آخر 10 مشاركات
عِـشـقٌ في حَضرَةِ الـكِـبريآء *مميزة مكتملة* (الكاتـب : ღ.’.Hiba ♥ Suliman.’.ღ - )           »          زوجة بالميراث (127) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          أحبك.. دائماً وأبداً (30) للكاتبة الرائعة: مورا أسامة *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : مورا اسامة - )           »          93- رجل من ورق - كارول مورتمر - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          صدمات ملكية (56) للكاتبة: لوسي مونرو (الجزء الأول من سلسلة العائلة الملكية) ×كــاملة× (الكاتـب : فراشه وردى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-09-21, 12:01 PM   #3951

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






**شكرا كثير على التفاعل وكشكر عليه ان شاء الله في فصل ثاني هذا الاسبوع الاربعاء او الخميس..



**لا تنسو التصويت بداية اعلى الصفحة على قصتكم المفضلة (اختاروا اكثر من خيار)..


**نقاش سريع عن يزيد:

كثير بقولوا لي عن تغير يعقوب وزاهية المفاجيء ب 180 درجة لمجرد انه طلع حفيديهم مو ابن البستانية.. او انه سبب كرههم السابق ليزيد لانه ابن بستانية.. وبس اكتشفوا الحقيقة غيروا معاملتهم.. فحبيت اوضح هالشي..

هلا في البداية سبب قسوة يعقوب من يزيد هو كان تعلقه الكبير بمالك الى الحد الي يوصل فيه ينام بغرفته..
كان الحاج يعقوب دايما ينبه على مالك انه يبعد عن يزيد بس بعدين لاحظ انه مالك ما بقدر لانه يزيد نفسه متعلق فيه لدرجة الالتصاق لهيك كان يحاول يكون صارم مع يزيد بقسوة حتى يبعده عن مالك..
وكان في مشهد العاملين في المطبخ بقولوا لسمية انه ما بصير تخلي ابنها قريب من رجل غريب عنها وبلمحوا أنه الزمن الحالي مافيه امان..
يعني مجملا كان بحاول يعقوب يبعد يزيد عن مالك خوف من كلام الناس وخوف ع سمعة ابنه.. حتى ما يقولوا ماخد الطفل وسيلة لحتى يوصل لامه او أنه متحرش فيه..
وبعد موافقة يعقوب على زواح مالك من سمية فهو رفض انه يزيد يعيش معاه لانه غريب عن حفيداته.. اكيد ابن العم مش محرم لكن بضل اهون من شاب غريب.. هيك نظام العائلات الممتدة والكبيرة..
بينما زاهية فكان قلبها شاعرها بوجود علاقة تربط بين يزيد ومالك او حتى يزيد وهي.. فكانت تكذب شعورها بانها تقسى على يزيد وترفض تمامااااا يدخل القصر عشان ما تشوف وجهه وملامح الشبيهة بمالك.. حتى اسمه كانت تقنع نفسها انها بتكرهه حتى ما توصل لها حقيقة يزيد.. لانها شايفتها غير معقولة.. وولا حتى بخيالها ممكن يكون مالك تزوج او حتى زنا مع سمية.. وكانت تقنع حالها انها بتكره يزيد لانه ابن سمية البستانية الي بتحاول تغري ابنها.. مو بسبب الشعور الي جوا قلبها تجاهه..
يعني لو يزيد مو ابن مالك ما كان شعرت زاهية باي احاسيس غريبة تجاهه وما كانت صوبت اي كره عليه ابدا..

طبعا كلامي السابق ابدا ابدا ما ببرر قسوتهم مع طفل صغير عمره 7 سنين لكن هو سبب تغيرهم الجذري..





*********


الفصل الثاني والعشرون

في مجلس الرجال..
جلس الحاج يعقوب في منتصف المجلس يضم عباءته على جسده ويقول بصلابة لمازن الذي يقف أمامه بملامح عابسة
((الآن ستغادر.. الآن سأتصل بمعاذ وأطلب منه أن يحجز لك أسرع طائرة تطير بك للخارج))
ردّ مازن له دون أن يرف له جفن
((لن أذهب لأي مكان.. إذا كنت مُغرمًا بذاك البلد أنا من سأتصل بمعاذ وأطلب منه أن يحجز لي أسرع طائرة تطير بي إلى هناك))
غمغم الحاج يعقوب بسخط
((ما أقلّ أدبك يا ولد))
رفع مازن حاجبيه يقول بنبرة ساخرة قاتمة
((وما الجديد؟ أنا عاق ولا أملك من الأدب والاحترام شيئا.. كثيرًا ما تُردد هذه الكلمات على مسامعي ومع ذلك تتفاجأ في كل مرة أردّ عليك الكلام وتُذهل!))
اتسعت عينا الحاج يعقوب وهو يردد
((وفخور بنفسك أيها الو-ق-ح!))
قوّس مازن حاجبيه وقال بوضوح وهو يرفع ذقنه
((أنا لست فخورًا بنفسي لكني تعبت من البقاء هناك، تلك البلاد تُزار لأسبوع أو اثنين سنويًا كاستجمام لا للإقامة فيها للأبد))
ظلّ يعقوب ينظر لابنه بصرامة فطرية أشاح عنها مازن، ليقول أخيرا بصوتٍ قاطع آمرًا له وقع هيبته
((مازن ستعود من حيث جئت))
احتَقَن وجه مازن بالضُيق وقال بتهديد سافر
((أبي لن أذهب لأي مكان، حتى لو طردتني من بيتك، سأذهب لأقرب مسجد أنام فيه ليلًا وأتسول أمامه في النهار.. عندما يعلم المحسنون من الناس بأني ابن الحاج يعقوب الكانز سيكرمون في عطيّاتهم وصدقاتهم عليّ))
غمغم الحاج يعقوب بنظراته المحتدمة
((أيها ال-د-ن-ي-ء هل تهددني بتشويه سمعتي؟ أقطعك وأدفنك مكانك قبل أن تفعلها!))
كان يريد مازن إخراج نفسًا ضائقًا لكن تراجع احترامًا لوالده وقال بملامح مُعذبة
((أبي أنا لا أهًددك بشيء.. لا تأخذ كلامي على محمل شخصي.. أنا فقط لا أريد مبارحة أرض وطني الغالي.. ثم أبي.. أقصد..))
تلعثم في آخر كلماته وحانت منه نظرة نحو الباب المُوارب قليلا وما إن لمح هوية من تتوارى خلفه حتى هتف
((ادخلي يا ياسمين أنتِ وهدى للداخل، لا داعي للتصنت))
بخجل وتردد دلفت ياسمين وهي تمسك يد هدى الصغيرة ليشير مازن لها ويكمل محاولة نيل استعطاف أبيه
((انظر يا أبي إلى زوجتي المسكينة كيف ظهر أثر الإجهاد والعمر على وجهها الرقيق وقد أثقل كاهلها لعب دور الأب والأم لابنتها))
ثم تقدم مازن أكثر من ابنته ينخفض ويقبل جبينها بينما يكمل
((انظر إلى تلك البريئة الصغيرة كيف تعيش هنا كيتيمة ووالدها حي يرزق.. إذا لم يهمك أمري فعلى الأقل اهتم بشأن هاتين المسكينتين))
رفعت هدى الصغيرة يدها تمسح آثار لثم والدها الوهمية ولم تشعر تجاهه بالحب بينما رفع مازن وجهه لزوجته يقول
((صحيح يا ياسو ما أقوله أم ماذا؟ هيا تحدثي بشيء))
تنحنحت ياسمين تُجلي صوتها ثم قالت بشيء من التردد
((أعني.. بصراحة لم أشعر يومًا بأنّ هدى تحتاجك، أعمامها ينوبون عنك بل وزيادة.. خاصة عمها مؤيد دائما ما يُلاعبها ويسأل عن أخبارها واحتياجاتها ولا يُقصر معها أبدًا.. لا أبالغ لو قلت بأنه يعاملها هي ودارين أفضل من أولاده))
اتّسعت عينا مازن لما يسمعه فقالت هدى وهي تخطو نحو أمها وتناظر أباها بتجهم
((نعم صحيح يا أمي عمي مؤيد رائع))
ربتت ياسمين فوق شعر ابنتها لتقول ببراءة مصطنعة
((هل أصغيت يا مازن لكلام ابنتك؟ صدقني نحن هنا على خير ما يرام فلا تعطل مصالحك وعد من حيث جئت.. صدقني سنعتني ببعضنا جيدا حتى لا تحمل همّنا هناك))
ابتسمت هدى بخبث طفولي لوالدها وقالت
((نعم أبي يمكن أن تعود ونحن سنكون بخير من دونك لا تقلق.. لن أتأفف أو أُبدي ضيقا إذا ما طلبت جدتي أن أتحدت معك على الهاتف إذا كان هذا يُسعدك))
استقام مازن واقفا من مكانه وكُل ما فيه ينذر بالشر.. ثم مال يشد ضفيرة طفلته بقوة وطفولية قبل أن يغادر المكان بغضب..
شهقت هدى مما فعله وسرعان ما اغرورقت عيناها بالعبرات لتبدأ بالبكاء.. فحضنتها ياسمين وهي تربت فوق شعرها وتَتَطلع لحماها بحزن تستدعي شفقته وتغمغم
((هل رأيت يا عمي كيف شدّ شعر هدى!))
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-21, 12:03 PM   #3952

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

ليلًا..
ارتدى مازن قميص منامته بعدما انتهى من استحمامه وفرغ حقائبه.. رفع المنشفة يجفف شعره البني المائل للحمرة..
فتحت ياسمين عليه الباب بعد أن أنهت مهمة نوم هدى المرهقة..
كانت تشعر بالحُزن الممزوج غضبًا من حماتها التي أصّرت عليها أن تجعل هدى تنام في نفس غرفة دارين وتتوقف عن النوم بجانبها بسبب عودة مازن..
ما أن انتبهت ياسمين على مازن يحدق بها حتى عبست ملامحُها وقالت موبخة
((هل أعجبك ما تسببت به؟ تتحرش لفظيا بنجوم دون أي رادع وتتسبب بسخطه وغضبه منك وعلينا))
أثقلت ملامح مازن الوسيمة بالذّنب لتجاوزه الحدود بالكلام إلى الحدّ الذي وصل به أن يتحدث عن قوامها! ومن أجل ماذا! فقط من أجل إغاظة ياسمين! فقال بصوتٍ خافت
((لقد أخطأت، معك حق، سأذهب الآن لأعتذر منها))
كان يهُم حقا بالخروج فاتسعت عينا ياسمين وسارعت تمسكه وتردعه عن الخروج قائلة باستنكار كمن تحادث أبلهًا
((أين تذهب؟ ألا تفكر؟ لو رآك عمي الآن أمام نجوم سيدفنك تحت الأرض دون أن يرف له جفن))
أطرق مازن وجهه أرضًا وهو يعي صحة ما نبهّته إليه.. وازداد غضبه من نفسه..
فهو في نهاية العشرينات من عمره ولا زالت تصرفاته تشي بتصرفات مراهق أرعن لا يفكر بنضج أو رزانة..
تنهّد وهو يتجه نحو السرير بينما يراقب ياسمين تفك حجابها المنزلي من على رأسها فيتساقط شعرها البُني بكثافته شلالًا على كتفيها..
ظل مازن يمعن النظر بانبهار مسروق الأنفاس إلى شعرها ثم تمتم
((شعرك الطويل الخلاب ما زال كما هو ولم تقصّيه! هل أخبرك سرًا؟ منذ أن تزوجنا وأنا أحب غمر أصابعي وتمريرهم فيه.. إنه غزير وطويل ويخطف اللُب))
تطلعت له بنظرات تشعّ رفضًا وقالت
((وأنا أبعد يدك عنه.. لأني كما قلت لك سابقًا أكره أن يلمس أحد شعري))
تغضّن جبينه بالضّيق وقال مستنكرًا
((أنا لن أهتم بهذا وسألمسه، ألست زوجتي؟ فليكن بعلمك أنا لم أعد كما كنت قبل سفري، أنا لم أخطأ بحقك بشيء في الماضي إلا بسكوتي عن خُطتهم ال-د-ن-ي-ئ-ة لكن الآن لم أعد أشعر بالذنب أو الشفقة تجاهك لأنك لا تستحقينها، لكن وبما أن حظي التَعس جعل والدي يظن بأن ذنبي أكبر من مجرد سكوت عن جريمة بل وأني مشترك معهم ويُجبرني على الزواج منك فأنا لن أتنازل عن أي شيء من حقي فيك بعد الآن))
ثَارت ملامحها دون أن تتفوه بحرف وهي تفهم ما يُلمحُ له بينما تسمعه يُعيد فتح الماضي بينهما.. فأكمل لها بصوتٍ واضح قاتم
((نعم كنت أسمعهم يعرضون عليّ مشاركتهم التخطيط بخطف فتاة تجرّأت على تحدي زعيم عصابتهم وتسببت بفصله من الجامعة لكني رفضت بل وانسحبت تمامًا من شلتهم وقد اقتنعت بكلام أصدقائي بأنهم شلة سوء فاسدة ولن يأتي من ورائهم إلا المصائب.. لكن أحد أفراد عصابتهم أقنعني بأنه انسحب من العصابة وطلب ودّي وعودة صداقتي وببلاهة صدقته وقبلت صحبته غافلًا أنها خطتهم بالتعاون معه لينتقموا مني لأني تركتهم، فذاك الشّاب أقنعني بحجز غرفة له في إحدى الفنادق باسمي ومالي ليمكث فيها عدة أيام بعد أن طرده والده من البيت، وأنا لبّيت طلبه بحسن نيّة وعندما فكرت بزيارته بعد أن دَعَاني دخلت الغرفة وصُدمت على صريخك في وجهي وتفاجأت بأمن الفندق يحتجزني بانتظار وصول الشرطة))
ضيقت عينيها وقالت بنبرة مكتومة تحمل غلا تجاهه
((نعم أعرف هذه القصة التي سردتها عليّ ألف مرة في الماضي، بغض النظر إن كنت صادقًا تمامًا أم لا.. لو كنت مظلوما كليا أو لا، فأنا لا أَتَقبلك ولم أخْترك زوجًا لي إلا بسبب ظروفي))
قال لها بنبرة مظلمة دون ندم أو تردد
((لا يهمني أن تقتنعي أنتِ أو أبي بأني مظلوم.. لكن ليكن بعلمك لو عاد بي الّزمن لم أكن لأستجيب لأمر أبي في الزواج منك مهما كلفني الأمر))
ظلّت تنظر له بملامح حاقدة إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يكمل وهو يفتح يديه استنكارا
((لماذا تنظرين لي بهذا الشكل؟ هل فاجأك تَغيري؟ نعم يا ياسو الحبيبة أنا لم أعد مازن القديم ذاك الذي تزوجك وتحمل منك كل أنواع السّخط وسمّ الكلام، سامحًا لك بإفراغ جام غضبك وحزنك فيه لأنه يُشفق عليك ويشعر بالظّلم الذي تعرضتِ له من كل من حولك))
كلماته كانت كنصالٍ حادة يصوبها إلى صدرها ويهبط بها مُمزقا روحها بكل جنون.. مستنزفًا إيّاها وآملًا في القضاء على الجزء المتبقي من كبريائها الذي يدفعها أن تُنغص عليه حياته لأنها لا تصدق أن صداقته مع شباب منحلين وفاسدين كهؤلاء يمكن أن تجعل منه شخصا جيدًا..
قَسَت عيناها في هذه اللحظة كشظيتين من الجليد المؤذي.. لتنطق أخيرا بصوتٍ مثقل بالقهر والنقمة
((ومن سمح لك أن تشفق عليّ! هل تظنني سعيدة في الزواج منك وحبس نفسي بين أُناس لا أشعر بالانتماء لهم طوال تلك السنوات؟))
كانت كل ملامحه خالية من التعبير وهو يقول بصوتٍ خافت فاتر
((أعرف بأنك لست سعيدة لكن عليك أن تعلمي أن هذا الشّعور متبادل.. وبما أننا وللأسف متزوجان بالفعل ومنذ سنوات.. وبما أنه يوجد طفلة بيننا فمُضطر أن أقبل بنصيبي البائس وأظل معك))
هَتَفت به بانفعال
((لكن أنا لا أريد أن تظل معي.. لولا عائلتي لكنت طلبت الطلاق منذ زمن..))
أَطبق شفتاه في خطٍ قاسٍ قبل أن يمرر عيناه عليها من أعلاها إلى أخمص قدميها بنظرة رجولية متفحصة بعد أن خلعت عباءتها وظهرت بمنامتها البيتية الضيقة ثم قال بجفاء
((لكنك لم تفعلي وطالما أنتِ أمامهم زوجة لي سنكمل حياتنا كما كانت قبل سفري.. هيا الآن تجهزي))
ساد صمت ثقيل فوق رأسيهما.. وازدردت ريقها من نظراته ثم تساءلت غير مطمئنة
((أتجهز إلى ماذا؟))
رفع حاجبيه لها وقال بصوتٍ غريب جرّدها من كبريائها
((ماذا؟ أريد حقوقي الزوجية؟ ما هو غير المفهوم يا ياسمين؟))
أخذت ياسمين نفسًا عميقًا كي تسيطر على ألم رُوحها.. ثم نظرت إليه بابتسامة تواري قهرها وهي تقول بثقة مزيفة بينما تبدأ بفك أزرار قميصها وهي تبصق كلماتها من فمها بنظرات احتقارٍ
((تفضل خذ حقوقك))
نظر مازن لجسدها وتقاسيمه التي تسلب عقله كأنه يراها لأول مرةٍ في حياته! أو أن رغبته الجائعة زيّنت له طلتها!
فلم يشعر بنفسه وهو يندفع نحوها اندفاعًا كاد يُسقطها لولا دعمه لها بين ذراعيه..
بخفة ألقى ظهرها فوق السرير قبل أن يميل برأسه نحوها ويجتاح شفتيها بعُنفٍ.. ولمساته تمتد بكل إنش فيها يستحضر كل فنون الإغراء التي يُتقنها أي رجلٍ بالفطرة..
في بداية زواجهما ما إن يبادر للاقتراب منها حتى تتجمد جسدًا وروحًا قبل أن تسمح له بنيْلهَا، فَكَرهَ العلاقة الزّوجية كلها ولم يقترب منها إلا على مضض..
لكن وبعد مرور تلك السنوات ونمو الرّغبات فيه كرجل اختلفت نظرته للأمر..
انهمك مازن فيما يفعله لا يهتم إلا بإخضاع جسدها وجعله طوْع بنَانَه.. وفي النهاية نال استجابتها لكن بطريقه لم ترضيه.. وشعر بالدماء الساخنة داخله.. تستحيل لصقيع!
.
.
فجرًا..
فتحت ياسمين عينيها ثم هدرت بوجع محاولة دفع كتفيه عنها وقد حررّت ذراعيها أخيرًا
((ابتعد يا مازن، تكاد تحطم ضلوعي))
تململ قليلا أثناء نومه إلا أنه لم يتحرك إنشا كالجبل..
بل تلكك فمه ثم دفن وجهه في عنقها يستنشق رائحة غسول شعرها اللذيذ الممزوج برائحتها الأنثوية لتُكون عطرَا خاصا بها..
عندما همّت بالقول مجددا قاطعها
((شششــ... هل تعرفين أن سبب إصراري على العودة هنا هو لهذا السبب؟ فبعد أن أنهيت دراستي الصعبة وازداد وقت فراغي لم أعد أفكر إلا بالعلاقة الزوجية، وأنا الآن بحاجة لقربك حتى أُعَوض))
غمغمت له بحنق مكتوم وهي لا تزال تعافر لتتحرر من عناقه المتملك
((تريد أن تعوض على حساب خنقي؟ ابتعد يكاد نفسي ينقطع))
التفت أصابعه حول خصلات شعرها ولثم زاوية شفتها هامسا
((اهدئي.. وابقي ساكنة بمكانك علّ شيئا من الثلوج التي خلفتها الغربة في روحي تذوب))
تمتمت له بصوتٍ مخنوق وهي تبعد وجهها عنه
((ألا تستطيع هذه الثلوج أن تذوب بطريقة غير هذه؟ أنتَ تخنقني))
أجابها متهكمًا ((للأسف ليس هناك طريقة أخرى))
رددت له بامتعاض ملحة
((مازن.. مازن الصّلاة.. سيطلع الصبح.. ولم نصلي الفجر بعد))
أخيرا خفف من قبضته حولها لتتحرر من بين ذراعيه وتتراجع جالسة عند زاوية مكدسة بالوسائد واللحف بينما تسمعه يقول بصوتٍ ناعس مغمضا إحدى عينيه
((أوه فعلا الصلاة))
نهضت ياسمين من مكانها ليأتيها سؤال مازن المستغرب
((بالمناسبة يا ياسو، أنا لم أرَ أخي مالك طوال اليوم وهاتفه مغلق، هل تعرفين متى خرج من البيت ومتى سيعود؟))
تجهمت ملامح ياسمين وقالت
((وهل تذكرت الآن أن تسأل عنه؟ ألم يلفت انتباهك وجود طفل يُدعى يزيد مع أمك طوال الوقت!))
بدت ملامح الحيرة متجلية تماما على وجه مازن فقالت ياسمين بصوتٍ واجم
((سأخبرك لاحقا))
ثم قفزت أرضا وهي تحيط الملاءة حول جسدها هادرة
((لكن سأستحم قبلك))
ناظرها مازن باستمتاع ورأسه فوق ذراعيه بينما تمر من أمامه..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-21, 12:04 PM   #3953

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

شركة القاني..
ولج قصي للشركة وفي عينيه تلتمع نظرة تنذر بالشر..
حديثه مع عمه أفقده أي ذرة تعقل بقيت فيه..
دخل إلى غرفة الخزائن يأخذ كل أغراضه من خزانته الخاصة.. قبل أن يُسلم استقالته..
بمجرد أن سلم مفتاح خزانته للقسم المعني حتى توجه نحو قاعة العمل ثم إلى حاسوبه لأخذ أغراضه التي نسيها في ذلك اليوم الذي غادر به الشركة فجأة..
قبل أن يخرج لاحظ أحد زملائه الذي يجلس بجانبه ويُدعى طه يتشنج غيظا أثناء حديثه مع عميل ما على الخط..
ضيّق قصي عينيه وهو يقترب من زميله يمعن في احمرار وجهه بينما يسمع صوت العميل يشتمه بكل وضوح ويصرخ عليه..
قال الموظف طه بصوتٍ مضطرب
((سيدي لو سمحت لا تخرج عن نطاق المكالمة وإلا ستضطرني أن أغلقها..))
عاد العميل يشتمه وقبل أن يكرر طه تحذيره الثاني كان قصي يسحب السماعة منه ويتحدث هاتفا
((أيها العميل الغبي تحدث بأدب مع الموظف فما يواجهه من معاناة هنا وهو يرتدي سماعة الأذن على مدار تسع ساعات متواصلة والرّد على أكثر من مائتين عميل بمشاكل وطلبات وثقافات مختلفة وليس أمامه إلا أن يعاملهم جميعا بنفس القدر من الترحيب والمودة والاحتواء مهما كانت طريقتهم يكفيه.. فلا داعي أن تزيد عليه بشتمك إياه))
صرخ العميل بقُصي وهو يلاحظ اختلاف صوت الموظفين
((أيّها اللعين من أنتَ لتتحدث معي بهذا الشكل؟ حسّنوا من خدمات موقعكم الإلكتروني ولن يكون هناك داعي أن نتصل بكم يا ا-ل-ح-ث-ا-ل-ة........))
اتسعت عينا قُصي وهو يسمع العميل يشتمه شخصيًا فما كان منه إلا أن انفلتت أعصابه وهمس به بتشنج غاضب مقهور
((أيها الأحمق كيف تشتمني بهذا الشكل؟ أنا مجرد ممثل للخدمة ولست صاحبها الحقيقي.. لأن هناك موظفون غيرنا قائمون على الخدمة.. أنا فقط أمثلهم فليس من العدل أن تحملني فشل البقية))
((بل سأحمٌّلك أيها الفاشل .................))
شدّ قصي على أسنانه يكاد يموت غيظًا ليقول قبل أن يغلق الخط عليه
((أيها الرجل ليس هناك أحد @#$ #@$ غيرك أنتَ يا @#$ ^%$$ %$$^ &^% $$%))
أغلق قُصي المكالمة من النظام مِمّا جعل عينا طه تجحظان ممّ سمع قصي يتفوه به ليقول مستنكرًا من هول فعلته
((كيف قمت يا قًصي بشتمه بهذه الألفاظ الفظيعة!))
غمغم قصي من بين أنفاسه المتلاحقة كمن خرج من الحرب توًا
((هو من بدأ بشتمك وشمتي أولا))
قال طه منهارا وهو يكاد يفقد ذرات عقله
((أنا كنت سأنبهه ألا يكرر شتيمته وإلا سأغلق المكالمة عليه.. يحق لنا إغلاق المكالمة في حالة تجاوزه في الكلام علينا ثلاث مرات.. هذه هي القوانين))
تمتم قُصي من بين أسنانه المطبقة بغيظ
((هل كنت تريد مني أن أنتظر أن يشتمني ثلاث مرات لأغلق المكالمة؟ فلتذهب هذه القوانين للجحيم))
رَفَع الموظف يديه يمسح وجهه وهو يقول بينما يرى نفسه في موقف لا يُحسد عليه
((ماذا إذا تم سماع مكالمتي أو رفع هذا العميل شكوى عليّ؟ ماذا سأفعل؟ سيتم طردي من هذا العمل))
ارتدى قصي حقيبة ظهره وأجاب قبل أن يتجاوزه ويغادر
((قل لهم بأني أخذت السماعة منك رغمًا عنك وحمّلني كافة المسؤولية فبكل الأحوال أنا سأستقيل.. إلى اللّقاء))
لفّ الذّهول زميله متعجبًا من استقالة قُصي المفاجئة..
خرج قُصي من مكان العمل وكان متوجهًا نحو البهو للخروج من القسم قبل أن يقف بذهول وهو يراها أمامه تقطع عليه الممر..
كتّفت شيرين ذراعيها ورفعت ذقنها تتحدث بصرامة وعملية
((لماذا جئت يا قُصي للشركة؟ أنا بالفعل رفعت شكوى بغيابك المُتكرر بدون عذر فضلًا عن مغادرتك المفاجئة من الشركة في ذلك اليوم.. صدّقني لن تنجو هذه المرة من الطرد))
التمعت عينا قصي بنظرة تنذر بالشّر لكنه لم يتحدث بشيء بل تابع الطريق أمامه متجاوزًا إيّاها ببرود ظاهري..
بَدَا وجهه كأنه قدّ من صخر.. بذقنه النابتة بهمجية.. وعينيه الخاليتين من الحياة..
خرج قصي من مبنى الشركة ووصل لسيارته الشبابية مفتوحة السقف ليبدأ قيادتها..
لن ينسى أن شيرين هي السّبب فيما حدث بينه وبين سهر..
لقد كان قريبًا من الاعتراف لسهر بحقيقته.. كاد يبوح لها بكل شيء عنه وعن عائلته لولا شيرين.. تلك.. تلك..
تبّا لها.. لا يعرف كيف تماسك بشق الأنفس ألا يحاسبها على ما فعلته به..
هتف منفعلا والقهر يجتاح خلايا جسده
((تبّا لك يا شيرين.. تبّا لك.. لقد أفسدتِ كل شيء.. أفسدت حياتي.. أكرهك..))
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-21, 12:05 PM   #3954

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

طَرَقت شيرين باب رئيس القسم قبل أن تدلف له قائلة بشكل مباشر
((مرحبا سيدي.. أريد أن أعرف ماذا حدث بخصوص ما أرسلته لك على البريد الإلكتروني قبل عدة أيام عن موظف يُدعى "قصي سامح"؟))
توقف فجأة رئيس القسم عما يقوم بكتابته على جهاز الحاسوب كآلة أوقف أحد شحنها.. ثم تطلّع لشيرين بوجه خالي الملامح للحظات قبل أن يسألها مضيّقا عينيه
((ما به؟))
تمالكت شيرين أعصابها من بروده في مسألة طرد قصي الذي لم يحضر منذ أيام للشركة ولم يكلف نفسه حتى أن يتصل ليتذرع بأيّ حجة تافهة كانت أو غيرها لغيابه..
ثم تنحنحت قبل أن تتحدث بعملية
((هناك موظف يدعى "قصي سامح" تكررت مخالفته من غياب ومغادرات بلا أعذار.. وتعبت أنا وقائد فريقه من إعطائه فرص للتوقف عن هذه المخالفات، لذا أفضل علاج للموظفين أمثاله الطرد إذا لم يقرر الاستقالة بنفسه.. لقد كتبت لك كل هذا بالرسالة الإلكترونية.. وأنا مستغربة عدم تلقي ردّ أو اهتمام منك حتى الآن بهذا الشّأن))
ظل رئيس القسم يتطلع بتركيز في ملامح شيرين ثم قال بصوتٍ خافت دون أن يرف له جفن
((هذا لأني حذفته بمجرد أن قرأته.. سيدة شيرين؟ لو سمحتي لا تشغلي نفسك كثيرًا مع ذاك الموظف الذي يُدعى قصي.. هذه ليست أول مرة لك فقد لاحظت مؤخرًا بأنك تَتَقصّدينه كمن تتبعين متعمدة أخطائه))
لفّ شعور من الغضب شيرين ثم قالت معترضة
((سيدي أنا هنا كمشرفة لا أقوم بشيء بعيد عن صلاحياتي وواجباتي، أنا لا أتعمد التنقيب ورائه والبحث عن أخطاء قصي أو غيره.. لكن مخالفاته أكثر من أن يتم التغاضي عنها.. هل تحب أن أذكرها؟ أنا أعمل هنا في شركة القاني منذ ما يقارب الثمانية سنوات ولم أرَ بحياتي موظفًا بإهماله واستهتاره))
شاب صوت رئيس القسم شيء من الصرامة وهو يقول
((سيدة شيرين للمرة الأخيرة سأقولها لك.. اتركي قُصي بحاله ولا تشغلي نفسك به.. ولا تضطريني أن أتخذ إجراءات ضدّك.. ربما أضطر أن أنقلك لقسم آخر برتبة أقل من مشرفة))
اهتزّت حدقتا شيرين بصدمة مِمّا تسمعه ثم قالت بصوتٍ خطير وهي تقترب منه
((سيدي هل تهددني؟))
أجابها بتلقائية وحيادية
((بل أحذرك وحسب))
رفعت شيرين حاجبيها وهي تقول
((بل تهددني بنقلي كمشرفة من هذا القسم إن لم أتغاضى عن أخطاء ومخالفات موظف مهمل! على كل حال بما أنك حذفت ما أرسلته لك ولم تُلقِ أي بالًا له.. سَأُصعّد هذه الشكوى لمن هو أعلى منك رتبة وسأرفع كتابًا بطرده))
أرخى مدير القسم ظهره ثم كتف ذراعيه وقال ببرود
((لن تتدمر الشركة ولن تتراجع كفاءة القسم لمجرد تغيب قصي عن دوامه لعدة أيام وإهماله للعمل في أيام أخرى.. لا تضّخمي من الأمر ولا تٌعقّديه))
اتسعت عينا شيرين مما تسمعه بتعجب!
هل هذا المدير جاد وواعي فيما يتحدث به؟ بل هل هو نفسه مدير القسم الصّارم الحازم الذي لا يعرف الرّحمة في العمل مع أحد فيه؟
سَاورها شكّ رهيب وهي تسأله باستهجان
((هل يقربك "قصي سامح" بشيء؟ أم هو ربما ابن صديق لك؟ لأني غالبًا سأرفع شكوى عليك قبله.. موظف بتسيبه وإهماله لم يكن ليبقى لو لم يكن له واسطة من حضرتك ولا بد أيضًا بأنك تطلب من المسؤولين عنه الآخرين التغاضي وتمرير أخطائه.. لكن لسوء حظك لن أكون أنا مثلهم))
تلاعبت ابتسامة خبيثة على شفتي مدير القسم وهو يمعن النظر في شيرين بتسلية ثم قال باستخفاف
((حسنا يمكنك تصعيد شكواك لمن هو في منصب أعلى مني وإخبارهم أن سبب شكواك عليّ هي أني لا أريد طرد الموظف المدعو "قُصي سامح".. يمكنني أن أزودك إذا أردت بنموذج الشكوى للأقسام العليا المعنية بالشكاوى ضد أي مدير أو مسؤول))
ازدردت شيرين ريقها وتسللت الريبة لقلبها مِمّا يقوله..
فلم لا يبدِ أي خوف أبدًا من شكواها عليه!
هل يعقل أن تكون له وساطات أو معارف عند القسم المعني بالشكاوى في فرع القاني القابع في العاصمة ولهذا هو مطمئن بأنه لن يتم أخذ أي شكوى تُصعدها في الاعتبار؟
ازدادت حيرة شيرين ولم تعرف إذا ما كان عليها التحرك أو التراجع فعِناد مسؤولين أكبر منها لن يكون في صالحها!
كانت تَهُم بالمغادرة عندما استرسل مدير القسم بلهجة محذرة لها
((شيرين أنتَ امرأة ذكية لذا سأنصحك لمرة أخيرة أن تمارسي عملك هنا بذكاء.. الكل ينتظر أٌقلّ فرصة ليتخلص منك فلا أحد هنا يَتَقّبل ما وصلتي إليه من منصب مرموق بمجهودك، خاصة وأن معظمهم لجأ للواسطة والمحسوبية للحصول على ترقيته))
عَبَست ملامح شيرين وعقدت حاجبيها فقرأ المدير في خُضرة عينيها الكثير من التساؤلات.. كأنها تنتظر منه توضيحاً وكشفاً لمَا يُلمح له.. لكن لم يعطها ما تأمله وهو يعيد بصره نحو الحاسوب ويكمل عمله!


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-21, 12:05 PM   #3955

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

كاد يزيد يُدمي شفتيه غارسا ثنايا أسنانه بهما ليمنع ارتجافهما.. يتخبط بألَم لا يتحّمله قلبه البض الصغير بينما يتمتم بألم
((أريد أمي.. متى سأراها؟))
صوت بكائه ونحبيه أحرق قلب زاهية الجالسة بجانبه وعاجزة عن إسكاته كما تستطيع أحيانًا..
رفعت يدها تُمسد رأسها الذي بدأ يُؤلمها وقالت بصوتٍ مُعذب أمام دارين ورتيل
((لماذا لا ينجح أحدكم بجعله يأكل ويتوقف عن البكاء!))
تذمرت دارين بعجز وبراءة
((مرات ننجح في تهدئته ومرات أخرى لا نستطيع عندما يستفحل شوقه لأمه، فماذا نفعل!))
قالت الحاجة زاهية لزوجها بألم وقلة حيلة
((لو كان رضيعا أو طفلا صغيرا يا حاج لما وجدنا صعوبة في تكيّفه هنا، لكنه بعمر يدرك غياب أمه ومُصر ألا يسكن قبل أن يراها الآن))
عقب الحاج يعقوب بتعنت غير مألوف فيه
((لن يرَ أمه أبدًا بعد الآن ولن أتراجع عن كلامي))
قالت رتيل معترضة تحاول تليين قلبه
((لكن يا حاج إنه يبكي منذ الأمس لأنه يريد أمه ولم يأكل شيئًا.. انظر إلى وجهه الشّاحب))
أمسكت زاهية يدي يزيد بحنو وقالت بلهجة متوسلة
((يزيد حبيبي ألم نتفق بأنك ولد كبير وعليك ألا تبكي؟ هيا كل يا حفيدي حتى تلعب مع أولاد عمك باسم وفهد))
قال يزيد من بين شهقاته التي تشق القلب
((كل مرة تَعدني الخالة رتيل بأني سأذهب لأمي وحتى الآن لم تفِ بوعدها))
طالعت زاهية كنتها بعتاب
((لماذا وعدتيه يا رتيل بشيء لن يتحقق؟))
تنحنحت رتيل قبل أن تمد يديها وتمسك يد يزيد تحثه على الوقوف
((أعطني إيّاه يا عمتي لربما أقنعه في المطبخ أن يَأكل شيئَا يسد فراغ معدته))
أومأت زاهية لها وقالت بنبرة متحشرجة
((خديه يا رتيل وحاولي معه أرجوكِ.. أملي فيكِ أنتِ))
هَدَرت رتيل وهي تغادر
((تعالي معي يا دارين))
أطاعتها دارين وسارت بجانبها هي ويزيد الذي لا تزال دموعه تتدفق على وجنتيه نحو المطبخ..
لكن دارين تَفَاجأت وهي تراها تخرج من باب المطبخ الخارجي المُطل على الحديقة الخلفية فقالت باستهجان
((أين تذهبين إلى خارج المطبخ يا زوجة عمي؟))
قالت رتيل بجمود احتلّ ملامحها منذ أن خرجت من بيت غنوة
((سنذهب به إلى أمه))
قالت دارين باعتراض
((وماذا لو عرف جديّ؟))
عقبت رتيل بحدة لها
((لن يعرف لو حافظتي على صمتك))
في هذه اللحظة خفت بكاء يزيد ورفع يده الصغيرة يكفكف دمعه وهو يلحظ أن رتيل تأخذ بيده حيثما يقع بيتهم الصغير..
بمجرد أن اقترب من البيت حتى ترك يد رتيل وهتف بصوتٍ متهدج من إثر البكاء بينما يهرول
((أمي.. أمي أين أنتِ؟))
لم تَطُل طرقاته كثيرًا حتى فتحت سمية الباب وسارعت بلهفة تنخفض وتعانقه بعد أن تسّرب الأمل من بين يديها أن تراه قريبا.. وتملكّها الحزن طيلة فترة ابتعاده عنها.. فشدّدت من عناقه وهي تهدر بألم وشوق
((يزيد حبيبي لقد اشتقت لك))
وسرعان ما اهتزّت المشاعر وانتاب سمية وابنها الإثنين نوبة من البكاء والنشيج..
في داخل المنزل ظلت سمية تعانق ابنها بحضنها الذي افتقده لأسابيع.. فكان العناق حارًا وباكيًا في مشهد عَاطفي وإنساني مُؤثر أبسط ما يمكن أن يقال عنه أنه فَطَر قلب كل من رتيل ودارين..
وما إن مرّت الدقائق الطويلة وتعب الاثنين من البكاء قالت رتيل ببرود محاولة ألا تظهر عاطفتها الحقيقية
((لم يأكل يزيد شيئًا منذ الأمس، معك فقط نصف ساعة حتى تُقنعيه أن يأكل وتطعميه قبل أن آخذه لجدته.. فقد جئت إلى هنا أنا ودارين متسللتين))
اتسعت عينا سمية لكنها هرعت بلهفة نحو المطبخ هاتفة
((حسنا.. دقائق قليلة.. سأذهب لأحضر طعامه المفضل))
أعدًّت سمية شيئًا سريعًا ليزيد ورفعت الملعقة تلقمه بنفسها بحنان..
حتى بعد ما أعلن يزيد شبعه وعدم قدرته على أكل المزيد ظلت سمية ترجوه أن يكمل الطبق حتى نهايته ويريح قلبها..
فهتفت لها رتيل باستياء
((إذا قال لك بأنه نال كفايته من الطعام فلا تجبريه على أكل المزيد، أريد أن نعود قبل أن يشعر أحد أني هرّبته من البيت))
التفت يزيد لها يقول بخوف طفولي
((لا أريد العودة هناك بدون أمي أو عمي مالك))
صححّت له رتيل بصرامة
((توقفي عن قول "عمي".. إنه والدك.. قل "أبي" له))
نَكَس يزيد رأسه شاعرًا بالذنب، فحدجت رتيل سمية بنظرات غاضبة وتمتمت بحنق
((أيها المسكين لا بد أنك كنت تعيش في إرهاب فظيع عند والدتك التي تجبرك على مناداة أبيك بـ"عمي" وحرمتك من حقك كحفيد للحاج يعقوب الكانز))
أشَاحت سمية بنظرها جانبًا والذنب يثقل كاهلها لتقول
((توقفي يا رتيل أرجوكِ.. لقد فعلت كل هذا لمصلحة الجميع))
هتفت رتيل بها باستنكار يشوبه الغضب
((وأين مصلحة مالك في أن يحرم من أن يعيش أبوته مع ابنه الوحيد إلا بالخفاء؟ وأين حق يزيد الذي عاش حياته أقل من تلك التي يحق له أن يعيشها والتمتع باسم عائلة والده وأملاكه))
وضعت سمية الطبق على الطاولة أمامها وهي تجيب بحزن خالص
((لم أكن أخطط لإخفاء الحقيقة للأبد، وإلا لما كنت أخبرت طفلي منذ صغره وقبل أن يُدرك شيئًا في الحياة أن والده هو مالك.. كل ما في الأمر أني كنت أريد أن أؤخر الأمر قدر الإمكان حتى يكبر ويُصعب نزعه مني.. فهو ما تبقى لي في هذه الحياة))
اتسعت عينا رتيل وهي تقول مستهجنة
((نزعه منك؟ من كان سيجرؤ على أخذه من والدته!))
تطلعت سمية لها بعينين تشعان عذاب وهي تقول
((تخيلي لو عرف والدا مالك بأن أصغر أبنائهم تزوج من امرأة تكبره بسبع سنوات ومطلقة؟ هل تظنين بأنهما كانا ليتقبلا الأمر بكل بساطة؟ كانا ليجبرا مالك على طلاقي ثم أخذ الطفل مني.. ثم كانا ليزوجاه من امرأة أخرى تتولى هي رعاية يزيد والاجتهاد في تربيته وما كنت لأمثل له شيء أكثر من أم بيولوجية تقتات على رؤيته بين الحين والآخر.. سيكون وقتي معه شحيح.. فقد بت وحيدة بعد طلاقي الأول ووفاة والديّ، وكان وجود يزيد بجانبي هو ما يمدني بالحياة.. الآن حتى لو أخذوه مني فلن يقدروا على نزعي من قلبه وروحه للأبد.. لن يستطيعوا أن ينفوني من حياته أبدًا))
تهكمت رتيل بمرارة
((إذن ساهمت في إخفاء حقيقة يزيد من أجلك أنتِ فقط))
قالت سمية بإصرار صوتها المهتز
((بل من أجله أيضًا فالاهتمام والحب الأمومي اللا مشروط أفضل له بكثير من مال وجاه عائلة الكانز.. لن تكون زوجة أبيه أحنّ وأكثر عطفا عليه مني))
زعقت رتيل بها بانزعاج
((لماذا تنشغلين بالتفكير في زوجة أبيه غير الموجودة بدلًا من التفكير في كيفية جعل مالك يعود ليتزوجك ثم يتقبلك الحاج يعقوب! هكذا ستعيشين بجانب ابنك دون أن تحرميه أي شيء من حقوقه!))
تحشرج صوت سمية وهي تقول
((لأن مالك يستحق الأفضل.. يستحق أن تكون عنده زوجة تناسبه ويكون هو أول رجل في حياتها))
فتحت رتيل يديها تقول وهي تتميز غيظا
((وما دخلك به! هو رجل بالغ عاقل وأدرى بمصلحته! إذا كان معمي على عينه ومضروب على عقله وقلبه ولا زال يريدك فعليك القبول أولا من أجل يزيد ثم من أجل نفسك.. لو تزوجت من مالك ستعيشين معه في كنف الرّخاء المادي وكل طلباتك ستكون مُجابة والأكثر من هذا فإنه مجنون ويحبك أكثر من نفسه))
تنهّدت سمية وهي تعقب
((مشاعره الجارفة هذه تجاهي تجعلني لا أثق فيه على الإطلاق.. لأني في سابق العهد كنت متزوجة من كامل الذي عندما رفض والديّ في البداية طلبه للزواج مني بسبب ضيق حاله المادي حاول الانتحار.. وعندما تزوجته أهداني الحب والاهتمام بغير حساب وهون عليّ بطش والدته سيئة الطباع.. لكنه خذلني في النّهاية بعدما هجرني وعلّق زواجي ثم تخلّى عني وجعلني أعيش أيامًا عصيبة بسببه! بسبب كامل عشت الانتكاسة والإحباط وانطويت على نفسي))
هدرت رتيل بخشونة
((لا تقارني مالك بكامل..))
ازدردت سمية غصة مسننة قابعة في حلقها ثم هدرت
((رغم أن مشاعري التي أكّنها لمالك أكبر من أن تقارن بمشاعري الباهتة والبسيطة التي كنت أحملها لكامل في الماضي، لكن الفوارق التي بيني وبين مالك تجلب لي ذلك الشعور، نعم أنا أشعر على طول الخط أنه بعد زواجنا لن يختلف عن كامل.. هذا الإحساس لا يفارقني، لقد بات الهدف الذي أتمنى بلوغه بطريقة لا شعورية.. نعم يتبادر إلى ذهني أنه لو صدق حدسي سأهنأ بحياتي ولن أنتظر بعدها المصير المجهول الذي يتربّص بي))
رفعت رتيل يديها تمسح وجهها ثم غمغمت ممتعضة
((سمية أنتِ لست نكدية وحسب! بل معقدة ومريضة! لو كنت مكانك لأسرعت في الزواج من مالك قبل أن يدرك أية مصيبة وبؤس سيق فيه عند زواجه منك!))
زمّت سمية شفتيها ثم قالت بصوت مشتد حزين
((أحاول أن أتخلص من هذه الأفكار لكنها تأبى مفارقتي وتفرض عليّ الرغبة في أن يكرهني مالك لأرتاح من التفكير في أمر نتيجته حتمية))
قاطعتها رتيل حانقة بنفاذ صبر
((سمية أنا لست مصلحة اجتماعية لأعرف ما الذي يجب أن أنصحك به.. لكن عليك أن تتخلصي من هذه الأفكار، عليك أن تتعلمي أن تطلقي العنان لمشاعرك المكبوتة وتتزوجي مالك وتعيشي حياة بسيطة معه بعيدا عن فلسفتك! إذا ما
حدث وأصبح مثل كامل بإمكانك ببساطة أن تفترقي عنه ولن تخسري شيئا.. الحياة متعتها بالمغامرة والتجربة))
ثم استقامت واقفة من مكانها تقول آمرة ليزيد باحتدام
((هيا يا يزيد لنغادر الآن))
أبدى يزيد اعتراضا وهو يتمسك بخوف بأمه متمتما
((لا أريد الابتعاد عنك يا أمي.. لقد اشتقت لأبي أيضًا))
تنّهدت سمية وهي تجتذب ابنها إلى صدرها تضُمه بقوة.. تقبل أعلى رأسه وتمسد ظهره بحنو هادرة
((يزيد حبيبي اذهب مع خالة رتيل وهي ستأتي بك الى هنا معها بين الحين والآخر.. أعدك، لكن حتى يتحقق ذلك عليك أن تكون مطيعا))
ابتعد عنها والدّموع تترقرق في عينيه فدغدغته سمية بحركة مفاجئة ليتصاعد صوت ضحكاته الصبيانية التي خطفت قلبها وهي تذكرها بمثيل لها لكن أكثر نُضجا وأقل أريحية..
عادت سمية تضمه لمرة أخيرة بحنان هامسة له
((لا تحزن يا حبيبي هو وضع مؤقت، أهم شيء ألا تبكي وألا تتعب خالة رتيل وجدّيك))
أبعدته عنها وقبلتّه على وجنتيه تتمتع بذلك الدفء.. فرفع يزيد وجهه يلثم وجنتها وهو يقول بطاعة
((حسنًا يا أمي..))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-21, 12:06 PM   #3956

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

منزل عائلة سهر..
غرفة نوم سهر وشيرين..
قُبيْل الفجر..
تململت شيرين في نومها على صوت سهر المكتوم والمنخرطة ببكاء مرير..
اعتدلت شبه جالسة مكانها وهي تفتح إحدى عينيها الناعستين بينما تناظر سهر تحدق في شاشة هاتفها المنبعث منه نور خافت..
لا بد أن النوم في الأمس لم يعرف طريقه إليها حيث قضت ليلتها تتقلب في فراشها..
فركت شيرين عينيها وحطت قدميها أرضًا ثم جلست بجانب سهر التي جفلت على اقترابها..
مالت شيرين برأسها لهاتف سهر لتلاحظ أن الح-م-ق-ا-ء كانت تحدق في صورة قصي تشبع نظرها من وجهه فغمغمت بقهر عليها
((قصي سامح ذاك المخادع..))
أغلقت سهر هاتفها واعتدلت جالسة وهي تضيء المصباح الخافت فوق المنضدة الملاصقة لسريرها لتقول
((أنا فقط لا أستطيع تَقبل انتهاء كل ما بيني وبين قُصي والمضيّ قُدمًا دون وجوده في حياتي، أكثر من فكرة خداعة لي))
لامست شيرين وجنتها بحنو وهي تقول
((أنا أتفهم ما تَمُرين به))
انعقد حاجبي سهر وهي تقول بألم جعد ملامحها الناعمة
((لا أنتِ لا تفهمين يا شيرين.. كل ثانية تمر عليّ أنشغل بها بالتفكير بقصي، ولا أستطيع تقبل فكرة إبعاده عن حياتي.. الاشتياق له يفترسني.. لقد نجح خلال السّنوات الثلاث أن يجعلني مدمنة عليّه.. أفسدني دلالًا إلى حدّ أشعر بأني لن أكون صالحة لرجل غيره.. لن يأتي رجل شبيهًا له ويفعل حتى نصف ما كان يفعله قُصي في حياتي))
تغضّن جبين شيرين وهي تقول بإصرار
((بالتأكيد الأمر ليس سهلا أبدًا خاصة وأنك اعتدتِ عليه وبنيت الكثير من الآمال التي تخص مستقبلك وحياتك معه.. لكن مُجملًا فلا وجود لرجل يمضي كل ثانية في حياته في تدليل امرأته، قُصي كان يفعل ذلك بهدف استمالتك وكسب رضاك حتى يحصل على ثروة عائلتك.. الرّجال كلهم من نفس الطينة، وكل شيء متوقع منهم.. حتى لو بدا في البداية رجل مراعي ومحب ومتفهم لكنه بالتأكيد لن يظل هكذا للأبد.. سيأتي يوم عليه ويتحكم به العرق "الكلابي" ويفعل ما يفعله باقي الرجال من أحقر الأفعال.. لكن من الآن فصاعدًا عليك ألا تتعلقي بأحد كوني مستعدة لرحيله يا سهر))
خفت شيء في بريق عيني سهر وهي تقول بصوتٍ لا حياة فيه
((لا زالت فكرة أن كل ما كان يقوله لي ويفعله من أجلي كذب صعبة التّصديق.. تخيّلي أن الرجل الذي بَنَيت عليه أحلامي قد تبخّر فجأة.. وأن كل المشاعر التي كان يُظهرها لي ما هي إلا أوهام))
أكّدت لها شيرين
((لكن هذه الحقيقة التي عليك تصديقها.. ولا تَغررك كلمات الغزل المعسولة ولا نظرات الوَلَه إن حاول إقناعك بغير ذلك لاحقًا))
قوّست سهر حاجبيها تقول بإصرار ونبرة باترة
((بالتأكيد لن أسمح له أن يعود لحياتي مجددا، الأمر فقط أنه من الصعب عليّ أن أتحمل حجم الألم الذي سببه لي عندما اكتشفت أني كنت أعيش معه حياة وهمية، فأنا لا زلت أحمل بعض المشاعر له بعد خطبة ثلاث سنوات، خلالهم سافرنا معا.. حلمنا معا.. قضينا وقتنا معا!))
لَانَت ملامح شيرين أما سهر فارتجف جسدها بشهقات بكاء خافتة كأنها لا تصدق أنها أخرجت ما بداخلها هكذا وهي التي لم تشعر في كل حياتها بحزن كهذا!
جذبتها شيرين لصدرها ثم ربتت على شعرها الذهبي قبل أن تجفل على صوت هاتفها يصدح بوصول رسالة..
بهدوء امتدت يدها تتناول هاتفها دون أن تتوقف عن احتضان سهر التي سألتها ((من هذا؟))
تشدّقت شيرين بمرارة
((إنه وليد.. يرسل لي بعض الرسائل التّهديدية من حين للآخر، لا بد أن عمه تحدث معه مجددا حتى يطلقني بدون مشاكل))
لكن من داخلها كان يَجتَاحها شعور مُريب عن سبب هدوء وليد وعدم اتخاذه حتى الآن أي ردة فعل مألوفة بأفعاله وفكره الإجرامي!


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-21, 12:07 PM   #3957

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في الليل..
كانت نورين متمددة فوق سريرها في مكان خال من المُلهيات والصوارف التي تُعيقها أو تقطع عليها تركيزها خلال القراءة.. قبل أن تغلق الكتاب وتقول بحماس
((لقد ختمت الرواية أخيرا..))
تطلع مصعب الذي كان يرتشف من كوب الشاب أمامه ويتصفح هاتفه بطرف عينه لها متسائلا
((أي رواية؟))
شهق مُصعب وهو يكمل متذكرًا
((أوه صحيح الرواية التي أعطيتها لك.. لقد نسيت أمرها فقد كان قبل فترة طويلة))
قالت له وهي تعيد خصلة شعر خلف أذنها
((في الفترة التي تَشَاجرنا فيها لم أستطع القراءة فأنا لا أحب القراءة عندما أكون في حالة عصبية منفعلة.. القراءة هي أمر مقدس بالنسبة لي ولها أجواء معينة لا أستطيع التخلي عنها.. لذلك تأخرت في إنهائها..))
أومأ لها للحظات بشرود ثم سألها باهتمام
((هل الرواية جيدة؟))
قالت له بجدية دون أن تنحسر ابتسامتها
((نعم.. إنها عبارة عن قصة واقعية لإنسان فعل المستحيل من أجل الحصول على حريته وحرية شعبه.. الرواية تأخذك بأحداثها إلى عالم آخر مليء بالسّحر والغموض الحزن والآلام وصولا إلى الحرية))
بادلها الابتسامة وهو يقول
((سعيد لما أسمعه منك))
((إنها حقا يا مُصعب رواية ممتعة جدًّا رغم أنه لا يوجد بها جانب رومانسي.. لم تترك صنفا من البشر إلا وطرحته.. فيها المتدين والملحد.. المجنون والعاقل.. الوضيع وصاحب الأخلاق.. المظلوم والظالم.. ناهيك عن أسلوب السرد المشوق المثالي والوصف الدقيق الذي ينقلك لعالم الرواية الذي لا يمل))
((نعم فقد عمد الكاتب على عدم ذكر أي زمن أو دولة بعينها.. مجرد أحداث تعود لما بعد أواخر القرون الوسطى في دول أوروبية وعربية بأسماء وهمية))
((ما هي جنسية الكاتب؟))
((كاتب عَربي مُلم في اللغة العربية وسبق وقرأ المئات من الكتب التي تخص ما بعد العصور الوسطى في الدول الأوروبية))
ضيّقت عينيها واقتربت منه تقول برجاء ودلال
((ألن تخبرني من هو الكاتب؟))
تنّهد واعتدل جالسًا وهو يجيبها
((إنه ابن عمي يحيى..))
لفّها الذهول قليلا وهي تقول متسائلة بخفوت
((هل تقول الصّدق؟))
شَاب صوته شيء من الشًّجن وهو يقول
((نعم.. كتب هذه الرواية وكان يريد نشرها.. لكن دار النشر رفضت لأن أحداثها كانت مختلطة بين دول عربية وأوروبية وهمية، كانت تريد منه تغيير بعض الأمور.. لكنه رفض فامتنع عن نشرها.. وتوفى قبل أن يحاول مع دار نشر أخرى رحمه الله.. لذا أفكر بأن أحاول عرضها على دار نشر أخرى مرموقة قريبا.. أهديت لروحه الراحلة الكثير من الصدقات الجارية على حسب ما تسمح لي مدخراتي وراتبي الشّهري وأبي أيضًا لم يقصر.. لكن سأحب أيضًا أن أنشر له هذه الرواية))
تألقت ابتسامة نورين بحنو وهي تقول بينما تمسك كفه وتشبك أصابعها بأصابعه
((هذا مذهل.. هل تحب أن تتحدث معي عن ابن عمك؟))
مال برأسه يلثم أرنبة أنفها ثم قال بصوتٍ أجش
((نعم سأحب ذلك يا عفريتة.. لكن لاحقا.. ليس الآن))
أومأت له موافقة بتركه عند رغبته وهي تقول له بعينين تتوهجان حبًا
((حسنًا يا أميري كما تريد))
نَكَس مُصعب رأسه وأطلق نَفَسا حارًا ثم ناظر عينيها اللامعتين وهو يقول
((إذن.. ما رأيك أن نخرج الآن لنتمشى؟))
اتسعت عيناها وطالعت ساعة يدها لتقول بدهشة
((إنها الثانية عشرة ليلًا! معظم الناس نائمين والظلام الدّامس منتشر في الخارج))
اعتدل واقفا من مكانه على السرير بينما يحثها بحرارة ولهفة
((لن نبتعد كثيرًا سنسير في الأرجاء حول البيت.. هيا))
جلب عباءة لها رماها عليها فاستجابت له تحت طاعة القلب..
في خارج المنزل حيث الظلام الدامس منتشر لا ينير المكان إلا ضوء القمر الواهي وقد انقشعت عنه السّحب بدأ الاثنان يتمشيّان بهدوء جنبا لجنب بحميمية..
تنهّدت نورين بعمق وهي تقلب وجهها في السماء فينعكس ضوء القمر الخافت على وجهها ويضيئه بينما تسمع صوته الأجش يقول
((هل تعرفين بأن أبي كان يمنعنا من الخروج بعد صلاة العشاء حتى بعدما كبرنا؟ عندما كنت في الجامعة أتذكر بأني اضطررت أن أطيل الّرٌّجاء له حتى يسمح لي النوم عند ابن عمي رحمه الله.. ولأن عمي أبعد ما يكون عن صرامة أبي كنّا لا نبيت في منزله ونخرج مع باقي أصدقائنا طوال الليل، وكله دون علم والدي.. فلو علم بأن الأيام التي كنت أدّعي بها النوم في دار عمي قد كنت أتسكّع بها في الخارج لما سمح لي أن أكررها))
ناظرته ومالت شفتاها بجمالِ دافئ رغم ارتجافهما من البرد وهي تسأله مبتسمة
((حتى بعدما تخرجّت وبدأت تعمل يمنع نومك في الخارج؟))
همس لهل بجدية
((نعم حتى بعدما تخرجت وبدأت أعمل.. هناك ليالي لا أعود فيها للمنزل إلا بعدما يحل الصباح ولا يبدي أي ضيق لأنه يعرف بأني أكون في المشفى أعمل.. لكن إذا ما عرف بأني أريد قضاء الوقت في الخارج في يوم إجازتي يسارع بالمنع بصرامة))
تغضّن جبينها بحنق لذيذ وهي تقول معترضة
((لكن ألا تحلو خروجاتك مع أصدقائك إلا في الليل؟))
قال لها بنبرة خاصة
((أتذكرين مزرعتنا البعيدة التي تحوي البركة؟ كنا نجتمع في مكان أبعد منها بقليل اكتشفته أنا مع أصدقائي للشواء والمبيت نتسامر.. إنه مكاننا السّري وفيه عشت أجمل ليالي حياتي في العشرينات.. لكن للأسف لم يجتمع أحد منا هناك بعد وفاة ابن عمي))
تأملت وجهه لتقول بتردد
((كنت أريد أن أطلب منك أن تأخذني هناك يوما ما في الليل.. لكن أظن بأنك لن ترغب في السهر هناك مجددا))
عقد حاجبيه يقول
((ومن قال ذلك؟ على العكس يمكنني الذهاب بك هناك وربما المبيت معك أيضًا لكن ليس الآن))
سألته بلهفة طفلة وإلحاح
((متى ستأخذني هناك إذن؟))
مالت زاوية ثغره بابتسامة وهو يقول
((لا أدري.. ربما عندما تتحسن علاقتك معي أكثر))
ادعّت الحنق وهي تقول متذمرة
((تتحدث كأني أعاملك معاملة زوجة الأب! أنا أعاملك مثل الأمراء))
‏انفرجت منه ضحكة رققت من ملامحه وجعلتها تبتسم في وجهه بمرح لتدس كفها في جيب معطفه المنزلي الصوفي..
بينما هو يخطط قريبا لأن يطلعها على مكانهم السّري الذي اكتشفه.. حيث حدوده أرض لا نهاية لها..
تطلّع مُصعب جانبه لملامحها الشّاردة دون أن تنتبه يفكر بأنه لم يتخيل أبدًا أن تكون المرأة التي رُتب لزواجها به بمحض الصّدفة تشبهه دون مجهودٍ يُذكر.. وقبل حتى أن تتعرف عليه!
سألته أخيرا نورين بشقاوة
((هلا سألت أخاك ماذا يحب أن يأكل على الغداء غدا؟))
تنهد مصعب بثقل عند ذكر سيرة أخيه المتشرد ثم قال
((أخبرني مالك وأصر عليّ ألا أرسل له طعام فهو يدبر نفسه جيدا، لكن مع ذلك احسبي حسابه بالطعام كالعادة غدا وانا سأرسله للفندق الذي يمكث فيه.. فقط لو أن هذا العنيد يصغي لي ويعيش عندنا فغرفة الضيوف هنا شبه منفصلة عن البيت ولن يضايقنا أبدًا وجوده))
وافقته نورين متمتمه
((معك حق مكوثه في الفندق طول هذا الوقت هو فقط إهدار لماله))
=======


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-21, 12:08 PM   #3958

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

شركة القاني..
مكتب مدير القسم..
حاولت شيرين أن تتحلى بالهدوء رغم اهتزاز أنفاسها المنفعلة.. ثم قالت بانضباط منفعل أمام طه الذي يجلس على كرسي أمامها منكس الوجه كأنه طالب مراهق أذنب
((ركز معي أرجوكَ يا طه، وأخبرني من شتم العميل عندما كان يتحدث معك؟))
أغمض طه عينيه وهو يزدرد ريقه.. يشتم قصي بأفظع الشتائم على الموقف الذي وضعه فيه..
لكن نفسه تمنعه أن يشي به حتى لو ترتب عن الأمر أن يُطرد وهو في أمسّ الحاجة لهذه الوظيفة.. ففتح عينيه يقول لشيرين بصوتٍ واهن
((لقد شتمني العميل فقمت أنا بشتمه بأمه، أنا آسف يا شيرين))
ضربت شيرين الأرض بقدمها بغضب مستعر ثم قالت له منفلتة الأعصاب
((لقد استمعت للمكالمة المسجلة، لقد شتمك العميل وقمت بتنبيهه أن يتوقف أو ستغلق المكالمة إذا استمر بتجاوز نطاق المكالمة، لكن بعدها جاء صوت موظف آخر يأخذ عنك زمام المكالمة وهو من قام برد أفظع الشتائم للعميل قبل أن يغلق الخط في وجهه.. هيا أخبرني من هو هذا الموظف الآخر؟))
شعر الموظف بأنه مُحاصر فرفع يده يخفف من ربطة عنقه ثم قال باختناق
((أنا آسف إنها غلطتي.. ما فعله الموظف الآخر كان بسببي فحاسبيني أنا حتى لو ترتب عليّ الأمر أن أطرد))
تقبّضت يد شيرين وقالت من بين أسنانها المطبقة
((الأمر لن يتوقف على طردك وحسب.. فالعميل قام بالتواصل مع أصحاب الموقع الإلكتروني ويطلب تعويضا ضخما مقابل عدم نشر المكالمة التي سجلها، وبالتالي فأصحاب الموقع وشركة القاني على حد سواء سيقومون بمقاضاة الموظف الذي شتم العميل بهذه الألفاظ النّابية، فلا تنهي مستقبلك المهني من أجل موظف آخر))
شَحَب وجه طه لما يسمعه فشعرت شيرين بأنها نجحت في إقناعه بالبوح باسم الموظف الآخر رغم أنها لم تبالغ فيما قالته فقالت مُلحة
((هيا أخبرني الآن من هو هذا الموظف! فأنتَ لن تكون تحتمل أن يسجنوك ويقاضوك لذنب ليس لك علاقة به))
نكّس طه وجهه الذي يفيض بالذّنب والخوف من القادم وهو مستمر برفض الإدلاء عن قصي..
خَلَع مدير القسم نظارته ثم ضرب بكفه القوية فوق الطاولة وهو يقول بنفاذ صبر
((شيرين لا فائدة من تضييع الوقت مع طه، اتصلي بالقسم المختص وانظري إذا ما انتهوا من مراجعة المقاطع التي سجلتها كاميرات المراقبة في نفس الوقت الذي تمت فيه هذه المكالمة لنعرف اسم الموظف الذي وقف خلف طه وشتم العميل.. علينا أن نعرف اسم الموظف ونقوم بكل الإجراءات اللازمة معه قبل أن يتحاسب القسم كاملا عن خطئه الفادح هذا..))
بتر مدير القسم كلامه عندما صدح رنين هاتفه عاليًا فتناوله ليجيب على الاتصال..
وبين لحظات صمت وإجابات بنعم أو لا.. ازداد امتقاع وجهه قبل أن يغلق الهاتف ويتهدل كتفيه وهو يقول
((لقد قام الموكلون وأصحاب الموقع الإلكتروني بسَحب الحساب كاملا من شركة القاني وبالتالي قسمنا كله انتهى ولم يعد له وجود هنا..))
شَهق طه بصدمة أما شيرين فازدردت لعابها بصعوبة وهي تقول بلا تصديق وفجيعة
((يا إلهي! هل حقا قاموا بسحب القسم كاملا من هنا؟ لكن هناك أكثر من ثلاثمائة موظف يعملون في هذا القسم، ماذا سيحل بهم؟ هل سيطرد الجميع؟))
تجمّد الدم في عروق طه عندما قال مدير القسم ببهوت وهو يمسد ما بين عينيه
((نعم فمعظمهم يعملون بدوام جزئي يتجدد شهريا.. لذا لن يتم التوقيع على العقد الجديد لأي واحد منهم.. أما الموظفون القدامى ممن تم التعاقد معهم بدوام كامل وثابت سيتم نقلهم لأي حسابات أخرى بالشركة.. ستكون خسارة فادحة لشركة القاني بسبب خطأ موظف تَافه))
في هذه الأثناء توجه قائد الفريق معتز مُهرولا إلى مكتب مدير القسم بعد أن كانت قد طلبته شيرين بصورة مستعجلة..
بمجرد أن وصل لاهثا للمكتب حتى دخل ولفّه الاستغراب وهو يطالع وجوه الثلاثة الشاحبة الممتقعة فتقدم بقلق متسائلا
((شيرين لقد عرفت توًا بأن هناك أحد الموظفين قام بشتم عميل بألفاظ نابية وأن العميل تواصل مع وكيل الموقع الإلكتروني.. مُجملًا من المستحيل أن يقوم أحد الموظفين العاملين تحت إدارتي وفريقي بشتم العميل بأمه على الهاتف فلا أدري لم أخبرتني أنا بالذات من بين كل قادة الفرق أن أحضر))
أغمضت شيرين عينيها للحظات شاعرة بانقباض صدرها.. ثم عكفت حاجبيها مغمغمه بسخرية فظة نابعة من قهرها وهي تشير للموظف الجالس
((ناديتك لأن الموظف طه يعمل تحت إدارة فريقك.. لكن لا داعي للخوض في المزيد بهذا الحديث يا معتز فوكيل الموقع الإلكتروني تواصل مع شركة القاني الآن وقاموا بالفعل بسحبه من شركة القاني إلى صالح شركة اتصالات أخرى.. أكثر احترافية..))
جحُظت عينا معتز وهو يقول بصدمة
((قاموا بسحب الموقع الإلكتروني من شركتنا.. ماذا يعني؟ هل فقدنا هذا القسم كاملا؟ أتعنين بأن شركة القاني فقدت قسم يعمل فيه ثلاثمائة موظف))
هزّت شيرين رأسها له بإيماءة لا حياة فيها فضرب معتز كفيه ببعضهما بغضب مشتعل في داخله ثم قال بانفعال
((عليهم أن يحاسبوا قائد فريق ذاك الموظف قبل أن يحاسبوا الموظف نفسه.. أريد الآن أن أعرف من هو قائد فريق الموظف.. أريد اسمه))
سخرت ملامح شيرين لترد باستهزاء
((فلنعرف أولا اسم الموظف قبل أن نعرف قائد فريقه يا معتز))
وفي هذه اللحظة جاء شيرين اتصال مُتأخر من القسم المعنى بالمراقبة فردّت على الاتصال بفتور وسرعان ما كادت عينيها تخرج من محجريهما وهي تتلقى اسم الموظف الذي قام بإهانة العميل وشتمه!
أغلقت شيرين المكالمة التي لم تستمر لأكثر من دقيقة وطالعت بوجه محتقن غاضب كل من مدير القسم وقائد الفريق معتز ثم همست من بين أسنانها المطبقة وعينيها تطلقان شرارات خطرة
((القسم المعنى قام بمراجعة الكاميرات واسم الموظف الذي أخذ السّماعات من طه وأكمل المكالمة مع العميل بأسلوب سوقي وشوارعي هو.. هو قُصي.. قٌصي سامح))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-21, 12:09 PM   #3959

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في المدينة..
في منزل غنوة..
جلست رتيل متمددة فوق إحدى أرائك صالة غنوة وهي تقول بصوتٍ مجهد
((لقد أخبرتك يا غنوة عن الأحداث الأخيرة التي حصلت عندنا واكتشافنا بوجود ابن لشقيق زوجي، لقد مرّت العائلة بوقت عصيب.. وأنا تعبت كثيرًا وبالكاد استطعت أن أقنع مؤيد وأمه بأني بحاجة للذّهاب عند أمي.. وافقت حماتي على مضض بعد أن ألزمتني أن أعود في الغد فيزيد ليس معتاد إلا عليّ أنا ونجوم))
أظهرت غنوة التعاطف المتكلف لها وهي تقول
((أعانك الله يا حبيبتي رتيل..))
تطلعت رتيل لها بحماس وقالت
((المهم يا غنوة بما أني لن أستطيع أن أبقى عندك طويلًا مثل كل أسبوع وعلى أن أعود في الغد، إذن أرغب في أن أعيش لحظات لا تُنسى اليوم.. مثلا لنذهب إلى متحف أو نشاط ثقافي.. تعرفين عشقي للتاريخ والفن))
لمعت عيني غنوة بمكر..
هذه فرصتها لما خططت له منذ زمن مع دموع! تنحنحت وهي تقترب منها ثم قالت
((حسنا سأذهب لتفقد صحيفة اليوم أو ربما الإنترنت.. لا أظن بأن هناك شيء مثير للاهتمام.. أوه لا مهلًا..))
ادّعت غُنوة التذكر فجأة ورفعت سبابتها وهي تكمل
((نحن في موسم المهرجانات، كثير من المدن في بلادنا تقدم هذه الأيام تذاكر مُخفضة لحضور الفعاليات الثقافية والغنائية التي يمكن أن نذهب لها معا))
عقدت رتيل حاجبيها وعقبت
((غنوة أيتها السخيفة كم من مرة عليّ أن أخبرك ألُا تقلقي من مسألة المال أبدًا! ماذا سأفعل بكل هذه الثروة التي آخذها كمصروف من مؤيد إذا لم أنفقها على نفسي وعليك في مثل هذه الأمور؟ هل سأدفن مالي معي عندما أذهب لقبري؟))
اتسعت ابتسامة غنوة وهي تخبرها
((حسنا إذن سنذهب لمهرجان جميل سيقام في العاصمة الليلة))
تغضن جبين رتيل بالاعتراض وهي تقول
((العاصمة؟ لكن سيأخذ الطريق من مدينتنا للعاصمة ساعتين ذهابا وساعتين إيابا وربما أكثر بسبب الازدحام، لن نصل إلا بعد منتصف الليل))
لكزت غنوة رتيل بكتفها ثم قالت معاتبة بدلال
((وماذا فيها لو عدنا للبيت بعد الفجر؟ هل نسيت أيتها الغبية بأنك تبتين هنا في بيتي؟ وأنا لا يوجد عندي أي قواعد صارمة بخصوص موعد العودة))
اعتدلت رتيل جالسة وقالت على مضض
((ولكن أنا يا غنوة..))
قاطعتها غنوة بحزم
((لا أريد أي اعتراض يا رتيل..))
أومأت لها رتيل مستسلمة وشعور من عدم الراحة يتسلل لها..
صحيح بأنها تكذب على مؤيد وتخون ثقته في الخروج لبيت غنوة بدلا من بيت أمها.. لكنها لم يسبق وأن خرجت في الليل عندما تمكث عند غنوة.. فكيف عندما تعود هنا وقت الفجر!
قَسَت ملامح رتيل فجأة وخففت من شعورها بتأنيب الضمير والندم بما تفعله في تذكر أن مؤيد يتسكّع مع نساء غيرها في المدينة ويراسلهن على الهاتف أحيانا..
خرجت رتيل من شرودها وغرقها على صوت غنوة تقول
((سأذهب للمتجر لشراء بعض الوجبات الخفيفة والتسالي، هل أجلب لك معي أي شيء آخر؟))
استقامت رتيل من مكانها تجلب شيئا من حقيبتها وتقول
((غنوة اعتبري البطاقة ملكك وأنفقي على ما تشائين منها، لا زلتي تذكرين الرقم السري ها؟))
لَمَعت عينا غنوة بلهفة وزهو وهي تتناول منها البطاقة..
تلك البطاقة الائتمانية هي أجمل شيء في قدوم رتيل عندها!
التقطت غنوة البطاقة من رتيل وقالت بحسرة
((ليتك يا رتيل تُطلقين من أستاذ مانع وتعيشين معي للأبد))
تنهدت رتيل ببؤس وقالت متذمرة
((معك حق! لماذا لا أستطيع أن أعيش معك للأبد.. لماذا لا أستطيع زيارتك إلا ثلاثة أيام وليلتين كل أسبوع أو أسبوعين فقط! أنا أحلم بالطلاق منذ سنوات من مؤيد لأتحرر مثلك..
لكن ما يمنعني عنه أن طلاقي يعني عودتي عند بيت عائلتي وأنتِ تعرفين كيف كانوا يقمعوني ويحدّوا من حريتي قبل زواجي فما بالك بعد طلاقي!))
صمتت رتيل للحظات ثم سألتها بصوتٍ محايد
((غنوة أريد أن أسألك سؤالا شخصيًا))
حثّتها غنوة أن تتابع وهي تلامس البطاقة البنكية
((اسألِ يا رتيل نحن أخوات.. اسألي كما تشائين))
لفّ التردد رتيل قبل أن تسألها
((لماذا تطلقت من زوجك يا غنوة؟))
قَتمت ملامح غُنوة عند ذكر زوجها السابق ثم أجابت
((كنت أريد الطلاق منه منذ أول يوم تزوجت به، فقد تزوجته عندما كان عمري فقط سبعة عشر عامًا))
شابت الحيرة وجه رتيل لتشرح غنوة لها
((لقد كان غولًا بشكل حرفي، أول ليلة بيننا قام حرفيّا بمعاشرتي بشكل عنيف، كان الأمر فظيعا لدرجة جعلني أرتعد خوفًا كلما طلبني للفراش.. لكن في إحدى المرات حاولت دفعه بقدمي فكسر إحدى عظماتي..))
فغرت رتيل شفتيها وشهقت مما سمعته وتوجّع قلبها عليها، لكن غنوة هزت كتفيها ثم تابعت
((الح-ق-ي-ر حتى لم يقبل أن يصطحبنِي للمشفى وجعل إحدى جارات والدته التي تعمل كحكيمة أن ترجع عظمتي إلى مكانها))
سألتها رتيل وملامح الألم تعُم فوق روحها وقلبها
((ألم تخبري عائلتك؟))
أجابتها غنوة ببرود
((أخبرتهم وأشَادوا على ما يفعله فهو رجل ومن حقه ذلك))
اتسعت عينا رتيل وتساءلت بصدمة
((إذن كيف طلقّوك منه!؟))
رسمت غنوة ابتسامة مريرة وهي تجيبها
((ذاك الغول الجشع قام بالتلاعب في أموال أبي فقد كان يعمل محاسبا في متجره مما جعل والدي يطرده ويُطلقني منه))
تمتمت رتيل بخفوت
((صحيح أن مؤيد إنسان غير متحضر وشخصيته المتزمتة والمتخلفة بعيدة كل البعد عن عالم الفكر، لكنه أهون من زوجك السابق))
قالت غنوة بامتعاض
((بالتأكيد أهون فزوجي السابق كان محبطا ولا يريد مني إلا أن أطهو وأدفئ فراشه.. دعينا ننهي هذه السيرة الكئيبة ونجهز للمهرجان الذي سنذهب له اليوم))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-21, 12:11 PM   #3960

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي





منزل عائلة سهر..
دلفت شيرين للمنزل ثم توجهت لغرفة النّوم بوجه مجهد.. أغلقت الباب خلفها تناظر سهر التي كانت شاردة النظر في جهاز حاسوبها المحمول..
كانت تبدو وكأنها في عالم آخر.. عالم المرارة والفقد.. عالم يسوده الأسود والكآبة وقد غادره كل ما هو جميل..
تنحنحت شيرين تنبهها على حضورها مما جعل سهر تجفل وتتطلع لها متسائلة بصوتٍ واهن
((هل جئت الآن يا شيرين!))
ابتسمت لها شيرين بتشنج ثم قالت ساخرة
((كيف حال الباربي الجميلة؟))
عاتبتها سهر بحنق
((هل هذا وقت مناسب لمزاحك ثقيل الدم؟))
وضعت شيرين حقيبتها فوق السرير ثم قالت
((بل جئت لأخبر الباربي بأن خطيبك السابق الذي اتضح أنه مخادع ومزيف بسببه سيخسر ثلاثمائة شخص وظائفهم في شركة القاني.. لكن بالطبع أنا لن يمسّني شيء لأني قدمت طلبًا لنقلي إلى فرع العاصمة وتم الموافقة عليه رغم أنه سيضعني في منصب أقل))
أخذ الخوف كل مأخذ من سهر وهي تتساءل
((ماذا فعل قصي؟))
رسمت شيرين تلك الملامح السخيفة وهي تقول من فيض المرارة والقهر
((قام بشتم عميل بأمه.. فوصلت المكالمة للوكيل وسحب الموقع الإلكتروني كاملا من شركة القاني.. لكن لا تقلقي بالتأكيد ستقوم شركة القاني بالإضافة لشركة الوكيل برفع قضية على قُصي، مستقبله ومستقبل عائلته انتهى.. ستكون نهاية إنسان مؤذي ومخادع مثله السجن بإذن الله))
فَغَرت سهر شفتيها ونظراتها الباهتة تحمل الصدمة والمزيد من خيبة الأمل.. سرعان ما امتلأت عيناها بالعبرات وعضت شفتيها للحظات تمنع رجفتهم..
ثم قالت معاتبة شيرين بصوتٍ متحشرج
((كيف تدعين عليه بالسجن يا شيرين هكذا!؟))
كتّفت شيرين كفيها وقالت ممتعضة
((لأن ضرره هذه المرة طال غيره))
تساءلت سهر بشيء من التردد وبدت أنها لا تهتم إلا بقصي
((وماذا سيحدث له الآن؟))
تطلعت شيرين لسهر بشرر وقالت
((تتحدثين كأنه لم يخدعك لمدة ثلاث سنوات! لكن هل تعرفين ما المشكلة الآن؟ بأن ما فعله لم يؤذك أنتِ وعائلتك فحسب بل طال ما يقارب ثلاثمائة موظف في شركة القاني.. هل تعرفين بأنه ورغم تدنّي الرواتب التي تعطيها شركة القاني للموظفين إلا أن الكثير منهم يعتمدون على هذا الراتب بشكل أساسي للإنفاق منه على أسرهم!))
ازدردت سهر ريقها ودمدمت
((إنه أمر فظيع.. يبدو بأنه ليس هناك أي شيء قد يفعله قُصي سيخفف عليه وطأة عقاب ما فعله؟))
بدأت شيرين تتحرر من حجابها وهي تقول بإنهاك
((وما أدراني!؟ لا يغرنّك دراستي للمحاماة.. فأنا لم أمارسها بعد تخرجي ولا دقيقة.. لكن بالتأكيد سيطالبونه بدفع الكثير من التعويضات للشركة وفقير مثله لن يقدر على ذلك فسيتم الزجّ به في النهاية في السجن))
تطلعت سهر بانشداه نحو شيرين وهي تتساءل باهتمام ولهفة
((هل تقصدين أن تقولي بأنه لو قدر أن يدفع التعويضات للشركة سيخفف من حكمه في السجن أو قد لا يدخله!))
قوّست شيرين حاجبيها ورشقت سهر بنظرات قاتمة وهي تقول بصوتٍ خطير
((ما الذي تفكرين به يا سهر؟ إياكِ إياكِ أن تقولي بأنك قد تدفعين عنه المال حتى تنقذيه))
هزت سهر رأسها نافية ثم ردت
((لا يا شيرين لن أدفع، لكنه كان طوال السنوات الماضية ينفق الكثير من المال على الهدايا الباهظة والفخمة التي يجلبها لي ولأمي.. وبما أننا سنفسخ خطوبتنا يجب عليّ أن أعيدها كلها له.. هذا حقه.. ساعة الألماس وحدها التي أهداها لأمي تساوي ثروة صغيرة.. أنا في كل الأحوال كنت سأعيدها وأتخلص من كل هداياه المعنوية فما بالك تلك الباهظة؟))
رفرفت شيرين بعينيها ثم قالت بحيادية
((صحيح أتذكر بأنه جلب لأمك أكثر من مرة مجوهرات تساوي كل واحدة منها مبلغ ضخم.. لكن السؤال هنا من أين جاء بالمال ليشتريها؟ أعني لو كان يملك المال ليشتري مثل هذه الأمور فلم الحاجة لأن يخدعكم ليستولي على ثروتكم!))
رفعت شيرين كلتا يديها تبعثر شعرها الأسود وهي تشعر بأنها غارقة في حيرة شديدة بينما تسترسل مغمغمه
((سهر أنا أشعر بأني لا أفهم أي شيء.. فمن أين له كل هذه السيولة! لا أصدق بأن العائلة التي كان يعمل كسائق عندها تعطيه هذا الكم من الأموال إلا لو كان يسرقها من عندهم أو يعمل بالممنوعات أو الأسوأ مثل..))
هتفت بها سهر برجاء منهار
((توقفي يا شيرين عن هذه التخمينات السّخيفة فلو كان يعمل بالممنوعات ما حاجته في العمل بمثل هذه الوظيفة البسيطة بل ومحاولته الارتباط بامرأة غنية!))
بارحت سهر غرفتها متوجهة إلى غرفة أمها تفتح الباب عليها دون أن تطرق على الباب..
فانتفضت تمارا مكانها أمام منضدة زينتها وهي تقول متفاجئة
((ماذا هناك يا سهر؟))
ضيقت سهر عينيها وهي تناظر الساعة الألماسية التي كانت أمها في هذه اللحظة تقوم بالتنظيف الروتيني الحذر لها.. كأن قلب أمها نكزها قبل دقائق وأخبرها بأنها ستودع هذه الساعة قريبا!
تقدمت سهر من أمها ومدت يدها تقول بهدوء
((ناوليني الساعة الماسيّة))
قالت تمارا باحتدام وقوة
((أنتِ تعرفين يا سهر بأني لا أقرض مجوهراتي الغالية لأي أحد حتى لو كان هذا الشخص هو ابنتي))
غمغمت سهر من بين أسنانها بنفاذ صبر
((أمي اعطيني هذه الساعة وأي مجوهرات أخرى أهداها لك قصي منذ ارتباطي به..))
شهقت تمارا بصدمة ورفعت يدها إلى صدرها..
ثم خبأت الساعة خلفها وهي تقول برفض بالغ
((لماذا؟ تلك كانت هدايا والهدايا لا تُرد أبدًا..))
اقتربت سهر من أمها تحاول سحب الساعة منها بالقوة وهي تهتف بامتعاض
((أمي أنا لا أمزح.. أنا سأفسخ خطبتي من قُصي وبالتالي عليّ أن أعيد كل شيء أخذته إليه))
قالت تمارا وهي تناور بحركات دفاعية غريزية حتى لا تفقد الساعة
((لماذا! هل أعاد أي شيء مما أخذه منك؟))
قالت سهر بحنق واستنكار
((أمي هو فعليا لم يأخذ أي شيء مني.. صحيح بأنه كان يخطط للزواج بي لأني ابنة عائلة ثرية ثم الارتقاء بنفسه.. لكن لم يحصل هذا))
غمغمت تمارا بازدراء بمنطقها
((وسنوات عمرك الثلاث ألم يأخذها؟ لو لم يخدعنا كنت لربما الآن متزوجة من رجل غيره ولديك ابن أو اثنين.. فلتعتبري سنوات عمرك الثلاث المهدورة ومشاعرك التي أخذها ولم تكن من حقه هي مقابل هذه المجوهرات))
استطاعت سهر أخيرا نزع السّاعة من قبضة أمها وهي تقول بحزم
((أمي أعطيني باقي المجوهرات لأعيدها له وأستعجله بأمر فسخ خطبتي..))
غطت تمارا ثغرها بباطن يدها بحزن وألم ودموع قلبها قبل عينيها تتساقط بحرقة على فقدها تلك الساعة المرصعة بكميات كبيرة من الألماس!






*****



داخل مهرجان العاصمة.. ليلا..
تطلعت رتيل بقلق لأجواء هذا المهرجان من حولها التي تشجع على الفجورَ والسُكُر والاختلاط..
حتى أنه من شدة الاكتظاظ هناك شباب يقومون بالتحرش اللفظي والجسدي..
إنه ليس مهرجان ثقافي للعائلات والفرح والموسيقى والشعر كما أخبرتها غنوة بل أقرب لاحتفال ماجن يدعو للانحلال.. فهناك من يشربُ الكحول وهناك من يمارسُ تعديًا على الناس وهناك من يتراقص بابتذال وبملابس شبه عارية..
ورغم أنه يُقام بأفخم الفنادق ذات الخمس نجوم إلا أنها تشّك بكونه غير مرخص..
لو رآها أحد يعرفها من طرف عائلتها أو عائلة زوجها في هذا المهرجان الماجن لكان قتلها وسلمها لمؤيد ظنًّا منه أنه يهديه هدية غسل عاره..
بل بعرفهم مجرد نومها في بيت غنوة بينما تدعّي أنها تنام في بيت أمها هو عار..
شعرت رتيل بالندم لمجيئها هنا.. ندم حقيقي فظيع..
لم يسبق وأن ذهبت لأي مكان مشبوه أو سبق وخرجت معها إلى وقت متأخر من الليل فلماذا فعلتها هذه المرة!
مالت نحو غنوة تقرص ذراعها بقوة وغل فتأوهت غنوة بألم وغمغمت
((توقفي يا رتيل عما تفعلينه، لم أعد أستطيع تحريك ذراعي بشكل سليم بسبب الكدمات التي تتسببين لي بها من قرص ولكمات))
احتقَن وجه رتيل بالغضب وقالت من بين أسنانها المطبقة
((وسأكسرها أيضًا، هل هذا هو المهرجان الثقافي الذي اخبرتني عنه؟ انظري إلى الرجال السُكارى من حولنا، انظري لملابس الفتيات الفاضحة أيضًا.. أنا لم أسمع باسم هذه الفرقة الغنائية من قبل.. هل هذا المهرجان مصرح به من الأساس؟ تخيّلي أن تداهمنا الشرطة الآن وتقبض علينا؟ هل تُدركين بأنها ستكون نهايتي لو حدث هذا؟))
تمتمت لها غنوة بحنق
((هناك مئات الأشخاص هنا، فهل ستلقي الشرطة القبض عليهم جميعا؟))
دفعتها رتيل للأمام وقالت بحزم وغضب
((لنرحل الآن، لن أنتظر أي ثانية إضافية))
تبّرمت غنوة ثم تبدلت ملامحها للمكر وأمسكت ذراع رتيل تجرها للجهة الأخرى
((دعينا نرحل من هنا يا رتيل))
اعترضت رتيل باستغراب ((لكن الطريق الآخر مختصر!))
ألّحت عليها غنوة بخبث وجرّتها
((دعينا نمر من هنا يا رتيل.. هيا سيري أمامي))
استجابت رتيل مستسلمة لها وسارت أمامها من الطريق الذي أصّرت عليه.. مشت بسرعة للأمام قبل أن تميل طرف عينيها وتتوقف مبهوتة مكانها كأن صاعقةً من السماء هبطت على رأسها!
شحُب وجهها كالرخام الأبيض واختّضّ قلبها بين ضلوعها..
فغرت شفتيها المرتعشتين كما كل خلية فيها، حتى كادت أن تنتفض مكانها وهي تتشدق بصعوبة
((مؤ.. يد.. مؤيد! مستحيل!))
كان زوجها مؤيد يقف هناك مع رجل آخر وامرأة وقبل أن تحاول رتيل النظر بتمعّن بهم أكثر..
التفتت للخلف تنكبُ على غنوة هاتفة بفزع
((هيا بنا لنرحل من الاتجاه الآخر.. هيا، هيا، هيا))
شعرت غنوة بالإحباط لأن رتيل من رأت زوجها أولًا لا العكس.. لكنها ادّعت البراءة وعدم الفهم وهي تقول
((لماذا يا رتيل؟))
جرّتها رتيل خلفها بيدها المرتجفة تقول بذعر بالغ
((علينا أن نغادر وحسب.. الآن))
.
.
زمّ مؤيد شفتيه وهو يقول من بينهما ممتعضًا بينما يتطلع في المكان
((هيا بنا لنغادر لم يعجبني هذا المهرجان.. ماذا لو رآني أحد معارفي أو أصدقائي؟ ماذا سيقولون عني!))
كانت دُموع تتأمل مؤيد بإعجاب.. من شعره الكثيف إلى ملامحه الوسيمة وذقنه الخفيفة.. إلى قميصه مفتوح الأزرار والذي يظهر شعر صدره الناعم بطريقة مثيرة جعلت حلقها يجف..
لم يسبق وأن تسكعت مع رجل بهذه الإثارة والرجولة الصارخة.. والثُراء بالتأكيد..
بَلَعت ريقها بصعوبة وهي تتجه ناحيته تسأله بنعومة
((لماذا يا مؤيد! هذا المكان من اقتراحي أنا، سنسهر هنا إلى مطلع الفجر.. هل تحب أن تراقصني قليلا هنا؟))
تطلع لها مؤيد بتجهم يظهر علامات الرّفض الباترة فتبسمت دموع ابتسامة رقيقة مدروسة وبخفة رفعت أحد خصلها الشاردة خلف أذنها
((إذا لم يعجبك المكان فما رأيك أن تأتي لشقتي أنتَ وصديقك لنكمل السهرة عوضا عن هنا؟))
رماها مؤيد بنظرة شملتها الاشمئزاز، لاقتراحها هذا ثم قال مهمهما بنبرة ساخطة
((سأرحل الآن بسيارتي))
حاول صديق مؤيد أن يعترض ولا يفوت هذه السهرة في بيت دموع فقال مؤيد له بازدراء وهو يضع يديه في جيبي بنطاله
((أنا لست راضيا عن البقاء هنا لذا سأرحل وابقيا انتما هنا.. إلى اللقاء))
صرّت دموع على أسنانها وهي تتميز غيظا فتطلعت لصديق مؤيد تقول له بفظاظة
((سأرحل أنا الأخرى، إلى اللقاء))
أخذت دموع زاوية بعيدة عن المهرجان وأصواته الصاخبة وقربت الهاتف من أذنها وهي تنتظر ردّ غنوة التي اتصلت بها..
وبمجرد أن جاءها صوت غنوة حتى هتفت بلهفة وحنق
((لقد رحل مؤيد بالفعل.. أين كنت أنتِ وزوجته؟))
غمغمت غنوة لها بهمس محبط
((لقد رأته رتيل هنا وتجمّد الدم في عروقها وهرعت هاربة.. لقد فشلت خطتنا..))
اندلعت النيران الغاضبة في مقلتي دُموع وقالت موبخة
((تبا لك يا غنوة.. هل تعرفين كم أمضيت ساعات في إقناع مؤيد للمجيء هنا؟ ولم يقبل إلا بوجود صديقه النّزق التافه أن يأتي معنا! والآن رحل.. كيف سنجمعهم مرة أخرى ونجعله يرى زوجته تخرج من خلف ظهره ليطلقها!))
قالت لها غنوة على عجل
((لنفكر لاحقا، لقد أوقفت رتيل سيارة أجرة وسنرحل الآن الي بيتي))
.
.
استقلت غنوة سيارة الأجرة مع رتيل في المقعد الخلفي وأغلقت الباب خلفها بينما تسمع رتيل تهتف بها بصوت متذبذب
((علينا أن نعود للمدينة التي يقبع فيها بيتك حالا.. لا يجب أن نتأخر))
تطلعت غنوة لها باستياء وهي تمعن النظر في وجه رتيل الشاحب وجسدها المرتعش
((اهدئي يا رتيل، لم يرانا زوجك، لم لونك مخطوف لهذه الدرجة وجسدك لا يتوقف عن الارتعاش؟))
رُعب لم تختبره رتيل من قبل كان يدبّ في أوصالها فأغمضت عينيها بيأس وهي تريح يدها المرتعشة على جبهتها الباردة ثم قالت
((هل تعرفين بأنه كان على شفا حفرة من رؤيتي!))
أطبقت رتيل عينيها أكثر وهي تهتف باكية بصوتٍ هامس شديد الخفوت والجزع
((هل تعرفين ماذا كان سيحدث عندما يراني في مكان كهذا في منتصف الليل وهو يظن بأني الآن نائمة في بيت أمي؟))
قالت غنوة بامتعاض
((ولماذا لا يحاسب الأستاذ مانع نفسه هو أيضًا؟ فماذا كان يفعل في مكان كهذا؟))
رفعت رتيل وجها يفيض بالغل والإحساس العارم بالظلم ثم قالت والاشمئزاز يعلو ملامحها
((معك حق.. ماذا كان يفعل هناك من تلك المرأة والرجل بجانبها! هل تعرفين بأن المطاعم والسينما وزيارة أقربائي وصديقاتي يحرمني منها ويعتبر خروجي لها حتى لو كان معه أو مع الطفلين حرام وعيب في حقه؟))
حولت رتيل رأسها جانبًا عبر الشباك المفتوح تحدق في الطرق والظلام الدامس الذي أرخى سدوله منذ ساعات..
رفعت رتيل يدها المرتجفة لتشد من حجابها حول رأسها بحركة عفوية بينما تسمع غنوة تقول
((إنه رجل ح-ق-ي-ر يذهب هناك مع عشيقته ويستكثر أمور مثل المطاعم والسينما عليك!))
انتفضت رتيل عند هذه الكلمة وتطلعت لصديقتها تقول بعينين بارقتين من الغضب مستنكرة
((عشيقة؟ أي عشيقة؟ ربما تكون زوجة الرجل الذي كان بجانبه!))
أمعنت غنوة للحظات في ملامح رتيل تدرسها قبل أن تقول بصوتٍ غريب بعد لحظات
((لا ليست زوجة الرجل الذي معه، فبعد فترة تفكير تذكرت أين رأيت هذه المرأة التي كانت ترتدي ملابس فاضحة مبتذلة.. إنها تدعى دموع.. بيننا أصدقاء مشتركون.. وربما تكون عشيقة زوجك أو زوجته السّرية فهي كانت تنظر له بسفور وإعجاب واضح))
استجمعت رتيل قوتها لتقاوم الألم الذي بدأت تشعر به بسبب ما نطقته غنوة.. ثم ردت وهي تهز رأسها نافية كمن تهذي
((لا مستحيل.. مستحيل أن يصل الفسوق بمؤيد أن يتخذ عشيقة أو زوجة غير معلنة!))
وبحركة فجائية أمسكت كتفي غنوة بقوة دون أن تعي وتساءلت ((هل أنتِ متأكدة من أنك تعرفينها ولست مخطئة بظنك فيها))
قالت غنوة وهي تدعّي التخمين
((نعم أظن بأني صائبة وأنها هي دُموع التي أعرفها..))
قالت رتيل بإصرار عنيد وعقلها يصور لها عدة سيناريوهات
((حتى نعرف ماذا بينها وبين مؤيد عليكِ أن تسألي الصديقات المشتركات عنها.. الآن))
عقدت غنوة حاجبيها وأخرجت هاتفها تقول بتعاطف مزيف
((لا تقلقي يا رتيل سأبذل قصارى جهدي لأعرف عنها كل شيء من خلال مصادري الخاصة والصديقات المشتركات، أعطيني القليل من الوقت))
قالت لها رتيل بصوتٍ متحشرج متوسل
((لكن أسرعي لأنه عليّ أن أعرف ما يربطها بمؤيد))
قالت لها غنوة وهي تمسك يدها تهدئها
((اهدئي يا رتيل.. اهدئي.. سأبدأ من الآن بالمراسلة والسؤال عنها))
بدأت رتيل تنظر أمامها بعينين زائغتين بشرود بينما تهز ساقها بارتباك طوال الطريق.. في حين غنوة مشغولة تماما بالنظر والكتابة على هاتفها مُدعية البحث فيها..
.
.
بعد ساعات وبمجرد أن أوصلهم السائق أمام باب بيت غنوة..
أغلقت رتيل الباب خلفهم بإحكام وأسدلت ستائر المنزل بينما تتساءل بصوتها المتحشرج
((ها يا غنوة! هل ردّت عليك احداهن؟))
استدارت غنوة لها تقول بإيجاب
((أوه فعلا واحدة من صديقاتي ردت عليّ))
اندفعت رتيل نحوها كمن دبت فيها الحياة فجأة فهي لم تتوقع أن يصل لغنوة أي معلومات عنها.. ليس بهذه السرعة على الأقل!
ثم سألتها بلهفة محترقة وهي تمد يدها لها لتأخذ الهاتف
((أريني ماذا أرسلت لك.. هيا))
أحكمت غنوة إمساك هاتفها ثم رفعت يدها الممسكة بالهاتف عاليا ترفض إعطائه لها.. لتقول بحزم
((لا يا رتيل ابتعدي عني وأنا سأقرأ لك ما كتبته لي))
أطاعتها رتيل وابتعدت عنها فأنزلت غنوة الهاتف تدعي قراءة شيء ما قبل أن تكمل تمثيليتها الرديئة وتقول بدهشة مصطنعة
((يا إلهي لا أصدق ما أراه.. لقد أرسلت لي صديقتي حسابها ورقمها السري على "الفيس بوك"))
كادت أن تخرجا حدقتا رتيل من محجريهما وهي تردد بغير تصديق
((مستحيل))
هزت غنوة كتفيها وقالت بصوتٍ عادي
((وأنا أقول بأنه مستحيل.. لذا سأرسل حسابها ورقمها السري برسالة لك الآن وتأكدي من صحته ريثما أذهب لأغير ملابسي..))
أخرجت رتيل هاتفها بلهفة وجلست على أقرب أريكة لتبدأ بتجريب الدخول للحساب المُرسل لها..
وسرعان ما شهقت بغير تصديق عندما اتضح أن المعلومات السرية للحساب صحيحة!
كان تمثيل غنوة وخطتها كلها غير محبوكة أبدًا ورديئة إلى حد مكشوف.. ولو لم تكن رتيل بحالة غير متزنة لما انطلى عليها الأمر بسهولة..
بدأت رتيل تتصفح الصور الشخصية للحساب لتتأكد من أن هذه الصور تابعة لنفس المرأة التي كانت تقف مع مؤيد وذاك الرجل! وهي بالفعل تُدعى دموع!
بعد مدة جلست غنوة بجانب رتيل لتقول الأخرى
((لقد دخلتُ إلى صندوق رسائل دموع وهناك رسالة من مؤيد من حسابه الشخصي لها))
عقبت غنوة بمكر وهي تميل برأسها لهاتف رتيل
((اضغطي على حساب مؤيد لنتأكد من أنه حسابه الحقيقي وليس آخر وهمي حتى نتأكد من أنه هو نفسه من كتب الرسائل))
فعلت رتيل ما أملته عليها غنوة وتأكدت من أن الحساب عائد فعلا لمؤيد! حساب مؤيد الشخصي والرسمي الذي يتعامل من خلاله مع معارفه وأصدقائه!
في هذه اللحظة وبكل مكر انسحبت غنوة من مكانها تترك لرتيل المجال لتبدأ بقراءة الرسائل المتبادلة بين مؤيد ودموع بهدوء!
كانت رتيل تقرأ كل حرف من الرسائل.. كل كلمة.. والدموع تنسكب على وجهها بفيض..
كانت المرأة تلك التي تدعى "دموع" تجتذب مؤيد عن طريق أسئلة رخيصة فضولية عما يحب ويرغب في امرأة أحلامه وهو رغم تمنعه في البداية إلا أنه سرعان ما انجّر في الحديث معها حتى وصل به الحال أن يتحدث عن كل ما يحبه ويرغب في فعله في العلاقة الزوجية ولا يتسنى له فعله مع زوجته وأم أولاده "المحترمة"!
لم تكن محادثاته معها تتعلق بالفراش وحسب بل كانت عن أحلامه وحياته في المدينة وكل ما يتمنى أن يجربه مع امرأة أحلامه.. والتي ما إن يجدها فلن يتردد في أن يدفع الغالي والنفيس للحصول عليها! لكنه لن يعلن زواجه منها أو يثبته في المحكمة ولن ينجب منها.. وسيخفيها عن أقاربه!
كتمت رتيل شهقة مريرة!
هي باردة ومحترمة معه في العلاقة الزوجية؟
أليس هو السبب في تكريس هذا الجمود والبرود معه ومن يطالبها بذلك؟
عقبت غنوة وهي ترى حال رتيل المثير للشفقة وهي مستمرة بمسك هاتفها بارتعاش
((لماذا تبكين؟ لا تقولي لي بأنك تحبينه وتشعرين بالغدر لأنه يخونك!))
أجهشت رتيل في البكاء وهي ترفع رأسها لغنوة تصرخ بحرقة
((لا أحبه بالطبع لكن لا يعني أن أسكت على الأمور الحميمية التي تحدث بها مع دموع..))
تمهلت لثانيتين تأخذ نفسا مرتعشا ثم أكملت
((مؤيد رجل صامت، جدّي للغاية معي.. وفي السرير هو روتيني جدًّا.. ما يقول لها بأنه يتمنى فعله مع فتاة أحلامه هو ما يستكثره عليّ.. لطالما حلمت أن يكون معي هكذا.. إنه يمنعني حتى من أن أتزيّن من أجله أو أرتدي ملابس تظهر أنوثتي!))
استمرت رتيل تنتحب بانهيار وحرقة وهي تحرر شعرها من الحجاب فيتناثر شعرها الناعم حالك السواد حول وجهها..
كُلها كان ينتفض بشديد الألم حتى شعرت كأن هناك حمى تهاجم جسدها بضراوة..
هي كانت تخون ثقة مؤيد بها وتأتي إلى بيت غنوة في المدينة من أجلها.. من أجل الحصول على شيء من الحرية والمتعة التي تُصبّرها على حياتها معه..
لكن الآن وفي هذه اللحظة.. تَمَنت لو تستطيع فعل شيء لتؤلمه مثلما يؤلمها..
تمنت حقا لو يعرف بكل ما كانت تفعله منذ سنوات طويلة وكيف كانت تقضي وقتها عند غنوة لا عند أمها كما تدّعي أمامه.. حتى لو ترتب الأمر عليه أن يقتلها..
المهم أن تجعله يدرك كم هو مخدوع مثلما جعلها تشعر الآن!
رغم أن ما تفعله لا يضاهي ما فعله سوءً.. على الأقل هي ليس لديها رجل أحلام تتمنى لقاءه يومًا مًا!
هَطلت دُموع أخرى ساخنة من عيني رتيل المائجتين بالغضب والقهر تكاد تحرق أجفانها ولسانها يردّد
((ليتني فقط أستطيع أن أوجعك يا مؤيد مثلما أوجعتني.. ليتني أستطيع أن أرُد لك يا مؤيد ما أشعر به أضعاف ألمي))
اقتربت غنوة منها تمرر يدها فوق ظهرها تحاول التخفيف بخبث خفيّ عنها فقالت رتيل
((هل تعرفين يا غنوة بأني لا أبادر في العلاقة الحميمة معه وأكتفي بالجمود أو بتفاعل لا يكاد يُذكر وأقمع رغباتي لأنه يريد مني ذلك؟ يقولها لي صراحة ألّا أبدي رغبة تجاهه وإلا سيشعر بي بأني امرأة فاجرة))
من حيث لا تدري أتتها حرقة تشبه الجمر الملتهب لتجوب داخل جسدها.. وأنفاسها تسارعت بينما تذكرت مشهد قديم لها مع مؤيد جعل تلك الحرارة تتوهج أكثر بداخلها فبرقت عينيها بغضب لتتابع
((في عدة مرات تصرفت معه بجرأة وحرية وأطلقت العنان لي وكأني فرس جامح لا أحد يستطيع ترويضها.. ولا يمكن أن اشرح لك كيف حركتُ الشكوك عنده بأني أرى مواقع محظورة على الإنترنت.. فعدت لما كنت أفعله بالسابق وتحلّيت بالسّلبية والجمود لأشعره كأنه ينام مع وسادة.. جسدا بلا روح.. حتى لا أحرك مجددًا في نفسه الشّكوك وأدخل نفسي بدوامة من الاتهامات لن أخرج منها إلاّ بالطلاق مع فضيحة))
كانت تعرف رتيل جيدا بأن ما تتحدث به مع غنوة خاطئ تمامًا فالمرأة لا يجب أن تتحدث بمثل هذه المواضيع الخاصة والحميمة بينها وبين زوجها مع أحد.. لكن القيود الاجتماعية والكّبت والتقاليد البالية التي تعاني منها تجبرها على البوح بخيباتها أمامها..
لفّ الاستهجان غنوة وهي تقول
((هذا الأستاذ مانع رجل غريب، هنا يتحدث مع دموع عن أنه يريد من فتاة أحلامه أن تكون معه ف-ا-ج-ر-ة بالمعاشرة، فهو ليس راض أبدًا عن زوجته المحترمة التي أساسًا يجبرها على أن تكون على هذا النحو))
امتلأت عينا رتيل دموعًا لا إرادية من جديدة فتاهت الرؤية كالضباب لكنها رفعت يدها تكفكف دموعها بعد أن هدأت قليلا واستدعت تعقُلها..
فأخذت نفسًا عميقًا مرتجفا ثم قالت بصوتها المجهد وهي تعتدل واقفة من مكانها
((غنوة سأنام لساعتين لأن عليّ المغادرة في الصباح الباكر.. حماتي أكدت عليّ العودة باكرًا فيزيد لا يسكت إلا معي أو مع نجوم.. سأتحدث معك لاحقا لأرى ماذا عليّ أن أفعل))
.
.
عصرا.. وبعد رحيل رتيل طرق باب منزل غنوة من قبل دموع ففتحت غنوة لها هاتفة بتلقائية
((صحيح بأننا فشلنا في جعل مؤيد يراها في ذلك المهرجان المّاجن لكن نجحتُ بجعلها ترى كل الرسائل التي أرسلها مؤيد لك قبل مغادرتها))
ملأت ضحكات دموع الرقيعة المكان ثم قالت وهي تجلس على إحدى الأرائك تتكئ بغرور وعنجهية
((أحسنت يا غنوة.. صحيح أنه كتب تلك الرسائل لي عن فتاة أحلامه في لحظة ضعف وتوسّل لي أن أحذفها لاحقا لكنني لم أفعل لأني عرفت بأني سأستفيد منها.. المهم هل اقَتنَعَت بأن مؤيد خائن وعليها أن تخونه لترد اعتبارها؟))
قالت غنوة بزهوة الانتصار
((نعم أظن ذلك، والآن ما الخطوة التالية؟))
خفتت تلك الملامح المزهوة عن دموع بشكل تدريجي وقالت بشيء من عدم الحماس
((هل تعرفين شيئا؟ أنا لست لهفة كثيرًا لمؤيد.. صحيح أنه غني، لا أنكر ذلك، لكنه لا يملك تلك الثروة اللافتة للنظر والمشجعة على إنهاك أنفسنا في التخطيط لإغرائه.. رجل غيره لكان وقع في المحظور واستجاب لإغرائي قبل أشهر وكنت حصلت منه على ما أريد.. لكن مُؤيد هذا يتعبني بثقله وادعائه عدم فهم تلميحاتي))
قطبت غنوة جبيها وتنحنحت قبل أن تقول بمكر
((قد لا تكون ثروته الحالية بذاك المقدار.. لكنه مستقبلا فالله أعلم كم ستصبح مع ما سيرثه من والده))
ضيقت دموع عينيها متسائلة
((هل والده ثري جدًّا؟))
أومأت غنوة بعيون بارقة وهي تجيب
((نعم.. إنه فاحش الثراء.. رتيل سبق وأخبرتني من جهة عن ثروته.. وقمت بتحرياتي الخاصة من جهة أخرى.. وعلمت بأن والد مؤيد ذاك العجوز الثري يمتلك قصرا كبيرا.. ومعرضًا للسيارات المستعملة ومزارع وأراضي شاسعة في قريته وفي قرى أخرى يعمل فيها الكثير من المزارعين.. وهناك في القرية تٌم تجديد مجلس كبير لعشيرتهم هو من تولى كلفته وهو من يصرف عليه الآن وعلى ضيافة مرتاديه.. إنه كريم جدًّا ومحبوب من قبل أهل القرية بسبب المال الذي ينفقه ببذخ عليهم وعلى من يلجؤون له))
اتسعت حدقتي دموع لحظيًا مما تسمعه..
شردت تفكر بكلام غنوة..
فتساءلت باهتمام
((هل مؤيد هو ابنه الوحيد؟))
أجابتها غنوة بعبوس
((للأسف لا فعنده خمس أبناء رجال.. لكن لا بأس فما سيرثه منه يظل مبلغا كبيرا))
ابتلعت دموع لعابها الذي لم يعد موجودًا تقريبًا وهي تجيب بنبرةٍ مبحوحة
((حمّستني أن أكمل ما أفعله يا غنوة..))
قالت غنوة مشيدة
((أحسنت يا بنت))
قالت دموع بحماس جشع
((الليلة أو ربما في الغد أنا من سأعرض عليه الزواج، لا صبر لي حتى يعرض هو الزواج أولًا.. حتى لو كان زواجا عرفيا سأقبل))
ضحكت غنوة ضحكةً رقيعة انتقلت إليها من رفيقتها لتقول
((أيتها الح-ث-ا-ل-ة المجنونة ألهذا الحدّ أنتِ لاهثة للمال؟))
ثم أردفت بتخطيط
((من جهتي الليلة سأبدأ بإرسال رسائل الابتزاز لرتيل، دعينا نستفيد بالنقود التي معها قبل طلاقها.. سأرسل كل صورها بمنزلي بمرسل مجهول وأُهددها بفضحها بمقابل مادي.. طبعا هي ستلجأ لي إذا ما وصل لها أي رسالة تهديد فبفضل الأستاذ مانع ليس لها صديقات أخريات غيري.. وأنا من سأقنعها أن تدفع كل ما لديها مقابل سكوت من يهددها))
قالت دموع والمكر يشع في عينيها
((أخيرا ستعرف الثروة لنا طريقا يا غنوتي.. ابتزّيها واحصلي على المال منها ثم سنجعل أستاذ مانع يعرف بزيارتها لك بل ويظن بأنها كانت تخونه مع رجل آخر ليطلقها، لكن علينا أن نعصر المال منها اعتصارا قبل أن نفضح حقيقتها لمؤيد))
سارعت غنوة تحذرها
((لكن عليك أن تّقنعيه أن يتزوج منك كزوجة ثانية دون أن تجلبي له سيرة رتيل لأنه لو عرف ما تفعله زوجته فسيدخل في صدمة قوية تنسيه أمرك.. سينشغل بها بل وربما يقتلها فيرتمي خلف قضبان السجن بقضية جريمة شرف وينتهي حلمنا أنا وأنتِ.. علينا أن نجعله يتزوج منك قبل أي شيء، وليحدث ما يحدث بعد ذلك))






*****



ليلا.. مكتب وليد..
تنهد زميل وليد وهو يقترب منه قائلًا برجاء
((أنتَ تنهك نفسك في عملك يا وليد، عليك أن تريح نفسك ولو قليلا))
نظر وليد له بوجهه المجهد بتقاسيم جامدة وقال ببرود
((وهذا هذا الإنهاك يؤثر على عملي بالسلب أو يجعلني أقصر فيه؟))
هز زميل وليد رأسه نافيا فقال وليد بصرامة
((إذن لا تتدخل ولا تعترض لو سمحت))
لم يستطع زميل وليد قول المزيد فاكتفى أن يتركه لرغبته ثم غادر المكان..
أما وليد فارتخى جسده على ظهر الكرسي يحدق بنقطة في الفراغ..
شيرين مُصرة كليا على الطلاق ووصل بها الحال أن تخبر أخوالها الذين كانت تعتبرهم كأعدائها بسبب رغبتهم بالتحكم في حياتها منذ وفاة والدها.. وأخوالها قاموا بالواجب ولجأوا لكافة وجهات القرية خاصة عمه ليطالبوه بالرضوخ لطلبها بالطلاق كما أخبرها عمه بأنه لن يسمح له بالرفض لأنه سيصغر منه أمام وجهات القرية ووقتها لن يتدخل إذا حاربوه..
في النهاية هو وحيدا لن يقدر على عمه ووجهات القرية جميعهم..
والأنكى بأن شيرين رحلت لتعيش في العاصمة..
كز وليد على أسنانه بغيظ..
تظن لو رحلت للعاصمة وطلبت الطلاق منه فأنه سيحررها وينساها.. لا والله أبدًا لن ينساها بل ستظل هي الوحيدة هدفه وكأنه لم يعرف سواها..
تلك البلهاء تظن أن سبب سكوته وعدم اتخاذه أي ردة فعل جدية حتى الآن سوى تلك الرسائل بسبب خوفه من تهديدات وجهات القرية.. لكن مالا تعرفه هو أنه غارق بمصيبة أخرى خطيرة جدًّا تأخذ منه كل وقته وذهنه وتفكيره وبعده عنها..
أطلق وليد نفسا عميقا مجهدا وهو يعود بذاكرته للماضي..




*****


انتهى الفصل.


بانتظار تعليقاتكم عن الفصل على أحر من الجمر .. ولا تنسو الفصل الثاني هذا الاسبوع الاربعاء او الخميس..



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:16 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.