملطخة ببعض السواد االذي ينبذه هذا القلب المشبع بحبه وقوته .. لذا .. لم يكن امامي اي خيار يشمل الاستسلام .. ولان صراع قلبي وروحي كان السبب بجريمتي الاولى فاني اجد ان الوقت مبكرا جدا للاقدام .. فانا لازلت اقاوم لاتخلص من كل درائن ذنوبي ولاقاوم نظرة المجتمع لي .. لجريمتي .. لجريمة قلبي ... )
السجينة : - ضياء الحسني ........
التهمة : - جريمة قلب ....

________________________
المقدمة ......

تجلس وعينيها معلقة على باب الكافيتيريا تنتظر بفضول حاولت اخفاءه من على صفحة وجهها وهي تحافظ على جلستها المهيبة بعض الشيء .. قد كان ليكون هذا يوما عاديا من تلك الايام التي تقضيها غارقة بين صفحات ابحاثها الخاصة بكتابها الجديد .. قصص غرقت بين طيات تفاصيلها واحداثها العجيبة .. معاناة حاولت ايصالها عن فتيات تعرضو للكثير والكثير من الاحداث والظروف المتشابكة .. هي ليست في مكان الجلاد لتحاسبهم فجميعهن قد تمت محاكمتهن وعقابهن على حسب الاجراءات القانونية .. بالتاكيد هناك مظلومات .. كما يوجد ظالمات .. بالتاكيد هناك ظلم واقع .. كما ايضا هناك عدل سائد في بعض الحالات .. هي في النهاية مجرد امينة تنقل احداثا مرت بها اؤلئك الفتيات على السنتهن .. لتصل في النهاية الى غايتها .. الى هدفها ورسالتها .. الى عموم مصلحة الجميع .. ان نتعلم من اخطاء الغير ونحذر منها فلا نقع فيها .. جرس انذار قد يستفيد منه البعض .. او قد يتجاهله الاخرين .. ولكنها في النهاية قصص لنساء قاومن كل الظروف .. وحاولن الوقوف على اقدامهن .. رغم تلك العتمة التي لونت فترة من حياتهن .. عتمة السجن .. واليوم .. اتصال واحد اثار كل حماسها الذي كاد ان يكل وينهك من كثرة ما سمع وقرا من مصائب سابقة .. اتصال كادت ان تيأس من قدومه لطول المدة التي فصلتها عنه .. اتصال من المتهمة .. ضياء الحسني .. متهمة دلتها عليها السيدة منال .. احدى راويات كتابها .. متهمة لم تعلم لما شعرت بفضول شديد للتعرف عليها .. ربما بسبب ذلك الغموض الذي يحيط بتفاصيل قصتها .. لقبها الذي عرفت فيه اثناء الفترة التي قضتها في السجن .. السجينة الخرساء .. اجل .. الخرساء .. فرغم كونها تسمع وتتحدث بشكل جيد ولكن .. هي امراة اتبعت الصمت كمنهج طوال فترة اقامتها فلم تختلط مع اي ممن حولها من السجينات ولم تشارك قصتها مع احد .. لقب اخر اثار فضولها ايضا .. صاحبة العيون المظلمة .. خوف وحيرة رافق جميع من سالتهن عنها من زميلاتها السابقات في السجن .. ربما لهذا السبب لم تتوقع هذا الاتصال منها .. او ربما شعرت ببعض الامل بعدما علمت ما الت اليه احوالها بعد مرور فترة على خروجها .. باحثة في جمعية انقاذ المراة المقهورة .. اي ان عملها قد يشبه العمل الذي تقوم به هي الان في هذا الكتاب فوظيفتها ان تبحث عن النساء المظلومات لتحاول انقاذهن .. لمحة الى ساعتها ادركت من خلالها بان المعاد الذي تم تحديده بينهما قد ازف بل وقارب على المرور .. هل يا ترى تراجعت مرة اخرى عن اللقاء .. سؤال بدا يثير بنفسها عواصف الشك التي جعلتها تتململ بجلستها بنفاذ صبر وعينيها تجولان حولها مرة اخرى فربما تكون قد فقدت شيئا دون ان تنتبه له ولكن .. صوت الرنين المميز للجرس المعلق على باب الكافيتيريا جعلها ترفع عينيها بامل لترى من القادم و .. مفاجأة اخرستها لثانيتين وخيبة تصيبها مرة اخرى فمن دخلت للتو مجرد فتاة عادية بلون بشرة حنطي وشعر اسود طويل يصل الى منتصف ظهرها وملامح متوسطة الجمال يغلب عليها الطابع العربي خصوصا مع اتساع فتحة عينيها المظلمتين بسواد لامع جذاب بطريقة غريبة .. سواد مظلم ذكرها باللقب الذي اطلق على السجينة التي ستقابلها فاعادت النظر مرة اخرى والشك يداعب مكامن روحها خصوصا مع لمحة التردد التي كست ملامح تلك الوافدة وهي تبحث بارتباك حولها قبل ان تلتفت بنصف التفاتة مترددة وكانها تنوي المغادرة الا ان يد رجولية امسكت بكفها وصاحبها يحرك راسه بعلامة الرفض وقد اكتست ملامحه بحنان داعم اضفى للمشهد روح انسانية اثارت بنفسها قشعريرة بسيطة وعينيها تراقبان المشهد امامها بفضول قاتل .. فضول صحفي انفجر بصدرها بحماسة خصوصا مع وجود ذلك الرجل صاحب القامة الرباعية والملامح الصارمة برجولة مهيبة تحمل بين طياتها نضوج واضح .. حقا .. هل يعقل ان تكون هذه ضياء الحسني التي تنتظرها بالفعل .. سؤال جاء جوابه على هيئة التفافة من الفتاة شملت بها المكان قبل ان تستقر عليها هي مما جعلها ترفع يدها باشارة مبهمة وكانها تقوم بنصف تحية .. اشارة لاقت تجاوبا من الفتاة التي اعادت انظارها الى الرجل لوهلة قبل ان تسحب انفاسها بعزم وتتجه اليها بخطوات شبه واثقة .. وبطريقة رسمية وقفت امامها وهي تمد يدها للمصافحة هامسة ( انت بالتاكيد السيدة وداد اليس كذلك .. فوصفك ينطبق على الوصف الذي منحتني اياه على الهاتف )
حسنا لقد حسم الامر اذن وهذه بالفعل .. بالفعل المتهمة .. ضياء الحسني .. السجينة الخرساء صاحبة العيون المظلمة .

يوم كامل مر بعد هذا اللقاء .. يوم قضته وهي تنظر بين الفترة والاخرى لذلك الملف الذي سلمته لها ضياء مع الرجل الذي كان معها .. الرجل الذي عرفته على انه المدعي العام صائب السالم .. ملف ترافق مع بضعة كلمات بسيطة قالتها لها وهي تعطيها اياه ( في هذه الاوراق .. ستجدين مذكراتنا التي دوناها انا وصائب كعادة وجدنا اننا متفقين عليها .. مذكرات كنا نسجل فيها كل ما يمر بنا من باب الترويح عن النفس .. ولقد وجدت انك ستكونين امينة عليها رغم كل ما تحويه من مشاعر خاصة بنا .. لذا رتبتها لك بطريقة زمنية بحيث تستطيعين من خلالها تتبع قصتي .. و بداتها منذ اللحظة التي قابلته فيها لانني اعتبرت بان حياتي مقسمة الى قسمين .. قسم هونتيجة للاخر .. لن اقول بانني قد ارتكبت جريمتي بسبب ظروفي الصعبة .. بل لا يوجد اي مبرر لما قمت به سوى حماقتي لذا .. ربما كان من الافضل ان تقراي هذه الامور لان الاعتراف بها بشكل مباشر امر صعب سيجعلني اجبن واتراجع واحاول اخفاء بعض الحقائق والافكار التي راودتني .)
كلمات تفاجات بها لوهلة هي تتناول الملف منها قبل قولها ببطء ( اتعنين ان الكلمة المقروءة اسهل على النفس من الكلمة المسموعة )
حركت راسها بالرفض ليجيب هذه المرة ذلك الرجل الصامت والذي يقف الى جانبها ( بل الاعتراف المكتوب اسهل على الروح من الاعتراف المنطوق .. فالنفس البشرية بطبعها لوامة تحاول البحث عمن تلقي عليه اسباب فشلها .. لذا .. عندما تناجين نفسك بصدق فحينها يمكنك فقط الاعتراف بما قد ارتكبته .. ولان هدفك مصلحة الجميع .. فكان من الافضل ان تصلك القصة بكامل تفاصيلها ومشاعرها لتكون عبرة لغيرها )
منطق اخرسها فلم تجادل وهي تراها تغادر من امامها وقد تعلقت نظراتها لوهلة بذلك الملف وكانها تراجع نفسها وقرارها .. قرار دعمها باتخاذه على ما يبدو ذلك المدعي العام وقد امسك بيدها مرة اخرى ليشد عليها بقوة محيطة هادئة داعمة وكلاهما يتركانها وبين يديها لغز تشعر بثقله منذ حملته في اللحظة الاولى .. لغز اخرت كشفه حتى اعدت نفسها لتلقيه قبل ان تفتح اولى ورقاته وتبدا بالقراءة واخيرا .

ملاحظة .. حاولت تحميل صورة النوفيلا بكل شكل ولكن لم ينجح الامر


روابط الفصول

المقدمة.... اعلاه
الفصل الأول المشاركة.... التالية
الفصل الثاني.... بالأسفل
الفصل الثالث والرابع.... بالأسفل

الفصل الخامس والسادس والسابع
الفصل الثامن والتاسع
الفصل العاشر الأخير




ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 26-09-20 الساعة 11:02 AM
حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-09-20, 05:26 PM   #2

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي جريمة قلب .. المذكرة الاولى .. سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة

لؤلؤة_في_محارة_مشروخة
جريمة_قلب

* المذكرة الاولى ........
الراوي .. صائب السالم .
المكان .. اورقة المبنى القضائي .

الفضول ........

ابتد اليوم بالنسبة لي كاي يوم عادي .. ولكن .. لم اكن اعلم حينها باني ساقابل تلك الانسانة التي ستغير الكثير من معتقداتي .. يوم كان من المفترض ان اقضيه في مراجعة الملفات الخاصة بالسجينات اللواتي قد ترشحن لنيل العفو المشروط .. عفو لا امنحه الا في حالات نادرة جدا فبنظري .. العقوبة التي تفرض منذ البدء على المتهم هي العقوبة الانسب لجريمته لذا عليه ان يقضيها بالكامل ليتعلم من خطئه ولا يكرره .. هل السجن يعتبر رادعا للمجرمين ام انه فقط مرتع لزيادة نسبة الاجرام لدى البشر عندما يختلطون بامثالهم او بمن يفوقونهم شرا؟؟ سؤال لطالما وجه لي ولطالما وجهته لنفسي ولكن .. في النهاية لم يعد يعنيني الاجابة عليه فببساطة ان هذا الامر يعتمد على الشخص نفسه وعلى مدى تعلمه من خطئه . ففي حياتنا دوما ما يوجد طريقان نختار بينهما .. طريق الصواب وطريق الخطأ .. ولن يوجد رادع يمنعنا عن الخطأ سوى ضمائرنا .. لذا .. لا السجن ولا غيره يمكن ان يحدد مستوى الفائدة والتعلم من اخطائنا .. الا انه قد يكون مكان مناسب نحجب فيه الاناس المظلمين و المؤذين عن باقي البشر .. ورغم انه قد يتواجد بعض الحالات المظلومة الا انها باعتقادي حالات استثنائية لا تستحق الذكر طالما انني اعمل في منظومة القضاء والنيابة والتي اسعى جاهدا لتحقيق العدالة الاجتماعية والقانونية من خلالها .. ومن هذا المفهوم اطلق علي لقب المدعي العام عديم الرحمة بسبب رفضي للكثير من اؤلئك الحالات المعروضة علي لنيل حريتها المشروطة التي لا تستحقها بنظري .. ومن هذا المعتقد بدات بمرارجعة تلك الملفات بنصف تركيز بينما يتركز باقي انتباهي على استذكار بعض الادلة الخاصة بقضية القتل التي كنت احقق فيها .. تركيز مشتت كنت اقرا بواسطته معلومات عن اؤلئك السجينات اللواتي تم تقديم الالتماس لهن لكي تخفف عدد سنوات حبسهن فيتمكن من الخروج بسبب ظروفهن الصحية او الاجتماعية او حسن سلوكهن في الفترة التي قضينها في السجن .. وفي خضم غرقي بين هذه الملفات برز ذلك الاسم الذي توقفت عنده طويلا .. اسم جذبني بشكل غريب لا اعلم سببه .. ترى هل لانه يشابه اسم ابنتي .. ضياء .. اوليس اسم يناقض ظلمة المكان الذي تحوي جدرانه هذه الانسانة التي تحمله .. بخط عريض وبقلم احمر كتب هذا الاسم على راس احد الملفات .. ضياء الحسني .. ما قصتها يا ترى .. فضول استولى علي لاجذب هذا الملف من بين كل الملفات التي كانت تفترش الطاولة امامي ..
المتهمة : ضياء الحسني ..
التهمة : القتل الشبه متعمد و الاهمال الوظيفي ..
الحكم القضائي : خمسة عشر عاما مع امكانية الاستئناف ..
السنوات التي تم تنفيذ الحكم فيها : عشر سنوات ونصف ..
المدة المتبقية على نهاية الحكم : اربع سنوات ونصف ..
سبب طلب اطلاق السراح المشروط : حسن السير والسلوك للمتهمة والحالة النفسية المتدهورة لها ..
الحالة النفسية المتدهورة لها ؟؟؟ اوليس هذا سبب غريب لاطلاق السراح المشروط .. من منا لا تسوء حالته النفسية بعدما يحرم من حريته لمدة عشر سنوات ونيف .. يالهذا الهراء .. هل حقا يظنون ان الامر يمكن ان يحل بهذه السهولة .. فان كانت قاتلة فعليها ان تنال كامل عقوبتها ولكن .. اوليس الحكم بخمسة عشر عاما على قضية تحمل عنوان القتل الشبه متعمد امر مبالغ فيه ؟؟ فضول كامل استولى على عقلي المتشكك بطبيعته مما جعلني وللمرة الاولى اطلب من المسؤول الخاص بالارشيف الملفات الكاملة المتعلقة بهذه المتهمة .. ملفات قضية المتهمة ضياء الحسني .. فضول انفجر بالكامل في وجهي ما ان غرقت بين صفحات تلك القضية .. قضية غريبة بحق .. فالقتل تم من خلال وظيفتها المهنية .. هي ممرضة .. وقد قتلت مريضها عن طريق حقنه بحقنة دوائية خاطئة .. وعائلة المتوفي اصرت على كونها قد قتلته بتعمد مسبق بسبب اهمالها في قراءة ملفه المرضي الذي يثبت حساسيته لهذا الدواء وبسبب شجار سابق مع عائلته ولكن .. لم تجد النيابة اي ادلة ظرفية تثبت التعمد فلا فائدة تعود على المتهمة من القتل ولا توجد اي قرابة قد تجمعها بالقتيل .. لذا تم اثبات الجريمة على كونها قتل شبه متعمد اذن .. لما تم منحها اقصى مدة عقابية لهذه الجريمة .. هل حقا كان القاضي و المدعي العام الخاصين بالتحقيق والحكم في هذه القضية متاكدين من كونها قد قتلت متعمدة ولكنهما لم يتمكنا من اثبات هذا لذا .. اتخذا الاجراء الاقصى بنظرهما في هذه الجريمة .. اسئلة غريبة ظلت تدور بعقلي خصوصا وان الملفات التي قد حصلت عليها لم تكن وافية ابدا من هذه الناحية .. اسئلة اشعلت حسي البوليسي.. وفضول زلزل حماستي واحتل تفكيري حتى وانا احاول تجاهل الامر لشدة انشغالي بامور اخرى .. بتردد امسكت ختم الرفض للقضية ولكن .. باخر لحظة تراجعت و قررت ان اقابلها .. ان اقابل تلك المتهمة ضياء الحسني واسمع منها .. خطوة لم اقم بها قبل ذلك ابدا الا ان .. اسم القتيل المالوف بشكل غامض بالنسبة لي زاد من حماستي لاخطو نحو المجهول .. مهمة قررت تنفيذها في صباح اليوم التالي .. ان ازور ضياء الحسني في السجن .

يعتقد البعض بان تعاملنا الدائم مع المجرمين يجعل لدينا حدس معين يمكننا من اكتشاف المتهم من النظرة الاولى له ولسلوكه .. امر مقبول ومنطقي بعض الشيء فالمعلم مثلا يمكنه ان يلتقط اشارات الطلاب المتميزن من اليوم الاول ولكن .. هذا لا يمنع وجود بعض الاستثناءات التي تثبت القاعدة وضياء .. كانت احدى هذه الاستثناءات .. فلقاءنا الاول لم يكن بسيطا ولا سهلا ابدا .. بل كان فلسفيا وكارثيا .. لقاء لا يمكنني ان انسى تفاصيله ابدا .. منذ اللحظة الاولى التي اعلنت فيها السجانة عن دخول المتهمة الى مكتب الاستدعاء حيث اتواجد هناك .. وحيث رايتها للمرة الاولى .. فتاة بنظري كانت في تلك اللحظة .. بسيطة جد .. سطحية جدا .. بريئة جدا .. غامضة جدا .. و .. مخيفة جدا .. نظرة واحدة منها الي شملتني فيها قبل ان يظهر على ملامح وجهها لامبالاة عجيبة لا تتوافق مع وضعها خصوصا وانا اقدم نفسي لها بصوت تعمدت جعله مهيبا وصارما .. ( انا المدعي العام صائب السالم الذي توليت ملف اطلاق سراحك المشروط .. وهناك بعض الامور التي احب ان استفسر عليها منك .. هل يمكننا البدء الان )
كنت اثبت انظاري على الورق المتموضع امامي بتجاهل متعمد مني لها لاثبت سلطتي ولكن .. ذلك الصمت الذي واجهني بعدما قلت كلامي جعلني ارفع عيني لارى سبب تاخرها بالاجابة ... وعندها فاجأني مظهرها الساخر واستثار اعصابي خصوصا مع اصرارها على عدم الرد بوقاحة ظهرت بنظراتها اللامبالية وهي تحملق في كل شيء من حولي متجاهلة النظر الي بدورها بشكل متعمد واضح مما جعلني اضرب بطرف القلم على المكتب لاستجلب انتباهها وانا افتح عيني بطريقة متسائلة .. حركة كانت تثير مخاوف غالب من اقوم باستجوابهم ولكن .. هي لم تخف .. هي فقط اكتفت باشارة من يدها اعلنت فيها عن موافقتها على بدئي باستجوابها .. اسلوب هز كياني المعتاد على التصرف بهدوء بارد في مثل تلك المواقف ومع مجرمين اعتى منها .. وبحركة حاولت فيها افراغ بعض غضبي امسكت بملفها ملوحا به امام وجهها وانا اقول بنبرة شبعتها باستهانتي وسخريتي ( هل حقا ستتصرفين بهذه الطريقة المتعالية مع شخص يمسك مصيرك بين يده .. الا تعلمين ما هذا الملف .. انه ملف اطلاق سراحك المشروط والذي انا وحدي قادر على منحك اياه او على رفضه )
قد يتوقع المرء من الشخص الذي امامه اي تصرف متوسل او خائف عندما يلوح التهديد كورقة رابحة تغير موازين القوى ولكن .. هي اكتفت فقط بمط شفتيها ملوحة بيدها باشارة شاملة نحو السماء ( الله وحده هو الذي بيده مصيري .. وما انتم الا ادوات سخرها لتنفيذ قدره .. لذا .. فمهما كان قرارك فانا لن اخضع او انحني او اتذلل لاي شخص مرة اخرى )
صوتها المبحوح تسلل عميقا بداخلي بشكل اهتز معه قلبي قليلا .. ايمانها التام بكلماتها اصابني ببعض تانيب الضمير فحاولت تغطية تاثري بقولي ببرود وانا اعيد انظاري نحو ملف القضية الخاص بها ( ما قلتيه لا يمنع تجاوبك معي فانا فقط هنا لاسئلك بعض الاسئلة المستحقة قبل ان اصدر قراري )
رفعت اكتفها ببطء مستهجن وهي تحرك راسها بالموافقة النصفية قائلة ( ومن اهم حقوقي التي لازلت اتمسك بها هو حقي بالصمت واختيار ما اريد الاجابة عليه .. ففي النهاية .. جميعكن واحد .. جميعكم كائنات سطحية لا تستخدم عقولها الا لتنفيذ مصلحتها )
لوهلة اردت ان اترك المكان وان اعاقبها برفضي لاطلاق سراحها ولكن .. تلك الخيبة الواضحة بصوتها مست شغاف فضولي مرة اخرى فحركت راسي بنصف استدارة متسائلا ( جميعنا ؟؟ من يا ترى تقصدين ؟؟ المدعين العامين بشكل خاص ام .. الرجال بشكل عام )
عاد الغموض ليغلف ملامح وجهها وهي تعود لتحصنها بالصمت لفترة لم اقطعها هذه المرة وانا ابادلها النظرات بتحدي صابر.. فللمرة الاولى اشعر بان من يقابلني يفوقني برودا .. صمود كوفئت عليه هذه المرة باخفاضها لعينيها وهي تناظر كفيها هامسة ( جميعكم بشكل عام اقصد .. صنف الرجال .. انتم دوما ما تقومون بكل مجهوداتكم فقط لتنفذو مصالحكم الشخصية دون ان تهتمو بمن قد تدوسونه باقدامكم في سبيل تحقيق هذا )
منطقها استفز بداخلي حدسي الدفاعي فغمغمت ( اعتقد ان النساء ايضا يركضن خلف مصالحهن .. اليس كذلك ؟ ليس وكاننا كائنات فضائية تحمل بين جنباتها قذارة الكون )
تنهيدة بسيطة مع حركة راس شبه موافقة كانت الجواب هذه المرة قبل عودة سيادة الصمت للمكان .. صمت استخدمته لاعيد ترتيب افكاري فمن امامي ليست ابدا من توقعت مقابلتها .. هالة الغموض المظلمة التي تحيط بها جرفتني بتيار من الرغبة بالمعرفة .. وبصوت جعلته هذه المرة عمليا وانا اعيد اسناد ظهري على الكرسي وقد عقدت ساعدي على صدري متسائلا ( هل يمكنك ان تتكلمي عن نفسك وجريمتك ؟؟ هل يمكنك ان تخبريني عن السبب الذي من الممكن ان يقتنعني بمنحك هذا العفو )
لم اتلقى هذه المرة اي استجابة منها وهي تثبت انظارها على موضع اقدامها فاردت استحثاثها اكثر لتتفاعل معي ( هيا جربيني .. ستجدين اني مستمع جيد .. وقد لا اكون سطحيا كما تظنين بنا )
ضحكة ساخرة بسيطة صدرت عنها قبل اجابتها السريعة الحادة ( ومالذي ستستفيده من كل هذا .. ها .. مالذي تود معرفته من ذلك الماضي الذي ذهب وانتهى .. لقد كنت اعتقد ان اطلاق السراح المشروط متعلق بتصرفي اثناء السجن وليس قبله )
فلسفة منطقية بعض الشيء ولكني قاومتها وانا اجيب ( بل الامر ضروري لاتاكد من كونك قد استفدتي من خطئك .. فندمك بالتاكيد سيظهر وانتي تروين تفاصيل ما حدث و .. )
قاطعتني هذه المرة باستهجان وعينيها ترمقاني باهتزازة عصبية ( ندم ؟؟؟ هل حقا تعتقد انني ساتحدث بندم .. انت مخطا سيدي .. فندمي فقط سببه اني سمحت لرجل ان يتخذني لعبة بين يده .. سمحت له ان يحدد مصيري)
كلامها اضاء جانب بعقلي فغمغمت بلهفة سريعة ( اتعنين انك قتلت المتهم متعمدة بسبب رجل ما )
وعاد الصمت مرة اخرى ولكن هذه المرة كانت عيني المتهمة تحدقان بي بثبات مستكشف .. ثبات واجهته بدوري بحزم مشابه .. قبل قولها ببطء ( انت تعلم انه لا يمكنك محاكمتي على تهمة قد حوكمت عليها .. اي ان اعترافي الان بكوني متعمدة او لا لن يغير شيئا من الحكم الذي اصدر علي منذ البدء )
اردت ان انفي الامر برمته ولكن .. هذه المرة كانت محقة وهي ترضخني بقانون دوما كنت اتمسك به .. وبنبرة اردت من خلالها استفزازها قليلا هتفت ( لم افهم كيف لمحاميك ان يقبل بصدور مثل هذا الحكم عليك بتهمة قتل شبه متعمد ..وكيف لعائلتك الا ترفع قضية استئناف كان من الممكن ان تحسم نتيجتها لصالحك هذه المرة .. ولم صمت كل هذا الوقت ان كنت تشعرين انك مظلومة .. الا بالطبع ان كنت قد اردت ان تعاقبي بشدة لتظهري ندمك على القتل المتعمد دون ان يكون في الحكم اعداما لك لو انك اعترفتي بالحقيقة منذ البدء .. حقيقة كونك قاتلة متعمدة )
اخفضت عيني وانا اشعر بعدم جدوى ما يحدث وبقناعتي التامة برفض ذلك العفو ولكن .. كلامها الذي واجهتني به صدمني مرة اخرى وشوش كل اوراقي وقراراتي .. صوتها نزل على صدري وكانه دلو ماء مثلج لشدة برودته ( وهل يجب ان اندم على قتل انا نفسي لم اعلم انني ساكون السبب فيه .. هل اندم على قتل رجل في غيبوبة وقد ظننت بان نسبة استيقاظه مرة اخرى لا تتجاوز العشرة بالمئة .. ام اندم على عائلة لم تستمع حتى لي او لم تحاول فهم ما قمت به وتبرات مني .. ام ربما يجب ان اندم لاني وثقت بابن ذلك الرجل لافاجأ بانه هو من قاد حملة الاعتقال ضدي .. هو المستفيد الاوحد من موت والده .. برايك .. هل القاضي كان احمق ليدرك هذا الامر .. ام ان المدعي العام قد تجاهل الدليل الواضح على سبب الجريمة كي لا يصل حبل المشنقة لذالك الابن ؟؟ هل تعتقد انك عادل بما يكفي لتقيم الامر .. لا اعتقد فانت مثلهم في النهاية .. مثل كل من وثقت بهم وخذلوني )
الجرح الذي تشبعت به كلماتها الاخيرة زلزلني .. مالذي تعنيه حقا .. بانها كانت ضحية لعبة قد تم تنفيذها ضدها .. ما هذه الدوامة التي اشعر بهاويتها وهي تقترب مني .. وبصوت بالكاد خرج مني همست ( لا تصدري حكم على شخص لم تتعاملي معه .. ولا تلقي بذنبك على كاهل غيرك .. فمن الشجاعة الاعتراف بالذنب والندم عليه .. وهذ فقط ما يمنحك العفو .. وليس اصرارك الذي تتمسكين به الان كما ارى و .. )
قاطعتني هذه المرة بابتسامتها الساخرة وهي تقف امامي طارقة باصابعها على سطح المكتب ( هذه هي .. هذه هي النقطة التي كنت تود حسمها منذ البدء .. ان تريح ضميرك وانت تضع الرفض لاطلاق السراح المشروط وهكذا تنام ليلك الطويل وانت تصمت ضميرك بحجة عدم ندمي .. بربك .. من الذي يحدد في هذا العالم الصواب من الخطئ .. فلو ان موازين الامور صحيحة كما تدعي لكان ذلك الرجل الان يتعفن في السجن بجانبي بدل تمتعه بكل اموال والده التي ليست من حقه .. حسنا لا عليك سيادة المدعي .. ارفض العفو دون ان يرف لك جفن وتمتع بدورك بتلك الرشوة والاكرامية التي ستحصل عليها لابقائي بين جدران هذا السجن .. بشكل عام موعد خروجي لن يتاخر كثيرا .. ومن صبرني عشرة اعوام قادر على منحي الصبر لخمسة اعوام الا نيف )
كان كلامها المتتالي عبارة عن سيل اتهامات صدمني فاوقف ردات فعلي .. هل تتهمني هذه القاتلة حقا بكوني مرتشي .. هل تجرؤ تلك ال.. ثورة غضب استولت على روحي فاججت عصبيتي التي افقدتني اتزاني وانا اقف هاتفا بصرامة مهددة مرعبة ( انت احقر من ان تحكمي علي بالفساد ايتها القاتلة .. هل فهمتي .. انا المخطئ الوحيد هنا لاني اردت استجوابك بعدل ولكن .. ربما يجب ان اتركك لتتعفني هنا بل وان اطالب القضاء بمنحك تمديدات لفترة الحكم بالسجن .. فانتي خطر على كل من حولك )
كانت هذه الجملة بنظري هي مقبرة كل فضولي نحو تلك الانسانة .. كانت رغبتي الواضحة بانهاء كل شيء هي ما يحرك يدي لالملم اوراقي دون ان انظر باتجاهها مرة اخرى .. غضب اعماني للحظات وجعل كرهي يتضاعف لانسانة لا اعرفها .. انسانة من المفترض ان اعاملها بحيادية فقدتها بسبب كلماتها التي وجهتها نحوي واتهاماتها الباطلة .. وبنظرة اردت فيها انهاء كل شيء رفعت عيني باتجاهها لافاجأ عندها بالتماعة دموع لم تسقط ابدا وباهتزازة حدقتين ظهر فيهما خوف مختلط بامل هارب مع ظلمة مشوشة .. نظرة كانت ترمقني فيها خلسة ولكني التقطتها .. التقطتها لابدلها بنظرة تساءل ظل معلقا بين ذرات الهواء .. تساءل منعت نفسها عن اجابته وهي تعض على شفتيها بقوة فبدت وكانها ستدميهما .. هل هناك ثقة بيننا ؟؟ .. تساؤل وجه في تلك اللحظة كاجابة وهي تهمس ( هل تنتظر مني ان اعترف بندمي على قيامي بهذه الجريمة .. هل ستصدقني ان اخبرتك اني ساصبح انسانة صالحة ما ان اخرج من هنا .. ولكن .. كيف يكون هذا وقد تراكم قهري بداخلي طوال كل تلك السنوات . قهر كنت اغذيه بصمتي طوال كل تلك االمدة فلم اتكلم سابقا الا معك انت ولا تسالني لماذا فانا نفسي لا املك الاجابة )
مالذي يعنيه كلامها .. ولما تحاول الان تميزي بقولها هذا .. اولم تشملني منذ البدء بكل الرجال وهي تصدر احكامها .. لم افهم حقا مالذي يحدث .. ولما رفض جسدي هذه المرة ان يستمع لاوامر عقلي الذي اصدرها لي لكي اغادر وقد ضربت كل اجراس الانذار بداخله .. لما مظهرها البائس هذا وانخفاض كتفيها وعينيها التائهتان قد اثرا على عزمي للمغادرة واقفال كل القضية .. لما يا ترى شعرت للمرة الاولى منذ زمن طويل جدا بالصدق الذي تنطق به كل خلاياها .. صدق جعلني اتساءل بحيرة خافتة ( وهل تعتبرين نفسك بما قلته للتو قد تكلمتي حقا معي ؟ )
ضمت شفتهيا وهي ترفع عينيها نحوي مغمغة بثقة ( اجل .. لقد اخبرتك بصدق عما يدور بداخلي .. اولم يكن من الاسهل علي ان اسمعك تلك الكلمات التي ترغب حقا بسماعها .. انا مخطئة .. انا مذنبة .. انا ساكون عضوا نافعا بالمجتمع .. اترى كم هي سهلة هذه الكلمات )
ازدردت لعابي هذه المرة لارطب حلقي وقد شعرت بصوتي يضيع في تلك الدوامة من الالغاز التي اغرقتني .. من هي هذه الانسانة بالفعل .. ولم اشعر باني اقف عاريا امامها دون ان احمل سلاحا يحميني من طلقات حروفها التي تؤثر بي .. وبنبرة ظهر فيها غضبي من كل شيء تساءلت ( من انت ؟؟ مالذي تريدينه مني حقا ؟؟ )
سؤال رفرفت لها عيناها وهي تنطق بحيرتها بدورها .. حيرة لجمتها وهي تتنهد بعمق هامسة ( معك حق .. انا لا يجب ان اطلب منك او من غيرك اي شيء .. يمكنك ان تنسى كل شيء وان تضع ختم رفضك بقلب مرتاح فانا لا استحق العفو صدقني .. عن اذنك )
هل حقا اصدرت للتو قرارها دون ان تنتظر مني اي استجابة.. هل القت بوجهي تلك الفرصة التي منحتها اياها للتو عندما سالتها عما تريده .. هل تعي هذه المجنونة ما تقوم به وما تضيعه من بين يديها .. هل تحب السجن حقا وترفض تركه مثلا .. اسئلة اوقفت كل كلامي وانا اراها تشير نحو الحارسة لتاتي وتاخذها الى زنزانتها .. اشارة اتبعها دخول الحارسة وهي تنظر نحوي بتساؤل مندهش وكانها تحاول التاكد مما يجري امامها .. تساؤل لم اتمكن من اجابته لانه يماثل التساؤل الذي بداخلي .. وباشارة بالكاد قمت بها لوحت لها بيدي لتاخذها من امامي .. لتاخذ تلك الضياء العجيبة والتي بكلمات لم تتعدى البضعة اسطر جرفتني بتيار مزلزل من الحيرة والتساؤلات التي فاقت تساؤلاتي السابقة قبل مقابلتها.. من هذه الانسانة حقا ؟ .. ومالقصة التي تحملها بين جنباتها ؟ تساؤل كان يجب ان ابحث عن اجابته طويلا وبعناية هذه المرة قبل ان اواجهها مرة اخرى .. وقد نويت هذا .. نويت ان اكشف لغز تلك الضياء قبل مناقشتنا التالية .. قرار لن اتراجع عنه مهما عنى غوصي بمستنقع لم اعلم بوجوده في البدء .. مستنقع بدات تظهر رائحته العفنة كلما اقتربت اكثر من معرفة ملابسات تلك القضية .. قضية ضياء الحسني .

يتبع


حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-09-20, 05:30 PM   #3

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي جريمة قلب .. المذكرة الثانية .. سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة



جريمة_قلب

* المذكرة الثانية ....
الراوية .. ضياء الحسني ..
المكان .. بين جدران زنزانة السجن رقم 10

الشـــــــــك ..........

كلما نظرت الى انعكاسة صورتي على زجاج نافذة السجن المتسخ رايت نفسي على حقيقتها .. متسخة .. مقيدة .. مظلمة .. موحشة .. ومهما حاولت التغاضي عن الامر تتوق نفسي بلا ارادة مني وبجشع للحرية .. لذلك العالم الذي تركته منذ زمن طويل جدا .. زمن نسيت معه من كنت في السابق .. ما احبه وما اكرهه .. نسيت رائحة الزهور .. مداعبة اشعة ضياء الفجر المختلطة بنسيمه العليل لبشرتي التي جفت وذبلت من العتمة .. متى .. ياللهي متى ساخرج .. حتى فرصة العفو المشروط .. خسرتها بغبائي .. لما لم التزم الصمت كما اعتدت .. لما فقط ارادت ان اصرخ واصرخ بكل ما يجول بصدري .. والى متى .. الى متى ساحتمل كل هذا .. فانا بالفعل اصبحت اشعر بقرب اجلي فقط من شدة اختناقي وانفاسي التي تغادر صدري بصعوبة .. الانتقام .. كم فكرت فيه .. فهل حقا اريد ان انتقم كما كنت اتخيل في الكثير من المرات التي قضيتها في الزنزانة المنفردة .. ذلك الجحيم الذي عوقبت به عدة مرات .. ولكنه ليس اشد ضيقا من روحي التي اختنقت بالفعل .. تنهيدة عميقة خرجت من اعماق صدري عبرت فيها عن ياسي الذي غزا خلايا جسدي كسرطان قتل اخر ذرات الامل .. لا فائدة .. لاستسلم فقط .. لاترك كل شيء و .. اموت .. من الذي سيفتقدني حقا لو متت .. فما انا الا عنصر اضافي في المجتمع .. عنصر اتضح انه اسود ولا فائدة منه لاحد .. ما اصعب العجز اليائس الذي يكبل كيان المرء فيقتله ببطء ويحرق روحه بتلذذ .. يبدو انني انتهت هذه المرة .. انتهت بالفعل .
لاسبوع ظلت هذه الفكرة تلازمني وتكبح كل انشطة جسدي المتيبس والمتشنج .. لقد كنت اكل وانام وامشي كالجثة التي تحتفظ فقط ببعض الانفاس ولكنها تتعفن من الداخل ببطء مميت .. حتى اسئلة من حولي لم اجبها .. كما اعتادو مني في السابق .. لذا .. هم ايضا لم يلحو لمعرفة ما اعاني منه .. ففي نظرهم هذه انا منذ تعرفو علي .. منذ دخلت الى السجن .. تلك الاقوال التي سمعتها من الحارسة التي سلمتني ملابس السجن لا تزال تطن باذني .. يبدو انها اشفقت على حالتي وهي تراني ارتجف بشدة كعصفور مبتل يقف في وجه عاصفة دون اي ماوى .. كلمات غريبة ولكنها في النهاية اثبتت فعاليتها وصدقها .. ( هل تعلمين .. قد تعتقدين بان الخمسة عشر عاما هي مدة طويلة .. معك حق .. انها طويلة جدا جدا .. اتعلمين لماذا .. لان الايام السيئة تمر ولكن ببطء .. فهي تمر بكل ثقلها على قلبك فتسرق من عمرك الكثير والكثير .. وعندها ستكتشفين كم انتي وحيدة .. ستعاتبين الحياة وحيدة .. وستتحدين خوفك وحيدة ..وايضا ستواجهين الظلم وحيدة .. هنا ستكونين وحيدة دوما .. وهذا افضل لك .. فالسجن مليء بالحروب التي ستقوم من حولك لانتزاع القوة واثبات الذات .. حروب سيذهب ضحيتها مسجونات اخريات .. فاذا اردتي الا تكوني ضحية فعليكي ان تكوني قوية .. غامضة .. ظالمة .. ان تصعدي على روحك قبل ارواح الاخرين والا سيصعدون هم عليكي .. فقط ارسمي حدودك التي لا تسمحين لاحد ان يتجاوزها .. ولا تبكي او تخافي او تظهري ضعفك لاحد والا سيستغله ضدك فلا احد بريء بين جدران هذا المكان .. اتعلمين ما هو قانون هذا المكان .. ان لم تصعد على ظهور الظالمين فالظالمين سوف يصعدون على ظهرك .. ببساطة غدا لن يكون اجمل كما تعلمنا .. بل غدا سيكون اصعب واصعب واصعب مع كل لحظة تمضينها هنا وتفقدين فيها جزء من انسانيتك .. هل فهمتني يا صغيرة ) .. اجل لقد فهمتها .. والتزمت الصمت بعدها.. التزمت الصمت والصبر .. فمهما عانيت ومهما ضربت او مهما تم توبيخي لم ارد .. فقط كنت اقف واستمر بالنهوض بعد كل سقوط .. حتى ملو مني .. وخافو .. اجل صمتي اخافهم .. ففي النهاية انا امامهم قاتلة .. قاتلة لم تبح باي سر من اسرارها لذا لم يعرفوما هي نقطة ضعفها .. كم كان الصمت اسهل بالفعل فلا تحتاجين معه لتبرير اي شيء من افعالك لاي شخص .. فلا احد يستحق هذا منك .. ولكنني في النهاية .. كسرت قانوني و.. خسرت .. ذلك المدعي العام .. هزمني امام نفسي حقا .. اسبوع مهما راجعت فيه ما قلته وجدت نفسي مخطأة اكثر .. حتى .. كان يوم السبت .. يوم لن انساه ابدا .. فلقد بداته كاي يوم عادي حيث ننسى حتى اسماء الايام في السجن لشدة تشابه روتينها .. ربما ماعدا اؤلئك المسجونات اللواتي يستقبلن زيارات من عوائلهم .. فهؤلاء يقمن بعد الايام قبل لقائهن لاحبائهن ومن يهتم لامرهن .. ولكن ليس انا .. فلا احد .. لا احد جاء لزيارتي .. طوال كل تلك الاعوام .. لا احد .. و في ذلك اليوم .. دخلت الحارسة وهي متجهمة بعض الشيء لتقول لي بصوت حاد ( ضياء .. مامور السجن يطلبك .. يبدو ان هناك ضيف استثنائي يود رؤيتك .. هيا بسرعة .. لا تتلكئي )
ضيف .. ويزورني .. ياترى .. من هو .. هل هي .. امي مثلا .. ابي .. اخي .. اختي .. هل تذكرو واخيرا بان هناك فرد من عائلتهم قد القوه بايديهم في السجن ..اسئلة واسئلة عن هوية الزائر ظلت تهاجم عقلي حتى ... دخلت الى مكتب المامور .. وهناك .. رايته هو .. مرة اخرى .. ذلك المدعي الذي بسببه كسرت كل قوانين صمتي .. وتكلمت .. وجدته ينظر الي بتدقيق تسلل الى داخلي فارتجف على اثره كياني بخوف مبهم لم احاول اظهاره وانا البس قناع لا مبالاتي ببطء وعيني تبحث في ارجاء الحجرة التي كانت خالية الا منه هو .. ساد الصمت هذه المرة لعدة دقائق قبل خروج صوته الواثق في النهاية بصرامة وهو يشير بيده نحوي لاتقدم واجلس على الكرسي المواجه له ( تقدمي .. يا ضياء .. يبدو انك متفاجئة من عودتي لزيارتك )
لقد اردت الصمت .. حقا اردت الصمت والبقاء بحالتي التي اعتدتها ولكن .. نظرته المتحدية انطقتني بهمسة مستهجنة فضولية ( لقد ظننت انك ستقفل القضية بعد اخر حوار بيننا )
حقا لما عاد .. مالذي يريده .. و .. اسئلة كنت اريد ان اصرخ بها ولكن .. رأيت ملامحه التي تبدلت بغموضها وهو يجيب بصدق مس روحي ( معك حق لقد كنت انوي ذلك ولكن .. عندما سكت غضبي الذي تسببتي بانفجاره واسترجعت حوارنا استوقفتني العديد من النقاط التي جعلتني اتساءل .. هل حقا ما يظهر في كل هذه الفوضى هو الحقيقة ام ان هناك حقيقة مختفية ؟ ولاني لا احب الشك فلذلك بحثت قليلا بالامر)
من هذا الرجل .. ولما .. لما كلماته تهز معتقداتي التي ظننت اني قد امنت بها .. الجميع ظالمون اوليس هذا ما امنت به طوال تلك الفترة السابقة .. اذن لما معه اريد فقط ان اجادل واناقش .. وبصوت خرج ساخر لاخفي بواسطته ضعفي ( هل هناك حقيقة مختفية ؟؟ اوليس هذا سؤال غريب يراود عقل سيادة المدعي العام الذي عرف بصرامة احكامه وقسوتها .. ؟؟ وهل وجدت شيئا جعلك تعود الى هنا )
هل حقا كنت اسال سؤالي الاخير ببعض الامل الذي تسلل الى داخلي بغفلة مني .. مظهره الغاضب اخرسني بعض الشيء خصوصا بعد قوله ببطء حازم ( اسلوبك المستفز سيكون السبب بظلمك مرة اخرى فحاولي حجم سخريتك والتعامل مع الامر بواقعية وتواضع يناسب وضعك .. فانا هنا لست عدوك .. بل لنقل اني اقرب الى كوني حليفك .. ما رايك .. هل نتحاور كشخصين بالغين ام نستمر بكيل اتهاماتنا العقيمة لبعضنا )
لقد زاد الامر عن حده .. انه .. يعتبرني انسانة .. تستحق ان يتحاور معها .. انسانة يريد ان يسمع منها .. بعد كل تلك السنوات .. ياللهي .. هل حقا واخيرا هناك شخص يريد ان يسمع مني .. كلا .. لا يجب ان اتامل .. لا يجب ان اضعف .. هذا كله وهم .. اجل وهم .. ربما فخ .. ربما كابوس .. وبخضم كل هذه الحيرة والالم غمغمت باهتزاز ( لقد سالتني في المرة الماضية عما اريده منك ...والان ساسالك انا نفس السؤال .. مالذي تريده مني تحديدا ؟ )
كانت نظرته هذه المرة لي شاملة .. وكانه يقيمني للمرة الاخيرة .. نظرة شعرت امامها باني عارية الفكر والروح .. نظرة زلزلتني لنقاء سريرتها وقوة صاحبها .. صوته هذه المرة خرج بتفهم مسني بضعف لحظي ( لما لا ننسى لوهلة من نكون ونحاول التناقش بطريقة متحضرة ؟؟ لما فعلتي ما فعلتي يا ترى ؟ سؤال لطالما فكرت باجابته طوال فترة تحققي من قضيتك .)
لقد حقق بقضيتي اذن .. لما .. لما يفعل هذا معي .. هل ينتظر يا ترى اعترافات اخرى تخالف ما اعترفت به في المحكمة قبل سجني .. وبكل المي .. وبكل تخبطي .. وبكل ما عانيته من قهر هتفت بغيظ ( وهل تعتقد ان الاجابة ستكون عبارة عن اعتراف مسطور ابين فيه دوافعي .. هل تصدق حقا بان هناك فقط خيارين امامنا .. الخير والشر .. وان كلاهما يكون بين كفتي ميزان ؟ )
بسرعة واثقة مستفزة اجابني (اجل هذه هي فطرتنا .. واختيارك للصواب او الخطا يعتمد على ضميرك واخلاقك ومبادءك و ..)
لم اكن انتظر ان اسمع منه محاضرة .. ليس هو على الاقل .. ليس من اختارت روحي واخيرا ان تعترف امامه بما يجول بداخلها .. لذا قاطعته بضيق متحدي ( وظروفي والبيئة و التربية و و و .. هل حقا انت الان تتكلم بما تؤمن به .. اولم تسمع يوما عن المنطقة الرمادية .. تلك المنطقة التي يختلط فيها بعقلك الخير مع الشر فلا تعرف ان كنت تتصرف بشكل صحيح او خاطئ بل وقد يصل فيك الحال لان تتصرف وانت مقتنع بانك على صواب ولكنك تكتشف فيما بعد انك على خطأ )
لما اردت ان ابرر امامه فعلتي .. لما اردت ان اوضح طريقة تفكيري .. لما اهتم بما يظنه بي .. حركة جسده المتيبسة رافقت هذه المرة تلويحه بيديه مشيرا الى اتجاهين متضادين (ما اعلمه ان الحق بين والباطل بين ايضا .. والله يحاسبنا على افعالنا و .. )
كان كلامه يفوق احتمالي .. يفوق مقدرتي على ضبط نفسي .. كلامه الذي اكتشفت انه صدى لكلام ضميري الذي كان يعذبني .. وبنبرة اردتها واثقة مزلزلة دافعت عن نفسي مقاطعة اياه للمرة الثانية ( والله يحب المذنبين التائبين ايضا .. فلسنا ملائكة نرتدي اللون الابيض كما اننا لسنا شياطين نتشح بالسواد .. ولكن السؤال هنا .. هل نحن مذنبون تائبون ؟؟ هل تعتقد ان السجن هو حقا طريق الاصلاح والتوبة حيث تضعون اقدامنا فيه على بداية الطريق كما تقولون .. اذن ماذا ان لم نتب بعد قضاءنا لعقوبتنا .. ماذا ان غلب سوادنا على بياضنا ونحن نختلط باسوء اصناف البشر فيه )
اردت الاجابة منه حقا .. اردت ان اسمع تبريره بالفعل .. ولكن الحيرة هي ما خطت ملامحه وهو يسالني هذه المرة ببطء (مالذي تعنيه بهذا الكلام ؟؟ وما علاقة هذا بما نقوله )
ما علاقته .. انه اساس ما نقوله اصلا .. اجل .. فكل ما مررت به ما هو الا نتاج طبيعي بنظري لكل ما عانيته في السابق .. وبنفاذ صبر غمغمت بلهفة ( حسنا ساسالك بطريقة اخرى .. انت تؤمن بان الاطفال هم اكثر الاشخاص براءة في هذا العالم .. اذن لما تراهم يتجهون لقتل انفسهم في كل لحظة .. فتارة يحاولن السقوط من السرير .. وتارة يلهون باصابعهم في مكابس الكهرباء .. وتارة يمسكون الادوات الحادة ليضعوها بافواههم او يضغطون عليها بايديهم .. او حتى يركضون في كل مكان دون ان يبالو بسقوطهم من مرتفع او هبوطهم من منحدر او اصطدامهم بسيارة مثلا .. وبعد كل هذا نجد ان الكبار هم من يحافظون عليهم ويعتنون بهم .. وان الام او الاب هم من ياخذون بايديهم الى بر الامان .)
مالذي اقوله الان .. ولما يجرني بكلامه الى تلك المنطقة من حياتي .. تلك الظلمة التي اشعر بطعم العلقم كلما تذكرتها .. عائلتي .. وبالفعل .. جاء سؤاله التالي ليؤكد استنتاجي ( اتعنين ان سبب ما حدث لك هو والديكي وتخليهم عنك )
بصدق اردت ان انفي عن نفسي تلك التهمة .. اردت ان ابتعد عن الاعتراف المباشر بما اعتقده .. بحقيقة امنت بها مع كل ما تعرضت له من صدمات .. فوالدي بالفعل تخلو عني .. في اشد لحظت حياتي سوادا وحلكة .. وبعناد واجهته رافضة الاقرار بذنبي وانا الوح بيدي بتوتر ( انظر الى الامر بصورة اشمل ولا تقارنه بحالتي .. عندما نكون اطفال نجد من حولنا ينقذنا في اخر لحظة من الهلاك .. ثم نكبر و يتركوننا وحيدين دون دليل ينقذنا .. فنخطأ دون ان نفهم ) وعندها صمتت وانا استرجع لحظات حياتي قبل اتمامي بمرارة ( ولكنهم عندها يتهموننا ويعتبروننا كوصمة عار ينبذها المجتمع..ويحاكموننا رغم انهم بدواخلهم قد يكونون اسوء منا وافكارهم اشد سوادا من افكارنا ولكنهم ماهرون بما يكفي لاخفاءها بينما نحن ساذجون بما يكفي لتنفيذها وهكذا ) واشرت الى صدري وانا اكمل بايحاء ( نصبح العوبة بايديهم ومضغة بين افواههم والسنتهم .. وهنا يبرز السؤال .. من هو المتهم الاساسي .. هل هم من تركوننا دون ان يعلموننا الاعتماد على انفسنا ؟؟ ام هم من اكتشفو نقاط ضعفنا وتلاعبو بنا ؟ )
انهيت سؤالي وعيني تراقبانه بتدقيق شديد بحثا عن اي اختلاجة بصفحة وجهه .. لقد اردت منه حقا ان يجيبني .. لا اعلم لما اهتممت برايه ولكن .. مظهره الغارق بافكاره اراحني للحظة قبل سماعي لتساؤله العميق الذي رجني بخوف مبهم ( كلامك يدل على القاءك بلوم جرمك على من حولك وعدم اقتناعك بانك مذنبة )
كلماته استفزت روحي واتهامه المني بحق رغم اعتيادي على ظلم جميع من حولي .. بخيبة امل ملات صوتي غمغمت بياس ( هل هذا ما تبحث عنه بين طيات حروفي.. كلمة مذنبة.. حسنا ان كان الامر يريحك فانا مذنبة )
وهنا كان الانفجار الذي ارعبني بصدق .. حتى وان لم اظهر ما افكر به ولكن ... سيل اتهاماته هذه المرة كان موجعا بحق خصوصا مع نبرته القاسية واصبعه الذي وجهه باتهام نحو صدري ( تقولينها وكان الامر عادي .. وتتناقشين معي وكان الجريمة امر مبرر وانت تبدين عادية كاي شخص عادي لم يجرم او يذنب في حياته .. الم تفهمي بعد بانك مسجونة وقاتلة .. كيف تظهرين بهذه الصورة اللامبالية العادية )
سماع هذا مرة اخرى ومن فمه هو وبعد كل مناقشتي له عصف بكياني وزلزله بقوة .. وبكل ما حملته بين جنباتي من ظلمة وقهر وغيظ وخيبة وندم وغضب همست ببحة غير مصدقة وانا اشير الى صدري ( القتل .. تظن الان ولاني اناقشك باني اعتبر ما حدث امر عاديا ..) ثم حركت راسي بعنف رافض وانا اكمل ( كلا يا سيادة المدعي العام .. لم يكن الامر عاديا كما تظن حتى اظهر لك بهذه الصورة .. لقد اصبح الامر عاديا بعد الف معركة في عقلي .. والف كسر في قلبي .. والف دمعة من عيني .. هكذا استنزفت كل مشاعري دفعة واحدة حتى ابدو لك بهذه الصورة اللامبالية التي تطلق عليها بانها عادية ) كنت اشير الى راسي وقلبي وعيني وانا اتكلم .. كنت احاول ايصال معناتي له وانا اتابع وقد وقفت لانحني نحوه مقربة راسي منه وانا اكمل ( صدقني انا لست اسفة على الشخص الذي هو انا حاليا .. فلقد تكونت من تراكمات من الكلام السيء العابر .. والمواقف العصيبة والافكار المتشابكة .. صدقني انا لست اسفة على اي شيء قد عانيته الى الان .. ولا على ملبسي ولا تفكيري ولا على مكان تواجدي الان .. ولا حتى على تفكيرك او تفكير من حولك بي .. او على اي شيئا تظنه سيئا بي .. ) وصمتت والمرارة تملا جوفي بطعمها المقرف قبل تمتمتي باسى وانا انهار جالسة على الكرسي ( فانا وحدي من يعرف صراعاتي .. ووحدي من يعرف كم عانيت من تراكمات لاكون هكذا.. لذا ليس من حق اي احد ان يحاكمني او يحكم علي سوى نفسي .. فلا يعلم الاخرون كم ابذل من جهد واعتصر من روحي وعقلي لاظهر من الخارج بهذه الصورة التي تطلق عليها بانها عادية وغير مبالية او نادمة )
ساد الصمت هذه المرة طويلا .. ساد وقد اراحني بعد ان استفذت قوتي بما قلته .. كنت قد اقفلت عيني وهربت بروحي بعيدا عن هذا المكان .. فعلى ما يبدو لا فائدة ترجى من كل ما اقوم به .. فمن المستحيل بعد كل ما قلته للتو ان احصل على العفو .. وهل كان قلبي الاحمق لا يزال يامل بالعفو حقا .. تساؤله البطيء اكد ظني عندها (اتعنين بانني غير مؤهل لاحكم عليكي بالعفو المشروط بعد سماعي لقصتك ؟؟ حسنا ليكن الامر كما تقولين ولنفترض جدلا صحة اعتقادك .. وهكذا وبحسب كلامك هذا .. انتي تلقين باللوم على كل شيء لم ينصفك .. وكما فهمت فانك تؤكدين ان جميع البشر لديهم جانب اسود وان المحظوظ فيهم هو من لم ينكشف جانبه الاسود فقط ..) مالذي يقوله الان .. كنت قد اعتدلت بمجلسي اثناء حديثه خصوصا مع احتداد نبراته واشارته نحوي .. هل يناقشني بالفعل .. هل يحاول اثبات وجهة نظره لي .. لماذا .. من انا ليفعل هذا .. اوليس اسهل عليه ان يرفض القضية برمتها .. لما ارى ظلال الم سوداء بداخل عينيه وهو ينظر نحوي متابعا وقد وقف واستدار نحو المكتب ليقف امامي ساحبا اياي لاقف بمواجهته ( هل حقا ترفضين حكمي فقط لانك تعتقدين اني لم اسقط مثلك .. هراء .. كلامك هذا هراء وانا اشفق عليكي لان هذا هو محصلة ما خرجتي به من فترة عقوبتك التي قاربت الاحد عشر عاما .. ومن جدار صمتك الذي بنيتيه حولك .. ) وصمت هذه المرة وعيناه تراقبان تتابع احاسيسي الفوضوي والذي ظهر على وجهي خصوصا مع نبرة الخيبة التي ملات كلامه .. وبكل عتب حطم به تلك الجدران التي اختبات بداخلها طويلا همس بقوة (دعيني اخبرك محصلتي انا من تجاربي التي خضتها .. معك حق .. ففي هذا الزمان قد تخالطين بشر قد يفعلون كل شيء لاسقاطك .. لقد عانيت انا منهم ايضا .. وببساطة تبا لمحاولاتهم الفاشلة .. فكلما نظرت لتلك المحاولات والمخططات التي تحدث من ورائي والتي تتهمينها انتي بانها السبب لكونك اصبحتي دمية وفقدتي الطريق القويم اجد بنفسي اصرار يزيد من صعوبة سقوطي .. فهم لا يعلمون .. بان كرههم وحقدهم وحتى مؤامراتهم ما هو الا مصدر لقوتي .. ومصدر لنجاحي وسعادتي ..) وصمت هذه المرة وقد اختلج صوته قليلا خصوصا مع التماعة دموعي التي كانت تطرق جفوني بشدة مع احساسي بلسعات كلامه التي تجلد روحي المعذبة اصلا قبل تكملته وهو يهزني بقوة اخافتني ( مساكين .. اؤلئك الذين يقعون تحت طائلة نظرية المؤامرة ويسمحون لانفسهم ان يكونو امعة تلقي بنفسها بالتهلكة والحجة لديهم جاهزة .. بانهم لم يحصلوا على من يمسك بيدهم ليقودهم للطريق الصحيح .. كما ان اؤلئك الاشخاص الذين يخططون للايقاع بضعاف النفوس رغم لئمهم الا انهم ايضا مساكين .. فهم لا يعلمون بانهم يمدون الاخرين بالقوة .. ) وتركني بشكل فجائي ترنحت على اثره ولكني تماسكت قبل سقوطي وانا اتم سماعي لقوله وهو يشير الى نفسه متباعا بصرامة مهددة ( لاننا كالبذور .. كلما ظنو انهم يدفنوننا بكلامهم السخيف ننبت بعزيمة جديدة لقهرهم ولانجاح انفسنا بعيدا عنهم .. كي لا نحتاج احد منهم .. ونسمو بضمائرنا فوقهم .. وبارادتنا الجديدة .. نحقق ما يفشل الجميع عن تحقيقه .. لذا .. وان كان كل من حولي ينتظرون سقوطي ويخططون له ويكيدون لي لاقع فانا سارد عليهم بان لا اسقط ابدا في فخهم .. مادمت على قيد الحياة .. وعندها تبا للجميع ما عدا نفسي .. وبهذه الانانية يمكنك مواجهة كل ما قد قلتيه لي .. ) وكان هذه المرة صمته مدويا وعيناه تتهمانني بشكل صريح قبل اشارته لصدري هاتفا ( فحتى ان كرهك اقرب الناس اليك .. والدك .. والدتك .. ابنك .. زوجك .. اخوك .. حتى وان لم يبقى في هذا الكون من يهتم لامرك سواكي . لا تسقطي .. كي لا يفرحو ويسعدو بسقوطك ويقتاتون من فشلك لينجحو هم )
من هذا الرجل .. ولما يفعل هذا بي .. لما يزرع الشك بقلبي ويعيدني الى مربع الحيرة والندم والذي تجاوزته بصعوبة .. لما يطرق تلك الحجرات المحرمة بداخلي ويتحدث وكانه يفهم ما عانيته وما اعانيه .. لما يحاكمني بكل هذه القسوة وكان عشرة اعوام لم تكفي لتهدم ثقتي بنفسي والتي كنت اصلا افتقدها قبل ارتكابي لجرمي .. وبكل معاناتي وتوهاني وياسي الغاضب غمغمت باتهام يشابه اتهامه ( انت مغرور وتعتبر نفسك مقدس عن الخطأ اذن )
الا انه نفى بشكل فوري ما قلته وهو يحرك راسه بسخرية مجيبا بتاكيد ( كلا لم اقل هذا .. ولكني عندما اخطئ اعترف بخطئي واتعلم منه .. والاهم لا احاول تبرير الامر وايجاد الاسباب التي دفعتني لهذا الخطأ .. بل اعالج نواقضي واتعلم كي لا اكرر الامر .. فالمؤمن الفطن هو من لا يلدغ من جحره مرتين )
هل حقا يظن نفسه مرشدا نفسيا سيصلح العالم بارائه .. هل يعتقد بانه مؤهل للحكم بهذه الطريقة وهو لم يغادر برجه العاجي الذي يتحصن به على ما يبدو .. راقبته هذه المرة بنظرة شملته وعيني تريانه من منظور جديد .. شعره الذي خالط الشيب فوديه بما يدل على مقاربة عمره للاربعين .. بنيته الرياضية والرباعية الحجم .. ملامحه التي تتسم بالوسامة الرصينة وسواد عينيه اللتان تلمعان كالابنوس برموشهما الطويلة .. ماهذه المرارة التي كان يناقشني بها ومالذي يعتقده بنفسه لكي يصدر كل هذه الاحكام على الجميع .. بحيادية اردت فيها اثبات وجهة نظري قلت ( وانا تعلمت ايضا مما حدث لي .. تعلمت كثيرا جدا من كل ما عايشته في هذا السجن .. تعلمت اكثر مما قد يتعلم شخص لقرن كامل .. فالقصص التي سمعتها قد يشيب لها الراس و ..)
كان هذه المرة هجومه هو ما قاطعني وقد ترافق مع ضربته اللامبالية لكتفي بقوة اوقعتني جالسة على الكرسي بعد وقوفي امامه وكانه يرفض ان يكون كلانا بنفس المستوى ( وكيف بامكانك ان تتعلمي وانتي اتخذتي الصمت نهجا .. ترى لما قررتي كسر هذه القوقعة الان .. ولما انا بالذات من تجادلينه الان بمنطقك .. انهم يدعونك بالسجينة الخرساء كما سمعت )
هذا هو مربط الفرس .. هذا هو منبع حيرتي وجنون ارتيابي بكل ما يحدث معي .. لما هو تحديدا .. لما اناقشه بكل تلك الضراوة رغم معرفتي بعدم جدوى قيامي بكل هذا .. لما كان علي ان اظهر دواخل روحي التي اصبحت مظلمة اكثر واكثر مع ذلك الصمت الذي التزمته طويلا .. وبنبرة خرجت مهتزة رغم ارادتي همست بحيرة مخرجة كل ما عانيته بوابل كالسيل متتابع ( لانك سالت السؤال الصحيح ربما .. او لانك جئت لتسمعني دون اي مقابل .. ربما لاني اردت لمرة واحدة ان اصرخ واخرج من هذا الصمت الذي اعتنقته .. او ربما لاني اردت بالفعل ان احصل على حريتي فلقد تعبت حقا من السجن .. تعبت حتى كلّ قلبي من النبض وكلّ عقلي من الجدال مع كياني والصراع والعتاب والتخطيط للايام القادمة .. او .. لاكون صادقة معك .. ) وصمتت هذه المرة .. صمتت طويلا وانا اخفض راسي ناظرة الى موضع قدماه .. في تلك اللحظة كان شعوري وكانني اقف على حافة هاوية ازدادت عمقا مع كلماته السابقة .. شعور عبرت عنه واخيرا ببحة اجشة بالكاد اظهرت كلامي ( لانني خفت .. اجل لقد خفت .. ففي اليوم الذي سبق مقابلتي لك في تلك المرة رايت المسجونة التي كانت تجاورني بزنزانتي وهي تفارق الحياة .. وحيدة .. ضعيفة .. وعندها شعرت .. بانني قد اكون التالية .. وقد اموت في اي لحظة .. دون ان اخبر احدا عما بداخلي .. دون ان افصح عن جرائمي او عن توبتي او عن انتقامي .. لقد اردت فقط ان .. اردت فقط .. ان اتكلم قبل موتي .. للمرة الاخيرة )
وعاد الصمت ليكون سيد الموقف .. عاد ليتركني وقد عدت بنفسي لخانة الضعف التي حاربتها طويلا .. عاد بعد ان تركني اوجه اسلحتي الى المكان الخاطئ .. شعرت بحركته وهو يعود ليجلس خلف المكتب ثم سمعت صوت اشعال قداحة انباتني ببدء تدخينه لسيجارة شممت رائحتها .. رائحة اشمئزيت منها فلقد خنقتني بالفعل .. وعلى ما يبدو ظهر ضيقي على وجهي جليا لانه نظر الي ثم نظر الى السيجارة وهو يشير نحوي باستئذان سخيف بعض الشيء لانه بالتاكيد يعلم ان رفضي او موافقتي على تدخينه لن تقدم او تؤخر اي شيء من واقع كوني انا السجينة وهو .. المدعي العام .. و.. افكار على ما يبدو هربت اليها كي لا افكر بما اعترفت به للتو له ولكن . سؤاله اعادني وبقوة لحقيقة ما جرى قبل قليل ( هل .. تخافين الموت الان .. ولكنك قتلت نفسا و .. )
وكان الانفجار .. ولكنه هذه المرة انفجاري انا .. فلقد حطمت صمتي مرة وعلى ما يبدو اختفاء هذه الجدران امامه قد زلزل كل جنون سيطرتي وبرودي اللذان عرفا عني طويلا جدا .. وبصرخة ضربت معها صدري هتفت بكل قوتي (اجل .. اجل اعلم اني قتلت نفسا ولكن .. لم .. لم يكن الامر برغبتي او بارادتي .. لقد اقنعوني بان في هذا الدواء مصلحته .. وبانه اما سيقوده الى نهايته دون ان يتعذب او سيوقظه من سباته فينهي الظلم الواقع على ورثته قبل ان يختصمو ويتقاتلو .. لقد اقنعوني باني اقوم بالخير له .. ولم اكن اعلم ان هذه الحقنة هي الحقنة القاتلة )
ياله من مدعي عام ماهر فلقد جعلني اعترف حقا .. لقد انطقني بما سكت عنه طويلا جدا .. اسلوب اكتشفت انه يستجوبني من خلاله خصوصا مع نظرة الشك التي رمقني بها وهو يتساءل ( مالذي تعنيه تحديدا ؟ )
حسنا لقد انتهى الامر بالنسبة لي في تلك اللحظة فانا في غنى عن الغوص ببحر من الشك مرة اخرى .. يبدو ان الامر كله مجرد نقاش احمق قد خضته بلحظة ضعف غبية سامحة لرجل مثله ان يزلزل كل ما بنيته في تلك السنوات من سيطرة وضبط مارسته على نفسي .. وبنبرة سئمة همست وانا اقف بلا مبالاة ( ارجوك انا متعبة .. اريد ان انهي هذه المقابلة .. واعتبر انك لم تراني او تسمع اي شيء عني .. فحياتك يا سيادة المدعي العام ثمينة .. لذا لا تفسدها بسبب انسانة ملوثة مثلي .. فليرعاك الله .. )
اردت المغادرة بعيدا من امامه لانجو بنفسي من ذلك الرجل الذي تمسك بكل قوة بمبادئه امامي .. اردت ان ابتعد وانهي كل تلك الاعترافات التي اتعبتني حقا بعد طول وحدتي وصمتي .. اردت ان اعيد سجن مشاعري لاتمكن من الاستمرار بالعيش بنفس الطريقة التي اعتدت عليها لتمضي تلك الاربع سنوات التي تنتظرني ولكن .. وبعد تحركي نحو الباب استوقفتني يده التي امسكت بمرفقي وهو يتسائل بقسوة مع جذبه لي لاواجهه ( اتعنين ان هذا هو الوداع .. وانك لا تريدين مقابلتي بعد ذلك .. لماذا .. هل انتي خائفة علي مما قد اكتشفه )
خائفة عليه ؟؟؟؟؟؟ لما ... لما تبدو افكاري عارية حقا امام ذلك الرجل ليكتشفها قبل ان اكتشفها انا بنفسي .. كيف ادرك ان هروبي هو خوف عليه .. ام هو خوف منه يا ترى .. ام هو خوف يكبل حريتي كي لا احلم او اطمح مرة اخرى .. سخرية ملاتني باستهجان نطقت معه وانا اسحب مرفقي من بين يده ( الرجل عندما يخطو لمستنقع قذر فانه يتلوث .. وانت ستتلوث يا سيادة المدعي العام .. انا كما قلت انت .. انسانة وضيعة وحقيرة وقاتلة .. لذا .. لا استحق منك ان تتلوث مع اؤلئك البشر .. يكفيك ما تعانيه في كل يوم .. صدقا .. انا اشكرك .. فكلامك معي قد اثر بي .. وصدقني ساحاول اعتناق مبداك فيما بعد .. ان بقيت على قيد الحياة .. الوداع )
وكانت هذه النهاية التي اخترتها انا .. فالافضل ان اهدم فرصتي واظلم نفسي على ان اسمح لرجل ان يظلمني مرة اخرى وان يستغل ضعفي وحاجتي وتعطشي لاثبات ذاتي .. نظرية غبية غريبة حقا .. نظرية قتل النفس بشرف قبل ان يقتلك عدوك بالم .. ففي النهاية انت ميت ميت .. نظرية استخدمتها دون وعي مني وانا التفت لاغادر ولكن .. هذه المرة استوقفتني لهجته المستنكرة وهو يتساءل ( هل تعين حقا ما تضيعينه من بين يديكي بما تقومين به )
وعندها التفت اليه وانا انظر نحوه بابتسامة اردتها صادقة وقوية وانا اقول ( اجل اعي هذا الامر سيادة المدعي العام .. فانا في هذه اللحظة اشبه مقاتل الساموراي الذي يقتل نفسه كي لا يسمح لعدوه بقتله .. فهو يرتدي رداءه الابيض ويطعن بطنه منهيا حياته وفي ظنه انه سينال بهذه الطريقة الشرف الذي يستحقه كي لا يموت بيد العدو .. اسطورة غبية اليس كذلك يا سيادة المدعي العام .. ولكن .. في تلك اللحظة .. اجد انها تنطبق علي .. فانا .. لن اسمح لرجل ان يتحكم بمصيري مرة اخرى .. وعلى ما يبدو .. بانك تعتقد انك تتحكم بحريتي وبتصرفاتي .. وهذا .. مالا اريده وارفضه .. رافقتك السلامة )

ياترى هل سيتغلب كبرياء المدعي العام صائب على حسه العدالي ام ان ضياء ستتراجع عن تحديها؟
برايكم من كانت حجته اقوى في النقاش ؟
الى اللقاء غدا مع المذكرة الثالثة والرابعة باذن الله





حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-09-20, 06:15 PM   #4

الألماسة القرمزية

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية الألماسة القرمزية

? العضوٌ??? » 312615
?  التسِجيلٌ » Feb 2014
? مشَارَ?اتْي » 210
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Libya
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » الألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond reputeالألماسة القرمزية has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
رباه .. أنت تعلم ما في القلوب .. أنا القلبُ الذي أحبَ ولم يكره .. أخلص ولم يخن..~ مـآتَ دونَ أن يبوح ~ فمنحني قلباً لا يتأثر ْ~ رباه .. ابعدني عن كل ما هو قاسي ، فأنا ضعيفة ضعيفة ~ والقسوة تهشم بقايا الفتات بـ قلبي ~ ~ رباه .. لي أمنية أخيرة هي الأ
افتراضي

قريت البداية حلوة وفيها شوية غموض

لي عودة لقراءة الباقي


الألماسة القرمزية غير متواجد حالياً  
التوقيع


رد مع اقتباس
قديم 05-09-20, 06:35 PM   #5

شازا شازا شازا

? العضوٌ??? » 476306
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 115
?  نُقآطِيْ » شازا شازا شازا is on a distinguished road
افتراضي

اهلا بالعودة يا حور

شازا شازا شازا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-09-20, 07:44 PM   #6

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الف مباااارك حبيبتي حورية ... النوفيلا كعهدك دوما قلم جميل وراقي ومفيد...اتمنى لم كل التميز والتوفيق❤❤❤


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 05-09-20, 08:11 PM   #7

أميرة الوفاء

مشرفة منتدى الصور وpuzzle star ومُحيي عبق روايتي الأصيل ولؤلؤة بحر الورق وحارسة سراديب الحكايات وراوي القلوب وفراشة الروايات المنقولةونجم خباياجنون المطر

 
الصورة الرمزية أميرة الوفاء

? العضوٌ??? » 393922
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 11,306
?  نُقآطِيْ » أميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond repute
افتراضي


آهلآ بــعودت? ح ـور

وآلف مـبــآر? آلنوفيلآ آلج ـديدة

آتمـنى ل? آلتوفيق
وآن تح ـققي آلتمـيز وآلنج ـآح ـ آللي تتمـنيه
تح ـيآتي آلعطـرة

..

..


أميرة الوفاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 05-09-20, 08:16 PM   #8

أميرة الوفاء

مشرفة منتدى الصور وpuzzle star ومُحيي عبق روايتي الأصيل ولؤلؤة بحر الورق وحارسة سراديب الحكايات وراوي القلوب وفراشة الروايات المنقولةونجم خباياجنون المطر

 
الصورة الرمزية أميرة الوفاء

? العضوٌ??? » 393922
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 11,306
?  نُقآطِيْ » أميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 4 والزوار 7) ‏أميرة الوفاء, ‏حور حسين, ‏الذيذ ميمو




أميرة الوفاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 05:41 PM   #9

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي جريمة قلب .. المذكرة الثالثة .. سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة

سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة
جريمة_قلب

* المذكرة الثالثة .......
الراوية .. ضياء الحسني ..
المكان .. بين جدران السجن ...
الجنــــــــــــــون

في الكثير من الاحيان .. وعندما يختلي المرء بنفسه فانه يشعر بانه حقا شخص مجنون .. شخص لا يفكر قبل ان يتصرف .. شخص يفقد اعظم الفرص بغباء منقطع النظير .. وهذا تحديدا ما حدث معي .. فلقد كنت مجنونة ليس لمرة واحدة .. ولكن .. لمرتين ايضا .. فالفرصة قد جاءت بالفعل للمرة الثانية لي وانا رفستها بقدمي .. لا لشيء سوى كبرياء جريحة لم يبقى منها الا بعض الاثار التي تستنهض نفسها في بعض الاحيان .. وكم كانت تلك الوقفة غالية الثمن بالنسبة لي .. فحريتي ضاعت معها ... حريتي التي كنت انشدها رغم مكابرتي .. من منا يفضل السجن على الحرية .. من منا يفضل الذل والهوان والقيد على التحرر والانطلاق والامتلاك .. ان تكون حياتك ملك لك لتتصرف بها على هواك .. احلام يبدو انه من الافضل ان انساها فباقي مدة حجزي لا تزال طويلة .. بل طويلة جدا .. وفي تلك اللحظة كنت اشعر بانها اطول حتى من العشر سنوات ونصف التي قضيتها بين جدران زنزانتي .. هل لانني لبعض الوقت تذوقت طعم الحرية وابديت راي وتناقشت مع شخص بشكل مباشر اصبح من الصعب علي العودة الى صومعة احتجازي الاختيارية والخيارية .. لا اعلم .. ولكني اعلم باني تعبت حقا .. كما لو انني ارزخ تحت ثقل كل هموم الدنيا .. وان كنت قد ظننت بان الاسبوع الماضي كان بالنسبة لي مهلكا فهذا الاسبوع كان اشد فتكا على تماسكي من سابقه .. الياس .. العجز .. القهر .. الغيظ .. احاسيس بدات تتفاعل بداخلي لتنفجر كبراكين صغيرة تحرق كل خلايا روحي المتجمرة بنيران الندم والاسى والحزن .. الى متى سابقى هنا يا ترى .. وهل حقا يرفضني من في الخارج كما استشعر بداخلي .. هل سانجح يوما في تحدي كل تلك العواصف من الجنون التي تغيرت بالتاكيد عما كنت ائلفه في السابق عن هذا العالم الخارجي الغامض بالنسبة لي .. وبلا ارادة مني اصبحت ذكرياتي السابقة ملاذ استعين فيه لاغيب نفسي عن عالمي الحالي والواقعي .. ذكريات مرة ولكنها في النهاية .. هي كياني وسبب تكون شخصيتي على تلك الشاكلة ..عائلتي .. كم سمعت عن حضن الام الذي يحمل كل الهموم .. وكم اخبروني عن ظهر الاب الذي يعد درع يحمي اطفاله من كل الشرور .. اما الاخ فهو السند الذي يعينك دوما على الوقوف في وجه أي عاصفة مزلزلة قد تهدمك او تعرضك للاذى .. و الاخت .. الرفيقة التي تتشاركين معها ادق التفاصيل فتمنحك نتاج خبرتها وتدعمك بكل ما تعانينه وتنصحك بصدق .. احاسيس لم اجربها ابدا .. رغم انني املك اب .. واملك ام .. واملك اخ .. واملك اختا .. اجل .. املكهم جميعا .. الا انهم جميعا ايضا تخلو عن ادوارهم معي .. وتركوني .. وحيدة .. منذ ولدت .. فانا لم انل رضاهم ابدا .. كنت مجرد عنصر اضافي يجلب لهم الازعاج .. ( لا تصرخي .. لا تفشلي .. لا تحرجيني امام اصدقائي .. لا تتكلمي .. لا تبتسمي .. لا تخرجي للضيوف .. لا تنظري .. لا تفعلي ولا ولا ولا ) الكثير من اللاءات التي تربيت في وسط جدرانها وكانها متاريس توجه فوهاتها نحو صدري .. ( انظري لاختك .. انظري لاخيكي .. لماذا لست مثلهم .. لما انت فاشلة .. لما انت غبية .. لما انت بشعة .. لما انت مهملة .. لما ولما ولما ) اسئلة كانت تحاصرني من ابي وامي دون ان اجد لها أي اجابة سوى .. ( انا لا استطيع .. انا لا اقدر ) صدقا .. لم يكن هذا بمقدرتي .. فلم اكن املك يوما ذكاء اخي واختي .. او عبقرية امي وابي .. كنت مجرد فتاة عادية تحتاج الى تربية عادية .. فهل هذا كان كفرا حقا كما صوره لي اؤلئك البشر .. هل كان يجب علي ان ادفن نفسي وانا اتنفس فقط كي لا ازعجهم .. طريق طويلة قطعتها وشخصيتي تتعرض لضربات موجعة جعلتني مهتزة الراي .. مهتزة الفكر .. مهتزة القرار ... جعلتني منحرفة في تحليل الامور .. ومنحرفة عن معرفة الصواب .. ومنحرفة عن تحديد الكذب من الحقيقة .. والصدق من الخداع .. كنت مجرد تائهة تتخبط وهي تحاول ان تجاري خطوات عائلتها المشابهة لسرعة الصاروخ .. بينما هي مجرد سلحفاء ضعيفة .. وحتى مع كل محاولاتي فلقد كنت اتلقى نظرات الاستهجان منهم .. وكاني لن انجح يوما ابدا .. ياللهي ما اصعب شعورك بانك مذنب ولكنك لا تعلم ما هو ذنبك .. اهو انك ولدت في مكان لا يشبهك .. ام في زمان غير ملائم لحالتك وادراكك .. سنين قضيتها وحيدة بصعوبة جعلتني فريسة سهلة لذلك الشخص الذي هزني بسهولة فحصل على قلبي وروحي وصدقي واخلاصي .. وبقنبلة فجر كل ذلك بوجهي وتركني سجينة فاقدة للامل .. هل ابرر لنفسي فعلتي .. كلا .. كلا لا ابررها لنفسي .. ولكني .. حقا كنت ضعيفة .. جبانة .. وصغيرة .. مجرد مراهقة تلبس ثوب الانوثة والنضج بصعوبة .. وحتى هذه اللحظة .. عندما اتذكر تلك الكلمات واللمسات والنظرات التي كان يبادلني اياها زيد ويتغنى فيها بعشقه لي ارتجف .. فما انا الا انسانة عديمة التجربة .. زيد .. قابلته اول مرة عندما دخل كمرافق لوالده الغائب عن الوعي الى المشفى الذي تديره عائلتي .. حيث كنت اعمل هناك .. كممرضة .. المجال الوحيد الذي تمكنت من اتمامه بعد طول جهاد مني .. وهناك .. وانا اضع حقنة المحلول بذراع والده نظر اليّ نظرته الاولى .. شاب وسيم يظهر عليه الثقة والكمال ينظر نحوي بتمعن بعدما اعتدت طوال الفترات السابقة ان يتجاهلني الجميع .. خصوصا مع وجود اختي الفاتنة والخارقة الذكاء بجواري .. وبعدها .. سقطت كالحمقاء صريعة لهواه .. وهو .. اخبرني بانه وقع بحبي من النظرة الاولى .. وهذا ما جعلني اطير الى سابع سماء .. ولم اكن اعلم وقتها بانني ساسقط بسبب كذبه الذي اغرقني به الى سابع ارض ..وكاي قصة حب عادية كانت قصتي معه .. ملاحقاته لي .. مغازلاته .. عدم نظره لاي امراة في وجودي .. حتى اختي .. كان ينسج خيوطه حولي بمهارة وسرعة ودقة .. وانا .. كنت التصق بالفخ بتهور وغباء وحماقة .. كنت ارى بعينيه ما يريد مني ان اراه .. واسمع باذنيه ما يريد مني ان اسمعه .. كنت افكر واحلل فقط ما يسمح لي عقله هو بالتفكير به .. كدمية سهلة الانقياد والتنفيذ .. حتى اوصلني الى مرحلة لم اكن اتنفس فيها الا اذا امرني بهذا .. وبفقداني السابق لهويتي ووحدتي ولمن يوجهني كان تحكمه بي كاملا دون اي مقاومة تذكر لا مني ولا ممن حولي .. لدرجة انني لم اتوقف يوما امام سؤال منطقي وقتها .. لما هو يفعل هذا معي .. الكثير من الغموض الذي كان يحيطه لم احاول فهمه .. كنت اخاف من غضبه ان يتركني .. حولني بسهولة الى مجرد جثة عديمة التفكير والاحساس الا بوجوده .. وعندما تاكد من تشوهي الداخلي وتبعيتي العمياء له خطا خطوته الاولى بخطته .. وبدا باقناعي بما اراده في البدء مني .. ان اقتل اباه .. لكي يحصل على كل شيء بيديه .. خطة سخيفة وقديمة ومع ذلك لم اكتشفها فلقد كنت مغيبة بحبه وبعشقي الاحمق له .. مجرد تذكري لتلك الاوقات يجعلني اشعر بالغثيان من نفسي ومما كنته .. ويجعلني اتساءل الى اي درجة من الجنون قد وصلت حتى اصبح هكذا كالمسخة .. تنهيدتي التي خرجت هذه المرة من اعماق صدري كانت بمثابة الخنجر الذي يطعن قلبي اكثر واكثر .. ذلك الالم الذي استبد بي جعلني احاول نفض راسي والتركيز بعملي اليومي .. تنظيف الزنزانات .. عمل بسيط وسهل بالنسبة لي ويساعد على تنظيم افكاري .. عمل غرقت فيه حتى قاطعني صوت الحارسة المسؤولة عن النظام في السجن وهي تنادي علي بلهفة .. وما ان التفت نحوها حتى رايتها وهي تلوح بيدها التي تحمل ورقة وهي تنظر نحوي بذهول غير مصدق .. ذهول ظهر بين حروفها وهي تقول لي ( ضياء .. لقد جاءت الموافقة .. انتي .. حرة .. لقد اطلقو سراحك .. بالعفو المشروط )
في البدء لم اصدق ما قالته .. ظننته مجرد مقلب ساخر .. نظراتي عبرت عن سخريتي وانا اتجاهل كلامها والتفت لاستمر باداء عملي في التنظيف .. ولكن يدها التي امتدت فجاة لتلفني و تهزني بقوة اجفلتني خصوصا مع صرختها وهي تلوح امام وجهي بالورقة ( ضياء .. انا اتكلم معك ايتها السجينة .. لقد تم منحك العفو .. وهاهو الامر ان لم تكوني مصدقة .. وايضا .. المدعي العام المسؤول عن اطلاق سراحك يطلب مقابلتك ورؤيتك في التو واللحظة )
لوهلة فقدت حتى صوتي وعيني تتبعان الورقة بعدم تصديق .. من هو هذا المدعي العام .. الذي اطلق سراحي .. واخيرا .. من هو ذلك الشخص الذي منحني ثقته حقا لاكون مسؤولة منه وهو يمنحني .. فرصة حريتي الثانية .. بالتاكيد هو ليس .. صائب السالم .. اسم تردد بين جنبات فمي وانا اسال بخفوت مستهجن ( هل .. هو .. المدعي صائب ؟؟ )
بذهول يشابه ذهولي نظرت الحارسة الي وكانها تنظر الى شخص مجنون قبل وقوع عينيها على الورقة لتجيبني باستغراب اكبر ( ا.. اجل .. انه .. المدعي صائب السالم .. ياللهي .. كيف اقنعتيه يا ضياء .. فهذا بالذات من المستحيل ان يمنح العفو لاحد الا فيما ندر )
لم اجبها .. فانا نفسي لم اعرف الجواب .. فقط نظرت نحوها بعدم تصديق وانا اشعر باني اعيش حلما .. بل كابوسا .. فعندما ساستيقظ واكتشف ان كل هذا مجرد وهم سيتمزق قلبي بالم اكبر .. بعد ان ذقت حلاوة سماع كلمة .. انني حرة .. هزة اخرى من الحارسة لي انتشلتني من دوامة الحيرة وهي تصرخ بوجهي ( تحركي يا ضياء .. فالمدعي العام ينتظرك الان .. هيا .. قبل ان يغير رايه )
يغير رايه .. كلا ارجوكم .. ارجوكم .. لا تسلبو مني امل الحرية بعد ان منحتموني اياها .. لا تسلبو مني الحياة بعد ان اظلمت بوجهي طويلا .. توسلات بكت بها روحي ولكنها لم تظهر ابدا وقد اخفيتها خلف قناع برودي وتماسكي وانا اتبع بخطواتي المرتجفة تلك الحارسة .. خطوات قادتني فيها الى هناك .. الى مكتب مامور السجن .. حيث دخلت لاراه وهو يجلس خلف مكتب المامور للمرة الثانية وقد خلت الحجرة من غيرنا كما كان الامر في لقاءنا السابق .. ولكن .. هذه المرة كان جلوسه وهيأته يحملان غموضا وقد تعمد تركيز عيناه على عيني بقوة هدمت جزء من ذلك القناع الذي اختفي خلفه فارتجف جسدي بعنف من راسي حتى اخمص قدماي .. ارتجافة يبدو انه لم يغفل عنها بعينيه الصقريتي النظرات .. عينين شعرت بانهما قد اخترقتا ذاتي وامسكتاها بالجرم المشهود .. وصوت هادئ منخفض همس به في تلك اللحظة ليتسلل اثره عميقا بداخلي ( في عينيك اسئلة كثيرة كما ارى )
لم استطع الكذب .. ولم استطع التماسك .. لم استطع الا ان اتكلم معه وكاني اتحدث مع شخص اعرفه منذ زمن بعيد .. شخص يكتشف كل ما يجول بخاطري قبل نطقه .. وبنبرة خرجت مهتزة مني اجبت ( بالتاكيد .. فانا .. انا .. لا اصدق .. ما .. يحدث ... م .. مالذي .. مالذي تريده ؟ )
ارتفاع حاجبيه اخافني في تلك اللحظة .. ثم عودته لتلك النظرة المقيمة لي والتي تشملني بالكامل هز مكامن اعصابي المرتعشة اصلا من صدمة الخبر الذي سمعته قبل قليل .. وبنبرة غامضة اجابني ( برايك .. مالذي اريده .. ربما .. يممكنك استنتاج الامر بسهولة لو فكرتي قليلا .. ) وصمت وهو ينظر الى ملامحي التي بدات تتغير وحاجبي ينعقدان ببطء قبل اتمامه بمنطقية ساخرة ولكنها حازمة ( هل اسهل عليكي الاجابة .. اريد ان اتاكد من انك تعرفين جيدا قيمة الفرصة الثانية التي منحتك اياها )
اسلوبه .. كلامه .. هياته .. كل ما فيه جعلني اقول بسرعة لاهثة ( الفرصة الثانية ؟؟ لما اشعر بانها ستكون محنة .. وليست منحة )
مط شفتيه وهو يوسع حدقتي عيناه بهيبة يبدو انه يتعمدها لتخيف من امامه ( ربما .. ان لم تستغليها بشكل صحيح .. فستنقلب عليكي )
مالذي يقوله الان .. ولما يفعل هذا بي .. لما يحول تلك اللحظة التي كنت انتظرها لمجرد اختبار يحطم فيه اعصابي .. وبتحدي اردت فيه رد كلماته المتهمة اجبت ( لا اعتقد انك هنا الان من اجل مصلحتي .. يبدو انك هنا لكي تتاكد .. من انني لم .. اخدعك )
ضربة من كفه على سطح المكتب بعنف اصدرت صوتا ارتجت له جدران المكان بنفس وتيرة ارتجاج جسدي الذي انتفض بقوة مع صرخته ( تخدعينني .. من تعتقدين نفسك لتظني للحظة بان انسانة مثلك من الممكن ان تخدعني .. يبدو انك تصرين لاخر لحظة على افساد ما امنحك اياه .. الم تفهمي بعد .. بانه يجب عليكي ان لا ترتكبي اي حماقة .. وباني ساراقبك عن كثب لاتاكد من هذا)
ياللهي .. هو يقوديني الان بكلامه الى جنون احاول الابتعاد عنه .. بكلامه يستفزني لدرجة تجعلني ارغب بمنافسته حتى وانا اعلم بانه لا فرصة لي معه .. وبسخرية تساءلت هذه المرة ( تراقبني .. لماذا يا ترى .. لماذا تريد التاكد من عدم ارتكابي لاي حماقة ؟ )
لوهلة صمت وهو ينظر نحوي ببطء اقشعر له بدني .. وبنبرة خرجت هذه المرة متمهلة غمغم ( لاثبت لك .. بانه . ليس الجميع كما تظنين .. وبان اي حماقة سترتكبينها بعد ذلك .. ستكونين انتي فقط المجرمة والمذنبة فيها .. لقد شعرت حقا بالشفقة عليكي )
ياله الكون ساعدني على الصبر .. هل يتعمد فعل هذا بي .. هل يتعمد استثارة كافة ردودي الجنونية .. باستهجان عافته نفسي همست بعدم تصديق وانا اشير الى صدري ( الشفقة .. انت تشعر بالشفقة ..لا اعتقد ذلك يا سيادة المدعي العام .. فلو ان الامر كما تقول وان ما يهمك هو انا فعندها لكان من الاسهل لك ان تقول بان سبب منحك العفو لي هو ثقتك باني انسانة جيدة تستحقه .. ولكن .. بدلا من ذلك .. فانت الان تحاول تحطيم اي امل لي .. وذلك لتحقق مصلحتك انت )
وكان سؤاله التالي بديهي على اجابتي وهو يحتد بنبراته ( مصلحتي .. وما مصلحتي فيما تقولين ؟ )
لوهلة صمت وانا افكر .. طوال الفترة الماضية لم احاول ان افكر بهذا الانسان .. جعلت منه منطقة محرمة كي لا ارفع نسبة الامل عندي ولا ازيد من غيظي من نفسي ومن ردودي عليه ولكن .. وبعد كلامه بهذه الطريقة بدات تلك الاسئلة المخباة بداخلي من الخروج .. لما عاد الى هنا .. لما منحني هذا العفو .. لما شخص مثله اهتم بالامر لهذه الدرجة .. هل .. اجابة صغتها لتساؤله هذه المرة ببطء وتمهل وانا اتشارك معه ما يكتشفه عقلي عنه ( شعورك بانك انسان من الممكن ان تحقق العدل .. وشكك باني تعرضت للظلم في السابق جعلك تمنحني العفو . ولكنك في نفس الوقت لا تثق بصواب قرارك .. وباني الان نفس الشخص الذي دخل الى السجن .. ببساطة انت خائف مما قد افعله عندما اخرج .. خائف من ان اثبت لك خطأ قرارك بمنحي فرصة اخرى بسبب الظلم الذي تعرضت له في السابق .. حدسك الان في حالة صراع مع عقلك على ما يبدو .)
ياللهي .. مالذي اقوله الان .. ولما يستحث بداخلي كل هذا الكم من المتناقضات .. لما يستنهض عقلي بنقاشاته وجدالاته معي .. لما احاول الحصول على اكبر قدر من الاهتمام منه .. بذهول غرقت بتحليل ردات فعلي ولكنه هو ايضا على ما يبدو قد استثارته اجاباتي واستفزته فتساءل هذه المرة بسخرية ممزوجة بغضبه ( مالذي تقصدينه بان عقلي في صراع مع حدسي .. من تظنين نفسك لتمنحيها كل هذه القيمة ولتحاولي ربط كلامي بما تقولين )
حقا .. من هي ومن تظن نفسها لتناقشه هكذا .. ولكن .. من هو ايضا .. ولما استهانته بها اغضبتها .. هي ايضا انسانة يمكنها طرح فكرها ورايها .. اليس كذلك .. وهو .. ورغم كل غضبه الا انه .. يستمع لها ... ويجادلها .. لما .. لما لا يلقي اوامره ويتركها فقط دون ان يهتم بها .. بتلكئ هذه المرة اجبته وعيني تنخفضان من اسر عيناه بهروب استرتيجي مني لكي اخفي ضعفي واحول مسار اهتمامه عني ( العفو سيادة المدعي العام فانا لست المهمة هنا .. انها مشاعرك .. فيبدو انني لمست بداخلك جانب ضعف يتمسك بحقي بالعدل .. وهذا الجانب هو من تسيد الموقف ومنحني العفو .. ولكن .. عقلك الذي استيقظ من غفلته ضرب كافة اجراس الانذار لينبهك من هول ما قد ارتكبه ان تم منحي حريتي الكاملة)
انني اتحداه .. بل واتعمد استفزازه بغباء .. ولكن .. ردودي كانت قد خرجت من تحكمات عقلي .. تلك المتعة واللهفة التي اشعر بها مع كلامه تهزني .. تعيد لقلبي النبض الذي نسيه منذ مدة طويلة .. تشعرني بانني انسانة يحق لي التحدث بعدما نسيت هذه الحقيقة مع طول صمتي .. تعبيري عما يجول بتفكيري ومنح نفسي بعض الاهمية في هذا الحوار كان عبارة عن مغامرة طائشة توقعت ان يقابلها بضحك هازئ وسخرية يرافقها توبيخ يقلل من قيمتي ولكن .. فاجاني بالفعل هذه المرة عندما وقف بشكل مفاجئ لينحني نحوي وهو يلوح باصبعه بتهديد غاضب مدافع ( انت حقا تهذين .. وتظنين ان لك اي قيمة .. وانك مظلومة وضحية .. انت مخطئة .. فانت لا تزالين بنظري تلك القاتلة التي تستحق اشد العقاب ).
مالذي يحدث الان .. هل حقا كلامها صحيح واستنتاجاتها عنه صائبة .. هل حقا تمكنت من تحليل هذا المدعي العام المعروف بقسوته وغموضه .. فالغضب يعني شعور الشخص بالتهديد .. ودفاعه عن نفسه امامي اذهلني .. اتهامه المباشر لي بما يناقض افعاله وبما ينافي منحه لي لهذا العفو جعلني اتساءل بشكل متحدي وحدسي يتولى هذه المرة اختيار لغة الحوار بيننا ( واو يا سيادة المدعي العام .. وبما انني استحق العقاب فلم منحتني العفو اذن .. اولست انت هو نفسه المدعي العام الذي لا يخطئ غالبا والمعروف بصرامة احكامه وقسوته على المجرمين وطلبات عقوباته القصوى لاي جريمة يحقق فيها ويمسك المجرم المسؤول عنها .. اترى .. لست وحدك من بحثت عن تاريخي .. فانا بحثت عن بعض المعلومات عنك )
انني اكذب حقا .. فانا لم ابحث ابدا عن اي شيء يخصه .. كل ما هنالك انني سمعت عن طريق الصدفة احدى المسجونات وهي تتحدث مع زميلتها عن قصة احتجازها وتخبرها عن المدعي العام الذي اودى بكل خططها الى الهاوية وامسك بها بجرمها المشهود بل واجبرها على الاعتراف بجريمتها .. مدعي كانت تتحدث عنه بخوف رغم كونها طاغية من طواغي السجن المعروفين بتحكماتهم باعضائه .. وعندما ذكرت اسمه ارتجف قلبي بلا ارادة مني .. صائب السالم .. مدعي على ما يبدو معروف حقا بين اؤلئك المسجونات .. وفي تلك اللحظة انصتت بالفعل لكلامهم عنه .. لاعجابهم المختلط بحنقهم عليه .. ولتناقلهم سيرته وكانه بطل يحمي مصالح المظلومين ولا يقبل الرشوة ويمتاز بالدهاء والذكاء .. كلمات عن شخص شعرت بانني لا اعرفه فمن قابلته بنظري كان وكانه كيان مشابه لكياني .. جسر غريب امتد بيننا فجعلنا نتناقش بطريقة غريبة وتنافسية لم اعهدها في السابق بنفسي .. رده هذه المرة اغاظني خصوصا مع نبرة الاستخفاف التي استشعرتها فيه وهو يمط شفتيه هاتفا وقد التف حول المكتب ليجلس في الكرسي المقابل لي ( حقا .. وهل من لمفترض ان افخر لانك قمتي ببعض البحث .. هل تعتقدين انني انتظر شهادة منك مثلا .. ترى مالذي اكتشفتيه عني .. هيا اشبعي فضولي )
هل حقا يسالني عما اعرفه عنه .. لما .. لما يهتم حقا بما افكر به حتى وهو يتظاهر بالعكس .. وبفلسفة هادئة ارادت فيها استفزازه بذوق مختلط باعجابي البسيط بسيرته التي سمعتها خصوصا بعدما تعاملت مع مدعي عام مرتشي في قضيتي ( رغم سخريتك ولكني ساجيبك .. انت المدعي العام الذي لا يفشل غالبا .. تمتلك اكبر عدد من اوسمة التميز التي حصلت عليها اثناء حلك لقضايا عجز غيرك عن حلها .. محسود من قبل زملائك اللذين يرونك قدوة للاستقامة والمثالية الممرضة .. بكلمة اخرى انت مثالي لدرجة ان اي شخص قد يبحث عن اي عيب فيك فلن يجد .. ولكن .. وبعد كل هذا .. يا ترى .. هل ساكون انا اولى اخطائك .. سواء بتركي هنا او بمنحي العفو ؟؟ )
هل حقا نطقت بتساؤلي بصوت عالي .. هل حقا اعتبر نفسي تلك الغلطة التي ستهد قلعة هذا المدعي العام .. وفي تلك اللحظ شعرت حقا بظلام يحيط بي ويهدد ذلك الشخص الذي بدات بالفعل احترمه رغم كل شيء قاله عني .. كلماته هذه المرة كانت منطقية وهو يجيبها وقد انتصب بوقفته امامي ( ولما اوصم نفسي بك .. الم يكن من الاسهل ان ارفض العفو وانتهي من الامر دون ان انبش فيه او حتى دون ان يراجعني اي شخص بقراري .. فعلى ما يبدو انت وحيدة ومنسية )
طعنة غادرة اصابتني بعدما بدا قلبي يتاثر به .. طعنة اصابتني بمنتصف نقطة ضعفي .. طعنة جعلتني اشهق ببطء وانا اجيب بدفاع ارادت فيه ان ارد طعنته لي ( انت لئيم ومؤذي .. تتعمد ذر الملح على الجروح .. معك حق .. كان من الافضل لك ان تنساني وترفض العفو قبل ان يجذبك المستنقع القذر الخاص بي . ولكنك لم تفعل .. لانك مغرور .. فانت تظن انك يجب عليك تحقيق العدالة دون اي خطأ )
لم اصدق ما قلته خصوصا بعدما اشتعلت عيناه بحمم نيران غضبه وهو يصرخ هذه المرة بوجهي ويده تعود لضرب المكتب وكانه يفرغ بضربته هذه غضبه بدل ان يضربني انا ( احترمي نفسك .. من الممكن ان اسحب القرار الان وان اتهمك بالتطاول على النيابة .. كفاكي تبجحا واحمدي الله باني اريد تحقيق العدل .. ولكن هذا لن يمنعني من فعل المستحيل لاتاكد بانكي لن تقتلي شخصا اخر .. ولن ترتكبي اي حماقة اخرى .. حتى لو كانت مخالفة مرور .. والا .. فاقسم ان اضاعف حتى المدة المتبقية من حبسك )
انها يهددني .. رغم انه البادئ باهانتي .. من يظن نفسه هو ليتكلم معي بهذه الطريقة .. نوبة كبرياء انستني وضعي وكونه هو بالفعل من يتحكم بمصيري وانا اقف هذه المرة لاكون بنفس مستواه مجيبة بقوة لم اعلم من اين استمديتها وقد نسيت كل ياسي السابق ورغبتي بالحرية وانا اجيب ( لقد اخبرتك في السابق .. باني اصبحت اؤمن بنظرية مقاتل الساموراي .. وباني قبل ان اسمح لرجل اخر باذيتي فساقتل نفسي .. ولكن يبدو من غضبك انك انت من اصبحت تخاف الان من ان تكون مثل السير بوست )
كلمتي هذه المرة فاجأته فتساءل بسرعة حاول خلطها مع سخريته ( السير بوست .. ومن هذا ايضا ايتها الفيلسوفة ؟؟ )
هل يظنني جاهلة مثلا .. ليكن اذن .. هو من اراد ان يناقشني .. فلاريه كم تغيرت كل معلوماتي في الفترة الماضية وكم استغليت من وقتي لاقرا واطور من نفسي .. وبهمهمة اجبت وانا اعود لمجلسي بثقة اصطنعتها (لا تسخر .. فهذا الشخص كان من فرسان الطاولة المستديرة .. اؤلئك الفرسان الذين كانو مسؤولون عن حماية الملك ارثر وتحقيق العدل .. ولقد كان هذا الفارس هو اشجعهم .. حتى اثار حسد زملائه وغيظهم .. فذهبوا الى الملك وتساءلوا امامه .. ترى .. هل تلك القصص التي يرويها السير بوست عن شجاعاته وانتصاراته حقيقية .. ام انه مجرد كاذب كبير يختلق القصص والمغامرات ويصطنع الاشياء بما يناسبه ليبدو في عينيك هو الفارس الشجاع المغوار .. ) وصمت هذه المرة وانا اراقب عودته هو الاخر لمجلسه وتركيزه الشديد الذي منحني اياه وكانه يحاول التوصل لمغزى كلماتي قبل ان افصح عنها .. لذا .. اكملت عبارتي ولكن هذه المرة بتلكئ موحي متعمد ( وكانت هذه هي بذرة الشك التي زرعوها في قلب الملك الذي نفى الامر بشدة في البدء .. ولكن هذه البذرة كانت هي بداية النهاية التي صدق من خلالها الملك كذب السير بوست رغم صدقه .. اوتعلم لماذا ..؟ ) سؤال وجهته دون ان انتظر اجابته منه ومع ذلك ..كان انعقاد حاجبيه دليل واضح على تفكيره بالاجابة التي تكرمت بالافصاح عنها وقد افصحت من خلالها بفلسفتي التي اصبحت اؤمن بها بعد تجربتي ( لانه لا يمكنك قتل الفكرة عندما يتم زرع مكان لها في الدماغ الذي يتعمد تحوير الحقائق حتى تصبح ملائمة لها .. وهكذا يصبح الامر مجرد كذبة صغيرة مغموسة بالحقيقة لتجعل الصورة الكبيرة لهذه الكذبة ملائمة .. فالناس تصدق الكذب بشكل اسهل وافضل من الحقيقة .. كما انهم يفضلون الانسان المعيوب والذي يشابههم اكثر من الانسان المثالي والمستقيم الذي يشعرهم بنقصهم و عيوبهم )
هل حقا قد نطقت بهذا الامر له ؟؟ كم يفقدني من اتزاني بحواري معه بهذه الطريقة .. فتلك الحقيقة كانت حقا خلاصة امنت بها بعدما رايت كيف حور الجميع كل الحقائق التي كانت تخص قضيتي بما يناسب نظرتهم لي .. ولم يحاول اي احد منهم رؤية الامر بنظرتي انا .. اجابته هذه المرة اشعرتني بالكثير من الالم .. الم لم افهم سببه .. ان اكون انا بالفعل مجرد خطأ ووصمة في تاريخ اي شخص قد يدافع عني .. يالها من قيمة اكتسبتها بحماقتي .. وبنبرة هذه المرة كانت عميقة وقد رافقتها نظرته المستكشفة لي ( انت .. تقصدين باني خائف من ان يتم تحويلك انت لتلك الكذبة التي سيتم غمسها بحقيقة عدم تصديق من حولي لمهارتي في حل كل تلك القضايا وهكذا .. ستكونين انت الخطأ الذي يحطم صورة المثالية التي تحيطني .. اصدقيني القول يا ضياء .. هل تحاولين اجباري على سحب قرار العفو .. الا تريدين اطلاق سراحك .. هل انت خائفة من الخروج مرة اخرى للعالم الذي رفضك في السابق )
سؤال هذه المرة زلزلني .. وانفجار هذه المرة كان من نصيب احاسيسي .. دمعة شعرت بها تضرب جفوني بعناد مهددة بسقوطها .. لن ابكي .. لا اريد البكاء مرة اخرى .. فلقد تعبت حقا منه .. ولا احد يستحق دموعي حتى نفسي .. اولم اهن نفسي بما يكفي لاسمح لدموعي بالسقوط في السابق لاجل اؤلئك الاشخاص اللذين لا يستحقونها .. وبكل وجع الدنيا الذي ثار بروحي همست بتهدج معبرة عن تخبطي ومشاعري التي لم اعد افهمها .. والتي اصبحت مكشوفة له على ما يبدو ليستنتجها بسهولة ( ومالذي تعرفه يا سيادة المدعي العام عن الرفض .. رغم عدم تصديقك لي ولكني بالفعل خائفة عليك من ان يتم ربطك بي وانت على ما يبدو شخص جيد بعض الشيء .. اما خوفي .. فمعك حق .. انا اعترف باني خائفة .. خائفة مما ساراه بالخارج .. خائفة من ذلك الرفض الذي تتهمني به .. من ذلك الهجران الذي اعلم اني ساواجه ولكني مع ذلك اهرب منه .. ولكن .. ورغم ذلك .. انا .. انا ..)
كان انهياري وشيكا امامه .. انهيار حاولت نبذه بقوة غادرتني في تلك اللحظة خصوصا مع انحنائه نحوي وعيناه تثبتان عيني وهو يتساءل بنبرة استشعرت فيها حنان غريبا ( انت تريدين الخروج من هنا اذن )
ياللهي .. لما هو هكذا .. لما اشعر بالاحتواء الغريب بكلماته .. هل سانخدع مرة اخرى برجل .. لما تتضاعف رغبتي بمشاركته كل همومي وانا استمع لهذا التعاطف منه .. وبارتعاش ازداد حتى غدا كتلعثم باكي نطقت باجابتي وانا الهث ( اجل .. انا تعبت حقا .. تعبت من وجودي هنا )
صمت .. صمت تسيد الموقف طويلا وعيناه تبحثان بداخلي وقد سقطت كل دروعي .. عيناه اللتان رقتا للحظة قبل ان اشعر هذه المرة بانتفاضته وهو يقف بشكل فجائي مبتعدا عني بعد ان اولاني ظهره وكفه تمسح وجهه وقد بدا يستغفر ربه بصوت منخفض وكانه قد ارتكب ذنبا عظيما قبل قوله بحدة وهو يلتفت نحوي بشكل فجائي ( اذن كوني ممتنة واستقيمي واستغلي ما منحتك اياه بشكل صحيح .. لما ترفضين استغلال فرصتك الثانية التي وهبتك اياها .. لما تتعمدين اهانتي وتظهرين خوفك بطريقة عكسية .. لما تعانديني وتحاولين جري لكي اظلمك .. لما ترفضين الاعتراف بحقيقة اثامك واخطائك )
كانت اسئلته وكانها اتهامات قد صيغت على هيئة اسئلة .. اسئلة جعلتني اقف بدوري وانا ارفع اصبعي امامه مجيبة بوجع كنت اخفيه بداخلي طويلا جدا حتى خرج كهسيس صدئ ( اتعلم .. ساجيبك عن سؤال واحد مما سالتني اياه .. لما لا استغل فرصتي الثانية .. اتعلم يا سيادة المدعي العام .. في مجتمعنا هذا .. عندما تعف المراة نفسها عن سؤال اقرب الناس اليها فانها تاسر القلوب .. ولكن .. كيف لمراة قد سجنت وتخلى عنها هذا المجتمع ووسمها بالعار وبالسواد فرفض حتى الاستماع لها ان تجد قوت يومها .. هل برايك عدم بحثها عن العدالة التي ظلمتها امر مستهجن .. هل تريد فقط مني ان انسى وان استمر بالعيش باي طريقة .. ان كان الامر هكذا فهنا ايضا نحن نعيش .. ناكل ونشرب وننام .. فاين كرامتي من بين كل هذا اللغط .. هل تطلب مني حقا ان اتخلى عنها مرة اخرى )
اجل الكرامة .. كان تساؤلي الاخير وكانه رجاء مني لكي يفهمني .. لكي يفهم ما اعانيه .. وهل انتظرت حقا من رجل ان يفهم ما اعانيه مرة اخرى .. لما يفسد كل ما وعدت نفسي بالقيام به .. الا اثق برجل ابدا .. وكان جوابه حقا تلك الصفعة التي انتظرتها منه لكي توقظني من دوامة ضعفي الفجائية ( ما اطلبه منك هو ان تضعي عقلك براسك وان تتصرفي بفطنة وذكاء لتعوضي تلك السنوات التي قد فاتتك من عمرك .. واعدك بانني ساحاول مساعدتك لكي تبداي حياتك من جديد مرة اخرى .. اما ان كنتي تصرين على عنادك السخيف هذا .. وعلى صمتك الغريب ورفضك الافصاح عما حدث لك فلن يساعدك احد )
هذا هو اذن مفتاح القضية .. هذا هو اجابة كل حيرتي .. هو فقط يتحدث معي ليفهم قضيتي .. ليزيل كل خيوط الشك التي اثرتها بنفسه على ما يبدو .. لا شيء مميز بي كما ظننت .. ولاثبت لنفسي هذا الامر ولكي اقتل اي امل لي بكوني انسانة تستحق ان يستمع اليها شخص وان ييفهما تكلمت هذه المرة ببرود اصابني مع عودة ذكرياتي الموجعة لتطفو الى سطح مخيلتي ( حسنا .. ساتماشى معك حتى اخر انفاسي .. وساحاول تجاهل كل ما امنت به في الفترة الماضية واثق بك ..وبانك بالفعل جيد .. وساخبرك .. عن بعض الامور التي اراها وقد تشكلت كاسئلة في عينيك )
كنت استفزه بتعمد مسبق .. وقد نجحت .. فاجابته هذه المرة كانت استنكارية ومهددة لي ( وهل يجب ان اشكرك على تعطفك هذا .. حقا لما تجعلين من يقابلك يشعر وكانك تتمننين عليه بكلامك )
رفعت حاجبي الايمن وانا اتصنع الهدوء وقد تغلف صوتي بالف طبقة جليدية وانا ادافع عن نفسي ( العفو يا سيادة المدعي العام فانا اقل شان من التمنن على امثالك .. كل ما هنالك باني اعتنق الصمت فقط لاني تعبت من الكلام الذي لم اجد لصداه أي فائدة سوى جري اكثر واكثر نحو الظلام .. ولكن .. اسمح لي بان اجيبك الان على اول أسئلتك التي اراى ظلالها مرتسمة على ملامحك .. )
لوهلة صمت وظهر التردد جليا في عيناه .. وكان رغبته بالتراجع عما ساكشفه له قد زلزلت قراره الاسبق باكتشاف ما يحيط بي من غموض .. وبصوت ظهر فيه بعض هذا التردد تساءل ( ما الذي اوصلك الى هذه النقطة التي تحولتي فيها الى قاتلة )
كم الاعتراف بهذه الامور وبهذا الوضوح يصبح سهلا عندما تتساوى جميع الخيارات امام المرء .. عندما لا يهتم بمن يصدقه او يكذبه .. وبنبرة عبرت فيها عن ثقتي بما اقوله غمغمت ( الخيانة يا سيادة المدعي العام .. هل تعلم بان الخيانة هي ابشع وافظع واحقر الامور .. لا يوجد شيء قد يؤلمك مثلها .. خصوصا لو كانت من شخص كنت تضع ثقتك فيه )
وكان تساؤله الثاني بديهيا ومنتظرا .. ( ومن هو الذي خانكي )
ورغم بساطة هذ التساؤل الا ان اجابته كانت بالنسبة لي هي الاصعب . ففيها اعترف بكل ما زلزلني وهدني .. وبنبرة تسلل فيها وجعي رغم محاولتي الظهور بمظهر اللامبالية ( الدنيا كلها خانتني .. اهلي خانوني .. عملي خانني .. اصدقائي و زملائي خانوني .. وحتى من احببتهم خانوني .. بل ان الزمن كله قد خانني .. الى ان وصل الامر الى نفسي فخنتها ايضا .. يبدو ان الشيء الوحيد الذي لم يخني هو الموت .)
وكانت انتفاضته هذه المرة مفاجئة لي وهو يعترض على ما قلته بحمية وتعصب ( لما تذكرين الموت دائما وكانك ستموتين غدا .. وقت موتنا هو غيب بيد الله وحده .. وكيف خانك كل اؤلئك الذين ذكرتيهم وتسببوا بجعلك قاتلة ... لقد كنتي تملكين الكثير .. عائلة .. وظيفة .. صحة .. منزل .. لقد كنتي قوية ولا تعانين من أي ظرف من ظروف القهر التي قد تكون عاملا للجريمة مع غيركي .. اذن .. ما فعلتينه يقع عاتقه عليكي وحدكي ... فانت من اخترتي هذا الطريق .. اليس كذلك ؟ )
ياللهي .. كيف بامكانه ان يسال الاسئلة الصحيحة التي تمثل مفتاح روحي لكي تحرر كل افكارها من عقالها .. وباستهجان متالم هذه المرة تساءلت ( اوليس غريبا ان تقول هذا الكلام يا سيادة المدعي العام وانت بنفسك تشعر باني قد ظلمت بهذه القضية .. ولكن .. ومع ذلك .. فانت معك كل الحق لقول ما قلته عني .. الا انني ساخبرك بسر .. فكل ما قلته ما كان سوى فقاعة تخفي خلفها صورة اخرى مغايرة ... كما قلت في لقائنا الماضي فالحقيقة كانت مختلفة .. فخلف كل ما ذكرته لم يكن قوة .. ) وصمت هذه المرة وانا اعد نفسي للاعتراف بما يهينها رغم عني .. ولكنها حقيقة من حقه ان يعرفها ان اردت ان ابرر له ما فعلته .. وصمتي هذه المرة قابله صمت مشابه منه وكانه يحثني على الاكمال ( بل شخصية ضعيفة ومهتزة وعديمة الثقة و منكسرة مهزومة .. شخصية تنتظر من ينبش قليلا فيها ليكشف العفن والضعف بداخلها والذي كان يقتلها من الداخل .. وهكذا .. وبمجرد طعنة اخذتها من اقرب الناس لي انهرت وتلاشت كل تلك القوة الزائفة .. وهنا ظهرت الخيانة )
وعندما انهيت كلامي هذه المرة تحرك راسه بالرفض الواضح وهو يعترض بسرعة ( لما لا نكف عن الكلام المجازي .. لما لا تتكلمي بوضوح )
اذن .. هو يريد مني خضوعا كاملا .. يريد مني افصاح بكل ما قد يعتبره سببا لما حدث لي .. ولما يهتم يا ترى بهذه الامور .. لما يريد الحقيقة مجردة بلساني .. هل فقط منحني هذا العفو ليجعلني اصل معه الى هذه النقطة من الصراحة .. وبصوت لم اتعرف عليه بانه صوتي لشدة ثلجيته وكاني اتحدث عن شخص اخر غيري باعتراف متسارع ومتتالي ( حسنا .. اجل لقد ولدت لعائلة تظهر متكاملة ومثالية امام العلن .. ام واب وصلو الى اعلى المناصب العلمية والادارية وحصلوا على كل التكريم الممكن .. اخ واخت مثاليين الى درجة السقم ولكنهم نتاج طبيعي يكمل تلك الصورة المبهرة لتلك العائلة .. العائلة الطبية .. الذكاء العبقري .. الانضباط الكامل .. النجاح المبهر .. و.. انا .. مجرد خطأ بسيط غير كل الخطط .. منذ البدء كان حمل والدتي بي مجرد خطأ .. حدث عن طريق الصدفة ولم تتمكن من التخلص منه رغم ارادتها .. وهكذا انجبتني وهي تنتظر صورة مصغرة لاختي الكاملة .. ولكني لم اكن هكذا .. فلقد كنت طفلة مزعجة كما اخبروني .. لم اكن اقبل البقاء في الحضانات او مع المربيات ولكني كنت اطالب بوجود امي معي كاي طفل يطلب هذا الحق .. الاعند امي .. لم يكن الامر مستساغ فهكذا انا سؤاخرها عن تحقيق سلم امجادها .. ومع ذلك .. اضطرت ان تجاريني وان تعطيني بعض اهتمامها .. ) وصمت هذه المرة وانا انظر الى سقف الحجرة واسرح اكثر واكثر بذكرياتي وعلى شفتي ابتسامة مرارة تعبر عما احسه في تلك اللحظة ( ولكني كنت طفلة جشعة ولم يكفيني هذا الاهتمام البسيط .. بل و للأسف .. اردت المزيد .. فلقد كنت غبية في الدراسة ولم اكن عبقرية كباقي عائلتي .. وكنتيجة حتمية .. احتجت ايضا لبعض الدروس الخاصة وبعض الاهتمام الذي لم يكن لعائلتي أي وقت لتمنحه لي .. الا انها و في النهاية اضطرت ان تسايسني وان تمنحني القليل وذلك تحت وطاة الاجبار كي لا اظهر كوصمة عار في تاريخ الامجاد الذي تملكه هذه العائلة .. فكيف تكون طفلة الطبيب والطبيبة العظماء بهذا الغباء وهذا التاخر ..) وكان هذه المرة صمتي عبارة عن تنهيدة طويلة شعرت معها بان انفاسي ترفض الخروج من صدري بعناد قبل ان اتم حديثي بصوت شبه ميت ( وبهذه الطريقة امضيت باقي طفولتي ومراهقتي .. وانا احاسب على ذنب كوني جئت في الوقت والمكان الغير مناسبين .. احاسب على ذنب عدم فهمي وعدم موهبتي او عبقريتي .. احاسب لاني مجرد انسانة عادية غير مرغوب بها .. و طوال كل تلك الفترة الماضية تراكم بداخلي حقيقة مؤكدة .. انا انسانة لا قيمة لها ومهما حاولت الوصول فاني مجرد فاشلة لا اهمية لوجودها وليس لها مكان سوى الوقوف في الصفوف الخلفية لتنظر الى باقي عائلتها وهم يتصدرون الصفوف الامامية وينالون كافة الاحترام والتبجيل .. ومن هذا المنطلق دخل هو الى الساحة )
كان هذا السيل من الكلام عبارة عن نبع من الاوجاع التي صغتها بلا اي احاسيس كي لا ابكي وانا اسردها امامه .. فلا احد سيفهم حقا صعوبة الشعور الذي عانيته لانه لا احد عاش معي تلك اللحظات .. مرارة ظهرت على صفحة وجهي وانا اعيد النظر الى وجهه الذي اشتعل بحماس وفضول وهو يسال ليحثني على متابعة كلامي ( هو . من تقصدين .. هل هناك شخص حرضك على الجريمة )
لقد عاد اذن لصفوف طبيعة عمله .. عاد لكونه فقط المدعي العام الذي يبحث عن الحيقة دون ان يهتم بمعاناتي .. ولكن .. لما انا مستغربة .. ومالذي انتظرته منه بعد كل ما حدث بيننا .. هل اختلط علي الامر فنسيت من يكون حقا .. هل اعتقدته صديقا لي ابادله همومي وانتظر منه مواساتي ودعمي له .. ابتسامة هازئة من نفسي ارتسمت على شفاهي وانا اجيب ( في علمكم يا سيادة المدعي العام يوجد قانون علمت عنه بعدما دخلت الى السجن .. عندما يتعدد المشتبه بهم في قضية ما فانكم تنظرون للشخص الذي سيستفيد من وقوع هذا الحدث .. وهذا بحد ذاته تعتبرونه دليل قاطع عليه لوقوع الامر .. وان طبقنا هذا الامر في قضيتي فالشخص المستفيد من كل ما حدث كان هو .. اجل هو .. ابن المقتول )
اكدت بكلامي الاستنتاج الذي على ما يبدو قد استنتجه ولكنه رفضه ايضا .. فما اصعب ان يقتل المرء والده .. ضربة دوما ما نوجهها لانسانيتنا ونحن نسمع مثل تلك القصص المؤلمة عن الجحود بالوالدين .. وباستنكار اجابني هذه المرة (انت .. تتلاعبين بالامر .. اليس كذلك .. هل تعنين بان ابن المقتول هو الذي حثك على ارتكاب الجريمة ؟؟ اذن كيف هذا .. ولما لم تقولي هذا في التحقيقات الرسمية )
اجابة سؤاله هذه المرة سهلة وواضحة حتى له .. اجابة حملت في طياتها قصة اخذت من عمري الكثير .. (لانني ببساطة كنت مخدوعة .. بالترهيب والترغيب تم خداعي .. ولاني كنت مجرد حمقاء ساذجة تصدق بالحب وبالخير .. فلقد تم خداعي حتى اكتشفت في المحاكمة الاخيرة بان من يقود الحملة ضدي هو نفسه من افهمني بانني ساخرج براءة عندما تطرح القضية في المحكمة )
كم هي مرة تلك الذكريات رغم مرور كل تلك الاعوام عليها .. كيف صدقته حقا .. كيف وبعد القاء القبض علي بقيت على ايماني بكل ما يقوله لي .. كيف سمعت كلامه ورجاءه لي بان لا اقول شيئا يثير الشك من حوله كي لا يتم حرمانه من الميراث .. كيف ضحك عليّ وافهمني بانه بعدما يحصل على حقه من الاموال فانه سيدافع عني وسيقدم استئناف ليبرئني ونعيش سويا .. كيف ظل ايماني به راسخا حتى بعدما رايت ما الت اليه الامور ورايت موت ابيه بين يديّ بعدما حقنته بتلك الحقنة التي سلمها لي بيده .. كيف نسج من حولي خطته واتفق مع المحامي الخاص بي والمدعي العام كي لا يظهرون امامي الحقائق والنتائج الواضحة لاعترافاتي الحمقاء التي قلتها في تلك الفترة .. اصراري على عدم معرفتي لاثار تلك الحقنة القاتلة وصياغتي لحجتي بما اقدمت عليه بكونه مجرد رغبة مني لكي اساعد مريضا .. وربط تلك الامور فيما بعد بتلك الواقعة التي حدثت قبلها والتي لم افهمها .. تلك الواقعة التي تصادمت فيها للمرة الاولى مع زيد دون ان افهم سبب صدامه معي او كلامه بهذه الطريقة واتهامه لي بهذا الشكل .. ذكريات عادت لتهاجمني وانا انظر الى جدار المكتب وصورتي وانا اعطي والده حقنة دوائه بسرعة كدت معها ان ارتكب خطئا بسبب لهفتي لاقابل زيد الذي تعمد افقادي لتركيزي .. وبلمحة عين انقلب المكان وانتشر الصياح والتوبيخ الذي تم توجيهه لي .. من قبله هو .. حيث اخذ يتهمني بالاهمال ويبرر لزوار حجرة والده ما يقوله باشارته لما فعلته للتو وخطأي الذي كنت ساقع فيه عندما غرزت الدواء في الفتحة الخاطئة للمحقنة الموجودة بيد المريض والمتصلة بوريده .. اتهامات متتالية واهانات متعمدة لي وطلب لتحقيق شامل يخصني وعقاب يتم ايقاعه علي فقط لمجرد خطأ بسيط كنت قد تداركته بالفعل في تلك اللحظات .. خطا عاقبتني عليه عائلتي المتمثلة بوالدي الذي كان مدير للمشفى واخي الذي كان الطبيب المسؤول عن الحالة حيث تم خصم جزء من مرتبي واحالتي للتحقيق المهني .. تحقيق ليته تم بالفعل وتم ايقافي عن الاهتمام بتلك الحالة فعندها لما كنت قد اتممت تنفيذ خطة ذلك الشيطان .. الشيطان الذي وبعد ان تم تسجيل تلك الواقعة واشهاد الشهود عليها عاد ليلتف بجلده الناعم من حولي وهو يبرر فعلته بكونه لا يرغب ان اقع باي خطأ قد يضر مصلحتي او ان تتهمني عائلته بانني تلاعبت بعقله وبانه كان مسحورا بي فقط لانني اعالج والده .. ولقد صدقت بحماقتي سخافة حججه واعتبرته بطل عندما اخبرني انه سيوقف العقاب وبانني ساظل ممرضة والده التي يثق بها وبانه بهذا الموقف قد اكد لعائلته بان حبه لي مستمر رغم كل العوائق ورغم خطئي الذي كدت ان اقع به .. اجل لقد كنت حمقاء لاعتقد بانه كان يهتم بمصلحتي المهنية ولذا .. لم شك عندما تقدم بخطوته الثانية في الخطة وجمعني مع طبيب كنت اعتبره صديق واحترمه كثيرا لينصحني باهمية هذه الحقنة للمريض وبخطورة اكتشاف عائلته للامر لانهم سيرفضونها كي لا يتركوا الفرصة لزيد ليتولى حقوقه الشرعية .. فخ استخدمه في النهاية كدليل وحجة برر فيها قتلي لوالده وقد ربط الامر بكونه انتقام مني بسبب اهانتهم لي في السابق وتوبيخهم وعقابهم الذي اوقعوه علي .. دليل سخيف وضعيف ولكنه .. وياللاسف .. تم استخدامه بكل مهارة لكي يقتنع الجميع بخطورته وصحته .. وبعدها .. حدث ما حدث لي .. كانت هذه بعض ذكرياتي التي كنت اكره تذكرها بسبب احساسي بالقهر كلما رايت شخصيتي الحمقاء التي صدقت الجميع حينها .. صوته هذه المرة انطلق مندهشا ومستنكرا لينتشلني من ذلك المستنقع الكريه ( وكيف هذا بالتحديد .. لقد قرات سجلات اعترافاتك وسجلات المحكمة .. وانت لم تقولي أي شيء عن هذا الامر .. فحتى لو افترضنا جدلا انه قد خدعك في البدء .. فلما لم تتكلمي بعدها)
هذه المرة اجبته بنفاذ صبر محتد تشبع بالمي ( يا سيادة المدعي العام لقد اخبرتك باني كنت مجرد عمياء تصدق ان الحب يحكم كل قوانين البشر .. كنت انثى تفتقر لجانب الاهتمام والعاطفة وهو من منحني هذا وهكذا .. ارتميت بين احضانه مغبية لم تحاول حتى استخدام عقلها لتفكر بابسط حلول المنطق .. الم تسمع عن المقولة التي تقول بان مراة الحب عمياء .. ) وصمت وانا اشير الى صدري قبل اتمامي بمرارة ( وانا احببته بصدق .. وعندما قلبت الطاولة امامي وظهر الوجه الحقيقي له انخرست .. وصمتت .. وفقد عقلي حتى تفكيره .. وبعدها تم التخلي عني بشكل تدريجي ونسياني .. فلم اتمكن حتى من تقديم أي استئناف عندما تازرت عائلتي مع قاتلي وتخلو عني كعبئ لم يصدقوا انهم واخيرا .. قد تخلصو منه )
ما اصعب ان تعترف بعيوبك كلها مرة واحدة وامام شخص يعتبر غريبا ومع ذلك فانك وثقت به لتجده في النهاية يشكك بكلامك ولا يصدقك ويتعامل مع الامر وكانه مجرد احجية منطقية خالية من اي احاسيس ومشاعر .. وكان هذا هو احساسي وانا اسمع صائب يقول باستنكار ( حسنا لنفترض جدلا باني اصدقك .. كيف خدعك .. كيف تمكن من اقناعك بما قمتي به )
هذه المرة كان دفاعي عبارة عن هجوم تبنيته ضده هو .. هجوم اردت فيه ان يصل جزء من تخبطي اليه وان .. يعذرني .. ان يفهني .. بصدق اردت ان يفهمني اي شخص وان يفهم ما قمت به لانني انا شخصيا .. لم اعد افهم نفسي .. وبصوت خرج من فمي ولكنه يختلف كليا عن صوتي لشدة ما حمله من خيبة والم وقرف ( ان كنت لا تصدقني فلم اكمل كلامي معك .. يا سيادة المدعي العام .. لقد اخبرتك في السابق .. بانه عندما حقنت الرجل بتلك الحقنة فاني حقا لم اكن اعلم بان هذا الدواء سيؤدي الى موته .. انا فقط كنت اعتقد بان هذا الدواء سينهي الصراع الدائر الذي يتعرض فيه حبيبي للظلم .. وباني هكذا اساعده لكي يستقر وضعه ويتمكن من الزواج بي وتقديمي لمجتمعه المخملي )
وبعد كل هذا الذي قلته لا زال هذا الرجل يصر على اتهامي .. يصر على اجباري على رؤية نفسي اصغر واصغر واصغر وهو يطرح كل الحجج المنطقية امامي بقوله بشك مسني وزلزلني ( هيا الان .. وهل انت بهذه السذاجة لتعطي رجل مريض في غيبوبة دواء يعطيه لك رجل لا علاقة له بالطب )
لما يرفض الفهم .. لما يرفض تخيل ما كنت عليه في لك الوقت .. لما يعذبني وهو يجبرني على قول كل تلك الاتهامات عن نفسي وانا احاول تبرير ما قمت به له .. وبصوت خرج هذه المرة مني كصرخة استغاثة وقد زادت رفرفات جفوني لتمنع دموعي من السقوط بعناد غبي ( اجل كنت غبية ولكن .. ولكنه هو ايضا كان عبقري .. فلقد قدم لي مشورته على لسان طبيب كان يعد زميل لي اثق به .. طبيب اقنعني بان الامر مجرد حقنة لرفع منسوب الادرنالين لدى هذا المريض وهكذا اما سيستيقظ او سيموت وينتهي عذابه .. وبالتاكيد يمكنك الاستنتاج باني قد رفضت في البدء قبل ان اقع تحت طائلة فخ اخر)
١
لقد كنت في تلك اللحظة على استعداد لاخباره بكل شيء ان ابدى فقط لمحة تصديق لي ولكن .. وبعد ما قلته انقلبت نظراته بشكل فجائي وهو يطالعني باستحقار جديد عليه هذه المرة وكأن من يكلمها مجرد اثمة كاذبة لم تستحق جزء من الوقت الذي قد اضاعه بالتفكير فيها ( ما تقولينه يصلح كقصة فيلم منزوعة الحبكة .. وليس كجريمة وقضية تم التحقيق بها .. فلم لم تقولي بشهادتك بان هذا الطبيب قد اخبرك بهذا .. وحتى لو نفترض جدلا فكونك كنتي تعلمين بان هذه الحقنة قد تقتل هذا الرجل فاذن انتي قاتلة )
هل حقا اشعر بارتياحه لكونه تاكد من كوني .. قاتلة .. هل حقا كان طوال كل تلك المناقشة السابقة يهدف لاراحة ضميره الذي شك للحظة بدوافعي .. هل يعتبر كوني مجرمة امر يجب ان يظل ككابوس يلاحقني .. لوهلة اردت منه ان يعود لينفي هذه التهمة عني حتى وانا اعترف بها بلساني بحدة وقد وقفت امامه ( اجل معك حق .. انا قاتلة كما كنت تقول .. وانا تجاهلت هذه المعلومة عندما شعرت بخطر ترك زيد لي وباني ساعود لاكون مجرد انسانة عادية من الصف الخلفي .. يبدو ان نقاشي معك مجرد ذرات في الهواء فانت لم تعرف يوما طعم الاهمال وطعم ان يهتم بك احد ويشعرك بقيمتك وبانك لديه كالكنز .. ثم وبلحظة تشعر بانك ستفقد كل شيء)
فقط واسيني .. فقط ارحمني من اتهامك الواضح على وجهك .. فقط اعد الزمن الى الوراء لتعود نظرتك لي مستكشفة لا يخالطها الاستحقار والاشمئزاز .. لا اعلم لما اردت هذا منه هو تحديدا .. لم اردت من شخص واحد في هذه الدنيا ان يصدقه عني .. توسلاتي زلزلت روحي وانا انظر الى وجهه الذي رفعه نحوي وهو يتساءل بخفوت مقيت ( وهل هذا بنظرك يبرر ما فعلتيه )
عندها صرخت بكل ما يعتمل بنفسي من نيران قاهرة وانا اضرب صدري بعنف موجع ( كلا لا يبرر .. لقد اخبرتك .. انني قاتلة .. اقسم لك اني اعلم باني قاتلة .. وبان سبب قتلي امر سخيف ومجرد ضعف غبي .. اعلم باني مجرد تمثال فارغ كالفزاعة التي تخيف من حولها ولكنها من الداخل مجرد كيان فارغ .. هل هذا ما تريد سماعه .. هل تشعر الان بانك على حق وباني لم اكن استحق وقتك )
حالتي المنهارة اربكته على ما يبدو وعنياه ترقان للحظة قبل ان يغشاهما غموض وصرامة وهو يقف امامي بهيبة هاتفا ببطء حازم ( حسنا ساكتفي الان بهذا .. ساكتفي بمعرفتك لذنبك .. وساقف معك .. ولكن افهمي جيدا بان فعلي هذا لا يعني ابدا اني ابرأك من جريمتك او اعذرك على فعلتك فكثيرا ممن ظروفهم اصعب منك لم يقومو بمثل ما قمتي به .. ) وصمت قليلا وهو يضيق عيناه بنظرته الممعنة نحوي واصبعه يرتفع بتهديد تحذيري قبل اتمامه بتوضيح ( اما سبب قيامي بهذا فهو كما قلتي .. شعوري بانك قد ظلمتي عندما تم القاء التهمة كاملة عليكي ولم يتم بحث الادلة بشكل كافي كما قلتي .. فلو كانت قصتك صحيحة بنسبة عشرة بالمئة حتى فلكان من المفترض ان يتم محاكمة المحرض الاساسي لك .. ولكان من الظلم تحميل كامل التهمة عليكي )
٢
كم هو صعب هذا الشعور . عندما تشعر بان كل ما حاولته كرمق اخير تلتقطه قد ذهب هباءا وان نظرة الناس لك لا تزال كما هي رغم كل شيء .. ورغم انفراجة الامل التي ظننتها ستغمرك للحظة لتجدها فيما بعد تنقلب الى ظلمة تسحق كيانك بوجع خيانة اكبر .. وبكل هذا العجز همست وعيني تناشدانه هذه المرة الرحمة والرافة بحالي ( يبدو انني قد خيبت ظنك يا سيادة المدعي العام .. فعلى ما يبدو انك كنت تنتظر من خلف غموضي مصيبة كبيرة اخفيها .. ولكنك اكتشفت ان الامر مجرد ضعف من نفس فاشلة تلقي باللوم على من حولها )
كان هذه المرة صمته مفاجئا وقد ظهر في عينيه صراع غريب لم افهمه .. صمت عكس الما لمحته كشرارة اختفت سريعا حتى انني كذبتها في النهاية .. صمت انتفض بعده وهو يبتعد عني بحركة دفاعيه هاتفا بحدة غاضبة ( لا تحاولي تحليل كلامي بما يناسب اهوائك .. فقط استغلي ما امنحه لك وكفي عن جعل نفسك كيان غامض يستحق التفكير والتحليل والتدبر .. خذي الامور ببساطة وحاولي التعامل معها بما يناسب وضعك )
لما يتعامل معي بهذا التذبذب .. لما يشعرني بانني قريبة منه وبانه يفهمني ثم يجذب بساط تعاطفه من اسفل قدمي لاقع وقد جرحت قلبي وروحي بعمق .. لما يجعلني اثق مرة اخرى بصنف الرجال الذي كرهته طويلا جدا .. ولما كلامه معي بهذه الطريقة واستهانته بي بهذا الشكل تمثل علامة فارقة عبرت عنها من خلال ابتسامتي التي عضضت فيها على طرف شفاهي لاخفف من الدوار الذي اصابني في تلك اللحظة ( كم انت قاسي جدا يا سيادة المدعي العام .. انت حقا قاسي وتراهن على خيل خاسرة للاسف .. فانا خيل خاسرة على ما يبدو وهذا ما يثير غضبك الان .. اوليس كذلك )
هيا اعترف بما يبعد عني اي بصيص امل .. اعترف بتلك السكينة التي ستقتل بها اي قيمة لروحي قد اتمسك بها في المستقبل .. اعترف باني انسانة لا تستحق حتى مجرد النقاش معها .. انكر كل شيء و .. لا تفاجئني بتعاطفك هذا وبرفضك الغاضب وبدفاعك المهتم والذي تزلزل من خلاله كل ما قد اتهمتني به وتجعلني اشعر باني مهمة لديك وبان ما اقوله امر مهم وذلك بدفاعك العكسي عنه ( كفى .. يجب ان تتحدثي بشكل يناسب وضعك .. انت بحق مزعجة وجاحدة للجميل .. كما انك لازلت تصرين على سلك الطريق الخاطئة وهذا .. هذا بصدق امر يجعلني واثق بانه لن يطول الزمان حتى اجدك مرة اخرى هنا .. وفي تلك اللحظة لن يرحمك احد )
من هذا الرجل .. ولما يصر على رفعي وخفضي بتلاعب يحرك مشاعري .. فحتى بهجومه هذا علي اجد نفسي اقرا قلقه وتحذيره لي واهتمامه بمصلحتي .. هل حقا هو قد منحني عفوا وقد عرض علي مساعدة رغم كل ما قد قاله لي .. هل حقا هو ينتظر مني ان اثبت انه على خطئ وان اتحداه فلا اعود مرة اخرى الى هنا .. هل حقا هو قريبا من نفسي رغم عدم تصديقه لي ورغم اظهاره لكل هذا الاحتقار لما قمت به ولجرمي الذي نفذته .. اسئلة لم اعلم ان كنت ساجد اجابتها وانا اقول بتاثر غريب وقد تحطمت كل منظومة الدفاع بداخلي على يديه ( اشكرك يا سيادة المدعي العام .. اشكرك من قلبي على ثقتك الغالية بي .. هل يمكنني ان اطلب منك امرا .. اعتبره معروف اخيرا .. فانا رغم كل ما اخبرتني به وما تؤمن به الا انني لن اعود هنا مرة اخرى ولكني .. قد اموت .. وانت .. بصدق ..وبعد كل هذا الحوار الذي دار بيننا قد اصبحت قريبا مني .. ولهذا .. هل يمكنني ان اوصيك بامر ما اتمنى ان تنفذه )
انتفاضته هذه المرة كانت عنيفة وهو يمسك بي ويرجني بقوة غاضبة مزلزلة ( كفي عن اصطناع الدراما وتخيل الموت وعن تصوير نفسك كضحية لتثيري استعطاف من حولك و .. )
وكانت استجابتي انا هذه المرة بتشابه يوازي انفعاله عندما وضعت يدي على صدره بجراة غريبة علي وقد تحديت كل حواجز العيب والخجل وانا اقاطع كلامه موضحة بهدوء متوسل وبلهفة سريعة وبامنية طرقت ذهني بجنون انفعالي واحاسيس تدفقت كالسيل ( معاذ الله ان يكون هدفي هو جلب الاستعطاف ولكن .. يا سيادة المدعي العام فقط اعطني القليل من صبرك بعد فقد لا نتقابل بعد هذا اللقاء فلا شيء سيجمعنا مرة اخرى فانا مجرمة وانت .. مدعي عام .. ولكن اعلم انك ستضعني تحت المراقبة المشددة ولهذا .. فاني اتمنى ان اذا سمعت اني قد متت ان تشهد على قبري .. باني قد كنت يوما في هذه الدنيا .. شخص يتكلم وينطق وله وجود وقيمة .. اريد ان اذا شهدت موتي ان تحمل نعشي لانك عندها ستكون من اقرب الناس لي .. بل اقرب من عائلتي التي لن تعترف بوجودي عندها .. لا اريد ان اكون وحيدة في تلك اللحظة وان يكون كل من يحمل نعشي مجرد غرباء لا يعرفونني حقا حتى وان كانو عائلتي .. فهل يمكنني الوثوق بك .. هل يمكنني ان اطلب منك هذا .. ان اموت بين يديك )
نهاية المذكرة الثالثة ياربي تكون اعجبتكم ..
سؤالي .. هل ياترى ترون ضياء تستحق كامل عقابها وكل ما جرى لها ؟ وهل حوار صائب معها يعطيه الحق لاصدار حكمه عليها ؟

يتبع




حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 05:45 PM   #10

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي جريمة قلب .. المذكرة الرابعة .. سلسلة لؤلؤة في محارة مشروخة



جريمة_قلب

* المذكرة الرابعة ........
الراوي .. صائب السالم .
المكان .. اثناء المراقبة ...

الوحــــــــــــدة ..

ضياء .. بدلا من الموت بين يدي اردت بحق ان تعيشي امام عيني .. اردت ان تكفي عن تشاؤمك .. وان يتبدل ذلك السواد ببعض التفاءل .. لا اعلم لم دموعك التي لم تسكبيها قد اوجعتني بحق ..رغم اني اعتدت دموع المجرمين من قبلك .. اشخاص حالتهم اصعب من حالتك وظروفهم اسوء منك ومع ذلك فاني لم اتعاطف معهم .. اذن لما انت .. لما ضربت مبادئي التي اؤمن بها فزلزلتها .. لما ذكرك للموت كان يؤلمني بهذه القوة .. ولما اعتبارك لي كقريب تحتاجينه كشاهد على قبرك قد هزم كل كبريائي وجبروتي .. هل يوجد شخص وحيد الى هذه الدرجة .. شخص لا يملك احد في هذه الدنيا الكبيرة .. اسئلة اردت ان اكذبك من خلال اجابتها ولهذا .. وفي يوم خروجك من السجن كنت اقف هناك .. متخفيا .. لارى من سيستقبلك بعدما تاكدت من وصول خبراطلاق سراحك الى عائلتك .. عائلة معروفة بسمعتها وغناها المادي ومستواها الاجتماعي العالي .. ولكن .. وما ان رايت بعيني منظرك وانت تخرجين من تلك البوابة التي كنت قد دخليتها قبل عشر سنوات لتري الفضاء الخالي امامك حتى شعرت بانك صادقة .. فلا احد كان ينتظرك بالفعل .. لا احد يقف ليستقبلك بعد طول تلك المدة التي غبتها .. لقد كنت انت وحدك .. في مواجهة الجميع .. منظرك وانت تسجدين بفرحة ليعانق وجهك التراب اثر بنفسي كثيرا .. ضحكتك التي امتزجت بشهقتك الباكية وانت تنظرين حولك على كل تفاصيل المكان ثم ترفعين راسك الى السماء وتفردين ذراعيك وكانك طير ينوي الطيران عاليا اوجع قلبي .. قفزاتك وصرخاتك الفرحة في تلك اللحظة غرست بداخلي يقين غريبا .. بانك من المستحيل ان تعودي الى هنا مرة اخرى .. وبانك ورغم كل الحماقات التي قلتيها وانت تحاوريني في تلك المرات التي قابلتك فيها فانت لن ترتكبي اي جريمة بعد ذلك .. ثقة غريبة تولدت بقلبي نحوك حتى وانا اتذكر وقاحتك وردودك التي استفزتني طوال فترة لقائي بك .. ليس لجراتها ولكن لعمقها وقربها من الصواب .. حتى في تحليلك لي ولردود افعالي نحوك وتحذيرك الدائم بان احذر منك .. قضيتك بسببها لم انم لشهر كامل وانا ابحث بين تفاصيلها .. صراعي الدائر بين ضميري وعقلي وقلبي وانا ادرس كل ردة فعل وكل كلمة قد قلتيها امامي . والان .. وبعد كل هذا اجد نفسي اراقبك في اول ايام خروجك من السجن .. ولاكون صريحا معك .. فلقد اتخذت حجة اقنع بها عقلي واصمت فيها صوت رفضه .. لقد اخبرته باني خائف مما قد تقومين به بعد خروجك وباني ساراقبك فقط لاجل مصلحتي وكي لا تخطئي مرة اخرى .. ولكن .. وبصراحة .. فلقد كان سبب مراقبتي لك امر مختلف . لقد كان فضولا ممزوج بقلق ولهفة ممزوجة بخوف وندم ممزوج بترقب .. هل حقا ستخالفين كل ما لمسته فيكي .. هل حقا انت مجرمة لم تتعلم ابدا من خطئها كما حاولتي اظهار الامر لي .. كلماتك التي كنتي تحاوريني بها ورغم جنونها الا انها بالنسبة لي كانت عبارة عن صرخات من انسانة تائهة تبحث عمن ينقذها وينتشلها من بحر الامها وضياعها .. وحتى بعد ان خاب املي فيكي بعدما اخبرتني عن سذاجتك في التصرف مع ذلك الشيطان الذي لا اعلم ان كان حقيقا ما قلتيه عنه ام مجرد اوهام الا انني لازلت اشعر بنقاء ينبع منك .. نقاء يشابه نقاء ابنتي التي تحمل اسمك .. ضياء .. بصراحة .. لطالما امنت ان للانسان نصيب من اسمه .. وبعدما رايتك .. شعرت بانه لا يوجد اسم يليق عليكي اكثر من هذا الاسم .. ضياء .. فهل يا ترى ستكون كل احاسيسي مجرد خزعبلات وهمية نسجها عقلي الباطني من حولك .. تساؤل اردت اجابته بقوة وهذا ايضا كان السبب الاخر الذي جعلني اتبعك .. مالذي افعله الان هنا .. سؤال ظل يتردد بمخيلتي ويستصرخ به عقلي ومع ذلك .. ظللت اتجاهله وعيني تراقبان تحركك الان وانت تخطين بخطوات سريعة بعيدا عن مبنى السجن وكأنك تهربين من الف شيطان يلاحقك فيه .. وبعدها .. ركبت سيارة اجرة صادفتك على الطريق الترابي .. وانطلقت بك .. وانطلقت انا خلفها بغباء وكاني اتبع شخصا مهما تعتمد حياتي على عدم فقدان اثره .. ثم .. ترجلت امام مبنى كبير عرفته بسرعة .. انه المشفى الخاص بعائلتك .. لهفة تمكنت مني وانا اترقب لقاءك معهم ولكن .. خطواتك في تلك اللحظة لم تتقدم نحو البوابة ابدا .. بل تقهقرت الى الخلف لتستندي الى الجدار وعينيك ترقبان المكان .. مالذي تفعلينه الان يا ترى .. هل انت خائفة منهم .. ولكن .. ومهما كانت ردة فعلهم فبالتاكيد سيسامحونك .. منطق من المفترض ان يتم تطبيقه بشكل عام الا من بعض الاستثناءات .. وعلى ما يبدو .. كنت انت يا ضياء هذا الاستثناء الذي ظهر امامي ... كنت انت الغصة التي من خلالها سارى آلام شريحة مهمشة من المجتمع لم اكن اعلم بوجودها .. فلقد تربيت وسط اسرة مهتمة بي وتعتبر ابناءها من اولويات حياتها وتعاملهم بالتساوي .. ولم اكن ادرك ان هناك الكثير من الاسر التي تبدو كاملة من الخارج ليظهر بداخلها تسوس وعفن وظلم يقع على افرادها وعلى تعاملاتهم مع بعضهم .. لا انكر باني قد تعاملت مع الكثير من الجرائم التي كان مرتكبينها قد تعرضو لظلم اسري الا انني وفي حالتك بالفعل استغربت .. فانت لا تشكين من اي خلل بل انك فتاة لطيفة تمتلكين قدر من الجمال واللباقة وتحملين شهادة علمية تؤهلك للعمل والاعتماد على نفسك .. اذن .. لما تم تهميشك بهذه الطريقة من اهلك .. لما تم الاستغناء عنك وحرمانك حتى من الحصول على حق الاستئناف طوال كل تلك الفترة السابقة .. لما لم يستمعوا لك ويقدروا سبب خطئك ويعذروك .. ان كان انا الغريب عنك قد تعاطفت معك بالفعل .. فلم لم يفعلوا هم هذا .. اسئلة لم اكن اعلم اجابتها ولكني تجاهلتها وعيني تراقبانك وانت تقفين بتحفز ولهفة وترقب .. حتى مرت تلك السيارة الفارهة من امامك لالاحظ تراجعك الفوري والتفافك بشكل جانبي كي لا تظهري لمن بداخلها .. امراة ورجل يظهر عليهما العمر المتقدم ترجلا من السيارة امام ناظريك .. وانت .. رفعت يدك في الهواء وكانك تتلمسينهم من بعيد ودموعك واخيرا تهزم سجون جفونك وتتساقد على وجهك وقد بدات شفتاك بتمتمة بعض الكلمات التي لم يكن صعبا علي قراءتها .. ( امي .. ابي .. ) .

طوال حياتي السابقة لم افهم نعمة العائلة الا عندما تعرفت عليها .. فذلك المشهد لن انساه ابدا ما حييت .. مشهد البؤس والحرمان الذي رايته امامي وهي تشاهد عائلتها من بعيد .. مشهد تكرر مرة تلو المرة مع اخيها وزوجته .. ومع اختها وزوجها .. عائلة من الاطباء لا يهمهم على ما يبدو سوى مظهرهم الخارجي وقد نسو اصلا وجود عضو ثالث مرمي بعيد عنهم .. عينيها اللتان لم تكفا عن التحديق بهم وعن البكاء عليهم مثلتا خنجر شعرت بنصله وهو ينغرس بقلبي عميقا .. فهي ببساطة لم تتجرا حتى على التقدم امامهم وعلى اظهار نفسها لهم .. فقط بقيت واقفة بعيدا عنهم كما اعتادت على ما يبدو منذ ان وجدت على هذه الارض .. ان تكون خفية في حضورهم كي لا تزعجهم .. احساس بالمقت استبد بي في تلك اللحظات ورغبة للنزول الى ذلك المشفى لتوجيه اي اتهام لتلك العائلة المتغطرسة كي اهدم صورتهم الغبية التي يرسمونها بعيدا عنها هي .. المها اوجعني بحق في تلك اللحظة ونظراتها التائهة وهي تراقب المكان عصفت بقلبي .. جلوسها القرفصاء وهي تخفي وجهها بين اقدامها وقد انسدل شعرها الاسود كستار يخفيها بالكامل وتكورها على نفسها مع اهتزاز كتفيها الواضح والدال على بكائها مثل صورة للعجز اغرقتني ببحور من الكابة والقهر عليها .. فكيف لفتاة ان تواجه كل هذا دون اي سند او ظهر قد تستند عليه او قد ياخذ بيدها الى بر الامان .. صورة ظللت اراقبها دون ان اعي بان دموعي بالفعل ايضا قد سقطت بحزن عليها رغم عدم معرفتي بها .. كلمتها لي عندما اتهمتني باني لا اعلم حقا ما اصعب شعور الاهمال والهجر طرقت جدران ضميري لتعذبني اكثر واكثر وشفقتي عليها تغمر روحي .. من هذه الفتاة بالنسبة لي ولم تؤثر علي حقا وبهذه الطريقة .. ليس وكانني مراهق غض طري او ليس وكانني بلا تجرية ولا اتعامل مع العنف والموت بشكل يومي .. وليس وكانني لم اقابل حالات اصعب منها ولم ارى بعيني نجاحات لاناس اقل شانا وعافروا وصمدوا وقاتلوا حتى حصلو على نجاحهم بيديهم ولكن .. هي ..لم اكن اعلم لما اشعر بها مثلما اشعر بابنتي .. لما اتخيل من خلالها بان ابنتي قد تتعرض لموقف مشابه وقد لا تجد احد يقف بجانبها .. ما اصعب الوحدة في هذا العالم الكبير والاصعب منها ان تكون لديك ذاكرة قوية وذكريات مؤلمة .. فلا انت قادر على نسيان اصلك وعائلتك وكانهم لم يكونوا ولا انت قادر على مخالطتهم والعيش معهم كشخص عادي .. وهكذا .. مضت الدقائق لتصبح ساعات وانا اراقبها وهي على هذه الحالة حتى ظننت انها لن تتحرك ابدا من مكانها ولكن .. كان ظني مخطئا ايضا .
اربع ساعات قضتها هذه المراة وهي تنظر الى مشفى عائلتها من بين دموعها بين الفنية والاخرى وعينيها ترتفعان وتنخفضان بانكسار قبل ان تقف مرة اخرى بترنح مستندة على الجدار من خلفها وعينيها ترتفعان بنظرة بدت كوداع نهائي بالنسبة لي قبل ان تلتفت حولها وتضع يدها بحقيبتها الصغيرة التي تحوي متعلقاتها الخاصة على ما يبدو والتي خرجت بها من السجن وتخرج قبضتها لتنظر الى الاموال الموجودة فيها .. مبلغ بسيط على ما يبدو هو ما تبقى لها بعدما دفعت لسائق الاجرة الذي جلبها الى هنا فادارة السجن تعطي فقط مبلغا رمزيا للمغادرين منه بمساهمة بسيطة واشارة لبدء حياة نظيفة فيما بعد .. ملامحها الساخرة من نفسها كانت دليل واضح على افكار العجز التي على ما يبدو تدور بخلدها .. هل يا ترى تتذكرني الان وتتذكر كلامي لها وتهديدي الذي وجهته نحوها كي لا ترتكب اي مخالفة و .. عرضي للمساعدة الذي عرضته عليها .. ليتها تتذكر وتذهب الى مبنى النيابة لتسال عني .. رجاء اختض له صدري ورغبتي بمساعدتها تتضاعف خصوصا مع وجود حجة لي هذه المرة فهي من سيطلب هذه المساعدة ولكن .. عناد غريب ارتسم على ملامحها في تلك اللحظة وهي تقبض على كفها وتعيد نقودها الى حقيبتها وتبدا بالمشي بسرعة نحو وجهة مجهولة .. مالذي تفكر فيه هذه المجنونة يا ترى .. والى اين تنوي الذهاب .. ومالذي ستفعله يا ترى .. اسئلة ظلت تتردد بداخلي وانا اتبعها بسيارتي بطريقة خفية وعيني تلتزمان بمراقبتها كي لا افقد اثرها حتى .. وجدت نفسي وبعد ساعتين من المشي في مكان مالوف لي بعض الشيء .. انه حي خاص باغنياء البلد ووجهائه .. هل .. هل يا ترى ستذهب اليه .. الى ذلك الشخص الذي اخبرتني بانه سبب ارتكابها للجريمة .. الى ابن المقتول .. زيد رائد القاسمي .. اسم معروف لرجل اعمال مشهور في البلد .. رجل كلمته تمثل قانون عند رجال الاعمال ورضاه غاية يسعى اليها كبار حملة مناصب الدولة ليحصلو على دعمه المادي .. رجل ما ان قرات اسمه على ملف ضياء حتى شعرت بالخطر وهذا ما جعلني لا اتحرى عميقا في القضية كي لا اثير عش الدبابير من حولي ان اشتمو خبر بحثي في هذه القضية الخاصة بمقتل رجل الاعمال رائد القاسمي والد زيد ..لقد اردت حقا ان اتمكن من البت في القضية دون اي ضغوط خارجية لذا لم اشا ان ازيل عنها غبار النسيان الذي على ما يبدو جعلها تختفي من سجلات اعداء ذلك الرجل لينساها تماما ويضعها ضمن دفاتر التاريخ الخاصة به .. انا لم ارد التعرض لهذا الشخص ابدا خصوصا بعدما اكتشف من تكون زوجته وعلمت لما بدا لي اسم الضحية مالوفا في بدء قراءتي لملف ضياء .. تلك القضية التي زلزلت الاعلام في تلك اللحظة بسبب التكتم الذي رافقها والذي فهمت سببه الان .. فعلى ما يبدو لم يكن من مصلحة اي شخص قد شارك في هذه القضية ان تنشر التفاصيل كي لا يتم الكشف عن الثغرات الغبية والظاهرة فيها والتي تجاهلها الجميع بطريقة مريبة ومثيرة للشك .. وهذا ايضا كان احد العوامل التي مثلت عامل ضغط لضميري واكدت لي وجود تلاعب واضح وقعت ضحيته ضياء وان كان بارادتها كما اخبرتني وبسبب غباءها و تلاعبهم بها .. والقانون لا يحمي المغفلين .. اليس كذلك .. والان .. لما هي ذاهبة اليه بقدميها .. هل تريد فقط ان تراه كما رات عائلتها .. هل تفتقده .. هل تود الانتقام منه بحماقة مثلا .. هل ستهدده وتخبره انها قد خرجت وانها تريد حقها الذي اضاعه طوال كل تلك السنوات .. هل ستبتزه ليمنحها الاموال والمكانة التي خسرتها بسببه .. مالذي تريده حقا منه .. اسئلة بدات تضج بداخلي وقلق وريبة بدات توقظ حسي الامني وتنتشلني من دوامة الشفقة والضعف التي اغرقتني بها بسبب حالتها السابقة .. خطواتها التي وصلت الى منزل زيد الفخم توقفت واخيرا وانفاسها اللاهثة المتلاحقة كانت دليلا على التعب الذي استبد بها بالتاكيد من طول المسافة التي قطعتها على قدميها دون ان تتناول اي طعاما او تشرب اي رشفة من الماء .. وهناك .. كانت المفاجاة والصدفة التي خدمتها حقا .. فبوابة المنزل كانت مفتوحة في تلك اللحظة والدالفين اليه كانو من جميع الاشكال والالوان وقد انارت ارجاءه اضواء في دلالة واضحة على وجود حفلة بداخله .. وبلحظة واحدة رايتها وهي تتسلل الى داخل المكان وسط مجموعة من الفتيات اللواتي كن يدخلن المنزل في تلك الاثناء وكانهن فتيات خاصات بشركات الخدمة التي يتعاقد معها هؤلاء الاغنياء في مثل تلك الحفلات .. نقلة نوعية في الاحداث ارعبتني وجعلتني اترجل من السيارة دون تفكير وانا احاول بدوري اللحاق بها عن طريق دخولي الى المكان بسرية من باب جانبي خرج منه احد رجال الخدمة ليلقي قمامة فاستغليت الامر وتسللت الى هناك وقد رفضت الدخول بشكل رسمي كي لا اثير فضيحة قد لا تكون ضرورية وقد تؤذي ضياء دون ان اقصد مما قد يسبب الغاء عفوها المشروط .. ومن تسلل الى اخر وبالخفاء اقتحمت مكان الاحتفال وعيني تبحثان عنها وقلبي ينتفض بخوف مبهم .. كان الامل لا يزال يداعبني وانا احاول طمانة نفسي من كون تحركها هذا فقط مرده الفضول والرغبة بمعرفة اخبار زيد الذي غدر فيها .. امل احمق ظللت اتمسك به حتى وقعت عيني عليها اخيرا فتحركت قدمي نحوها بتلقائية وانا انظر الى المكان الذي كانت تنظر اليه بدورها وقد غشيت عينيها نظرة حسرة قاتلة .. لتقع عيني على زيد و .. زوجته .. قمر .. ابنة ابنة خالة امي و . حبيبتي السابقة .. حبيبتي التي تخلت عن حبي بسهولة لتكون مع صديق والدها رجل الاعمال زيد .. زيد نفسه الذي ظلم ضياء و .. ظلمني .. وهنا .. قد يظن البعض ان سبب افراجي عن ضياء هو انتقامي لما فعلته قمر بي وما فعله زيد من سرقتها من امام عيني واغرائها بالمال والمنصب والجاه ولكن .. وبكل صدق .. كان هذا الامر بالنسبة لي عاملا مثبطا في كل مرة قرات فيها ملف القضية بعدما تعرفت على طبيعة العلاقة التي تجمعنا الا ان احساسي بالعدل تغلب على احساسي بالخوف من سوء فهم موقفي لاي شخص قد يكتشف الامر .. فلا ذنب لضياء ان تكون قمر مجرد طامعة بحثت لنفسها على مستوى افضل من دون ان تهتم بمن طعنت في طريقها وبمن تخلت عنه .. قمر .. تلك الحبيبة التي مثلت بالنسبة لي اولى صفعات الدنيا واولى ابتلاءاتها واختباراتها بعدما رايتها تبيع حبي بارخص وابخس الاثمان .. افكار ظلت تتنازع بداخلي وعيناي تريان ذلك الجمال الذي كانت قمر تمثله بثوبها الكلاسكي الاسود الذي يظهر بشرتها البضاء وابتسامتها المشرقة ويدها التي كانت تتموضع باريحية على صدر زيد الذي احاط بدوره وسطها بتمثيل واضح للسعادة ونفاق مثير للاشمئزاز في نفس الوقت .. ولكن .. كل هذا لم يؤثر بي سوى للحظة قبل ان تعود عيني هذه المرة اليها وقد عادت قدماي للتحرك باتجاهها والغضب يستبد بي .. هل جنت حقا لتقف امامهما بتلك الطريقة المهينة وكانها تحسدهما على ما هما فيه .. وعند تلك الفكرة وجدت نفسي وانا اجذبها في اخر لحظة قبل ان يراها زيد وزوجته لاختفي معها خلف احد الجدران وانا اكتم فمها بكفي كي لا تصرخ بينما لهثاتي تعلو وقد خرجت معها كلماتي النارية ( مالذي تفعلينه هنا .. هل جننتي .. هل حقا تريدين ان تعودي الى السجن ولم يمر على خروجك منه سوى بضع ساعات )
اسئلة متتالية وجهتها اليها بنبرة ازدادت حدتها مع نظراتها اللامصدقة والتي وجهتها نحوي ولسان حالها يتساءل عن سبب وجودي في تلك اللحظة هنا وفي هذا المكان .. اسئلة لن اتمكن من الاجابة عنها بطبيعة الحال فقررت ان اهاجمها كي لا يتسنى لها اي فرصة لتوجهها نحوي .. اسئلة اجابت عليها بانتفاضتها المفاجئة ويدها التي ارتفعت لكفي لكي تبعده عن فمها وهي تتساءل بدورها ( انت ؟؟؟ مالذي تفعله هنا .. ولما .. لما تجذبني بهذه الطريقة )
لوهلة تلعثمت وارتخت يدي من حولها .. ولوهلة خطرت على ذهني اكذوبة اردت فيها ان احمي كبريائي امامها .. وبصوت ظهر متلعثما لاذني بررت موقفي وعيني تهربان من عينيها ( انا مدعو هنا .. فزوجة زيد تكون قريبة لي )
وبلا ارادة مني انتقلت عيني لتراقبا تتابع الاحاسيس المفضوحة على وجهها وهي تنظر الي بعدم تصديق قبل انتفاضها بعيدا عني وهي تشهق بخفوت مغمغمة ببطء مصدوم ( قريبتك ؟؟؟ انت .. تعرف حقا زيد ؟؟ تعرف ذلك الشخص الذي اتهمته امامك ؟؟ ولم .. ولم تخبرني بهذا ؟؟ )
بحمية اردت فيها الدفاع عن نفسي مططت شفتي ساخرا ( ولما اخبركي .. من انتي بالنسبة لي كي ابرر امامك اي شيء .. هل نسيتي بانك مجرد مجرمة درست قضيتها فقط لامنحها حق العفو او امنعه عنها )
وصمتت .. صمتت هذه المرة وقد غشى ملامحها الم فاق بنظري المها الذي كان وجهها يسطره قبل لحظات وهي تنظر لزيد .. صمتت وقد اثارت بنفسي ندم لانني لم اخبرها بانني كنت اتبعها لاطمئن عليها .. وباني رغم عدم اعترافي بهذا الا انني كنت مهتم بها .. وبانها ليست وحيدة ومنبوذة كما تشعر في تلك اللحظة وكما ظهر بعنينها بشكل واضح وهي تطأطئ براسها مغمغمة ( معك حق .. من انا بالنسبة لك لتخبرني عن اي معلومة تخصك .. ومن انا لتبرر لها سبب تواجدك هنا في تلك اللحظة .. ومن انا لامثل مصدر تهديد لقريبتك وزوجها ولسعادتهم ..) وصمتت هذه المرة وقد كان صمتها بالف كلمة بالنسبة لي .. ثم رفعت عينيها وهي تنظر الي متابعة بسخرية ذاتية وهي تشير خلفها بدلالة واضحة على الاحتفال ( هل تعلم انهم يحتفلون بمناسبة عيد زواجهم .. ذلك الحب الكاذب الذي يمثلونه امام علية القوم المنافقين امثالهم )
بدفاع حانق رددت هذه المرة عليها ( ولما تهتمين بما يفعلونه .. هل هكذا ستضيعين فرصتك الثانية .. هل تعلمين بان زيد ان قدم بلاغ ضدك يتهمك فيه بالتسلل الى منزله وهو يعتبر الضحية المباشرة في قضيتك فانه سيتم اعادة حبسك ورفض العفو المشروط الخاص بك لكونك مثلتي تهديد مباشر واظهرتي نية واضحة للانتقام من عائلة المقتول )
رفرفة عينيها جعلتني ادرك عدم تقديرها للموقف بهذه الطريقة وعدم تخطيطها المسبق لاي من حركاتها .. تقهقر اخر بخطواتها استجلب شفقتي عليها فمددت يدي نحوها باشارة واضحة للمساعدة وانا اهمس ( ما رايك ان نغادر الان .. و .. لنتناقش مع بعضنا في الخارج .. و )
كلمتها هذه المرة قاطعتني بقسوة وهي ترفع عينيها نحوي باتهام واضح لي ( انت تكذب علي .. انت كنت تراقبني ولست مدعو هنا .. انت حقا كنت خائفا من ان ارتكب اي حماقة والان فهمت لماذا .. فحسك العدالي على ما يبدو اصطدم بمعرفتك العائلية لزوجة الضحية .. وهكذا اردت ان تضمن عدم اختلاط المصالح .. والا .. كيف علمت باني قد تسللت ان لم تكن قد راقبتني منذ البدء )
انها ذكية حقا .. ذكية بطريقة تجعلها في تلك اللحظة اكبر غبية في الكون .. ففي خضم كل تلك الفوضى التي تعاني منها الا انها لازالت تحلل وتترجم ردات افعالي نحوها .. لما هي مصرة على معرفة دوافعي لمنحها هذا العفو .. وبنبرة حازمة رادعة اردت فيها ان اضحد كل اتهاماتها نحوي اجبت ( ضياء .. يجب ان تعلمي بانني لا يهمني راي اي شخص بي ولا ابحث عن اي مصلحة شخصية فيما يتعلق بعملي .. ببساطة لا اهتم بتفسير الاخرين لتصرفاتي .. لقد اخبرتك في السابق بان ذاتي ثم نفسي ثم كبريائي و نجاحي وعدالتي هي فقط ما اهتم به ولا احد يؤثر علي كما انني لا انتظر محاكمة من اي شخص قد يسالني عن اسباب تصرفاتي .. ومن ينتظر فشلي او من ينتظر ركوعي فلياتي ويراني وقت صلاتي .. هذه ببساطة فلسفتي التي اتهمتني بالغرور بسببها ولكنها كينونتي التي لن اغيرها لاجل اي شخص قد لا يعجبه مبادئي ) وصمتت قليلا وانا اتابع تجعد قسمات وجهها بحيرة وهي تحاول فهم كلماتي التي اتممت مقصدها لها بتوضيح ( معك حق لقد تتبعتك الى هنا ولكن .. لم يكن هدفي ابدا الخوف على مصالح قريبتي .. بل وربما يدهشك الامر فالسبب هو خوفي وقلقي عليكي .. وليس لانك الخطأ الذي قد يمسكه علي اعدائي ومنافسيني ولكن .. لانك بدوتي لي دوما كشخص وحيد يحتاج للارشاد .. لقد اخبرتك انني اشفق عليكي حقا واريد مساعدتك بالفعل )
كلمة ما ان نطقتها حتى انتفضت على اثرها ضياء بجنون وهي تبتعد اكثر واكثر عني محركة راسها بالرفض وهي تلتفت بعيدا عني وتركض باتجاه معاكس لي .. اتجاه تبعتها فيه وقد ظهر بوضوح رغبتها مغادرة المكان ولكن .. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .. فلقد انتهى بها الطريق هذه المرة وهي تصطدم بمن جاءت منذ البدء لتراه .. بزيد .. زيد الذي ترنح بعض الشيء مع اصطدامها وصوته يعلو بتوبيخ حاد ( انتبهي ايتها الحمقاء و .. ياللهي .. اهذا انت .. هل انتي ؟؟؟؟ )
وصمت .. صمت ساد المكان في تلك اللحظة ونظرات كليهما تتراشقان بمشاعر فجرت المكان .. معرفته لها بعد طول تلك المدة التي احتجزت بها جعلتني اتساءل بصدق .. هل يتذكرها حقا لانها قاتلة ابيه ام ... لانها المراة التي نفذ من خلالها مخططه كما اوضحت هي لي اثناء حديثها عما جرى معها .. تساؤل حرك حسي القضائي ورغبتي بفتح القضية مرة اخرى تتضاعف لولا خوفي مما ستثيره من جنون حولي وحولها .. جنون سينجو منه زيد بكل سهولة رغم تجمع الكثير من الادلة من حوله .. لانه ببساطة قوي جدا ..بل هو قرش مفترس قد يهدم حياتي وحياتها .. والنتيجة لن تكون مرضية بالتاكيد فهي قد سجنت وضاعت سنين عمرها ولن يعوضها اي عقوبة قد تقع عليه في تلك اللحظة .. صوت انثوي اخترق ذلك الصمت في تلك اللحظة ليكتمل المشهد بدوري .. صوت قمر وهي تتساءل بدهشة ( صائب .. هل ؟؟ ياللهي .. لما انت هنا .. ومن هذه ؟؟ ومالذي يحدث )
سؤال ايقظنا جميعا فارتسمت السخرية جلية على وجه زيد الذي رمق ضياء هذه المرة باستخفاف قبل انتقال نظراته الي وهو يقول باستخفاف ( من هذه ؟؟ انها ضياء يا قمر .. ضياء التي قتلت والدي .. تلك المجرمة التي حرمتني من ابي .. يبدو انها خرجت واخيرا من السجن .. ترى .. هل جئتي الى هنا لتري مكان جريمتك واثارها )
سؤال مستفز وحقير وضربة موجعة ومتعمدة وجهها لها في تلك اللحظات .. وقد فتحت فمي بالفعل لارد عليه ولكني تفاجات بصوتها القوي والثلجي المشبع بالاحتقار وهي ترد عليه ( بل جئت لارى الى اين وصل المجرم باجرامه بعد طول تلك المدة التي قضيتها انا بتلقي عقوبتي )
وحينها ارتفع حاجبي زيد بسخرية اكبر وهو يشير حوله مغمغا باستهزاء واضح وشامت بها ( وهل رايتي ؟؟ هل رايتي الى اين وصل المجرم )
كان تحديه واضحا .. تحدي توقعت ان يهزها ولكنها اجابت للمرة الثانية بقسوة وهي تبتسم بلامبالاة ذكرتني بها في اول لقاء بيننا ( اجل .. لقد رايت انك قد وصلت الى الجحيم بعينيه وانك تقترب من النهاية بقدميك )
مالذي تقصده بتهديدها ياترى .. تساؤل ظهر على ما يبدو على وجوهنا جميعا قبل خروجه بصوت قمر المحتقر ( من انتي ايتها المجرمة لتاتي وتوجهي تهديدك لنا .. ابعد قتلك لرجل مريض لا ذنب له تحاولين تهديد امن عائلته يالك من وقحة و .. )
كانت كف ضياء التي ارتفعت بعنف امام وجه قمر باشارة للسكوت هي ما قطع كلامها قبل قولها لها بحقد مفاجئ محتقر ( انت اصمتي فيكفيكي عار بانك زوجة لهذا الحقير وصدقيني انا اشفق عليكي .. اما زوجك فهو يعلم جيدا سبب قدومي الى هنا رغم انكاره للامر ويعلم ان كلامي صادق وانني لا اكذب وانا اخبره بانني ارى الجحيم الذي وصل له بجرائمه المتتالية والتي بدات معي و .. )
كان هذه المرة من قاطع الحوار هو زيد الذي امسك ذراع ضياء بقوة ليهزها بعنف تهديدي وهو يصرخ بقسوة مخيفة ( انت ؟؟ كيف تجرؤين على القدوم الى هنا لتتهميني .. هل تظنين انك تملكين اي ورقة رابحة تجعلك تتحدثين معي بتلك الوقاحة و .. )
قاطعته هي بدورها وهي تنتفض ضاربة صدره ليبتعد عنها بحركة دفاعية سبقت حركتي لاحررها من بين يداه وهي تقول بصوت حاد ( اجل املك الكثير مما سيهدم كل ما بنيته انت بغش بسبب حماقتي وتصديقي لك .. املك الكثير من الاوراق الرابحة التي كنت انتظر كشفها بعدما انهي عقوبتي كي لا تهددني باي شيء .. فانا لا املك اي شيء الان لاخسره بينما انت تملك الكثير لتفقده .. وساستمتع بسلبك كل شيء على حدا وانا انظر لخسارتك ولسقوطك كما فعلت معي )
تهديد بدا لي فارغا وغير معقول وقد صدر بوضوح منها كرد فعل تلقائي لما راته في تلك اللحظة ولكن .. وبشكل عجيب بدا هذا التهديد صادق ومرعب امام ذلك المجرم الذي انقلبت نظراته لشراسة مخيفة وهو يراقب حركة ضياء المتقهقرة والتي قادتها نحوي قبل قوله باستهزاء واضح ( هل حقا تعين ما تقولينه .. هل تهددينني)
خطوتين وحشيتين تقدم فيهما نحوها فوجدت نفسي اقف امامها بحماية واضحة وبحركة جريئة تبعها تحرك ضياء للخلف بخطوتين ثانيتين وهي تنظر نحوه بعينين تحول بياضهما الى احمرار دموي مخيف وقد جحظتا بشكل مرعب ترافق مع فمها المزموم بخشونة ووجهها المصطبغ بلون الدم الفائر بعروقها وقد تناثرت خصلاتها السوداء حول وجهها فغدت بصورة مرعبة حقا وهي تومئ براسها ايجابا على سؤال زيد .. صورة لن انساها ابدا خصوصا مع تلك النظرة التي كانت ترمقه بها .. غضب .. قهر .. خوف .. خشية .. انكسار .. ندم .. والتماعة في قعر ظلمة حدقتيها تظهر خيبة امل لحلم ضاع وتناثر مع الريح .. برهة من الزمن مرت والمشهد متجمد بطريقة مريبة قبل انقطاع حاجز الصمت الكثيف هذه المرة بضحكة زيد الساخرة والتي تجلجلت بارجاء المكان كرد على تهديدها .. رد اتبعه بقوله الساخر لها وهو يشير نحوها باستخفاف ( لا اصدق .. يبدو ان وحل السجن قد انبت لقطتنا المشردة اظافر فاخرجتها وفي نيتها ان تخرمشني .. ولكنها في خضم ثورة غباءها نسيت حقيقة من اكون انا .. ومن تكون هي .. هل تتحامين بهذا الان )
وباشارة مستخفة نحوي تحرك زيد الى الخلف وهو ينظر نحوي متسائلا ( اولست انت .. صائب السالم .. ذلك الرجل الذي كان يظن نفسه خطيبا لزوجتي الحبيبة .. يا ترى .. هل عدت الينا معها لتنتقم من فشلك وخيبتك )
وكانت هذه الكلمة هي القشة التي اخرجت من داخلي مارد الجنون والغضب .. وبابتسامة تعمدت جعلها مهينة غمغمت بسخرية ( وااو .. لم اكن اعلم انك تمتلك ذاكرة حديدة لهذه الدرجة لكي تتذكرني وتتذكر ضياء بعد كل تلك السنين .. غريبة .. الهذه الدرجة كنا بالنسبة لك اناس يستحقون التذكر )
وكان لي ما اردت حقا .. فكلماتي زلزلت ثقة ذلك الحقير وعقدت حاجبيه بطريقة واضحة جعلتني اتم قولي باستخفاف اكبر وانا اتراجع لامسك بذراع ضياء باحتواء ( بالنسبة لي فاعذرني فانا لم اتذكرك بصراحة سوى صدفة عندما تعاملت مع قضية ضياء .. فلقد نسيت ان اقدم نفسي لك في المرات السابقة التي تصادمنا بها .. انا المدعي العام صائب السالم .. المدعي المسؤول عن قضية ضياء في الوقت الحالي والذي منحتها العفو بعدما تاكدت من الفخ الذي نصب حولها .. بواسطتك )
هل جننت لاقول هذا له .. هل جننت لكي اتحداه بهذه القسوة .. ولكني .. في تلك اللحظات لم اكن افكر بنفسي .. لقد كنت افكر بتلك الانسانة المنتفضة التي تقف بجانبي والتي يظهر عليها اقتراب انهيارها بسبب كل الضغوطات التي تعرضت لها في هذا اليوم .. احساسي ببرودة كفها التي ضممتها بقوة داعمة انساني للحظة كل الحذر الذي التزمته وانا احقق بقضيتها لكي لا اصطدم بهذه الطريقة مع هؤلاء القوم .. صوت قمر كان هذه المرة هو من حول المشهد بطريقة درامية وهي تتساؤل ببطء حذر ( صائب ؟؟ هل حقا انت من افرجت عن تلك المتهمة .. هل تقوم بهذا لتنتقم مني .. هل لازلت غاضب بسبب تركي لك ؟ )
تساؤل لم ياتي ابدا بوقته خصوصا مع تلك الصدمة التي تشربتها الانسانة التي بجانبي والتي استوعبت واخيرا على ما يبدو من هي زوجة ذلك الانسان .. وبانها ليست مجرد قريبة كما قلت لها .. وبقسوة ولدت بروحي واحتقار ظهر جليا بعيني قلت باستهجان وانا ازيد من تشبثي بيد ضياء المرتخية ( غاضب منك ؟؟ وحررت ضياء بسببك ؟؟ اعذريني يا قمر فانتي تعطين نفسك مكانة لا تملكينها عندي .. فغضبي منك وانتقامي يعني بانني قد تعشمت وفكرت بك .. بل وقد افرغت لك وقتا ومنحتك مجهودا لا تستحقينه بنظري .. هل تعلمين انني حتى لا اكرهك .. اقسم لك باني لا اكرهك ولا احمل لك اية مشاعر لان كرهي لك يعني باني مهتم بك وبما فعلتيه معي .. وبصراحة .. انا لست مهتم بك وبما يحدث معك ابدا وحتى عندما جئت لتفكيري في الايام السابقة فقد كان كل ما اشعر به نحوك هو مجرد الاشمئزاز والقرف والاستغراب والتساؤل عما جعلني احبك يوما )
كلمات صادقة خرجت من فمي ليكون وقعها مدويا على من حولي .. فاهتزازة عيني قمر في تلك اللحظة وانتفاضة زيد قد ارضيا غروري ولكن .. انقباضة كف ضياء على كفي هي ما اخافتني بصراحة وهي ما جعلتني اجيب تساؤل قمر التالي بكل ذهولها ( الى هذه الدرجة ؟؟ ) بكلمات اشد قسوة وانا احاول تغير دفة الصراع بعيدا عنها لاحميها ( بل واكثر .. فانت بالنسبة لي لست مجرد غلطة .. بل انتي غلطة الشاطر التي تحسب له بالف .. انت الوحيدة التي امنت لها وغدرت بي وطعنتني بظهري بسكين ثلمة علمتني درسا غاليا بان لا اثق باي شخص اخر خصوصا امراة .. والان .. اتمنى ان تعذروننا ومبارك عليكما عيد زواجكما السعيد و .. )
وكانت المقاطعة التالية ايضا بصوت قمر وهي تشير نحو ضياء بسخرية موجعة ( وهذه ؟؟ هل فقدت ثقتك بالنساء الطبيعيات واصبحت تثق بالنساء المجرمات .. لا عجب .. فكثرة معاشرتك للمجرمين بالتاكيد قد جعلتك منهم )
ابتسامتي الساخرة كانت جوابي هذه المرة وانا ارفع كتفي بغموض وقدمي تتراجعان ويدي تجذب ضياء خلفي .. فانا لم اكن معنيا حقا بالرد على تلك المراة او بالدفاع عن نفسي امامها فهي لا تهمني بصدق .. بل ان تفكيري كان يرتكز في تلك اللحظات على نظرات زيد المتمعنة بضياء وعلى لمحة التهديد الظاهرة على وجهه مما جعلني اسارع بحركتي وبانسحابي من امامهما قبل استيقاظهما من هجومي االقاصف الذي وجهته لهما .. وبخطوات عاصفة خرجت من المكان وانا اجرها خلفي وقد التزمت الصمت حتى تحين اللحظة المناسبة التي يمكنني فيها مواجهتها ومحاسبتها على الموقف الذي وضعت نفسي فيه بسببها وبداخلي احمد الله بان المكان يعج بضيوف زيد وزوجته وبرغبته الاكيدة بان لا تحدث اي ضجة لو حاول ايقاف خروجي .. ثورة من الكلمات العاتبة حبستها بداخلي وانا افتح باب السيارة واجلسها على الكرسي الذي بجانبي بقسوة قبل التفافي وركوبي خلف مقعد القيادة وانطلاقي بسرعة والغضب يتضاعف بداخلي .. غضب قارب على الانفجار فاوقفت السيارة بعد ابتعادي النسبي عن المكان والتفت اليها لاواجهها ولكن .. كل كلماتي طارت في الهواء وانا ارى مظهرها .. لقد كانت تختنق بصدق وتلفظ انفاسها بصعوبة وبلهثات متتالية علت بشكل تدريجي وهي تنظر الي للحظة قبل فتحها لباب السيارة ونزولها منها وهي تتعثر بخطواتها المترنحة التي قادتها بعيدا عنها .. منظر اخافني فخرجت بدوري لالحقها ولكن .. اشارة من يدها لي اوقفتني قبل وقوفها في منتصف الطريق وصراخها بكل ما اوتيت من قوة .. صراخ متتابع متالم موجوع حمل قهر السنين التي قضتها صامتة طوال الوقت صراخ علا وعلا وعلا ومع كل صرخة كانت تضرب صدرها بقوة اكبر وكانها تبحث عن خلاصها بالموت الذي سيوقف قلبها .. صراخ كان يحمل بداخله الاف الكلمات التي كانت تهذي بها بكل حرقة .. ( ياالللللله ... ياااللللله .. خذني اليك وارحني .. يالللله ... الجميع استمر بحياته ونسيني .. الجميع صعدوا الا انا .. انا الوحيدة التي سقطت الى الاسفل .. وظللت اسقط واسقط واسقط حتى وصلت الى قاع الجحيم .. يااللللهههي ... اين عدلك .. لما كنت انا الوحيدة التي تلقيت كل تلك الصفعات .. لمااااا .. اااييين العدل .. ما ذنننبببي .. مااا ذنننبببييي )
سؤال كان معه صوتها يتضاءل وهي تنظر الي وقد غسلت دموعها صفحة وجهها .. سؤال اقتربت ببطء لاجيبها عليه بدعم مشفق ( وحدي الله يا ضياء .. العدل قائم صدقيني وحدي الله )
وكأن كلماتي نزلت عليها كماء النار التي زادت جروحها عمقا فعادت لصرخاتها المجروحة وهي تضرب راسها بكفيها بقوة .. ضربات اشفقت عليها منها فتقدمت نحوها بتلقائية وحاولت احتواء ثورتها .. وبصعوبة قيدت بجسدي حركتها لاضم وجهها الى صدري علني احمل القليل من هذا الالم الذي كان يقطر من بين حروفها ودموعها وهي تصرخ ( لما .. لما كان ذنبي فقط انني .. انني احببت .. لما كانت جريمتي جريمة قلب .. جريمة انني وثقت بشخص .. لما .. لما وقع علي انا كل هذا العقاب .. والان .. لا احد لي .. لااااا اححححد )
حاولت هذه المرة ان اهدئ من تلك النوبة الفزعة التي اصابتها بتمتمتي بحنان ويدي تمسد راسها بشفقة ( لك الله يا ضياء .. لك الله وهو لن يضيمك .. لقد صبرتي طويلا و .. )
ولم اتم كلماتي وهي تضرب صدري بقوة لتبعدني عنها متمتمة بجنون استبد بها ( لاا احد لي .. لا احد معععيي ..الجميع يعيش بدوني سعيدا .. ارجووك اعدني الى هناك .. اعدني الى السجن .. فهذا العالم لا اعرفه .. هذا العالم يخيفني .. اعععدننني .. هناك جسدي مسجون ولكن روحي حرة .. وهنا .. هنا .. روحي قد ماتت وتمزقت وتكبلت بقيود العجز والياس و الوحدة .. اععععدننني )
توسل حاولت مناقشتها به وانا اقترب ببطء منها لاحاول تهدئتها للمرة الثانية وانا اتمتم ( ساخذك الى اي مكان تحبين .. فقط اهدئي .. فقط اذكري الله .. انت اقوى من ان تقعي الان بسببهم .. انت .. )
وايضا لم اتم كلماتي وهي تصرخ هذه المرة بقهر و مرارة ( كلااا .. كلااا انا لست قوية .. كلاا انا مجرد فاشلة .. انا لست مثلك .. انت نسيت حبيبتك واكملت حياتك .. اما انا فلم اتمكن يوما من نسيان عائلتي التي خذلتني وظللت احلم باليوم الذي سيجمعني بهم وسيتذكروني ويسامحوني .. انا ظللت احلم باليوم الذي اخرج فيه لاواجه زيد و ارى ندمه مرتسم بعينيه .. حتى وانا اعلم اي حقير هو .. لقد حلمت طويلا باحلام كنت من خلالها اتحمل كل هوان السجن وقهره ولكن .. كل هذا هرااااء .. كل هذا مجرد قصر من الاوهام .. هم فقط اخرجوني من حياتهم دون ان يلتفتوا الى الخلف .. وكاني لم اكن يوما موجودة .. هم فقط يريدون اختفائي .. حتى .. حتى .. حتى امي .. وابي )
وكان في هذه الكلمتين سقوطها المترنح على الارض .. سقوط حاولت ان امنعه بضمي لها ومحاولتي دعمها بكل قوتي وقد اثرت كلماتها بقلبي الذي انتفض بقوة ووجع عليها .. وفي تلك اللحظة تمنيت لو انني اتمكن من مشاطرتها ذلك الالم لاخفف عنها .. تمنيت لو انني استطيع مخالفة كلامها بجلب احد افراد عائلتها امامها ليؤكد لها بانهم اشتاقو لها .. تمنيت الكثير ولكني علمت انها على حق .. فهي .. وحيدة حقا ودون اي سند .. حقيقة جعلتني اضمها بقوة اكبر خصوصا مع استجابتها وضمها لي بقوة وكانها تريد الاختفاء عن كل العالم .. اه خرجت عميقة ومتنهدة من اعماقها ليستقبلها صدري بكل ما تحمله من نيران قهر وندم ومعها خرج تساؤلها الحائر المحترق بمرارة قاتلة ( يا سيادة المدعي العام .. اين العدل الان .. ارني العدل .. او .. خذ بيدي الى السجن )
تساؤل تلعثمت حروفه وهي تترنح ببطء وصرخاتها المتعبة تخرج بانهيار وقد ابعدت نفسها قليلا عني لتلتقط انفاسها اللاهثة بصعوبة اكبر ثم علت شهقاتها بشكل اخافني فصرخت باسمها مطالبا اياها بالتنفس ويدي ترفع راسها الى الاعلى بعدما انحنت نحو الاسفل ووضعت يدها المرتجفة على قلبها لتقبض عليه بارتعاش لازمها لثانية قبل ترنحها بقوة وارتخاء كامل جسدها بين ذراعي مع فقدانها لوعيها بانهيار تام اخافني للحظة وقد ظننت انها فقدت الحياة فصرخت وانا ارفعها ( لا تموتي يا ضياء ) .. صرخة تردد صداها في الشارع الخالي ليفقدني رشدي وتماسكي لوهلة قبل عودة عقلي الى العمل وانا اشعر بانفاسها الضعيفة ونبضاتها الخافتة بعدما تلمست بطرف سبابتي موضع النبض بعنقها فتاكدت بانها لا تزال صامدة على قيد الحياة .. الى هذه اللحظة فقط.
الى اللقاء غدا مع المذكرة الخامسة و السادسة


حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:57 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.