آخر 10 مشاركات
غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          عِـشـقٌ في حَضرَةِ الـكِـبريآء *مميزة مكتملة* (الكاتـب : ღ.’.Hiba ♥ Suliman.’.ღ - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          117 - توأم التنين _ فيوليت وينسبير ج2 شهر عسل مر ((حصرياً)) -(كتابة /كاملة بالرابط) (الكاتـب : SHELL - )           »          وهج الزبرجد (3) .. سلسلة قلوب شائكة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حب في الصيف - ساندرا فيلد - الدوائر الثلاثة (حصريــا)** (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          52 - خداع المرايا - أجاثا كريستي (الكاتـب : فرح - )           »          ليالي صقيلية (119)Notti siciliane ج4من س عائلة ريتشي:بقلمي [مميزة] كاملة و الرابط (الكاتـب : أميرة الحب - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-11-20, 10:08 AM   #31

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل السادس وعشرون
- ماذا؟ ماذا قلت له؟ من الأساس كيف تذهب اليه وتسأله؟
انطلقت هذه الكلمات من شفتيها بلا تصديق فقال محمد ببرود:
- لا يخصك ماذا قلت له أو ماذا سألته!

أوشكت ان تنهار وهي تتخيل انه ذهب الى اكثر شخص تكرهه في المدرسة ليسأله.. بل ذهب الى الحقير الذي لا يتوانى عن ايجاد فرصة ليزعجها بكلامه..
تشبثت بقوتها فيجب ان تعرف ادق تفاصيل الذي حدث مهما كان الثمن وهتفت بشراسة:
- اذا لم تخبرني ما الذي حدث فلن اذهب بعد الآن الى المدرة... هل هكذا ستكون راضيًا؟ هل انت تعلم بحق الله من قصدتُ لتذهب وتسأل ذلك الحقير عنه حتى تحل المشكلة كما تقول؟ أخبرني الآن ماذا فعلت؟

ببرود تدريجيًا تحول الى إشتعال أسود قال محمد:
- عرفته من طريقة نظره اليك بينما أقبلك في المدرسة ثم ذهبت لسؤال ليبان عنه وتساءل عن سبب سؤالي فقلت له انني اريده في موضوع ما وأخذت منه عنوان شقته.
وبتشفي وحقد إسترسل:
- ودون تفكير ذهبت اليه وضربته وهددته بالتجرؤ والنظر اليك مجرد نظرة واحدة وتمنيت لو اقتله.. أشك من الأساس انه سيبقى في المدرسة بعد الذي ناله مني.. أسمه كلادس، اليس كذلك؟

لحظة واحدة فقط هي كل ما تحتاجه لتلتقط انفاسها التي تشتتت وهي تستوعب ببطء انه ذهب الى كلادس وضربه بدلًا عن كريس.. رغم ان كلادس صديق ليبان المقرب الا انه بكل سهولة أفشى لمحمد عن مكان إقامته..
بل الجنون الحقيقي يكمن في تصرفات زوجها المحامي المتهور! اين هو عقله ليذهب الى شقة كلادس ويضربه في حين هو اكثر من يفهم في القانون!
بذهول تمتمت آلاء:
- محمد هل حقًا ذهبت وضربته في منزله؟ ولكن انت محامي وتعرف القانون.. ماذا لو قدم بلاغًا ضدك للشرطة.. كيف تذهب اليه؟ كيف؟ وذلك الأبله كيف تذهب اليه وتسأله؟

- لأعرف مكانه ذهبت وسألت.
تشدق بهذه الكلمات الباردة التي تتماشى مع طريقة جلسته وتابع وحاجبه الأيسر يرتفع بإستنكار وتهكم:
- لماذا تبدين غاضبة هكذا هل خفت عليه وشعرت بالضيق لاجله لأنني ضربته؟

بعنف هدرت من بين شفتين مزمومتين انفعالًا:
- محمد انتبه الى كلامك جيدًا ولا تلقي كلامًا عبثًا.. حتى لو احترقوا لن يهمني.. جل ما يعنيني هو انت.. ولكن كل اللوم يقع على عاتقي انا.. انا الغبية التي أتيت وأخبرتك.

ثم بكل غضبها تركته بجلسته المثيرة للإستفزاز وولجت الى الغرفة لتغلق الباب خلفها بعنف..
لا تريد ان تتشاجر معه فتمنح كريس وليبان مجالًا ليشمتا بها.. هو لا يفهمها.. ردود أفعاله على كل شيء يخصها يردعها عن اطلاعه بمشاكلها.. فبدلًا من ان يحتويها بتفهمه يبعدها عنه بغضبه وتهوره..

وفي الخارج حيث يتكئ محمد بكوعيه على فخذيه لم يكن غضبه اقل منها.. أي هدوء سيتحلى به حينما يضع رجل آخر غيره عينه على زوجته؟.. امرأته التي سعى للإرتباط بها رغمًا عن أنف الجميع.. بل حتى رغمًا عن أنفها هي.. لن يبعدها أحد عنه.. وعليها ان تحمد الله انه لم يقتل الحقير كلادس بأسنانه.. أتظنه لم ينتبه الى نظراته التي كان يرمقها بها؟ تلك القبلة لم تكن ابدًا عابرة.. بل قصد ان يقبلها على وجه الخصوص بعد ان عرف منها شخصية المعجب.. وكلادس وحده من كانت تعابير وجهه تشي انه هو الفاعل.. اما كريس فلم يكن هناك اي تعابير على وجهه.. أتراه يتحكم في مشاعره؟

*********************
قرارها بمصالحته ليلة البارحة أثمر بمنفعة بعض الشيء.. ما أضحكها هو غيظه وعصبيته بسبب لقب التحبب الذي منحته له.. "حمودي؟"
يا الله كم رجلها أحمق وطفل مراهق دون تفكير.. لا يفكر الا بالمصائب والمشاكل!
تنهدت وهي تشكر الله على مرور الليلة الماضية بخير أما بالنسبة لمَ ينتظرها في المدرسة فالآن ستعرف وستترك العنان لعقلها بتخيل حجم كارثة ضرب محمد للشخص الخاطئ رغم وساخته وحقارته هو الآخر معها.. ولكنها لم تكن تقصده هو..

تهللت أساريرها عندما لم تجد أيًا من ثلاثتهم.. لا أحد منهم.. ثم جلست مع صديقتها والمرح يكاد يهطل من ملامح وجهها الفاتن.. ولكن نظراتها بقيت متعلقة في باب الصف تأهبًا وتحفزًا لمجيئهم بشكل اثار استغراب صديقتها يارا..
أخذت آلاء تغني وتدق بيديها على الطاولة والصباح الجميل يشرق في عينيها.. العسل ذائب.. منصهر.. يزيدها حلاوة وجمالًا.. وصوتها بدى كصوت صفير البلبل.. ناعمًا.. عذبًا.. شجيًا..
ربما عدم حضور ثلاثتهم هو السبب.. خاصةً بعد جمال ليلتها البارحة بغزل محمد وانسيابه وراء تيار جمالها راضيًا شغوفًا..

انا بدونك ما مرتاح كسر عندي بالجناح بالجناح
جرحي صاير بطولي جناتي غنولي العمر راح
قلبي من العشق تاب بعد بطلت العتاب العتاب
أجري وأسأل ظنوني دمعتي ردلها لعيوني
حبيبي دمعتي بعيني كل لحظة بلا عيونك تبكيني
إذا صدق ناسيني عايش قول ربي لا تخليني
حَبيبِيُّ دَمَعْتِي بِعَيِّنَِيِّ كُلُّ لَحْظَةَ بِلَا عُيُونِكَ تُبْكِينَي
إِذَا صُدُق ناسيني عايش قَوْلُ رِبِّيٍّ لَا تَخُلِّينَي
يال البعد قهر حيل خلاص دمعه تواسيل تواسيل
أبي أكل شي ما ألقى بس دامه بكي بحرقة سهر ليل

- يبدو ان المزاج رائق جدًا.
علقت يارا ضاحكة بإستمتاع فتابعت آلاء بغنائها..

من راحة البرح طال وبيها ما أدري شو صار
مرة إختال بطبعي أه يا ويل إنكسر ضلعي أه يا ويل
حَبيبِيُّ دَمَعْتِي بِعَيِّنَِيِّ كُلُّ لَحْظَةَ بِلَا عُيُونِكَ تُبْكِينَي
إِذَا صُدُق ناسيني عايش قَوْلُ رِبِّيٍّ لَا تَخُلِّينَي
عليا ضيم مكتوب بكت عيني يا محبوب يا محبوب
حلفت بعمري ما أقربك وأسوي بروحي من حبك فلا توب
حبيبي عيني ع الباب خلص قلبي من الغياب من الغياب
يالي شوقي ما جابك حبيبي العمر بغيابك ما محسوب
حَبيبِيُّ دَمَعْتِي بِعَيِّنَِيِّ كُلُّ لَحْظَةَ بِلَا عُيُونِكَ تُبْكِينَي
إِذَا صُدُق ناسيني عَايَشَ قَوْلُ رِبِّيٍّ لَا تَخُلِّينَي
(أغنية ما مرتاح لزايد الصالح)

صمتت فور دخول كريس وليبان وزفرت حانقة:
- جاء مدمران متعتي.

ضحكت يارا ملئ شدقيها:
- خسارةً.. لم تكتمل فرحتك.

مرّا من جوارها ثم جلسا مكانهما ونظراتهما لا تفارقها.. نظرات حانقة مغتاظة..
علّق ليبان بإستهزاء:
- تابعي.. على ما يبدو ان سهرة البارحة خاصتك لم تنتهي بعد.

فهمت المغزى وراء كلامه.. فليلة البارحة رقصت لمحمد ولا بد ان صوت الموسيقى وصل الى شقتهما.. رباه كم تكره البنايات في أوروبا وسهولة انتقال الصوت من الشقة الى الشقة التي تجاورها.. لا توجد خصوصية ابدًا ابدًا..
تطلعت آلاء الى يارا وقالت بنبرة متعجرفة:
- هل الكلاب تنبح منذ الصباح ام انها تبدأ في الساعة الثانية عشر ظهرًا أم فقط مساءً؟

- في أي وقت.. ليس لديهم ساعة محددة.
ردت يارا بخبث ليكبح ردهم المعلم الذي دخل الى الصف..
رسخ حدقتاه عليها يراقب كل حركاتها..
فعلتها اذًا.. هي فعلاً لا تخاف شيئًا.. قوية كما عهدها بلسانها الطويل وجراءتها اللا محدودة..
أتعتقده سيبتعد عنها بما فعلته؟.. لا! هذا لا يزيده الا تشبثًا حارًا بها.. بكل شوق وشغف ينتظرها ان تبادله مشاعره.. ان تكون له كما تكون مع زوجها.. ان ترقص له ويتأمل بحدقتيه تمايل جسدها المغري أمامه..
هي قصيرة ولكن تقاسيم ومنحنيات جسدها ساحرة.. مغرية.. الوقاحة ليست فقط بلسانها بل بكل حركة تفعلها دون ان تعي أو تدرك.. لطالما أحب التغيير.. وهي استثناء..

بمجرد ان انتهى الدرس وخرج المعلم رأها تقوم بتدوين ملاحظاتها فإبتسم بخفة.. نقطة أخرى تجعل إعجابه بها يزداد.. اجتهادها وذكاءها..
جذب كريس مقعده ليجلس أمامها تمامًا ثم قال:
- اذًا تم ضرب كلادس أي انك لا تخافين.. هذا رائع! انت من النوع الذي يتكلم ولا يصمت.. كان من المفترض ان أتوقع هذا الشيء لأن شخصيتك مختلفة!.

- واذا احببتَ ان شاء الله قريبًا انت ايضًا ستجرب هذا الضرب.
قالت آلاء ببرود ساخر ثم استأنفت بكتابتها ليهتف كريس بلا مبالاة:
- لا يهمني.. سيبقى الأثر والوجع ليومين وبعد ذلك سيختفي.
ثم إستطرد وهو يكاد يلتهم تفاصيلها بعينيه.. رغم
خفضها لرأسها وتصنعها الإنشغال بما تكتبه الا ان حدقتيه كانتا تقتنصان كل نظرة وكل حركة تبدر عنها كصياد ينتظر اللحظة الحاسمة..
- على أي حال، انا لم أتي للتحدث عن موضوع كلادس بل لأنني أحببت ان أخبرك انني سأنتقل الى شقة ليبان!

رفعت رأسها بسرعة كمن لسعها عقرب.. لا هذا يمزح! بالتأكيد يمزح! ضغطت بقوة على القلم الذي في يدها حتى كاد ان يتهشم وهدرت والذعر يبرق في عينيها بطريقة جذبته اليها وأرضته أكثر..
- ماذا؟!!!

إرتفع طرف ثغره بإبتسامة عابثة ماكرة وهمس:
- لكي اكون قريبًا منك سأشاركه ايجار الشقة وأقطن معه.

بشق الأنفس سيطرت على نفسها.. لا يجب ان تنفعل او تثور وتعطيه بكل سهولة ما يهفو اليه..
- ماذا؟ انا لم افهم.. الا يوجد معه شخص آخر في الشقة فكيف ستنتقل؟

- الشاب الذي معه يريد الانتقال لأن الإيجار غالي.. وفي الوقت عينه ليبان يريد شريكًا له في السكن بما ان الشقة كبيرة.
قال كريس بهدوء لتهتف والصدمة تسطع في سؤالها الغبي:
- ماذا تقصد؟ انا لم أفهم.

- سكن مشترك.. ألم تسمعين عنه قبلًا؟
بإبتسامة سطرت حدودها على وجهه قالها لتكبت ضيقها وتهتف بتهكم:
- وما علاقتي بكلامك هذا؟ ليتكما تذهبان الى الجحيم.. ماذا يهمني؟

لم يعلق على كلامها بل بدت عيناه الزرقاوان هائجة كسماء غائمة تستعد لهطل أمطارها.. كل إنش في ملامح وجهها المليح لم تمر حدقتاه عليه الى وقد حفظه في سجل عقله بإصرار غريب..
لم تتحمل سيل نظراته الحميمي فأخفضت رأسها لتجرب التركيز بالكلمات التي امامها دون اي نتيجة تُذكر..

لا تود هذا التصادم بالعيون.. عيناه جميلتان بل ساحرتان ولكنهما مرعبتان ماكرتان كعينا حيوان الببر الأبيض..
هي تعرف هذه النوعية من الرجال التي تعمل على نار باردة لتصل الى مبتغاها..
إبتسامة خفيفة إعتلت ثغرهُ ليهمس بإعجاب حقيقي:
- عيناكِ جميلتان.. لونهما فاتن.
ثم إستدار ليغادر قبل ان توقفه بكلمتها المستحقرة دون ان ترفع رأسها اليه:
- حيوان!!

عاد أدراجه اليها وأخفض رأسه حتى كاد يلتصق رأسه برأسها وهمس وهو يحدق بوجهها التي تحاول إبعاده عنه..
- وهذا الحيوان سيريك ما الذي سيفعله في الأيام القادمة!

سرت رجفة خانقة الى قلبها.. تبًّا! تبًّا! هذا لن يدعها وشأنها قبل ان تفقد عقلها..
إبتلعت ريقها مع غصتها وهي تشعر بنظراته المصوبة عليها بعد ان عاد الى مكانه..
ثم فغرت فاهها حينما دخل كلادس الى الصف متأخرًا والكدمات تملأ وجهه.. وبصعوبة شديدة كان يسير! إتسعت عيناها وهي ترى الخريطة التي قام بها محمد بوجه وجسد هذا الأحمق..
لم تنزل عينيها رغم نظرات الغل التي رشقها بها وهو يسير الى مقعده وما ان مر من جوارها القى شتيمة بذيئة على أذنيها وجلس..

********************
تحسست السلسلة الذهبية الذي اهداها لها قبل ان يسافر الى المانيا في رحلة عمل مرة أخرى.. لم تكن سلسلة واحدة بل ثلاثة سلاسل مرتبطة ببعضها البعض لتشكل سلسلة واحدة وبكل سلسلة هناك شكل مختلف.. هكذا دون أي مناسبة تُذكر أهداها لها.. فقط لأنها أعجبته ولأنه يحب ان يشتري لها الهدايا كما قال..
بكل صراحة السلسلة جميلة جدًا.. لقد أحبتها وزرعت بهجة جزئية في قلبها.. ولكن مقابل هذه البهجة كان هناك ضيقها من إضطراره لسفره.. وكما قال قد يعود مساء الغد وقد يعود بعد الغد..

دغدغت الإبتسامة ثغرها وهي تتذكر توصياته لها المتكررة بعدم إفتعال المشاكل في سفره.. لا يريد اي مشاكل او تهور من قبلها.. لم يكن يقصد الا المشاكل التي حدثت بينهما في المرة السابقة حينما سافر..
انبسطت إبتسامتها لتداعب عيناها هي الأخرى وينصهر العسل النقي في مقلتيها بذكرى ما فعلته بعد أن أوصلها الى منزل أهلها..

"رافقته الى باب المنزل الرئيسي ووقفت امامه في المدخل لتقول بحب:
- لتذهب وتعود الي سالمًا حبيبي.

أجابها لتحاول الوصول الى وجهه وهي تقف على أطراف أصابع قدميها دون ان تفلح فهتفت بحنق كطفلة مدللة:
- محمد.. اخفض رأسك قليلًا.

ضحك بعبث مدركًا لما تريد الوصول اليه هذه القصيرة التي بالكاد تصل الى منتصف صدره ثم بخفة كان يضم خصرها بكفيه ويرفعها عن الأرض لتماثله طولًا.. فقبلته آلاء على شفتيه قبلة سريعة ثم ابتعدت لتنظر اليه بخجل وسعادة كمن فعلت انجاز يستحق التقدير!
إرتفع حاجبه الأيسر الى الأعلى وتمتم بغيظ:
- تقولين إقترب وأخفض رأسك وجعلتيتي أحملك وفي النهاية هكذا تقبلينني وكأنني لم اعطيك دروسًا كما يجب بشكل كافٍ!.. يجب علي ان أكثف دروسي لك.

ودون ان يحررها كانت شفتاه تأسر شفتيها بقبلة متملك عاشق مجنون بادلته إياها المشاعر.. تصب بها أحاسيها المضطربة المتوجسة.. داعبت بأناملها الناعمة ذقنه الخشنة الخفيفة ليشدها اليه أكثر.. يريد ان يخفيها بين أضلاعه فلا يراها احد غيره.. لا يود التحرر من سحر محراب جمالها.. يريد ان يتعبد به بكل حرية.. دون حد او حدود.. ويريدها هكذا مستجيبة تكاد تذوب بين ذراعيه وتختفي بين عظامه..

جسدها الصغير الرقيق الذي بين ذراعيه مقارنة بقامته الطويلة وضخامة جسده يعلقه بها اكثر.. يستهويه.. يغريه.. يجذبه اليها كطفل رضيع سمع صوت والدته ولا يريد الى حضنها ولمساتها الناعمة فوق بشرة جسده..
لم يعد يعلم اين المكان وفي اي زمان.. لا يعي شيئًا الا انها هنا.. في مكانها الذي تنتمي اليه قبل ان تولد حتى.. يهب نفسه قبلها هذه العاطفة الحارة التي تزلزل أعماقها.. وأخيرًا بصعوبة وبقدرة من حديد ابتعد عنها مجبرًا ليأخذ أنفاسه كما فعلت وغمغم بصوته الثخين:
- هكذا تكون القبلة الصحيحة وليست قبلتك انت.

- كفى، هذا عيب.. هيّا غادر.
همست ليهز رأسه مؤيدًا:
- سأغادر لأنني اذا بقيت دقيقة ثانية سأغير رأيي وأخذك الى شقتنا وليذهب العمل الى اعماق الجحيم."

اخرجها من التعمق في فوهة المشاعر التي تسللت الى قلبها رنين هاتفها.. لا بد انه محمد؟ ولم يخيب إحساسها.. إتصل بها ليطمئنها عن وصوله سالمًا الى المانيا..
ضحكت آلاء بسبب سؤاله اذا كانت تريد منه ان يتصل بها فيديو حتى ترى اين هو ورفضت.. ثم هزت رأسها وضحكاتها تتزايد بسبب فضيحته لها بجنونه امام صديقه..

******************
في صباح اليوم التالي..
بدى اليوم واضحًا لها منذ بدايته اذ انها استيقظت مريضة.. جسدها يكاد يصرخ من شدة الألم والدوار يعصف برأسها..
بتثاقل كانت ترد على اتصال محمد ليتساءل بقلق:
- ما خطب صوتك؟

- أشعر بالتعب قليلًا.. ربما هذه انفلاونزا.
غمغمت بنبرة واهنة ليهتف بعصبية:
- بالتأكيد بسبب اهمالك بنفسك.. كيف لك ان لا تمرضي اذا كنت ترتدين ملابس خفيفة والطقس بارد؟ ولكنك كالأطفال الصغار يجب ان يبقى دائما هناك أحد ما فوق رأسك يراقب أفعالك!

- محمد لماذا كل هذه العصبية؟ انا لم أطلب من المرض ان يأتي الي! ربما لأنني غيرت مكان نومي وانا بالعادة حينما أغير مكان نومي أمرض.
قالت آلاء بضيق.. والحيرة تملأ جنبات عقلها بسبب غضبه الغير مبرر حسب اعتقادها..
هتف محمد:
- كفى كفى.. لقد فهمت.. ايًا كان انا سأعود اليوم مساءًا وانت عودي الى الشقة قبل العصر.

توطدت الغصة في حلقها.. ما باله يعاملها بهذا الأسلوب وكأنها تتصنع المرض! الا يصدق نبرة صوتها المرهقة؟..
- محمد لماذا تعاملني بهذه الطريقة؟ الى اين تريد ان تصل؟
- لا اريد ان اصل الى أي مكان.. ماذا فعلتُ حتى تقولي هذا الكلام ام انك تريدين إختلاق المشاكل؟

- لا اريد منك شيئًا.. الى اللقاء.
أغلقت الخط مستنكرة تصرفاته كلها.. تارةً تفكر انه لا يصدقها وتارةً أخرى تقنع نفسها انه لديه بعض المشاكل في العمل لا غير.. تعلم انها مهما حاولت فهمه لن تنجح.. فمحمد كل ساعة بمزاج مختلف حتى كادت تبصم انه لديه انفصال في الشخصية.. شخصيته معقدة.. صعبة جدًا.. وتحتاج لصبر جبار حتى تتأقلم معه وتتابع دربها برفقته..
قضت يومها نائمة.. لا تقوى على الحراك ودرجة حرارة جسدها ترتفع في استمرار.. وبعد ان استيقظت طلبت من شقيقها محمود ان يصطحبها الى عيادة الطبيب التي سبق وعينت معه موعدًا لها ومن ثم يعيدها الى شقتها.. وكما توقعت كان لديها إنفلونزا..

في تمام الساعة التاسعة مساءًا كانت تستيقظ من ديمومة النوم.. زمت شفتيها بضيق حقيقي فلا زال لم يعود بعد ولا يوجد منه ولو اتصالًا واحدًا..
إتصلت به وهي تحس بحزن على نفسها من تصرفاته.. لماذا يعاملها بهذه الطريقة القاسية على الرغم من كونها لم تفعل شيئًا؟..
ردت تحية السلام بعد ان طرحها ببرود وصمتت ليقول بهدوء:
- سأخبرك شيئًا ولكن لا تغضبي مني.

- أخبرني ولنرى.
ردت بجفاء صريح ليقول محمد بحسم:
- لا زلت لم انهي عملي.. كنت اعتقد انني سأنهي عملي قبل الساعة السادسة مساءًا ولكنني لم اتمكن ولذلك سأعود غدًا.

- ماذا!!! هل انت جاد؟ لماذا جعلتني اذًا اعود الى الشقة؟ كنت اخبرني أن ابقى في منزل اهلي.
هدرت ولم تعد تطيق تصرفاته هذه.. فوصلها صوته الحاد بلمح البصر:
- ما الأمر سيدة آلاء؟ طيلة الوقت تريدين الذهاب الى منزل اهلك.. انت لستِ صغيرة حتى تخافي من البقاء لوحدك في الشقة.. وهو مجرد يوم واحد وسأعود فأوصدي الباب عليك ونامي ولن يحدث لك شيئًا.

- ولكنني مريضة ولا استطيع البقاء لوحدي.
قالت آلاء بهدوء قسري كي لا ينفلت لسانها ويسوء الحال بينهما كما حدث المرة السابقة حينما سافر.. فهتف محمد بصرامة لا تقبل النقاش:
- كفى آلاء.. ليلة واحدة لن تؤثر.. ما دمتِ عدتِ الى الشقة إبقي بها.. ماذا تريدين مني ان افعل لك مثلًا؟ وهيًا مع السلامة.

حدقت بالهاتف بذهول.. هو لا يصدقها.. لا يصدق انها مريضة.. يعتقد انها تتدلل.. رباه ماذا تفعل؟ لن تتمكن من العودة الى منزل اهلها فالوقت متأخر ووالدها مريض وأمها تعتني به ولا ينقصها هموم.. لم يكن امامها أي خيار غير شقيقها محمود فإتصلت به ليأتي ويقضي هذه الليلة برفقتها.. ولم يعترض فزوجته وإبنهُ نائمان في منزل اهلها وهو لوحده في شقته..

كانت تشعر بالكمادات الباردة التي يضعها محمود على رأسها بعد تدهور حالتها في الليل وارتفاع درجة حرارة جسمها..
تطلعت اليه بعينين ذابلتين لتحس بالشفقة عليه وهي تراه نائم على طرف السرير بإرهاق..
لقد غفى صباحًا وهو يقوم بعمل الكمادات لها بينما زوجها لم يسأل عنها..
لا تتذكر تفاصيل ليلة أمس فقد كانت مريضة بحق.. والتعب بلغ مبلغه منها وإندس الألم في جسدها فلم يعد هناك مكانًا ولم يطئه ليرتكز اخيرًا في رأسها..

إبتسامة مريرة كتبت خيبتها على شفتيها وهي تلتقط هاتفها لتجده اتصل بها مرة واحدة وفي الساعة الثالثة ليلًا! يا للسخرية.. يا ليته لم يتصل من الأساس..
تنهدت بأسى ثم همت ان تنهض عن السرير قبل ان يوقفها صوت شقيقها:
- الى اين انت ذاهبة؟ دعيني أفحص درجة حرارتك.

- لقد اتعبتك معي.. أشكرك.
همست آلاء بإعياء ليؤنبها محمود بلطف:
‐ أصمتي وكفى غباءًا.
ثم تنهد براحة:
- حمدًا لله.. انخفضت درجة حرارة جسمك.

قبل ان ترد عليه كانت تهم بالإستفراغ فركضت الى الحمام يتبعها محمود قائلًا بحنو:
- على ما يبدو ان الإنفلونزا نزلت الى معدتك.. الآن سأعد لك الفطور حتى تأخدي بعد ذلك الدواء.

تناولت طعامها وأخذت دوائها ثم عادت الى الفراش لتجد محمد يتصل بها مرة أخرى.. ولكنها لن تدعه يحلم بسماع صوتها.. الآن فقط تذكرها.. بعد ان تركها تصارع مرضها لوحدها طيلة الليل ولولا شقيقها محمود لكان الله وحده من يعلم الى اي حد قد يسوء وضعها الصحي.. ليرى من الذي يريد اختلاق المشاكل.. هو ام هي..

بعزمٍ على جعله يشعر بتأنيب الضمير كانت تنادي شقيقها محمود ليرد على اتصاله بحجة انها لا تستطيع الحديث معه.. وفي الواقع هي فعلًا كانت مرهقة وغاضبة ولا تطيق سماع صوته.. فقط آخر الليل تذكر ان يتصل بها ورغم علمه انها مريضة الا انه وبخها وجعلها تبقى في الشقة لوحدها.. لن تسامحه بسهولة ابدًا..

بعد ان انهى محمود المكالمة قال:
- اخبرني انه سيعود اليوم العصر.. وكان يعتقدك تتدللين لكي يعود.. لم يعتقد انك صدقًا مريضة.

تمتمت بكلمة خافتة ثم أغمضت عينيها بخور.. اذًا كما اعتقدت.. هو يظنها تكذب وتتدلل عليه فقط بمرضها.. ليعود اولًا وبعد ذلك لكل حادث حديث..

********************
غادر محمود الى عمله بعد ان اطمئن عليها واخبرها انه سيعود للاطمئنان عليها مرة أخرى بعد الظهر..
سمعت صوت جرس المنزل فدون ان تنتبه الى ما ترتديه كانت تفتح الباب لأنها واثقة ان هذا ليس الا محمود ولكن الصدمة الجمت حواسها وهي ترى كريس يقف قبالتها! ما الذي أتى به الى شقتها؟!!!!
إنتبهت بسرعة الى نظراته التي انحدرت من وجهها الى جسدها لينظر اليها برغبة لا تخطئها العين.. لم يكن ينظر فقط بل بدى وكأنه يختزن بما يراه في خزان خياله..

لم تعطيه مجالًا اكثر ليدقق بتفاصيل جسدها الذي يكشف له الكثير مما يطوق لنيله.. شورت قصير وبلوزة دون اكمام.. حجبت جسدها خلف الباب ثم نظرت اليه بعد ان أخرجت رأسها فقط وزمجرت بجهامة:
- نعم كريس؟ ما الذي أتى بك الى هنا؟ ماذا تريد؟

آه فقط لو تخرج يدها لتصفعه على فمه الذي يبتسم بسماجة وتحطم له أسنانه البيضاء.. ولكنها لن تتهور الآن بينما هي لوحدها في الشقة.. ولم يغفل كريس عن كرهها الواضح ونفورها منه فقال:
- منذ يومين لم تأتي الى المدرسة.. رغبت ان اطمئن عليك كما وانني سمعت صوت شخص غريب معك في الشقة.. هل انت لوحدك ام ان هناك احد معك؟

- انا مريضة ولذلك لم أتي الى المدرسة.. ولا.. انا لست لوحدي.. شقيقي الكبير معي ولكنه الآن في الحمام.. هل تريد شيئًا آخر؟
هتفت آلاء بضجر وقد قصدت الكذب حتى لا يتجرأ ويحاول طرق باب شقتها مرة أخرى.. فقال كريس بهدوء:
- لا، فقط رغبت ان اطمئن عليك.

- وانت فعلت ما تريد ولذلك...
ودون ان تبالي بقول الى اللقاء اغلقت الباب الا انه سريعًا كان يهتف قبل ان تغلق الباب كله:
- شيء آخر.. غدًا سأصبح جارك المقرب.

بأقصى ما لديها من قوة كانت تغلق الباب ثم اتبعته بإوصادها للباب بالمفتاح ثم هتفت بصوت عالٍ تعلم جيدًا انه سيصل الى كريس:
- محمود.. اين هاتفي؟

لم تكن تتوقع ابدًا ان الطارق سيكون كريس.. هذه هي المرة الأولى التي يتجرأ ويطرق باب شقتها..
لامت نفسها اكثر من مرة لأنها فتحت الباب دون ان تتساءل عن هوية الطارق ولكنها ظنت انه في المدرسة فخلال هذا الوقت تكون كل الطلاب في المدرسة.. تبًا لها ولغبائها.. حمدًا لله ان محمد ليس موجودًا والا كان سيتشاجر معها على استهتارها كما يقول..
يا الله لماذا انتقل الى هذه الشقة؟ الا يكفيها خوفها من وجود ليبان قريبًا منها ليأتي هذا اللعين ويضاعف من خوفها..

رفعت صوت التلفاز الى اعلى درجة حتى لا تسمع صوتهما وحتى يعلم كريس انها ليست لوحدها ثم إتصلت بمحمود لتطلب منه عدم المجيء اليها فقد أصبحت بحالٍ أفضل ولأن صديقتها ستأتي اليها حتى تدرسا معًا..
إنسجمت مع صديقتها في الدراسة الى أن قررت اخيرًا ان تأخذ استراحة بسيطة ثم التقطت هاتفها التي سبق ووضعته صامت لتبتسم بإستهزاء حينما وجدت خمس مكالمات فائتة من محمد.. اخيرًا تذكرها! مشكور.. لقد أرهق نفسه بإتصالاته..

تجاهلت اتصالاته فلن تتحدث الآن معه وسترى لاحقًا ما الذي يريده منها بهذه الإتصالات.. ثم لفتت انتباهها رسالة كريس التي وصلتها ليخفق قلبها بوجل وغضب.. الحقير الحقير.. ليته الآن امامها حتى تحرقه حيًّا.. نار قائظة شبت في ظهرها وهي تقرأ الرسالة بعينيها..
"كنتِ تبدين في غاية الروعة.. الى الآن صورتك المثيرة لا تفارق خيالي.. يحق لزوجك ان لا يحررك من حضنه الا صباحًا.. انا أصبحت أتمنى ان اكون مكانه ولو لليلة واحدة!"

اي شتيمة قد تصف هذا الحقير الوسخ.. ما هذه الوقاحة التي تسري في دماءه بكل عنجهية! هذه السفالة لا تطاق ولا تحتمل.. كلما تفكر انها ستكون محاطة بهذا الإنحطاط عن كثب تكاد تجن..
غادرت صديقتها يارا بعد ان أمست الساعة سادسة مساءًا لتقرأ رسالة كريس مرة أخرى فتشعر بإشمئزاز من نفسها ومنه اكثر حتى كادت ان تتقيأ كل ما في معدتها.. لقد تجاوز حدوده اكثر مما يجب وعليها ان تضع حدًا له في اسرع ما يمكن..

إفعوعم حقدها تجاهه.. ولومها لنفسها لأنها سكتت له وتساهلت هكذا.. المشكلة انها تود إخبار احدًا ولكنها تخشى ان تفعغل لاخويها.. خاصةً ان محمود وايلام لا زالا لم يحصلا على الجنسية وبعد اسبوع بالضبط سيأخذانها.. لا تريد ان تضيع لهما مستقبلهما وتدخلهما في مشاكل في غنى عنها.. ومحمد مستحيل فإما سيودي بنفسه الى السجن وإما الى المستشفى.. ليس هناك احد قد يفيدها غير غياث.. ستتحدث اليه فيما بعد..

تذكرت فجأة اتصالات محمد فإتصلت به.. فهذا كافٍ.. تأخرت عليه بما بكفي.. وهي تخاف ان يخبرها انه لن يأتي ايضًا اليوم..
لم يتأخر رده فبمجرد ان سمع صوت رنين هاتفه كان يرد عليها بصوته الحانق:
- أين كنتِ؟ اتصلت بك خمس مرات.. الم تري او تسمعي صوت الهاتف؟

- لا، لم اراه لأنني كنت ادرس مع صديقتي ووضعته على وضعية صامت والآن فقط رأيت اتصالاتك واتصلت بك.
اجابته بهدوء بارد ثم إستطردت:
- خير ان شاء الله.. لماذا اتصلت؟ هل تريد قول شيئًا لا زلت لم أسمعه بعد؟

- لا، فقط اتصلت للإطمئنان عنك.. كيف تشعرين الآن؟
قال محمد بجدية فردت بمنتهى اللامبالاة بسؤاله:
- حمدًا لله بخير.
- حمدًا لله.. انا انهيت عملي والآن سأغادر المانيا.
- حسنًا، مع السلامة.

تجاوزت الساعة الحادية عشر ولا زال لم يأتي على الرغم من كونه اتصل بها في تمام الساعة السادسة.. بما انه يريد ان يتحاقر فهي ستكون أحقر منه.. لا بأس!
أغلقت التدفئة في الصالة وفتحت النوافذ كلها ثم أغلقت باب الغرفة عليها وهي عازمة على تربيته.. عساه يتجمد من البرد في هذا الثلج القارص دون وسادة او بطانية.. هو يستحق اكثر من ذلك ولكنها ستكتفي بهذه الأشياء فمحمد من أتفه الأمور يغضب ما شاء الله عنه..

ضحكت بمرح وهي تدثر جسدها جيدًا بغطاء السرير وبعد اقل من نصف ساعة شعرت بباب الشقة الرئيسي يفتح.. هذا رائع! لقد بدأت الحفلة وهي اكثر من متشوقة لما سيحدث الآن..
تأكدت من وضعية هاتفها على الصامت ثم وضعت الهاتف بعيدًا عنها.. سمعته يطرق باب الغرفة ربما للمرة السابعة قبل ان تبتعد خطواته ويلكم المزهرية المسكينة لتتساقط متحطمة على الأرض.. ثم أصوات تحطيم أخرى وأخرى..

إغضب.. إغضب..
انا أريدك ان تغضب..
أثلج بعنفك حرارة غيظي..
أضرب.. حطِّم..
حتى يحتد كرهي..
ويسود حقدي..
أمطر أذني بطبول تهشم الزجاج..
وإفرد عضلاتك على قلبي..
أخفني.. أرعبني..
وأبق هذه الذكرى في عقلي..
انسيني كلمات الحب والهيام..
فأنت رجل قاسي جبار..
مصيره على اعتاب كبريائي الإنهيار..

إبتسمت بتشفي.. يستحق هذا الغضب.. يستحق هذه الثورة.. بل يستحق أكثر من ذلك.. وعلى صوت غضبه ستنام ومن قال انها لن تتمكن من النوم؟.. بل ستنام قريرة العين.. ولكن... لعنة محمد ربما تسللت اليها من تحت الباب ففي الساعة الثالثة ونصف ليلًا كانت تستيقظ من نومها الهانئ بسبب درجة حرارة جسمها التي ارتفعت ورغبتها بالإستفراغ..

فتحت باب الغرفة وركضت متوجهة الى الحمام دون ان تركز بالشخص النائم في الصالة.. وخلال دقائق معدودة شعرت به يقف فوق رأسها.. غسلت وجهها بهدوء ولم ترفع رأسها لتواجه وجهه المحتقن بغضبه..
- هذه خطيتي.
علّق محمد بقهر لتتجاهله وتسحب المنشفة المعلقة على الباب ثم جففت وجهها وسارت الى الخارج ليهتف بحنق:
- ليسلمني الله.. اجل، لقد عدت الساعة الثانية عشر ووجدت زوجتي موصدة باب غرفة النوم عليها.

كادت حقًا ان تنفجر ضاحكة ولكن لا.. يجب ان تستمر بتجاهلها له.. فتابع محمد وهو يلحق بها الى الغرفة:
- على اساس انها لا تعرف انني قادم اليوم.. حتى بطانية لم تترك لي وبكل حقارة قصدت فتح النوافذ وإغلاق التدفئة.
وضعت الدثار عليها وكأنها لم تسمعه وهي تكبت بعناء ضحكاتها فهدر محمد بعصبية:
- ألستُ أتحدث اليك؟

إبتسمت فهو لا يراى ابتسامتها الخبيثة وسط ظلام الغرفة ثم سرعان ما كانت تصيح بإعتراض بسببب جذبه للدثار بعيدًا عنها:
- محمد لاااااا! انا اشعر بالبرد.

- اذًا انت تعرفين كيف تتكلمين.. ظننتك خرساء.
هتف محمد بغيظ لتغمغم آلاء بضجر:
- لا حول ولا قوة الا بالله.. ماذا تريد مني الآن يا محمد؟ الا تشعر بالتعب من السفر فلماذا هذا الكلام الزائد بدلًا من ذهابك الى النوم؟

- لماذا لا تردين علي حينما أتحدث اليك؟
- ليست لدي طاقة للرد.. اشعر بالنعاس الآن وغدًا في الصباح سأرد عليك.
إرتفع حاجبه بتهكم:
- لا والله! لماذا أوصدتِ باب الغرفة عليك؟
- خفت من البقاء لوحدي في الشقة وإعتقدت انك لن تأتي.
قالت بنبرة ذات مغزى ليهتف بخشونة:
- مهما قلتِ لن أصدق.. فكلامك كله كذب!

- استغفر الله العظيم.. لا تصدقني ولكن اعطني الآن الدثار.. انا ريد ان انام فلدي مدرسة غدًا منذ الصباح.
غمغمت بضيق ليحدجها بنظرات مشتعلة ثم القى الدثار عليها وهتف:
- انت تستحقين ان ادعك تخرجين للنوم في الصالة ودون دثار ولكن كلامنا ليس الآن بل غدًا صباحًا.

ثم ابتعد عنها ليبدل ملابسه وبعد ذلك إستلقى على السرير بجوارها دون ان ينظر اليها وبقصد سحب منها الدثار كله ليغطي به جسده وحده..
إستغفرت آلاء الله عدة مرات ثم سحبت طرف الدثار بخفة ودثرت نفسها هي الأخرى.. وحرارة جسدها تلقائيًا وصلت اليه ليقول ببرود دون ان يستدير اليها:
- جسدك حار جدًا.

لم تعقب على كلامه وشدت دثار السرير اكثر اليها ليهتف بأسمها بعصبية قبل ان يلتفت اليها ويضع يده على وجهها فيجدها تكاد تحترق من حرارتها المرتفعة.. تغلب قلقه على غضبه فقال:
- درجة حرارتك مرتفعة جدًا.. لماذا لا تقولين لي؟

أبعدت يده عن وجهها بضيق وهمست:
- يدكَ باردة.. أبعدها عني ودعني أنام.
خرج من الغرفة بسرعة ثم عاد بدوائها بعد ان وجده في المطبخ وقال بصرامة يخفي بها قلقه وخوفه عليها وهو يمد لها قرصًا من الدواء وكوبًا من المياه:
- هيّا اشربي هذا الدواء.. ماذا لو حدث لك شيئًا بسبب هذه الحرارة؟
شربت الدواء وبسهولة شديدة كانت تنغمس في نوم عميق مرهق..

*********************
عادت الى الشقة مبكرًا فبسبب مرضها لم تستطيع البقاء والحضور اكثر.. لم يكن هناك اي مشاحنات بينها وبين محمد فقد استيقظت لتجده قد غادر..
طمست ضيقها في صدرها حينما دلفت الى البناية ووجدت كريس وليبان ينقلان الأغراض..
- مرحبا.. كيف حالك؟
كان هذا صوت كريس بينما تصعد السلالم لتحدجه بإحتقار فكلمات رسالته الخسيسة لا زالت تضج في أذنيها..
أضاف ليبان بإبتسامة مثيرة للإشمئزاز:
- يبدو ان الصف ليس جميلًا دوننا.

واصلت بصعودها السلالم دون ان تأبه بكلامهما او بالرد عليهما.. ثم دخلت الى شقتها وأوصدت الباب خلفها ففي وجودهما يجب ان تبقى على حالة تأهب دائمة..
دعكت جبينها ألم ثم غيرت ملابسها وأعدت الغداء قبل ان تقف قبالة النافذة وتنظر الى السماء..
طقس اليوم خلاب فرغم برودته الا ان السماء صافية.. زرقاء بطريقة تأسر الوجدان.. وهذا الجو لا يحث الا على الخروج وهي ستخرج.. يجب ان ترفه عن نفسها قليلًا بعد مرضها الذي أتعبها لما يقارب الثلاثة أيام..
ستنتظر محمد ريثما يأتي وبعد ذلك ستخرج ولذلك جهزت نفسها لتكون على قيد الإستعداد للخروج..

فور ان وصلها صوت المفتاح الذي وضعه في الباب يتحرك كانت تخرج اليه لتجده واقفًا في الصالة..
نظر محمد اليها بنظرات يصعب التكهن بمعانيها خاصةً بوجهه الخالي من الملامح.. ولكن سؤاله الحاد أبلغها ان مظهرها هذا لا يرضيه:
- الى اين انت ذاهبة؟

- وعليكم السلام!
قالت آلاء بجدية ذات معنى فهتف بها بنبرة صلبة:
- لقد سألتك سؤالًا فأجيبي عليه.. انا لم القي تحية السلام! انا اسألك الى اين انت ذاهبة؟

- الى مركز المدينة.. كنت انتظرك حتى أغادر.
ردت آلاء بتوتر فقال محمد بصرامة قبل ان يدلف الى الغرفة:
- ممنوع!

لحقت به وهي تقول بحنق:
- محمد ما هو الممنوع؟ انا أريد ان أخرج قليلًا لإستنشاق بعض الهواء وقد اتصلت بصديقتي لكي نخرج معًا.

نزع ملابسه العلوية عنه وهتف بجديته المخيفة:
- لقد قلت لك ممنوع يا آلاء أم انك فقط تريدين إختلاق المشاكل؟ والستِ مريضة فإلى اين ستخرجين؟ وتعلمي حينما اقول كلمة نفذيها دون جدال.. ممنوع تعني ممنوع.. فإجلسي في المنزل بهدوء وجهزي لي الآن الغداء.. أريد ان أكل.

للحظات سلطت عليه حمم نظراتها الثائرة قبل ان تخرج من الغرفة لتنفذ له ما يشاء..
جلس محمد يتناول طعامه بينما إنزوت هي في الغرفة والضيق يكتنف قلبها من كل جانب.. ما هذه الحياة بحق الله؟
كاد ان يسقط الهاتف من يدها وهي تسمع صراخه بأسمها.. أسيستمر بإرعابها وهو يصيح باسمها بهذه الطريقة التي قد يتوقف بسببها قلبها عن عمله ذات يوم؟!
- آلااااااء!!!

خرجت راكضة اليه لتقف أمامه بخوف واضح وتقول:
- نعم محمد.

- أين قميصي الأسود؟
تساءل محمد بعصبية لتستفسر:
- أي واحد منهم؟

شرح لها لتدعه لدقائق قصيرة ثم أخذت تبحت القميص ابذي يعنيه في الخزانة فلم تجده ودخلت الى الحمام لتراه مع الغسيل الذي لم تغسله بعد.. فهذا القميص أحضره البارحة معه من السفر..
زفرت ثم توجهت اليه وقالت بهدوء:
- القميص وسخ ولا زال في الغسيل.. انا لم أغسله بعد.

- لم أستغرب فهذا طبيعي معك.. ان القي الشيء في سلة الغسيل ويبقى بها لمدة أسبوع كامل حتى تقومي بغسله.. يجب ان أفعل كل شيء لوحدي.. كان من الأفضل لي لو انني لم أتزوج.. ما هذه الحياة معك؟ انت مهملة بي وبأغراضي بشكل لم أعد أتحمله!
ألقى كلماته عليها بغضب أقرب الى الجنون..
لم تستوعب.. لم تفهم.. ما الذي يدعو الى كل هذا الكلام؟ ما خطبه حتى يعاملها بهذه الطريقة؟
رأته يجلس على إحدى الأرائك في الصالة فزلفت منه لتقول بجدية:
- محمد لماذا كل هذا الإنفعال؟ انت نزعتَ عنك هذا القميص البارحة فقط وانت تعرف انني لأ أقوم بتشغيل الغسالة الا في أيام معينة وأغسل ملابسك كلها.. انا أبدًا لم أقصر معك بشيء.. وأي شيء تريده دائمًا أحضره لك.

- هل أفهم انني أكذب عليك بكلامي؟
زمجر بعنفوان ووجهه يحمر غضبًا فغمغمت بتأني وصبر يكاد بنفذ في أي لحظة:
- انا لم أقول انك كاذب.. انا فقط اشرح لك ولكن انت الآن تود ان تتشاجر معي بسبب قميص!.. على اي حال سأغسله لك في التو وسأقوم بتجفيفه وكيّه حتى ترتديه خلال دقائق.

- لا، ولماذا...
صمت قليلًا ليتلقط جهاز التحكم عن بعد وإسترسل بقسوة:
- ولماذا تغسلينه؟ دعيه.. لو كنتِ تهتمين في منزلك مثلما تهتمين بنفسك وبهذا وذاك ماذا قال.. وهذا معجب وهذا اعترف لي بحبه لم يكن سيؤول بنا الحال الى ما نحن عليه الآن؟

- محمد انتبه الى الكلام الذي تقوله.
هتفت بجدية لينظر اليها بحاجبين مرفوعين ويقول بتحدي مهين:
- انت مهملة.. لا تفهمين بشؤون البيت والزواج كلها.. وخالتي لم تعلمك كيف تنتبهين وتهتمين في زوجك ومنزلك.

وببرود أعاد نظره ليثبته على شاشة التلفاز الكبيرة..
لا.. لا يجب ان يستفزها.. عليها ان تتحكم بأعصابها.. لن تمنحه ما يركض خلفه بكل جهد..
"حافظي على هدوءك وردي عليه دون تهور"
شجعت نفسها بهذه الكلمات البسيطة قبل ان تأخذ نفسًا عميقًا وتقول:
- هل تفتعل هذه الضجة فقط لأجل القميص أم ان القميص ليس الا حجة ذريعة لإفتعال المشاكل؟ أخبرني فقط حتى افهم.

القى الجهاز بعنف على الطاولة ليصدر صوتًا إنتفض له قلبها الا انها تشبثت بصلابتها ولو في أطراف أصابعها.. ولكنها لن تضعف أمام جبروته.. لن تفعل..
هدر محمد بقسوة شديدة:
- انتِ لستِ مؤدبة ولو كنتِ مؤدبة ما رددتِ على زوجك بهذه الطريقة.. ولكن من أين ستعرفين معنى التربية اذا كان عمي يعطيك الحرية الكاملة وتفعلين كل ما تريدينه؟.. كيف ستعرفين ما هو الأدب وكيف ستحترمين زوجك او من هو اكبر منك سنًا؟

كلماته المهينة لها ولتربيتها إنصبت كسوط عذاب على قلبها ليجهر بألم وإعتراض.. تحشرجت الغصة في حلقها وعلقت هناك دون ان ترأف بها وتسمح لها لتبتلعها.. ماذا فعلت لكل هذا الكلام الكبير جدًا؟ هي لم تفعل شيئًا ولم تخطأ ولو بحرف..
مجرد نظرة واحدة منحته قبل ان تدعه وشأنه وتدخل الى الغرفة فسارع بالنهوض عن مكانه بشر حقيقي وسار خلفها بخطوات سريعة..
ازداد لهاثها المرعوب وكتمت آهة ألم كادت تنبثق من اعماقها حالما حجزها بين جسده المخيف وبين ظهر السرير.. لقد كان شيطانًا حقيقيًا.. مستحيل ان يكون هذا الشخص من البشر في هيئته هذه..
قال محمد بنبرة شيطانية:
- ألم اخبرك انك لستِ مؤدبة ولا تعرفين شيئًا عن الأدب والأخلاق؟ انت ترينني اتكلم فتتركيني هكذا؟

رأت يده ترتفع الى الأعلى على وشك صفعها فحلّ مكان خوفها غضبها لتهتف بتحدي:
- هيّا أضربني.. فالتربية تكون فقط بالضرب!

تطلع اليها بعينين سوداوين.. لم يكن هو.. لا هذا ليس محمد.. هذا أقل ما يقال عنه شيطان بالنار السوداء المستعرة في عينيه..
أنزل يده ثم خرج بعنف من الشقة كلها لتشرد عيناها بما فعله.. محمد لا يبدو طبيعيًا البتة.. لا بد انه فعل مصيبة ما او سمع كلامًا جعله يتحول الى هذا الحال المرعب..
لا يُعقل ان يتعامل معها بهذه الوحشية دون سبب وكأنه يصطنع الحجج فقط..
تغيرت معاملته لها منذ اليوم الثاني من سفره.. كلها يقين ان شيئًا ما حدث.. لا مبرر آخر لتصرفاته..

بعد ساعتين كان يعود الى الشقة وهو يتحدث بهاتفه وحينما دخل المنزل سمعته يقول للطرف الآخر:
- انا وصلت إلى الشقة فأغلق هذا الموضوع الآن.. وسنتحدث به لاحقًا.

علقت هذه الكلمات في عقلها فإنتظرته ان ينام ومثلت بإتقان الهدوء وغرقها في النوم.. وما ان تأكدت من انتظام أنفاسه ومن كونه نائمًا إستدارت بجسدها لتلقي نظرة سريعة عليه ثم جذبت هاتفه الذي كان يضعه بجانب وسادته..
بحثت بإصرار علها تجد ثغرة ما في سجل المكالمات ولم تجد شيئًا يثير الشك ثم دخلت الى محادثاته لتجد ان المحادثة الأخيرة كانت بأخر مكالمة اجراها..
اذًا هذا هو الشخص الذي كان يتحدث معه بطريقة مريبة.. فتحت المحادثة لتجدها كلها باللغة الألمانية وبها العديد من الرموز التعبيرية الغاضبة..

جذبت هاتفها لتترجم المحادثة عبر المترجم الالكتروني..
"لم يكن يجب ان تصطحبني الى هناك وهي موجودة.. انت تعلم جيدًا انني لا احب ان اراها؛؛؛؛
الذي فعلته معها اكبر خطأ.. من المفترض ان لا انسى نفسي بهذه الطريقة.. فانا متزوج وما كان يجب ان اخطأ بهذه الطريقة؛؛؛؛؛
من الأساس انا لست بقادر على الحديث مع زوجتي او حتى اضع عيني في عينها؛؛؛؛؛
إمسح هذه المحادثة كي لا تراها زوجتك وسنتكلم لاحقًا في هذا الموضوع (رد صديقه)؛؛؛؛؛
لا تقلق.. هي لا تفهم اللغة الألمانية فلا بأس"

سواد مريع.. سواد لم ترى له مثيل اغشى بصيرتها.. وصدمة قبيحة.. قبيحة جدًا ما نالته.. وكلمة واحدة ترددت في حواسها كلها ليصرخ بها قلبها.. لماذا؟.. لماذا؟ بماذا قصرت معه؟ بماذا لم ترضيه؟
انهارت حصونها وتشعشع الوجع وكبر من نطفة صغيرة ليصبح وحشًا مرعبًا.. كرهت نفسها.. حقدت عليها ولم توجه أصابع الإتهام الا لنفسها.. هي المذنبة.. هي السبب.. حينما تركها كريم كان الخطأ بها.. هي السبب.. ومحمد ايضًا ذهب وخانها ولا زال لم يمر على زواجهما سنة واحدة.. اي ان النقص بها هي.. الخطأ بها هي..

تزعزعت.. لا بل إنكسرت ثقتها في نفسها وهي تجرب نفس خيبة الأمل والإنكسار للمرة الثانية.. المرة الأولى بهجران كريم لها وهذه المرة بخيانة محمد لها وهنا إنكسر ظهر البعير وأحنى رأسه بخذلان مؤلم..
ستسقط.. لا لا بل هي تسقط.. تتدحرج ببطء قاسي في أعماق الهاوية.. مستسلمة.. منبوذة.. ومخذولة للمرة الثانية..
أعادت هاتفه الى مكانه دون تفكير.. الصدمة كانت قاسية عليها.. لم تعد على هذه الأرض بل بمجرد محادثة قراءتها صارت تحت الارض.. يا ليتها لم تقرأ هذه المحادثة.. يا ليتها لم تعرف..

غادرت الغرفة وهي تبصر ولكن لا ترى.. لا شيء واضح.. غشاشة أعمتها.. انتشلتها من الوعي الى اللاوعي.. هي تنهار.. تنهار حرفيًا..
كالغريق كانت تراسل صديقتها المقربة.. يجب ان تنتشلها من هذا الوجع التي تكاد تغرق بكل سهولة بين امواجه.. قصت عليها كل الذي قرأته..
كل حبه لها كان كذبًا.. كان مخادعًا محتالًا ليخدعها بهذه الطريقة.. ام ان الخلل بها هي وهي من جعلته يمل منها بهذه السرعة؟..

فكرة واحدة سيطرت على عقلها.. هي السبب.. النقص بها هي وهذا الشعور بشع.. بشع جدًا.. والمه قاتل بكل ما للكلمة من معنى..
كانت واثقة به.. كانت واثقة لن يخونها ابدًا.. كانت تثق به كالعمياء.. منذ يومين فقط كانت تقول يا ليتني احبه مثلما يحبني.. لا يستحق ان اجرحه ولو بكلمة.. منذ يومين فقط كانت تقول هذا الكلام لصديقتها ليسا.. والآن ماذا؟ كان كل هذا سرابًا.. تدمر كل شيء وانتهى!

*********************
إقتنعت بكلام صديقتها ليسا التي مدتها بطاقة كانت تتوسلها بعد ان هدم محمد ثقتها بنفسها.. الخلل به هو.. هو المخطئ.. هذا ليس وقت الضعف والإنكسار.. لا يجب ان يحطم احد ثقتها بنفسها..
لم يطرق النوم ابواب عينيها الا بعد الفجر.. قضت الليل بطوله تفكر بما ستفعله.. الصدمة التي تعرضت اليها قاسية جدًا ولكن انتهى وقت الضعف..
لقد رثت نفسها وبكت حسرتها مع الليل والآن آن وقت إرتداء قناع القوة.. ممنوع ان تبقى معه ابدًا.. دومًا كانت تهدد وتتكلم عبثًا ولكن هذه المرة ستنفذ.. ستتركه وتفضحه.. ستكسره كما كسر قلبها الذي قرر ان يحبه..

وعدت نفسها ان هذا هو الانهيار الأخير وهذا النحيب والبكاء سيبقى كالعصاه تستند عليها كلما تكاد تضعف..
الآن سترمم شظاياها التي تسبب بها وستعيد بناء نفسها بالطريقة التي ترغب..
نفثت عن كل ضغطها السلبي واخذت بطانية خفيفة من الغرفة ونامت ربما لساعة او لساعتين في الصالة قبل ان تستيقظ على شعورها بيده تهز كتفها بلطف وهمسه المحتار يصل الى أذنيها:
- آلاء استيقظي.. لماذا تنامين هنا؟


بصعوبة شديدة فتحت عينيها.. صداع رهيب هاجم رأسها.. أبعدت يده بقوة وجلست تحاول السيطرة على الدوار الذي انتابها بينما تسمعه يتساءل:
- لماذا نمتِ هنا؟
تجاهلته ودخلت الى الغرفة لتحضر هاتفه ثم وقفت امامه وفتحت المحادثة التي كانت بينه وبين صديقه وقالت:
- ما هذا؟
لم يهتز جموده وهو يرى المحادثة وقال بثبات غريب:
- هذا عمل.. لماذا تلعبين بهاتفي؟
ثم مده يده لجذب الهاتف الى انها ابعدت الهاتف بعيدًا عن متناول يده وهزت رأسها بتهكم:
- عمل اذًا.. اليس كذلك؟
فتحت المترجم امامه وقرأت له معنى المحادثة ليتغير تعبيره ويذوب جموده ويحل مكانه الخوف، العصبية والصدمة...
- لحظة..
قال ثم جذب الهاتف وتابع:
- انت فهمتِ الموضوع بشكل خاطئ.. الأمر ليس كما تعتقدين.. لم يحدث شيئًا ولن يحدث من الأساس.
- لا يهمني اذا حدث او لا.. الآن حينما يأتي والدك ووالدي اشرح لهما كما تشاء.
القت كلماتها الغاضبة في وجهه ثم توجهت الى الغرفة لتقف على السرير وتنزل حقيبة السفر من فوق الخزانة..
وقف محمد بجانب الباب وقال بتوجس:
- ماذا تفعلين؟
هدرت به بعنف:
- اخرج من هنا.. انا لا اريد ان اتحدث معك.. وليس لي اي كلام معك بعد الآن.. كلامك سيكون مع اهلي واهلك.. انت لم تعد تهمني!
- آلاء.. لقد قلت لك ان لم يحدث شيئًا فإفهمي.
هتف محمد وهو يشعر بإهتزاز عالمه لتصيح آلاء بعنف:
- لا اريد ان افهم اي شيء.. هذه ليست مشكلتي.. انت لا تهمني.. هل تفهم ام لا؟ وهيّا اخرج.
- ماذا تقصدين؟
تساءل بخوف ظهر رغمًا عنه في صوته لتنظر اليه بوحشية وتزمجر بجنون قبل ان تعاود وضع ملابسها وأغراضها في الحقيبة:
- أخرج!!!
- مستحيل.. مستحيل ان ادعك تخرجين وتغادرين!
هتف بجنون هو الآخر وسحب الملابس من يدها رغمًا عنها لتدفعه الى الخارج بقوة عجيبة نسبةً لصغر بنية جسدها وأخذت تصرخ بإنفعال مقهور:
- سأخرج واغادر شقتك هذه رغمًا عنك.. هل تفهم؟ لم يعد هناك اي شيء بيني وبينك.. انتهت علاقتي بك..فكفى اتركني وشأني!
أوصدت باب الغرفة عليها وتابعت لملمة اغراضها ووضعتها في حقيبتها.. دون ان تبكي.. دمعة واحدة لم تسيل ولو رغمًا عنها من عينيها.. فقط تصرخ وتصرخ.. ربما هذا بسبب الألم ورغبتها بالتماسك وتركه..
قوة نادرة لم تكن تعلم انها موجودة بها يومًا تم زرعها في قلبها.. محمد مجرد صفحة قديمة بالية وتم حرقها.. هي حتى لن تطويها بل ستحرقها حتى لا يبقى لها اثر في حياتها ابدًا..
- آلاء ارجوك اسمعيني.. فقط اهدأي واسمعيني.. الأمر ليس كما قرأتِ واعتقدتِ.. والله لم يحدث شيئًا أقسم لك بالله العظيم.
هتف محمد بتوسل وهو يطرق باب الغرفة.. يرجوها فقط ان تفتح الباب لتسمعه وبعد ذلك لتفعل ما تشاء.. ولكن لا تتركه.. لا يجب ان تتركه.. يجب ان تسمعه.. لن يدعها تغادر.. لن يتركها.. محال ان يفعل..
إتصلت بعمها وبأخويها محمود وايلام حتى يأتوا بشكل فوري بعد تهديدها المجنون لهم..
بقيت تنتظرهم في الغرفة بينما انسحب محمد ليدخن بشراهة في الشرفة.. يجب ان يفكر.. يجب ان تسمعه ولو رغمًا عن أنفها.. سيجد حلًا وهي ستهدأ.. لا بد انه سيجد!
كانت تعلم ان الأصوات هذه وصلت الى كريس وليبان ولكن يا للعجب لم تبالي! سيتشمتون وليفعلوا وليحترقوا بنار جهنم! فالآن هي تكره كل الرجال.. كلهم دون استنثناء.. كلهم سواء..
سمعت صوت جرس الباب فأدركت انهم وصلوا وحانت اللحظة الحاسمة.. فتح محمد لهم الباب بذات اللحظة التي فتحت باب الغرفة..
خرجت من الغرفة تنظر اليهم كلهم بشموخ امرأة جبارة.. امرأة تناقض تمامًا ما كانت عليه البارحة.. وكأنها لم تبكي ابدًا.. وكأن لم ينكسر لها طرفًا..
- ماذا هناك؟ ما الذي حدث؟
- لم يحدث شيئًا.. تفضلوا الى الداخل.
قال محمد ليدلفوا وتجلس آلاء وسط اخويها بينما تسمع عمها يقول:
- آلاء.. ماذا حدث؟
تطلعت الى عمها بهدوء واجابت:
- عمي لقد قلت لي أي خطأ يرتكبه ابني تعالي الي واخبريني.. وبكل صراحة يا عمي اخطاء ابنك كثيرة.
ثم حدجت محمد بإستحقار وملامح وجهها تتحول الى التقزز بطريقة مهينة وتابعت:
- انا اخجل ان اتي اليك كل يوم واخبرك ان ابنك فعل هذا وهذا.
ببطء اخذت تتحول ملامح سليم الى الغضب..
- ماذا فعل ابني؟ ما الذي حدث؟
تمتمت آلاء بإستهزاء:
- بل لتقول يا عمي ما الذي لم يحدث وماذا لم يفعل!
- آلاء!!
غمغم محمد برجاء وصل اليها واستغلته حتى الرمق الأخير فهتف سليم بحدة وتحذير:
- لا اريد ان اسمع صوتك حتى تنهي كلامها.. اصمت فقط.. اخبريني يا ابنتي.
دون تردد إنطلقت تفضح عيوبه كلها امامهم.. وبالأخص امام والده.. اكثر ما يهمها ويهمه.. الم يحذرها من القول امام والده انه يشرب الخمر؟.. لقد هددها كثيرًا فيما سبق وليتحمل الان حقدها الى اين سيصل به:
- ابنك يشرب الخمر والحشيش ولم يبقى شيئًا وسخًا على هذه الأرض الا وفعله ولكنني تغاضيت عن ذلك.. كل يوم مصيبة مختلفة وأمرر له افعاله واصمت على أمل ان يتغير ويتوقف عن افعاله هذه.. ولكن ان يسافر بحجة العمل لينام في حضن امرأة ثانية وبدلًا ان يأتي ويكفر عن مصيبته ويصحح خطأه يتشاجر معي ويصرخ علي على اتفه الأمور ويهينني ويقول لي انني عديمة تربية!!! فهذا ما لن اصمت عليه.. لقد نلت منه من ضرب وشتائم ما يكفي وبقيت صامتة يا عمي.. وفي النهاية كنت انا عديمة التربية والاخلاق!.. فقط اتساءل ما هي التربية بنظر ابنك؟.. لقد فعل بي الويل والويلات.. لم اعيش معه الا بضعة اشهر وشعرت انني هرمت وكبرت اكثر من عشرين سنة.. اذا كنت انا هكذا في نظره ولا اعجبه فلماذا تزوج بي من الاساس؟
غضب فظيع وإستنكار عظيم كان تعبيرهم الوحيد.. لقد اصبحت الورقة مكشوفة وما عاد هناك شيء مخفيًا تحت الطاولة.. فضحته.. وما هذا الا بداية ثأرها قبل ان تتخلص منه نهائيًا..
هتف محمد وهو يشعر ان الأرض تميد به وفي أي لحظة ستوقعه على وجهه.. لقد أخرجته في اسوأ صورة امامهم..
- انتم فهمتوا الموضوع بشكل خاطئ.
ثم تطلع الى آلاء وإستأنف بعصبية:
- وانت لا تنفثني عن كل سمومك بي وتحرقيني بها فقط لأنك غاضبة.. انا لم أقصر معك ابدًا.. صحيح انني لدي تصرفات خاطئة ولكن ليس بالصورة التي تحاولين اظهارها.. وانا احاول ان اغير من نفسي كما وانني توقفت عن بعض الامور لاجلك... انا لست بهذا الانحطاط التي وصفتيني به!
رفع سليم كفه بإشارة واضحة لابنه ان يصمت ثم هتف بنبرة صوته القوية المستحكمة:
- كفى! لا اريد ان اسمع صوتك.. يبدو انني لم احسن تربيتك.
ثم وجه حديثه لآلاء:
- وانت كل الذي تريدينه سيتحقق ولكن مع ذلك انت مخطئة فكان عليك منذ البداية ان تأتي وتقولي لنا عن كل افعاله لا ان تبقي صامتة الى ان يفرد عضلاته عليك ويبالغ في اخطاءه حتى يصل الى هذه المرحلة.
- انا لا اريد من ابنك شيئًا.. منذ اليوم الذي تزوجت به
وانا مرهقة.. تغاضيت عن كل شيء ولكن هذا الموضوع لن اقدر على تمريره له.. انا سأذهب مع محمود وايلام وهو سيطلقني.
قالت بقرار حازم لا رجعة فيه ثم تطلعت الى الجحيم المتأجج في عينيه.. وإبتسمت بينها وبين نفسها بإستهزاء.. هذا الجحيم وتبدل خريف عينيه ليحل مكانه سواد قاحل لطالما كان يخيفها لا زال للأسف يخيفها.. حتى الآن وهي وسط اخويها وبحمايتهما وبحماية والده لا زالت تخاف جحيمه وجنونه..
إبتلعت ريقها بصعوبة ثم إسترسلت فلن يهز عرش قوتها بعد الآن.. ستصمد حتى النهاية:
- لقد مررت له الكثير يا عمي ولكن اعذرني هذا الخطأ لن أمرره له.. لن استطيع.. كما يبدو اني لا اعجب ابنك بما يكفي حتى يبحث عن النساء في الخارج ليستمتع معهن.. ليفعل ما يشاء وليوفقه الله ولكن بعيدًا عني.
-----------------------
يتبع..
الفصل طويل جدا جدا..
ما تنسوا التفاعل..
قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:09 AM   #32

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السابع وعشرون

- انهضي يا ابنتي ولملمي اغراضك حتى تذهبي مع اخويك.. وانا سأزور والدك الليلة لنرى ماذا سنفعل.
قال سليم بنبرة متزنة فعليه ان يأخذ الأمور بحكمة وتروي لينظر في الأمر بشكل أدق وأوسع.. وغير ذلك عليه الحديث مع ابنه.. حديث مختلف حول كل ما سمعه من آلاء..
تطلع ايلام ومحمود الى محمد بغضب ثم أيدا عمهما بقولهما:
- هيّا انهضي.

- لن تغادر لأي مكان.. لن تذهب.. ممنوع!
هتف محمد بحدة والذعر يقرع طبوله داخل قلبه.. غضب لم يرى له مثيل يومًا.. ورمالها التي تتسرب من بين اصابعه تزيد من غضبه.. هو لم يخونها بالمعنى الحرفي.. لن يفعل ولن يسمح لها بمغادرة مكانها..
عيناه غامتا بقسوة خوفه من فقدانها بطريقة أخافتها.. الا ان جواب والده أتى لها كطوق نجاه لتتشبث به بإرادة حديدية وتنهض..
- انت أصمت.. لا اريد ان اسمع صوتك.

طيلة الطريق وهما يؤنبانها ويلومانها لأنها لم تخبرهما منذ البداية عن افعال محمد وكأنها "مقطوعة من شجرة".. ولكنها كانت جاهزة لهذا العتاب فردها كان:
- والآن انتما تعرفان كل شيء.. لنرى ماذا ستفعلان.

وإستمر العتاب في منزل أهلها من قبل والديها..
- لماذا يا آلاء؟ هل أتيت من الشارع ام تعتقدين ان ليس لديك أهل وعائلة أم انك تتوقعين انك حينما تشكي الينا سنقول شؤونك ليست من شأننا؟
- أبي.. الأمر ليس كذلك.
- ماذا اذًا؟

كادت ان تلومه.. ان تنهل عليه بعتابها القديم والذي لا زال لم يندمل حتى هذه اللحظات.. كادت ان تقول له ان السبب هو موقفهم الذي خذلها بعد ليلة زفافها.. كادت ان تقول له انها تحملت كل شيء بسبب صلة القرابة التي هي اهم من مصلحتها وسعادتها.. هذه الصلة القريبة المشؤومة التي وصلت بها الى ما هي عليه الآن.. كادت ان تلومهم.. ان تشكو لهم.. ان تعاتبهم.. كادت ان تلعن وتسب زواج الأقارب التعيس.. زواج لا يعاني به الا الزوجة وفي بعض الأحيان الزوج للحفاظ على الرباط الأسري..
كادت وكادت ولكنها لن تفعل فوالدها مريض بالسكري ولن يتحمل.. لذا قالت:
- هل انا المخطئة الآن؟

- اجل انت مخطئة لأنك سكتِ الى ان وصلت الى هذا الحال وبعد ذلك فقط قررتِ ان تتكلمي.
هتف والدها بجدية فهزت رأسها بأسى.. بالتأكيد هي مخطئة وهم السبب..
وعلى نقيض الكلام الذي ينطقه عقلها وقلبها همست:
- صحيح، انتم على صواب.. انا مخطئة.. اعتقدت انني أجيد إصلاحه او الحفاظ على بيتي ولكن النتيجة كانت عكسية.

قال رحيم بلطف:
- لم يعد يهم الذي مضى.. ما يهم الآن الذي تريدينه انت.
بإنطلاق هتفت آلاء:
- انا اريد الطلاق.. لا اريد ان أعود اليه ولا يهمني كلام الناس ولا ماذا سيقول اخي واختي كما تقولون يا ابي لأن في النهاية حينما يُغلق الباب علينا سأكون انا لوحدي معه وليس انتم.. وخاصةً بعد الكلام الذي قلته لوالده لن اعود اليه فهو لن يمرر لي الذي حدث ولذلك حلمه بأن اعود اليه سيكون كحلم ابليس بالجنة.

- حسنًا.. انهضي الان وارتاحي في غرفتك.
قال رحيم بنبرته الرزينة قبل ان ينظر الى زوجته حتى تتبع ابنتهما..
وقفت جميلة بجانب ابنتها التي تربعت على فراش السرير وسألتها بعتبٍ:
- انت لماذا هكذا؟

- ماذا تقصدين؟
همست آلاء بعدم فهم فتنهدت جميلة ووضحت بنبرة لا تخلو من الحزن:
- البنت صديقة أمها.. وبنات العائلة كلهن صديقاتي الا انت بعيدة عني.. انا لا اعرف عنك كل شيء.

- لأنني أخاف ان اقول لك شيئًا عني.. صحيح ان كل بنات العائلة صديقاتك وجميعهن يخبرنك أسرارهن الا انا غيرهن.. اسألي نفسك يا أمي لماذا اعتبرك أمي فقط ولا أمنحك مكانة الصديقة او الشقيقة.. اسألي نفسك لأنني حينما اشكو اليك او اخبرك شيئًا تغضبين مني.
غمغمت آلاء بوجع فتشنجت تعابير جميلة وبررت بنبرة مستميتة:
- لأنني اخاف عليك فأغضب.

- اذًا لا تلوميني او تحاسبيني.
تمتمت آلاء بجمود فسكتت جميلة دون ان تجد شيئًا تقوله وتبرر موقفها لإبنتها التي لا تفهما كما يبدو لها ثم خرجت من الغرفة لتهمس آلاء وهي تغمض عينيها بوهن:
- بالضبط.. هذا الذي أقصده.. أمي وفقط أمي!

**********************
- وضب أغراضك حالًا.. لن تبقى دقيقة أخرى في هذه الشقة.
هذا اخر ما قاله والده قبل ان يغلق الشقة ويغادرها برفقة ابيه..
في ليلة وضحاها إنقلب كل شيء.. غادرت بيته.. تخلت عن النوم على صوت انفاسه تلفح عنقها.. تخلت عن وجودها في محيطه.. بل وتجهر بكونها لا تريده بعد الآن.. تجهر بالطلاق وبقوة..

ضربت تحذيراته لها عرض الحائط وفضحته امامه والده.. تسببت له بمشاكل ليست لها نهاية بسبب محادثة لعينة فهمتها بشكل خاطئ.. هو لم يخونها بالشكل الذي قرره عقلها.. كانت لحظة ضعف لأقل من ثانية.. كانت ماتيلدا صديقته الألمانية الذي كان على علاقة عابرة بها الا انها كانت تحبه وتنتظر ولو فرصة واحدة ليعود اليها رغم علمها انه متزوج..

لم يكن يعلم انها ستكون موجودة في السهرة التي ضمت معظم اصدقاءه المقيمين في المانيا.. كانت حفلة صغيرة من حفلات الشعب الأوروبي في البيوت.. لم يكن يعلم انها ستكون موجودة حينها واللعين صديقه كان يعلم الا انه اصطحبه الى هذه الحفلة..
لم تصدق ماتيلدا السعادة التي غمرتها وهي تراه امامها بعد كل هذه السنوات.. مجرد ليلة واحدة قضتها معه.. تعلم انها كانت عابرة بالنسبة له الا انها لم تكن ابدًا كذلك بالنسبة لها.. هي كانت تحبه ولا زالت تكن مشاعر تجاهه رغم علمها بزواجه..

نظراتها لم تفارقه طيلة السهرة.. نظرات حميمية يدرك مغزاها جيدًا ثم إقتربت منه بلا مبالاة للموجودين وأخذت المشروب الذي كان في يده وشربته وهي تنظر اليه بطريقة مغرية..
وضعت الكأس جانبًا بينما بقي محمد يتطلع اليها بجمود فإبتسمت له ثم احاطت عنقه بذراعيها وقبلته بحرارة مشاعرها تجاهه..

في البداية لم يتفاعل مع هذه الفاتنة التي تجيد الإغراء.. امرأة طويلة بشعر أشقر وبشرة بيضاء.. اما عيناها فكانتا عسليتين.. ومشاعرها المتشتعلة تجاهه جعلته يخون العهد الذي قطعه على نفسه.. وجعلته ينسى قلبه الموسم بعشقه لتلك القصيرة التي تركها في بلجيكا وبادلها القبلة لأقل من ثانية قبل ان تصفعه حقيقة إنجرافه وراء إغواء هذه العابثة التي جذبته الى زاوية جانبية..

وفي الواقع لم يكن أي احد من الموجودين يركز بما يحدث في كل منهم لديه شريكة اما يمرح معها وإما يبادلها عاطفته سواء كان للمتعة العابرة او لمشاعر حب حقيقية..
إبتعد عنها كالملسوع وهو يتذكر طعم شفتين مختلفتين.. مستديرتين ومنتفختين.. شفتين ناعمتين وردتين كانتا ولا زالتا الشهد الوحيد الذي يستغيسه.. ثم دفعها عنه بعمق وخرج من الشقة كلها..

كره نفسه وكره تلك الماتيلدا.. أحس نفسه خائن وأخذ يلوم نفسه على انجرافه ولو للحظات بهذه القبلة..
مسح شفتيه بعنف وملمس شفتا امرأته يعاود الإحساس به فتنتابه قشعريرة قاسية.. ورعب حقيقي يزحف الى قلبه وهو يفكر ماذا لو عرفت؟ فالذي حدث كان امام كل هذا الخفر.. الذي حدث ما هو الا خيانة حتى ولو لم تكن خيانة كاملة..

غضبه من نفسه وخوفه من فقدانها جعله يقسو عليها قبل ان يقسو على نفسه.. يجرحها هي قبل ان يجرح نفسه.. كان وكأنه يثأر من خطيئته بها بكل غباء.. كان مرعوبًا.. خائفًا.. متوترًا..
وفي النهاية عرفت وغادرت.. دون ان يبرر لها الذي حدث.. وانه ما كان لينظر الى امرأة غيرها.. ولكن تلك الحقيرة هي من دنت منه وحاولت إغواءه وإستدراجه لقضاء ليلة كاملة معه الا انه لم يكن ليفعل.. لم يكن ليفكر بخيانتها بعد ان أصبحت اخيرًا له..

ليتها سمعته قبل ان تتصل بوالده وأخويها.. يحق لها ان تعاقبه ولكن لا ان تطلب الإنفصال عنه.. حتى الرمق الأخير من حياتها ستبقى له.. زوجته.. امرأته.. حبيبته..
هي انتقمت.. وانتقمت شر انتقام حينما أنزلت مستواه في نظر والده الذي كان يثق به ثقة عمياء.. انتقمت وهي تكسر اهم قاعدة وهي السرية التامة لكل شيء يحدث بينهما..

القت قنابلها وغادرت ليبدأ العد التنازلي لدوي الإنفجار.. ودوى صوت الإنفجار قويًا.. خانقًا.. ومهينًا..
حيث هدر والده بعصبية شديدة:
- خمر وحشيش يا محمد! خمر وحشيش! أهذا هو قدوة البيت؟ اهذا هو كبير البيت من بعدي؟ يا للعار! يا للعار الذي تسببت لي به وزوجتك تقول لي عن أفعالك السوداء وكأنها لم تطيقك.. ويحق لها.. يحق لها ان تنفر منك وان تهجرك ايضًا.. من هذه التي سترضى بزوج مثلك يشرب الحشيش والخمر؟

أطرق محمد برأسه وغضبه يزداد ويهتاج.. لا يستطيع الرد على والده ويكره ان يخيب ظنه به.. الا والده لا يحتمل..
تابع سليم بذات الغضب:
- تستقوي على ابنة عمك؟ في كل مرة يجب ان تضعني بموقف محرج مع عمك وتخذلني.. دومًا تجلب العار لي.. ألن تكبر وتعقل؟ ظننتك تزوجت وعقلت ولكنك لا زلت مراهقًا متهورًا وكأنك لستَ في عمر الإثتنا والثلاثين.

ثم إقترب من محمد وهدر وهو يمسكه من تلابيب قميصه:
- خمر! خمر! تشرب الخمر رغم رفضي الشديد له فيما سبق! وحشيش! أتريد ان تفقدني عقلي ام انك تريد ان أغضب عليك واتبرأ منك؟

- أبي..
حاول محمد الحديث الا ان سليم دفعه بعنف وهدر رافعًا كفه في وجهه:
- إخرس.. إخرس.. لا اريد سماع صوتك.. هل تريد مني ان أقف بجانب المرأة التي لم تعد تريدك وأساعدها على الطلاق؟

- انا لن أطلقها ولو كان هذا أخر يوم بعمري.. لا احد سيبعدها عني.
هتف محمد بحدة ووجهه يحمر بإنفعال مخيف وعيناه تتوحشا بطريقة همجية.. وصل الى اذنيه هسيس انفاس والده المحتقنة الا انه لم يغير رأيه او يتنازل.. لا احد في الوجود سيجعله يطلقها.. هي له وستبقى له..
رأى يد والده ترتفع بنية صفعه فأدار محمد وجهه بإنتظار الم الصفعة.. ولكن يد سليم توقفت في الهواء ليكورها على شكل قبضة ويقول:
- عيب على عمرك ان يضربك والدك.. ولكنك لا تعرف ما هو العيب ولا ما هو الحرام.

في هذه اللحظة لم تقاوم سميرة الإنتظار بجانب الباب مع غياث وعدم الدخول ففتحت الباب ودخلا الى الغرفة لتقول:
- ماذا فعل لكل هذا الكلام يا سليم؟ دعه على الأقل يشرح حتى نعرف كيف نتصرف.. لا بد ان هناك ثغرة ما.

- أبي هي كانت غاضبة مني لأنها ظنت انني خنتها.. انا لم أخونها.. وكانت مجرد مرة واحدة اخطأت بها وتهورت بتناولي الخمر.
هتف محمد بجدية ليعتري الضيق قلب سميرة.. منذ اليوم الذي تزوجها وهو يعيش بتعاسة ومشاكل والآن تريد ان تنفصل عن ابنها!.. ثم اردفت:
- لنفهم منه اولًا يا سليم.. في النهاية هذا ابنك.

*********************
تطلعت الى سقف الغرفة بعد ان انهت المكالمة مع غياث الذي اتصل بها ليعاتبها على الإنقلاب النعيف الذي تسببت به لمحمد مع والده.. إبتسمت بلؤم فهو يستحق.. أيخاف من والده بدلًا ان يخاف من رب العباد؟ يستحق.. يستحق.. يستحق.. ليتربى من جديد فهو قليل تربية..
لن تعود اليه.. كيف تعود اليه وهي لا تثق به.. كيف تعود اليه بعد ان لمس امرأة غيرها.. مجرد رجل شهواني لا يكتفي بها لإشباع رغباته؟ مهما قالوا ستستمر بمقاومتها ولن تعود..

يكاد رأسها ينفجر من الصداع.. هي تخافه.. وبعد كل الذي قالته وتسببت به لا تعتقد انه سيمرر كلامها مرور الكرام .. فمحمد على الحرف الواحد يحاسبها..
أوجعها قلبها.. عندما بدأ يميل فانوس الحب قلبها يخونها.. هي بدأت تحبه وفي المقابل...؟ كيف ستسامحه على اثمه هذا؟ ليته خانها قبل ان تحبه.. على الأقل ما كانت ستهتم الى هذا القدر..
توقف تدفق افكارها التي تصارع بعضها البعض بصوت شقيقها الذي طرق الباب ليخبرها بوجود عمها مع ابيها وطلبهما منها الذهاب اليهما..

جلست امامهما تستغيث الله ان يمدها بالقوة.. فهي تعلم.. اكثر من تعلم ان هذه المواجهة تحتاج قوة..
بعد ان ردت على سؤال عمها عن حالها قال والدها:
- عمك لديه كلام يود قوله لك.

تطلعت الى عمها ليقول بحنو جاد:
- يحق لك ان تحزني يا ابنتي وان تتخذي موقفًا ولكن لو ان إحدى بناتي اتت الي سأقول لها تحملي يا ابنتي وعدلي أطباعه وأخلاقه ونحن ليس لدينا بنات تطلب الطلاق.. الذي يخطأ نعيد تربيته ونعلمه الى ان يسير على الطريق الصحيح لا ان نلملم اغراضنا ونترك البيت ونغادر.. دائما تحصل مصائب ومشاكل ولكن الحياة تستمر ولكن بالتأكيد دون طلاق.. انت تعرفين ما هو الطلاق؟ هذه الكلمة "الطلاق" ليست سهلة ابدًا.

نفس الموال.. ونفس الكلام الذي لا معنى له يتكرر.. ولكن محال! هذه المرة لن تصمت.. لذا هتفت آلاء بنبرة قوية:
- لا يا عمي.. انا لا اعرف ما هو الطلاق ولكن بفضل ابنك سأعرف.. اذا كنتم تريدون إعادة تربيته فلتفعلوا بعيدًا عني.. يسير على الطريق الخطأ او على الطريق الصحيح.. هذا لا يهمني ولا يعنيني.. وانت حر يا عمي ببناتك اذا ترضى لهم هذا الشيء ام لا.

- آلاااء.. تحدثي بطريقة مهذبة أكثر مع عمك.
زجرها رحيم فأوقفه سليم بهدوء:
- دعها تتابع كلامها.

- أبي.. عمي على رأسي وانا اتكلم بطريقة مؤدبة ولكنكم لا تفهمون.. انا تعبت.. تعبت.. لست مجبرة على البقاء ليوم واحد معه وتحمل مصائب جديدة.. حتى.. حتى الذي في بطني ربنا أخذه مني بسببه هو وبسبب افعاله.. انا لا اؤتمن على نفسي معه.. لماذا لا تفهمون هذا الشيء؟
هدرت بيأس ونبرة صوتها تتحشرج بغصة بكاء.. لم تعرف كيف أخذت دموعها تنساب على وجعها.. وشهقاتها تطفو فوق الأسطح.. يريدون ان يعيدوها اليه.. لماذا؟ لماذا يريدون ان يسيقوها الى حبل الإعدام مرة أخرى؟ لا لا.. هذه المرة لن تصمت لهم.. ستدافع عن نفسها وستقص عليهم كل افعاله الشنيعة بحقها منذ سفره الأول الى المانيا حتى سفره الثاني وطريقة تعامله معها..

انهارت تماما وهي تصيح ببكاء:
- كيف تريدون مني ان اعود اليه وحينما كنت مريضة ودرجة حرارتي مرتفعة ووصلت الأربعين ولولا محمود بعد الله الذي سهر يعمل لي الكمادات يقول لي "انت كذابة.. تفعلين كل ذلك حتى اعود وتفتعلين المشاكل.. انت تتدللين لا اكثر".. بعد كل هذا تقولون سنقوم بتربيته!!! اذهبوا وإفعلوا فهذا ليس من شأني وليعلم انني مستحيل ان اعود اليه.. اذا كان لا يريد ان يطلق فلا يفعل اذًا ولكن انا أعتبر ان طلاقي منه قد تم ولم أعد على ذمته منذ اللحظة التي عرفت بها ماذا فعل.

ثم دون ان تبالي بالنظر اليها كانت تركض الى غرفتها.. أوصدت الباب خلفها وهمست لنفسها بتشجيع بينما تزيل دموعها:
- لا تبكي.. لا تبكي.. لا يستحق دموعك.. محمد مجرد صفحة قديمة واحترقت!

**********************
لقد ضربه! ايلام ضرب محمد..
بقيت في غرفتها بينما تسمع والدها يصيح بإيلام ووالدتها ترجوه ان يهدأ وتقول:
- دعه.. قلبه محروق على شقيقته.
لم تتجرأ ان تخرج وتستفسر ولكن يكفيها السعادة التي طغت على كل احاسيسها.. لقد ضربه! رباه لن يكون هناك احد اكثر سعادة منها في هذه اللحظة.. انه يستحق.. قلبها الذي حقد عليه اخيرًا هلهل بتشفيه بما ناله من ايلام..

كتمت تنهيدتها بقلب جريح حينما دخل ايلام ومحمود الى غرفتها.. قعد محمود على طرف السرير بينما بقي ايلام واقفًا بجانب خزانة ملابسها يرتكز عليها بجسده..
نظرت اليهم بإنتظار البدء في كلامهم وكان اول من تكلم هو ايلام الذي قال:
- ذهبت وضربته وغضب مني والدي بسببك.

إبتسمت آلاء بسرور:
- سلمت يداك والله ولكن طمئن فضولي وأخبرني كيف ضربته.

- ليس من شأنك.
هتف ايلام بحنق مضحك فقال محمود بجدية تامة:
- الذي فعلته كان خطئًا.. فمحمد قبل ان يكون زوج اختنا يكون ابن عمنا وخالتنا.

- لا تقول زوج أختنا.. كل شيء بيني وبينه انتهى.
هتفت آلاء بضيق شديد.. مجرد ارتباط اسمه بأسمها كزوج لها يزعجها ويغضبها..
فتفهم محمود انفعال شقيقته وقال مترويًا:
- آلاء نحن سنأخذ حقك منه.. لا جدال او نقاش حول هذا الأمر.. ولكن طلاق... صعب جدا.. وقد قال لك ابي مسبقًا انه سيأخد لك حقك ولكن دون طلاق فلن يرضى أحد بالطلاق.

إندفعت آلاء واقفة بحركة هجومية عنيفة وهدرت دون تفكير وغضبها يقودها الى هاويته:
- لماذا لا تودون ان تفهموا انني لن أعود اليه؟ مستحيل ان اعود اليه.. اذا كنت اشكل عبئًا عليكم وتشعرون انني شخص زائد وسطكم فأخبروني لأذهب في حال سبيلي.. سأستطيع تدبير نفسي.. ولكن اذا تقولون عودي اليه فسأحرق نفسي ولن اعود.. هل تفهمون ام لا؟ وهذا الكلام جديًا وليس مزاحًا او مجرد تهديد.

- اهدأي وتكلمي دون العصبية هذه.. نحن لسنا محمد حتى تغضبي هكذا فإهدأي.. وممنوع ان تقولي هذا الكلام مرة أخرى.. من اين اتيت بهذا الكلام؟ عبأ.. فرد زائد.. وتجيدين تدبير نفسك!
هتف إيلام بصرامة وحدة فقال محمود بنفاذ صبر:
- إهدأ يا ايلام... وانت ايضًا يا آلاء اهدأي.. نحن اتينا لنتناقش لا ان نتشاجر.. نحن نقدر وضعك ونعرف انك الآن مقهورة وموجوعة.. ولأننا خائفين عليك نتحدث هكذا معك.. بإمكانك البقاء كما تريدين وترغبين هنا.. سنة.. الف.. لن يقول لك احد اذهبي او انك اصبحتِ حملًا ثقيلًا فوق رؤوسنا.. انت شقيقتنا ونحن لا نرضى لك بالأذى.. ولكن يجب ان تعرفي ماذا سيحدث.. لن يوافق احد على الطلاق.. ولا نريد ان نكذب عليك ونقول كل الذي تريدينه سيحدث.. وفي المقابل لا نقول انك ستعودين الان اليه ولكن يجب ان تعلمي على الأقل معنى الصورة التي ستتضح لك بشكل عاجل.

- لن اعود اليه الآن ولا لاحقًا يا محمود.
هتفت آلاء بإصرار فقال ايلام:
- انت اكثر واحدة تعرف ان هذا الشيء ممنوع عنا في العائلة.. نحن نمنحك الحرية والثقة وبإمكانك فعل كل ما ترغبين ولكن الطلاق مستحيل.. لا احد من بيت عمي سيوافق على الطلاق او يساهم به حتى.

هنا فقط فتح رحيم الباب وتقدم منهم ليؤيد كلام ابنيه بقوله:
- كلام اخويك صحيح.
- ولكن عمي قال لي انه سيحقق لي كل الذي اريده.
غمغمت آلاء بحاجبين معقودين وحدقتين ثائرتين فزفر رحيم قبل ان يصارحها القول:
- مجرد كلام حتى تهدأي وليس أكثر.. هو يعرف جيدًا ان ابنه مستحيل ان يطلقك.. وانت ايضًا تعرفين كذلك الأمر.. وعمك يراوغك فقط حينما يقول ان كل الذي تريدينه سيحدث.. فهو بنفسه يرفض الطلاق.. وعندما كان هنا قال لي حاول ان تهدئ ابنتك وتنصحها.

- يعني ماذا الآن؟
تساءلت بغضب مكتوم فأجابها رحيم:
- حاليًا لا جديد.. ستبقين هنا في المنزل وبعد ذلك سنرى الحل مع محمد.

- لتروا.. لتربوا.. هذا يعود اليكم.. إفعلوا كل ذلك بعيدًا عني.. انا لن اعود اليه.. إفهموا ذلك.. واذا اردتم ان تجبروني على العودة اليه إما سأهرب وإما سأحرق نفسي والقرار بين أيديكم.. وليفيدكم محمد.
هدرت آلاء بعنفوان فنظروا ثلاثتهم الى بعضهم البعض قبل ان يهتف ايلام:
- كفى.. فهمنا يا آلاء.. ليصلح الله الحال.

لماذا لا يفهمون معنى الخيانة بحق الله؟ لماذا لا يقدرون الوجع التي تتلوى بين انيابه؟ لماذا؟ جل ما يهمهم عدم حدوث الطلاق وحتى لو ماتت حرقًا بهمومها وأحزانها لن يهمهم.. دومًا يلومونها اذا لم تتكلم.. وها قد تكلمت فماذا فعلوا؟ غير الخذلان لم تنال منهم..
أغلقت بابا غرفتها عليها بعد خروجهم وطبقت رموشها على بعضها تقاوم غضبها الحارق الذي يود التفجر بدموعها.. ماذا تفعل؟ لماذا يستمرون بخذلانها؟ لماذا؟ آه فقط.. آه منهم ومن هذه التعاسة..

******************
نزهتها مع شقيقها ايلام الذي اتى منذ الصباح الباكر يصطحبها الى أمستردام عاصمة هولندا.. هذه النزهة أنستها بعض همومها اذ ان ايلام أخذها الى مدينة الملاهي وتجول بها في أمستردام حتى خفف أخيرًا من كآبة قلبها..
ولكن كما يبدو ان الفرحة لا تدوم فوالدها اتصل بإيلام يستعجلهما بالعودة بسبب مجيء بيت عمها..
تقلص قلبها برهبة.. لا تريد ان تعود.. لا تريد نقاش جديد.. ماذا لو أتى محمد هو الآخر؟ ليست جاهزة للإلتقاء به بعد..
رفضت ان تعود الى المنزل الا ان ايلام اصر بحزم:
- هذا لا يصح يا آلاء.. يجب ان تجلسي معه وتتفاهما حتى تنهيا هذا الموضوع.. ليس شرطًا ان يكون اليوم أو غدًا ولكن يجب ان تجلسي معه لتتفاهما.

- لا اريد ان اجلس معه.. لا يوجد موضوع لأنهيه فكل ما بيننا سبق وانتهى.
هتفت آلاء بضيق.. الى متى سيواكبون بضغطهم عليها؟
منحها ايلام نظرة بسيطة قبل ان يعيد نظره الى الطريق الذي امامه ويقول بجدية:
- هذا لا يجدي نفعًا يا آلاء.. نحن ايضًا إرتكبنا المصائب وزوجاتنا حزنَّ وغضبن ولكنهن لم يطلبن الطلاق ولم يصل الموضوع الى اهلهن.. اذا بكل مشكلة تحدث تريدين الطلاق لن تجيدي متابعة طريقك ولا احياء حياتك.. يجب ان تمنحي وتأخذي في هذه الحياة.. هو اخطأ؟ نعم أخطأ وتم ضربه ولكنك تعلمين انه لن يطلقك ولن يقبل احد ان تتطلقي.. انت تعرفين بهذا الشيء، اليس كذلك؟

- هل تريدني ان اعود اليه؟
تساءلت بإستنكار فسارع ايلام بالقول:
- لا، انا لا اقول هذا الكلام حتى تعودي اليه.. لا.. انا فقط أضعك في الصورة حتى يكون لديك علم.. وأعيد وأكرر يجب ان تقابليه ولا سيما.. لا يهم متى ولكن يجب ان تتخذي هذه الخطوة.

تمعنت النظر به للحظات قبل ان تسأله بإستنكار:
- ايلام.. هل خنت زوجتك ذات مرة؟
رمقها بحنق وزفر ليقول:
- انا زوجتي لم ترى محادثة كما رأيت انتِ.. بل تقبض علي بمكالمات وبإتصالات وتعرف انني اخرج وتغضب.. ولكنني اسيطر على الوضع وأعتذر منها وينتهي الموضوع كله دون ان اعيد اخطائي.

- وهل انت مسرور بنفسك؟
تمتمت آلاء بغيظ ولم يرضيها البتة كلام ايلام فهتف:
- انا لست مسرورا ولكنني انسان ومن الطبيعي ان اخطأ.. لا احد معصوم عن الخطأ.. هذا هو الواقع الحياة أخذ وعطاء.

- ايًا كان.. انا لست زوجتك حتى أصبح مثلها.
-وانا لم اقول لك ان تكوني مثلها.. انا اعطيك مثالًا لا اكثر.

لم ترغب بالنزول من السيارة بعد ان وصلا.. خائفة مترددة.. مواجهة جديدة أي انها ستحرق اعصابها مرة أخرى..عادت برأسها الى الخلف واسندته على ظهر المقعد للحظات وأخذت نفسًا داعم تهدئ من روعها.. ثم همست بتوسل:
- لا اريد ان اراه يا ايلام!

- انا معك حبيبتي..ترجلي من السيارة وادخلي الى المنزل.. وصدقيني اذا كنت لا تريدين العودة اليه لن تعودي.
لم يطمئنها كلام ايلام بل زرع الشك في قلبها.. ليته يكون صادقًا معها بكلامه..
دلفت الى المنزل وانفرجت أساريرها وهي ترى باب الصالة مغلق فتسللت ببطء الى غرفتها قبل ان تعض شفتيها غيظاً وشقيقها الأصغر يصيح بصوت عال:
- ابي.. لقد أتت آلاء.

بحنق عادت أدراجها وهي تسمع صوت والدها يناديها.. القت نظرة سريعة على الجالسين وعرفت بأي جهة يجلس حتى تحرم على نفسها النظر اليها ثم قالت بهدوء متحكمة بأعصابها ببراعة:
- آجل ابي، ناديتني.

- تعالي واجلسي.
جلست بين والدها وشقيقها محمود لتنتبه الى نظرات خالتها التي ترمقها بنظرات ضيق واستعلاء.. فغمغمت:
- كيف حالك يا خالتي؟
لم تبالي لطريقة ردها.. فلا بد ان قلبها يؤلمها على بكرها.. وهي اكثر من تعلم إنحياز سميرة لأولادها الذكور بطريقة لا تطاق..

بصعوبة كبل نفسه بمكانه كي لا يأخذها الآن ويعيدها الى شقتهما قسرًا.. كانت في هولندا برفقة شقيقها وهو الذي يحترق ولا يجد للراحة سبيلا.. سيعيدها الى سلطته.. الى أرضه.. إلى بيته.. أتراها فرحت بعد ضرب ايلام له؟ بالتأكيد شعرت بسعادة هائلة فهو يعرفها حينما تغضب وتحقد.. لا تعلم انه بنفسه رضخ لضرب ايلام دون ان يبادله لكمة واحدة.. كان يحتاج الى هذا الشيء ومن أحد أفراد عائلتها عله يكفر عن ذنبه.. وعلها تنتقم لكرامتها وتعود اليه بسهولة..

تطلع اليها والغضب يتسلل اليه كالسم القديم مما؟ لا يدري مؤقتًا.. مجرد ابتعادها عنه وإصرارها على الطلاق يغضبه.. فكيف حينما تسببت له بمشاكل لا طائل منها مع والده وفضيحة هوجاء امام العائلة كلها.. ولكنها ستعود اليه.. ستعود مهما فعلت وقالت..
سمع والده يقول:
- هل بإمكاني ان اتحدث اليك؟

اومأت فسحب سيجارته من علبته وأشعلها لعل نارها تطفئ ناره.. تتحاشى النظر اليه؟! لا بأس.. مصيرها ان تعود اليه.. شاءت أم ابت لا مكان لها الا في بيته وعلى سريره والأهم في حضنه.. تحيط نفسها بحراسة والدها وشقيقها.. تتحلى بالجراءة والقوة بوجود والدها وكأنها لا تعلم اذا كان يريد ان يجرّها الآن وراءه بإستخدامه اسلوب المحامي الماكر فلن يردعه احدهم.. أم اتراها ظنت بهذه الكدمات الخفيفة التي تسبب بها ايلام سيتخاذل ويضعف.. هل تسرها هذه الكدمات؟ بالتأكيد تفعل...

"إشرب السجائر..
اطفئها في فمك..
فبهذا الإشتعال
سأحرق قلبك..
وسأستمتع بكل نفسٍ
أتنشق به دخان
إحتراقك الملتهب..
إشرب السجائر
فأوجاعك تبرد ناري..
وتسر انتقامي..
وتزيد من سعادتي.."

قال سليم ملتقطًا الشحنات الكهربائية التصدر عن كلاهما:
- ابني اخطأ.. ودومًا تحدث المشاكل والإنسان ليس معصومًا عن الخطأ.. ولكننا نمررها حتى تمشي الحياة.. انا لا اريد ان أعيد كلام البارحة ولكن الحياة أخذ وعطاء.. ولا احد منا لا يخطأ ولكن العبرة لنهاية من يستمر.. من هو القوي الذي ينجح بكل الإختبارات هذه.. وانت فهمتِ الأمر بشكل خطأ.. محمد لم يخونك وهو على إستعداد ان يقسم لك بالقرآن الكريم الآن انه لم يفعل شيئًا معها.. انتِ فهمت المحادثة بشكل خاطئ.
ملل.. غضب.. استياء.. مشاعر شتى غزت كيانها.. لا احد منهم يستوعب انها لم تعد تريده! لا تريده فلماذا هذا الكلام الذي يفيض بأمور لم تعد تكترث لها؟
هتفت آلاء بنبرة قاسية:
- لحظة عمي.. توقف قبل ان تتابع كلامك لأنني اعلم ما تريد قوله.. تمامًا مثل كلام أبي وايلام وكلامك البارحة.. انا فهمت وحفظت ايضًا كل الذي تريدون قوله ولكن... ابنك لا يهمني.. ولا يهمني اذا قضى ليلته معها او مع سواها.. لا يهمني اذا لم يقضي ليلته معها.. انا مللت من ابنك.. ما عدت أطيق قربه مني.. انا لا اريده!

شددت على كلماتها الأخيرة بقوة دون ان تأبه بذهولهم.. الوحيد الذي كان يعلم حدة لسانها المسموم كان هو.. فكان اول من تمالك نفسه ليهتف بعصبية:
- دقيقة واحدة.. ماذا قلت؟ أعيدي الكلام الذي قلتيه.. ما هو الغير مهم اذا قضيت ليلتي معها أم لا.. لماذا تسببتِ اذًا بكل هذه الضجة والفوضى؟ بسبب ماذا؟ بسبب ماذا كل الذي صار؟ أم انك تخططين لشيء كهذا مسبقًا ووجدت هذه اكثر فرصة مناسبة لك للطلاق لتنفذي الموضوع الذي برأسك؟

يا الله الشك وظنونه السوداء هذه وامام العائلة!
نكست وعدها وتطلعت اليه.. غاضب.. مخيف.. وكأنه ازداد طغيانًا وان أثرت به كلماتها الجارحة.. ولكنها صدقًا لا تريده.. لا تريد منحه أي فرصة اخرى.. انتهت صلاحيته بالنسبة لها..
فبجدية اثارت استفزازه قالت:
- محمد انتبه إلى الكلام الذي تقوله.. لا يوجد شيء آخر في عقلي كما تحاول ان تقول.. انا تعبت ولست مستعدة ان أكمل حياتي مع انسان مثلك.. كل يوم مصيبة وكل يوم مشكلة.. من الأساس انا لا اؤتمنك على نفسي.. لا أثق.. بعد خيانتك لي انتهى كل شيء بيننا.. ليس لديك ولو شيء واحد يجعلك تستحق ان اعود اليك لآجله.. لا شيء.. لا شيء على الاطلاق يستحق ان اعود اليك واتابع حياتي معك.

جرحته.. متأكدة انها جرحته فالإبتسامة الشاحبة الغريبة التي رسمتها شفتاه لم تكن ابدًا عبثًا.. ونظراته الموجوعة اليها واخيرًا همسه وكأنه يعيد تكرار كلماتها لنفسه لا لها قبل ان يخشوشن صوته ويهدر..
- هكذا اذًا؟ لا شيء يستحق حتى تعودي الي!
قست عيناه فصارت شبيهة بقساوة كلماتها وتابع بينما ينهض عن مقعده بحركة عنيفة:
- هيّا ابي وأمي انهضا.. كفى حتى الآن.. واعتذر منك يا عمي ابنتك تريد الطلاق وهناك مخطط ما برأسها ولكن انا لن أطلق.. ولتفعل ما تشاء.
حاول والده ان ينهيه عن مغادرتهم الا ان محمد هتف بقوة:
- أسف ابي.. انا لا استطيع.

لحق غياث به بسرعة بينما إنسحبت آلاء الى غرفتها تجر اذيال خوفها وخيبة املها منهم.. مسّ الخوف قلبها كتيار كهربائي فإرتجفت كأرنب مذعور بعد ان كانت تقف أمامهُ كلبؤة جامحة.. لن يسكت لها.. لن يدعها وشأنها بهذه السهولة.. هي تعلم..
الضياع كلما يجذبها الى جوفه.. يضرب رأسها بعنف.. يلقيها في ارض قاحلة مظلمة بعيدة ليس بها يد تمتد وتجذبها اليها لتعينها بالتخلص من هذه الوحدة..

وسط أهلها وحيدة.. لا يفهمونها.. لا يستوعبونها.. كل همهم ان لا تتطلق وهذا هو مبتغاها الوحيد.. كيف ستتحمل ان تعود اليه بعد كل ما كان؟ والله لن تتحمل أكثر.. ليست مستعدة لتلقي جرعة خذلان جديدة..
دعت الله ان لا يخذولونها ويعيدونها اليه.. لا تريد.. لا تريد.. الى اين تذهب بنفسها حتى يستوعبون رغبتها بالطلاق..

بعد ان غادروا اهله قام والدها بالنداء عليها ليلومها على لسانها الطويل.. كادت ان تركع على قدميها امامه وتتوسله ان لا يعيدها اليه.. ان لا يخذلوها.. ولكنها لم تجد الا تبرر ما فعلته بعدم إستيعابها بعد للصدمة التي تلقتها.. مهما قالت لن يجدي نفعًا.. ولكن ستبقى تقاوم وتقاوم علّها تحصل على حريتها بعد عناء طويل.. رغم دلال عائلتها لها وحبهم الا ان في مسألة الزواج والطلاق تتغير معاملتهم.. تتفهم خوفهم من انقطاع صلة الدم والحزازية التي قد تحدث بما ان محمد قريب لها من الطرفين وايلام متزوج شقيقته.. ولكن ما هو ذنبها من كل هذا؟ اين هي من كل هذا؟

*******************
تأملت العقد الذهبي الذي اشتراه لها شقيقها محمود بإنبهار.. به وردة حمراء ومفتاح يتدلى بقفله من هذه الوردة.. نوعًا ما شعرت ان هذه الوردة تشبهها.. ليست حرة.. مقيدة بأغلال محمد.. مُحكم عليها بأحكام لا تقبل الجدال.. رغم توردها ووهجها الا انها سجينة.. قرارها ليس بيدها.. ممنوعة من الإقتطاف.. حصرية لرجلٍ واحد فقط.. ملكيتها له وحده.. محمد دون غيره!

شقيقها محمود رأها بهذا العقد.. وأهداها العقد مس شغاف قلبها.. المفتاح بجانب القفل.. إما ان تلتقطه وتفتح هذا القفل وتستمر بإزدهارها البارق وإما تذبل حتى يصدأ القفل مع مفتاحه فيُصعب عليها التحرر والإنطلاق بعد ذلك..
إبتسمت فرغم رأي اخوتها ووالدها بمسألة الطلاق الا انهم يدللونها.. يشترون لها الهدايا ويصطحبونها لأماكن تنسى بها همومها وتلقي بأحزانها خلف ظهرها.. يتحننون عليها وكأن ما مرت به يزيد من حنيتهم عليها.. كيف لهم ان يكونوا بهذه الحنية وهذا الإحتواء ولا يوافقوا على طلاقها من الشخص الذي أذاها؟ لا تفهمهم ولكنها تحبهم.. وستصبر حتى تحصل على مبتغاها.. عاجلًا أم آجلًا..

إرتدت العقد ثم إلتقطت صورة له وهو يحيط عنقها ويزينه برقة ونعومة ثم بمكرٍ نشرت الصورة على أحد مواقف التواصل الإجتماعي وكتبت..
"شكراً يا قلبي على هذه الهدية.. انها رائعة مثلك"

في المساء إتصلت بها صديقتها لتخبرها برأي ابن خالتها بها اليوم حينما رأها.. اين رأها؟ اجل صحيح أتى لإصطحاب صديقتها يارا ورأها كما قالت.. بهذه السرعة ما شاء الله توافد المعجبون؟.. لحظة لحظة ماذا قال عنها؟
" ما شاء الله هي جميلة جدًا ولكن حينما ترتدي الحجاب ستصبح أجمل.. وواضح انها مؤدبة وأخلاقها عالية!"

ضحكت آلاء بمرح وهي تتذكر تهديدها ليارا بعدم اخباره انها متزوجة ولكن الغبية سبق وقالت له انها متزوجة.. وذهب العريس المسكين مع الرياح ولم يبقى الا... مهلًا مهلًا.. هو مهندس ويعمل في دبي ويبحث عن عروس؟! رائع! انها افضل فرصة للانتقام من محمد وإثارة غضبه..

بسرعة إتصلت بشقيقها ايلام وهي تبتسم بمكر..
- مرحبا.. كيف حال حبيب أخته؟
- أهلًا بالمصائب.. ماذا احضرتِ لي اليوم؟
ضحكت آلاء والعبث يتكاثر في مقلتيها الجميلتين:
- اين انت؟
- في البيت.
ممتاز.. اذًا بالتأكيد الآن عبير تسمع كلامها وستوصل كل كلامها الى محمد. وهذا هدفها..
قالت آلاء بمكر:
- هل تعلم ما الذي حدث معي اليوم؟ لقد طلب عريس يدي للزواج.. وليس أي عريس يا ايلام.. شاب وسيم جداً.. رأني اليوم برفقة صديقتي وأعجب بي.. وأهم شيء انه نفس إختصاصي.

- لماذا ما هو اختصاصك؟
تساءل ايلام يخفي إستمتاعه بصعوبة فهتفت آلاء بحنق:
- هندسة.. هل نسيت؟
- آه صحيح.. لقد نسيت.. هيا أكملي كلامك.

- عندما رأني أعجب بي وقال انه يريد ان يطلب يدي للزواج.. لذلك ما هو رأيك بعد طلاقي من محمد أصبح صديقة هذا الشاب وأتعرف عليه ثم يطلب يدي ويخطبني ونتعرف على بعضنا البعض.. فبكل صراحة الشاب وسيم جدًا.
غمغمت آلاء وهي من الأساس لم ترى هذا الشاب حتى تعلم اذا كان وسيمًا ام لا.. وإيلام فهم المغزى وراء اتصال شقيقته وكلامها فهتف ضاحكًا:
- للعلم فقط مكبر الصوت مفتوح.

تصنعت آلاء الدهشة:
- ماذا؟ لماذا يا ايلام؟ كنت اخبرني منذ البداية ولكن على اي حال لا بأس ففي النهاية محمد سيطلقني وسأتزوج لاحقًا.. هل تعتقدون انني سأعتكف عن الحياة؟

- حسنًا أوصلي سلامي لهذا العريس وحينما نتقابل ستتكلمين لي عنه أكثر.
هتف إيلام ضاحكًا فقالت آلاء وهي واثقة من نجاح مخططها المجنون.. وواثقة ان كل كلمة قالتها ستصل الى محمد وربما بزيادة بعض البهارات عليها:
- حسنًا حبيبي ولكنك يجب ان تعلم انني اذا تزوجته سأسافر لأنه من دبي واتى زيارة فقط الى بلجيكا.

**********************
حدقتاها دارتا حول ملامح وجه والدها الساكنة.. يجلس على طرف السرير بجوارها بعد ان دخل الى غرفتها حتى يتحدث اليها..
كيف لها ان لا تحب والدها بحق الله وهو دومًا يسخى عليها بالحنان الذي يزيد من تعلقها الطفولي به.. بكل شيء يحنو عليها.. يدللها.. الا بمسألة محمد اللعين الذي ولج الى حياتها من حيث لا تعلم..
والدها كان غير كل إخوته.. بناته اهم شيء في حياته.. وتثق لو ان عمها وخالتها وشقيقها ايلام وزوجته عبير لن يتضرروا من طلاقها من محمد لكان طلّقها منه.. ولكنها مسألة معقدة.. معقدة جدًا.. زواج الأقارب نقمة اكثر مما هو نعمة..

- ماذا هناك أبي؟ هل تريد ان تحجب نفسك عني ولا تعرف كيف ستبدأ بكلامك؟
تساءلت آلاء وعيناها تتسمر على عينيه الحانيتين.. إنحلت عقدة ملامحها المشتدة وأرتخت ورحيم يبتسم لها ويدس يده بين خصلات شعرها ليداعبها..
- لطالما فهمتِ أبيك حتى قبل ان يتكلم.

- انا ابنتك الكبيرة.. بالتأكيد سأفهمك.
قالت آلاء بجدية فأمسك يدها بيده الطليقة بينما بقيت الثانية تداعب منابت شعرها:
- حسنًا بما انك تفهميني يا ابنتي.. لقد تحدث الي محمد.. انت فهمت الموضوع خطأ.. هو لن يفعل شيئًا مع تلك المرأة.. وشرح لي كل شيء.

- أبي.. هل انا رخيصة الى هذا الحد بالنسبة لكم؟!
تساءلت فسارع والده بالجواب الحازم:
- ما هذا الكلام يا آلاء؟ انا أتحدث معك لأنني خائف عليك وعلى مصلحتك.. محمد يحبك.. اوافقك القول ان لديه الكثير من العيوب والأخطاء ولكن هذا لا يعني ان يصل الوضع بينكما الى الطلاق بسبب موضوع كهذا ولا يوجد له اثل من الأساس.. انت فهمت الموضوع بشكل خاطئ.. ولو كان صحيحًا كنت انا بنفسي لن اوافق على عودتك اليه.. لو أتيت الي حينما ضربك كنت سأفعل نفس الشيء ولن أعيدك اليه.. ولكن هنا انت فهمتِ الموضوع كله بصورة خاطئة.
تابع رحيم وهو يرى الرفض يقفز من حدقتي ابنته:
- يجب ان تقابليه.. ان تفهمي منه الموضوع.. ان تسمعي تفسيره ووجهة نظره.. والله يا ابنتي محمد يحبك وعلى أهب استعداد للتخلي عن الدنيا كلها ولكن عنك لن يتخلى.. وانت بالتأكيد تعلمين هذا الشيء.

هزت رأسها بقنوط.. ماذا تقول اكثر حتى يفهمونها.. غشت الدموع بصيرتها وغمغمت بذبول:
- أبي.. لماذا لا تفهموني؟ انا تعبت.. تعبت منه.. منذ اليوم الذي تزوجته حتى هذا اليوم وهو يفعل كل مرة مصيبة مختلفة.. وكل مرة اسامح واصمت وفي النهاية يكافئني على صبري بخيانته لي؟
غصّ صوتها بأنين فؤادها الذي لم يرحمه ضربات القدر المتوالية ودموعها تدحرجت على وجنتيها بوصبٍ:
- يذهب ليخونني ويأتي ليقول لكم انه لم يفعل شيئًا وانتم بكل سهولة تصدقونه؟ انا هي التي عاشت معه وأصبحت اعرفه.. هذا رجل حذق.. يعلم كيف يسحب نفسه من الموضوع بسهولة شديدة تمامًا كما تخرج الشعرة من العجين.. يعلم كيف يجعلني ابدو انا المخطئة في نظركم وهو المتهم البريء.. وبكل مهارة يدعكم تصدقون فهذا هو عمله.. محامي.. ماكر وحذق.

إسترسلت آلاء بقهر حقيقي:
- انا لم أقصر معه بشيء وانتم لا تقدرون وضعي وحالتي النفسية ولا الظروف التي أمر بها.. انتم لا تفهمون ولا تعرفون ابدًا بماذا أشعر وماذا يدور في داخلي.. ربما ابدو لكم طبيعية ولكنني داخليًا متحطمة.. متدمرة.. لم يعد لدي أي ثقة بنفسي.. الى هذه الدرجة بالضبط أوصلني ابن شقيقك الذي يحبني كما تقول.

سيطر رحيم على صراعه الداخلي بصعوبة وهو يحتضنها.. وضع قبلة أبوية على رأسها وقال بنبرة دافئة:
- حقك سوف تأخذينه يا قلبي.. لا تهتمي لشيء ما دمت انا موجود.. فقط اريد ان اخبرك بشيء حتة ترتاحي انت لا ان تعودي اليه.. هو لم يفعل معها شيئًا وقد أقسمَ لي بالله العظيم.

ابتسمت آلاء وعلقت بسخرية:
- وصدقته بكل سهولة! قل للحرامي احلف، يقول أتاني الفرج!

- لا يا ابنتي.. انا كبير وافهم اذا كان الذي يتكلم امامي صادقًا ام كاذبًا.. اطمئني من هذا الناحية.
قال رحيم وهو يمسد شعرها بأصابعه فرفعت وجهها المتخضب بدموعها وهتفت بغيظ:
- يعني هو المحق الآن وانا المخطئة؟

- انا لم اقل هذا الكلام.. ولكن الأمور لا يتم إتخاذها بهذه الطريقة.. انت الآن منفعلة ومتسرعة.. وافقي على رؤيته.. اجلسي معه.. وافهمي وجهة نظره وبعد ذلك قرري.
قال رحيم بهدوء رقيق فهتفت آلاء برأي ثابث رافضة تمامًا ان تغيره او التفكير به مجددًا:
- لقد قررت دون ان اجلس واسمعه.. قراري لن يتغير.. مستحيل ان اعود اليه.

ابتسم رحيم على عناد ابنته ثم قال بمرح:
- لا تعودي اليه.. والله مصيبة هذه البنت.. اخاف ان اقول لها اسمعيه وساميه وتقول ابي لا يريدني واخاف ان اقول لها اجل تطلقي منه وسأساعدك على الطلاق وبيت عمها يرفضون الطلاق فتقول ابي يكذب علي لماذا لم يطلقني من محمد؟ ماذا افعل معها يا الله؟

- لا تفعل شيئًا يا ابي.. الموضوع انتهى والإتكال على الله.
غمغمت آلاء بشرود فقبل رحيم رأسها مرة أخرى ثم همس لها قبل ان يخرج من غرفتها:
- فكري بكلامي.. تصبحين على خير.

لم يتنحى شرودها جانبًا حتى بعد بقائها في غرفتها لوحدها وهي تهمس لنفسها بخفوت:
- دون ان افكر يا ابي.. لقد قررت وانتهى الموضوع.. مستحيل ان اعود الى محمد.

إنتبهت الى هاتفها فإلتقطته لتجد رسالة من ايلام..
"أوصيت زوجتي ان لا توصل شيئًا مما سمعته لأخيها حتى خطتك تسير مثلما تريدين.. ولكن ليس لي علاقة اذا حدث لك شيئًا لأنني اعرف زوجتي تموت اذا لم توصل معلومة كهذه خصوصًا بعدما حذرتها.. فبالتأكيد ستعاند وستوصل كل كلمة قلتيها لمحمد بالحرف الواحد"

ضحكت آلاء وتوهجت عيناها اخيرًا بعدما كانت ذابلة شجية.. هذا ما تريده.. تريد ان تقهره.. ان تؤلمه وتغضبه..
قبل ان تضع هاتفها جانبًا رأته يتصل.. أبهذه السرعة وصله الأمر؟ طرق قلبها بضلوعها بعنف الا انها ابتسمت بلؤم.. ليتصل منذ الآن حتى الصباح لن ترد عليه..
بعد ان انهت دراستها امسكت هاتفها لتشهق وهي ترى ثمانية مكالمات فائتة من محمد.. لقد فقد عقله لا شك الآن والغضب يكاد يعميه..
تجزم انها الآن اذا تطلعت من النافذة الى الأسفل ستجده واقفًا بجانب سيارته ولكنها لن تفعل.. حمدًا لله ان والدها موجود والا كان اقتحم المنزل ليحطمه فوق رأسه.. وهذا ما تريده ان يشعر به.. العجز.. الغليان.. دون ان يجد مطرحًا يهمد ناره به.. وبما ان واثقة انه سيأتي الى المدرسة غدًا فيجب ان تحضر نفسها بطريقة تليق تمامًا لإفقاده صوابه وإخراجه عن طوره..

************************
صباح جديد.. وتخطيط عميق.. جمال تم تحييكه كما يحاك الصوف بيدين ماهرتين.. دفء يشع من الشمس الساطعة فيخفف من برود القلوب ويذيب جمود العقول.. أفكار تم تخطيطها قيد التنفيذ.. وإبتسامة تتغزل بالثغر المحلى بحبوب السكر.. اليوم جميل.. ووجه حسن متهلل في الطريق.. ورضى غريز.. كثيف ككثافة ونعومة شعر الخيل..

تنورة قصيرة سوداء وبلوزة بيضاء مع جاكيت من الجينز الشاحب.. زينة وجه خفيفة وناعمة كما تحب تمامًا.. وشعر مرفوع الى الأعلى عدا من بضعة خصلات منسابة قليلة لتداعب طرفي وجهها..
بثقة وهدف وعزم ولجت الى مدرستها لينطلق الصفير من فم يارا ولبنى بإعجاب..
- ما هذا الجمال؟

- هذا كله لأجل عيني العريس الجديد.
قالت آلاء ضاحكة فهتفت لبنى:
- ولكنه يريدك ان تتحجبي.

- صباح الخير.
كان صوت كريس الذي قطع عليهن محادثتهن فردت آلاء التحية كما فعلتا يارا ولبنى فتطلع كريس اليها بإعجاب صريح وقال:
- آلاء انت تبدين جميلة جدًا اليوم.

- آلاء نحن سنخرج قليلًا.
اومأت آلاء مغمغمة:
- حسنًا.. هذا ايضًا يبدو ملتزم ويريدني ان اتحجب كما العريس تمامًا.
ضحكتا لتردف يارا:
- هذا شيخ وليس فقط ملتزمًا.

- تتكلمن كثيرًا بالعربية بينكن.
هتف كريس بعد ان غادرتا فهزت آلاء كتفيها وقالت:
- لأن هذه لغتنا فبالتأكيد سنتحدث بها كثيرًا.

همهم كريس ثم همس بإبتسامة:
- صحيح ولكن انت تبدين جميلة جدًا اليوم.
- شكرًا.
ردت على اطراءه بهدوء فأردف وعيناه الزرقاوان لا زالتا تتوسما بجمالها:
- شكلك في الصيف مختلف.. كل يوم اتفاجأ بك اكثر من اليوم الذي سبقه ويزداد اعجابي بك.

رمقته آلاء بنظرة حادة غير راضية عن كلامه الا انه تنهد وقال وكأنه يقصد اللعب على وترها الحساس:
- لا تنظري الي هكذا.. اعلم انني لا يجب ان اتحدث معك بهذا الأسلوب بما ان علاقتك الحالية مع زوجك متوترة.. وانا لا افهم منها شيئًا ولكن يجب ان تعلمي انني دائمًا سأكون قريبًا منك ولأجلك.. اذا كنتٍ تريدين مني اي شيء سأساعدك ولا تلقي بالًا لكلام كلادس وليبان.. ودون شك لن تجيبي علي اذا سألتك عن سبب شجارك مع محمد.. ولكن سأكرر مرة اخرى.. انا دومًا سأبقى بجانبك اذا احتجتِ شيئًا.. ولا تحزني وخذي الأمور ببساطة فعادةً ما تحدث مشاكل في العلاقات العاطفية ولكن في النهاية يصلا الطرفان الى قرار محدد.. اما ان يستمرا وإما ان ان ينفصلا وكل واحد منهما يذهب في حال سبيله ويرى طريقه.

ظلت ساكتة تنظر اليه بنظرات دون معنى.. مجرد هراء.. وكأنه معتوه يتفوه بكلمات لا تدخل الى عقلها ولا تسمعها..
استأنف كريس بكلامه بإهتمام زائد لا تثق به ابدًا:
- كل الذي اريد ان اعرفه اذا كنتِ بخير.. هذا الذي يهمني لا اكثر.

حذق.. وماكر.. ثعلب يريد ان يلف شباكه حولها لتصبح كقطعة لحم سانحة له.. ولكنها تفهم هذه النوعية من الرجال لذلك إبتسمت ببرود وقالت بجفاء:
- شكرًا لسؤالك وكلامك هذا.

- انا لم أقل هذا الكلام لتشكريني.. انا فقط اقول لك الذي في قلبي.
رد كريس بجدية يصعب معرفة صدقها من كذبها ثم إستطرد:
- اذا احببتِ بإمكاننا ان نخرج الى أي مكان.. مطعم.. مقهى.. ونتحدث حتى تغيري نفسيتك قليلًا فأنا ليس لدي شيء لفعله في وقت فراغي هذا.

- شكرًا مرة أخرى كريس.. انا أقدر موقفك هذا.. عن إذنك.
تمتمت ثم توجهت الى مراحيض المدرسة.. هذا كان كل ما ينقص.. كلام كريس ودهاءه حتى يتقرب منها.. لو تكلم حتى الغد لن تصدقه او تثق به..

عادت من الحمام لتعقد حاجبيها وهي ترى أغراضها كلها مختفية ولا اثر لها.. خرجت من الصف فوجدت صديقتها يارا امامها لتسألها:
- يارا اين اغراضي؟

هتفت يارا بنبرة مجهدة:
- كنت ابحث عنك.. محمد زوجك أتى وأخذ أغراضك وقال لي ان اخبرك انه ينتظرك في سيارته في الأسفل.. اذهبي اليه.

--------------‐----------
يتبع..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:10 AM   #33

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثامن وعشرون

نزلت وخطواتها تتثاقل.. قلبها يثب في صدرها بوجلٍ.. جاء الى مدرستها كما توقعت وأعدت نفسها للقاءه فلماذا الخوف الآن؟ لماذا يتسرب الخوف الى روحها كالغاز القاتل؟ لا لا.. لا مجال للخوف فقد حان وقت الإنتقام..
تلفتت حولها بحثًا عن سيارته وما ان سمعت بوق سيارته حتى سارت اليه وهي تبتلع ريقها..
ترجل محمد من السيارة وإستدار الى الجهة الأخرى قائلًا بينما ينظر الى ما ترتديه بعينين تطلقان شرر الغيرة:
- خرجت هكذا؟!
ثم تابع بفتح باب السيارة لها:
- تفضلي يا سنيوريتا.

تطلعت آلاء اليه بقوة وهتفت دون خوف:
- لن أصعد كما لن أذهب معك الى اي مكان.. أعطني أغراضي حتى أعود فلدي درس الآن يجب ان أحضره.

همس محمد بخطورة:
- اصعدي حتى لا ترين شيئًا يجعل كل المدرسة تتكلم عنه.

- إفعل ما تشاء.. لا يهمني.
هتفت آلاء بتحدي ليفتح الباب أكثر قبل ان يدفعها داخل السيارة اجبارًا ويغلق الباب عليها.. ثم عاد الى مقعد السائق وانطلق بالسيارة لتتساءل بتوجس:
- الى اين سنذهب؟

- الى بيتنا.
اجاب بإقتضاب فتشدقت قائلة:
- اي بيت تقصد؟ نحن لا نملك بيتًا والفضل يعود لك انت من هدمته.

- اذًا سنعود الآن لتصليحه.
قال دون ان ينظر اليها فهتفت به:
- تلك الشقة لن تطئها قدمي.. هل تفهم؟ إنسى تلك الشقة فأنا محال ان أدخلها.

هدر محمد بعصبية:
- اسمعي.. لا تدفعيني الى الجنون اكثر مما انا مجنون.. لن نذهب الى الشقة.. سنجلس في مكان آخر نتحدث به كالبشر.
صمت للحظات وهي بدورها مطت شفتيها بضيق ازداد وهو يضيف بغضب:
- وما هذا الذي ترتدينه؟ الا يوجد أقصر من هذا الثوب اللعين؟ ساقيك عاريتان ولا زال لم يقبل فصل الصيف بعد أم انك قلت ان محمد ليس موجودًا فسأخذ راحتي؟

بطرف عينها نظرت اليه قبل ان تسلط نظراتها على الطريق وتقول ببرود:
- هذا الشيء ليس من شأنك ولا يحق لك ان تتدخل بملابسي لأن نحن نُعتبر الآن بحكم المنفصلين وإن شاء الله قريبًا ستصلني ورقة طلاقي!

بشرٍ هدر محمد وهو يفكر بكلام شقيقته عن ذلك المهندس المعجب بها.. والله ليقتلنه دون أن يرف له جفن.. اذا ظنت ولو لثانية انه سيسمح لها بالزواج او حتى التفكير بغيره بعد ان صارت له فهي جاهلة.. لا تفقه شيئًا من جنونه..
- لماذا حتى تتزوجي ذلك المهندس؟

وكما توقعت الكذبة التي خططت لها نجحت وبكل جدارة.. فها هو قد أتى اليها بسبب المهندس.. وليتحمل الآن جوابها اذًا..
هتف محمد وهو يكاد يفقد السيطرة على أعصابه من ألم غيرته وهو يراها صامتة دون ان تبادر بالرد:
- اجيبي.. لماذا انت صامتة؟

بإستفزاز قالت آلاء:
- وماذا بذلك؟ ماذا اذا تزوجته؟ لماذا لا افعل فنحن إنتهت علاقتنا ومثلما سترى انت حياتك وتعيشها انا ايضًا سأفعل ام انك تعتقد انني سأجلس وابكي على الأطلال وانتحب.. اذا اعتقدتَ ذلك فيسرني ان اخبرك انك على خطأ.. انا لست من النوع الذي ينعزل عن العالم ويتخذ دور المظلوم وينتظر استعطاف الناس وشفقتهم عليه.. لا يا محمد.. انا آلاء وانت على ما يبدو لا زلتَ لا تعرف من هي آلاء.

- لا والله أعرفها جيدًا.. وأعرفها اكثر مما تعتقدين.. مستعدة ان تلقي كل شيء خلف ظهرها دون ان يهمها زوجها او غيره.
هتف محمد بإستهزاء لتبتسم آلاء بلا مرح وتقول:
- آجل انا انانية مثلك فأين المشكلة بذلك؟ ثم ماذا؟ اراك اتيت لأخذي من المدرسة؟ ماذا تريد؟ حتى تسألني عن العريس...
صمتت قليلًا ثم أردفت قاصدة التشفي به:
- هذا الشيء طبيعي.. رجل رأني وأعجب بي وأتى ليطلب يدي للزواج بالحلال وينتظرك ان تطلقني حتى يطلب يدي رسميًا.. انا اعيش حياتي وانت إفعل المثل.

تنهد محمد بتعب.. بألم.. بعدها عنه وكلامها عن الطلاق بحذا ذاته وجع.. عذاب.. مرهق حتى العظم.. لم تجد عيناه سبيلًا للنوم في بعدها.. والليلة الماضية كانت اقسى ما يكون عليه وهو يسمع كلام عبير عن العريس المغفل فبدى كليث حبيس.. يستقصي عن مخرج فلا يلمح له اثرًا او دليلًا..
إتصل بها العديد من المرات ولم ترد عليه.. وفي كل لحظة كان يفور كالقهوة التي يتم غليانها على الغاز.. يفور ويفور حتى فرغ معظم إبريقه ليجد نفسه أسفل منزل أهلها.. يراقب نافذة غرفتها على أمل ان تطل عليه وتراه حتى يجبرها بالنزول اليه..

حينها قضى نصف الليل اسفل منزلها.. لا يقدر على الصعود اليها ليضربها على رأسها فتسحب كلامها كله وتعتذر ولا يقدر ان يعود الى المنزل وعقله وقلبه وكيانه كله متعلق بهذه القاسية التي ترفض حتى سماعه ليشرح لها.. حول حلقة فارغة بقي يدور ويدور الى ان انتهى به الحال عائدًا الى المنزل ليقرر الذهاب الى مدرستها كي يعيدها اليه ويتحدثا..
همس لها بخفوت ورجاء:
- لم أنام معها.. أقسم لكِ.. ضعي عينيك في عيني وانظري الي لتستخرجي صدقي من كلامي.. هي التي إقتربت مني وكانت تريدني.. في البداية لم اهتم لها فتجاوزت حدودها ولكنني بسرعة انتبهت الي نفسي ودفعتها بعيدًا وغادرت.. والله يا آلاء لم انام معها.. أحلف لك بغلاكِ وانتِ تعلمين انني لا احلف بشيء يخصك كذبًا.

هل من المفترض ان تصدقه وتقول له بكل بساطة نعم صدقتك؟ بالتأكيد لا.. لن تقولها ولن تصدقه ولن تعود اليه.. ليس بالسهولة الذي يظنها..
دون اكتراث وكأنها تتعمد ان تدعه يعرف ان كل موضوعه لا يعنيها كانت تنظر اليه وتقول ببرود:
- هل أنهيت كلامك؟
- لا.
- اذًا تابع كلامك.

قال محمد بجدية وهو ينظر اليها تارةً والى الطريق تارةً أخرى:
- لا يهم بقية الكلام مثلما يهمني ان تعرفي انني لم أخونك.. ربما تتساءلين الآن عن كلامي مع صديقي.. نعم.. انا بقيت أسب وغضبت على نفسي لأنني بقيت بجانبها ولو لدقيقة واحدة.. شعرت انني خنتك ولعنت نفسي ولأجل هذا الشيء تكلمت كذلك مع صديقي.. أردت ان اخبرك.. ان اعترف لك ولكنني كنت اشعر بالكره تجاه ذاتي.. شعرت انني لا أستحقك.. ولذلك أخرجت عصبيتي عليك.. نفثت عن غضبي بك.. ولكن عصبيتي على نفسي كانت اكبر.. هل تعلمين ان ابي لا يتحدث معي الآن بسببك؟

حافظت آلاء على جمودها دون ان تهتز عضلة واحدة في وجهها..
- محمد اذا انهيت كلامك اخبرني حتى اعوك الى المدرسة.

- آلاء لا تفعلي هذا الشيء بنا.
هتف بضيق لا يخلو من بعض التوسل لتقول آلاء وقد تخلت نبرتها عن برودها لتزداد حدة:
- اسمع.. سأخبرك شيئًا.. كل الكلام الذي قلته لا يهمني ولن يغير شيئًا.. انا مستحيل ان اعود اليك.. هذا حلم ابليس بالجنة، هل سمعت ام لا؟ والآن إما تعيدني الى المدرسة وإما سأنزل وأستقل أي باص واعود لوحدي.

كاد ان يشد شعره حتى يمزقه كله امامها وهو يهتف بها بنفاذ صبر غاضب:
- لا حول ولا قوة الا بالله! ما هذه الأعصاب الباردة التي تملكينها.. انت تفهمين ما اقول ام لا؟ قلت لك انني لم افعل شيئًا معها.. لم افعل اي لعنة معها.. لتستوعبي يا آلاء.

- وانا لا يهمني.. ولن اعود اليك..ستطلقني اذا لم يكن اليوم فغدًا ستفعل.
هتفت بثقة ثم نظرت حولها تبحث عن اغراضها وأردفت بعصبية:
- اين أغراضي؟ اريد ان أنزل من السيارة واعود لوحدي.. اصلًا جلوسي هذا معك في السيارة خطأ.

انها تضغط عليه.. تضغط على عصبيته.. وكأنها توخز بالونًا ممتلئ بالمياه لينفجر كله في وجهها..
هتف محمد بنبرة عنيفة حارقة:
- انت لستِ بواعية على نفسك ابدًا.. لا بد ان هناك خلل ما او ان كل هذا حجة حتى تحرري مني.. ولكن لتضعي ما سأقوله كالوشم في عقلك.. لقد ظننتك هدأتِ ولكنك كما يبدو لم تهدأي بعد.. طلاق لا يوجد.. ولا تفرحي بذلك الحمار فأمام عينيك ادفنه وادعك ترين اذا كان صدقًا رجلًا ام لا.
ثم خفت صوته قليلًا وهو يستأنف بسخرية غاضبة:
- سعيدة اتاها عريس.. ماذا؟ اعجبك؟

- آجل.. وسأقولها لك مرة اخرى.. انت لا يحق لك التدخل بحياتي.. نحن انتهينا!
شدت على كل كلمة نطقتها عسى ان يلتصق كل حرف بدماغه المتحجرة ولكن محمد ظل ينظر اليها بعينين مخيفتين حتى أيقنت ان الصفعة قادمة قادمة لا مفر..
نزلت عيناه الى عنقها ليرى هذه السلسلة التي نشرت صورتها على احد مواقع التواصل الإجتماعي تلتف تزين جيدها فبرزت عروقه من شدة العصبية وبحركة عنيفة جذب السلسلة من عنقها وهتف بفظاظة:
- من أين لك بهذه السلسلة؟

- ليس من شأنك.. اعطني اياها لماذا تتصرف بهذه الهمجية؟ لقد اذيتني.
صاحت وهي تحاول جذب السلسلة من يده الا انه هتف:
- لكي ادعك تتذكرين اذ كان من شأني ام لا!

- لا تتمادى.. اشكر الله انني جالسة حتى الآن معك لأنني أشعر بالغثيان منك!
هتفت آلاء بوقاحة ليغمض محمد عينيه ويعض على شفته السفلى بقوة كي لا يؤذيها فعلًا.. ثم غمغم من بين انفاسه الغاضبة:
- الا تريني بالكاد اتمالك اعصابي؟ لا تستفزيني اكثر.. من اين لك هذه السلسلة؟

- انها هدية.. ولكن لا يخصك من اين ومن الذي احضرها.. لذا هات السلسلة.
اجابت بعناد ليهز محمد رأسه بخفة ثم بكل بساطة كان يقطع السلسلة ليبتسم بضراوة ويسحب يدها ليبسطها امامه ويضع قطع السلسلة التي تدمرت في راحة يدها..
- خذيها.. كلامنا لم ينتهي بعد.. وهيّا اصعدي وغيري ملابسك.

بتحدي وجنون كانت تهتف:
- والله لن أغيرها.. لا يحق لك التدخل بحياتي.. واليوم سأتصل بخالتي حتى تتكلم مع والدك حول اجراءات الطلاق.. ولا تقلق أموال الحاضر والغائب موجودة فسأعيد كل الأموال اليك لأنني انا من طلبت الطلاق.

صاح محمد وقد انتهى صبره وهو يضرب مقود السيارة بإنفعال حاد:
- اصمتي.. اصمتي.. انت فقدتِ عقلك.. تتحدثين عن أموال الزواج والطلاق بهذه السهولة.. انت فعلًا لا تخافين ولا يهمك أي احد.. تعتقدين ان هذا الموضوع سهل! اسمعيني...
أكمل بتملك شرس وغيرة عمياء:
- ولو كان اخر يوم في عمرك لن اتركك وادعك لرجل غيري.. هل تفهمين؟

انتبهت آلاء لوصولهما الى منزل أهلها فإبتسمت بإستفزاز وفتحت باب السيارة وقالت ببرود:
- سنرى ومع ذلك سأفعل كل الذي انا اريده.. ووفر اعصابك هذه الى المساء حينما اتصل بخالتي.. ستصاب بجلطة دماغيةاذا بقيت هكذا.
ثم ترجلت من السيارة واضافت:
- الى اللقاء!

هرولت مبتعدة دون ان تغلق باب سيارته.. رباه! لقد نجت بصعوبة بعد كل إستفزازها له.. إتسعت ابتسامتها بنصرٍ وهي تراه لا زال ينتظرها في الأسفل.. أيظن انها حقًا ستقوم بتغيير ثيابها ليعيدها الى المدرسة؟!
بدلت ثيابها الى اخرى بيتية مريحة وجلست على سريريها لتصلها رسالة منه..
"انزلي.. انا تحت البيت انتظرك.. هيّا بسرعة لأن لدي عمل ويجب ان اعود"

"ومن الذي قال لك ان تنتظرني؟ انا لن اعود الى المدرسة فغادر انت"
أرسلتها آلاء له وما هي الى ثوان معدودة حتى كانت تسمع صوت صرير سيارته التي أحدثها بمغادرته العنيفة.. ضحكت آلاء بإستمتاع لا يُصدق.. يستحق.. يا للمرح وهي تشمت به هكذا ولا يسعه فعل اي شيء سوى حرق اعصابه..

********************
أوصلها ايلام برفقة شقيقيها عمر ولمار الى المسبح كما طلبت منه ثم غادر بسبب بعض الأعمال التي يتوجب عليه فعلها.. حاولت آلاء منعه من الذهاب وهي تقول برجاء:
- ايلام ارجوك ابقى معنا.

- لا استطيع يا روحي.. لدي العديد من الأشغال التي يستوجب على فعلها وانت اردت الذهاب اليوم الى المسبح وانا لن ارفض لك طلبًا فكم لولو لدي؟
قال ايلام بإبتسامة حانية لتغمغم لمار بحنق طفولي:
- كم لولو لديك! اذًا اين انا ذهبت؟ ومن ثم هي كبيرة ولا يجب ان تدللها هكذا.. الدلع والدلال كله يجب ان يكون لي وحدي.

إستدارت آلاء في مقعدها لتتطلع الى أختها الصغيرة..
- انا كبيرة يا بلهاء فمعزتي مختلفة.
ضحك ايلام بمرح وحنو:
- لكما الإثنتين نفس الحب ونفس الدلال.. لا فرق بينكما الا ان احدكما الصغيرة الكتكوتة والثانية الكبيرة فقط عمرًا أما شكلاً ومضموناً فلا هي بعمر لمار.

- عيب يا ايلام.. انا اختك الكبيرة.
تمتمت آلاء بغيظ ليتأفف عمر بحنق وضجر:
- لذلك انا لا احب البنات ولا احب ان اخرج معهن او مرافقتهن.
ثم أخذ يقلدهن:
- يبقن هل تحبني انا ام تحب هذه اكثر؟ من تحب اكثر؟ من اجمل؟....

قال ايلام ضاحكًا:
- انت اصمت.. اليوم ستبقى مع أختيك.
نظرت آلاء الى عمر وقالت:
- اليوم انا التي ستعلمك السباحة.
- ليس هناك حاجة فأصدقائي ينتظروني في المسبح.
- ايلام انت ارسلت من معنا؟ هذا اذا رأنا نموت لن يساعدنا.. اخبره ان يبقى معنا وينتبه الينا لا ان يقضي معظم وقته مع اصدقاءه وينسى اننا معه.
غمغمت آلاء بمكر وشقاوة ليهتف ايلام بعصبية موجهًا حديثه لعمر الحانق:
- عمر انتبه الى شقيقيتك وابقى معهما والا سأعيدك حالًا الى المنزل.. انا لم أخذك معهما لتتركهما وتغادر.

أخذت آلاء تسبح مع شقيقتها الصغرى بإستمتاع بعد ان ارتدت ملابس سباحة عبارة عن شورت وبلوزة دون اكمام خاصة بالسباحة بينما بقي معهما عمر قليلًا قبل ان يتوجه الى اصدقاءه..
سمعت آلاء صوتًا مألوفًا لها يقول للمار:
- لا تعملي هذه الحركة اسفل المياه.

إتسعت عيناها وبانت الصدمة على ملامحها وهي ترى كريس امامها لتقول بدهشة:
- كريس! ما الذي أتى بك الى هنا؟

- أعتقد ان المسبح للجميع وليس لشخص واحد.
غمغم كريس ثم منحها ابتسامة جميلة قبل ان يختفي تحت المياه قليلًا بينما هي لا زالت متسمرة مكانها غير مستوعبة وجوده في المسبح..
عاود كريس الخروج من اسفل المياه وهو يبعد خصلات شعره القصيرة المبتلة عن وجهه الجميل فيجذب أنظار الفتيات اليه لشدة وسامته..
وقف بجانب لمار وتساءل:
- هل هذه شقيقتك؟

اومأت وقد بدأت تستفيق من ذهولها لتستوعب ان هذا الرجل قريب منها.. إبتعدت آلاء خطوة واسعة الى الخلف في المسبح ثم نادت شقيقتها حتى تغادر المسبح فسارع كريس لإيقافها بقوله اللطيف:
- انتظري قليلًا ودعيني أعلمها مبادئ السباحة.

- ليس هناك حاجة فهي تجيد السباحة اكثر مني ومنك.. إتقنتها في المدرسة.
- اذًا دعيني العب معها.
قال كريس بهدوء ثم وجه حديثه الى لمار بلطف ورقة:
- انا اسمي كريس.. وانت؟
- لمار.
- هل تسمحين لي باللعب معك؟

وافقت الصغيرة دون تفكير وهي ترد:
- بالتأكيد.. ولكن لا تفكر انني احبذ اللعب مع الكل.. لا انا سألعب معك فقط لأنك وسيم.
ضحك كريس ثم أخذ يلاعبها كأنها ابنته او شقيقته الصغرى.. لم تستطيع آلاء التفاعل معهما وهي تتطلع اليهما بشرود والأفكار تتسلسل في رأسها وراء بعضها البعض..
بعد مدة انتبهت الى الساعة المعلقة على جدار القاعة الموجود به هذا المسبح الكبير لتجد انها قاربت على الخامسة مساءًا..
انتبهت الى شقيقها عمر الذي عاد اليهما فخرجت من المسبح ولفت جسدها بمنشفة بيضاء كبيرة وتشبثت بها فالطقس بارد بعض الشيء.. ثم نادت على لمار فتساءل كريس:
- هل ستغادران؟

همست آلاء بنعم خافتة فهمهم كريس ثم عاد الى السباحة..
قالت آلاء لعمر ان يتصل بإيلام حتى يرى اين هو ليغادروا..
بعد ان انهى عمر المكالمة قال:
- ايلام في الخارج ينتظرنا.. وقال ان نجهز انفسنا.

فور ان استدارت ومشت خطوة واحدة الى الألم حتى تغير ملابسها شعرت بيد تمتد لتجذبها من شعرها بينما يتوغل همس مرعب الى أعماقها في حين شفتيه تكاد تلامسان اذنها.. ولم يكن هذا الا محمد!
- انتِ هذا الذي تريدينه.. اليس كذلك؟ ان تبقي منفلتة كما تودين ودون ان يسيطر عليك احد!

شحبت كالأموات وهي تحس ان قلبها سقط أسفل قدميها ولم تعد تشعر بأي نبضة من نبضات قلبها.. انفاسها إنحسرت داخل صدرها من شدة الذعر.. قدماها بدتا هشتين لا تقوى ان تقف عليهما.. لم تتوقع في اسوأ كوابيسها ان يكون هذا الشخص الذي شدّ شعرها محمد.. لقد اعتقدته عمر ويمازحها بسماجته المعهودة..
ضغطت على عينيها بقوة وهي تتضرع الى الله.. لا يا الله! ليس هنا.. ليس امام الناس.. ليس امام كريس.. لا تريد فضائح..
ببطء قاتل رفعت عينيها لتراه ويا ليتها لم تفعل.. لم يكن انسانًا.. كان شيطانًا شريرًا.. وجهه إسودّ بشكل مرعب.. مخيف.. لا ملامح ولا تعابير.. غامض.. قاتم..
إرتجفت من اخمص قدميها حتى أشهق رأسها وهي تسمعه يقول بهمس شيطاني:
- هيّا الآن امامي الى البيت.

تقصت حولها بإستنجاد.. بإستغاثة.. لا يهم.. أي احد فقط لينقذها من قبضة هذا الشيطان.. واتاها ملاذها ايلام ليجذبها من قيد هذا الغاضب حد الجنون بقوة ويحررها منه..
جهر ايلام كأسد متوحش بعد ان رأى اخته المذعورة في قبضة محمد الذي بدى اقل ما يقل عنه الجحيم بعينه:
- هل جننت؟ كيف تتعامل معها هكذا؟ ماذا فعلت لكل هذا؟

نظراته المرعبة المتوعدة لم تبتعد عنها قيد أنملة وهو يهتف بعنفوان:
- هذا لا يخصك.. امرأتي وانا حر بها.
ثم تطلع الى ايلام واستأنف:
- وانت أتعتقد انك رجل يخاف على شرفه؟ احضرتها بكل سعادة الى هنا لتسبح براحة وحرية والناس ترى جسدها!

بطرف أناملها المرتعشة كحال قلبها تشبث بالمنشفة بكل قوتها حتى لا تقع أرضًا ويتم السلام على روحها..
توقفت خلف ايلام لتمنعه من التهور فهي تعرف شقيقها مجنون ولا يفكر.. أمسكت يده بينما تسمعه يهتف بغل:
- وهل تظن ان الرجولة تكون بهذه الأشياء.. الآن سأدعك ترى معنى الرجولة الحقيقي.

أبعد ايلام يد آلاء التي تحيط بتوسل بذراعه ثم هوى بقبضة يده على وجه محمد فأمسكه الآخر من قميصه حتى تجعد بيه أصابعه من قوة ضغطه وهدر بجنون:
- لن أمد يدي عليك ولكن دقيقة واحدة لن تبقى عندكم.
ثم إلتفت ليتطلع الى آلاء بعينين إجراميتين وهتف يشد على حروفه بعنف:
- ستعودين معي الآن الى الشقة.

ثم نفض قميص ايلام وإبتعد عنه ليدنو منها ويسحبها اليه الا ان ايلام بسرعة جذبها ليخفيها خلف ظهره وقال بغضب:
- مستحيل ان تعود معك.. اذا اردت ان تأخذها فإذهب الى أبي وخذها منه.. ولكن أتعلم شيئًا؟ لا! لم يعدك لديك زوجة عندنا لأنك بكل بساطة لا تستحقها.

هنا إنقطع طرف الخيط الصغير الذي كان يتمسك به للحفاظ على تعقله.. فبعصبية عنيفة إقترب محمد من ايلام ورفع قبضته ينتوي ضربه قبل ان تمتد يده لحركة مفاجئة لجذب آلاء اليه..
أطلقت آلاء شهقة مذعورة ومحمد يبتعد عنها بسبب وقوف كريس وشاب أخر بين ايلام الذي تختبئ خلفه ومحمد الذي ينتوي اعادتها الى بيته بعد الذي رأه قسرًا..
أبعد كريس محمد بينما أبعد الشاب الآخر ايلام وهتف:
- كفى توقفا والا سنتصل بالشرطة.

نظر محمد الى ايلام وهدر بهسيس انفاسه الثائرة:
- لنرى اذا كانت ستعود ام لا.
ثم حادتا عيناه ليرسخها على وجهها الذي تخفض نصفه خلف ظهر ايلام وأضاف بوعيد قبل ان يغادر:
- وانتِ لنرى كم من الوقت ستبقين في من منزل اهلك.. ستعودين يعني ستعودين!

*********************
ايلام جنّ من الغضب وصار يتوعد محمد بعدم رجوعها اليه.. طيلة الطريق يسبه ويشتمه.. ولكن آلاء لم تكن تسمع كلامه.. كان عقلها متمسكًا بتفكيرها بكابوسها الشيطاني.. محمد اذا اعادها اليه اليوم سيقضي عليها.. لن يرحمها بعد كل الذي حدث.. سيعمل المستحيل حتى تعود اليه وحينها سيفعل الويل بها..
ترجلت من سيارة ايلام كما فعلا عمر ولمار بعد توعد ايلام لعبير لأنها أخبرت محمد عن أمر ذهاب آلاء الى المسبح ثم غادر ليلقنها درسًا الا انها لم تبالي..

ستفقد وعيها من الرعب.. لا تفكر الا به وبمصيبتها التي وقعت بها.. محمد لن يمرر لها الذي حدث..
فور ان اغلقت باب المنزل كان ترى محمد يأتي خلفهم بسرعة ليرن الجرس..
بأنفاس عالية كان تجري الى الصالة حيث يجلس والدها الذي تساءل بقلق:
- ما الأمر؟ ما خطبك؟

- جاء محمد.
اجابته بذعر وملامحها كلها تبهت فقال رحيم بإستغراب:
- وماذا اذًا بذلك؟ لماذا وجهك مخطوف لونه؟

رأت محمد فجأة امامها فسارعت للإمساك بيد والدها كطفلة رأت غولًا.. ازداد تعجب رحيم وهو لا يفهم ما يجري ولكن الشرر المنبعث من عيني محمد بالاضافة الى وحشية وجهه أنبئه ان هناك مصيبة قد حدثت..
القى محمد تحية السلام فرد رحيم:
- أهلًا محمد.. خيرًا، ما خطبك؟

قال محمد بصوت حاد الا انه خافت في الآن نفسه احترامًا لعمه:
- عمي انا أتيت لأعيد زوجتي الي.. اين الخطأ بهذا الموضوع؟ هي هنا منذ اكثر من اسبوع وانا اريدها ان تعود الي.. لا افهم لماذا تبقى هنا؟ بقائها هنا كل هذه الفترة ما سببه؟ لا معنى لكل هذا.. يكفي هذا حتى الآن فهي يجب ان تعود الى بيتها.. اما بالنسبة لذلك الموضوع فهو منتهي ولا وجود له من الاساس.. هي لوحدها من إفتعلت ذلك الموضوع.

كادت ان تختفي كلها خلف ظهر والدها.. كانت خائفة منه.. لا كلمة خوف قليلة جدًا امام كل ما تشعر به في هذه اللحظة.. إستحكم الذعر فؤادها وهي تتخيل الأسوأ.. مجرد ان يضع محمد يده عليها فستذهب حياتها هباءًا..
قال رحيم بهدوء وهو يستشعر خوف ابنته مما؟ لا زال لم يفهم بعد:
- وماذا ايضًا؟ قُل كل الذي تريد قوله.

هتف محمد بهدوء مدروس وبثقة متقنة:
- يا عمي.. لا يجوز ان تكون في منزلكم وتخرج دون اذني.. انا اعلم انها في امانتك ابآن ولكن حتى الدين حرّم هذا الشيء.. ربنا يلعن المرأة التي تخرج من المنزل دون علم زوجها.. وابسط مثال سأقوله لك وانت بالتأكيد تعرفه:
"أَتَتِ امْرَأَةٌ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زوجته؟
قَالَ: لاَ تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ.
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ؟
قَالَ: لاَ تَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ بَيْتِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ كَانَ لَهُ الأَجْرُ، وَعَلَيْهَا الْوِزْرُ.
قَالَتْ: يَا نَبِي الله مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى امرأته ؟
قَالَ: لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ: لَعَنَتْهَا مَلاَئِكَةُ اللهِ وَمَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْغَضَبِ حَتَّى تَتُوبَ، أَوْ تراجع.
قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ: فَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِمًا؟
قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِمًا.
قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لاَ يَمْلِكُ عَلَيَّ أَمْرِي أَحَدٌ بَعْدَ هَذَا أَبَدًا مَا بَقِيتُ"

فغرت فاهها حتى كاد ان يصل الأرض من صدمتها بهذا الرجل؟ نن هذا الرجل الذي يتحدث عن الدين؟ لحظة لحظة.. لتستوعب قليلًا.. هل هذا محمد الذي أصبح بقدرة خارقة شيخًا يلقي احادث نبوية وكاملة؟! ليصفعها احد ما فهي بحاجة ان تستيقظ من صدمتها بهذا الشيخ الذي يقف امامها يتكلم بكل ثقة!
تطلع محمد اليها بعدم رضى ثم تابع حديثه مع والدها:
- وهي يا عمي تتجاهلني.. وكأن ليس لديك اي قيمة عندها او احترام.. أيرضيك هذا الشيء؟

- كلامك صحيح.. ولكن حتى الآن لا افهم ما الخطأ الذي ارتكبته حتى تقول هذا الكلام؟
قال رحيم بجدية ليسحب محمد نفسًا طويلًا ويقول بغضب:
- ذهبت الى المسبح وانا لا احبذ ان تذهب امرأتي الى هذه الأماكن.. ولا اقبل ان ترتدي ملابس كهذه.. وان تبقى على حريتها تتصرف.. انا احترم تربيتك يا عمي وحريتك لها ولكن الآن انا زوجها وانا المسؤول عنها.. انا لا احبذ هذه الاشياء.. بإمكانكم القول انني متخلف.. متعقد.. لا ابالي ولكن حتى لو تربيت هنا انا لا احب ان يرى احد جسد زوجتي.. هذا الشيء ليس له علاقة بالتربية كما اعتقد.. سواءًا كنت هنا في اوروبا او في اي دولة عربية تبقى زوجتي خط أحمر وممنوع ان يراها احد وهي دون ملابس وتسبح امام الناس.. والرجال تفترس جسدها بنظراتهم.. كيف لشقيقها ان يرضى على نفسه بتركها هكذا؟

في هذه اللحظة إندفع عمر الى الغرفة ليهتف بغيظ:
- انظروا الى الكذب.
ثلاثة ازواج من العيون نظرت اليه في حين استرسل عمر بذات النبرة وكأن مشهد كوميدي يحدث:
- اجل كذب! اين رأيتها عارية؟ من الأساس كانت ملتفة كلها بالمنشفة.
ليسكته احد ما كي لا تنفجر ضاحكة وتضيع هيبة الموقف كلها اذ كان يوجد من الأساس هيبة؟!
ارتفعت حدقتاها لتنظرا الى وجوم محمد وتجاهد على كتم ضحكتها..
قال محمد بإصرار:
- كانت عارية ومعظم جسدها مكشوف.. هي لم تكن طيلة الوقت ملتفة بالمنشفة.. هل كانت تسبح بالمنشفة مثلًا؟

- لا.. انت تقول انك رأيتها.. حسنًا اين رأيتها واي لون كانت ترتدي؟
هتف عمر بنبرة مضحكة رغم جديته التامة وهو يستفز محمد فقاومت قدر آلاء الإمكان ان لا تضحك على سخافة شقيقها الأبله وطريقة دخوله الدرامية..
ثبت عمر نظراته على محمد واضاف:
- ماذا؟ لم تقل بعد اي لون كانت ترتدي.. ها أتعلم سأسهل عليك المهمة وحتى تعرف ماذا رأيت فثوبها كان عبارة عن قطعتين وليس قطعة واحدة.

ودت ان تلطم وجهها على غباء شقيقها الذي اثبت بكلامه دون ان يفقه انها كانت ترتدي "مايوه" وليس ملابس سباحة ثانية..
عينا محمد اتسعتا بقوة عنيفة.. ووجهه إكفهر ليبدو مخيفًا بكل ما للكلمة من معنى.. قطعتين صغيرتين! ومن لا يعرف كيف تكون ملابس السباحة التي عبارة عن قطعتين؟ من لم يفهم بعد؟ يا لليلتك السوداء يا آلاء!
هتف رحيم بسرعة يتدارك الموقف المشحون:
- عمر انهض واخرج ولا اريد ان اسمع صوتك وانت يا آلاء ايضًا اذهبي واتركيني لوحدي مع محمد.

نظرت الى محمد لتشاهد قبرها في وجهه مرسوم داخله.. لا شيء آخر! انسحبت من الصالة ورائحة زوجها المتوحشة تلاحقها فتخيفها اكثر.. اغلقت باب الغرفة عليها وهي تحاول التفكير بما يتحدث والدها مع محمد المجنون..

لم يكن يسمعه.. لم يكن يسمع والدها.. غيرة بدائية وغضب عنيف ليس له مثيل ينهشا عظامه بضراوة.. لن يتركها ثانية واحدة أخرى في هذه المنزل.. سيعيدها اليه وسيكسر انفها على جراءتها بإرتداء ملابس عارية كهذه لعيون غيره.. أتظن نفسها ستتخلص منه؟ وكما قالت حلم ابليس بالجنة ان تعود اليه فأيضًا حلم ابليس بالجنة ان يأتي ذات يوم خلاصها منه..
جلّ ما يهمه في هذه اللحظة ان تعود اليه.. يجب ان يضغط على عمه.. يجب ان يستحضر عقل المحامي الماكر الذي يجيد نصب الأمور.. وأحس محمد انه رغم عصبيته تمكن بعض الشيء من إقناع عمه ولكن القرار الأخير في يد تلك التي يود ان يبرحها ضربًا على ما سمعه وما رأه..

عادت آلاء الى الصالة بناءًا على نداء والدها.. توقفت بجانب الباب وكأنه سيغيثها من عذاب وعقاب هذا الشيطان.. تخشى ان تدلف فيجذبها من شعرها ويعيدها الى الشقة وحينها لن يقدر احد على انقاذها منه.. لا والدها ولا اخوتها.. مستحيل!
قال رحيم بعطفٍ:
- آلاء محمد يريدك ان تعودي معه الى المنزل.. هل تعودين؟

بسرعة طفولية وخوف قرأه والدها بعينيها كما التقطه محمد كالقناص الماهر الا ان في هذه اللحظة خاصةً لم يؤثر به كانت تهز آلاء رأسها برفض:
- لا يا أبي!
اشاح رحيم نظراته قليلًا عن ابنته ليتطلع الى محمد الذي يكاد ان يجعل ابنته تخر صريعة من غضب نظراته الحادة.. للمرة الثانية ترفض ان تعود اليه علنًا.. وهذا ما لم يتحمله محمد البتة..
قال رحيم بهدوء:
- دعها هذه الأيام لتهدأ وانت ايضًا اهدأ ومن ثم سيكون لنا كلام آخر.

- عمي أعذرني ولكن لا استطيع.. لا اشعر بالأمان حينما أترك ابنتك بعيدًا عن نظري.. قد اراها غدًا في ملهى ليلي او حفلة قذرة...!
هتف محمد بحزم ليقول رحيم مراوغًا:
- دعها يا محمد.. وأعدك انها لن تخرج من باب البيت الا بعلمك وموافقتك.. وانا سأتصل بك بنفسي لأبلغك اذا كنت قلقًا ان لا تتصل بك وتبلغك.. انا سأنتبه الى كل شيء تفعله ولن ادعها تقوم بفعل شيء قط لا يرضيك.. ولذلك كفى غادر الى منزلكم وليهديك الله.

غادرت آلاء مسرعة الى غرفتها تجنبًا لأي ضربة محتملة من قبل محمد حينما يمر من جانبها بعد ان نهض عن مكانه بعصبية حتى يغادر..
زفرت آلاء براحة بعد ان سمعت صوت باب المنزل الرئيسي للمنزل يُغلق دلالةً على مغادرته..
لم تكد ان تنهي كلمة حمدًا لله على عدم اصطحابه لها حتى وصلتها رسالة منه على هاتفها..
"تعتقدين انك هربتِ، أليس كذلك؟ لا عزيزتي.. انت ما زلتِ لا تعرفين محمد كما يجب اذا ظننتِ ذلك.. اذا لم تقعي في قبضة يدي اليوم فستقعين غدًا واذا ليس ليس غدًا فبعد اسبوع، شهر.. ولكن صدقيني انك قريبًا جدًا ستكونين في قبضتي، وتربيتك هذه سأعيدها لك من جديد وهذا الدلال الذي تتباهين به سأخرجه من عينيك"

عاد التوتر يكتنفها والخوف يغزوها غزوًا.. ليتها لم تذهب الى المسبح.. تبًا لعبير التي تنقل كل كلمة وكل حدث دون ان تنتظر او تتمهل ولو دقيقة.. وتبًا له ولغضبه ولخوفها اللعين الآن منه.. هذه العائلة نقمة.. نقمة حقيقية..
وصلتها رسالة ثانية وقد كانت من كريس..
"هل انت بخير؟"
يا الهي! الفضيحة حدثت امامه وهي لا تملك ادنى فكرة كيف ستتصرف سواءًا معه او مع محمد بعد الآن.. ولكن في كل الأحوال هي واقعة في مصيبة كبيرة أسمها الرجال! وتبًا لهم ولعنجهيتهم..

خرجت من الغرفة ليقابلها وجه والدتها التي هتفت بضيق:
- هل اعجبك الذي حدث وما يحدث؟

- لماذا؟ ما الذي حدث؟
تساءلت آلاء دون ان تجد قدرة صريحة على استيعاب اي شيء فقالت جميلة بسخط:
- آلاء كفى غباءًا.. اعتقد ان عليك انهاء هذا الموضوع.. تصرفاتك هذه لا تصح ولا تجدي نفعًا يا آلاء.. انت بهذا العناد وبأسلوبك هذا جعلتيه يفقد عقله!

- عادي يا أمي، هذا المطلوب.. انا اريده ان يفقد عقله.. وليحلم فقط ان اعود اليه.. ربما بعد أربعة أو خمسة أشهر قد أفكر اذا اعود اليه ام لا.
هتفت آلاء بحقد لتغمغم جميلة بإستياء:
- الذي تفعلينه خطأ يا أمي.. هذا زوجك وليس صديقك وانت تلعبين معه.. نحن تفهمنا انك في البداية كنت مقهورة من خيانته لك ولكنك عرفت الحقيقة الآن وتوضحت الصورة لعينيك.. ولذلك عليك مراجعة افكارك وافعالك.

أيقنت آلاء ان خالتها سميرة تحدثت مع امها ولعبت في عقلها.. وبالتأكيد ستتحدث ايضًا مع إخوتها..
قبل ان تنام بنصف ساعة كان محمد يتصل بها ومع ذلك لم ترد.. ليست بقادرة على سماع المزيد او من غيره ودون شك ستراه غدًا في المدرسة.. على اي حال هي ستذهب غدًا فقط لتعمل امتحانها ثم ستعود الى المنزل صباحًا..

**********************
في صباح اليوم التالي..
حاولت ان تنحي تفكيرها بمشاكلها مع محمد جانبًا وتركز في دراستها.. فالآن يجب ان تراجع لإمتحانها قبل ان تتوجه الى المدرسة.. مستقبلها وطموحها اهم من الجميع.. وهي تريد الحصول على معدل عالي جدًا لتدخل الكلية التي تريدها وتحبها.. ومحمد ليس أهم من مستقبلها بالتأكيد..
نزلت من الباص لتتفاجأ بسيارة محمد في موقف السيارات.. لم تتوقع انه سيأتي منذ الصباح الباكر لينتظرها في مدرستها.. اجل اعتقدت انه سيأتي الى المدرسة لكن لا ان يكون في انتظارها حتى قبل دخولها المدرسة!

رأى تصلب جسدها وهي تتطلع الى سيارته دون ان تتقدم فأشار اليها بيده حتى تأتي اليه..
إلتفت اصابعها بقوة حول طرف حقيبتها تلتمس منها الأمان.. الدعم.. وهل ستظن ان حقيبة ستحميها منه؟
سارت ببطء وهي ترجو الله ان لا تحدث كارثة ما او يأخذها الى مكان ما الآن..
وقفت بجانب سيارته بقلق حقيقي على نفسها فأنزل محمد زجاج نافذة باب السيارة وقال بهدوء:
- أصعدي.

وهي اكثر من تعرف هدوءه وتبعاته.. بتوتر حاولت اخفاءه بنبرة صوتها الجليدية قالت:
- لا استطيع الصعود او الذهاب لأي مكان.. لدي امتحان بعد نصف ساعة.

- لا تخافي.. انا ايضًا لدي عمل فلن نذهب الى اي مكان ولن نتأخر.. فقط سنجلس قليلًا في السيارة نتحدث وبعد ذلك اذهبي.
قال محمد بذات النبرة الهادئة فلم تدري أتثق به وتصدقه ام تتركه وتذهب وتتسبب لذاتها بفضيحة امام المدرسة كلها.. ولكن مظهره الهادئ شجعها بعض شيء لتتوكل على الله وتصعد الى السيارة بقلب متوجس.. قلق..
استطرد محمد وهو ينظر امامه.. الى حركة الطلاب فقط:
- متى ستعودين الى الشقة؟ انت منذ اكثر من اسبوع خارج البيت فمتى ستعودين؟ انا اعتقد ان الأوان قد آن لتعودي.. اذا كنت غاضبة ولا زلتِ تشعرين بالضيق مني فأنا ليس لدي مشكلة لتتابعي هذا الحزن والغضب في بيتك.. يجب ان تعتاد انك حينما تريدين ان تحزني.. او ان تأخذي اي موقف كان فقط في بيتك.. دون ان تتركيه وتغادرين.. ام ان لديك شيء آخر في رأسك؟

- شيء مثل ماذا؟
تساءلت وقد نظر اليها اخيرًا فهتف محمد بقسوة:
- يعني ان تتطلقي لتعودي الى ارتداء ملابسك الشبه عارية وتخرجين كما ترغبين وتتحدثين مع هذا وذاك.. مثلما كنتِ تمامًا البارحة في المسبح.. أي تعودين الى الفساد الذي كنتِ به.

تطلعت اليه بحدقتين مشروختين.. اوجعها قلبها.. هل يراها الى هذا الحد قذرة دون قيمة او مستوى؟ وهي لا تستطيع السكوت بعد الآن.. فسترد له اهانته وتريه قدر نفسه..
- هل انهيت الكلام الذي لديك؟ اذًا حان دوري الآن للرد على كلامك وتسمع انت.
إعتدلت بجلستها لتصوب سهامها العسلية وتطلقها بحقد كلماتها:
- انا لن اعود اليك.. لا الآن ولا لاحقًا.. فحاول ان تفهم هذا الشيء بشكل جيد.. ولا يوجد شيء في عقلي اخطط له كما تحاول القول.. لا.. اتعلم؟ يوجد ولكن لن تعرفه الآن بل فيما بعد ان شاء الله ستسمع عنه.

ودون ان تفكر بحجم كلماتها وبالعواقب التي ستليها كانت تردف:
- وذهابي الى المسبح ليس عيبًا ولكن انت هو المتخلف.. وكل شيء عندك يسير وفقًا لمزاجك فالذي يعجبك تفعله والذي لا يعجبك لا تفعله.. والآن انا في منزل أهلي وانت ليس لديك سلطة ولا حكم علي.. حتى ولو رأيتني مع رجل آخر لا يحق لك التدخل.. ولكن لا تقلق فأنا لن افعل ذلك لأن تربيتي التي لا تعجبك لا تسمح لي بفعل شيء كهذا كما وانني اخشى الله والذي الله وحده من يعلم اذا كنت تعرفه انت حقًا وتخافه!.

-------------------------
يتبع..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:11 AM   #34

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل التاسع وعشرون

ابتسم.. ابتسم تلك الإبتسامة التي هي اكثر من يعرفها.. ابتسم بوحشية قبل ان يهوي بظهر راحته على وجهها بعنف جعل رأسها يرتطم بمقدمة السيارة.. ثم صاح بها:
- ابقي عند اهلك بالقدر التي تريدينه.. وسترين اي كلب سيقترب منك او حتى يسأل عنك.. هيّا انزلي.

ترجلت من السيارة بقلبٍ مرتجف.. دون ان تلقي على مسامعه كلمة واحدة.. كل ما كانت تبتغيه هو الهروب منه..
بخطوات سريعة بدت ثقيلة جدًا اتجهت الى حمام المدرسة لتصب كل بكائها في الحمام.. ضربته لها تؤلمها.. اجل هي استفزته ولكن الا يحق لها بعد كل الذي يفعله معها؟
اناملها ارتعشت وهي تتحسس مكان ضربته على أنفها.. مقهورة.. مقهورة وليس لقهرها حد.. الى اين وصلت بسببه.. لديها إمتحان الآن ولا تعلم كيف ستفعله بعد لقائها بمحمد.. يا ليته لم يأتي.. عسى ان تنكسر يده لترتاح من بطشه..

اخفت مكان ضربته بشعرها قدر الإمكان ثم دلفت الى الصف لتجد الأماكن كلها ممتلئة ولا يوجد مكان شاغر الا بجانب كريس الذي كان سبق وحجز لها مكان بجواره..
- حجزت هذا المكان لك.
- شكرًا.

- هل انت بخير؟
سألها كريس بقلق فهي لم ترد عليه منذ البارحة.. والافكار اخذت تعصف به يمينًا ويسارًا بعد الشجار الذي شاهده بعينيه.. قضى الليل يفكر بها.. ما طمئنه صدقًا انها لم تعود الى محمد وقد عرف من خلال بقاءه في الشقة حتى يعرف اذا كانت ستعود ام لا..
اومأت آلاء له دون صوت وحاولت ان تضع كل تركيزها في الورقة التي امامها.. ولكن كرهها لحياتها ولمحمد تحول لوشاح غير مرئي امامها ليحجبها عن الكلمات التي تبعثرت امامها ولم تعد تفهم ايًا منها..

حاولت ان تركز.. حاولت ان ترفع قلمها وتحل الاسئلة التي امامها ولكن ما حدث بينها وبين محمد قبل قليل بالاضافة الى ضربه لها قيّدا استيعابها وحركتها..
إنتهى نصف الوقت ولا زالت تحدق بالورقة التي لم تكتب عليها حتى اسمها.. تحدق بعينين فارغتين شاردتين.. وانتبه كريس لورقتها ولحالها فإستبدل ورقتها بورقته التي كتب عليها اسمها وهمس لها:
- حاولي ان تدبري امرك بحلي.. لا اريدك ان ترسبي.

ثم ابتسم لها بصدق.. ليس كما كان يفعل سابقًا حالما كان يبتسم لها تلك الابتسامة الوسخة المصحوبة بدناءة تفكيره ووقاحته.. لا ابتسامة صافية تمامًا لا يشوبها وسخة واحدة..
غمغمت آلاء بإمتنان:
- شكرًا.

لم يرد على شكرها بل التقط ورقتها ليقوم بحل الاسئلة منذ البداية فسلمت الورقة ثم غادرت المدرسة وعادت الى بيت اهلها..
تفاجأت والدتها حينما رأت أنفها المكدوم فسألتها بقلق:
- ما هذا؟ ما خطب أنفك؟

- البركة بإبن اختك الذي أتى الى المدرسة ليضربني وغادر.
هتفت آلاء بسخرية وحقد لتسفسر جميلة:
- لماذا؟

- لا اعلم.. متحامل علي منذ البارحة.. هذا هو الذين تريدون ان تجعلوني اعود اليه، اليس كذلك؟
قالت بكره ثم اغلقت باب غرفتها خلفها وهي تكاد لا تبصر امامها من حقدها على الجميع.. بينما توجهت جميلة الى هاتفها لتتصل بشقيقتها وتلومها على تصرفات ابنها وكأنه سيجدي نفعًا؟!...

***********************
بعد يومين..
في مدينة أوستند..
تتأمل البحر بعينين حالمتين.. عنيدتين.. وخائفتين!.. لم تكن يومًا من رواد البحر او من عشاقه.. لطالما خافت البحر بقدر ما تحب ان تراه.. كانت تخشاه.. تراه غدار.. هدوءه يشبه ثورة غير متوقعة في اي لحظة.. ساحر الا انه ماكر.. مبهم.. غامض..
كم يشبهه محمد! في وسامته الخارجية.. هدوءه الذي يضم عاصفة هوجاء كنذير شؤم.. بجاذبيته الطاغية وقساوة قربه.. تخشاه كما تخشى محمد.. وكما تحب وترغب الإقتراب منه الا انها لا تجرؤ.. يشبهه حتى بمشاعرها نحوه.. بمشاعرها التي بدأت بالتحرك وفور ان وضعت قدمها في مياهه مغلقة عينيها مستمتعة بملوحة عشقه بعث بدوامة مريعة لتجرفها الى القاع.. القاع المرير التي ذهبت اليه للمرة الأولى راضية!..

أغمضت عينيها والرياح الباردة تلمس وجهها بنعومة فتنتشي قربها اكثر.. ربما هي تشعر بالراحة وربما لا؟.. محمد لم يتصل بها منذ اخر مرة ضربها.. وامها اخبرتها انها تحدثت مع والدته ووعدتها انه لايقترب منها مرة أخرى ويتعرض لها بأذى.. كان هذا كل بمقدورهم فعله.. مجرد كلام!
والآن في هذه المدينة البعيدة جدًا عن لوفن حيث تعيش تبتسم.. فمحمد لا يعرف عن مجيئها الى هذه المدينة مع والدتها وشقيقها محمود ليقضوا هذه الليلة هنا عند اقاربهم.. والأهم من ذلك هو لا يوافق البتة على زيارتها لهم نظرًا الى كون معظمهم شباب..

الأجمل ما في الموضوع كله انها حالما سألت والدتها اذ كان محمد موافقًا على مرافقتها لها اخبرتها ان والدها قال كل ذلك الكلام حتى يجعله يصمت ويغادر.. ولم يكن يعنيه بشكل حرفي..
وحينها ابتسمت بخبث.. والدها لم يخبره.. ومحمد لا يقبل ان تزور هذه العائلة ابدًا فكان لا بد ان تستغل هذا الشيء لصالحها.. ولذلك بعد وصولهم الى هذه المدينة وبعد ان غابت الشمس نشرت بعض الصور التي التقطتها في مواقع التواصل الإجتماعي حتى يراها محمد ويفقد صوابه كما ترغب تمامًا..

لم يخيب ظنها فخلال ساعة واحدة كان يتصل بها الا انها قصدت تجاهله ووضعت هاتفها على وضعية الصامت وتركته يتصل ويتصل دون ان ترد.. ابتسمت أخيرًا حينما توقف اهتزاز الهاتف بعد اتصاله للمرة الرابعة..
ستجعله يندم على كل ما فعله معها.. ستستغل نقاط ضعفه لتثيرها اكثر.. ولم تكن بحاجة حقًا لتفعل فهو كان كالجمرة يمشي على الأرض ويحرق كل ما يطئه من شدة غضبه..

غضبه لا يتباطأ.. لا يخمد.. يزداد.. يهتاج.. ووسط كل هذا كان يسيطر عليه احساس عظيم بالعجز والإنكسار.. انكسار لن يدع احدًا يراه.. وخياله يسرح ويسرح الى البعيد المستحيل.. تتعمد استفزازه ولو احد غيرها إستفزه كان سيتحول الى قطعة جليد لا يبالي ولكنها هي.. آلاء.. الحرف الواحد منها يؤثر به.. كان جنونًا ما اصابه وهي تجهر بأنيابها الضارية انها لا تريده.. لا شيء فعله يستحق المبادرة والتحمل للبقاء معه والإستمرار بهذه العلاقة..

جنون تعاظم وكأنه كالريح السريع الذي لا يصده مرصاد.. سريع.. قاتل.. يطيح بكل شيء.. لا تريده.. لا تود سماعه.. لا تود سماعه لتفهمه وتفهم ما حدث.. والكارثة انها لا تبالي.. متنازلة عنه.. وجوده وعدمه لا يفرق معها وكأنها لا تحمل ذرة حب واحدة تجاهه.. وتزيد وتزيد بتصرفاتها.. بكلماتها.. بتخطيطها للزواج من غيره.. بمحاولاتها إذلاله بكلامها.. برفضها له اكثر من مرة امام الجميع.. بتمردها على كل قوانينه.. بملابسها الشبه عارية..

يهتاج ويهتاج.. والأفكار تدور بيه وتدور ولا ترسو به الا عند فكرة واحدة.. واحدة لا غير.. آلاء لا تحبه.. هي لم تحبه يومًا.. كلمات الحب لم تكن الا مجاملة منها شفقةً على مشاعره تجاهها.. لو كانت تحبه صدقًا ما كانت ستعاند هكذا.. ما كانت ستكابر.. ما كانت ستتركه دون ان تسمعه.. دون اعطاءه فرصة واحده للشرح.. لو كانت تحبه لإحتوته في كل مرة.. الا انها في كل مرة.. في كل مرة كانت تحاول ايجاد ثغرة ما لإيقاف هذا الزواج وقطع هذا الرباط الرقيق لتبتعد عنه..

بعد وقت مضى سمعت احدهم يخبرها ان هناك احد ما يتصل بها فتركت البنات التي تجلس معهن وغادرت لترد على الاتصال.. لا بد انه محمد.. ولكن المتصل لم يكن محمد بل كانت والدته.. غريب! ماذا تريد منها أمه؟!
ردت آلاء على اتصالها وبادلتها السلام لتتساءل سميرة عن مكانها ولماذا ذهبت آلاء اليهم ومع من والأهم متى ستعود..
اجابت آلاء على سؤال خالتها الأخير:
- سنعود غدًا خالتي فلن نستطيع العودة اليوم فأنت تعلمين ان هذه المدينة بعيدة والطريق طويل ومحمود يريد قضاء هذه الليلة مع الشباب.

- فهمت...
قبل ان تكمل سميرة جملتها كان الهاتف ينسحب من يدها ويأتيها صوت محمد الحاد العالي:
- كيف تذهبين دون اذني؟ على اي اساس تخرجين من البيت دون علمي؟

أبعدت الهاتف عن اذنها من صراخه للحظات قبل ان تعيده وترد ببرود:
- انا لا أكلمك.. انا اتكلم مع خالتي.. وعلى اي اساس خرجت؟ فالجواب على اساس انني الآن عند أهلي وهم المسؤولين عني.

هز محمد رأسه بوعيد وابتعد عن والدته قليلًا ليهتف بغضب ووعيد:
- هم المسؤولين عنك، اليس كذلك؟ اخبريني اذا اتيت الآن وسحبتك من شعرك وأعدتك الى البيت هل سيتجرأ احد على التفوه بكلمة واحدة؟
ثم إستأنف بنبرة اقرب الى الجنون:
- اخبريني ما الحل معك؟ لم يعد ينفع لا كلام ولا ضرب ولا صراخ.. اخبريني ماذا افعل معك حتى يأتي ما أفعله بفائدة.. انت فقط تريدين جعلي مجنونًا.. تريدين فقط ان تعانديني.. انت تعلمين انني لا احب هذه الناس ولا احب ان تذهبي اليهم ومع ذلك ذهبت اليهم والأدهى ستنامين في منزلهم!
- محمد انا لم اذهب اليهم لوحدي.. انا ذهبت برفقة أمي.. واذا انهيت كلامك اوصل تحيتي الى خالتي ومع السلامة.
قالتها بهدوء ثم اغلقت الخط..
خائفة ان يأتي حقًا الى هنا ويتسبب لها بفضيحة.. محمد مجنون ولا يهمه شيئًا.. يا الله ما الحل؟ لم يكن لديها اي حل سوى مراسلة خالتها لتنقذها..
"خالتي انا اتيت برفقة أمي ومحمود وغدًا منذ الصباح سنعود.. والشباب كلهم ذهبوا لقضاء ليلتهم في بيت مصطفى.. ونحن البنات سنبقى هنا في منزل راضي ولذلك ارجوك خالتي لا تدعي محمد يأتي.. لا اريد فضائح فكلهم يعرفون ان محمد لم يأتي معنا لأن لديه عمل"
بسرعة وصلها رد خالتها..
"لا تخافي، لن يأتي.. انا سأتكلم معه"

بعد نصف ساعة اتصل محمد بها مرة أخرى فنهضت بهدوء وخرجت الى حديقة المنزل لترد عليه كي لا تشعر احدى البنات بشيء..
- نعم محمد؟ هل هناك شيئًا لا زلت لم أسمعه بعد واتصلت الآن لتقوله؟

- حمدًا لله انك رديتِ على اتصالي.. لا، اتصلت حتى افهم الى اين تريدين الوصول.. وانا توصلت لشيء ما.
قال محمد بهدوء قاسي فتساءلت آلاء بحاجبين معقودين:
- وما هذا الشيء الذي توصلت اليه؟

ببرود اجابها:
- انتِ تقصدين فعل كل هذا الذي تقومين به حتى اخرج ان طوري وأطلقك.. وبعد ان أطلقك ستعودين لذلك الوسخ الجبان!
وكأنه هوى بمطرقة حديدية على قلبها اذ ان الألم المبرح الذي شق جدران قلبها لم يكن عاديًا ابدًا.. بهمس باهت قالت:
- من هو؟

- هل هناك غيره؟ كريم! ولكنه حلم ابليس بالجنة اذا سمحت له بلمس شعرة منك او حتى اسمح لالكِ ان تصلي اليه.. انت امرأتي انا، هل تفهمين؟
ختم كلامه بنبرة عنيفة متملكة.. شحب وجهها.. بهتت خفقات قلبها.. والصدمة إستولت على عرش عقلها.. كريم؟! وما شأن كريم ليقحمه بهذه المسألة؟ الى اين سافر به تفكيره؟ لماذا لم يفكر انها مجروحة منه؟
هزت رأسها بعنف تدفع عنها صدمتها ثم هدرت بعنف وقهر:
- هل جننت؟ كيف تقول هذا الكلام؟ اي لعين هذا الذي سأعود اليه؟ هل تراني هكذا، اعيش مع رجل وأفكر برجل غيره؟ الى هذه الدرجة انا ساقطة من عينك؟

قال محمد بجدية وضيق:
- تصرفاتك هي السبب.. تصرفاتك هي التي جعلت عقلي يفكر بألف موضوع.. انت سبب تفكيري هذا.
غمغمت آلاء بمرارة وعلى وشك البكاء:
- اسأل نفسك يا محمد.. انت مخطئ واتيت لإفتعال المشاكل حتى اكون انا في النهاية المخطئة وانت صاحب الحق.. هذه هي كل مشكلتك.. الا تفكر قليلًا لماذا وصلنا الى هنا؟ الى هذا الحال؟ بدلًا ان تحل هذا الوضع انت تقوم بتعقيده اكثر واكثر فتكبر المشاكل اكثر مما هي بالفعل كبيرة.

- آلاء انا لم اقول هذا الكلام من فراغ او عبثًا.. تصرفاتك كلها هي السبب.. تجعلني افقد عقلي.. الا ترين نفسك ماذا تفعلين معي؟ الست منتبهة؟
هتف محمد بإنفعال وقد تعب من كل ما يحدث.. حقًا تعب..
قالت آلاء بجمود دون ان تبرر.. تمامًا كما فعلت حينما اتهمها كريم بخيانتها له:
- حسنًا اذًا.. اذا كنت ترى هذا الشيء فلك مطلق الحرية.. تصرف براحتك.. لن اقول شيئًا آخر!

زمجر محمد بعصبية بسبب برودها.. تجاهلها التام لكل كلمة يقولها وكأنها تريد ترسيخ فكرة انها لا تريده وانه لم يهمها اطلاقًا في عقله.. وهذا ما يأخذه قسرًا الى اعماق الجنون والغضب..
- ما هو الذي براحتي؟ دعيني افهم.. فقط دعيني افهم لماذا تتصرفين معي هكذا وبعد ذلك اعيدك ان لا افتح معك هذا الموضوع او حتى اسألك متى ستعودين.. افعلي ما ترغبين وعودي في اي وقت تريدينه ولكن قولي.. فقط اخبريني السبب الحقيقي!

كان يشعر بالعجز.. بالقهر.. فإستفزازها هذا له وبرودها معه وكأنها لا تبالي ابدًا به يقتلانه بسكين بارد..
قالت آلاء بهدوء:
- حسنًا اذا كان هذا الشيء سيجعلك تبتعد عني.. لا يوجد موضوع آخر.. كل ما في الأمر انني اشعر بالقهر منك وبالاضافة الى ذلك موضوع خيانتك والكلام الذي قلته لي.. هذا هو الموضوع كله.

- ولكنني لم اخونك! وسبق وقلت لك وانا متأكد انك ايضًا متأكدة انني مستحيل ان افعلها وأخونك !
هتف محمد بيأس.. بإستياء.. الى متى سيستمر هذا الحال الذي أزهقه تعبًا؟
ردت آلاء بصراحة:
- انا لست متأكدة منك يا محمد اذا حقًا قمتَ بخيانتي ام لا.

- الا ثقين بي؟
سألها بنبرة متعبة حقًا فصمتت ليبتسم ويهز رأسه.. هي لا تثق به.. سكوتها اكبر دليل!
اغمض عينيه للحظات ثم فتحهما وقال:
- حسنًا اذًا ابقي عند اهلك.. اعتقد انني توسلت اكثر مما يجب.. إذ ان لم يبقى لدي اي كرامة بسببك.. فكفى يا آلاء ابقي هناك ولن اقول لك عودي الي او حتى متى ستعودين.. انت رديتيني ورفضتيني اكثر من مرة وهذا حقًا يكفي بالنسبة الي.. وكما ارى ان كلام الجميع صحيح.. نحن يجب ان نبتعد عن بعضنا البعض هذه الفترة.. نحن بحاجة الى الإبتعاد حتى نراجع أنفسنا وكذلك نمنح ذاتنا المجال للتفكير وإتخذال القرار الصحيح.. انتبهي الى نفسك.. مع السلامة!

ودون ان يسمع ردها أغلق الخط! لا لا.. لا يعقل ان يكون هذا محمد.. لا بد ان خالتها تحدثت معه واخبرته ان يتوقف عن ملاحقتها حتى تركض هي خلفه.. هي اكثر من يعرف هذه العائلة..
ولكن.. بقيت تنظر الى الهاتف بإبتئاس وحزن.. اليس هذه ما تريده؟ اليس هذا ما كانت تسعى اليه طوال هذان الأسبوعين؟ وها هو ينفذ لها كل الذي ارادته فلماذا تشعر بالضيق؟ لماذا هذا القهر؟ لماذا هذا الإختناق المميت؟ هي ماذا تريد بحق الله؟

لا هي لا يهمها اذا ابتعد عنها ام لا.. ما أزعجها هو انه فكر بذلك اللعين كريم.. تفكيره هذا يعني انه لا زال لم ينسى علاقتها مع كريم.. لم ينتهي هذا الموضوع بعد..
جفاها النوم ولم يذبل لها جفن.. حتى الصباح بقيت تفكر بكلامه.. كلمة كلمة.. هو محق.. يجب ان يبتعدا عن بعضهما البعض.. من الأساس صعب ان يستمرا معًا.. هو عصبي ومتهور دائمًا معها وهي طويلة اللسان واندفاعية ..
هما لا ينفعان لبعضهما البعض.. هي عنيدة وهو أعند.. فلماذا البقاء والاستمرار؟ هذا افضل حل ولكن لماذا قلبها يؤلمها الى هذه الدرجة؟ لماذا تشعر انها تكذب على نفسها لا اكثر؟ لماذا لا تقدر على الإعتراف انها موجوعة بسببه ولا تريد العودة اليه ولكن في الوقت نفسه تريده ان يبقى قريبًا منها ويستمر بمحاولاته لتعود اليه.. لماذا النساء هكذا؟ غريبات! يركضن خلف الشيء! يا لحيرة وصعوبة فهمهن..

*******************
تمر الأيام بعد عودتها من أوستند.. محمد صدقًا توقف عن ملاحقتها وعن الاتصال بها.. إبتعد عنها للحد الذي جعل صاحب الشقة يتصل بها بنفسه ليخبرها عن موعد توقيع عقد ايجار الشقة حتى تأتي ولم يفعل محمد! إبتعد بكل ما للكلمة من معنى وهذا الأمر مهما انكرت يزعجها..
هذا كله بسبب خالتها.. واثقة انها هي السبب فبعد ان رأتها كيف تتحدث مع ابنها دون شك قالت له ان يتصرف بهذه الطريقة المختلفة معها حتى تعود هي بنفسها اليه!

تقف برفقة طلاب صفها الذين يتناقشون حول اسئلة الإمتحان.. تسرح في البعيد وما البعيد الا محمد وافعاله الغريبة بينما عينان زرقاوان تراقبانها بإهتمام صادق حتى انقبض قلبه وهو يرى خطًا رفيعًا من الدم يسيل من انفها.. فبنية صافية وبعفوية شديدة إقترب منها ووضع منديلًا ابيضًا تحت انفها ليمسح الدم عنه بينما يقول بقلق:
- ارفعي رأسك.. أنفك ينزف.

وكأنه افعى وقرصتها.. فتلقائيًا تغلغل السم في عروقها لتبتعد عنه بحدة وتصيح بغضب دون اي تفكير:
- انت كيف تتجرأ وتلمسني؟ من سمح لك ان تمد يدك على وجهي؟

بهت وجه كريس امام هجومها الذي بغته.. كان قصده شريفًا ونتيجة لخوفه عليها إقترب منها ولمسها..
رفع يديه بإستسلام وقال بنبرة شجية وكأن صراخها هكذا امام كل الأنظار كسر شيئًا ما بداخله او بكرامته!
- أسف.. لم اقصد شيئًا مما فهمتيه.. فقط رأيت انفك ينزف وانت لا تشعرين ولذلك لمستك لا غير.. لا يوجد شيء سيء في عقلي كما تعتقدين.

إعتذر كريس مرة أخرى والأنظار لا زالت مثبتة عليهما فالذي حدث كان في ممر المدرسة.. ثم تركها وغادر لتبعد الاء المنديل عن انفها - دون ان تعي بعد ما الذي يحدث او ما حدث - لتجد المنديل ممتلئ بالدماء..
هتفت يارا بها بسرعة بعد ان اخفضت رأسها:
- آلاء انتبهي ولا تخفضي رأسك واجلسي.

جلست آلاء لتنظر الى ظهر كريس الذي يسير مبتعدًا ليوخزها ضميرها.. هو لم يكن يقصد لمسها ولكنها كانت مشوشة فكريًا فتلقائيًا بدر منها رد الفعل العنيف هذا..
سمعت عتاب يارا لها فكريس فعلًا لم يقصد إزعاجها لتقول آلاء بضيق:
- كفى يارا.. لا تزيدي من شعوري بالذنب!

كانت هذه هي المرة الأولى التي ينزف انفها.. ربما بسبب البرد لا تعلم! تفهمت يارا حالها فغادرت آلاء المدرسة وتذكرت ان لديها موعد مع صاحب الشقة..
محمد لم يتصل بها ابدًا.. حتى انه لم يسألها اذا كانت تريده ان يأتي ليصطحبها معه للذهاب الى هذا الموعد..
وفي الواقع هذا الشيء كان يغضبها.. يستفزها.. ويقودها الى فقدان سيطرتها على اعصابها.. وكان القربان الأول لشعورها بالضيق هذا هو كريس بما فعلته معه في المدرسة..

وصلت الى المكان الذي بعثه لها صاحب الشقة في رسالة نصية لتجد محمد قبالتها.. وكان هو اول من تماسك نفسه بعد كل هذا الفراق الذي دام لأيام طويلة فهز رأسه بتحية باردة دون اي كلمة وإبتعد قليلًا عن الباب الذي فتحه بكل شهامة حتى تتقدم هي اولًا..
اخذ قلبها يخفق بعنف شديد.. وكأنه يعدو في سباق مصيري.. لا هذا الغباء لا يجدي نفعًا.. يجب ان تكون اكثر برودة منه..

ولجت الى الداخل دون حرف واحد واستغل محمد سيرها امامه ليحاول ان يروي البعض من شوقه الجائع حتى اليأس لها.. آه كم اشتاق لها ولكن هي تريد البعد وهو سيحققه لها حتى تجرب مذاقه المرير الذي يفعل الويل به..
القى الرجل التحية عليهما ثم جلس امامهما ومد لهما العقد حتى يوقعانه..
- هذه هي الأوراق.. لقد جهزتها مسبقًا لكما لأنني اعلم ان لديكما الكثيير من الأعمال.

تطلعت الى محمد دون تعبير ليومئ محمد ببساطة:
- صحيح.. انا على عجلة من امري!
كتمت ابتسامتها الساخرة.. حقا؟! يجب ان تتعلم منه حذافير كيفية الهجر..
سكتت دون ان تنبس بشيء ثم وقعت العقد سريعًا وقالت بإقتضاب:
- وفقًا لما اظنه ان عملي قد انتهى هنا.. ولذلك عن أذنكما.

بشكل سريع سلّم محمد العقد هو الآخر بعد ان وقعه وخرج خلفها متسائلًا:
- هل ستستقلين الحافلة حتى تعودين؟

اومأت دون ان تنظر اليه.. تريد حرقه بسبب استفزازه وبروده.. رباه كم تريد حرقه لتتمتع بصوت صراخه المتألم وهو يتلوى بين النار..
ولصدمتها هتف بموافقته ثم توجه الى سيارته وغادر.. أهذا حقًا؟! سيدعها تذهب بالحافلة ولن يقلها هو الى المنزل! تبًّا له ليرى من سيفكر به بعد الآن.. اذ كان لا يريدها فهي ايضًا ليست ميتة حتى تعود اليه.. هي لا تريده.. عساه يحترق في نار جهنم.. لم يعد يهمها ابدًا..

********************
إعتذرت آلاء من كريس على رد فعلها العنيف وتفهم كريس تصرفاتها بصدر رحب فبنفسه شاهد تذبذب علاقتها مع زوجها والوضع السيء القائم بينهما بالإضافة الى شرودها طيلة الوقت وحزنها الذي لا بات جزءًا من جمال وجهها.. كانت حقًا كسفيرة الأشجان.. من حزن الى آخر.. ومن تعاسة الى أخرى..
الأقاويل بدأت هنا وهناك.. والضغوطات ازدادت من جميع الأطراف.. العائلة كلها بدأت تشمت وتتناقل الأقاويل عنها مع اضافات.. تارةً يقولون مطلقة ولا زالت في بداية زواجها.. وتارةً يقولون انها الآن في منزل اهلها بسبب حزنها من زوجها.. اقاويل واقاويل لا تنتهي والمصدر عمتها صفاء التي أوصلت هذا الخبر الى عائلتها في العراق..

رأت اسم محمد يضيء شاشة هاتفها وتفاقم غضبها.. من ناحية يقول حسنًا سأتركك ومن ناحية أخرى يدع الكل يشمت بها ويتكلم عنها!
ردت آلاء على اتصاله ليقول بهدوء:
- كيف حالك؟

- الحمد لله! غريب كيف سمحت لك والدتك ان تتصل بي، ام انك اتصلت دون علمها؟
هتفت آلاء بتهكم غاضب ليقول محمد بجدية:
- آلاء دعك من هذا العبث.. اتصلت بك لآجل غرض واحد!
- وما هو؟

قال محمد بإصرار:
- اريد ان اراكِ غدًا بعد ان تنهي امتحانك.. سأكون في انتظارك بجانب المدرسة حتى نتحدث ونصل الى حل نهائي.. هناك موضوع هام اريد الحديث معك بشأنه.

- حسنًا ولماذا لا؟ ولكن يجب ان استأذن ابي اولًا وبعد ذلك ارد لك جواب.
- حسنًا سأكون في انتظارك.. اذهبي الآن واخبريه.
اغلقت الخط ثم ذهبت الى والدها لتجده في الصالة يشاهد الأخبار فوقفت قبالته بثقة وقالت بهدوء:
- أبي.. محمد اتصل بي.

بسرعة نظر رحيم اليها بتركيز وتساءل بخشونة:
- ماذا يريد؟
ردت آلاء ببراءة:
- لا اعلم، فقط قال انه يريد ان يراني بعد الإمتحان.

- ممنوع!
قالها رحيم بصرامة لا تقبل النقاش فإبتسمت آلاء داخليًا بإنتصار.. والدها يريد تأديب محمد ولذلك يمنع اي تواصل بينهما هو الآخر حاليًا..
اومأت آلاء ليردف:
- اتصلي به الآن امامي واخبريه انني لم اوافق.. واذا كان الموضوع مهمًا جدًا بإمكانه ان يأتي يوم الإثنين الى منزلنا حتى يتكلم معك.

ونفذت وهي تكاد تطير فوق السحاب.. يستحق ويستحق.. لم تمل ابدًا من قول كلمة يستحق.. فهو لا زال يستحق الكثير والكثير.. ما اجمل هذه السعادة التي تشعر بها، وهذا الإنتصار عندما يخيب امله ويتم رفض كل طلباته..

----------------------------
يتبع..
التفاعل هو اللي راح يحدد اذا استمر بالنشر ولا لا خلال رمضان..

قراءة ممتعة ورمضان كريم..

مع حبي:
اسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:12 AM   #35

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثلاثون

قبل الفصل الرجاء المعرفة ان الرواية حقيقية والبطلة تقرأ كل التعليقات ولذلك اي نقد موجه في هذا الفصل او الفصول القادمة للبطلين الرجاء ان يكون مهذبًا ومحترمًا ودون توجيه اي اهانات..
--

ابتسمت آلاء بسبب كلام والدها ليلة البارحة.. هو محق هي ومحمد يحتاجان الى تأديب.. وممنوع ان يتحدثا او يلتقيا الا بإذنه وفقط امامه..
كانت تتوقع ان يخالف كلام والدها ويأتي الى مدرستها ليراها ولكنه صدمها حينما نفذ بالحرف الواحد كلام والدها.. ولكن الليلة الأمر سيكون مختلفًا فهي لديها حفلة وداع لمعلمها الذي سيتقاعد.. والحفلة ستكون في المطعم وهي ستستغل هذه الحفلة لتنتقم من الجميع وليس فقط من محمد..

ارتدت آلاء ثوب (جمبوست - jumpsuit) احمر اللون ذو فتحة صدر كاشفة بعض الشيء ونصف ظهر عاري يتخلله خطين على شكل اكس (X) كبير.. ثم وضعت بعض الزينة الخفيفة على وجهها مع احمر شفاه قاتم اللون.. ورفعت شعرها لتحرر بعض الخصلات الأمامية فقط..
تطلعت الى نفسها برضى ثم التقطت السلسلة التي قطعها محمد لها وارتدتها فشقيقها محمود اخذها منها ليصلحها وقد اعادها اليها حينما سافرا الى أوستند.. وبعد ذلك وضعت وشاحًا حول كتفيها لتغطي عري ظهرها وصدرها بسبب إصرار صديقتها ليسا تجنبًا للمشاكل..

ولجت الى المطعم بكعبها العالي فهرول نحوها كريس الذي كان ينتظر مجيئها منذ ان بدأت الحفلة ولم يبعد عينه ولو قليلًا عن الباب..
وقف كريس امامها وهو يطلق صفيرًا وعيناه الزرقاوان تقران بإعجابه الشديد بهذا الجمال الذي يراه..
- على ما يبدو ان المدرسة يجب ان تنتقل الى هنا كي ارى دائمًا هذا الجمال وهذه الملابس!

إبتسمت آلاء بتكلف وغمغمت:
- شكرًا ولكن انا دائمًا جميلة للعلم فقط.
- اعلم ولكنك اليوم مختلفة.
شكرته آلاء مرة أخرى ثم ابتعدت عنه لتلقي التحية على بقية زملائها..
هتف يزيد بمرح وإعجاب.. وقد كان هذا الشاب العربي قريب منها بعض الشيء بسبب مرحه الدائم وطيبة قلبه:
- اخبريني فقط.. الا تخافين على نفسك؟
ضحكت آلاء بصدق:
- لماذا؟

- تأتين الى الحفلة بكل هذا الجمال وايضًا دون خاتم الزواج ... ماذا لو أتوا الآن وتقدموا لخطبتك مني.. ماذا سأقول لهم؟ ماذا سأفعل؟
قال يزن متفكهًا فردت آلاء ضاحكة:
- اخبرهم انني متزوجة.. الموضوع سهل جدًا.

- اصبحت أشك انك متزوجة.. لو انك لست متزوجة كنت سأفكر بك
هتف يزيد بعبث لتزجره الاء بغيظ فيستأنف ضاحكًا:
- انظري.. السبب وراء كلامي هذا كله هو الاحمر الذي ترتدينه.. تأثيره قوي جدًا.

- تأدب يا يزيد.. سأذهب لأرى بقية الطلاب.
غمغمت آلاء ثم ابتعدت عنه قليلًة ليقترب منها شاب عربي آخر يُدعى وائل ليمد لها كأسًا من الكحول..
- ما هذا؟
- شمبانيا!
هتفت آلاء بضيق:
- انا لا اشرب الكحول!

قال وائل بنبرة مثيرة للإستفزاز:
- لماذا؟ انت لستِ محجبة فأعتقد ان هذا الشيء عادي.
حدجته آلاء بإستنكار وهتفت:
- وماذا اذا كنت غير متحجبة؟ ما العلاقة بذلك؟

- اي ان هذا الشيء عادي.. انت لستِ مقيدة ولست من الملتزمين جدا.
تمتم وائل بتهكم لتشعشع جمرة الغضب في جسدها كله.. خاصةً وهي تسمع هذا الكلام من شاب عربي مسلم ولكنه لا يفهم بأخلاق الاسلام شيئًا! فهدرت بعصبية وقد ارتفع صوتها من شدة الغيظ:
- اولًا الاسلام ليس بالحجاب.. واذا اردتَ الآن سأعطيك محاضرة طويلة على هذا الشيء.. كونك رأيتني لا ارتدي الحجاب لا يعني انني اشرب الخمر.. ربما اكون افضل من مليون فتاة محجبة.. وانا الحمد لله ملتزمة بصلاتي وبعلاقتي مع ربي.. ولست انت من تقرر مدى قوة ايماني واذا كنت ملتزمة ام لا!

بسرعة انتبها كريس ويزيد لها ليقتربا منهما..
تساءل يزيد بقلق:
- ماذا هناك؟ ما الذي حدث؟
بقي وائل مكانه ونظرة الإستهزاء لا تغيب عن عينيه.. فضغطت آلاء على اعصابها وقالت بضيق:
- لا شيء.. لم يحدث شيئًا.
أصر يزيد بقوله:
- آلاء اخبريني ماذا قال لك؟

- يحضر لي مشروبًا من الشمبانيا ويقول اشربي انت لست محجبة فهذا عادي.. على أي اساس يحكم هكذا علي؟
هتفت آلاء بعصبية ليقول وائل ببرود:
- على اساس انني اراكِ تتقبلين كل شيء وبإعتياد!

- لا انا لا اتقبل كل شيء.. ولكن اهلي علموني ان احترم الجميع وليس لي علاقة بالغير.. حتى الخمر او الرقص او اي شيء آخر.. كل ذلك لا يهمني.. كل احد منا لديه رب ليحاسبه ويحاسبني.. هل فهمت؟
قالت آلاء بحدة ليتطلع اليها وائل بإستخفاف قبل ان يسير مبتعدًا..
حاول يزيد تلطيف الأجواء المشحونة فقال بمرح:
- لا تلقي بالًا او اهمية لهذا المجنون.. انت تعلمين انه مختل عقليًا ولكن بكل صراحة يحق للجميع ان يفقدوا عقولهم بعد ان يروا هذا الأحمر الناري وصاحبة الأحمر!

ضحكت آلاء بالفعل ليهتف كريس بغيظ:
- ماذا تقولان؟
- مجرد امور عادية ونحن نتناقش بها.
- كل هذا الضحك ومجرد امور عادية.. على ما يبدو انني يجب ان ادخل دورة لتعلم اللغة العربية حتى افهم كل كلمة تقال هنا.
نظرا يزيد وآلاء الى بعضهما البعض ثم اخذا يضحكان ليقول كريس بحنق:
- آلاء ارفعي وشاحك قليلًا.. امسكيه جيدًا.

تطلعت اليه بإستنكار واستغراب.. هي بالفعل ممسكة بالوشاح بشكل جيد.. حتى انه يغطي كل عري كتفيها وظهرها! فلم تعقب وتوجهت للجلوس مع الفتيات ليتبعها كريس ويجاورها المقعد وعيناه مسلطتان عليها بوجوم غير مفهوم..
هتف كريس بنفاذ صبر:
- آلاء هذا لا يجدي نفعًا!

بعدم فهمت رشقته:
- ماذا هناك؟ ما خطبك؟
- انهضي وارقصي!
قال كريس فتشدقت آلاء بإستنكار ليردف بحزم:
- آجل.. هيا انهضي وارقصي.. انا اريد ان ارقص والموسيقى جميلة جدا.

- انهض وارقص.. ما شأني انا! من الذي يمنعك!
قالت آلاء بتعجب فتمتم كريس بسخط:
- انت!

- وما علاقتي انا بك؟!
تمتمت آلاء بحيرة فقال كريس بغضب عاطفي داخلي:
- لن استطيع تركك لأرقص.. لا اشعر بالأمان اذا تركتك لوحدك اليوم في الحفلة.. انا لا استطيع ان اشيح بعيني بعيدًا عنك.

تفادت آلاء المغزى وراء كلامه.. آجل تفهم إعجابه الشديد بها وإهتمامه الأشد بها ومحاولته تغيير صورته البشعة التي كان عليها في البداية في عينيها.. تفهم مساندته ودعمه ولكنها كل ما يسعى اليه هو سراب لا غير.. ولذلك لم تتخذ آلاء كلامه على محمل الجد بل بمنتهى العفوية فغمغمت ضاحكة:
- اذًا انت حارسي الشخصي اليوم.

- هيا انهضي ودعي الحارس الشخصي جانبًا.
قال كريس بإلحاح فهمهمت آلاء بموافتها ثم تطلعت الى صديقتها يارا وأردفت:
- هيّا يارا انهضي معي.
تمتم بضيق:
- وماذا تريدين بيارا حتى تأتي وترقص معنا؟

- انا سأرقص مع يارا وانت ارقص مع الذي يعجبك غيري.
غمغمت آلاء بجدية ليومئ كريس مبتسمًا..
رقصت آلاء مع يارا بعيدًا عن كريس الذي لم يبعد عنها عينيه المتولهتين بها.. واستمر بملاحقتها بسماء مقلتيه الصافي الى ان انتهت الحفلة..
وقفت آلاء تنتظر شقيقها محمود حتى يأتي ويعيدها الى المنزل فزلف كريس منها وعرض عليها ان يوصلها هو الى المنزل الا انها رفضت بقولها "شقيقي في طريقه الي"

- شكرًا!
همس كريس بصدق سال من كل ملامح وجهه الوسيمة فتطلعت آلاء اليه بإستغراب وإستفسرت:
- على ماذا هذا الشكر؟

- على هذا اليوم.. انت فعلتِ لي في هذا اليوم الكثير دون ان تدركي.
غمغم كريس وهو يحس بالتخمة.. ما حدث اليوم ربما لا شيء بالنسبة لها ولكن بالنسبة اليه كبير.. كثير.. عميق.. خاصةً وإعجابه بها يتفاقم يومًا بعد يوم.. يزداد.. ينهل من قلبه خفقاته.. وينهل منه افكاره.. هي لا تدري ربما شيئًا ولكنه يعلم ويريد ولو القليل..
لم تبالي آلاء كثيرًا بكلامه فهمست ثم ابتعدت لتصعد الى سيارة شقيقها الذي وصل:
- العفو.. مع ان انني لم افعل شيئًا.

**********************
تتطلع الى الهاتف بتحفز وتأهب.. لقد رأى الصور التي نشرتها بعد ان عادت من الحفلة.. تريد ان تعكنن صفو مزاجه.. منذ اسبوع كامل وهو مرتاح.. والآن هي يجب ان تتحرك ان تغيظه دون ان تفكر بالعواقب الوخيمة..
سكوت.. سكوت.. لا غير وهي تعرف ان هذا هو السكون الذي يليه بركان قاتل.. منذ نصف ساعة رأى الصور ولا تعليق.. لا اتصال.. لا شيء..
توترت انفاسها وهي تحس انها تعيش حالة ترقب نفسية.. وضعت يدها على قلبها تهدئ من روعها حينما دور رنين هاتف والدها ليقول لها ان المتصل محمد..

انتظرت والدها ان ينهي المكالمة مع محمد حتى تفهم ماذا قال له محمد..
- محمد يدعوك الى العشاء.. اخبرني انه سيأخذك لساعتين ومن ثم سيعيدك.
شحب وجهها من الذعر فهتفت بسرعة:
- لا أبي.. هذا يكذب ولن يعيدني.

- لقد أقسم لي.. وقال انه يدعوك الى العشاء ويريد ان يتحدث معك قليلًا وسيعيدك فإهدأي.
قال رحيم بجدية فلم تعرف ماذا تفعل.. تحدثت قليلًا مع صديقتها ليسا التي عاتبتها قائلة:
- اليس هذا ما تريدينه؟

غمغمت آلاء بتيه وعجز:
- انا اريد ان احرق دمه.. اريد ان اغضبه.. ولكن في نفس الوقت اريده ان يبقى بعيدًا عني.. لا اريده ان يؤذيني.
تنهدت ليسا لتقول بجدية:
- اذًا تحملي ما سيحدث.. هذه المرة جنونك تخطى كل شيء وتهورتي كثيرُا.. انت حاولي فقط ان لا تطيلي بلسانك وان شاء الله كل شيء سيمر على خير.

انتهت من ارتداء ملابسها.. بلوزة طويلة محتشمة وبنطال من الجينز الطويل.. اما شعرها رفعته كله..
نزلت آلاء اليه بعد ان اتصل بها معلنًا عن وجوده اسفل المنزل.. يا ليت يصبح الطريق طويلًا طويلًا الى سيارته فلا تصل اليه وتقابله بعد ان أشعلت فتيل غضبه..
فتحت باب السيارة ثم جلست بجانبه ليتطلع من اعلاها الى اسفلها بإستهزاء.. وخاصةً على ملابسها..
ثم انطلق بسيارته ليركنها بجانب حديقة قريبة على بيت أهلها وعاد يرمقها بنفس نظرة الإستخفاف السابقة..

تنحنحت آلاء ثم همست تقطع هذه النظرة السخيفة التي يحدجها بها:
- السلام عليكم.
تشدق محمد بإستهزاء:
- وعليكم السلام.. ما شاء الله بهذه السرعة غيرتِ ملابسك.. لو انك نزلتِ بالثوب الأحمر اليس اجمل؟ ام ان الأحمر فقط للناس حتى تقولين لهم "انظروا الي انا جميلة!"

سكتت.. فقط عيناها تتأملانه.. منذ اكثر من اسبوع لم تراه.. رباه كم تغيّر.. حدقتاها تستجلي خفايا ملامحه.. ملامحه مرهقة ذابلة.. شعره استطال وذقنه التي كانت دومًا مهذبة يعتني بها جدًا استطالت ولم تعد تلك المهذبة التي كانت تجذبها اليه.. كله مرهق..
تاهت بالنظر اليه وهو كان الله وحده يعلم بحاله.. صمتها هذا ونظرها اليه بهذه الطريقة سلبا منه صبره فصاح محمد بغضب حاد وهو يقرصها من خصرها:
- لماذا لا تردين؟ اين لسانك الطويل؟

ابتعدت آلاء عنه متأوهة بألم حتى التصق ظهره بالباب الذي يجاور مقعدها وهتفت:
- لا تقرصني.. هذا يؤلم والله!

- لا والله! أتعرفين ماذا سيحدث بك لو أخذتك الآن الى شقتنا.. لن تنامي في منزلكم بل في المستشفى.
هدر محمد بعنفوان وكلما يتذكر الصور التي نشرتها يفقد عقله.. دون وشاح دون اي شيء.. هو الذي يتعذب بفراقها وهي.. وهي التي فراقه لا يهمها.. بل يراها ازدادت جمالًا بغيابه.. وكأن محمد كله لا يعنيها..
هتفت آلاء بإستفزاز:
- لماذا؟ هل تراني ذهبت لأسهر وافعل علاقات محرمة وبعد ذلك اعتذر واقول انت فهمت الموضوع خطأ لم يحدث بيننا شيئًا!

ودون ان تعلم كيف كانت تشعر بالقرصة الثانية بينما يقول بعصبية ووجهه الشاحب يتخلله حمرة الإنفعال:
- اعتقد انني تكلمت كثيرًا عن هذا الموضوع واغلقته فلا تتحدثي عنه كل فترة.. المصائب التي ترتكبينها صارت كثيرى وعلى ما يبدو ان هذه الاسابيع التي قضيتيها في منزل اهلك جعلتك تنسين محمد وايضًا نفسك وها انت تعودين الى تصرفاتك القديمة.

قالت آلاء بجدية:
- محمد تصرفاتي لم تتغير.. لا الآن ولا قبل.. وماذا بها تصرفاتي حتى تقول هذا الكلام.
هز محمد رأسه بإنفعال..
- لم تفعلي اي شيء خاطئ.. اين هاتفك؟ هاتيه!

- لن اعطيك هاتفي.. ماذا تريد ان تفعل به؟
إعترضت آلاء بتوجس فجذب محمد هاتفها الذي كانت تضعه خلف ظهرها رغمًا عنها ثم امام عينيها الواسعتين كان يفتح هاتفها ليدخل على الصور التي نشرتها..
وضع محمد الهاتف امام وجهها وصاح بعنف جعل جسدها يرتجف:
- ما هذا؟ انت كيف تخرجين هكذا من المنزل؟ الا تخافين على نفسك؟ لماذا لا تحترميني؟ ليس لدي اي قيمة عندك.. مهما افعل معك لا يجدي نفعًا.. انت تعرفين حق المعرفة انني لا اقبل ان ترتدي هذه الملابس امام الغرباء.. اخبريني فقط هل نسيت ماذا فعلت بك بداية زواجنا لأنك ارتديت شيئًا كهذا مع انه كان استر من ذلك اللعين الذي ارتديته اليوم.. ومع ذلك لم ارضى به.

بدى وكأنه يوجه هذا الصراخ لنفسه قبلها.. لماذا لا تفهم؟ لماذا لا تفهم انه لا يقبل ان تظهر جمالها امام اي احد غيره.. يجن.. يفقد عقله.. يحترق.. يتجمد.. يكون كل شيء قاسي ومؤلم.. غيرته عليها تعذبه.. لا هي بحد ذاتها تعذبه.. ماذا يفعل بها لتمتثل لما يريده دون هذا العناد وهذه الوقاحة.. ما الحل مع هذه الأنثى؟
إسترسل محمد بالنبرة السابقة الشرسة عينها:
- وبالتأكيد السيدة المصون رقصت.
ضرب المقود الذي امامه بكل قوته حتى انتفض جسدها مرة أخرى من الخوف وتابع بجنون:
- لأنها لا تستطيع ان تقاوم الرقص اذا سمعت صوت الموسيقى.

غمغمت آلاء بخوف:
- لا، لم ارقص.. وانا كنت اضع وشاحًا حولي ولم اخرج كالصور التي نشرتها.
عاد محمد ينظر اليها بعينيه الثائرتين غضبًا ليقرصها مرة اخرى لتبعد الاء يده بقوة وتصيح بألم:
- كفى محمد.. والله هذا يؤلم.

زمجر محمد بشراسة وانفاسه المتهدجة تلفح وجهها فتتقلص ملامحها بخوف:
- اذا كنت تتألمين لا ترتدي مرة اخرى هذه الملابس ولا تستفزيني اكثر بالكلام.. انت لماذا لا تفهمين ان هذا الشيء ليس عاديًا بالنسبة الي!
صمت ليسحب سيجارة من علبة سجائره وأشعلها ثم أنزل نافذة باب اسيارة وسحب نفسًا عميقًا من مرارة سيجارته لعل مرارتها تكون اخف وطأة من مرارة اعصابه التي ثارت بسببها..
تقوقعت على نفسها بمكان وبخشية كانت تتطلع اليه في انتظار اي رد فعل منه.. آجل، تعترف.. هي مخطئة.. هي تستفزه.. هي تتهور وبأفعالها تخرج اسوأ ما به.. هي ليست ندًا له ومع ذلك تستمر وتستمر بتمردها.. بعنادها.. بطول لسانها.. وبعد ان يغضب منها تلوم نفسها وتنزعج منه..

بقي محمد للحظات طويلة ينظر الى الخارج ويعطيها جانب وجهه.. غاضب؟ لا الغضب كلمة قليلة جدًا امام ما يشعر به.. يتألم؟ حتى الألم قليل جدًا مقابل الجمر الذي يكوي قلبه دون ان يرأف به ولو للحظة.. هذا الجمر ليس له رماد.. لا يخمد ابدًا ليتحول الى رماد.. شعلته لا تتوقف عن التمايل وسط ضلوعه.. تحرقه، تذبحه وتقتله..
تطلع محمد اليها مرة أخرى ثم هتف بصرامة:
- اسمعيني.. كي لا أُرهق نفسي اكثر من ذلك ويا ليت يكون هناك فائدة الأسبوع القادم تعودين رغمًا عنك.. اليوم هو الجمعة وبقي السبت والأحد.. يوم الاثنين ستكونين في شقتنا، هل فهمت؟!

رفعت كتفيها بخيلاء يناقض التقوقع الذي كانت عليه قبل قليل ثم نظرت امامها وقالت بهدوء:
- انا لا شأن لي بموضوع العودة.. عليك ان تتكلم مع "بابا" بهذا الموضوع.

حدجها محمد بحنق وهتف:
- وما الذي جعلني أرى الويل غير "بابا".
قال كلمته الأخيرة مقلدة صوتها ثم إخشوشن صوته ليردف:
- انا سأتحدث معه.. انت لا تفكري في هذا الموضوع ورغمًا عنك ستعودين هذه المرة.. ولا تعتقدي ان الذي حدث سيمر مرور الكرام.. لا عزيزتي! ستعودين وسنتحاسب على كل المصائب التي فعلتيها.. انا كتبت كل مصيبة قمتِ بها بالورقة والقلم خشية ان انسى شيئًا.. سنتحاسب على واحدة تلو الأخرى ولكن ليس الآن بل بعد ان تعودي.
عيناها العسليتان توسعتا حتى لامست رموشها جفنيها وكتب الخوف حروفه على ملامح وجهها ليبتسم محمد وقد رأى خوفها وضوح الشمس فقال بإبتسامة ساخرة:
- حسنًا.. ما دمتِ فهمتِ!

- اريد ان اعودي الى البيت.. أعدني.
غمغمت آلاء بصوت مهزوز فقال محمد ببرود:
- سنعود الآن.
قاد محمد سيارته لينظر اليها بطرف عينه قبل ان يعيد نظره الى الطريق ويضيف:
- استمتعي هذه الأيام في منزل اهلك.

لم تجد القدرة على الرد او حتى الى النظر اليه.. ماذا ستقول؟ حبالها الصوتية تجمدت وصارت كالجليد لا تتحرك.. لا تريد ان تعود اليه.. خائفة منه بل مرتعبة خاصةً بعد كل الجنون الذي فعلته.. هذه المرة لن يرحمها وسيجعلها عبرة لكل فتاة عنيدة ولسانها طويل..
كادت ان تترجل من السيارة فور وصولهما الى منزل اهلها ولكن صوته الرخيم أوقفها:
- اول شيء تضعينه في حقيبتك ذلك الثوب الأحمر.. انا اعلم انك ستحاولين ان تخفيه عني ولذلك ضعيه اول شيء في الحقيبة.. وهيا انزلي الآن واوصلي سلامي لعمي وخالتي.

************************
أسندت رأسها على وسادتها وتشبثت يديها بدثار الفراش بينما الأفكار تخترق رأسها.. ظلام الغرفة ساهم في صفو أفكارها واتخاذ منحى اعمق واشد بالتفكير به.. الخوف عبث بفؤادها عبثًا وهي التي كانت تظن نفسها شجاعة ولا تفكر بالعواقب.. الآن تجد نفسها تحصي اخطاءها التي سيعاقبها عليها..
الخطأ الأول، اخبرت أبيه انه يشرب الخمر على الرغم من كونه قد منعها مسبقًا من فعل هذا الشيء وهددها اكثر من مرة.. الخطأ الثاني، موضوع العريس ووقاحتها معه بلسانها الطويل.. الثالث، السلسلة.. الرابع، المسبح.. الخامس، سفرها الى أوستند ونومها في منزل ناس لا يطيقهم.. والخطأ السادس والأخير حفلة اليوم..

ضغطت على طرف الدثار بقوة أكبر وكأنها هكذا تحصن نفسها من قسوة عقابه.. شعرت بإهتزاز هاتفها الذي تضعه بجانب وسادتها فسحبته بخفة لترتبك خفقاتها وهي ترى أسمه على شاشة هاتفها..
ردت بهدوء ليطلب منها بإصرار ان تنزل اليه والا هو سيتصرف بنفسه.. استنكرت بشدة جنونه خاصة وقد شارفت الساعة على تجاوز الثانية عشر ليلًا..

حسمت آلاء قرارها لتنزل اليه خشيةً من جنونه وهكذا سترى ماذا يريد وبسرعة ستصعد وتعود الى قوقعتها الآمنة في غرفتها..
إرتدت سترة طويلة فوق الشورت القصير الذي ترتديه ووضعت وشاحًا ثقيلًا حول عنقها ثم نزلت اليه لتجده جالسًا فوق مقدمة سيارته وسيجارته في يده يدخن منها بشراهة..

تلكأت قليلًا بسيرها نحوه.. خطواتها بشكل تلقائي كانت تتباطأ.. تتثاقل.. مظهره هكذا وهو يجلس فوق مقدمة السيارة يبدو.. يبدو مثيرًا! على الرغم من تهدل كتفيه الواضح من شدة تعبه الا انه وسيم، جسده يصرخ رجولة متوحشة..
زلفت منه حتى صارت تمامًا قبالته فتخلى محمد عن جلسته ليوثب عن مكانه ويقف امامها ثم رمى سيجارته على الأرض ليطفئها بحذاءه..

توسمت عيناه المتعبتان النظر بها لينتقل تخبط مشاعره اليها دون ان تدرك بينما يغمغم بعجز حقيقي واستياء شديد:
- لم أعرف.. لم استطيع ان اعود الى البيت.. مشتاق اليك جدًا.. لماذا لا تفهميني؟ انت بعيدة عني منذ اكثر من شهر.. فتعالي معي وسأعيدك غدًا صباحًا.
كان يرجوها بنظراته ان توافق.. يتوسلها بنبرة صوته ان لا تخذله وتعود معه.. ولكنها كانت خائفة.. كيف يريدها ان تعود معه وهي خائفة مما ينتظرها معه.. لذا قالت بنبرة متينة:
- مستحيل محمد.. انا لا استطيع ان أتي معك.

- خائفة مني؟
همس محمد بتساؤل مرهق فغمغمت آلاء بتوتر خفي:
- ليست مسألة خوف ولكن انا لا استطيع.. وفي كل الاحوال انت قادم يوم الاثنين فغادر الآن.. ماذا لو استيقظ احد من اهلي وشعر انني لست في المنزل؟

دنى منها اكثر ليحيط بكفيه الكبيرين يديها الصغيرتين جدًا ثم غمغم بشوق وتعب السنين وليس الأيام وهو يتطلع اليها بزيتون عينيه المنصهر عشقًا:
- افهمي.. لا استطيع ان اتركك.. اليوم صعب جدًا.. انا مشتاق اليك.. هل تعلمين ماذا يعني انني مشتاق اليك؟ قلبي يؤلمني.. انا متعب.. مرهق جدًا بسبب ابتعادك عني.. ارحميني.. حرام عليك! إما اخذك معي الى الشقة الآن وإما اصعد معك الى الأعلى.. ولكن ان اغادر فإحلمي.. انا وصلت اقصى درجات تحملي فإرحميني وارحمي قلبي.

كان صادقًا.. بكل كلمة قالها.. يحتاجها.. يحتاج قربها.. يحتاج ان يمرغ انفه في جيدها ويضم جسدها الصغير وسط صدره الضخم.. يحتاج ان يشعر بأضلاعها تئن من قوة عناقه.. يحتاج حضنها.. ان يسمع همسها الناعم وان ينتقل اليها دفئها الساحر..
ظلت تتطلع اليه.. الى التعب الكاسر في عينيه كالذي يتوسلها ان توافق.. ولو لليلة واحدة! وحالها لم يكن بأفضل من حاله.. هي... هي أحبته مهما انكرت وكابرت أحبته.. متى وكيف لا تدري.. بل على ماذا احبته لا تعلم.. ولكن أحبته.. كانت تحتاجه هي الأخرى مثله ولو لليلة واحدة تنسى كل ما مضى وكل ما سيمضي..
قلبها إستجاب متحننًا لطلبه لتومئ:
- حسنًا تعال معي.. ولكن إصعد دون صوت لأن الجميع نائم.

تهللت أساريره ليبتسم بسرعة كطفل ضائع وقد وجد والدته اخيرًا.. فقال بإنصياع:
- حاضر.
سار خلفها وقلدها بالسير على طرف اصابعه حتى لا يشعر احد بوجوده.. استدارت آلاء اليه ثم وضعت أصبعها على ثغرها وهمست بينما تمسك يده:
- ششش.
اكملت سيرها الى غرفتها ثم اوصدت الباب خلفها لتتنفس الصعداء وتقول بحنق:
- هذا لا يجوز سيد محمد! لا يصح ابدًا.

- انت التي لا يجوز ما تفعلينه بي.
قالها محمد بعذاب ثم إقترب منها ليضمها الى صدره الا انها ابعدت يديه بعيدًا عنها وهتفت بعينين متوجستين:
- محمد.. نحن حتى الآن لا زلنا لم نحل موضوع خيانتك.

سحب محمد نفسًا طويلًا ثم قال بوهن:
- والله لم اخونك.. ضعي عينك في عيني وانظري اليهما لتعرفي اذا كنت صادقًا ام كاذبًا.
تطلعت آلاء الى عينيه الزيتونتين وبقيت صامتة فأردف:
- الا تصدقيني؟
لم ترد عليه ببنت شفة ليفهم انها لا تصدقه ابدًا فتساءل بآسى:
- اليس لديك ثقة بي؟

- لا.
ردت آلاء بصراحة فأغمض محمد عينيه للحظات ثم فتحهما وقال:
- حسنًا اذًا.. اذا تريدين مني ان أقسم بكتاب الله عز وجل سأفعل حالًا.
هتفت آلاء بعناد وتحدي:
- اجل.. أقسم.
- اريد ان اتوضأ.. وانت احضري لي القرآن الكريم.
همهمت آلاء بموافقتها ثم فتحت باب غرفتها لتلقي نظرة في ارجاء المنزل حتى تتأكد من كون اهلها نائمين.. وبعد ان تأكدت قالت له:
- بإمكانك ان تخرج.

عاد محمد الى غرفتها بعد ان توضأ لتناوله آلاء القرآن بسرعة في انتظار قسمه فقال بينما يضع يده على القرآن الكريم:
- حسنًا سأفعل اذا كان هذا الشيء سيدعك تصدقيني.. أقسم بكتاب الله وبكل كلمة موجودة به ان لم يحدث شيئًا بيني وبينها غير الكلام الذي قلته لك.. لا زيادة ولا نقصان في ذلك.
ثم تطلع اليها وسألها:
- هل صدقتِ الآن ام ليس بعد؟

اجل، صدقته الآن وارتاحت جدًا.. ولذلك اومأت قائلة:
- ما دمت أقسمت فأنا صدقتك.
ثم اخذت المصحف لتعيده الى مكانه وعادت الى الغرفة لتوصد الباب خلفها..
ابتسم محمد بعبث وغمغم متسائلًا:
- الن تنزعي سترتك؟ غرفتك دافئة.

انتبهت آلاء الى كونها لا زالت ترتدي سترتها فهمهمت بإستدراك:
- ها؟ آجل لم انتبه.
- والآن؟
نظرت اليه لتستنبط بكل سهولة الخبث الذي تألقت به عيناه كذئب مكار.. اختفى الحزن والإرهاق الذي كان قبل قليل وعاد محمد الوقح بعبثه ودهاء افكاره..
همس محمد بتعجب:
- ما الأمر؟ لماذا تنظرين الي هكذا؟ انزعي سترتك واجلسي حتى نتحدث.

- نتحدث!!! لا، انا اعتقد ان هذا يكفي ويجب ان تنزل الآن وتغادر.
هتفت آلاء بحزم ليقول محمد دون اكتراث:
- انسي ذلك وتعالي واجلسي.

بتردد دنت منه.. ورغم ذلك كان شوقها اليه يسلب منها قواها وإصرارها.. نزعت عنها سترتها امام عينيه المراقبتين بتوق لتبقى بملابسها البيتية التي كانت عبارة عن شورت وقميص خفيف جدًا دون اكمام.. ثم جلست بجانبه ليعلق محمد بحنق:
- هذه آخر مرة تنزلي الى الشارع بهذه الملابس.. حتى ولو كنت ترتدين سترة ممنوع.
تمتمت آلاء بموافقتها على مضض:
- حسنًا وماذا الآن؟

ترسخت حدقتاه على عينيها الذي يسيل العسل منهما مدارارًا وينصب تلقائيًا داخل قلبه وهمس بوله:
- اشتقت اليك.. اشعر انني سأموت دونك.. لم اعد اتحمل.. ارحمي امي يا امرأة!

- ماذا افعل يعني؟
غمغمت آلاء ببراءة فزينت الابتسامة محياه ليقول وهو يغمزها بعينه اليسرى بعبث:
- لا تفعلي شيئًا.. انا الذي سأفعل.

إتسعت عيناها وقد وصلها بلمح البصر المغزى وراء كلامه الوقح لتهتف بنبرة قاطعة:
- لا، مستحيل هنا في غرفتي!.. امي وابي موجودان في الخارج.. فإنسى ذلك نهائيًا.. بعد ان نعود الى شقتنا افعل ما تشاء.

غلغل اناملها الرقيقة داخل اصابعه الخشنة وهمس مطمئنًا:
- لن يشعر احد بشيء.. وانا قلت لك منذ البداية انني لن اتركك الليلة ولذلك لن اتركك ابدًا بكل ما للكلمة من معنى.
وتابع بعبث فتى مراهق:
- ومن ثم اجمل شيء في هذه المواضيع هو التجربة بالسرقة.. ولا يوجد اجمل من السرقة في هذه الأمور.. لها مذاق مختلف وخاص جدًا.

- محمد لا ي...
قبل ان تتابع إعتراضها كان يشدها قسرًا الى حضنه ويتناول جرعة المهدئ الأولى من شفتيها.. كانت هذه القبلة الأولى لهما بعد شجار دام لأكثر من شهر وبضعة ايام.. كانت قبلة مختلفة.. هادئة.. تائقة.. قوية وتحمل كمية كبيرة من المشاعر المتناقضة..
مشتاق اليها بجنون.. حتى اليأس.. وغاضب ومقهور منها لمَ وصلا اليه.. مقهور من جفاءها.. يهواها حرفيًا.. فصل محمد القبلة قليلًا وهمس بصوت ثقيل:
- اشتقت اليك كثيرًا.

- وانا ايضًا اشتقت اليك.
غمغمت آلاء وهي تمسد شعيرات ذقنه الطويلة بيدها بنعومة فأحاط محمد يدها بيده وهمس:
- لا تقلقي حبيبتي.. لن يشعر او يعلم احد بشيء.
ثم عاد ليقبلها مرة أخرى بعشق اكبر لتدفعه الاء بصعوبة وتعترض:
- ذلك لا يصح يا محمد.

أبى محمد ان يمتثل لطلبها المعترض فشدد من قوة ذراعيه حولها وقال:
- لا تخافي.. اخبرتك ان لن يشعر احد بشيء.. وانا من الأساس منذ متى أخذ رأيك بهذه المواضيع؟ فدعيني افعل هذه الليلة ما اشاء واتركي البقية لوقت لاحق.
ودون اي حرف أخر اخذ يحتسي من خمرها الذي يدمنه.. يسكره ويجعل الدنيا كلها تدور به وتدور فلا يعي على شيء عدا كونها بين ذراعيه..

لا يكتفي مهما يبثها من ابريق عشقه.. مهما يغدقها بعاطفته القوية.. ظمآن.. ظمآن كثيرًا.. كالذي لم يرتشف قطرة مياه واحدة منذ سنوات طويلة طويلة واخيرًا وجد هذا الينبوع الساحر امامه.. ولكن لهذا الينبوع سحر خاص.. مهما يشرب ويرتوي منه لا يحس بالشبع او الاكتفاء.. لا يجد سبيلًا للشعور بالتخمة.. يبقى يريد الإرتشاف منها اكثر واكثر ولكن لا يشبع.. هو فقط يتلذذ.. حواسه كلها تنتشي ولكنها تبقى تريد المزيد فقط منها وحدها.. هي آلاء.. لا غير...

طالت جولة غرامهما وطالت حتى انتهت اخيرًا لتتوسد صدره بعدم تصديق لكونها تصرفت كمراهقة من الغرب تلتقي بعشيقها سرًّا..
أشعل محمد سيجارته ثم اخفض رأسه قليلًا ليلتقط قبلة سريعة من شفتيها..
تأملت ملامحه بينما تراه يشرب دخان سيجارته.. لا تستوعب هذا التغيير الذي طرأ على ملامحه.. وكأنه ليس هو ابدًا ومع ذلك لا زالت الوسامة تأبى الإنقشاع عن ملامح وجهه الرجولي..
انتبه الى نظراتها فتساءل:
- لماذا تنظرين الي هكذا؟

- تغيرتَ كثيرًا.. شعرك وذقنك إستطالا.
همست آلاء بشجن فتنهد محمد بحزن:
- ولمن اهتم بنفسي؟ انت لستِ بجانبي وانا كنت كارهًا كل شيء وليس لدي مزاجًا لشيء.. ولكن انت...
صمت لتقول آلاء بحيرة:
- انا وما خطبي؟

- اجل انت.. هل يوجد امرأة تريد الطلاق وايضًا تعرف ان زوجها قام بخيانتها كما تعتقد وغاضبة وحزينة منه في منزل اهلها وتصبح بكل هذا الجمال وكأنك كنت مسافرة في شهر عسل ولست في فترة مشاكل؟
قال محمد بغيظ فرفعت آلاء رأسها عن صدره العريض لتتطلع اليه بإبتسامة غرور.. مخطئ اذا كان يظنها ستجلس وتبكي على اطلال ذكرياتها واحزانها عن رجل ما..
- لا.. لا اعلم!

- ما الذي لا تعلمينه؟ كيف اصبحتِ هكذا؟
تساءل محمد وهو يتطلع الى جمالها الفاتن.. فهزت آلاء رأسها دلالة على عدم معرفتها فبقي يرتشف من عذوبة ملامحها التي يستطيبها من مجرد النظر اليها..
تنحنحت آلاء بعدم راحة بعد هذه الدقائق الطويلة التي كان يتأملها بعمق..
- لماذا تنظر الي هكذا؟

تنهد محمد بشوق:
- حتى انتِ متغيرة كثيرًا.. وكأنني لم اتركك منذ شهر وبضعة ايام.. لا بل وكأن منذ سنة.. كبرتِ واصبحتِ عاقلة وثقيلة وفي نفس الوقت جميلة اكثر.
- منذ ان عرفتني جميلة.
غمغمت آلاء بغرور انثوي ليهز رأسه موافقًا.. وما الذي جعله كالمجنون بسعى خلفها في البداية غير جمالها وسحرها هذا الذي يمتاز بالطفولة والبراءة والجنون؟
- اعلم ولكن الآن انا ارى واحدة ثانية امامي.. امرأة ناضجة.
وقبلها بطرف أنفها وتابع:
- وعاقلة.
ثم وضع قبلة ثانية على طرف ثغرها..
- وجميلة.
وقبلة ثالثة على شفتيها:
- اشعر وكأنني اجلس مع فتاة ناضجة وليست طفلة.
ووضع قبلة رابعة على عينيها الإثنتين لتبتسم آلاء بخجل:
- انا لم اتغير للعلم فقط.. لا زلت كما انا.

- انت تتوهمين ولا تعرفين نفسك اذًا.
غمغم محمد بإبتسامة ثم عاد ليلثم مرة اخرى طرف انفها وقال:
- دعيني الآن ارى عملي.. وكفى لا تتدخلي في شؤون عملي اكثر.. اريد ان ارى هذه الكبيرة الجديدة التي تجلس امامي.

- لا محمد.. كفى اخرج وغادر.. ماذا لو شعروا بنا؟
إعترضت آلاء بضعف ليقول محمد دون مبالاة:
- وهذا المطلوب.. من الأساس ليس لي علاقة بهم.. انتِ زوجتي وانا حر.
وبعد ذلك كان يسود سكون الكلمات وهو يجرفها معه الى غيمة غرامه الخاصة ليظلل عقلها عن التفكير بشيء آخر عداه.. وليبقى الغد حتى الغد ويعيشان هذه اللحظات النادرة التي ربما لا تتكرر..

------------------------------
يتبع..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
اسيل الباش


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:17 AM   #36

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الحادي وثلاثون
فتحت عينيها وهي تشعر بنفسها بحضن شخص ما... اغلقت عينيها ثم فتحتهما مرة أخرى بعدم استيعاب لترى محمد نائمًا.. محمد؟!!! ما الذي يفعله هنا؟! ما الذي اتى به الى هنا؟ وحالتهما المزرية....؟! لا مستحيل! اغمضت عينيها مرة أخرى.. هي تحلم.. لا بد ان هذا حلم.. ولكن حالما فتحتهما مرة أخرى وإتضحت الرؤية لها أدركت ان هذا ليس حلمًا وان ما حدث البارحة هو الجنون بعينه..

أخذت تهزه برفق وهي تهمس بخفوت خشية ان يستيقظ احد.. يجب ان يغادر قبل ان يراه أحد هنا في غرفتها..
- محمد.. محمد.. إستيقظ.

غمغم محمد بنعاس دون ان يبالي بشيء عدا كونها موجودة بين ذراعيه.. يتنفس نفس الأوكسجين التي تتنفسه.. وأريجها يتغلغل بين هذه الذرات فيتنفس مرتاحًا لا مهمومًا:
- دعيني قليلًا فقط وبعد ذلك سأستيقظ.

- محمد.. أي قليلًا هذه؟ إستيقظ قبل ان يستيقظوا أهلي.. الساعة سادسة صباحًا.
كررت آلاء بإصرار ليتقلص وجهه بإستدراك بطيء ويفتح عينيه اللتان أشرقتا بخضارهما الفاتح وعاطفة الليلة الماضية لا زالت ترنو في مقلتيه.. الشغف إنكتب حروفه العذبة في نظراته لتنير وجهه ابتسامته التي تحبها بقدر ما تكرهها بعض الأحيان حينما تكون خبيثة ماكرة..
جذبها محمد الى صدره ليبدأ صباحه بتذوق شهد النعيم من بين شفتين اشتاق اليهما طويلًا.. بعد قبلة قصيرة ابتعد عن شفتيها ليقرب جسدها اليه اكثر ويهمس برضى:
- هكذا الناس تستيقظ!

زجرته آلاء بحنق:
- محمد انه ليس وقت هذا الكلام.. يجب ان تنهض الآن وترتدي ملابسك وتغادر قبل ان يستيقظ أحد ما ويراك.
للحظات صمت محمد وهو ينظر امامه ثم هتف بغيظ:
- يعني أخذتِ الشيء الذي تريدينه مني وبعد ذلك انهض يا محمد وغادر.. صحيح انك استغلالية!

نظرت آلاء اليه بإبتسامة ناشفة وقالت:
- لستَ مضحكًا سيد محمد.. وهيّا غادر الآن قبل ان يستيقظ احد.
ثم بدأت تسحب بدثار السرير حتى ينهض فوثب محمد عن السرير ليرتدي ملابسه ويتبرطم قائلًا:
- سأغادر.. ناس تحب الإستغلال!
بعد ان انتهى جلس امامها على السرير ليلثم خديها ثم شفتيها وهمس بتأكيد:
- اليوم سأتكلم مع عمي.. هذا الوضع لا يجوز صدقًا.. يعني زوجتي اراها بالسرقة كأنك عشيقتي واراك سرًا خشيةً ان يرانا أحد.. والله انت زوجتي.

- هيا.. الى بيتك يا وسيم.
غمغمت آلاء بإبتسامة ناعمة ليضحك محمد بمرح:
- حسنًا يا استغلالية أي شيء عدا الشرف.. يجب ان تستري علي!

- انت الذي أتيت الي ولستُ انا من أتيتُ اليك!
هتفت آلاء بغرور عابث ليهمهم محمد بشقاوة وهو ينظر اليها بحاجب مرفوع كلعوب من الدرجة الأولى:
- آه صحيح هذا الذي حدث ولكن انت استغليتِ ضعفي وفعلتِ معي المصائب.

رمقته آلاء بسخط وقالت تستعجله:
- محمد هذا ليس وقت الكلام.. هيا غادر.

ضحك محمد ثم عاد ليقبلها قبلة اخيرة ناعمة وإبتعد عنها مهدئًا نفسه بكونها ستعود اليه قريبًا.. ستعود الى صدره وتستوليه وحدها دون غيره لتحن على خفقاته التائقة لها دائمًا وابدًا..
قال محمد قبل ان يغادر:
- سلام حياتي.

تأكدت آلاء من مغادرته ثم عادت لتتوسد سريرها وهي تحس بالسعادة حتى التخمة.. تعلم ان هذه السعادة مؤقتة ولن تدوم.. ولكنها لتفرح الآن على الأقل رغم يقينها ان هناك شيء ما يخطط له محمد في عقله.. وربما كل الذي فعله كان حتى تضعف وتعود اليه وحينها سيبدأ حسابها.. وربما قد تكون ظلمته فعاطفته الجياشة ليلة البارحة كانت رهيبة.. غريبة.. أخذتها الى عالم من الخيال..

*********************
تحدثت آلاء مع والدها بعد ان طلب منها محمد الحديث معه حتى يأتي ويعيدها الى شقتهما وينهي هذا الموضوع..
- أبي محمد يريد ان يأتي اليك.
قالت آلاء بتوتر لرحيم الذي يشاهد التلفاز..
رفع عينيه الى ابنته ليلتقط توترها بعيني ضابط كان ذات يومًا من أمهر وأذكى ضباط العراق..
- وانا قلت ليس الآن بل يوم الاثنين.

- ابي ولكنه يقول...
قاطعها رحيم بحدة خفيفة:
- لا يهمني ماذا يقول.. واذا تحدث معك اخبريه انني مسافر وسأعود بعد اسبوع.. وبما انكِ انتهيت من تناول الفطور انهضي وانا لن اراه قبل اسبوع.

اومأت آلاء بإنصياع ثم سرعان ما كانت تغادر تحت نظرات والدها الثاقبة الغير مفهومة..
ماذا ستقول لمحمد الآن؟ لا هذا ليس من شأنها ليتفاهم هو مع والدها.. هذا ليس ذنبها..
إتصلت به وهي متأكدة ان كلامها لن يعجبه.. على وجه الخصوص فيما يتعلق بموضوع عودتها..
قال محمد بلهفة بعد ان رد على اتصالها:
- ها اخبريني.. هل تكلمتِ مع عمي؟

- اجل فعلت، ولكنه قال لي ان اخبرك ان تأتي يوم الإثنين للحديث معه ولا ان أعود معك بل فقط ان تتحدثا.
ردت آلاء بإرتباك لم ينتبه اليه بسبب صدمته الحانقة مما قالته.. ثم هدر بإنفعال حاد:
- ماذا؟!!!! انظري.. هذا كله بسببك انتِ.

- وماذا فعلت انا حتى يكون كل ذلك بسببي؟
هتفت آلاء بضيق ليصيح محمد بعصبية:
- آجل كله بسببك انت.. بسبب عقلك وتسرعك.. تصرفتِ دون تفكير واتصلتِ بهم ولملمتِ أغراضك وغادرتِ دون ان تسمعي كلمة واحدة مني او حتى تحاولي ان تفهمي مني شيئًا عن هذا الموضوع اللعين.. وفي النهاية ها نحن علينا ان نتوسل حتى ترجعي الى بيتك ووالدك ايضًا ليس موافقًا.
خمدت عصبيته قليلًا ليقول بعد تفكير:
- وافضل حل الآن هو أمك.. اذهبي وتكلمي معها.. هي الوحيدة التي تؤثر على والدك ويسمع كلامها.

تمتمت آلاء بحنق:
- محمد كفى.. تعال يوم الإثنين انت...
قاطعها محمد بصوته العالي المخيف:
- صحيح.. يوم الاثنين أتي وأحضر معي الدنيا كلها كي تعودين الي.. هل تتوقعين مني ان انتظر وأصبر حتى يوم الإثنين؟ إذهبي الآن وتحدثي اليها.

زمت آلاء شفتيها بحنق بعد ان انهت المكالمة.. لماذا يصرخ عليها وما ذنبها هي اذا كان والدها لا يريدها ان تعود اليه؟.. ليحل مشكلته بنفسه مع اهلها.. هي ليس لها اي علاقة..
دست اناملها بين منابت شعرها لتفركه بعصبية وهي تفكر كيف ستتحدث مع والدتها.. ماذا سيقولون عنها الآن بعد كل الزوبعة التي تسببت بها؟
وقفت امام والدتها التي كانت تجلس في المطبخ وغمغمت:
- أمي.. محمد تسبب لي بالصداع.. يريد ان يأتي ويتحدث مع ابي حتى أعود فتكلمي مع ابي.. لم أعد استطيع تحمل كلامه ولا املك صبرًا.

رفعت جميلة حاجبها بدهاء وقالت:
- لماذا؟ واين هي التي تقول طلقوني منه ولن اعود اليه.. واذا اجبرتوني ان اعود اليه سأهرب.. اين هربت هذه؟
ضحكت آلاء بإحراج..
- كفى امي.. لقد فهمت الموضوع انا وانتم حرين اذا تريدون ان تفهموه ام لا.

هتفت جميلة وهي تنظر الى ابنتها بعينين ماكرتين:
- أصبحنا حرين الآن.. اليس كذلك؟ انا لن اتكلم مع ابيك.. اذا اردتِ اذهبي انت وتحدثي معه.. والدك خاصة بهذا الموضوع عصبي ولا يستطيع احد التفاهم معه.. ولذلك من الأفضل ان تفعلي انت.

- لا.. لن اتكلم مع اي احد.
تمتمت آلاء ثم غادرت الى غرفتها وكلها اصرار بأن لا تخبر محمد عن الكلام الذي قالته والدتها.. هي فعلت كل الذي تقدر عليه وما تبقى الآن عليه هو.. وليصبر من الأساس.. مجرد يومين ما بقي حتى يوم الإثنين.. فليصبر ويتحمل اذًا..

*********************
وقفت بالقرب من محطة الباص تنتظر وصوله.. وجهتها كانت ثابتة رغم التوتر الذي إستشرى في عظامها والخوف الذي زحف الى قلبها.. هي يجب ان تتأكد من كلام كريس.. تريد ان تعرف اذا كان كلامه كذبًا حتى تبتعد عن محمد نهائيًا ولا تعود اليه وتفتعل شجارًا جديدًا ام أنه صادق ومحمد لن يتغير ابدًا..

ستعرف اذا حقًا محمد احتسى الخمر البارحة مع ليبان وكريس في شقتهما.. ام ان كريس فقط يكذب عليها ويتصرف بذكاء ودهاء.. لا تدري فعلًا.. فطريقة سؤال كريس وكيف فتح موضوع الخمر معها كانت مريبة بعض الشيء..
"الاء انت لا تحتسين الخمر اليس كذلك؟"
"ولكن هذا غريب فمحمد ايضًا مثلك عربي مسلم واحضر له ليبان نوع الخمر الذي قال انه يحبه وجلسنا نشرب في شقتكما"
والمصيبة الكبرى كانت ايضًا بقول ليبان ان كريس يساعدها في الدراسة..

الحقير ليبان الى اي حد وصلت علاقة محمد به؟.. رباه اي جنون هذا الذي حدث في غيابها ليقوما كريس وليبان بزيارة محمد والسهر معه.. أي دناءة عنها يحاول ليبان ان يوصلها لمحمد؟ وكريس....؟ لا تعلم شيئًا فهو يقول انه صحح الكثير من كلام ليبان خاصةً فيما يتعلق بمساعدته لها فيما يخص الدراسة كي لا يفهم محمد كلامه بصورة خاطئة..

اولًا عليها التأكد من صحة كلام كريس ولذلك ستذهب الى الشقة كما اتفقت مع صديقتها ليسا حتى تستطيع المواجهة.. فبالتأكيد لن توقع نفسها في مأزق اذا قامت بسؤال محمد عن كلام كريس.. سيشك بها وسيرغب بالمعرفة من اين لها هذه المعلومات ولكن اذا ذهبت بنفسها الى الشقة بأي حجة لن تكون في موضع المشتبه بهم أمام زوجها المحامي الماكر..

عليها ان تستغل ذهاب محمد الى الحلاق كما اخبرها على الهاتف.. سيستغرق ربما ساعتين عند الحلاق وهي كل ما تحتاجه هو ربع ساعة لتتفحص الشقة اذا كان بها أي أثر لتناوله الخمر او أي شيء من هذا القبيل يجعلها تتأكد من كلام كريس وتواجه محمد به كسلاح حتمي.. ولكن للأسف هي عاثرة الحظ فالباص تأخر ولا زال لم يأتي بعد.. والوقت يمر...

أحست بالملل من كثرة الإنتظار ولذلك بخطوات خائبة استدارت لتعود ادراجها ولكن بعد خطوة واحدة كان الباص يصل.. فبسرعة صعدت الى الباص وهي تمني نفسها بالذهاب لإلقاء نظرة سريعة في أرجاء الشقة وبعد ذلك ستغادر..
تشعر بحماس غريب وتوجس مثير وكأنها ذاهبة للقيام بمهمة خطيرة وعليها ان تنجزها على افضل وأكمل وجه..

اتصلت بليسها لتبلغها انها في طريقها للقيام بهذه المهمة فحذرتها ليسا:
- آلاء انتبهي ان يراك محمد.. لأنه اذا رأك مستحيل ان يدعك تعودين.

- ماذا؟!!!! لا.. لا.. اذا كان الأمر هكذا سأعود الى المنزل في التو.
هتفت آلاء بذعر مما قد يحصل اذا حقًا قبض محمد عليها في الشقة.. هدئت ليسا من روعها بقولها:
- افضل شيء قد تبررين به اذا رأك ان تقولي انك اتيت لتخأذي غرضًا ما لك من الشقة.. هذه ستكون حجتك.

- حسنًا وانت لا تبعدي الهاتف عن متناول يدك حتى اذا أتى لا سمح الله اتصل بك بحجة انك أبي وتنتظريني في اسفل البناية.
قالت آلاء ثم انهت المكالمة وهي تخرج نسخة المفاتيح التي تمتلكها من حقيبتها وتفتح باب الشقة.. أغمضت عينيها وعطره الرجولي يمتد ليصل الى انفها ويتشعب في حويصلاتها الرئوية لينعشها إنتعاشًا ليس له مثيل.. هذا العطر يا الله كم اشتاقت اليه!

بعد لحظات طويلة فتحت عينيها والإبتسامة تغري شفتيها لتبتسم بهيام وتتطلع في ارجاء الشقة بعينين صافيتين حالمتين.. تكذب ولو قالت انها لم تشتاق الى هذه الشقة الصغيرة التي قضت بها ايام جميلة حتى ولو كانت قليلة..
ضربت رأسها بغيظ حتى تبعد عن عقلها هذه الأفكار التي لا وقت لها حاليًا.. يجب ان تنتهي من فعل ما أتت لآجله حتى لا يدفنها محمد وهي على قيد الحياة في هذه الشقة التي اشتاقت اليها اذا رأها..

أخذت تبحث في الشقة.. الثلاجة.. الصالة.. ولكن لا شيء.. المطبخ وأيضًا لا شيء! لا شيء يدل ان كان هناك زجاجات خمر في الشقة أو يوضح انه كان يشرب الخمر معهما..
فتحت أكياس القمامة تبحث بها فقد اخبرها محمد البارحة انه قام بتنظيف الشقة ولكنها ايضًا لم تجد أي شيء! من منهما الكاذب؟ لا لا بل من منهما الذي إتخذ احتياطاته وتوقع مجيئها في اي لحظة؟ صدقًا لا تعلم شيئًا.. ربما كريس كاذب وربما محمد فكر في احتمال مجيئها فأخفى اثار هذه الجريمة البشعة..

بقيت آلاء تتواصل مع صديقتها ليسا وهي في الشقة تنقل اليها آخر الأخبار.. وجل ما تبقى هو ان تدخل الى الغرفة لتأخذ منها شيئًا ما حتى اذا رأته صدفة في طريقها للمغادى تكون حجتها في يدها..
فور ان فتحت باب الدولاب سمعت صوت باب الشقة الرئيسي يُفتح.. دماء جسدها تجمدت من الرعب وقلبها كاد ان يهوي بين قدميها.. لا لا لقد جاء! أخرجت بلوزة ما من الدولاب بشكل عشوائي وبسرعة اغلقت الباب واتصلت بليسا كي تتصل بها كما اتفقتا..

تمكن محمد من رؤيتها فباب الغرفة كان مفتوحًا ومن يقف في الصالة بإمكانه رؤية ما يجري في الغرفة بشكل جيد.. طغى عليه احساسه بالصدمة لرؤيتها هنا.. في شقتهما.. تجمد جسده كقطعة لحم وتم وضعها في الثلاجة.. لثوانٍ بقي واقفًا مكانه يتطلع اليها بعدم استيعاب.. آلاء في الشقة!
إزدردت ريقها اكثر من مرة.. صدى ضربات قلبها التي ترتطم في ضلوع صدرها بدى لها وكأنه انتقل اليه.. لم تتوقع عودته.. لم تتوقع ابدًا.. تريد ان تهرب بما ان الصدمة لا زالت تسيطر عليه ولكن وكأن افاعي من جوف الأرض انبثقت لتكبل قدميها وتلسعها.. رباه.. المفر المفر اين؟

- هل عدتِ ام ماذا؟
سألها محمد بخشونة بعد ان استهل عقله في الإستيعاب فبصوت متحشرج وعينين واسعتين من فرط توترها وخوفها همست:
- لا...
اخذ صدرها يرتفع وينخفض بصورة مضطربة واضحة ولهاثها يحتد وطأة وهي تتابع:
- لا.. لم اعود.. فقط اتيت لأخذ شيئًا ما وبعد ذلك سأغادر.

بخطوات ذئب ينتظر الإنقضاض على ضحيته ليفترسها سار نحوها الى ان قطع المسافة تمامًا بينهما ثم احاطها بذراعيه الإثنتين بينما يلتوي ثغره بإبتسامة شيطانية وتتدفق الوقاحة الى عينيه الخضراوين فتسقيها لتغدو داكنتين لامعتين..
قال محمد دون ان تفارق الإبتسامة وجهه:
- هل انت متأكدة؟

بغباء وخوف هزت رأسها بلا ثم سريعًا هزت رأسها بنعم وغمغمت:
- نعم متأكدة.
ثم رفعت البلوزة التي اخرجتها من الدولاب لتلوح بها امام وجهه وتردف:
- انظر الى هذه البلوزة.. وحتى ان ابي معي في الأسفل ولكنه لا يستطيع الصعود وقال لي "اصعدي واحضري ما تريدين وانا سأنتظرك في الأسفل."

- عمي!!! لماذا اذًا لم تخبريني انك قادمة.
هتف محمد بإستنكار لتقول آلاء بإرتباك:
- لا يوجد داعي.. هي مجرد خمس دقائق اتيت لأخذ ما اريده واعود.

همهم وهو يداعب أطراف شعرها القصير بمكر بينما يتفرس النظر بها بحدقتين قويتين:
- مممم.. ولكن لماذا تأخذين أغراضك؟ الستُ انا بقادمٍ الى منزل اهلك حتى اتحدث مع عمي كي تعودي الي؟

- اعلم.. ولكنني محتاجة هذا الشيء.. انه ضروري ولا مجال للتأجيل.
قالت آلاء بتوتر لم تفلح بدثره تحت قناع القوة خاصةً ومحمد يلامس شفتيها بشفتيه.. إبتسم محمد وهو يحاول إيقاعها بهذا الفخ الذي نصبته لنفسها بيدها..
- وعمي في الأسفل، اليس كذلك؟؟

رباه ما هذه الورطة؟ هزت آلاء رأسها بنعم خافتة وهي تزدرد ريقها بصعوبة شديدة.. لم تعد تشعر بأطراف جسدها كلها.. اذا عرف انها تكذب سيعلقها هنا على أحد جدران الشقة حتى تقول التوبة!
قال محمد بصوت أجش وهو يتطلع الى عينيها الزائغتين من شدة خوفها وإرتباكها:
- هذا أفضل كي انزل الآن واتحدث معه وننهي هذا الموضوع.

انزلت يدها ببطء واتصلت بسرعة بليسا التي حضرت رقمها مسبقًا كي تتصل في اللحظة الحاسمة في حال حدوث امر طارئ كهذا الموقف اللعين..
دنى محمد بوجهه اكثر منها وما ان هم بتقبيلها كانت ليسا تتصل بها لتدفعه آلاء عنها بقوة وترد على المكالمة:
- آجل أبي.. سأنزل حالًا.. حسنًا حسنًا اهدأ دقيقة واحدة وستراني امامك.

ثم اغلقت الخط ليقول محمد بملامح حادة ثاقبة:
- ما خطبك مرتبكة الى هذا الحد؟
ردت آلاء بسرعة:
- ابي اتصل وهو غاضب جدًا بسبب تأخري في الشقة.. تعال انت الى المنزل وتحدث معه لأن لا ينفع ان تتحدث معه في الأسفل.
ثم اقتربت هي هذه المرة منه وقبلته من خده الأيمن وتابعت:
- نعيمًا على الحلاقة.. ولا تقول لأبي انك رأيتني لأنني سأخبره انك لستَ في الشقة ولم اراك.. حسنًا حياتي؟

ختمت كلامها بوضعها قبلة ثانية على خده الأيسر ثم فرت هاربة من امامه لتغادر الشقة والبناية بأكملها وهي تكاد لا تصدق انها حقًا نفذت بريشها قبل ان يقبض عليها ويحبسها في هذا القفص الذي كان قبل قليل كالجنة لها.. رغم الخوف الذي كان يدق مطرقته على قلبها كانت تتنهد براحة شديدة..
وفي الجهة الأخرى كان محمد لا يزال واقفًا مصدومًا لا يصدق بل لا يستوعب آخر ما فعلته.. كتمثال تم نحته بقي واقفًا مكانه وينظر في اثرها بذهول ومشهد مغادرتها بهذه الصورة الدرامية الكوميدية يتكرر امام عينيه في صور وهمية غير مرئية مرة أخرى وأخرى..

***********************
"اصبحتِ معلمة بالكذب.. تكذبين كثيرًا.. على العموم لقد بدأ العد التنازلي للحساب"
نامت بعد ان قرأت هذه الرسالة الأخيرة وتم حقنها بكل نجاح بالرعب الذي تفشى في عروقها كلها ليستقر أخيرًا في قلبها.. ما الذي سيحدث بها بعد ان تعود اليه غدًا؟ بأي طريقة سيعاقبها بعد ان عرف من والدها انه لم يأتي معها وانها كذبت عليه..
والدها غضب منها بسبب ما فعلته لأنها وضعته في موقف كهذا كطفل صغير عابث.. وبعد ان وصله خبر موت صديقه المقرب اتصل بمحمد ليأتي غدًا هو وعائلته حتى تعود آلاء اليه..

ليس لديها أي رغبة بالذهاب الى المدرسة فمحمد اليوم قادم وقد احضر جاهة معه حتى تعود اليه.. أي ان لم يعد هناك اي مهرب.. هل هي خائفة؟ آجل خائفة جدًا.. البهجة التي من المفترض ان تشعر بها بما انها ستعود الى بيتها بعد ان غابت عنه لأكثر من شهر واسبوع ربما ليس لها اي وجود.. وكأنها ذاهبة بقدميها الى حبل الإعدام.. ربما لأنها تعلم ان الجحيم ينتظرها ليفتح ابوابه لها.. قلبها يؤلمها.. منقبضًا بطريقة مفجعة..

محمد سيعاقبها على كل خطأ قامت به وهي بعيدة عنه.. سيعاقبها على كل شيء وهذا بحد ذاته يؤلم روحها.. ولكن لماذا لا يلوم نفسه؟ فهو السبب بكل هذا.. هو الذي تسبب بما آل اليه حالهما..
أخذتها الأفكار الى عالم آخر لا تمت الى واقعها هذا بصلة لتشرد بالمجهول قبل ان يخرجها من كل هذا كلام صديقتها معها لتتبادل أطراف الحديث مع الفتيات اللواتي يتحدثن عن قرار المدرسة حول دروس السباحة التي ستكون جزءًا من التعليم والحضور الزامي لهذه الحصص حتى تنجح هذه السنة..

كل صديقاتها العربيات أخذن يتكلمن ويبدن إعتراضهن عن هذا القرار بأن ازواجهن ايضًا محال ان يقبلوا شيئًا كهذا.. ليتدخلن بعض الأجنبيات ويتحدثن عن عدم إعجابهن بقرار المدرسة هذا..
إبتسمت آلاء بسخرية وكأن المجنون زوجها سيوافق على هذا القرار.. ومع ذلك وقفت في منتصف الصف لتقول بجدية:
- أجلسن جميعكن وانا سأخبركن ماذا ستفعلن.

هتف ليبان بتهكم:
- ها هي اخيرًا ستجد لكُن حلًا لهذه المشكلة الكبيرة.
نظرت آلاء اليه لأقل من ثانية ثم تجاهلته وهي تبدأ بسرد بعض الحلول عليهن وكأنها ليست بحاجة لإيجاد حلًا لهذه المصيبة اكثر منهن..
"انتِ تستطيعين شراء ملابس سباحة خاصة بالمحجبات"
"وانتِ بإمكانك احضار ورقة من الطبيب ان السباحة تشكل خطرًا عليكٍ"

كاللبؤة وصاحبة القرار الناهي أخذت تخبر كل واحدة منهن ماذا تفعل.. وتارةً يضحكن على كلامها وتارة يعلقن بتأييد او بعدم رضى..
تابعت آلاء كلامها مستغربة الهدوء الذي ساد بشكل مفاجئ في الصف.. وصمتت حينما شعرت... انه.. انه عطر محمد!! أيعقل؟
إستدارت ببطء لتجده خلفها..
إبتسم محمد ثم لثم خدها أمام جميع الطلاب وأحاط خصرها بذراعه محتضنًا إياها وغمغم:
- كيف حالك؟

نظرت آلاء اليه بتعجب وهمست:
- الحمد لله.. ما الذي جاء بك الى هنا؟ لم اتوقع ان تأتي.
لم يعلق محمد على كلامها.. وقام بالسلام على ليبان وكريس امام حدقتيها المذهولتين.. سلامهما ابدًا لم يكن عاديًا.. كان حارًا قويًا وكأنهما أصدقاء..
تطلعت الى كريس لتجد نارًا في مقلتيه الزرقاوين.. وكأن عودتها الى محمد صدمته.. لم يتوقع ان تعود اليه.. بل هو لا يريدها ان تعود الى محمد..

أما ليبان فنظراته لها كانت كلها شماتة.. يشمت بها من تقرب زوجها اليه.. آه لو يعرف محمد! الصدمة تقريبًا شلت لسانها عن النطق.. منذ متى توطدت العلاقة بينهم ليتادلوا الأحاديث هكذا؟ لا.. هي حرفيًا لا تصدق ما يجري هنا..
لثم محمد وجنتها مرة أخرى امام نظرات كريس الحارقة ونظرات ليبان اللا مبالية ثم دون ان يبعدها عنه ويده تطوق خصرها بقوة بالهولندية قال لها:
- ماذا تفعلين حبيبتي؟

قبل ان ترد عليه كان ليبان يفعل بخبثٍ:
- تقوم بحل المشكلة الموجودة في الصف وتعطي حلولًا لها.. فنحن لدينا درس سباحة وهي الآن تحل هذه المشكلة.

حدجته آلاء بتقزز وقرف ليقول محمد بنبرة تدري ماهيتها:
- وهل قمتِ بحل هذه المشكلة يا قلبي أم ليس بعد؟

- لا اعلم.. انا فقط منحتهم بعض الإقتراحات وهم حرين.. دعنا نخرج الآن.
هتفت آلاء متجاهلة كليًا وجود كريس وليبان ليلتقط محمد حقيبتها الخاصة ويحملها بدلًا عنها دون ان يبعد عنها ذراعه التي تحتضنها آبية تحريرها..
بعد ان ابتعدا عن ضوضاء الصف وتوقفا في الممر بعيدًا عن الأنظار كلها قال محمد بنبرة خطيرة:
- ها حبيبتي؟ متى تنوين ان تخبريني عن هذا الدرس؟ أم انك قلتِ سأذهب وأحضر هذا الدرس وهو من الأساس لن يعرف به.. واذا عرف سيغضب قليلًا وبعد ذلك سيهدأ وينسى.. صحيح؟

سحبت آلاء نفسًا طويلا فهي صدقًا لا ينقصها أي توتر اليوم ابدًا.. منذ ان رأته في الصف وهي تحس بضيق مؤلم في صدرها وكأن هناك صخرة كبيرة جاثمة فوقه تمنع انفاسها ان تخرج بإنتظام.. ولذلك قالت بهدوء بقدر ما تسمح لها نفسيتها المرهقة من الخوف والتوتر والتفكير:
- الآن فقط عرفت عن درس السباحة هذا.. اليوم أخبرونا واذا اردتَ بإمكانك الدخول الى الصف لتسألهم وتتأكد.

- امشي امشي.. لم يعد يعرف الشخص متى تكونين صادقة ومتى تكونين كاذبة.
هتف محمد بوجوم ثم أمسك يدها وسار الى الكافيتريا لتهمس آلاء بأسمه بعتب..
- محمد!!
قال محمد بإقتضاب:
- لم اقول شيئًا خطأ.

قعدت آلاء أمامه ومن شدة شعورها بالضغط لم تعد تعلم كيف تفكر او حتى بماذا تفكر..
سألها محمد:
- هل جهزتِ نفسك؟
- ليس هناك شيئًا لأجهزه.

- اي انك جاهزة لهذا اليوم يا عروس؟
قال محمد بنبرة مبطنة وهو يغمز لها بعينه لتشعر ان وجهها أصبح أصفرًا اكثر من الشمس نفسها دون مبالغة من الخوف والتوتر.. الشحوب سلب منها لون وجهها المتورد دومًا وهي تتطلع اليه وكأنها تعيش الرعب الذي عاشته ليلة زفافها مرة أخرى بهذا الترقب والتوتر..
- آجل جاهزة.

ضحك محمد قائلًا:
- حسنًا اذًا سأنهض الآن لأعود الى عملي وسأكون في منزل أهلك مع الناس في تمام الساعة السابعة مساءًا.
ثم قبلها مرة أخرى ولكن أعلى رأسها وغادر..

أرهقها التفكير وهي جالسة مكانها بعد ان غادر محمد لتقرر أخيرًا ان تنهض وليحدث ما يحدث.. لن تعذب نفسها في التفكير أكثر..
ولجت الى الصف الذي كان فارغًا لتلمح من خلال النافذة معظم الطلاب في الحديقة التابعة للمدرسة..
مجرد ان جلست مكانها كانت ترى كريس قبالتها يجذب مقعدًا ما ليضعه أمامها ويجلس عليه بعصبية واضحة..
هتف كريس بعصبية سوداء ووجهه كله يتحول الى صفحة سوداء بعد ان كان يراقبها منذ ان أخذها محمد الى الخارج..
- انت!! كيف تخفين عني هذا الموضوع؟ منذ متى عدتِ اليه؟

--------------------------
يتبع...

قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:18 AM   #37

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثاني والثلاثون

المنزل كله يقف على ساق واحد.. تجهيزات وترتيبات وكأن هناك مناسبة او الأصح خطوبة.. ضجيج الإخوة وابناءهم.. زوبعة هي ما تحدث.. زوبعة كالإعصار لقلبها وعقلها.. توتر وقلق وخوف بل إن أصح فزع..
ستعود اليوم.. محمد قادم مع الكبار ومعه جاهة حتى لا ترفض ان تعود اليه.. حتى لا ترده خائبًا كما فعلت في المرات السابقة..
حالة من الترقب المريع الذي لم تمر به سابقًا.. كل مرة خوفها يتجدد بأفواج اكبر.. كل مرة خوفها يبدو بشكل مختلف.. شيء غريب.. غريب جدًا هو ما تشعر به.. وصداع لا تعلم كيف أتى.. لا هي تدري.. هي أكثر من تدري وكيف لا وهي تتعايش مع ضغط وقلق لا يحتمل..
آه من محمد.. محمد الغريب العجيب.. القاسي الحنون.. الجلف الرومانسي.. الخشن الرقيق.. الواضح المبهم.. محمد كل شيء وتناقضه..

ترى هل سيعاقبها حقًا؟ هل سيبدأ الحساب؟ واذا بدأ هل سيدمرها مجددًا ومجددًا حتى يزهق روحها وجعًا وبؤسًا؟ هي تعرف محمد.. محال ان يتنازل عن حق له.. محال ان ينسى اي ثغرة او يحاول ان يتناسى.. دومًا يحاسب ويعاقب.. حتى على أبسط الأشياء.. هل سيرأف بها هذه المرة بعد تلك الليلة التي كانت ابعد ما يكون عن المنطق.. أم انه حقود لا يغفر.. هي اخطأت كثيرًا وربما تستحق العقاب ولكن في داخلها تتمنى ان لا يعاقبها.. تتمنى ان يتفهمها بل يفهمها.. وهي... هل هي مخطئة؟ آجل هي ايضًا ليست على صواب ولكنها ليست مثله على الرغم من كونها لا تحبه كما يحبها كما يقول..

تائهة.. وكلام كريس يشوش افكارها أكثر.. هل هو حقًا يهمه ان تكون سعيدة أم انه كاذب عابث.. هي لا تعرف.. لا تعرف شيئًا.. ولكنها لا تتقبل اعجابه بها ومحاولته الالتصاق بها.. اجل انفجرت بوجهه بعد الكلام الذي قاله بأنه لا يحق له التدخل في حياتها الشخصية.. كل ذلك ليس من شأنه.. هي حرة بقراراتها وستجاهد لتبقى حرة القرار.. هذا أبسط حق من حقوقها كإنسانة.. ان تكون صاحبة القرار لنفسها..

كريس فعلا لا يهمها.. حتى بعد ان تمنى لها السعادة وحظ موفق بعودتها الى محمد لم تهتم.. فاليوم هو التوتر التي رغم كل ما مرت به لا زالت لم تعتاد عليه.. هذا التوتر مخيف.. شاهق كالجبال وسط الضباب وكأنه ليس له نهاية..
إزداد توترها وهي تجلس في الصالة.. لا تفقه شيئًا مما يدور حولها.. هي فقط تحلق.. تحلق دون جناحين.. تحلق دون ان تتحرك قيد أنملة.. تحلق في عالمها الخاص وأخويها محمود وايلام بعينين عابثتين ينظران اليها تارةً وينظران الى بعضهما البعض تارةً أخرى ثم اخيرًا انطلقت ضحكاتهما الرجولية دون ان ينظرا اليها..

تجهم وجهها الذي كان كصفحة بيضاء بسبب ما تعانيه ثم تطلعت اليهما وهدرت بضيق:
- ما خطبكما تضحكان هكذا؟

- لا شيء.
ثم قال ايلام بمشاكسة محببة:
- حمودة حبيبي.. اليوم ستعودين الى بيت زوجك.

رد عليه محمود مقلدًا بصوت أنثوي مضحك:
- آجل حبيبي.. اشتقت لحضن زوجي.

رفع ايلام حاجبه فبدى ظريفًا أكثر وهو يتمتم:
- آه ها اسمعك تقولين اشتقت! اين هي اذًا تلك التي تقول طلقوني منه والا سأهرب.. اين ذهب هذا الكلام؟

غمغم محمود بتبرير وإحراج أنثوي مصطنع:
- لا.. ولكنه سيحضر معه عمته ووالده وزوج عمته وناس كبار أخرى.. يعني عيب ان لا أعود اليه.. عيب ولا يجوز ان اقول لهم انني لا اريد ان اعود.. عيب حبيبي.

همهم ايلام بحزن وهتف بدلع انثوي:
- وجهة نظر حقًا.. والله انها تنفع حجة ايضًا حتى أعود لزوجي.. اليس كذلك حبيبي حمودة؟

أيده محمود ضاحكًا:
- اجل يا قلبي.

بطرف عينيها كانت تلقي عليهما نظراتها الساخطة.. لتنهض فقط وتقتلهما حتى تشفي غليلها.. هذا ليس الوقت المناسب لسخريتهما هذه..
- اذا انتهيتم من هذا فأصمتا وكفى واتركاني أكل الطعام براحتي.. وللعلم فقط ان هذه الجلسة معكما جدا مملة.

- هل تعلم يا ايلام من هو المتضرر الوحيد من هذه المشكلة؟
تساءل محمود بخبث وهو يلتقط غضب آلاء الواضح وتوترها الذي فضحها.. وكان ايلام المثل وهما يشعران بالتسلية بإغاظة شقيقتهما الغالية..

- اعلم.. انا!
رد ايلام بغيظ ليقول محمود وكأنه يرمي فوق النار المضطرمة البعض من البنزين:
- آجل انت وضربت زوجها ايضًا.. يا لفضيحتك وسواد وجهك الآن.

- صحيح والله.. على اي حال في المرة القادمة حتى لو رأيتها تموت امامي ليس لي شأن بها.
هتف ايلام بإستفزاز مقصود لتلك التي أخذت تتطلع حولها تبحث عن شيئًا ما الى ان التقطت علبة المناديل الورقية ثم رمتها عليهما بحنق وقوة وصاحت بغيظ ممتع جدًا لهما:
- كفى انت وهو.. فقدت شهيتي بسببكما.. انتما على أساس أشقائي .. اي اخوة انتما؟!

ووسط نظراتهما المذهولة كانت آلاء تغادر وصحنها الثمين الذي كانت تأكل منه دون شهية يغادر معه تصطحبها ضحكاتهما التي صدحت بصوت عالِ بينما يقول ايلام:
- لا... هذه الأعصاب لن تنفع اليوم.. دعيها جانبًا.. نريدك اليوم هادئة جدًا.

*******************
دعكت يديها بتوتر.. تستمع الى الكلام الذي يدور بتركيز رغم التشوش الذي يخترق ثباتها..
محمد هادئ وينصت الى الكلام بتركيز.. ربما هي مرة او مرتين التي نظر اليها.. ها هو الفرج يطرق ابوابه وزمام سيطرته على الأمور تعود الى كفه ليتصرف كما يريد وكما يشاء..
اليوم لن تتجرأ ان ترده وقد فعل المستحيل لتعود اليه وها هو بعزم يجلس في منزل أهلها.. مجبر على احضار هذا الجمع حتى تعود اليه بسبب لا شيء.. مجرد انها لم تمسعه.. لم تسمح له ان يدعها تفهم.. القت كلماتها وغادرت دون اي مواجهة.. لا هي واجهت ولكن لم تسمع.. كانت المتحدث الوحيد حينها.. كانت القاضي دون ان تسمع المتهم.. وحكمت وغادرت.. وهذا اللا شيء صار الكثير من الأشياء.. تهور وغضب وجنون.. شهر وبضعة أسابيع ذاق بها الويل.. لا هو لم يتذوقه فقط بل كان يتجرعه وكأنه طعامه..

استخدم كل مكر المحاماة.. كل الخبث حتى اخيرًا عادت راضية لا مرغمة.. وان كانت متوجسة رافضة.. الا انها تعلم ان لا مفر.. واذا لم تعرف بعد فهو سيدعها تعرف مرارًا وتكرارًا حتى يترسخ حقه بها في عقلها وقلبها بل في كل خلاياها فتصبح ذات يوم عاجلًا ام آجلًا تهرب منه اليه.. تغضب في ارضه دون ان يطاوعها قلبها على المغادرة.. واذا لم يأتي هذا اليوم سيأتي غدًا..
ولكن هذه القصيرة صاحبة العينين الواسعتين العسليتين فتجدهما كالبندق داكنتين احيانًا وكالعسل الصافي النقي احيانًا أخرى.. هذه الأنثى التى لا تملك من الطول الا قليلًا والتي بالكاد تصل الى منتصف صدره تفعل ما لم يفعله أحد به..

هي تناسبه.. تناسبه جدًا.. متهورة، مندفعة، غاضبة وصاحبة أطول لسان عرفه على مر تاريخه.. آجل هي كل ذلك ولكنها ايضًا رقيقة وجميلة وجذابة بطريقة مغيظة جدًا.. يحتار بها.. بماذا وماذا تغيظه.. هي تستفزه بكل شيء.. بكل شيء حتى يدها اذا ارتفعت قليلًا.. أي شيء منها يجعله في حالة تحفز وتأهب ويغادر العقل ويسيطر الجنون.. خاصةً عند الانفصال.. الإبتعاد.. و.... الخطر الذي يشعر به دومًا من كونه يحس بعدم انتمائها اليه.. بعدم رغبتها بالانغماس اليه.. كلمات الحب التي تقولها بعدم صدق وكأنها فقط تشفق على حبه لها وماضيها الذي يلاحقه كعلكة سوداء شيطانية التقت بفروة رأسه لا يرحمانه.. وهذه النقطة الأساسية لدمارهما يليها غيرته عليها وعدم تفهمها لهذه الغيرة اللا ارادية حتى من نسمة الهواء عليها..

وأنصت للكلام وتنحى بأفكاره المؤقتة جانبًا فمحمد لن يخرج في اي معركة يدخلها كمحارب او حتى كمشجع خاسرًا بل دومًا يخرج وراية الإنتصار طوق يده يلوح بها بتباهي وغرور..
وكان الكلام الذي بدأ من زوج عمتها كالتالي:
- السلام عليكم وعليكم السلام يا أبا محمود.. نحن اليوم قادمون لطلب منك شيئًا واحدًا ونأمل ان لا تردنا.

- طلبكم مقبول يا ابا حسام.. تفضل وأطلب.
- لقد اتينا لنعيد ابنتنا آلاء لإبننا محمد.. دائما تحدث مشاكل ومصائب ولكن اذا على كل مشكلة نحضر ناس ونجلس كهذه الجلسة وناس تحزن وناس تغضب فلن يحدث الا خراب البيوت.
قال زوج عمتها برزانة ليوافقه القول رحيم:
- انا معك بكلامك هذا ولكن انا لدي بعض الكلام الذي اريد قوله لمحمد وأمامكم جميعكم.

عقد محمد حاجبيه الا انه حافظ على ملامحه الهادئة الغامضة..
- تفضل يا عمي.

نظر رحيم لحظة لإبنته المرتبكة قبل ان يعيد نظره الى ابن شقيقه الكبير الذي كان يتمناه دومًا لإبنته ولكن لم يكن يعلم ان حياتهما ستكون هكذا.. وانه سيجرح ابنته ووتين قلبه يومًا.. والآن يتأمل ويتمنى صدقًا ان ينفذ الكلام الذي سيقوله فليس دائمًا يضمد الجرح..
بصرامة وخوف أب على ابنته كان يهتف رحيم بصوته الرزين:
- الكلام الذي لم اقوله يوم خطوبتكما سأقوله الآن.. اولًا، ممنوع ان تجبرها على شيء هي غير مقتنعة به مهما كان هذا الشيء.. ثانيًا، الحجاب إذا لم تقتنع به ١٠٠٪؜ لن تتحجب.. انا قمت بتربية ابنتي على القناعة.. اذا اقتنعت بالشيء تفعله واذا لم تقتنع لا تفعله.. انا لا أجبرها على شي ولم افعل ابدًا ذات مرة.. ثالثًا، انا اعطيها الثقة التامة.. وهي لم تدعني اندم يومًا لمنحي لها هذه الثقة.. على النقيض تمامًا كانت دائمًا تثبت لي انها تستحق هذه الثقة.. رابعًا، لا يحق لك على الإطلاق ان تقول لها انها عديمة التربية او ناقصة تربية.. انت هكذا تهينني وتسبني انا وتسب تربيتي ايضًا.. اذا اخطأت بشيء عاقبها لا تضربها.. منذ متى كنا نمد أيدينا على النساء؟!!

- عمي...
حاول محمد الحديث والإعتراض ليرفع رحيم يده يمنعه من قول المزيد ويهتف بنبرة صارمة شديدة..
- لا زلت لم انهي كلامي.

قال محمد بحرج وهو بصعوبة يكتم حنقه من كلام عمه:
- أسف تفضل وتابع.

تابع رحيم بنبرة جادة لا تخلو من الحزم:
- انا اعرف عقلك واعرف كيف قام والدك بتربيتكم.. وانا لست ضد تربية أخي لا حشا الله.. ولكنني لست مثله.. بالنسبة الي الفتاة والشاب لهما نفس المعاملة وحتى ان البنت أغلى من الولد.. حاول ان تفهم هذا الشيء.. ذلك اليوم حينما وقفت أمام الناس كلها وقلتَ أريد ابنتك لم أتردد للحظة لأنني قلت آنذاك انني سأعطي ابنتي لرجل سيحافظ عليها ولكنك تثبت لي مرارًا العكس وانت تعلم قصدي.

التقط بسهولة التغيرات التي طرأت على ملامح ابن شقيقه الذي ينتفض وجهه اعتراضًا على بعض الكلمات ثم تسكن خلجاته بتأييد وإنصياع.. ولكن شيء غامض مبهم كان يحيط به.. هالة رجولية تعجبه كأب لو انه يتخلى فقط عن تهوره ويتفهم ابنته كما يجب..
لم ترق نبرة صوته وهو يسترسل بمعاني مبطنة:
- هذه الأمور توقف عنها يا محمد.. هي ليست لنا.. حتى ولو ترعرعت وتربيت هنا ستبقى هذه الاشياء حرام.. وانا متأكد انك لو كنت في ذلك الوقت في كامل وعيك ما كنا سنصل الى هنا ولا جلسنا هكذا.. فأنتبه جيدًا هذه أول وآخر مرة سأحذرك.. إفهما بعضكما وتفاهما وتناقشا.. لا يجوز ان تبقيا دائمًا هكذا.. احترما بعضكما البعض وهذا المهم والأهم من ذلك بلا شك دراستها.. أي شيء تطلبه المدرسة منها وخاصةً فيما يخص دراستها ممنوع تمنعها او ترفض لأن هذا مستقبلها ولن يدوم لها أحد غير شهادتها لأنه سلاحها الوحيد في المستقبل.

تمتم محمد بضيق.. مهما كان لا يحب ابدًا ان يتم الحديث معه بهذه الطريقة امامها.. ليلومه ويعاتبه ويعنفه عمه كما يشاء ولكن ليس امامها..
- ولكنك يا عمي بهذه الطريقة انت تزيد من قوتها علي اكثر مما هي قوية الآن.

- انا لا اقويها عليك.. رغمًا عنها يجب ان تحترمك ولا تطيل بلسانها وتسمع كلمتك.
قال رحيم بجدية ليومئ محمد مواريًا غيظه من الجالسة تنصت الى الكلام بإهتمام:
- حاضر يا عمي.. كل كلامك على عيني وسيتم تنفيذه.
ثم نهض وقبل رأس رحيم احترامًا..
- أعتذر اذا أحزنتك أو تسببت لك بإهانة دون قصد بالتأكيد.

وضع رحيم يده على كتف محمد بطريقة أبوية وغمغم:
- حافظ عليها وكُن صبورًا.. افهمها واعرف كيف تتعامل معها.

- حاضر عمي.
قال محمد ثم عاد الى مكانه وحدقتاه الخضراوان تنظران اليها بطريقة جانبية جعلتها تجزم ان ليلتها سوداء وكلام والدها هذا ستدفع ثمنه غاليًا..
وثبت اخيرًا تنفذ طلبهم بتجهيز نفسها حتى تغادر مع زوجها وإستغلت آلاء هذه الدقائق الأخيرة لتختلي بنفسها في غرفتها تودع اخر دقائق الحرية.. ثيابها كانت جاهزة وقد أوضبتها مسبقًا ولكن نفسيتها لم تكن جاهزة اطلاقًا..

**********************
اليوم التالي.. السادسة صباحًا..
صدح رنين المنبه ليبتعد عنها اخيرًا بعد انتهاء جولة ممارسة رجولته عليها.. جولة وراء جولة حتى صارت كالجثة تمامًا.. جثة هامدة جسدها يصرخ وجعًا..
هي الآن كارهة لكل شيء.. كارهة له ولأهلها واهله ولزواجها..
كره ونفور وحقد على هذا الجسد اللعين الذي تمتلكه ليحبه هكذا.. على هذه الروح التي تملكها ليعشقها.. ألم يمزق روحها اكثر من جسدها..

تريد الصراخ حتى يختفي صوتها تمامًا.. تريد البكاء والعويل.. تريد التعبير عن المها.. تريد الإفصاح عن وجعها وتريد ان تبجس البركان الذي داخلها ولكنها غير قادرة.. غير قادرة ابدًا.. لقد أذاها.. أذاها كثيرًا.. كل مرة يمارس رجولته اللعينة عليها يؤذيها.. كل مرة يقتلها ولا تزال تتنفس.. كل مرة نفس الوجع ونفس الألم..
مذبوحة.. موجوعة.. مقهورة والكلام عالق بين جدران قلبها يعافر للخروج ولكن القلب ينبض ببطء وكأنه على مشارف الموت.. وشفتيها مرتخيتين بعدم قدرة على تحريكهما..
تنزف.. كلها تنزف قهرًا.. بؤسًا.. ليست هذه هي الحياة التي تريدها.. ليس هذا ما تتمناه بعد كل الذي حدث..

لا تعرف من اين أتتها هذه القوة التي جعلتها تسحب غطاء السرير بعنف لتغطي جسدها كلها بتجاهل صريح وبغض ليس له حدود وهي تسمع صوته الذي بدى كريهًا للغاية في هذه اللحظة بعد ان خرج من الحمام:
- انهضي لأقلك في طريقي الى المدرسة.
لم يجد منها سوى الصمت والجمود ليهتف بلا مبالاة ظاهرية قبل ان يغادر:
- مثلما تريدين.

تريد الهروب من احداث الليلة التي مرت عليها كالجحيم.. هي كانت في اعماق الجحيم.. تتخبط وتتلظى بجمود.. يا ليتها لم توافق ان تعود اليه..
الرعب الذي عاشته ليلة البارحة كان قاسيًا مريعًا..
منذ اول دقيقة دلفت بها الى الشقة برفقته وكان قلبها وكأنه غريق يجاهد على تهدئة دقاته.. التوتر يزداد والقلق أكثر..
كانت الشقة مرتبة.. كل شيء في مكانه الصحيح وسكوت مهيب يفزع قلبها المسكين يلفهما.. ثم انتهى كل شيء وبدأ البرود القاسي بسؤاله المتهكم:
- الم تشتاقِ الى بيتك أم انك كنت تزورين هذا المكان في غيابي.

كانت تعطيه ظهرها وأعماقها ترتجف لتستدير اليه وتواجه هذا الوجه الجامد الغامض بسخريته..
- لا، انا لم أتي الى هنا غير مرة واحدة وانت رأيتني ذاك الوقت.. أما بالنسبة لإشتياقي الى بيتي فبالتأكيد اشتقت.
وكانت بالفعل هي آلاء مهما بلغ خوفها منتهاه الا انها لا تستطيع الصمت وعدم الرد.. ولكن محمد كان يريدها ان تخطأ.. يريدها ان تستفزه اكثر ليستطيع التنفيس عن غضبه المكبوت منذ زمن طويل.. واليوم هاج بطريقة غير عادية.. ولذلك كان يهمهم بتهكم وهو يتوجه للجلوس على الأريكة الطويلة ثم يقول:
- حسنًا بما انك مشتاقة جدًا الى منزلك.. هيا اذهبي ورتبي حقائبك لكي نجلس ونتحدث فبيننا حديث طويل.

بهدوء وهي تنظر الى ملامحهه السوداوية قالت:
- انا متعبة اليوم.. سأفعل ذلك غدًا.
وأتاها الجواب سريعًا من محمد:
- لا الآن ستفتحين الحقائب وترتبين الملابس أمامي.
وفهمت آلاء بكل سهولة انه يعتقد ان هناك مصائب على شكل ملابس موجودة في الحقائب..
- محمد اذا اردتَ ان ترتبها انت لن اعترض واقول.. إفتح الحقائب بنفسك ورتب الملابس.. ولكن لا تبقى كل دقيقة افتحي الحقائب.. ضعي الملابس.. اغلقي الحقائب.. افتحي مرة أخرى... الخ... انا مرهقة وسأفعل ذلك غدًا.

همت بالجلوس قبل ان يفاجئها وهو ينهض عن مكانه ليفتح الحقائب دون اي كلمة.. بترقب جلست وهي تشاهده يفتح الحقائب ويخرج قطعة من الملابس ويرميها على الأرض ثم قطعة أخرى وتتكرر العملية حتى هتف بها بشر:
- هيّا انهضي ورتبي.

تعوذت من الشيطان.. فهي فهمت الى ما يريد ان يصل.. يريدها ان تطيل لسانها وترفع صوتها حتى يعاقبها بدم بارد وتكون هي المخطئة والحق حليفه كالمعتاد..
رتبت الملابس الذي يرميها على الأرض والصداع يكاد يودي برأسها.. انفجار محتوم قريب قادم..
لا زال يخرج القطع يرميها بصمت حتى قطع هذا الحال وهو يرفع فستانين اشترتهما حديثًا امام وجهها ويهدر:
- ما هذا؟

- فساتين جديدة.
اجابت ببلاهة لا تمتلكها ابدًا ليهتف بنزق:
- على أساس انني لا اعرف ما هذه الملابس.. انت تفهمين قصدي جيدًا.

- اجل أفهم.. ولكن اين المشكلة في ذلك.. فساتين اعجبتني واشتريتها.
قالت آلاء محافظة على هدوء ليهدر بعصبية:
- وارتديتِ هذا القرف بلا شك.

- محمد كفى حمقًا.. اين ارتديهما مثلًا؟ بكل بساطة اعجباني واشتريتهما فقط.
تمتمت آلاء ليضعهما بجانبه مع بعض الملابس التي لا زلت بجانبه ضمن قسم الممنوعات وقال بخطورة:
- أين الثوب الأحمر والتنورة؟

- الأحمر؟
همست والخوف يعود اليها وهي تتابع بتلعثم:
- آآه.. صديقتي اعجبها وطلبته مني فأعطيته لها.
آبتسم محمد بتهكم وهو يقول:
- والتنورة ايضًا أخذتها؟

- ها لا.. يبدو انني نسيتها في منزل اهلي.
غمغمت بإرتباك ليهمهم ثم يعزل كمية كبيرة من الملابس بجواره لتتساءل بتوجس:
- لماذا تعزل هذه الملابس؟

- ليس من شأنك.
اجابها ببرود لتهتف:
- هاتهم حتى اضعهم في الخزانة.

بصرامة هدر:
- وانا ماذا قلت؟ دعيهم ان انني يجب ان أعيد الكلام ألف مرة؟
بتشوش إستفسرت:
- كيف يعني اتركهم.. هذه ملابس فهاتها.

- وانا اقول ان من الأفضل لك ان تنسيهم.
تشدق بخشونة لتفقد سيطرتها على أعصابها المشدودة مسبقًا وتزمجر بثوران متأففة:
- اووووه ها نحن نعود الى نفس الموال اللعين والحياة التعيسة البائسة.. يعني انا لن البسهم في الخارج.. هذه ليست حياة!
وبعصبية مفرطة دون ان تأبه بالعواقب الوخيمة كانت تقذف بالملابس ارضًا وتنهض لتغادر الا ان وحش لا تعلم كيف بحركة واحدة كان يقفز من مكانه استعدادًا للفتك بها كان يمسكها ويقبض على شعرها بعنف بينما يتغلغل صوته الشيطاني في قلبها المذعور قبل اذنيها:
- أعيدي ماذا قلتِ؟

إبتلعت ريقها الذي جف وصمتت لتلوم نفسها على حماقتها بالتهور خاصةً في هذا الوقت الذي يصطاد لها خطأ واحد حتى يعاقبها.. هو يقصد ان يعاندها.. ويقصد إستفزازها وهي بكل سهولة وقعت في الفخ كحمقاء دون تفكير..
إزداد ضغطه على شعرها المسجون بقبضته لينبض الألم في رأسها وكرر محمد بوحشية:
- أعيدي ما قلتِ.
لم تتجرأ ان تحرك ساكنًا فأردف محمد بتهديد مخيف:
- جربي ان ترفعي صوتك مرة ثانية امامي او في وجودي.. تعترضين على حياتك معي، اليس كذلك؟

ثم مدّ يده الى فخذها ليقرصها بعنف فتصرخ بوجع وتسارع بالدفاع عن نفسها:
- لا، هذا ليس قصدي.. أنا اعتذر وكل ما في الأمر ان الملابس اعجبتني واشتريتها حتى ارتديها في المنزل.

إبتسامة لا تمت للمرح بصلة إرتسمت على شفتيه وهو يقول:
- على أساس انني لا اعرفك!
ثم قرصها مرة أخرى وجذبها الى الغرفة وأجلسها على السرير بخشونة ليضيف بغضب لا يهمد:
- جيد.. انا كنت انتوي ترك هذا الموضوع واسكت ولكن انت من فتحتيه ومن تسببت بذلك لنفسك.. وانا حقًا أشكرك لذلك لأنني والله اتوق لأعاقبك.. وحينما تكلم والدك قررت ان انسى ذلك وأسامحك ولكن انت لا تريدين فدعينا نتحاسب الآن على خطأ خطأ.. واحد تلو الآخر.. من اين تحبين ان نبدأ؟

غزا الإصفرار وجهها ليشحب من الذعر.. لقد حان وقت الحساب أي الرعب والوجع..
إستأنف محمد بقساوة أشد وطأة وملامحه تشتد بضراوة مريعة فيكون السواد الكئيب المريع في هاتين العينين الخضراوين:
- من اين تحبين ان نبدأ؟ من خروجك من الشقة والفضيحة التي تسببت بها واتصالك بأبي واخويك واخبارك لأبي عن موضوع الخمر رغم انني قد حذرتك مسبقًا انك ممنوعة من التفوه بحرف حول هذا الموضوع وخاصةً أمام ابي.. هل قلت لك كيف سيكون العقاب أم لا؟ ولكن لا داعي للرد الآن فهذا لوحده حسابه كبير وأحتاج له يوم كامل.. يوم يكون منذ بدايته وليس من نهايته حتى تعرفي كيف تفكرين وتتجرأين ان تكسري كلمتي ويصبح لديك علمًا بعواقب كسرك لكلمتي وقول اشياء لا يجوز ان تخرج من بيتنا.

صدرها أخذ يضج تزامنًا مع قلبها.. يرتفع ويهبط بعنف وانفاسها تخرج لاهثة وعيناها تتسعان بخوف جلي بينما محمد يكمل:
- والآن لنتابع كلامنا.. بماذا نبدأ الحساب؟ على الأشياء البسيطة مثل التنورة التي لم تحضريها معك، وغدًا على ذهابك الى المسبح.. ولكن اليوم على التنورة وخروجك دون إذني.. حساب على الاشياء الخفيفة لأن تقريبًا انتهى اليوم.

- محمد لا تفعل ذلك.. دعنا نبدأ حياتنا بشكل صحيح دون مشاكل.. للتو عدت من منزل اهلي.. الأمور ليست كذلك تجري.
ردعته آلاء بقولها.. ولكن هل فعلًا فعلت؟ فمحمد رجل جلف قهار لا يسامح ولا يغفر..
قال محمد بتفكير وكأنها لم تقل شيئًا:
- مممم.. حسنًا، كيف تحبين العقاب ان يكون؟ بالحزام ام بالقرص؟ أم ماذا...؟
اذ كانت تعتقد انها شحبت قبلًا فالآن آستحالت الى ورقة خريف بالية جدًا.. صفراء منتهية.. سقطت بسبب عاصفة تسببت لها بالذعر..
هراء.. هراء.. مستحيل ان يفعلها كيف؟
خوفها جعله يبتسم بلؤم لثانية قبل ان يعود وجهه لتلك القطعة الخشبية القاسية ذات الأشواك القارصة:
- يجب ان يكون هناك علامات ويبقى أثرها طويلًا على جسدك حتى كلما نظرتِ اليها تتذكرين فتتوبين عن افعالك.. وها انا أخيرك فإستغلي ذلك لأن هذا لن يحدث دومًا.. فبالعادة انا افعل الذي في رأسي وانتهى الأمر.

- محمد انت تمزح اليس كذلك وتريد ان تخيفني لا اكثر؟
سألته بتوسل ان يكون كلامها هو الصحيح ولا يفعل ما قاله.. جليد قلبه لم يذوب والجمود لم يخف بل ازداد وهو يأمرها بخشونة أوجعت قلبها رعبًا:
- اختاري.. حزام أن قرص؟

- أقسم لك انني لن أعيدها.
غمغمت آلاء برجاء وتشبثت بيديه تستعطفه بينما تتابع وهي تهز رأسها بضعف:
- انا أقسم لك يا محمد انني لن اعيدها.. انا أسفة.

سحب يده بجفاء وقال:
- لا.. فمن الأساس انت فعلًا لن تعيديها ورغمًا عن أنفك ايضًا.. ولكن الآن يجب ان أعاقبك.. لا يوجد أي شيء يمر مرور الكرام بالنسبة لي.. يجب ان نتحاسب فقولي ماذا تحبين أو اتعلمين انا سأختار لأننا هكذا لن ننتهي.. سأترك الحزام ليوم آخر ومصيبة ثانية لأنك بالتأكيد لن تتوقفي حتى هذا الحد من المصائب ولن تتوبي.. فيومه قادم قادم.. القرص افضل اليس كذلك وانت جربتيه قبلًا.
وانهى كلامه ليبدأ بعقابه.. قرصة وراء الأخرى وكلما ارتفع صوتها من الألم يضع يده على فمها حتى تصمت ويقول:
- ششش.. اخفضي صوتك فالجيران نائمين واذا سمعوا صوتك ماذا سيعتقدون انني افعل لك لا سمح الله؟

كادت ان تبكي وهي تغمغم:
- محمد ارجوك كفى.. لقد حلفت لك انني لن أعيدها.. كفى هذا يؤلم والله.
تريد ان تغرس اظافيرها في جلده القاسي مثله.. ان تُدخل اصابعها في عينيه وتقلعهما له.. او ربما تحضر سكين المطبخ الكبير الذي تكرهه وتقطع له أصبعًا أصبعًا وتقفز بسعادة ولكنها لن تفعل.. لن تودي بنفسها الى الجحيم.. جحيم محمد.. تريد ان تنهي هذا اليوم بأقل خسارة جسدية لها..

قعد أمامها ليهتف بفظاظة:
- اسمعي القوانين الجديدة التي ستنفذينها بالحرف الواحد وإلا قسمًا بالله سأجعلك تتمنين الموت ولن تطوليه.. اولًا، لا يوجد خروج من الشقة دون اذني.. حتى لو كنت ستموتين فتموتين هنا وتنتظرين حتى أتي واقول أخرجي.. انا أخذك الى المكان الذي تريدينه..
ثانيًا، ملابسك هذه كلها ممنوعة.. انا سأشتري لك بنفسي ملابس جديدة واقول لك المسموح والممنوع..
ثالثًا، اذا اردتِ الكلام مع اهلك سيكون فقط امامي..
رابعًا، من المدرسة الى الشقة والعكس.. وانا من يوصلك أو اعرف متى تخرجين وتعودين.. وجدول المدرسة اريده بين متناول يدي حتى أعرف متى لديك استراحة ومتى يجب ان تذهبي وتغادري.. منذ الآن كل شيء سيكون بحساب.. ايام كما تريدين وترغبين غادرت وانتهت.. انسي أيام الدلال تلك.. واجباتي كلها تفعلينها كما يجب وانت صامتة وقبل ان اتكلم.

تشدقت آلاء بسخرية بعد ان سمعت سلسلة الأوامر المغيظة:
- حاضر زوجي.. هل تريد شيئًا آخر.. أخشى ان تكون نسيت شيئًا فحاول ان تتذكر.

إرتفع حاجبه بعدم رضى البتة وقال بحزم صارم:
- آجل، لسانك هذا حاولي ان تضعيه داخل فمك، لأن اذا قال كلمة لم تعجبني انت تعرفين كيف ستكون النتائج.
ثم وقف ليطل بطوله الوحشي عليها ويقول بملامح خبيثة:
- والآن حان وقت حقي كما أظن.

قوتها التي كانت تتبجح بها بواسطة لسانها طارت لتتمتم بصدمة:
- ماذا؟؟!
اجاب محمد قبل ان يذهب الى الشرفة:
- لا انهضي الآن ورتبي هذه الفوضى وبعد ذلك سأخذ حقي.. هيّا انهضي ريثما أدخن سيجارة.

بهدوء نهضت تلملم الأغراض.. عقلها مرهق ولا تريد التفكير او الكلام.. كانت تعلم ان هذا ما سيحدث وهي ستعلم كيف تأخذ حقها فيما بعد..
انهت عملها وتوجهت للنوم على السرير عسى ولعل يحن قلبه حينما يراها نائمة فلا يوقظها..
هي متعبة.. متعبة للغاية بسبب التفكير والضغوطات التي تمر بها.. لم تكد تغلق عينيها إذ به يجذب عنها الدثار بعنف لتغلق عينيها بقوة وتستغفر الله..

هتف محمد بخشونة:
- نعم.. حقًا استغفر الله، اين تظنين نفسك لتنامي؟ هل نسيتِ انني كنت بعيدًا عنك منذ اكثر من شهر ونصف؟

جلست لتسند ظهرها على ظهر السرير ووضعت يدها على رأسها الذي يؤلمها لتغمغم بنبرة باهتة:
- صحيح.. هي مجردة بضعة ساعات وسينتهي كل شيء.

- لنرى البضعة ساعات هذه.
علّق محمد بإبتسامة غليظة قاسية وإستهل بالجزء الآخر من عقابه.. عقابه هذا كان مختلفًا.. دام طويلًا حتى كرهت نفسها وكرهته.. ساعاته لم تنتهي وبدت وكأنها سنوات.. ولم يبتعد وهو يمارس رجولته القاتلة عليها مرة تلو أخرى حتى دوى رنين منبه الساعة معلنًا عن وجوب إستيقاظه للذهاب الى العمل.. وحينها فقط أتى الفرج بعد ان صارت متشحة بروح سوداء تتعثر بالظلمات هنا وهناك..

******************
الساعة الحادية عشر ونصف صباحًا..
إستيقظت بمزاج سيء جدًا.. كانت قد نامت بعد مغادرته الشقة.. جسدها يؤلمها وليست لديها أي قدرة على الحركة.. ويجب ان تذهب الى المدرسة..
كان يومًا مملًا وهي تشعر بالخواء.. خواء الروح.. وحظها التعيس على ما يبدو انه سيكون رفيقها الوحيد هذه الفترة.. فها هي حينما عادت الى الشقة تجد كريس وليبان امامها يهمان ايضًا بالدخول الى شقتهما..

نظرة سريعة كانت ما ترمق كريس بها قبل ان تستدير لباب الشقة دون ان تلقي كلمة واحدة.. فقط تجاهلتهما.. وعينين زرقاوين تنظران اليها بطريقة غريبة.. هل هي نظرة حزن وشفقة ام حقد وتشفي؟ لا تعرف..
فتحت باب الشقة ليقول ليبان بإستفزاز وهو يتطلع اليها بوقاحة وشماتة:
- اتمنى لك ليلة سعيدة!
نظرت اليه لتجده يحدق بكريس ويردف:
- وانت الا تتمنى لها ليلة سعيدة؟ أو مممم لا أسف انا اعلم ماذا تتمنى لها.

لم تقف لتسمع كلام هذا الحيوان اكثر فولجت الى الشقة لتغلق الباب خلفها بعنف وهي تسبه وتسب محمد الذي وضعها بموقف كهذا ودون شك أصوات الليلة الماضية كانت تصل اليهما..
رباه متى سيأتي الفرج الحقيقي ليلون حياتها القاتمة بسعادة غالبة؟.. لا تريدها دائمة ولكن لتغلب السعادة على حياتها بدلًا من هذا البؤس الذي تعيشه..
حتى لا تسمع المزيد من الكلام ويسترسل محمد في عقابه الذي لم ينتهي بعد أخذت تنظف الشقة وتطهو اجبارًا لا حبًا..

تتمنى ان يسافر لعمل.. او يحدث شيئًا ما.. او يذهب للمكوث عند اهله ولكن لا يعود.. هي لا تطيق النظر النظر اليه او مجرد سماع صوته.. لا تطيق اي شيء منه حاليًا بإختصار شديد.. وكالمعتاد امالها دوما تنكسر واحلامها لا تتحقق فها هو يعود ليلقي تحية السلام عليها بينما عيناه الحادتان تتفحصانها بطريقة صقرية.. يكتشف اذا لا زالت بخير بعد كل الذي حدث ام لا.. وهي لم تكن.. لم تكن ابدًا داخليًا والصداع اللعين يشتد ووجع بطنها وظهرها يزيدان من معاناتها..

حضرت له طعامه ريثما ينهي استحمامه.. وران الهدوء بينما يتناولان الطعام.. لا هو تكلم ولا هي فعلت..
وجهها كان صدقًا شاحبًا بطريقة غير عادية وحينما سألها عن السبب وعرف ذهب ليشتري لها الدواء كما ارادت..
الغريب انه عاد ليس كما غادر.. غادر بهدوء وعاد بوجوم.. القى عليها الدواء بقلة ذوق قاصدًا إستفزازها الا انها لم تفعل.. ليست لديها طاقة للغضب او الشجار..
شربت الدواء لتسمعه يقول بجدية:
- نحن مدعوان الى العشاء غدًا عند كريس وليبان.

من الصدمة الماء التي كانت تشربها خرجت من انفها وهي تسعل.. والصداع الذي لازمها طويلًا برح رأسها.. هل هذا جاد؟!!!!
- ماذا؟!!!
كرر محمد بتعجب اخفاه بجمود وجهه المنحوت قسوةً:
- نحن مدعوان من قبل كريس وليبان.
وقد كانت هذه المصيبة كبيرة.. كبيرة بحق.. والصدمة تحتاج وقتًا ليس بقليل حتى تستوعبها..

--------------------------
يتبع..

سأحاول ان انشر فصل آخر في الأيام القريبة.. وإعذروني على تأخري فإمتحاناتي السبب..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:19 AM   #38

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثالث وثلاثون

السهرة كانت مملة.. نفاق وخداع.. تعرفت على حبيبة ليبان التي تُدعى ايليني وكأنهما وعاء وغطاءه.. لا اختلاف بينهما في الوساخة والحقارة..
كانت تحتاج الى قدر تحمل خارقة وهي تجلس معهم بالكاد تتناول شيئًا او تتكلم.. اما تلك الجميلة كريستا التي تعرفت عليها صباح اليوم في مكتبة المدرسة فكانت مختلفة تمامًا..

لقد رأتها مع كريس في مكتبة المدرسة ليعرفهما على بعضهما البعض.. كريستا شقيقة كريس لمعت عيناها بإنبهار فور ان اخبرها كريس انها تدعى آلاء..
آستنتجت آلاء انه تحدث عنها لشقيقته والا ما كانت أظهرت كل هذه اللهفة لتصر على الخروج معها قليلًا ثم الذهاب الى شقتها لتتحدثا ثم تذهب الى شقيقها..
لم تستطيع حينها آلاء ان تعارض عفويتها فهذا إحراج لها ولذلك إصطحبتها الى شقتها وهي تحس بالفعل بود تجاه شخصيتها.. كريستا هذه مختلفة.. مرحة عفوية وجميلة جدًا كشقيقها تمامًا..

رغم كل ما فعله محمد لا زال يعاقبها.. هل يحق له ان يفعل صدقًا؟ من يحق له ان يغضب ؟ هو أم هي؟
معاملته جافة ناشفة تفتقد اللين.. أوامر ثم أوامر ولا غير وهي سئمت.. حتى الطريقة التي أوقظها بها صباح اليوم كانت مستفزة..
دلفت الى الغرفة لتحضر له هويتها الوطنية التي طلبها حتى يدفع الفاتورة.. لم تجدها في حقيبتها الشخصية فخرجت اليه لتقول:
- البطاقة معك.. قبل يومين أخذتها مني بسبب الدفع.

- صحيح ولكنني أعدتها لك.
قال محمد بجدية لتهتف آلاء بعناد:
- لا، لم تعدها لي .. البطاقة معك.

- لا حول ولا قوة الا بالله.. حسنًا كيف خرجتِ البارحة دون البطاقة؟
- خرجت عادي.
اجابت بثقة فقال محمد بإصرار وهو يتطلع الى الطريقة التي تقف بها امامه.. كتلة عناد عجيبة.. يدها على خصرها بهذه القامة الطفولية وبنفس الوقت الجذابة..
- الاء إذهبي وابحثي عنها جيدًا.

ذهبت متبرطمة الى الغرفة لتبحث عن البطاقة مع انها كلها يقين ان البطاقة معه.. ولكن يقينها هذا خذلها وهي تجد البطاقة في حقيبة المدرسة..
عضت آلاء شفتها وهي تفكر ماذا سيقول عنها اذا اخبرته انها وجدت البطاقة.. بالتأكيد لن تدعه يفرح ويشمت بها..
وضعت البطاقة امامه بملامح صارمة عابسة ليقول محمد بنبرة ملتوية:
- اين وجدتيها؟ الم أخبرك انها معك؟

رفعت آلاء حاجبيها وعقدت ذراعيها حولها وهي تغمغم بكبرياء:
- لا طبعًا، لم تكن معي.. انا وجدتها بالملف خاصتك.. حينما اقول شيئًا تعلم ان تصدقه لا ان تعاند.

مال بعنقه قليلًا الى الجانب وحدق بها للحظات قبل ان يغلق عينيه ليعاود فتحها بملامح غامضة..
- أي ملف هذا؟
- الملف الذي كنت تعمل به البارحة.
اجابته آلاء بكذب ليقول:
- اي واحد تقصدين؟
- الأسود.
نهض محمد عن مكانه وقال بحزم:
- تعالي معي وأريني الملف.

ما هذه الورطة يا الله؟ ما خطبه مصر على رؤية مكان الملف.. أيًا كان هي واثقة انها رأت له بعض الملفات في الغرفة..
وقف محمد داخل الغرفة لينظر اليها ويقول بمكر وهو يقصد إيقاعها بفخ كذبها فليس هناك اي ملف له في الغرفة:
- ها أخبريني.. أين وجدتيه؟ أريني الملف.

بكل ثقة توجهت الى الدولاب لتفتح بابه وتشير بيدها بشكل عشوائي الى احد الرفوف التي يضع بها عادةً ملفاته وقالت بحاجب مرفوع بينما تتطلع الى محمد:
- هنا.

إرتفع حاجبه بتعجب مخفي وتمتم:
- أين هنا؟
تغضن جبينها وهي تدير وجهها لتعقد حاجبيها حينما لم تجد أي ملف له في الدولاب.. اللعين! البارحة رأت ملفاته هنا.. أي اختفوا؟ تم كشف كذبتها بكل سهولة..
- أين الملفات؟

- في الصالة.. كنت أعمل عليهم البارحة.. لم تخبريني بعد اين وجدتيها؟
رد على سؤالها وهو بالكاد يتمالك نفسه حتى لا ينفجر ضاحكًا وتضيع منه واجهة الوجوم الذي يسير عليها..
تنحنحت آلاء من الإحراج ثم دون ان تسيطر على نفسها ضحكت بصخب ووجهها يتخضب بخجل شديد.. يا لفضيحتك يا آلاء!

- لا تكذبي مرة ثانية.. قولي فقدتها أو اضعتها.. ولكن لا تلقيها برأسي.
هتف محمد وشفتاه تتمرد على إصراره فتلتوي بشبه ابتسامة ثم خرج من الغرفة..
دعكت آلاء رأسها بحنق من نفسها.. يا لغبائها فقط..
سمعت صوته يستعجلها ليقلها الى المدرسة بما ان لديه محكمة وكأنها تملك عينًا تواجهه بها بعد ذلك الإحراج..
خرجت آلاء اليه ليعلق:
- ساعتين حتى تجهزي!
ثم تطلع اليها الى وجهها الخجول مما فعلته ليفقد سيطرته على نفسه ويقهقه بصوت رجولي عالي..
- لا أعرف اذا كانت هذه العادة جديدة عندك ام قديمة وانا لست منتبهًا.. لا وتبقى مصرة أيضًا على رأيها!!

ضحكت آلاء وهي تتذكر الموقف لتغمغم:
- كفى محمد.. هذه أول مرة!
تطلع اليها بعينين عابثتين وقال:
- آجل، هذا واضح.. هيّا أمامي.

************************
تربعت على فراش الأريكة وفي داخلها مشاعر وأحاسيس متفاوتة.. حديث كريس معها.. مرض شقيقها محمود.. مكالمتها مع محمد..
لقد أتى كريس ليتحدث معها ويخبرها رأي شقيقتها كريستا بها وكم أحبتها مع انها لا تحب احدًا بسهولة.. ليطلب منها ان تعامله كما عاملت شقيقته.. بظرافة واحترام وإن كان بالنسبة لها مجرد زميل..
في الواقع هي احيانًا تشعر انه يختلف عن ليبان وكلادس ولكن بسبب صداقته معهما ومشاعره تجاهها بالإضافة الى بعض تصرفاته تجزم انه لا يختلف عنهما.. وهي لا تعلم...

ثم كانت المصيبة الكبرى حالما اتصلت بها أمها وهي في المدرسة لتخبرها بإنتكاس حال ساق محمود ودخوله الى المستشفى..
ارادت ان تذهب الى أهلها لتقف بجانبهم واتصلت به أكثر من مرة حتى تستئذنه بالذهاب الى المستشفى تجنبًا للمشاكل ولكن هاتفه كان مغلقًا.. هو قال ان لديه محكمة وهي لا تعرف نظام عمله كيف بعد.. ربما اذا لديه محكمة فيجب ان يغلق هاتفه..
إتصلت بمكتبه لتعرف انه قد خرج.. للحظة فكرت ان تذهب دون علمه وما ان تعود تخبره عن زيارتها لشقيقها في المستشفى.. وكادت صدقًا ان تفعل ذلك لولا معارضة صديقتها ليسا خشية من تدهور وضعهما الذي بالفعل سيء وبحث محمد عن أي عثرة لها..
إقتنعت آلاء بكلامها فهي لا ينقصها مشاكل معه بالفعل..

واخيرًا المهزلة الحقيقية بإتصال محمد بها بعد معرفته من المكتب انها اتصلت تسأل عنه.. وآلاء لا تتصل بمكتبه الا اذا كان هناك مشكلة لا تؤجل..
قالت آلاء له ان محمود في المستشفى بسبب ساقه وتريد زيارته فسألها محمد..
"وانت من أين عرفت؟"
"أمي اتصلت وعلمت منها"
كانت تعلم ما يحاول الوصول اليه.. هي خالفت احد قوانينه الجديدة.. قوانينه المقدسة!! وتكلمت مع والدتها دون علمه وبغيابه..
"خالتي! ماذا قلت لك عن هذا الموضوع؟ الم أخبرك ان لا تتكلمي مع اهلك الا اذا انا موجود؟"
"أعتقد انه ليس الوقت لهذا الكلام"
ردت عليه بجمود ليومئ محمد بخطورة وكأنها تراه:
- صحيح، ليس وقته.. ابقي في الشقة وممنوع ان تخرجي لأي مكان الى ان أتي ونذهب انا وانت في المساء.

وها هي جالسة على هذه الكنبة رصاصية اللون تنتظر شجارهما على شيء جديد ليقضيا وقت ممتع!..
بعد فترة كان يدلف محمد الى الشقة وتحديدًا الصالة ليهتف بحدة:
- أهلًا بالتي تسمع الكلام وتطبقه بحذافيره!

- أهلًا.. ما شاء الله اتيت مشتعلًا اي انك جاهز للشجار.. حسنًا عادي.. ما الجديد بذلك؟
تمتمت آلاء ليقترب محمد خطوتين منها ويهدر:
- انا ماذا قلت؟ الم اقول لك ممنوع؟

تشدقت آلاء بتهكم وهي صدقًا لا تستوعب اين المنطق في كلامه:
- حقًا! ممنوع ان ارد على امي حينما تتصل بي.. يجب ان اقول أسفة أمي لن ارد على مكالماتك الا عندما يأتي محمد!
إستأنفت بخشونة وغضب ينبض في عروقها:
- ما الذي تريده انت بالضبط ؟ هل تريد ان تفعل مثل إيلام ام ماذا؟ اذا كنت تقلده وترد له ما يفعله بعبير فيسرني ان أقول لك انني لست كأختك انقل الكلام واقلب الدنيا رأسًا على عقب وأفتعل المشاكل.. اذا اردت ان افتعل المشاكل بإمكاني من مكالمة واحدة وانت تعلم هذا الشيء جيدًا.

جلس محمد على الأريكة وقال بحدة:
- لا بالتأكيد.. انا ليس لدي اي علاقة بإيلام.. واخفضي صوتك حينما تكلميني.. وانا امنعك من الاتصال بهم فقط حتى أعاقبك لا اكثر.. وحتى لا تكررينها مرة أخرى وتتصلين بأهلك على أبسط مشكلة.. ومن ثم على أساس انك تسمعين الكلام جيدًا لا عكسها تمامًا.

غمغمت آلاء ببرود:
- حسنًا وماذا بعد؟
هتف محمد بعصبية:
- ماذا بعد؟!

- اجل عاقبت وبعد ذلك... ما الذي سيتغير؟
قالت آلاء بجدية ليهتف محمد بعصبية:
- لا يوجد اي امرأة تقف امام زوجها وتقول الكلام الذي قلتيه.. انا لا امنعك من الحديث معهم.. قلت لك ان تهاتفيهم حينما اكون موجودًا ومع ذلك ضربتِ بكلامي عرض الحائط وتكلمتي معهم.. كل الذي اريده منك ان تسمعي كلامي.. الشيء الذي اقوله لك اسمعيه ونفذيه بصمت.

تطلعت اليه.. ودارت حدقتاها على وجهه بمهمة إستكشافية بالية.. حدة ملامحه لا تخف كقسوة قلبه.. هذا الرجل متعب.. متعب جدًا.. وكأنه جبل رماله قاسية ومهما وقعت وتدحرجت الى القاع يبقى صامدًا مقاومًا شامخًا الى النهاية..
إبتسمت آلاء بأسى وسألته بنبرة باهتة:
- محمد لماذا تزوجتني؟

- ماذا؟
تمتم بصدمة.. هما في أي موضوع يتحدثا لتسأله عن هذا السؤال الذي كان آخر ما يتوقعه في هذه اللحظة..
أعادت آلاء سؤالها بجدية:
- اجل.. لماذا تزوجتني؟ اعلم انك تحبني.. ولكن ما هو الشيء الذي جعلك تحبني؟ شكلي، تصرفاتي، أسلوبي... ماذا بالضبط أريد أن افهم؟

- كل شيء.
- مثل؟
هتف محمد بغيظ:
- يعني نترك الآن الموضوع الرئيسي ونفتح موضوع آخر؟
- لا انه الموضوع نفسه ولكن فقط حتى نغلقه نهائيًا.

لم يقاوم تأملها وهي تسأله.. أتسأله حقًا؟ كل إنش بها يحبه.. رقة قلبها وإستفزازها.. لسانها الطويل وعنادها.. قوة شخصيتها.. جمالها الطاغي وطفولتها الساحرة.. روحها المرحة التي أرقته طويلًا.. حبها صعب.. صعب جدًا.. يحب تمردها الذي يزرعه به رغبته بتحديها وترويضها.. لا يريدها خانعة.. يريدها قوية متمردة ولكن متفهمة.. يريدها معه أضعف إناث الأرض ومع غيره أقوى من الرجال.. يريد سخاءها بكشف مفاتنها له وحده ومع غيره أبشع النساء.. يحبها وحب إمرأة مثلها يحتاج الى ترويض.. يحتاج ان يلجم جماحها.. فآلاء لم تكن أنثى سهلة.. إمرأته قوية بعناد.. متمردة بوقاحة.. هي مجنونة وهو مجنون أكثر منها.. هي الشعلة وقلبه وقودها.. وتستمر الشعلة بهيجانها بين ضلوعه..

هو لا يحب بها الكثير.. فقط يحب كل شيء.. جمالها.. طريقة كلامها.. أسلوبها.. عنادها.. تفكيرها.. ورغم (كل شيء) هذه لا تعجبه بعض الأشياء..
ونطق لسانه بما يحب بها دون ذكر (بعض الأشياء) التي لا تعجبه فقالت آلاء بهدوء:
- حسنًا هذا جميل.. اذًا لماذا تريد ان تغيرني؟ الم تحبني لأنني املك هذه الصفات وهذا الجنون؟فلماذا تريدني ان اقلع عن هذه الأشياء؟ ألم تحبني بسببها؟ ما هو السبب الذي جعلك تتوقف عن حب هذه الأشياء؟ ام انك تريد خلق واحدة ثانية تتماشى مع مزاجك؟ انت تعلم انك مهما فعلت لن يأتي بأي نتيجة.. ممكن ان اتغير قليلًا لآجلك ولكن محال ان اصبح كما تريد.. مستحيل ان تقدر على مسح شخصيتي لأكون إمرأة لمجرد طبخ وتنظيف وتربية اطفال وكل كلمة تقولها لي يجب ان اقول حاضر.

- ولا انا اريدك ان تصبحي هكذا.. ولا اريد امسح شخصيتك ولكن هناك بعض الصفات التي يجب ان تتغير.. يجب ان تتعلمي كيف تحترميني وتسمعين كلامي.
قال محمد بصدق لتهتف آلاء بعناد وكبرياء:
- انا اسمع كلامك فقط بالشيء الذي اقتنع به.. أما اذا لم اقتنع فذلك مستحيل.. مستحيل اسمع وأنفذ هذه ليست انا.

إبتعد عنها وتوجه الى المطبخ ليحضر له كوب من الماء.. عاد ليغمغم بيأس وتعب:
- متعبة انت.. متعبة جدًا.

- انا لست متعبة يا محمد.. وأعيدها لك وأكرر انا لا يوجد أبسط مني ولكن انت لا تعرف كيف تتعامل معي.
نظر لها بصمت ثم أخرج سيجارة ليشعلها ويبدأ بتدخينها.. بقيت آلاء صامتة وهي تجلس امامة عازمة على الوصول الى حل معه..
قطع صمتهما رنين هاتفه ليرد على المكالمة دون ان يبعد عينيه عنها..
- حسنًا دقائق وسأكون في المكتب.
اطفأ السيجارة في المنضدة الزجاجية وقال:
- انا سأغادر .. أتصلوا من المكتب حتى أعود.. سنتابع كلامنا فيما بعد وإن كنت لا ازال لا اعرف كيف اتعامل معك ولكن جهزي نفسك لنذهب الى المستشفى بعد ان أعود.

*********************
الساعة الثامنة مساءًا..
بعدت ان أخرجت كل طاقتها السلبية بصنع تسعة أصناف من الحلويات والكعك جهزت نفسها للذهاب الى شقيقها محمود كما وعدها محمد..
سمعت صوت الباب لتدرك انه قد عاد فنهضت وخرجت اليه ليرمقها بنظرة باردة ويولج الى الغرفة ليبدل ملابسه..
كادت ان تقول "هيّا لنذهب الى المستشفى لزيارة محمود" ولكن بدلًا عن ذلك خرج من فمها جملة ثانية:
- لننهي كلام الظهر.

نظر اليها بطرف عينه وتابع تبديل ملابسه ثم قال:
- لا حاجة لذلك.. انا مرهق ولدي صداع وبكل الأحوال انا لا أعرف كيف أتعامل معك الا حينما أتركك على راحتك.. تفعلين ما تريدين.. تخرجين وتعودين كما ترغبين دون ان تخبريني.. وترتدين ما يعجبك والكل ينظر الى جسدك وانا يجب أن اكون صامتًا وهذه الأشياء كلها عادية وحينها فقط سأصبح أجيد التعامل معك بنظرك.
ثم سار بنية الإستلقاء على فراش السرير ليوقفه سؤالها:
- محمد أهذا الذي فهمته من كلامي الظهر؟! انت كيف أصبحت محاميًا؟

- لا تتجاوزي بالكلام يا آلاء.
هتف محمد بتهديد وهو يتطلع اليها بعصبية لتقول بتروٍ:
- والله هذا ليس تجاوزًا.. انا فقط اريد ان افهم.. يعني انا اقول شيئًا وانت تفهم شيئًا آخر غير مقصدي.. انا لا أقصد ذلك.. غار.. حاسبني وامنعني.. إفعل كل الذي تريده ولكن بحدود.. صادقني محمد ودعنا نكون أصدقاء.. لا تدعني أخاف منك وأخفي اشياء عنك.

زلف منها ليقف قبالتها ويهتف بضيقه وحنقه:
- آلاء انت لا تهتمين.. انت تبيعينني بسهولة.. من اصغر شيء مستعدة ان تتركي كل شيء وتهدمي علاقتنا وتغادري.. لا يهمك أي احد.. ولا ماذا سيحدث خلفك..
إسترسل بقهر وعيناه تعاتبانها:
- حينما حدثت مشكلة بيننا ماذا فعلت انت؟ آه ماذا فعلت؟!! لم تحاولي حتى الجلوس معي لتفهمي الموضوع.. بسرعة تصرفتِ من رأسك وفعلتِ الذي ترينه صواب فقط والآن تقولين نصبح اصدقاء! إقتنعي انت اولًا بالكلام الذي تقولينه وبعد ذلك انا سأطبقه.. اذا كنتِ انت نفسك غير مقتنعة به فكيف سأطبق أنا؟

غمغمت آلاء بحزن:
- المشكلة التي بعت بها وتتحدث عنها الآن وتعاتبني عليها فالسبب بها ليس انا بل حرقة قلبي.. اجل انا ابيع ولا افكر بأي شيء عندما يصل الموضوع للخيانة.. خطأك لم يكن سهلًا ابدًا.. انت جعلتني أشك بنفسي.. أصبحت اقول ان الخطأ مني انا!.. انا التي قصرت معه.. يعني الذي أحببته وكنت أعرف من الأساس انه يعشقني وليس فقط يحبني يكون كل ذلك كذبًا!

الكلمات التي نبعت من قلبها أسمعته اياها عيناها الشجيتان وهي تردف بألم:
- وجعتَ لي قلبي يا محمد وكنت اريد ان أرد لك الوجع بأسرع وقت وبأي طريقة.. اصلًا لتشكر الله انني إكتفيت بطلبي الطلاق ولم أفعل مصيبة كبيرة.. أنا مجنونة اكثر منك يا محمد وحمدًا لله انني لم افعل مصيبة اكبر من الذي فعلته.. مصيبة أدمر نفسي بها قبل ان أدمرك انت.. الذي فعلته ليس سهلًا ابدًا والآن تقول لي انتِ تبيعيني بسهولة! هل سألت نفسك كيف كانت حالتي؟ صحيح انني لا أحب ان أبدو ضعيفة ولم أكن اريد قول هذا الكلام لك وإخبارك كيف كانت حالتي ومدى وجعي ولكن كلامك بكوني ابيعك بسهولة جعلني أتحدث الآن.. وبدلًا ان تحاول ان تراضيني تزيد الطين بلة وتحاول ان تقلب الموضوع لصالحك.. يعني بدلًا ان تقول انك اخطأت لا... انت غيرت مسار الموضوع كله وبقيت تحاسب بي.. ملابسك.. شكلك.. هذه لماذا هكذا؟ آجل محمد.. انا فعلت ذلك حتى أقهرك.. وها هي النتيجة في النهاية تعاقبني على أمور تافهة وما السبب لا اعلم! من المخطئ الآن ومن الذي يجب ان يعتذر؟ لا اعلم ايضًا؟

بقى يتطلع اليها بوجع دون ان يجد القدرة على النطق بكلمة.. يعرف انها تقصد الفترة التي عاد بها من السفر وإنقلابه عليها وسوء معاملته لها بسبب شعوره بالذنب والخوف.. ألمه إتحد بألم العسل السائل من مقلتيها الرقراقتين.. لم تبكي.. فقط تنظر اليه بذات الوجع والقهر..
غمغم محمد بصوت خشن حزين:
- انا وانت كنا نؤذي كثيرًا بعصنا البعض.

- والى متى؟ انا تعبت.. أريد ان أعيش كبقية الأزواج.. كأي رجل وامرأة متزوجان ويعيشان حياة طبيعية وعادية دون مشاكل.. ألهذه الدرجة طلبي صعب؟
هتفت آلاء بوهن.. كل ما ترغب به حياة زوجية طبيعية لا غير.. هي قنوعة وستكتفي بذلك.. لا تريد عالم الأحلام والخيال.. بل علاقة زوجية بسيطة مبنية على الإحترام والتفاهم..
أمسك محمد يدها وسحبها خلفه برفق ليجلس على طرف السرير ويقول بنعومة دون ان يفلت يدها:
- اجلسي.
جلست ليغمغم بأسف حقيقي:
- انا أسف.. اخطأت واعترف ولكن ردة فعلك كانت قاسية جدًا.. لو كنت عدوك لمَ فعلت ذلك بي.

- لأنني احبك فعلت ذلك.. لو انني لا أحبك لم أكن سأهتم لهذا الموضوع من الأساس.
هتفت آلاء وكأنها تقول هذا الكلام بتعال مضحك خاصة والألم ينقشع ليحل مكانه حاجبها الأيمن المرفوع بطريقة هجومية..
قال محمد موافقًا:
- اعرف ولكنك جعلتيني أصل الى نقطة اقتنعت بها انك حقًا لا تريديني وبدأتِ تعيشين حياتك بشكل عادي وكأنك لا تشتريني بقرشين!

لم يعلم ان هذا المطلوب.. حمدت الله ان المغزى وصله جيدًا فهذا هو الذي ارادته.. أن يصل الى نقطة يدرك بها ان وجوده وعدمه في حياتها لا يهمها..
تابع محمد بغيظ:
- بالتأكيد هكذا سيكون رد فعلي.. وانت تعرفين ما الذي يغضبي ويفقدني صوابي وذهبت لتفعلي كل ذلك! لم يبق لدي أي عقل.. شعرت انني خسرتك.. فبالتأكيد أفعل كل ذلك حتى أعيدك.. وعقابي هنا في الشقة كان لأنني مقهور منك منذ اليوم الذي رأيتك بذلك الثوب الأحمر.. حتى الآن اشعر بالقهر من ذلك الثوب واتخيل عقابي لك بسببه كيف سيكون.. تذهبين الى الحفلة وانت ظهرك وصدرك مكشوفين.. احمدي الله انها انتهت بعدة قرصات وعدم حديثي معك.

- كنت اضع وشاحًا والله.
دافعت آلاء عن نفسها ليقول محمد بهدوء:
- لا يهم.. انا اعلم انني بالغت بتصرفاتي معك ولكن رجاءًا تحمليني حبيبتي.
ثم لثم جبينها بود..
- أسف مرة ثانية.

- ممم سأفكر بالإعتذار.
غمغمت آلاء بشقاوة ليضربها على رأسها بخفة ويتمتم:
- كل هذا وتفكرين!

**********************
بعد يومين..
كانت قد ذهبت برفقة محمد للإطمئنان على شقيقها محمود وحمدًا لله انه بخير..
إبتسمت بغيظ وغضب وهي تتذكر كيف وقعت البارحة على الأرض وهي تفر هاربة من محمد كي لا يقبلها.. لينتهي الأمر بها يحملها عن الارض ويسير نحو سريرهما ليبثها جنون غرامه..
لمساته لها كانت غريبة.. تحس بإختناق رهيب ونار تلسع جلدها فرغمًا عنها تتذكر ما فعله بها وعقابه لها.. لا زالت لم تتقبله.. لا تتقبل لمساته ولا قبلاته رغم اعتذاره وأسفه وتغيره.. ولكن لا زالت تنفر لمساته..

هذا اليوم لديها مهمة صعبة.. وهي عزومة الجارين الكريمين في منزلها.. كريس وليبان..
لذا نهضت مبكرًا بينما محمد لا يزال نائمًا لأن اليوم عطلة وأخذت تُخرج الخضراوات والأغراض التي تريد استخدامها للطهي من الثلاجة..
شعرت بيد محمد على خصرها بينما يسند رأسه على عنقها وهو يسألها بنعاس:
- لماذا نهضتِ من جواري؟

إبتسمت آلاء برقة وإستدارت لتواجهه:
- لأن سيأتيك ضيوف اليوم فيجب ان استيقظ مبكرًا.
تمتم محمد بحنق:
- مممم ولكن انا لا يعجبني ان تنهضي من جواري.. وأنا من الأساس أفكر بالإتصال بهما ليأتيا غدًا ولكن المشكلة انهما يسمعان صوتنا في الشقة فلن ينفع هذا.

- حسنًا يا سيد الأفكار.. تعال وقم بمساعدتي.. لا استطيع فعل كل هذا لوحدي.
قال محمد وهو يغمزها بوقاحة قبل ان ينحني ليقبلها:
- انا أساعد في اشياء ثانية.. اذا اردتِ انا جاهز.

أبعدته آلاء عنها قليلًا وهتفت:
- محمد اذا بدأت الآن لن تنتهي حتى الغد.. فإبتعد عني حياتي وهيّا اذهب لتستحم وتعال لنبدأ.
بدأت بإخراج بقية الأغراض وهي تقول بسرعة:
- اعتقد ان من الأفضل ان تنظف انت الشقة وتترك المطبخ لي.
- هل هذا طرد؟
علّق محمد بسخط فاومأت آلاء متهربة منه:
- شيئًا كهذا.. هيّا إذهب.

سحبت نفسًا عميقًا بعد خروجه من المطبخ.. لمساته لها مثيرة للإستفزاز والإشمئزاز.. وكأنها لسعات نارية وتحرق جسدها.. لا تفهم لماذا تحس انها لا تتقبل شيئًا منه.. لا تطيقه.. هل هذه بسبب الذي فعله معها؟ ربما...؟
بعد وقت كانت ترد على سلام كريس وليبان..
- اين كريسا؟
- كانت بسهرة البارحة مع حبيبها ولم تستيقظ الا قبل قليلًا وقالت أن اعتذر لك نياية عنها.
أجابها كريس ببرود وترفع لتومئ آلاء بتفهم فيهتف ليبان بخبث:
- بصراحة توقعت ان العزومة تأجلت.. يعني بسبب سهركما ليلة البارحة اعتقدنا ان المدام بالتأكيد متعبة.

تطلع محمد الى آلاء وضحك بخفة:
- في الوقع اردت ان اؤجلها ولكن لم ينفع.. تفضلا لنجلس في الصالة ريثما تجهز آلاء مائدة الطعام.

اللعين ليبان سيبقى طيلة حياته وسخًا قذرًا.. لتمر هذه العزومة على خير فقط..
قال كريس وهو يتقدم ليجلس على طاولة الطعام بعد ان دعوتهما آلاء ليتفضلا:
- أتعبناكِ معنا اليوم.

- لا بأس، ليس هناك أي تعب.. تفضلوا وأتمنى ان يعجبكم الطعام.
قالت بإبتسامة ناشفة ليضيف محمد:
- أعددنا أصناف من الأكل العراقي قصدًا كي تتعرفا على أكلنا.

- يبدو شهيًا من شكله.. لنرى الآن المذاق حتى نعرف اذا كانت مبدعة بالطهي كما هي مبدعة وذكية بالدراسة.
قال ليبان وهو يجلس ليدنو محمد من آلاء ويقبل خدها بحب بينما يرد على ليبان بثقة:
- سيعجبك.. لا شيء تعده حبيبتي ولا يكون لذيذًا.

ابتسمت لمحمد وهمست:
- حسنًا هيّا إجلس انت الآخر.

- الطعام لذيذ جدًا بكا صراحة.
علق ليبان بتلذذ ليؤيده كريس بهدوء ومزاجه القاتم يبدو واضحًا للغاية:
- فعلاً لذيذ.

- لم اراك مع حبيبة حتى الآن.. لقد بدأت أشك بميولك وإتجاهك؟
قال محمد غامزًا بعينه بخبثٍ لكريس.. فرد كريس بملامح غامضة:
- لا، ليس كذلك ولكن انا...
نظر الى آلاء بنظرات مريبة مثيرة للشك وإستطرد:
- هل بإمكانك ان تضعي لي من ذلك الطبق؟.. انه لذيذ واعجبني طعمه.

توترت شفتاها بإبتسامة صفراء وهي تشعر انه سيقر بمصيبة ما.. مصيبة ستخرج من فم هذا الأبله على شكل كلمات..
وضعت له البعض من الطبق الذي نال على إعجابه وتطلعت الى محمد ليبادلها النظر هو الآخر قبل ان يقول لكريس:
- هاااا....؟ لم تجب على سؤالي بعد.

قال كريس بهدوء مبطن بخطورة مغزاه:
- في الواقع لدي حبيبة ولكنها عراقية!!!!
وتابع تناوله للطعام بسلاسة للحظات طويلة بعض الشيء ثم رفع عينيه ليتطلع الى محمد وأكمل كلامه:
- يعني هي من بلدكم.. ولكنها لا تستطيع ان تفعل مثلنا.. لا تقدر على الخروج معي كثيرًا.. او ان ترافقني بزيارات كهذه.
حاد بعينيه ليثبتها على آلاء ويسترسل بعينين بارقتين:
- آلاء انت تعرفينها.. هل تتذكرين الفتاة التي تدرس معنا في الصف وكنت جالسة انت ويارا تدرسان وفي ذلك الوقت أتت لتقول لي انا لا افهم الفيزياء.. هل تستطيع ان تساعدني؟ فطلبتِ مني انت ويارا ان اساعدها لأنكما شعرتا بالشفقة عليها؟

وكأنه هوى بكفه على خدها بصفعة قاسية.. هذه هي.. هي من طلبت منه في ذلك الوقت ان يساعدها في مادة الفيزياء لأنها لم تفهمها..
اومأت بتذكرها وهي تجاهد على تدارك نفسها.. هذا المجنون يعترف بحبه امام زوجها.. يجلس معه على نفس المائدة يتناول الطعام ويعترف لها بحبه امامه!.. الى اي مدى وصلت به الشجاعة؟ لا.. بل الى اي مدى وصلت به الدناءة والحقارة؟ الى اين يريد ان يصل وهو يتصرف وكأنه يقصد زرع الشكوك في عقل زوجها.. فإذا محمد عرف انها هي المقصودة وحاول معرفة الفتيات العراقيات اللواتي في صفها فستكون المصيبة هذه هي القاتلة.. وهي اكتفت.. اكتفت من الجنون الذي يحيط بحياتها..

هتفت آلاء بهدوء يناقض غضبها المتأجج في اعماقها:
- كريس ربما تكون الفتاة حقًا محتاجة مساعدة وقصدها كان دراسة فقط.. حتى انني أذكر كيف كان شكلها وهي تطلب منك ان تساعدها في الدراسة.. هي كانت مضغوطة دراسيًا وكل ما تريده هو ان تفهم المادة فلماذا فهمتها بشكل خاطئ؟

تطلع كريس اليها وقد أجاد بالفعل إخفاء مشاعره عن وجهه خلال هذه الجلسة فتكتفي ملامحه بتجهمها.. وتمتم:
- انا لا افهم خطأ.. ولست منتظرًا منها شيئًا.. محمد سألني وانا أجبته...
ثم نظر الى محمد وتابع:
- ثم اليس من المفروض ان تفرحا لأنني احب امرأة من بلدكما؟

هتف محمد بجدية بينما يبادله النظر:
- إذا كنت تريد نصيحتي فإترك هذا الموضوع اذا كنت لا تزال في بداية العلاقة.. لأنه صعب ومعقد جدًا.. بناتنا لا يأخذن رجالًا الا من بلدنا أي نفسنا.. وقليل جدًا من يتزوجن من بلد ثاني ويكون بلدًا عربيًا وليس أجنبيًا.. ربما لو أردت الزواج من فتاة عربية غير عراقية كان سيكون الموضوع أسهل ولكن عراقية! صعب والله جدًا.
ثم قال موجهًا حديثه لليبان:
- وما رأيك انت؟ أراك صامتًا ولم تشارك.

قال ليبان بنبرة ماكرة هادئة:
- الأكل اعجبني جدًا فدعوني أستمتع به أفضل من هذا الموضوع الممل.. لأنني قلت له رأيي منذ البداية.. اذا اراد ان يتسلى عادي ومقبول ولكت حب وهذه التفاهات ليس لها اي معنى.. أصبر عليه شهر او شهرين حالما يصل الى ما يريده سيمل وهو يعرف قصدي جيدًا.. مجرد ان يصل إلى الذي يريده منها ويعرف الطعم سوف يتركها ويذهب للبحث عن أخرى يتسلى بها وهكذا...

حافظت على هدوءها وبرودها وكأن كل الكلام هذا لا يدور حولها.. ولكن كمية السباب والشتائم التي قذفتها في أعماقها كانت لا تحصى.. كلاهما أحقر من بعضهما البعض.. أحدهما يعترف لها بالحب بشكل غير مباشر امام زوجها والآخر يهينها ويتكلم عنها بوساخة..
سمعت رد كريس وهي لا تصدق متى ستنتهي هذه العزومة اللعينة:
- انت مخطئ.. ولكن وجهة نظر وانا احترمها.

تم ختام هذه العزومة الحارقة للأعصاب بجلوسهم في الصالة لتتخذ آلاء مقعدًا بجانب محمد الذي قربها اليه بإحاطة خصرها بذراعه وهمسه لها بجانب اذنها:
- اعلم انك تعبتِ حبيبتي ولكن بعد ان يغادرا سأعوضك.

ثم قبلها على خدّها الناعم لتطالعه الاء بصدمها ووجهها يحمر من الخجل والإحراج فيستأذنا للمغادرة بينما كريس الذي كان مزاجه سوداويًا منذ البارحة حيث وصله أصوات ليلتهما الرومانسية ازداد حقدًا وكرهًا وغيرةً تجاه محمد.. ليتمنى ان يكون هو مكانه وهو الذي يدللها ويقبلها.. كل ذلك كان على قلبه كحمم بركانية قادمة من السعير..

********************
الآن يجب ان تقوم بالمهمة التي اتفقت عليها مع صديقتها ليسا.. شعورها بالكره تجاه محمد يزداد بشكل غريب.. تبغضه تنفره كما لم تفعل يومًا.. هي لا تتقبل لمساته.. لا تتقبل اي شيء منه.. فظاعة شعورها تجاه اي شيء منه غريب..
فكرت بكلام ليسا..
"آلاء ربما يكون شعورك هذا بسبب ما مررتِ به فهو ليس سهلًا على الإطلاق.. قد تكونين لا زلت غير متقبلة فكرة ان امرأة غيرك إقتربت منه"
اذا كان كلام ليسا صحيحًا ما كانت ستبادله جنونه بشغف في منزل أهلها.. لذلك ردت على ليسا:
"ولكن حينما إقترب مني في منزل أهلي لم اشعر نحوه بالقرف.. لماذا الآن خاصةً؟"

"حسنًا منذ متى تشعرين هكذا؟"
سألتها ليسا..
"منذ عودتي الى هذه الشقة وانا لا اطيق شيئًا منه"
غمغمت ليسا بتفكير:
"ربما لأنه عاقبك وقرصك وأخذ حقه منك بطريقة بشعة؟"
همست آلاء بتيه:
"لا أعلم ولكن منذ ان عدت الى الشقة وانا لا اطيقه ولا اطيق ان اراه مع انني خارج الشقة اشعر نحوه بالإشتياق.. ولكن لماذا هكذا تغيرت وانقلب حالي لا افهم.. يعني هو الآن جيد معي.. يعاملني بلطفٍ ولكن لماذا انا لا استطيع تقبله؟ لماذا اشعر بلمسته لي وكأنها نار وتحرقني.. احاول قدر الإمكان ان اكون جيدة معه ولا اظهر قرفي منه ولكن كل ذلك يضغط على أعصابي.. ماذا افعل؟

"هناك شيء ما في رأسي.. من الذي يدخل شقتكما وانت لستِ موجودة في العادة؟"
تساءلت ليسا لتقول آلاء بتوجس:
"لا اعلم.. ولكن بماذا انت تشكين؟ ممكن ان يكون سحرًا؟"
"اجل، هذا ممكن ولماذا لا؟ ربما أحد يريد ان يدمر علاقتكما ولذلك يجب ان تستيقظي غدًا منذ الصباح الباكر وتبحثين في كل مكان في الشقة.. لا تتركي مكانًا واحدًا ولم تفتشيه"
هتفت ليسا بنبرة قوية لتقول آلاء بحيرة:
"ولكن كيف اعرف إذا كان هذا سحر؟"
أجابتها ليسا بجدية:
- اي شيء يبدو لك غريبًا يُفضل ان تضعيه في كيس ولا تلمسيه بيدك وضعي قرآن في الشقة خلال بحثك"

وها هي منذ الصباح استيقظت وأوقظت محمد لتبدأ عملية البحث.. لم تستطيع ان تحقق له طلبه بمنحه قبلة مقابل ان ينهض ويساعدها بتنظيف الشقة.. فلا زالت مشاعرها نحوه لم تتغير بل كلما تزداد بشاعة..
تذمر محمد ليتمتم:
- كلها قبلة لا غير.. لا اريد شيئًا آخر.

- ممنوع حبيبي وهيّا انهض لتستحم وتعال لتساعدني.
هتفت آلاء بصرامة ليتوجه محمد متبرطمًا الى الحمام وهو يلقي كلمات يمينًا وشمالًا..
بدأت عمليتها بالبحث في الملابس.. ثم حقيبة وراء حقيبة.. وكل شيء تفتش به تلقيه على الأرض..
تفاجأ محمد من كل هذه الفوضى ليهتف بذهول:
- ما هذه الفوضى آلاء؟

- تعال لترتب انت.
قالت آلاء بلا مبالاة ليهتف بإستنكار:
- لا والله! ما الأمر؟ ما خطبك اليوم؟

ردت آلاء وهي لا زال تبحث والترقب في داخلها كلما يحتد:
- لا شيء.. أضعت قرطي وانا ابحث عنه وكي لا يضيع الوقت هباءًا قم بالنرتيب خلفي.
- لا حول ولا قوة الا بالله.
هتف محمد ثم أخذ يرتب خلفها بينما هي تتجه الى الحمام لتبحث به بعد ان انهت الغرفة ولم تجد شيئًا يثير الريبة.. فتشت المطبخ والصالة كذلك لا شيء وكادت ان تنهي كل الأماكن في الشقة وكذلك الأمر لا شيء..
هي خائفة.. متوجسة.. كل موضوع السحر هذا يرعبها.. تريد ان يكون كرهها لمحمد سحرًا وفب نفس الوقت هي خائفة.. فإذا لم يكن سحرًا قرفها وإشمئزازها منه سيكون الخلل بها هي..

ازداد تعجب محمد من هيئتها المضطربة فتساءل بنفاذ صبر:
- ما خطبك آلاء؟
- ها؟ لا شيء.
اجابته بعدم تركيز فقال محمد بحيرة:
- هل القرط هذا مهم الى هذه الدرجة؟ اخبريني على الأقل شكله لأبحث عنه معك.

- انا سأبحث عنه لوحدي.. انت فقط رتب خلفي.
قالت بجدية ثم أخذت تبحث بالمكتبة خاصته واوراقه ليهتف بحنق واعتراض:
- آلاء لا تعبثي بأغراضي.

- دقيقة واحدة فقط.
فتحت علبة سوداء كانت موجودة بمكتبه تحتوي على بعض الصور والأغراض.. وبينما تفتش بهذه العلبة وجدت شيئًا غريبًا.. لقد كان؟!!... كان هذا حجابًا..
تعالت دقات قلبها من هول الموقف لتفتح الحجاب بقلب مذعور فتجد بداخله طلاسم واشياء غير مفهومة ابدًا.. ما هذا بحق الله؟
صدق إحساسها وإحساس ليسا وكان معمول لها سحرًا والحجاب موجود في شقتها.. ولكن من هذا الذي وضع الحجاب لها في شقتها.. من؟!!!!

----------------------------
يتبع..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:20 AM   #39

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الرابع والثلاثون

حدقت بالحجاب بجمود يشوبه الألم والخوف.. ثم بوهن إرتفع صدرها وعاد لينخفض وهي تطلق زفيرًا حارًا..
إلتفتت بجسدها لتطالعه وهمست تناديه..
- محمد انظر الى هذا الشيء.

- ما هذا؟
تساءل محمد بحيرة لترد والصدمة المؤلمة يحل مكانها قوة بدأت تسطع قليلًا:
- انا التي اسألك ما هذا؟
هتف محمد بعدم معرفته بتعجب لتتابع:
- من دخل الى شقتنا وانا لست موجودة؟

- ماذا؟
غمغم محمد بإستغراب لتتنهد الاء وهي ترى عدم فهمه واستغرابه من كل ما يجري..
جلست على الاريكة بعد ان طلبت منه الجلوس هو الآخر ثم قالت بأسى وحزن:
- منذ ان عدت اليك وانا لست طبيعية.. دائمًا مختنقة.. لا اكون مرتاحة حينما تكون متواجدًا.. فكرت ان يكون كل ذلك بسبب العقاب وطريقة تعاملك التي كانت فور ان عدت اليك.. ولكن تصرفاتي حتى بعد ذلك بدأت تزداد غرابة.. لم أعد أطيق أي شيء في البيت.. حتى انت!

سلطت نظراتها عليه تود سبر اعماقه لتعلم ما يجول في خاطره في هذه اللحظة.. ولكنه بقي صامتًا ينتظرها ان تنهي الكلام التي تود قوله..
رمشت قليلًا تفكر كيف تسترسل بالكلام دون ان تجرحه.. ففي النهاية صعب ان تقول له انها كانت تهرب من لمساته وانها كانت تنفر حتى من مظهره وصوته!
- حتى معك انت لم أكن مرتاحة.. كنت أحس بشعور غريب وحينها بدأ الشك يراودني الى ان داهمت فكرة السحر عقلي وها انا منذ الصباح ابحث في الشقة الى ان وجدت هذا الشيء الذي في يدي.

العرق النابض في صدغه اخبرها كم يجاهد ليتحكم في غضبه الهادر.. كان فقط ينظر اليها والف سؤال يتردد في اعماقه.. كيف صمتت كل هذه المدة؟ ماذا لو ساء الوضع أكثر؟
إستأنفت آلاء تود فقط معرفة الجواب الذي كان في مكانه الصحيح:
- محمد.. من دخل الى شقتنا وانا لست موجودة؟

سحب من يدها الحجاب وقال بنبرة قاسية وملامحه وجهه متحجرة متوعدة:
- لقد عرفت من.
- من؟
كل الذي ارادته هو ان تعرف من ولكن كان لمحمد رأي آخر فهتف بخشونة وهو ينهض ليغادر:
- ليس من شأنك.. انا سأحل هذا الموضوع.

وقفت آلاء أمامه تردعه من الإستئناف بسيره مزمجرة بحقها بقهر:
- محمد من حقي أن اعرف من الذي فعل ذلك.. هل هو أحد انا على معرفة به؟

هتف محمد بحدة:
- لا، انت لا تعرفين أحدًا.. ولا اريد ان يعرف أحد عن هذا الموضوع وانا بنفسي من سأتصرف.. وفي المرة المقبلة حينما تشعرين بشيء خطأ تكلمي لا تبقي صامتة.. ستموتين ذات يوم بسبب صمتك هذا وأموت معك.

*******************
أخذت تسير في الصالة ذهابًا وإيابًا بعد ان غادر.. تريد ان تفهم هذه المصيبة الجديدة من اين أتت.. من المستفيد من دمار علاقتها الزوجية ليتصرف بهذه القذارة!
قضمت اظافيرها بتوتر وهي ترقد أخيرًا على الأريكة.. حالة رهيبة من التوتر والقلق انتابتها وهي تنتظره..
عاد الى الشقة بصمتٍ عجيب ليلاعب الكلب الذي اشتراه من باريس حينما ذهبا اليها معًا بينما هي تنتظره ان يتكلم.. وعندما رأت انه لن يخبرها دون ان تتعب هي بالسؤال هتفت وهي ترمقه بضيق:
- متى ستتحدث؟ هيا أنا أسمعك.

- ماذا تريدين ان تعرفي يا آلاء؟
سألها محمد بنبرته القوية لتهتف آلاء بحزم:
- اريد ان اعرف من الذي وضع هذا الحجاب في شقتنا وجعلني هكذا غير مرتاحة؟ والأغرب بمجرد ان اخبرتك كنت تعرف من الفاعل!

- جيهان، الفتاة العربية التي زارتك في المستشفى!
اجابها محمد بهدوء فهو يعلم ردة الفعل التي ستعقب معرفتها بالفاعل..
إتسعت عيناها المتوقدتان غضبًا جنونيًا لتهدر بعصبية حادة:
- ماذا!!! وما الذي أتى بها الى الشقة وانا لست موجودة؟!!! يعني انت لن تتوب ابدًا!!

تمتم محمد حانقًا:
- أستغفر الله.. اسمعي وافهمي وبعد ذلك أحكمي.
مدت آلاء كف يدها له وهي تهز رأسها له ليتفضل بالكلام..
- قبل فترة بسيطة أي حينما كنتِ في منزل اهلك قاموا بزيارتي اصدقائي وإستغربت من الأساس انها كانت معهم فقد كانوا كلهم رجالًا.. واتوا ليسلموا علي لأنهم كانوا قريبين من شقتنا.. في غيابك لم يدخل احد الى المنزل عداهم وعدا كريس وليبان وبالتأكيد هذان ليس لهما علاقة في هذه المواضيع وكذلك الأمر اصدقائي الشباب.. كانت هي المرأة الوحيدة التي دخلت الشقة معهم.

- وماذا فعلت الآن؟ أذهبت اليها؟
تشدقت بحاجبٍ مرفوع لتكفهر ملامحه ويزفر بعنف:
- آلاء ليس من شأنك ماذا فعلت.. انت اردت ان تعرفي من الفاعل وهذا حقك.. أما ماذا فعلت وماذا قلت فهذا لا يخصك ولكن يجب ان تعرفي انها لن تتجرأ على الإقتراب منك او تفعل لك شيئًا او تفكر مجرد تفكير من الأصل.

بشفتين مزمومتين غضبًا وعينين حادتين كانت تنظر اليه قبل ان تغمغم:
- يعني انتهى الموضوع بينكما انتما الإثنان والآن انا يجب ان أصمت؟
هدر محمد ساخطًا:
- آلاء ماذا تريدين بالضبط؟.. دعيني أفهم.

تنهيدة حارة انبثقت من بين جدران قلبها.. الى متى ستستمر هذه المطبات؟ طائرة حياتها لا تثبت.. تواجه العديد من المصاعب.. وإما ستسقط وتنفجر وإما ستقاوم وتجابه هذه المطبات بكل قوة.. ولكن هذا الطريق منشود مردود..
همست آلاء بوهن من المصائب والمصاعب التي تنهال عليها كسيلٍ من مطر غريز:
- لقد تعبت.. منذ اليوم الذي تزوجتك به حتى هذا اليوم مشاكل ومصائب من كل صوب.. ما شاء الله يعني سيتم حسدي على كمية المصائب التي انا بها.. أنا اريد ان ارتاح.. تعبت.. تعبت.. اعتقد هذا الشيء من حقي وانت لا تطمئنني ابدًا.. انت دائمًا مع المصائب.. فقط أخبرني الى متى سأبقى بهذه المشاكل؟.. اريد ان ارتاااح.. انا لا اطلب اي شيء غير الراحة! لقد اكتفيت.. لا اريد ان اعيش بهذا التوتر والقلق النفسي طيلة الوقت.. تعبت والله واصبحت اشك بنفسي.. لم أعد اشعر ان لدي ثقة بنفسي ولا أثق بالغد معك.. حياتي طيلة الوقت مهددة معك.. أتمنى فقط ان ننتهي من هذه المشاكل.. أتمنى هذا الشيء.

ضمها الى صدره ليربت على ظهرها بحنو يعتذر به عما تتعرض له لأجله..
همس محمد مطمئنًا لها بوعده:
- حاضر حبيبتي أعدك ان انتبه اكثر ولا أدع اي شيء يدخل بيننا مرة ثانية، وعد حبيبتي.
- لنرى يا محمد.. لنرى اتمنى ان يكون صدقًا هذا الشيء.
وضع قبلته على جبينها وغمغم بإبتسامة:
- سترين يا قلبي.
ثم ضحك وهو يسمع الكلب ينبح ليردف:
- هل رأيتِ؟ حتى الكلب صار ينبح ويقول لك صدقي.

تطلعت اليه بإستنكار وإبتسمت ليهتف محمد بتفكير وهو ينظر الى الكلب:
- نريد ان نعمل.. هل ستبقى هنا ام ستغادر؟

قالت آلاء بنبرة مسيطرة:
- لا حياتي انت لن تعمل.. بل ستذهب الآن الى المطبخ وتعد لنا الطعام وانا سأذهب لأستحم لأنني تعبت اليوم بتنظيف الشقة.. وبعد ذلك ستجلس لتدرسني لتكفر عن ذنبك.
ثم دون ان تأبه بما قاله سارت متوجهة الى الحمام وهي تضحك وراحة تمنتها منذ زمن تتهادى الى قلبها..
- عينك قوية سيدة آلاء.. ضعي برأسك ان هذه اخر مرة.

*******************
كتمت ضحكاتها وهي صدقًا تشعر ببعض الشفقة عليه.. كانا في غمرة عاطفتهما ليجذبهما من سحر لحظاتهما رنين هاتفه فيشتم محمد بكلمات بذيئة إتسعت لها عيناها.. ثم إضطر ان يرد على الإتصال فقد كان المتصل والده الذي قرر زيارتهما بشكل مفاجئ..
تركته يجلس مع والده ودلفت الى الغرفة وهي تفكر كيف تفاجئه بعد ان تذكرت فرحته التي انكسرت وهما يفارقا مأسورة الغرام نظرًا لهذه الزيارة..
الليلة تبدو جميلة.. رومانسية مؤثرة وصورة لإحدى الأساطير تسرح بها مخيلتها.. فستان ازرق حريري وشعر مرفوع بتسريحة ناعمة.. اين رأت هذه الصورة لا تُذكر.. ولكن بهذه الليلة تريد إرتداء الأزرق.. الأزرق لون السماء والبحار.. لون ساحر يجذب بقدر نقاءه وصفاءه الا انه يضم عواصف وإنفعالات قوية في سكونه..

إرتدت قميص نوم ازرق اللون وهي لم يسبق وان إرتدت لون كهذا.. كان القميص ليس قصيرًا جدًا ولكنه يكشف عن ظهرها الأبيض المرمري ويشق الجانب الأيمن منه ليُظهر ساقها الرشيقة.. وعلى غرار الصورة التي في مخيلتها رفعت شعرها كله ولكن بطريقة عشوائية..
مع ان محمد يكره ان ترفع شعرها ويغضب كلما رفعت شعرها له..
أغلقت نور الغرفة وتوسدت السرير بإنتظاره..
بعد ربع ساعة سمعت صوت عمها يستأذن للمغادرة لينزل محمد برفقته..

القت نظرة سريعة على القميص الذي ترتديه لتهز رأسها بعدم رضى.. هذا القميص فاضح جدًا وعيب ان ترتديه.. يجب ان تغيره ولكن لتجلب اولًا شاحن هاتفها من الصالة بما ان محمد نزل ليقل والده..
أخذت الشاحن من الصالة لتنبسط جفونها بإرتباك وتوتر حالما فُتح باب الشقة ودخل محمد.. ليس بهذه السرعة يا الله!

غامت عيناه الخريفية بمشاعر أجشة جعلت قلبه يعصف بأوراقه.. إبتسم وهو يتأملها بعينين معجبتين مغرمتين من الأعلى حتى الأسفل.. إنها جنية غزت أحلامه وإحتلتها طويلًا..
تأوه محمد بعذاب عاشق وغمغم:
- حرام عليك.. سيقف قلبي يومًا!

لم تتزحزح من مكانها وهي تحدق به ببلاهة.. لقد رأها وهي بهذا الشكل الفاضح!
خفق قلبها بترقب وهي ترفع قدمها بخفة للتحرك الا انه كان يوقفها بأمره السريع:
- انتظري.. ابقي مكانك وممنوع ان تتحركي.
تعجبت آلاء وهي تراه يتجه الى الحمام.. سمعت صوت المياه فقالت:
- محمد سأذهب الى الغرفة.

- لا ابقي مكانك.
هتف بصوت عالٍ لترشق نفسها بغيظ.. ما الذي يفعله في الحمام هذا ليدعها تتوقف في منتصف الصالة بهذا القميص الذي يكشف الكثير لعينيه الجائعتين لها وحدها..
هتفت آلاء بأسمه ساخطة ليخرج اليها بإبتسامة وهو يرتدي شورت أسود قصير وقطرات الماء تنساب من شعره المبلول على رخام الأرض البارد..
هي تقف في إنتظاره وهو كان يستحم!
- انتهيت.. احسنتِ حبيبتي، تسمعين الكلام.

تمتمت آلاء بحنق:
- وماذا الآن؟ لقد ظننت انك ذهبت لتحضر شيئًا ما لي من الحمام.. يعني انتظر هنا عبثًا!
قربها محمد الى حضنه ليدثرها به بينما يغمغم:
- لا حبيبتي.. ولماذا قد يكون عبثًا؟.. ليس هناك اي شيء افعله انا ويكون عبثًا.. ومن ثم انا هناك شيء ما برأسي.

- ما هو؟
تساءلت بفضول ليدفع نفسه عنها ويدور حولها بخطوات بطيئة قريبة..
غمغم محمد بإعجاب وهو يتأملها بعشق ورغبة لا تخمد بها وحدها..
- لون جديد وجميل.
إرتفعت حدقتاه الى شعرها وتابع حانقًا:
- ماذا قلت لك مسبقًا عن شعرك؟
سحب الملقط التي تثبت به شعرها لينسدل شعرها القصير حولها وجهها بتموجات خفيفة مغرية تشابه أمواج الليل..
- هكذا أجمل.
دس أصابعه في منابت شعرها ليحركه فيتوهج سحرها كما توهجت شرارات العسل في مقلتيها.. تنشق رائحة شعرها اللاذعة ليغمض عينيه بإستمتاع ثم يدفن رأسه في عنقها ليشم رائحة العطر المغري من مسامات جلدها الناعم..
- وعطر جديد وخطير جدًا!

جف ريقها من نظراته.. صارت كفريسة وقعت في المصيدة.. أطلق فؤادها صفير انذار الخطر.. الليلة الشغف مختلف.. والعاطفة حارة.. السماء ممطرة.. والبحر هائج.. وأمواج العشق ترتطم في الصخر القاسي فتهزه وترعده كما تفعل بها لمساته..
هذه المرة كل شيء كان مختلفًا.. لم تكن كارهة بل راغبة.. متقبلة منه كل شيء وتبادله شغفه الذي إنسكب على إذنيها ليرفعها الى أعالي السماء..
فصل قبلتهما للحظات ثم إنحنى ليحملها بين ذراعيه فتشهق مفزوعة وتتذمر بحنق محبب:
- محمد! كدت ان أقع.. لماذا لا تتوقف عن هذه الحركة؟

همس محمد بعاطفة ثقيلة وهو يسير بها الى غرفتهما:
- انا اموت عشقًا بك حينما اراكِ تشهقين هكذا! ومن ثم ممنوع ان تخافي وانا موجود معك.. والشيء الذي أردت ان افعله فور ان رأيتك هو ان أدخلك بنفسي الى الغرفة.. ممنوع ان تدخلي اليها على قدميك.. يجب ان تدخلي هكذا.
قرب رأسه منها ليأخذ قبلة سريعة ويعاود النظر الى وجهها المليح الرقيق بإبتسامة ساحرة:
- ليلتنا زرقاء اليوم حياتي.

أسندت رأسها برقة على صدره وصمتت مكتفية بملمس عضلات صدره التي تتكئ عليها يدها.. مشتاقة اليه حقًا.. مشتاقة الى عطره الرجولي الذي تتنشقه الآن ببهجة وحب.. وكأنها منذ زمن طويل لم تراه والآن فقط عاد من السفر.. اخيرًا رد الحياة الى قلبها.. ومثلما قال كانت ليلة زرقاء مشرقة تمنتها طويلًا..

***********************
تطلع اليها كريس بعد جلوسهما على احدى الطاولات في الكافيتريا ينتظرها ان تدخل فى صلب الموضوع الذي تريد الحديث عنه معه..
إرتشف القليل من قهوته المرّة وحدقتاه تتأمل يديها الصغيرتين اللتين تحتضنان كوب الشوكولاطة الحارة خاصتها..
بعد تمعن بسيط بها تساءل كريس:
- ما هو الموضوع؟

إعتدلت بجلستها لتدوس على سحره الطاغي على أي انثى بنظرته هذه وقالت بهدوء:
- الموضوع؟... كريس انت شاب رائع ومهضوم جدًا.
لم يتأثر اي شيء بوجهه فما كلامها هذا الى مقدمة لما ستقوله كما إستنتج..
إبتلعت زفرتها في حلقها وإسترسلت:
- ولكن مع ذلك ما فعلته يوم السبت الماضي كان خطأ وغير مقبول ابدًا.. انا اعتبرك صديقي وكأخي تقريبًا ليس حتى تأتي وتقوم بتدمير بيتي وإعاثة الفساد به.. إعتبرني صديقتك، أختك وانا سأساعدك إذا أحببت لإيجاد الفتاة المناسبة لك وصدقني سأفرح لك من كل قلبي.. دعنا نحترم بعضنا البعض.. فأنت في النهاية تبقى مختلف في نظري عن ليبان.. ولذلك لا تتحاقر معي.
تشنج شيئًا ما في ملامحه لتدرك انها ربما وصلت الى الهدف فحاولت ان تنتقي كلماتها بلباقة:
- انت إنسان رائع حقًا.. ولكن ما ترغب به صدقني لن يجدي نفعًا.. انا متزوجة وأحب زوجي.. يعني هذا كله الذي تفعله عبثًا.

- هل انتهيتِ ام لا زال هناك شيء تريدين قوله؟
هتف كريس لتغمغم آلاء برفضها فاومأ قبل ان يقول بجدية:
- انا إذا اريد ان أؤذيك بإمكانني من هذه الساعة ولكن انا لا اريد ولا افكر بهذا الشيء ولا أريده من الأساس.. لا ادري لماذا فكرتِ انت هكذا عني.. محمد سألني وانا فقط أجبت على سؤاله.. انا أكره الكذب وانت تعرفين هذا الشيء ومثلما قلتِ انا لست ليبان ولا احب الحقارة والوساخة.. وكل الذي اريده منك هو الإحترام فقط.

- وانا منحتك ما تريد.. وقلت لك مسبقًا سأحترمك ما دمتَ لا تتجاوز حدودك معي.
قالت آلاء بهدوء فأيدها كريس:
- وانا هذا فقط ما اريده منك.. هذا المطلوب ولا تفكري بشيء آخر.

- أتمنى أن يكون كلامك صحيحًا وتنفذه وليس مجرد كلام فقط.
غمغمت آلاء بقوة ووالمعنى وراء كلامها يستنبطه بسهولة فوهبها إبتسامة لم تخفي وجعه.. هو يحبها! متى وكيف لا يعلم.. ولكنه أحبها.. وما السبيل الى وصالها مسدود.. وما أسمه من قلبها الا بمطرود.. آلاء لن تحبه يومًا.. حبه سيبقى مخذول موجوع بلا حدود..
لم تأبه بترفقها بحاله.. مهما كانت تشفق عليه مع انه رجل لا ينقصه شيئًا الا انها محال ان تكون له يومًا وهو يجب ان يستوعب ويعي ان من الأساس لا يوجد طريق ليسلكه اليها.. هما منتهيان.. ولكل منهما سبيله الخاص..

اشاحت بعينيها عنه لتعقد حاجبيها وهي تشاهد أكثر شخص تحقد عليه بعد ليبان يسير تجاهها.. كريم؟! ألن يرحمها من المصائب؟
وقف كريم بجانب الطاولة التي تجلس حولها وألقى التحية بإبتسامة سخيفة:
- السلام عليكم.

- وعليكم السلام.
ردت بهدوء كي لا تثير شكوك كريس دون ان تتحرك من مكانها فإبتسم كريم بمكر ونظر الى كريس ليعرفه عن نفسه:
- مرحبا.. انا الطبيب كريم، صديق العائلة.

اومأ كريس بتحية لتبتلع آلاء ريقها من إقتراب ليبان منهم..
- كريس.. هل بإمكانك ان تنهض قليلًا؟.. أريد منك شيئًا.
- دقيقة فقط.
رد كريس ثم تطلع الى كريم بتمعن وتساءل:
- انت لستَ شقيقها؟

إبتسم كريم بتهكم واجاب:
- لا، انا طبيب وقريب العائلة.
ونظر الى آلاء ليتابع كلامه باللغة العربية حتى لا يفهما كريس وليبان شيئًا:
- هل بإمكانك ان تنهضي لنتحدث قليلًا؟

- قل ما تريد هنا.. انا لن انهض.
قالت آلاء ببرود فألقى نظرة على كريس الذي يتابع ما يحدث بتدقيق وتركيز شديد وهتف بإصرار:
- انهضي.
رفضت آلاء بعناد:
- لن أنهض لأي مكان.. لماذا اتيت الى هنا؟ هل افهم ان هناك مصيبة جديدة؟

- لا، ليس هناك اي مصيبة.. كان لدي شيئًا ما علي فعله في المدرسة.. اردت سحب اوراق ورأيتك فكان يجب ان القي عليك تحية السلام.
قال كريم بهدوء فرفعت حاجبها بإستهزاء وغمغمت:
- حسنًا، وسلامك وصل.. هل تريد شيئًا آخر؟

- لا، لا شيء.. أوصلي سلامي لِ...
قالها باللغة الهولندية حتى يفهما كريس وليبان ونظر اليهما بعدم إعجاب ساخر:
- لمحمد!

راقبته وهو يغادر وهي تتمنى من كل قلبها ان يغادر ولا يعود.. انتبهت الى نظرات كريس المرسخة عليها فتساءلت بخشونة لم تقصدها:
- ماذا هناك؟

- لا شيء.. أهذا قريبك يعني؟
غمغم كريس بحيرة فهتفت:
- يعني!.. عن إذنك الآن.
وهذا ما كان ينقصها صدقًا ان يعرف كريس من هو كريم لتكون بخطر دائم مع محمد.. خاصةً ان كريس جارهما وصار نوعًا ما صديقًا لمحمد.. تبًا لكريس وليبان ولكريم.. وللقادم السيء..

**********************
منذ حديثهما الأخير في المدرسة وكريس غائب عن المدرسة.. وليبان على ما يبدو إعتزل مثله.. يومان مرّا وحياتها نعيم.. لا مشاكل.. لا مصائب.. هدوء عشقته ولا تريد غيره.. ولكن بما ان لديها غدًا درس سباحة فربما لا يدوم هذا الهدوء بما انها لا تضمن رد فعل محمد..
تطلعت اليه بين الفينة والأخرى وهي تراه يعمل بتركيز بالملفات التي امامه..
زمت شفتيها بحنق وهي لا تعلم كيف تفتح معه هذا الموضوع.. ولن يكن محمد غافلًا عن نظراتها المصوبة عليه فهتف دون ان يرفع رأسه عن الأوراق"
- قولي ما في جعبتك.

غمغمت آلاء بعينين واسعتين مذهولتين:
- هااا!!! الا تصب تركيزك بعملك؟
رد محمد بهدوء:
- بلى، ومعك ايضًا فهيا قولي ماذا تريدين؟
- لدي غدًا درس سباحة.
قالت بتوجس ليهمهم محمد ببرود دون ان يغير وضعيته:
- آه.. ثم؟

- لا شيء.. انا فقط اخبرك حتى لا تتعصب.
ردت آلاء بتعجب من هدوءه..
- وماذا سترتدين؟
- مايوه!
- أي مايوه؟ لم ارى مسبقًا انك تملكين ملابس للسباحة.. إنهضي وارتديه وتعال لأراه.

إرتدت ثوب السباحة التي تملكه وخرجت اليه وقلبها يكاد يخترق صدرها من التوتر.. محال ان يرضى بهذه القطعة الواحدة التي ترتديها والتي تكشف عن ساقيها وعن ظهرها كله تقريبًا..
وقفت امامه لتفرك قدميها ببعضهما البعض بتوتر ليرفع رأسه ويتطلع اليها بنظرة مبهمة من اسفل للأعلى لتتضح ملامحه التي إحتدت بطريقة مرعبة ثم هدر بغضب:
- هل انت بوعيك حتى تريدين مني ان اسمح لك بالذهاب لدرس السباحة بهذا ؟!!!

- اجل ما به هذا؟ هو قطعة واحدة!
تمتمت آلاء بغباء ليزمجر محمد بإنفعال وهو يصيح بأسمها:
- آلاااااء.. هل فقدت عقلك أم ماذا؟ هل تتخيلين انني حقًا قد أوافق ولو بنسبة واحد بالمئة!

غمغمت آلاء بحنق بينما تعقد ذراعيها حول صدرها:
- محمد يعني ماذا؟ أتريدني ان ارسب بهذا الدرس؟
- هذه ليست مشكلتي.. ما يهم ان لا ترتدي هذه القطعة الفاضحة.. اذا اردت الذهاب الى هذا الدرس احضري ثوب سباحة مستور ولكن غير ذلك لا يوجد.
هتف محمد بصيغة أمرة ثم عاد لإنشغاله في الأوراق التي امامه.. طالعته آلاء بعبوس وغيظ شديد وتساءلت:
- هل هذا اخر كلام عندك؟
اومأ ببرود لتصيح بعنفوان:
- كفى حياة تعيسة لعينة.. لن اذهب لأي مكان ودعني أرسب.. فوالله أستاذ محمد يغار وكأن الطلاب ستترك درس السباحة لتركز بجسدي.. من يسمعك يظن انني ملكة جمال العالم بغيرتك هذه!!

وبخطوات غاضبة قوية كانت تغادر الصالة لتدخل الى الغرفة وتغلق الباب خلفها بعنف..
عضت شفتها بتوتر خشية ان ينهض ويضربها بسبب كلامها وضربها للباب بهذا العنف ولكنه تجاهلها وتابع عمله الذي يجب ان ينهيه..

بعد ساعتين..
كانت مستلقية على السرير بينما تتصفح مواقع التواصل الإجتماعي..
تنهد محمد بضيق قبل ان يقول:
- لا زلت مستيقظة.. ظننتك نائمة.
أغلقت آلاء هاتفها ببرود ثم تدثرت بالغطاء حتى كادت ان تخفي وجهها به ليردف بينما يدنو منها ليجلس على السرير بجوارها..
- الا زلتِ غاضبة مني؟ مع ان من المفترض أنا من اغضب واحزن منك لأنك رفعتِ صوتك علي وكالعادة قلتِ كلامًا يقشعر له البدن من شدة جماله وضربتِ باب الغرفة بقوة لا ادري كيف لم ينكسر من شدتها.. من المفترض ان يغضب انا ام انت؟

إستدارت آلاء الى الجهة الأخرى حتى لا تنظر اليه وتمتمت بإمتعاض:
- كفى محمد.. لا تتكلم معي واغلق هذا الموضوع.. انا أعيد السنة لأنك لست راضيًا ان احضر هذا الدرس
او أتعلم ماذا؟ لماذا قد انجح اصلًا؟ انا لن أداوم بعد الآن وسأعيد السنة.
جذبها محمد الى حضنه ضاحكًا لتتذمر بسخط:
- اتركني.. وابتعد عني.

- أعشقك وانت عصبية!
شاكسها محمد بعبث ثم أخفض رأسه ليلثم خدها الناعم بقبلة طويلة..
- يا عمري انت لماذا لا تفهمين اني أغار عليك.. لا أحب أن يرى أحد اي شي من جسدك او منك لأنك لي.. انت خاصتي انا فقط.. لولو خاصة بمحمد!
وقبلها مرة ثانية.. ولكن على شفتيها المكتنزتين.. لم تبادله قبلته ليديرها وفي حركة خفيفة كان يعتليها بجسده الضخم..
أبعد خصلات شعرها عن وجهها وغمغم بنبرته الثقيلة وهو يتوسم جمال الإنصهار المقاوم لعسل مقلتيها:
- افهمي ذلك حبيبتي.. افهمي انني أغار!
وضع قبلة أخرى بين عينيها الحبيبتين ثم فعل المثل بخديها الإثنين..
نظر اليها مستمتعًا بهدوءها بين يديه وتأثير قبلاته على وتيرة انفاسها.. إبتسم محمد قائلًا:
- الآن انا سأصالحك على الرغم من كونك انت يجب من تصالحيني.. ولكن انا وانت واحد!

أغمضت عينيها وهي تشعر بشفتيه تقبلها قبلة خفيفة قبل ان يتعمق بها.. لم تتجاوب معه رغم تأثرها بحرارة قبلاته.. أحست بإبتسامته بينما يقبلها..
- اذًا تريدين اللعب بهذه الطريقة.. لنرى كم ستدوم مقاومتك.
إزدادت لمساته إغواءًا وشفتاه توشم قبلاتها على وجهها بعاطفة عميقة.. عميقة جدًا..
جسدها إستهل بالإستسلام لهجومه الغير عادل.. كان يفرض سحره عليه ويشوش تفكيرها فينسجم جسدها مع لمساته.. ويرتبك قلبها الخافق بهدير قلبه الصاخب..
ولكن حينما شعرت بيديه التي أخذت تعمل على ازالة ملابسها تجمد جسدها بين ذراعيه لتبعد نفسها عنه..
غمغم محمد بإستغراب:
- ما خطبك؟ ماذا هناك؟

- انا غاضبة منك.. ولا اريدك ان تلمسني اليوم!
لثوانٍ حدق بها بقوة ليقرع قلبها أجراسه هذه المرة خوفًا وهي تحس بأنفاسه التي صارت تنفث نيرانًا لا هواءًا..
هدر محمد بعصبية:
- ماذا؟!! لماذا لم تقولي من البداية؟ لماذا تكلمت الآن فقط؟
حاول ان يهدئ من نفسه وهو يقول:
- حياتي إذا كان غضبك بسبب ذلك الموضوع اللعين فلا بأس.. سنتناقش به لاحقًا.
أبعدت آلاء رأسه الذي أنزله الى عنقها وهمست بمكر مصحوب ببعض البراءة:
- لا ليس موضوع المايوه.. انت لا تثق بي.. والف مرة أخبرتك ان لا علاقة للملابس بكل هذا.. ومع ذلك تأبى ان تفهم هذا الشيء!

إبتعدت آلاء عنه لتنهض الا انه بسرعة كان يسحبها بقوة مؤلمة ويعيدها مكانها ليعتليها مرة أخرى..
صاح محمد بعصبية مخيفة:
- تلوين لي ذراعي.. اليس كذلك؟ يعني إذا اريد هل تعتقدين انني لن أقدر او انك ستقدرين من منعي؟ أتعتقدين انني لن أستطيع نيل ما اريده؟

أرعبها مظهره.. ولم يكن هدفها ابدًا ان توصله الى هذا الجنون الذي صار عليه.. بل كان هدفها شيئًا آخر تمامًا..
ترقرقت الدموع في مقلتيها وهمست بألم:
- بالغصب يعني تريد ان تأخذ حقك؟

إستغفر الله عدة مرات وقال بنفاذ الصبر بينما ينظر الى ملامحها الناعمة:
- آلاء ما الذي تريدينه بالضبط؟ حسنًا، غدًا ستذهبين الى درس السباحة ولكن سترتدين غير تلك القطعة.. ماذا لديك غير ذلك المايوه؟

- شورت وحمالات.
قالت آلاء بسرعة ليهتف بحنق:
- نعم؟!! لا ارتدي هذا وآمري لِ الله.
ثم نهض وسار الى الخارج لتسأله آلاء بحيرة:
- الى اين انت ذاهب؟

- اريد ان اشرب شيئًا وأدخن سيجارة وانت نامي فلا تنتظريني.
قال محمد بجمود لتمسك آلاء يده بسرعة وهي تقف امامه، قائلة:
- لا، ممنوع ان تنهض.. وانا بنفسي الآن سأذهب لأحضر لك شيئًا لتشربه.. وكل الذي ستريده سيصل اليك وانت هنا على السرير.
ثم أجلسته على السرير لتقبل خده فرفع حاجبه متساءلًا:
- ما معنى هذا؟ الم تقولي انك لا تريدين ان اقترب منك؟

- الا تريد ان تفعل؟ حسنًا انت حُر.
غمغمت آلاء بحزن مصطنع ليتمتم محمد بوجوم وهو يكاد يشد شعره من غيظه:
- الصبر يا ربي.. ستقودني الى الجنون هذه المرأة!
ثم خرج من الغرفة..

بعد دقائق طويلة بعض الشيء كان يعود الى الغرفة ليتمدد بجوارها ويدير ظهره لها فإقتربت آلاء منه لتحتضنه..
للحظات تسمر جسده وقال بجفاء:
- الم اخبرك ان تنامي؟ لماذا لا زلتِ مستيقظة؟

شددت من إحتضانه واجابت بعبث:
- لا استطيع النوم بعيدًا عنك.. ادمنت حضنك وعطرك يا عمري!
إستدار ليضمها بقوة ويزفر حانقًا:
- اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

- حياتي اترك الشيطان جانبًا وانهض لترى عملك.. اعرف انك لن تتمكن من النوم.
غمغمت آلاء بطريقة جعلته يقهقه بصوت عالٍ لتضع يدها على فمه شاهقة:
- محمد.. البناية كلها تقريبًا سمعت صوتك!

- دعيهم يسمعون.. من اين سيبقى بالذي يجلس معك عقلًا.. يعني هكذا اترك الشيطان الآن جانبًا.. من اين تأتين بهذا الكلام؟
قال محمد ضاحكًا بمرح لتهز كتفيها بغرور محبب:
- لا اعلم.. هذه الأمور تأتي بالفطرة يا قلبي.

- اجل، هذا واضح.. بالتأكيد سأنهض ولكن لتعلمي انني لن اكون مسؤولًا عن الآثار!
وقبل ان تفهم معنى كلامه الماكر كان يبدأ في عمله بكل ضمير..

*********************
تمنت لو انها لم تحضر درس السباحة ولم تكسر فرحة محمد الخبيثة بإخفاءها العلامات التي صكّها على جسدها ليعلن انها تنتمي له..
اخفت بمرطب للجسم كل شغف عاطفته الليلة الماضية ليغضب صباحًا قبل ان يوصلها الى المدرسة.. وبعد ان استيقظ رائق المزاج انقلب حاله ليتجهم وجهه ويسود وجهه..

نظرات ليبان خلال درس السباحة كانت وقحة اثارت اشمئزازها لتتمنى ان ينتهي هذا الدرس بأسرع ما يمكن.. المجنون حاول ان يخنقها بينما هي اسفل المياه.. أمسك قدمها ليمنعها من الخروج والتقاط ذرات الأوكسجين حتى كادت ان تفقد وعيها من شدة الرعب والإختناق.. ولم يترك قدمها الا بعد ان ضربته بقدمها الحرة بكل قوة لتشهق بعنف وهي تملئ رئتيها بالأوكسجين.. وحينما إنفعلت به علل بخبث..
- فعلت ذلك لأجلك.. حتى تأخذي علامة عالية في الإمتحان فأنت لا تبقين مدة كافية اسفل المياه وانا اريدك ان تتفوقي.

طيلة الوقت وهي تشتمته.. تتمنى ان تخرج روحه من جسده.. ربما لو كان كريس موجودًا ما كان سيفعل ليبان ذلك بها.. لأن كريس بلا شك كان سيبقى يحيطها بإهتمامه ونظراته المراقبة..
أتى محمد ليصطحبها من مدرستها الى المانيا بما ان لديه بعض الأعمال هناك ويجب ان ينهيها.. تفاجأت آلاء بإصطحابه لها ولكنه فضل ان ترافقه بعد الآن في رحلات عمله حتى لا تتكرر المشاكل..
نظرات محمد كانت تبدو غريبة جدًا.. كان ينظر اليها بطريقة جعلت الدماء الحارة تركض الى خديها.. هما في المطعم يتناولان الطعام وتفكيره يتجه الى مكان لا يجب ان يتجه اليه..

كان يدفن غضبه بصعوبة بالغة.. يدفن قهره من إرتداءها ذلك الثوب اللعين في المدرسة.. كلما يتخيل عدد عيون الرجال التي نظرت اليها برغبة يشعر انه يريد ارتكاب جريمة ما.. كيف وافقها؟ وان غضبت.. ماذا اذّا؟
لا يريدها غاضبة وحزينة ولكن في نفس الوقت صعب.. صعب جدًا عليه ان ترتدي ملابس تكشف عن جسدها الجميل الذي من المفترض ان يكون له وحده..
كان يقاوم.. يجاهد ويثابر حتى لا يعيد التصرف بالجنون السابق ويؤذيهما معًا ولكنه يحترق.. قلبه يحترق من شدة الغيرة والقهر...

حالما دخلا الى الشقة قالت آلاء وهي تهم بالسير لدخول الغرفة:
- سأدخل الى الغرفة لتغيير ثيابي.
منعها من الإستئناف بسيرها وهو يمسك لها يدها قائلًا بخشونة:
- لحظة.. الى اين انت ذاهبة؟

ردت آلاء بتعجب:
- أريد ان أغير ملابسي.
همهم محمد وهو يحرر شعرها من عقاله ليداعبه بطرف أصابعه.. ثم طوق مؤخرة رأسها بيده ليحدودوب برأسه ويقبلها.. لم تكن قبلة رقيقة ابدًا.. لم تكن شغوفة تعبر عن حب وشوق.. كانت شيئًا مختلفًا وكأنه يعاقبها!..
حاولت آلاء ان تبعده قليلًا عنها وهي تغمغم بشق الأنفس:
- محمد انت تؤلمني.

- شسشش..
قالها وهو يقربها أكثر منها بينما يداه تعمل على التخلص من ثيابها..
همست آلاء بألم من لمساته التي كانت فعلًا تؤذيها.. لمساته كانت كلها تفتقر للرقة.. كانت لمسات خشنة بعيدة عن الشغف..
- حبيبي اعلم انك مشتاق الي ولكن تريث.

بدى لها وكأنه لم يسمع اي كلمة قالتها فغمغمت برجاء عندما لامس ظهرها فراش الأريكة:
- محمد دعنا ندخل الى الغرفة على الأقل.
- لن يؤثر حبيبتي سواء بالغرفة او الصالة.
- حسنًا قلل من قوة الضوء.
همست علّه يراعي خجلها فرفع رأسها لينظر اليها.. لا.. هذا لم يكن وجه محمد.. كان بركانًا ويود الإنفجار.. كان بركانًا من الغضب والغيرة..
هتف محمد بغيرة قاسية عليه قبل ان تكون عليها:
- أي ضوء هذا؟ على أساس انك تخجلين! الم ترتدي اليوم مايوه وسبحتِ به امام الجميع.. الجميع رأى جسمك ولكن حينما يتعلق الموضوع بي تقولين الضوء.. اخجل او لا احب!

دمدمت آلاء بضيق:
- آه لقد فهمت الآن سبب الغضب هذا.
- أصمتي آلاء.
هتف محمد بفظاظة لتتنهد بأسى وتعب من غيرة محمد.. بعد ان انتهى من بثها كل مشاعره السلبية وغيرته التي ليس لها حدود قبل جبينها وإبتعد عنها.. ولكن هل يُلام؟ إمرأته وشرفه ويغار عليها..
كان تقربه منها هذه قاسيًا ولكنها تعرف السبب وتتفهمه.. يجب ان تجد حلًا لدرس السباحة هذا والا كل اسبوع سيتكرر الموال ويزداد الوضع سوءًا بينهما.. وهي لا تريد لعلاقتهما ان تتدهور مرة أخرى..

تحدثت مع صديقتها ليسا لترسل لها بعض الصور لملابس محتشمة للسباحة حتى تشتري ثوبًا محتشمًا للسباحة..
ولجت الى الغرفة بعد بعض الوقت فوجدته مستيقظًا..
- الم تكن نائمًا؟

- اجل، والآن استيقظت، لماذا؟
قال محمد بهدوء فعمغمت آلاء بحماس:
- حسنًا، أريد ان أريك شيئًا.

- ما هو؟
تساءل ببرود لتبتسم:
- اين هاتفك؟ سأرسل لك شيئًا حتى تراه.
بعثت له صورة ثوب السباحة فرفع حاجبه متسائلًا:
- ما هذا؟

- مايوه جديد تشتريه لي.. اعتقد انه مستور ومرضي فهكذا لن تغضب او تغار بعد الآن.
قالت آلاء وهي تتطلع اليه بإنتظار رده.. فرمقها محمد بنظرة غير مفهومة فرفعت رأسها وعلقت:
- ماذا هناك؟

- غريب!
تمتم محمد فعقدت حاجبيها بتساؤل:
- ما هو الغريب؟

- انها المرة الأولى التي تفكرين بها بغضبي وراحتي.. فبالنسبة اليك انت تأخذين المواضيع بكلمة من ستنتصر وتجعل الطرف الآخر يخضع لها.. دائمًا تفكرين بمن الأقوى.. هذه المرة الأولى التي تفكرين بي.
قال محمد بجدية وعيناه تتألقان بمشاعر جميلة.. كان بحاجة ان يشعر انها فعلًا تسعى الى راحته.. لا هو وهي في معركة حرب.. أحدهما سينتصر بها والأخر سينهزم..
تمتمت آلاء ممتعضة:
- عيب عليك.. اهم شيء بالنسبة الي هو راحتك.

إشترى محمد لها هذه الملابس للسباحة من بطاقته بشكل فوري.. ويتأمل ان يصل قبل درس السباحة التابع للأسبوع المقبل..

*******************
انتهى الدرس الأول لتخرج من الحمام وتعود الى الصف الذي غادره الطلاب..
أخذت توضب أغراضها في حقيبتها المدرسية حتى تغادر المدرسة بما ان هناك استراحة..
تابعت توضيب أغراضها دون ان تلقي أهمية لليبان الذي دلف الى الصف بعينين لامعتين كثعلب ماكر يدور حول فريسته بخبثٍ..
سار نحوها بخطوات بطيئة مدروسة فهدرت بعنف وهي ترفع رأسها لتواجهه:
- ماذا تريد؟

دنى منها أكثر ليطفو الخوف فوق قلبها.. ما خطب هذا المجنون يقترب منها هكذا.. مع انها لا تخافه ولا تطيقه الا انها الآن فعلت.. هي لوحدها في الصف ومهما بلغت قوتها بالكلام الا ان قوة ليبان الجسدية ستغلب..
القت نظرة خلفها لتعلق أنفاسها وسط صدرها.. لا يوجد غير الكرسي خلفها..
حاصرها ليبان بينه وبين الكرسي وقطع المسافة بينهما ليثير الإشمئزاز في روحها..
نفخ انفاسه الملتهبة رغبةً بها في وجهها لتدير وجهها بتقزز وتزمجر بعصبية:
- ماذا تريد؟

ابتسم بخبث وقال بينما يتطلع اليها بنظرات شهوانية:
- اسمعي.. انا كنت قد بدأت انسى هذا الموضوع وقررت ان ادعك وشأنك.. ولكن بعد البارحة....
صمت للحظات وهو يخفض بصره ليتفرس النظر بجسدها بنظرات أقل ما يقال عنها مقرفة وحدقتاه تقران بالأفكار الوسخة التي تومض بعقله..
- مستحيل ان اتركك بعد ذلك.. بعد ان رأيتك البارحة انسي تمامًا..

رفع يده ليلمس وجهها برغبة ولكن قبل ان تصل يده وجهها كانت صفعة قوية تنزل على وجهه جعلت انفاسه تهدر في صدره بعنف..
زمجرت آلاء بغضب حارق وكلها تنتفض من رعب الموقف والغضب التي تشعر به:
- تحلم فقط ان تلمس شعرة مني.. هل تفهم؟ إياك ان تحاول مرة أخرى.. وهذه الصفعة حتى تفكر مرة ثانية قبل ان تتكلم معي بهذه الوساخة.

بدى لها وكأن تم تحنيط جسده من الصدمة.. لا يستوعب ما فعلته.. هي صفعته!!!
خلال لحظات كان نظراته المندهشة تنقلب الى أخرى عنيفة نارية.. تطلق سهامًا تريد إختراق صدرها وقتلها..
بسرعة دفعته آلاء عنها ثم إلتقطت حقيبتها المدرسية وغادرت المدرسة بخطوات سريعة وكأن شيطان يلاحقها.. اللعنة على هذا الحقير! كيف يفكر بها هكذا؟! اللعين لا بد انه يظن انها هربت منه.. لا زال لا يعرف ان قذر مثله محال ان يقدر عليها يومًا ما.. لتنهي ما عليها فعله وتعود الى المدرسة لتضع عينها بعينه وترى اذا يتمكن من قول كلمة واحدة معها.. ومع ذلك لا يمكنها الإستهانة بهذا القذر.. ليبان يشكل خطرًا كبيرًا عليها.. والمصيبة العظمى انه جارها ويتصرف كالملاك امام زوجها.. العين ما شاء الله لا تفارقها.. لتحسدها على الأقل على مصائبها..

*********************
بعد ثلاثة أيام..
تحدث كريس اليها ليسألها ماذا فعلت ليبان فقد عاد من المدرسة غاضبًا متوعدًا لها بالمصائب.. لم تكترث آلاء بتهديد ليبان لها وقالت لكريس اذا لم يبتعد ليبان عنها ستقدم شكوى ضده في مركز الشرطة.. ولذلك من الأفضل له ان يبتعد عنها والا ستخبر محمد ليتصرف بنفسه معه.. ولكن كريس طمئنها ووعدها ان ليبان لن يتعرض لها مرة أخرى فلا داعي لتخبر محمد..

إبتسمت آلاء بوهن وهي تتذكر أفعال محمد القاسية.. إنقلب عليها دون اي سبب يُذكر.. على أي شيء يصيح بها ويغضب.. طيلة الوقت اعصابه مشدودة وينتظر منها أي خطأ ليجرحها بالكلام.. حتى على أتفه الأمور يتشاجر معها.. يتهمها بكونها مهملة.. عديمة المسؤولية.. عديمة المنفعة بكل شيء..
لا تفهم سبب تحوله فمشكلة ملابس السباحة تم حلها مسبقًا وانتهت فلماذا عاد الى ذلك القناع القاسي المؤلم؟

فكرت ان يكون السبب ربما عمله.. فقد عاد البارحة عصبيًا من عمله ليتشاجر على أي شيء..
قضت نصف نهارها بين التنظيف والطبخ.. لتقرر ان تخرج قليلًا مع صديقتها لأنها منذ فترة طويلة لم تخرج لقضاء بعض الوقت الممتع..
أبلغت محمد انها ستخرج مع صديقتها عبر مكالمة هاتفية ليومئ بموافقته ويغلق الخط بكل برود..

جهزت نفسها لتستعد الى الخروج.. نظرت الى السماء عبر النافذة الزجاجية التي في الصالة.. كانت السماء ممطرة.. والأرض كلها ثلج.. وصوت الهواء كان مخيفًا فاليوم يوجد عاصفة قوية..
خافت ان تخرج في هذا الطقس فقررت ان تنتظر قليلًا الى ان تهدأ العاصفة ويخف المطر الغزير.. لن تجازف بصحتها وتخرج خاصة وهي من الأساس عندها انفلاونزا بسيطة..

اخيرًا رأت الطقس يتحسن فجذبت أغراضها حتى تغادر في ذات الوقت الذي دلف محمد الى الشقة..
تطلعت اليه بصمتٍ بينما تلعن حظها العثير لعودته في هذا الوقت..
- الم تخرجي بعد؟
ردت آلاء بنفي:
- لا.

- حسنًا.. حضري الغداء لي ريثما أغير ملابسي.
هتف لتومئ ثم أخذت تنفذ طلبه وبعد ان انتهت قالت: - الغداء جاهز.. سأخرج الآن.
تساءل محمد بهدوء مغيظ:
- الى اين؟

- ألم أتصل بك وأخبرك انني اريد الذهاب الى مركز المدينة مع صديقتي ووافقت؟
قالت آلاء بحيرة ليهز رأسه ويقول ببرود مثير للإستفزاز:
- آجل وافقت.. ولكن الآن انا اقول انك لن تذهبي الى أي مكان.. الا ترين حال الطقس؟ ومن ثم انا عدت.. وحينما اكون في المنزل ممنوع ان تخرجي منه.

حاولت آلاء التحكم بأعصابها وتعوذت من الشيطان الرجيم حتى لا تتهور بقول كلمة ما.. فهتفت وهي تضغط على اسنانها بضيق:
- محمد.. لقد هدأ الجو وتحسن الطقس.. فأين المشكلة اذا خرجت لساعة اشتري بعض الأشياء وأعود؟

- هذا الذي تبدعين به.. الخروج وتبذير الأموال.. دون ان تقولي "هذا الرجل مسكين يعمل منذ الصباح حتي المساء.. يجب ان أخفف عنه وأساعده" ولكن انت لا.. تبقين طيلة الوقت اريد ان اذهب الى صالون الأظافر.. اريد ان اشتري هذه السترة.. أريد وأريد... دون ان تُقدري الوضع الذي انا به!
هتف محمد بغضب أعمى ليس له مبرر لتحدق به بجمود.. هذه هي المرة الأولى الذي يتكلم معها عن المال بهذه الطريقة.. دائمًا يعطيها قبل ان تطلب او تفكر.. لماذا تغير؟ بل ما الذي تغير؟
قالت آلاء بهدوء تحلت به بصعوبة وقد أذاها فعلًا كلامه الذي ظلمها به:
- حسنًا إذًا.. إذا تريدني ان أعمل مثلك وأساعدك فهذا عادي بالنسبة الي.. فعلى اي حال انت الذي منعتني مسبقًا.

- انت حرة.. اذا اردتِ ان تعملي فإفعلي.. لا احد يمنعك.
هتف محمد دون مبالاة ثم جلس ليتناول طعامه فتركته وحده ودخلت الى الغرفة.. حسنًا إذًا، يريدها ان تعمل؟ ستعمل.. ولماذا لا؟
غيرت ملابسها لأخرى مريحة للنوم.. هي لا فائدة منها وفاشلة بكل شيء كما قال.. فأفضل شيء لها اذًا في الوقت الحالي هو النوم..

بعد ساعتين إستيقظت لتجده هو الآخر نائم بجانبها.. كان المطبخ نظيفًا لتعلم انه نظف الأطباق الذي تناول بها الطعام.. على الأقل!
جلست قبالة التلفاز وهي تفكر بعطلة نهاية الاسبوع التي دمرتها العاصفة الثلجية التي ستدوم حتى مساء الغد..
كانت تشاهد التلفاز عندما دخل الى الصالة وقال:
- انهضي وحضري نفسك.. سنذهب لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في منزل أهلي.

-------------------------------
يتبع..

رأيكم بالفصل؟

قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-11-20, 10:21 AM   #40

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الخامس وثلاثون
قلبها ينغزها.. تشعر به يتدحرج ببطئ مقيت على سلالم الأوجاع.. كلما سقط درجة كلما إزداد الألم.. انها تتهاوى ببطء.. وما هذه الا البداية..
لا زالت لم تكتفي بالهناء بتحسن علاقتها مع زوجها لتعود كما كانت قبلًا..
لا تفهم السر وراء ذهابهما لقضاء العطلة في منزل والديه مع سلسلة قوانينه الصارمة الفظة..

قضاء بعض الوقت مع شقيقيه الصغيرين كان ممتعًا.. فجلست معهمها بعيدًا بعض الشيء عن محمد ووالديه..
كان غيّاث مسافرًا.. ولو كان موجودًا كانت بلا شك ستستمتع اكثر بوجوده.. فغياث الأقرب اليها من إخوة محمد.. حتى انه كان ذات مرة أقرب اليها من محمد الذي لم تتعرف عليه كما يجب الا بعد ان تزوجها..
غمغمت آلاء بإبتسامة تحت نظرات محمد الغاضبة بسبب صوت ضحكاتها المرتفع:
- والله مكان غياث فارغ.. متى سيعود من السفر؟

هتف فارس بغيظ:
- بل ممتلئ جدًا.. انظري، لا يوجد أي مكان فارغ.. كلنا جالسين ومرتاحين من عصبيته.. يكفينا ابي وعصبيته.. واحد افضل من اثنين.. ومن ثم لماذا احضرتِ محمد؟ يعني لم نصدق اننا تخلصنا من غياث فتقومين بإحضار محمد بديلًا عنه.

قالت آلاء بخبث:
- آجل حبيبي، هيّا إرفع صوتك قليلًا فقط لكي يسمعك وتراه يقف فوق رأسك.

تمتم فارس بغرور وقوة مصطنعة:
- أتحاولين إخافتي؟ عادي، أرفع صوتي.. وماذا إذًا؟
تحدته آلاء بحماس:
- هيا إفعل لأسمع.

أمسك فارس هاتفه ليعبث به بينما يقول بخوف واضح:
- لا لدي الآن أمور أهم من هذا الحديث التافه.
قالت آلاء تغيظه:
- جبان والله.
فهتف شقيقه الأصغر ثامر:
- حتى تعرفين كيف اصبحت الرجولة!
ثم وجه كلامه الى اخيه فارس:
- هل انت رجل؟ انت كيس بذر!

ضحكت آلاء على شجارهما ثم نهضت لتجلس مع محمد ووالديه..
الملل كان رهيبًا بالجلوس معهم وسماع أحاديثهم.. خاصةً انها مرهقة للغاية وتشعر بنعاس شديد.. ولكن محمد كان مندمجًا بالكلام وكان أحد قوانينه ان لا تنهض لتنام قبل ان ينهض هو..
تطلعت الى ساعة هاتفها فإزداد نعاسها لتبعث له برسالة
"اشعر بالنعاس.. اريد ان اصعد لأنام وانت إبقى مع أهلك بالقدر الذي تريده.. لن امنعك!"

لم ينظر اليها حتى لا يشعر احد من والديه انهما يتراسلان..
"اصمتي واجلسي ولن تنهضي الا حينما انا انهض"
قرأت الرسالة وحينها بدأ الغضب سريعًا يستشرس في أوصالها.. هي متعبة وبالكاد تفتح عينيها وهو جالس يتحدث مع اهله بمواضيع لا تعنيها ابدًا!
تحاملت على نفسها وهي تجلس نصف ساعة ثانية.. وحتى الهاتف التي كانت تسلي نفسها به تركته ونظرت امامها بشرود..
انتبهت خالتها اليها فقالت:
- اذا تشعرين بالنعاس انهضي ونامي يا ابنتي.. تبدين متعبة.

بحركة بريئة سريعة تطلعت الى محمد الذي كان غير منتبهًا لهما وهو يري شيئًا ما من هاتفه لأبيه..
- ماذا هناك؟ لماذا تنظرين الى محمد؟
تساءلت سميرة فإنتبه محمد اليهما.. لتغمغم بحزن:
- محمد لا يقبل خالتي.. قال لي "ممنوع ان تنهضي الا في حال انا نهضت"

ملامح محمد كلها كانت تتوعدها..
- هل قلت هذا الكلام؟ كل ما قلته ان بعد قليل سننهض.

- انهضي حبيبتي انهضي.. لا شأن لك به.. ومن ثم ماذا محمد الا تعرف ان تنام الا اذا كانت موجودة؟ انهضي هيّا.
هتفت سميرة فنظرت آلاء اليه ببراءة تنتظر رده.. خاصةً وهي تراه يود الفتك بها..
من بين اسنانه هتف محمد:
- إذهبي ونامي.

*******************
تقلبت على فراش السرير بعصبية.. منهدة وتريد ان تنام.. ولكنها لا تستطيع النوم في مكان ليس لها.. مرهقة وتحتاج صدقًا الى النوم ولكنها لم تستطع ان تنام..
في تمام الساعة الثانية ليلًا دخل محمد الى الغرفة ليجدها لا زالت مستيقظة..
رمقها بنظرة مغتاظة من طرف عينه وهتف بتهكم:
- أراكِ مستيقظة.. الم تتحدثي كثيرًا قبل قليل بكونك تريدين النوم منذ الساعة الحادية عشر.

تطلعت آلاء اليه بينما تراه ينزع ملابسه وقالت بهدوء:
- هذا ليس مكاني وانت تعرفني جيدًا.. اذا غيرت مكان نومي اواجه صعوبة بالنوم.
ثم إبتسمت برقة وتابعت:
- وانا اعتقدت ان ربما بحضن حبيبي قد انام بسرعة.

إستلقى على السرير وقال بسخرية:
- الآن فقط تذكرتِ حضن حبيبك.. البارحة كنت ابن البطة السودة.. اليس كذلك؟ نامي يا آلاء.. نامي ولا تعبثي معي.
عبست آلاء وهي تراه يضع ذراعه فوق رأسه..
آجل هي تعرف المغزى وراء كلامه.. حينما رفضت الإمتثال لليله امس لعاطفته وتركته يلعن ونامت..
نهضت عن السرير بحنق وغمغمت بضيق:
- ولكنني لا اعبث معك.. انا حقًا أريد ان انام.. انا متعبة لماذا لا تصدقني؟

أبعد ذراعه عن رأسه ليبسطها على الجانب الآخر من السرير وهتف بنفاذ صبر:
- تعالي لتنامي.. دعينا نرى ما هي آخرة كل هذا؟

تطلعت الى ذراعه الممدودة ثم بتردد عادت لتستلقي على السرير مرة أخرى فيجذبها محمد الى صدره..
أحست انه يفعل ذلك رغمًا عنه وكأنه يمن عليها بجعلها تتوسد صدره حتى تنام..
الأفكار اخدت تؤرجح رأسها.. الموضوع تخطى كونه مضغوطًا من العمل.. عصبيته ازدادت منذ البارحة حينما ذهب لزيارة كريس وليبان او ربما قبلًا وهي غير منتبهة.. ولكن ما تعلمه ان هذا ليس محمد.. هو ليس طبيعيًا الآن..

- للعلم فقط انت اصبحت باردًا جدًا معي.. هل هناك رجل يقول لزوجته تعالي لتنامي ودعينا نرى ما هي آخرة كل هذا معك؟
غمغمت آلاء بضيق حقيقي ثم رفعت رأسها لتنظر اليه وأردفت وهي تحاول الإبتعاد عنه:
- لم أعد اريد النوم.. من الأساس اللوم كله يقع علي لأنني انتظرك.

ثبتها بحضنه بقوة وهو يضغط على ذراعيها بيديه وقال:
- كفى الاء.. كفى حبيبتي ونامي.. يكفي كلام في هذا الليل.. لو اننا في بيتنا كنت نهضت الآن وقمت بالرد عليك وعلى كلامك هذا.. ولكننا للأسف لسنا في منزلنا فهيا نامي.

لم تستطيع مقاومة قهرها من كلامه واسلوبه معها..
إستدارت للجهة الأخرى بصعوبة فصار ظهرها يلامس صدرها ويديه تطوقانها بعدم رغبة بإفلاتها..
جفاها النوم من شدة قهرها وحزنها على نفسها.. هي لم تفعل شيئًا خاطئًا.. فلماذا يتعامل معها بهذا البرود والأسلوب المغيظ..
ما هو السبب وراء تصرفاته.. ما هو الخطأ الذي اقترفته وهي جاهلة عنه.. أيعقل ان يكون سمع شيئًا ما عنها؟ ولكن لا مستحيل.. لو انه سمع شيئًا ما عنها كان سيفقد عقله بذات الدقيقة ويقلب الدنيا رأسًا على عقب.. محال ان ينتظر هكذا.. ما هو السبب يا الله؟
قضت ليلتها تتقلب بأفكارها حتى نامت من شدة التعب في ساعات الفجر الأولى.. وآخر ما رثت نفسها به وهي في حضنه.. انه بقدر ما هو ملتصق بها الآن بقدر ما هو بعيد عنها..

**********************

جهزت نفسها ليعودا الى شقتهما كما اراد.. غضبه انتقل كالعدوى من صبه عليها لوحدها ليتلقونه اهله ايضًا..
كان من المفترض ان يقضيا هذه الليلة ايضًا هنا ولكنه قام بتغيير رأيه.. وفي الواقع هي فرحت لكونهما سيعودان الى الشقة..
تفاجأت به حالما سألتهما والدته اذا كان هناك شيئًا ما في الطريق ليرد عليه محمد بلا وانهما لا يفكران الآن بالإنجاب لأنهما ليس جاهزان ومؤهلان لطفل..
لم تتوقع رده هذا على الرغم من انهما لم يفتحا موضوع الأطفال قبلًا..

إزدادت حيرتها أكثر حالما إعترضت والدته بشدة على كلامه ليتعامل معها ببعض الحدة ويقول لها ان هذا الموضوع خاص به وبالآء فقط.. وربما في المستقبل سيفكران بالإنجاب ولكن الآن فمؤكدًا لا..
وبعد ذلك صدمها بقدر ما ابهجها بقرار عودتهما معللًا ان لديه ملفات في الشقة تخص عمله ويجب ان يعود.. ثم تحت أنظارها كان يقبل رأس والدتها ويغادران..

وفي طريقهما الى الشقة سألته اكثر من مرة عن خطبه ليجيبها بذات البرود المقيت ب "لا شيء"..
لتصر آلاء عن معرفة ما يدور بخلده وتتابع بسؤالها:
- انت لست طبيعيًا منذ أكثر من يومين.. واليوم من الغداء الى الآن وانت غاضب أكثر حتى على أهلك.. هل حدث شيء ما؟

- لا لم يحدث اي شيء.. وقررت ان نعود الى شقتنا لآجلك انت بما انك مرهقة وكذلك الأمر بسبب عملي.
كان رده جافًا ولم تقتنع به.. ولكنها التزمت الصمت طيلة الطريق حتى وصولهما الى شقتهما..
هي متأكدة من انزعاجه من شيء ما ولكن لا تعلم ما هو.. ربما بسبب كلام والدته ازداد ضيقه.. ولكن كلها يقين ان هناك شيء اكبر من الظاهر..

لم تتخلى عن هدوءها وصمتها حتى بعد دخولهما الى الشقة.. كانت فقط تنظر اليه بينما هو منشغل بهاتفه..
لم يبادر بقول اي كلمة ولكنها تكاد تجن من هذا الصمت.. تريد ان تفهم ما الأمر معه.. ولذلك تخلت عن صمتها لتقول بهدوء بينما تتطلع اليه بتركيز:
- ها محمد؟ تفضل وتحدث.. انا أسمعك.

- ماذا؟
هتف وهو ينظر اليها لتقول آلاء بإصرار:
- اريد ان اعرف سبب هذه العصبية وسبب تغير معاملتك معي.. أخبرني.

- لا شيء!
تمتم بجفاء وعاود للتركيز بهاتفه فهتفت آلاء بحنق:
- محمد الست أتحدث اليك؟ تكلم.. اخبرني هل سمعت شيئًا ما ام ماذا؟

- شيء مثل ماذا؟ لماذا هل انت تخفين عني شيئًا ما؟
قال محمد ببرود يواري عاصفة تود إقتلاع كل شيء فنفت آلاء بتوتر نجحت في اخفاؤه:
- لا لم أخفي عنك شيئًا ولكنني فقط اتساءل اذا كان هناك شيئًا حدث انا لا اعلم به.

للحظات قليلة بقي يحدق بها بجمود تحول تدريجيًا الى غضب شرس:
- حسنًا سوف أتكلم.. لماذا أتى كريم الى المدرسة قبل بضعة أيام؟
إتسعت عيناها بصدمة حقيقية.. كيف عرف؟!!!
- ماذا؟؟ كيف عرفت؟ هل هو من أخبرك؟

- لا، ليبان هو الذي اخبرني! وعرفت انه ايضًا أتى مسبقًا الى المدرسة ورأك تقفين معه أي انها ليست المرة الأولى!
هدر محمد بعصبية لتحاول ان تقصي تأثيرها بمعرفته وتتساءل:
- وكيف عرفه ليبان من الأساس؟

- لا تردي السؤال بسؤال آخر.
هزت آلاء رأسها بنفي وقالت:
- لا، دعني افهم اولًا وأجب على سؤالي.

هتف محمد بإستهزاء:
- حسنًا اذا كان هذا الشيء سيريحك.. ليبان رأه معك وسألني "ما هي اخبار شقيق زوجتك الطبيب؟ ما هو تخصصه؟" حينها استغربت وسألته اي طبيب وحينما وصف لي شكله عرفت انه هو.
ثم تطلع اليها ببرود وتساءل:
- وماذا ايضًا تخفين عني؟

إنتفضت واقفة أمامه بعصبية شديدة وهدرت بعدم تصديق:
- هل تصدق هذا الكلب؟ أتصدق هذا الحقير؟!! هذا اللعين من الأساس عينه علي.. هو معجب بي ولأنني لا اعطي المجال لتلميحاته وكلماته الوسخة قال ذلك.

بقي محمد على جلسته الباردة عينها.. الشيء الوحيد الذي كان يخفق بغضب هو عيناه القاسيتان..
- لا تكذبي وتتهمي الشاب بأشياء لم يفعلها فقط لأنه قال ما قلته لك.
إستقام محمد واقفًا ليسير نحوها ويستأنف بحدة:
- كفي عن الكذب.. هذا يكفي.. من اين به اصلًا ان يعرف كريم حتى يتهمك زورًا ويحاول الإيقاع بيننا؟

إبتسمت آلاء بوجع رهيب وغمغمت:
- أتصدق الغريب وتقوم بتكذيب زوجتك؟
هتف محمد بعصبية:
- هل أتى الى المدرسة أم لا؟

تطلعت اليه بإختناق وردت بعجز علّه يفهمها:
- آجل أتى.. ولكن المدرسة ليست لي او لأهلي حتى أقرر من يحق له ان يأتي اليه ومن لا.
رفع محمد كفه أمام عينيها مقاطعًا إياها:
- كفى إذًا!

سألته آلاء بصوت مرتفع وهي تتطلع اليه بذهول:
- محمد أليس لديك ثقة بي؟
بادلها النظر ولكن بعينين باردتين قاسيتين وقال:
- لدي ثقة بك.. ولكن للأسف انت اصبحتِ تكذبين كثيرًا وتخفين عني العديد من الأمور واذا بقيتِ هكذا حتى هذه الثقة ستختفي.

- أحقًا تصدق يا محمد ذلك القذر.. هو أكبر كاذب قد تراه ... ونيته واضحة وضوح الشمس.. هو يريد الإيقاع بيننا.. واكبر دليل انه أتى وتحدث اليك عن كريم.. يعني كل كلامه هذا ليس من فراغ.
هتفت آلاء مرة أخرى وهي تكاد تجن من مدى قذارة ليبان.. ليبان لا يتكلم عبثًا.. هي تدري انه سيفعل المستحيل حتى يرد لها صفعتها له.. ولكنها لن تسمح له.. لن تسمح.. ولكن محمد يصدقه يا الله.. خاصةً وهو يرد عليها مدافعًا عنه:
- هو لا يعرفه.. أعيد واكرر لك ليبان لا يعرف كريم.. وكلامه كان بحسن نية وليس أكثر.

تشدقت آلاء بتهكم:
- أجل، صحيح حسن نية!! أوصل سلامي لنية هذا الكلب.. هما الإثنان قذران.
ثم رفعت وجهها اليه بتحدي لتهتف دون تفكير:
- وماذا إذا أتى الى المدرسة.. اين المشكلة بذلك؟ لديه عملًا في المدرسة ورأني وقام بالسلام علي وغادر.. اين الخطأ الذي حدث؟ أليس لديك ثقة بنفسك حتى تخاف من كريم؟ وليأتي.. ماذا أفعل له؟ حاله كحال الغريب بالنسبة الي.

رفع محمد يده ينتوي ضربها ولكن يده علقت في الهواء وهو يجاهد للسيطرة على أعصابه كي لا يتهور ويحدث ما لا يحمد عقباه..
ضغط على ضروسه وهمس بهسيس:
- انتبهي الى كلامك.. ولو انك لم تعطيه مجالًا ما كان سيأتي الى المدرسة من الأساس.

- يعني نحن لم ننتهي من هذا الموضوع.. أين رأيته انا من الأساس حتى أعطيه مجالًا أو أدعه يتحدث معي!!
إفهم هذا ماضي وانتهى.. انا حذفته من رأسي ولم اكن اعلم انه لا زال موجودًا برأسك انت.. انا نسيته.. هذا الموضوع كله ماضي.. إفهم هذا الشيء.
هدرت آلاء بإنفعال وهي تريده فقط ان يستوعب ان كريم مجرد ماضي وإنتهى.. لم يعد هناك بينهما أي شيء..
بقي ينظر اليها للحظات معدودة قبل ان يلطم قلبها بصخرة وهو يقول بجمود:
- لم أعد أصدق اي شيء تقولينه للأسف.

تحركت عضلة ما بجانب فمها.. هو لا يثق بها.. لا يثق بها رغم عدد المرات التي سامحته بها.. رغم إرتكابه بحقها العديد من المصائب ومع ذلك كانت تغفر له.. وهو ماضي أقحم نفسه به رغمًا عنها لينتشلها منه الى حاضره هو يأبى ان يصدق انه لم يعد يعنيها.. هو يتهمها بشيء كبير.. كبير للغاية.. أيظن انها لا زالت صدقًا بعلاقة مع كريم.. هل يعتقدها خائنة وتلتقي بعشيقها سرًا؟!!!
لمعة العسل التي في عينيها شحبت بسبب القهر والألم الا انها همست دون تردد:
- اذًا كفى محمد.. اذا كنت تعتقد ان كلام ليبان صحيح وانني كاذبة ولدي علاقة بكريم دعنا ننفصل.. لماذا وجع الرأس هذا؟ هذا أفضل حل لك ولي.

طلبها الإنفصال عنه أضرم النيران في صدره ليجذبها من معصم يدها ويضغط عليه بعنف مؤلم بينما يهدر بغضب أعمى:
- لكي تعودين اليه، أليس كذلك؟ بأحلامك حتى لن يحدث هذا الشيء.. والله اعلم حينما كنتِ في الفترة التي كنت بها في منزل أهلك حزينة وغاضبة ماذا كنت تفعلين من وراء ظهري!

إتسعت عيناها بإستنكار وغضب لتسحب يدها منه بعنف وتهدر بينما خفقات قلبها تجلجل بقوة من شدة العصبية والإنفعال.. وكأن العقل التي كانت تملكه صار هباءًا:
- لا انت جننت حقًا ولم يعد هناك عقل برأسك..هل تراني هكذا؟!! هل انا هكذا بنظرك؟ كانت تلك ساعة سوداء التي عرفت بها عن علاقتي بذلك الحقير.. وبالمناسبة كلامي هذا ليس حبًا بك أقوله.. ومع ذلك للمرة الأخيرة سأقول لك.. اذا كنت اريد ان أفعل شيئًا معه سأفعل ولن اخاف من احد.. ولكن انا اخاف ربنا.. هل تفهم أم لا؟ ولو كان كريم آخر رجل بهذه الدنيا مستحيل أفكر مجرد تفكير ان أعود اليه.. ودع تلك الكلاب تنفعك.. ليبان ام كريم!
ودون ان تسمع رده كانت تدخل الى الغرفة وتغلق الباب خلفها بعنف شديد..

*********************
سلطت أنظارها على الأرض بجمود بإنتظار اتصال غياث بها كما وعدها..
طاقتها كانت مستنزفة لتقرر الإتصال بغياث وتشكو له أفعال شقيقه الكبير.. قالت له كله شيء.. أفشت بجميع الخبايا التي تخص ليبان.. حتى الموقف الأخير وصفعها له أخبرت غياث عنه..
كانت مقهورة.. موجوعة.. ومخذولة.. اخر ما كانت تتوقعه هو تصديق محمد لليبان وتفضيله عليها بهذه الطريقة العمياء وكأنه مسحور به وبنقاء نيته..
الصبر كان يطالبها بالإكتفاء منه..
الى متى ستصبر؟
الى متى ستدوس على أوجاعها وتستمر وتكتم؟

كان اكبر خطأ قد تفعله اي فتاة ان تدع زوجها او شريك حياتها يعرف ان كان لها علاقة عاطفية فيما سبق.. حياتها ستتحول الى جحيم.. لو مهما كان هذا الرجل متفتحًا ومثقفًا سيبقى هذا الشيء يحز في قلبه وعلى اي خطأ تفعله سيذكرها به..
بعد نصف ساعة كان غياث يعاود الإتصال بها..
أغمضت عينيها ثم فتحت الخط وهي تضغط على الهاتف بأناملها الصغيرة..
- لقد تحدثت معه.. وقال "أعلم انها لم تخونني ولدي ثقة بها ولكن موضوع كريم خط أحمر.. ممنوع لأحد ان يناقشني به"

- آجل، انا افهم ان ذلك اللعين خط احمر.. وأفهم اذا كان الموضوع يتعلق به يتوقف عقل المحامي عن العمل ويصبح غبيًا وكأنه ليس هو.. وماذا غير ذلك؟
هتفت آلاء بعصبية بعد ان فتحت عينيها الذهبيتين ليسحب غياث نفسًا طويلًا ويتساءل:
- أتقصدين موضوع ليبان؟
اومأت آلاء بنعم خافتة ليتنهد غياث بحنق من شقيقه ويقول:
- لقد قال انك كاذبة وكيف لي ان أصدقك.. وانك تكذبين وتتهمين الشاب فقط حتى لا تكونين انت مخطئة.. وانه يعرفك جيدًا كيف تجعلين الدنيا كلهت خطأ ولكن المهم ان تكوني انت الوحيدة على صواب.

وانت ما هو رأيك؟
سألته آلاء بهدوء ليرد غياث بصدق:
- لا اعلم يا الاء.. انا محتار بينكما.. كل واحد منكما يقول شيئًا ما.. وانتما الإثنان محقان فضعت بينكما.. محمد يقول انه واثق من ليبان مليون بالمئة ولديه ثقة عمياء بيه.. واي شيء تقولينه الآن لن يصدقه وكل ما يصدقه هو كلام ليبان فقط.

اومأت آلاء وكأنه يراها ثم همست والحرارة العالية تغزو روحها فتجعلها تتصبب عرقًا من شدة ضيقها..
- حسنًا، اذا كان يراني كاذبة وخائنة وعديمة تريية واسوأ امرأة لماذا لا زلت على ذمته؟ لماذا يبقيني على ذمته ولا يتخلص مني ويتركني؟ ها لماذا؟

حاول غياث ان يهدئها:
- استغفر الله.. اهدأي انت الآن.. هو يعرفك جيدًا ويعرف انك لم ولن تخونيه.. وهو يحبك وانت تحبيه ولكن...
صمت لا يعرف ماذا يقول.. فهتفت آلاء بحسرة على نفسها:
- ولكن ماذا غياث؟ ولكن ماذا؟ كل يوم صدمة مختلفة مع شقيقك.. وكل واحدة اكبر من التي سبقتها.

- كلها يومين وسأعود الى بلجيكا وان شاء الله سيكون هذا الموضوع محلولًا قبل ان اتي.. او انني سأتي انا بنفسي لأحله وانهيه.
قال غياث مطمئنًا لها ثم ودعها وأغلق الخط لتنهض وتسير الى الحمام حتى تغتسل.. وبعد ان عادت الى الغرفة اوصدت الباب وهي تتمتم بغيظ:
- ليذهب وينام بجانب ليبان.. سينفعه اكثر مني ذلك الحقير.

طرق محمد باب الغرفة بخفوت لتفتح له آلاء الباب فولج الى الغرفة دون ان ينظر اليها او حتى يقول شيئًا وبكل هدوء أخذ وسادة ودثار له وخرج لينام قي الصالة وكأنه يعرف انه مطرود من الغرفة..

********************
لم يتحدثا معًا منذ الصباح.. كلاهما صامتان.. هي مقهورة منه وتشعر بحقد وكره تجاهه بسبب افعاله وهو غاضب منها ومقهور بسبب كذبها وإخفاءها عنه العديد من الأمور..
غدًا ستبدأ بالبحث عن عمل لها حتى لا تبقى جالسة في الشقة ويتهمها انها دون فائدة..
بعد ان عادت من المدرسة جلست لتدرس بتركيز قاطعه محمد بعد خروجه من المطبخ:
- لماذا لم تطهي شيئًا؟

كانت تتجاهله منذ ان عاد من الخارج فدون ان ترفع رأسها عن الكتاب الذي امامها أجابته:
- طهوت لنفسي واكلت.. اذا كنت تريد ان تأكل فأمامك المطبخ.. أطبخ ما تشاء لنفسك.
صاح محمد بعصبية:
- ماذا؟؟؟ انا اطبخ!! لماذا انت ما هي وظيفتك هنا؟

- والله هذا الموجود.. اذا كان يعجبك فهذا رائع واذا لا فهذه مشكلتك لوحدك.
غمغمت آلاء ببرود ليعض شفته السفلى بشراسة ثم يقول بتهديد:
- لن اتكلم كثيرًا.. هذه وظيفتك هنا ورغمًا عن انفك ستفعليها.. هل تفهمين؟!!! سأخرج الآن الى النادي وحينما اعود اريد ان اجد الغداء جاهز.. ولن اعيد الكلام مرة أخرى.. هذه ليست حياة! أبسط شيء عملك هنا لا تعرفين كيف تفعلينه.

لم ترد عليه ليحضر حقيبته الرياضية ويخرج الى النادي.. لماذا لا يذهب الى ليبان ليطهو له؟ تمتمت بحنق ولوهلة فكرت ان تلقي بكل ما قاله خلفها وتتجاهله ولكنها في النهاية قررت ان تختصر الشر والمشاكل وتطبخ.. هو يريد ايجاد اي ثغرة حتى يتشاجر معها على وجه الخصوص بعد كلامها البارحة عن كونه لا يثق بنفسه.. وبالتأكيد هو متوعد لها وينتتظر الفرصة المناسبة ليرد على كلامها..
وبكل صراحة هذه لم تكن فكرتها بل فكرة صديقتها ليسا.. لأن العناد الوحيد كان حليفها وكانت مصرة انها لن تطهو له حتى السم ولكن بسبب كلام ليسا فقط نهضت وإقتنعت..

بعدت ان أعدت الطعام أخذت حمامًا بسيطًا لتقف أمام المرآة تتطلع الى شكلها.. تريد تغييرًا بسيطًا.. تريد قص شعرها.. لقد إستطال شعرها كثيرًا وهي منذ فترة طويلة لم تقصه.. المرة الأخيرة التي قصت بها شعرها كانت يوم زفافها لآجل التسريحة التي ارادت فعلها وحينها غضب محمد..
لمعت عيناها بمكر ووعيد.. هي تريد إغضابه وهذا اكثر ما قد يغضبه.. وبنفس الوقت قص شعرها هو راحة نفسية بالنسبة لها كما وانها تعشق التغيير والتجديد دائمًا..

التقطت مقص الشعر وابتسمت وهي تبدأ بقص أطراف شعرها لتغير قصته كلها..
بعد ان انتهت نظرت الى المرآة برضى عما فعلته.. وبقي مهمة واحدة لترتاح نفسيتها بشكل تام وترى ما الذي سيستطيع فعله محمد..
التقطت بعض الصور لخصلات شعرها التي قامت بقصها ووقعت في حوض الإغتسال الصغير الخاص بالحمام ثم نشرت احدى الصور عبر أحد مواقع التواصل الإجتماعي وكتبت باللغة الهولندية:
Niet veel, alleen een beetje om alleen te veranderen. (ليس الكثير فقط للتغيير)

لفت شعرها بمنشفة الإستحمام بعد ان أخذ محمد يطرق بقبضته على باب الحمام قائلًا:
- هيّا أخرجي.. هل ستنامين داخل الحمام اليوم؟
تبرطمت آلاء بحنق ثم لملمت شعرها المقصوص لترميه بسلة المهملات وخرجت لتتطلع حولها فلم تجد له اثر.. عقدت حاجبيها بإستغراب.. قبل دقيقة فقط كان يطرق باب الحمام فأين اختفى؟

هزت كتفيها بلا مبالاة ودخلت الى الغرفة لتغلقها عليها وتبدأ بتنشيف شعرها بمجفف الشعر الكهربائي..
الرسائل إستهلت بالتوالي عليها بشكل غير طبيعي بسبب قصها لشعرها ومع ذلك لم ترد على احدها عدا صديقتها ليسا..

- آلاااااااااااااء!!!
سمعت صراخه بأسمها بصوت عالي ثم إتسعت عينيها برعب وهي تسمع ضرباته على باب الغرفة وكأنه يود كسر االباب ليصل اليها.. أحست بجدران الشقة كلها تهتز فألقت هاتفها على الفراش بينما محمد يهدر بصوته الحاد:
- الاء افتحي الباب.

بخطوات بطيئة كانت تسير تجاه الباب وهي تشعر ان قدميها بالكاد يتحركا وفي اي لحظة قد تسقط ارضًا من شدة الخوف والرعب..
قلبها كان يؤلمها وقفصها الصدري صار يضغط عليها بطريقة مؤلمة وكأنه يسيج قلبها حد الإختناق.. غبية هي غبية.. لماذا قصت شعرها وتحدته؟

فتحت الباب بتردد لترى محمد واقفًا قبالتها وحدقتاه المصوبتان على شعرها تطلقان شررًا.. ثم فجأة كان يجذبها من خصلات شعرها بقوة ليخرجها من الغرفة بينما يزمجر بشراسة:
- ماذا فعلت؟ كيف تقصين شعرك هكذا؟
قرب وجهه الغاضب بطريقة يصعب تفسيرها من وجهها الشاحب وصاح واشجار الخريف في عينيه تصبح سوداءًا مظلمة:
- من سمح لك بقصه؟ انت فقدت عقلك تمامًا! انا ماذا قلت لك فيما سبق عن شعرك؟

كانت خائفة منه بجنون وهي تراه فاقد لكل ذرة تعقل وقد يتهور ويفعل اي شيء بهمجية ولكن في الوقت عينه كانت سعيدة.. هذا ما سعت اليه.. تريد ان تنتقم منه.. هذا هو المطلوب وهو يستحق..
بسرعة قالت آلاء:
- قمت بقص فقط الأطراف والله لأنه يتساقط ومن ثم انا لست محتاجة لأخذ اذنك.
حاولت ان تحرر شعرها من قبضته كي تبتعتد عنه وتسترسل بكلامها وتضمن سلامتها..
- لست محتاجة لأخذ اذنك.. ومن ثم انا نسيت ماذا قلت عن شعري من الأساس.

همهم محمد بوعيد مخيف دون ان تبرح هالة العصبية الثائرة وجهه:
- آه.. تريدين ان أذكرك ماذا قلت لك.
وإستدار ليذهب الى الحمام بسرعة ثم عاد وبيده مقص الشعر خاصتها.. تراجعت خطوة الى الخلف وحدقتيها تتسعان أكثر من شدة الترقب والخوف.. وامام عينيها المصدومتين كان محمد يفتح المقص ويكسره الى نصفين..

تسمرت مكانها بذهول ليهتف بتهديد:
- هذه المرة كسرته امامك.. ولكن المرة القادمة سأكسره برأسك، هل تفهمين؟
لم تستوعب ما فعله وهي تحدق به ببلاهة فإقترب منها أكثر ورفع يده التي تحمل المقص امامها لتنكمش على نفسها بينما يهدر بتحذير:
- حاولي يا الاء ان تكرري الذي فعلتيه مرة أخرى.. تجرأي وحاولي فقط ان تقتربي من شيء ليس لك وسترين ما الذي سيحدث.. حسابك ازداد ثقله كثيرًا معي!

عادت خطوتين الى الخلف الى ان صارت قريبة من باب الغرفة وهتفت بشجاعة لا تمتلكها ابدًا في الوقت الحالي:
- وماذا اذًا؟ ليثقل.. ماذا سيحدث؟
وبعنف شديد أغلقت باب الغرفة وهي لا تستوعب حبه لشعرها وتملكه له ولكل ما يخصها حتى يخبرها ان لا تقترب من شيء ليس لها!.. اذا لم يكن شعرها لها فلمن هو اذًا؟!.. رباه محمد هذا سيودي بها الى مكان لا تدري ماهيته!

********************
في اليوم التالي..
عادت آلاء لتقف أمامه وتقول بتحدي مبطن:
- للعلم فقط انا غدًا سأعود التاسعة او العاشرة مساءًا الى البيت.. لا اعلم بالضبط.
رفع محمد حاجبه الأيسر بسخرية:
- لماذا اين ستذهبين؟ ان شاء الله لديك حفل زفاف غدًا وانا لا اعلم؟

- لا ليس حفل زفاف ولكن عمل!
قالت آلاء بهدوء لينقلب حال وجهه من السخرية الى العصبية بينما يتساءل بنبرة خطيرة:
- عمل ماذا؟

- عمل، يعني انني سأعمل.
تمتمت آلاء ببرود ليصيح محمد بصوت حاد:
- ماذا؟!!!!! من سمح لك ان تعملي؟ هل تريني ساق كرسي هنا ام طرطور! ام ماذا!

----------------------------
يتبع..

..

قراءة ممتعة..
مع حبي:
أسيل الباش



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:47 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.