آخر 10 مشاركات
ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          عِـشـقٌ في حَضرَةِ الـكِـبريآء *مميزة مكتملة* (الكاتـب : ღ.’.Hiba ♥ Suliman.’.ღ - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          117 - توأم التنين _ فيوليت وينسبير ج2 شهر عسل مر ((حصرياً)) -(كتابة /كاملة بالرابط) (الكاتـب : SHELL - )           »          وهج الزبرجد (3) .. سلسلة قلوب شائكة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حب في الصيف - ساندرا فيلد - الدوائر الثلاثة (حصريــا)** (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-03-21, 07:26 PM   #21

م ام زياد

مشرفة منتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية م ام زياد

? العضوٌ??? » 389344
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,607
?  نُقآطِيْ » م ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond repute
افتراضي


يهدك يا عماد، بس نقول ايه كل تاخد بيشتغل الفرصه ايلي قدامه وخلاص ماحدش بيفكر ليه ولا مين وايلي ايه ايلي بيحصل



م ام زياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-03-21, 12:01 AM   #22

اللؤلؤة الوردية
 
الصورة الرمزية اللؤلؤة الوردية

? العضوٌ??? » 414871
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 722
?  نُقآطِيْ » اللؤلؤة الوردية is on a distinguished road
افتراضي

قصة جميلة جدا والأسلوب مشوق

ذكرني بفلم شيكامارا بس هنا الموضوع أصعب

أنا شايفة إن كرم حيستفيد أكثر لأنه راح تصير حاجة تخليه يتحمل المسؤولية

بس أمينة غلطانة وبشدة بسكوتها وانها امنت ولادها عند شخص ككرم حقيقة أنا الوقت كله خايفة على الأولاد من تصرفات كرم وكلامه الثقيل.

بس شمتانة بامجد بشكل فضيع يستاهل إلي بيحصله.

متشوقة للفصول القادمة تسلم إيديكي


اللؤلؤة الوردية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-03-21, 09:46 PM   #23

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع
***
أغلقت الباب ما إن انصرف عماد ودلفت إلى فراش والدة كرم الجالسة عليه منذ الصباح رافضة تمامًا النهوض والاغتسال، كانت أمنية قد ابتاعت حفاضات كبيرة الحجم من أجلها وهذا ساعدها للحفاظ على ملابسها نظيفة وعلى رائحة المنزل جيدة، كانت عجوز سليطة اللسان طيبة القلب علتها النسيان، تقدمت أمنية صوبها بهدوء وجلست على طرف الفراش، غطت العجوز رأسها هاربة من إلحاح ابنها الذي تغير كثيرًا مؤخرًا، قلبها يرشدها لحدوث فارق جلل لكنها عاجزة عن تحديده بالضبط، طمأنت نفسها وصدقت أن ابتهالها من أجل إصلاحه قد أتى بثماره، مدت أمنية يدها إلى ساق المرأة تمسده برقة وتبتسم:
ـ مش جعانة؟
هزت رأسها نفيًا أسفل الغطاء، تتصرف مثل الأطفال الصغار وهذا ما تمرست على التعامل معه أمنية لوقت طويل، مشاعرها الأمومية المتأججة التي تخص بها أطفالها الثلاثة صارت تلقائيًا توجهها صوب تلك الأم التي وصلت إلى أرذل العمر وعادت كطفلة تحتاج الاعتناء بها..
دعت ربها أن يمر ما تبقى من الأسبوع حتى يعود كل شيء لطبيعته، وتعود لعشها الدافئ بسلام، نهضت تزيح الغطاء العتيق عن الأم برفق وتطلب منها في لين:
ـ يلا قومي عشان تغيري هدومك وأجهزلك أكل..
اعتدلت المرأة ببطء فوجدتها أمنية مرتدية قميص قطني فوق العباءة التي ألبستها إياها بالأمس، قطبت جبينها بشفقة ومن ثم ربتت على كتفها وساعدتها لتهبط الفراش، أخذتها إلى الحمام وساعدتها على الاغتسال وتغيير الملابس وعادت تجلسها على السجادة النظيفة في الصالة الضيقة القابعة أمام الباب، تركتها وتوجهت صوب المطبخ الصغير وحضرت لها الفول بالثوم والطماطم والفلفل بجانب طبق من البطاطا المقلية وطفقت تطهو لها بيضتين في زبد بسيط، حضرت طبق كبير من الخضراوات، وضعت كل ذلك على صينية مستديرة وحملته بين يديها إلى الخارج، وضعته أرضًا وأحضرت دورقًا كبيرًا من الماء البارد وجلست قبالة والدة كرم التي تطالعها بفضول، شرعتا في الطعام بهدوء فسمعتا طرقًا خفيفًا على الباب، نهضت أمنية تفتح الباب فوجدت الجارة نجيبة بصحبة طفلتها الصغيرة تقف باستحياء تبادلا التحية ودعتها أمنية لتدلف ففعلت..
بالداخل دعتها لمشاركتهما الفطور فتخضبت وجنتيها بحمرة خجل القبول وقد قرأت أمنية ذلك فمازحتها بلطف:
ـ حظك كويس الأكل جاهز..
اندهشت نجيبة من كياسة كرم المفاجئة، لطالما عاملها وأطفالها بفظاظة لتطفلهم على أمه طيلة الوقت، كانت امرأة بسيطة كحال الجميع هنا لا تعنيها تعقيدات، أرجأت تغييره لقرب زواجه وقالت في نفسها ربما نضج وأصبح يقدر جيرانه لأنه سيصبح رجلًا مسئولًا عن أسرة، جلست بجانب السيدة العجوز وربتت على فخذها ضاحكة بود:
ـ مساكي حليب يا أم كرم..
ابتسمت الأم التي تمضغ الخبز مع الفول ببطء، التقطعت قطعة بطاطا مقلية وأطعمتها للطفلة ذات الملابس الرثة في فمها، ضحكت الصغيرة للجدة وتناولت من يدها الطعام بسعادة، كادت عينا أمنية تغرورقان بالدمع، رباه تريد أطفالها، تطعمهم وتحتضنهم وتغفو متناسية العالم بمن فيه جوارهم..
تنهدت بأسى بدا جليًا على وجه كرم أمام أمه ونجيبة، نجيبة التي مازحته مشيرة إلى الطعام أمامهم:
ـ إيه الشطارة دي يا كرم، بقيت بتعرف تعمل فطار حلو..
وجدت أمنية نفسها في مأزق التبرير فارتجفت الابتسامة على شفتيها وصرفت تفكيرها بحنكة:
ـ عمرك شفتي حد غيرنا بيفطر بعد العصر؟
هزت نجيبة رأسها نفيًا، أسدل الصمت أستاره حتى سألته بتطلع:
ـ متعرفش تساعدني في بيع أزايز الريحة؟
عقدت أمنية الحاجبين بتفكير:
ـ ريحة إيه؟
رفعت المرأة يدها تشير بما يشبه الزجاجة وتوضح:
ـ أزايز الريحة التركيب..
فهمت أمنية مقصدها وهزت رأسها بتفهم:
ـ آاااه تقصدي البرفيوم؟
أدارت نجيبة عينيها باستغراب، وسألت بنظرة فضولية:
ـ برفون إيه..
حمحمت أمنية بخشونة الرجال واتشح الوجه بجدية:
ـ قصدي الريحة التركيب..
أومأت نجيبة وراحت تناظرها في انتظار المساعدة، سألتها أمنية بهدوء:
ـ أساعدك إزاي؟
أجابت خجلى تتشاغل بفتات الخبز:
ـ بأي طريقة، شوف لي حد يشتريها بالجملة الحالة صعبة قوي وماشيين بالعافية..
كانت تلك هي سمة المنطقة، الفقر يطبق على الحي كله ويخنق من فيه، تنهدت أمنية مشفقة عليها وعلى صغارها، وعدتها برفق أن تساعدها، لا تعرف كيف لكن قررت أن تفكر لها في حل مناسب..
لملمت أمنية أطباق الطعام بعد الفطور وحضرت ثلاثة من أكواب الشاي، أعطت نجيبة اثنين منهما وأخذت الأخير تحتسيه داخل الغرفة، دلفت وأغلقت على نفسها الباب لعلمها بعادات وتقاليد تلك المنطقة الشعبية، لايصح لرجل أن يطيل الجلسة مع امرأة هكذا، احتست كوب الشاي وظلت جالسة على الفراش الصغير تطالع الجرائد القديمة، الأخبار لم تتغير منذ زمن، البلد ذاته منذ سنوات مضت، سرقات وفضائح وجرائم وسينمات عامرة بما يدعم الأفكار الهدامة التي لا تهدف لنشر الوعي، سمعت طرق حاد على باب الغرفة مصاحب لجلبة غريبة، نهضت مرتابة تفتح الباب فوجدت أرزاق تتشاجر مع نجيبة وتنعتها بالمتطفلة، ناظرت أرزاق الملتحفة بعباءة سوداء ومتخصرة تهز رأسها كدمية فقدت السيطرة على أجزائها، سألت أمنية بخفوت:
ـ في إيه يا أرزاق..
قبل أن تجيب لوحت نجيبة لهما وبررت بهمس مستحٍ:
ـ أنا كنت بقولها عيب تيجي البيت هنا وتخبط عليك..
التفتت إليها أرزاق بحدة تطاير البغض من عينيها كما تطاير شظايا النار :
ـ ما تخليكي في حالك..
امتعض وجه نجيبة واستدارت بغية الرحيل وغمغمت :
ـ الحق عليا مش عايزة الناس تمسك سيرتك..
علقت أرزاق دون تهذيب :
ـ أنا حرة في سيرتي..
قالتها مرفقة بالشين المعتادة ودفعت أمنية لداخل الغرفة فارتدت للخلف قبل أن تدلف أرزاق بدورها وتغلق الباب، الموقف ظاهريًا ينذر بفضيحة، فتحت أمنية الباب سريعًا بوجه مكفهر فاتشح وجه أرزاق بغضب عارم، قالت أمنية بخشونة من بين الأسنان التي تكز عليها:
ـ يلا نخرج نتكلم برة..
تخصرت كأن هذا جزء من تكوينها وعاندت:
ـ ما نتكلم هنا هيجرا إيه؟
أجابتها بنبرة ذات مغزى:
ـ هيجرا كتير، من الأفضل نخرج برة البيت..
رددت خلف خطيبها الذي ترى منه تعمد التهرب منها بعينيه:
ـ الأفضل؟!
عدلت من وضع حجابها الحريري وأدخلت خصلاتها المصبوغة بلون أصفر فاقع أسفل القماش اللين، استدارت قبل أن ترميه بنظرة حارقة وأخبرته:
ـ مستنياك برة على الباب أهو..
غادرت أرزاق فاضطرت أمنية للحاق بها، على الباب لوحت نجيبة الجالسة جوار الأم ليطمئن:
ـ متقلقش على أمك هقعد معاها أنا وبنتي لحد ما تيجي بالسلامة..
أومأت أمنية تشكر صنيعها قبل أن ترحل متوجهة صوب الساخطة في الشارع، غادرت برفقتها وكان المساء قد اقترب واصطبغت سماء المدينة بلون رمادي شاحب فسبحت شوارعها في قتامة كئيبة، أخذتها إلى مكان منعزل، شارع جانبي فلا تستطيع الذهاب برفقتها إلى مقهى، ستثير شكوكها إن فعلت، توقفت أرزاق بغتة وراحت تهذي بغيظ:
ـ بقى أنا توقعني على الأرض وتمشي يا كرم يا أبو سلك؟
جعدت أمنية الجبين وسألتها باستغراب:
ـ أبو سلك!
تخطت أرزاق ذلك وهزت رأسها تقول بعصبية:
ـ أنت فاكر نفسك هتيجي تاخد غرضك وتمشي كدة بسهولة؟
انفعلت أمنية التي كانت تكبت غضبها من تلك المخبولة وخطيبها:
ـ أنتِ المفروض تحافظي على نفسك، مفيش بنت محترمة تسمح بتجاوزات مع خطيبها بالشكل المقرف ده..
اتسعت عينا أرزاق صدمة، خطيبها الذي أغواها واستحل قربها دون أحقيه الآن يسلك مسلك الوُعَّاظ ويتهمها وحدها بالتفريط في نفسها، سألت ذاهلة:
ـ أنتَ بتركبني قطر ستة إلا تلت يا كرم!..
لم تفهم أمنية المقصد وعقدت الحاجبين بجهل:
ـ قطر ستة إلا تلت إزاي يعني..
توحشت نظرات الفتاة وهتفت غاضبة:
ـ ده بيروح ومبيرجعش..
وجدت أمنية الأمور تزداد تعقيدًا، ستتسبب ل كرم بخراب كبير في حياته، لا تريد ذلك لاسيما وأن أطفالها بحوزته، ستهادن تلك المخبولة خوفًا منه وعرفانًا له في ذات الوقت، تقدمت تحاول السيطرة على انفعالها:
ـ الحقيقة إن إحنا الاتنين غلطنا يا أرزاق وجه الوقت إننا نتوب من الخطيئة دي..
اتسعت عينا الفتاة رويدًا، بدت بضعف أوراق الخريف الواهنة، تريد حياة عادية فقط وخوفها من فراق خطيبها الذي انتهكها جزئيًا تجلى واضحًا على وجهها، مما استرعى خوف أمنية بدورها، أمنية التي أخبرتها بوضوح متقمصة نبرة كرم وطريقته:
ـ متخافيش هنفضل مخطوبين لكن هتحافظي على نفسك لحد ميعاد الجواز..
لم تصدق أرزاق وشعرت بأنه يخفف من وطأة الوضع، ظنت أنه يبحث عن طريقة فقط للتهرب منها فتجمعت العبرات في مآقيها وقالت بيأس:
ـ لو قاصد تسيبني يا كرم أنا هفضحك وأقول لإخواتي..
سكن الصمت جنبات الشارع يجمع بين تجهم أمنية وشعور أرزاق الخانق بالقهر، أرزاق التي تمتمت نادمة:
ـ أنا عملت كدة عشان متسبنيش لكن لو هتسيبني والله هولع الدنيا..
وجدتها أمنية فرصة لطرق الحديد ساخنًا ربما تساعدها بشكل ما، تقدمت منها أكثر وسألتها ضاغطة على حروفها:
ـ معندكيش حاجة خالص تعلقي خطيبك بيها غير كدة؟
السؤال باغت الفتاة البسيطة، تشوش إدراكها قليلًا، عقلها لا يدرك ما تسمع، طريقة حديثه جديدة وغريبة، وعنها فماذا تمتلك غير ذلك لتقدمه تساءلت بترقب بينما ظلت العبرات متعلقة على حواف رموشها:
ـ هيكون عندي إيه يعني..
ركزت أمنية أنظارها في عيني الأخرى وأخبرتها بهدوء:
ـ كل إنسان عنده حاجات يقدمها غير جسمه يا أرزاق..
الكلام المعقد لا يخترق خلايا عقلها الصغير، تجد صعوبة بالغة في الوصول لتفسير لاسيما وأنها تسمع ذلك من خطيبها الذي علمها كيف تُفرط، قطبت أرزاق جبينها وسألت بارتياب:
ـ أنت عايز تسيبني يا كرم وبتدور على حجة؟
هزت أمنية الرأس تنفي وأرفقت تلك الهزة بصوت كرم الذي تألفه أرزاق:
ـ لاء يا أرزاق مش عايز أسيبك أنا عايز نبتدي صفحة جديدة نضيفة؟
رفرفت أهداب أرزاق فلا تصدق ما تسمعه، مازال خوفها يفرض جوانحه بداخل صدرها فيضيق عليها الخناق ويكتم أنفاسها، أومأت برأسها موافقة رُغم ذلك:
ـ أنا موافقة يا كرم بس هنستجعل بقى وتجهز العفش عشان نتجوز قريب..
ابتسمت أمنية برضا ووافقتها بإيماءة من رأسها:
ـ كويس جدًا، معنديش مانع..
في قرارة نفسها اتخذت عهدًا بأن تساعد تلك البلهاء وخطيبتها البائس بعد أن تعود لجسدها، مشكلتهما المادية سهلة الحل ويستحقان بداية جديدة نظيفة بعيدة عن الدنس الذي ألفاه سويًا..



التعديل الأخير تم بواسطة Fatima Zahrae Azouz ; 21-05-21 الساعة 09:26 PM
samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-03-21, 09:48 PM   #24

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

***

يوم واحد فقط وينقشع الغمام المظلم، الذي كان يعتبره أصعب ما يمكن له أن يحدث، ربما اعتقد ذلك لأنه لم يرَ الأسوأ بعد..
في قرارة نفسه تعاهد على صفع تلك المرأة بعنف ما إن يعود لجسده بسلام، تأفف وأزاح الخصلات الناعمة للخلف بحدة، شعور بالضيق بات لا يفارقه أبدًا، كان جالسًا على أريكة الصالة يحتسي الشاي الخفيف بعد التهامه لطبق كبير من البطاطا المقلية التي يحبها، عاد الثلاثة أطفال من المدرسة وزعق في وجوههم فابتعدوا عن موضع أمهم بصمت، حالها يسوء وعصبيتها تزداد يومًا تلو الآخر مما يعظم الحزن الذي بات يغمرهم جميعًا، زفر للمرة المائة، وحرارة الطقس تُضاعف من غضبه وسخطه، مكيف الهواء ومروحة قوية لم يفلحا في تخفيف وطأة ما يدور بداخله، ناظر المنزل الغارق في فوضاه واستلقى على الأريكة يركز بصره على السقف بقنوط، نفد صبره كليًا والساعات تمر برتابة وبطء شديدين، من المفترض أن يستيقظ في الصباح ويذهب إلى المركز اللعين ويعود لنفسه وحياته مجددًا، كم أوحشته أمه وأرزاق،
أرزاق!
آااه من تلك الفتاة وما يفعله به حرمانه منها، سيتزوجها خلال شهر واحد فقط ويثبت للعالم أجمع أنه رجل بل الرجل الأكثر تأثيرًا على وجه الأرض، سيمحو تلك الحقبة اللعينة من حياته ويردمها بركام لعناته وسبابه لهؤلاء المستغلين أولاد ال..........
زفر بعمق مع سماعه لصوت مفتاح باب الشقة الذي فُتح لتوه، تجمد في موضعه متوقعًا وصلة جديدة من السيطرة الذكورية البغيضة، أمجد قد حضر وأحضر معه الفارق الجلل بين الرجل الذي يتجبر بسطوة هرموناته والرجل الذي يختبئ خلف امرأة شديدة النعومة، تقدم أمجد الذي يحمل بعض الأغراض في يده ووضعها على الطاولة في طريقه، وقف مباشرة تحت بصر كرم الذي يناظر الأرض الرخامية، سمع صوت الزوج المتلحف بنبرة رجال الكهف ينطلق بخشونة مفرطة:
ـ هتفضلي لحد إمتى في حالتك دي؟
رفع كرم الرأس يحدج القادم تحاوطه أعاصير الغضب بعين واحدة باهتة، شعر أمجد بموجة ازدراء تأتيه من جهة زوجته بلا مبررات كافيه فزعق بحدة:
ـ في إيه يا أمنية ما تفوقي لنفسك، إيه سبب الجنان ده..
هذا كثير على تحمل كرم الذي نهض بغتة لتميد به الأرض ويشعر ببؤرة سوداء تبتلع بصره وإدراكه جزئيًا، هتف بكل قوته ومع ذلك انطلق الصوت واهنًا مهتزًا:
ـ متعليش صوتك عليا تاني..
زعق أمجد يسأل بسخط:
ـ ابتديتي تدخني من ورايا كمان..
زفر كرم بقوة وهدر بلا سيطرة:
ـ طعمها مقرف مقدرتش أكملها، ومتتدخلش في إللي ميخصكش..
كل شيء من الممكن له أن يمر بسلام في هذا المنزل سوى أن تقف زوجته تناطحه هكذا بصوت عالٍ يكافئ صوته، قبض على عضدها بقوة لم يمارسها عليها ذي قبل وهتف بحدة فيما برقت عيناه بوميض قاسٍ قادر على إحراق المنزل بمن فيه:
ـ عايزة تطلقي ولا إيه..
توسعت عينا كرم وازدرد لعابه بخوف، بيت البائسة سينهدم فوق رأس الجميع، لا يود أن يكون سببًا في ذلك لكن كرامته تُدعس دون القدرة على التصدي لذلك الرجل، وجد نفسه يرد بزعقة مشروخة:
ـ أنتَ فاكر نفسك شاريني ولا إيه؟
تعالى الضجيج والصراخ بينهما دون رادع،
لم تمر تلك الخناجر التي يتراشقان بها دون أن تصيب الأطفال المتواريين خلف ستار الردهة يراقبون كل ذلك بذعر وارتجاف، أدار كرم الرأس صوبهم حين سمع نشيج الفتاة يرتفع، عاد ينظر إلى أمجد الذي تلبسه مارد الجنون في هاته اللحظة فشعر بالعالم ينهدم فوق رأسه، قوة جذب فوق طاقة الكون جعلت الشموس تأتيه كلها دفعة تتجمع على خطاها الكواكب وتسحب خلفها الأقمار وتفشل الثقوب السود في محوها وكل ذلك يتحطم في فضاء لا يحوي غيره، اتسعت الهوة السوداء أمام عينيه ووجد نفسه يسقط في جُب عميق وحيدًا دون نور ولا إدراك، وتحت ركام المجرات كان كرم فاقدًا للوعي على أهبة قفز الهاوية صوب الفراغ التام وحده دون مظلة..
ارتفع الصراخ من حوله، فقد ركض الأطفال إلى جسد أمهم المسجي على الأرض بلا حراك، انتاب أمجد شعور بغيض بمقت نفسه فهو من تسبب في ذلك، بدلًا عن التحدث معها بهدوء وفهم ما يجري لها، لقد زاد من ضغوطها حتى سقطت أمامه هكذا، حملها بين ذراعيه وأمر الأطفال بالابتعاد بحزم:
ـ هوديها المستشفى وأنتو كلموا خالتكم تيجي تقعد معاكم لحد ما أرجع أو كلموا طنط نوال جارتنا..
..
أخذ أمجد زوجته إلى استقبال المشفى المجاور لمنزلهم، كان الوقت عصرًا والزحام شديد مما أثار حنقه، علاوة على توتره، كانت زوجته كما وضعها على المقعد المجاور له، فاقدة للوعي تميل برأسها قليلًا إلى الجانب، زفر بقوة وواصل سيره حتى باب المشفى، طلب منهم مساعدته فحملوها على فراش طبي للداخل، انتظر بالخارج حيث طلب منه الطبيب، راح يجوب الرواق ذهابًا وعودة، تأخروا كثيرًا عليه وأبلغته الممرضة بأنهم يجرون بعض الفحوصات المهمة وتتمة ذلك كلاسيكية ككوب شاي ساخن قرب مذياع قديم عند شاطئ مهجور شاطئ يعج بالرتابة، متكرر حد خروج مساعدة طبيب متهللة الأسارير على وجهها جشع من ستطلب حفنة من النقود مقابل خبر لم تساهم في حدوثه بشيء يذكر، تقف أمامه فتكشف بسمتها عن صف أسنان علوي ناقص واحدة، وتمد يدها إليه بخبث:
ـ البشرى يا بيه، الست حامل..
تهللت أسارير أمجد بدوره وانتفخت أوداجه، الآن فهم سبب ما يحدث كله، أمنية تعاني عصبية الحمل واضطراب هرموناته، طلب منها أن تستأذن له الطبيب بأن يبشرها بنفسه، وبالفعل، بعد عدة دقائق كان يفتح الباب ببسمة واسعة، ويدلف إلى كرم المستلقي على الظهر ينظر للسقف بشرود يضع كفه فوق الأخرى المستكينة تحت الصدر، اقترب الزوج الذي تبدل حاله كليًا مما جعل كرم الذي ازداد عدائية حين رأه يرتاب ويقوس الحاجبين المنمقين بتوتر، مال أمجد وحط بشفتيه فوق جبين زوجته مما ألجم كرم وتسبب في ارتفاع معدلات اشمئزازه، فيما ابتعد الآخر معلنًا بفرحة عارمة:
ـ مبروك يا أمنية، أنتِ حامل يا حبيبتي..
بالتأكيد تلكما الأذنين اللتين لا تنتميان له لا تسمعان بشكل صحيح..
هل صرخ كرم وسبهم جميعًا وغرس أظافره في أعناقهم؟!
كلا لم يفعل، جَسم ركام العالم الذي تهدم قبلًا على صدره، تلك المرة كان واعيًا يدرك كل شيء لكنه عاجز عن رد الفعل، ليست ورطة بل كارثة لا يطاوعها حبر ويخطها على ورق، بل إن الورق الأبيض سيأبى أن تُكتب عليه قصة بتلك الحبكة اللعينة، هزه أمجد الذي وجد زوجته وقد شخص بصرها وتجمد جسدها ببرودة الموتى رُغم حر الطقس ورطوبته، حين لم تستجب لكل لكزاته قلق بشدة واندفع للخارج يطلب مساعدة الطبيب، مر وقت طويل على تلك الحالة حتى سمح لهما الطبيب بالعودة للمنزل، كان الظلام قد أحكم أواصره على المدينة بأكملها، وحالة الجمود ملازمة لكرم كأنما تم وضعه داخل ثلاجة جمدت كل مشاعره، تطوف بعقله فكرة واحدة، هو كرم سعيد مرزوق الرجل من ظهر رجل يحمل طفل بين أحشاء امرأة هي زوجة لآخر
عبث
كل ما يحدث ولا يزال يحدث مجرد عبث..
توقف أمجد بالسيارة ففتح كرم الباب وهبط بحدة يركض إلى الأعلى تحت أنظار الآخر المصدومة، صعد كرم الدرج دون التقاط لأنفاسه، فتح الباب ودلف مغلقًا إياه بحدة، هرول صوب غرفة الأطفال وأغلق بابها بالمفتاح، طلب رقم الدكتور إياد وانهال عليه بسيل من السباب البذيء، كان لأمنية نصيب منها، فقد اهتاجت أعصابه أخيرًا وبلغ غضبه عنان السماء، سأله الآخر الذي صُدم مما يسمع وحاول تهدئته بعملية:
ـ إيه إللي حصلك يا كرم، اتكلم بهدوء..
حزم إياد جعله يلتقط أنفاسه بصعوبة ويجيب بصوت متهدج:
ـ أمنية حامل..
تشوش عقل إياد الذي لم تمر عليه حالة كتلك، تهدل فكه فما سمعه كارثة أكبر مما يمكن استيعابها، من المفترض بهم إجراء عملية التبديل للعودة للوضع الأصلي في الغد، لكن تلك معلومة من شأنها هدم المركز وسمعته، حاول السيطرة على الوضع بحنكة، زفر بعمق وطلب منه بكياسة:
ـ حاول تنام بأي طريقة يا كرم وبكرة هبعتلك عربية تجيبك هنا ونشوف حل..
تشبث كرم بأذيال الأمل التي ألقاها له إياد، رجولته قد سُحقت كليًا، كأنما يُعاقب على شيء لا يعلمه، لا يعرف كيف سيمرر تلك الساعات البغيضة القادمة، وصل مسامعه طرق عجول على باب الغرفة فزعق بأقصى ما يستطيع:
ـ مش هفتح الباب ومش عايزة أشوف ولا أكلم حد في ليلتكم السودة دي..
اشتد سخط أمجد الذي حاول التحلي بالصبر من أجل الوضع الجديد، بحث عن أطفاله فهاتف تميم الذي رد عليه يسأله بقلق:
ـ ماما مالها يا بابا..
تنهد وجلس على الأريكة :
ـ ماما بخير يا تميم، أنتو فين دلوقت..
أخبره الطفل أنه قد ذهب مع إخوته إلى شقة جارتهم السيدة نوال، فنهض يذهب إليهم مغلقًا الهاتف..
كانت الجارة التي تعيش بمفردها قد اعتنت بالأطفال، أطعمتهم وهدأت من روعهم، فتحت الباب لهم وودعتهم بأحضان حانية، لوحت لهم قبل أن تغلق الباب:
ـ هستناكم تيجوا بكرة هعمل ليكم كيك بالشيكولاتة..
ابتسموا لها واندفعوا صوب أبيهم الذي وقف يستقبلهم على باب شقته، انحنى قليلًا يحيي المرأة الخمسينية اللطيفة:
ـ شكرًا يا مدام نوال..
لوحت له بكفها بلا حروف وتراجعت لداخل شقتها تغلق الباب بهدوء..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-03-21, 09:51 PM   #25

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


كانت بداية
عفوًا قبل البداية
الحقيقة أن هناك لمحة جنون سمح بحدوثها أحدهم وكان من الممكن لها أن تمر بسلام كأي واحدة، لكن من يضمن القدر، ربما يتخذ الجنون حيز أكبر مما قد يخطط له البعض.... ويستمر!
صباح العودة أشرق بعد ليل طويل تباطأت ساعاته، فارق أمنية النعاس قبل ديّكة الحي ونهضت ترتب المنزل بسعادة قبل أن تستيقظ والدة كرم، انتهت من عملها وأيقظتها ببسمة سعيدة، اليوم ستعود إلى بيتها وتعانق أطفالها، كان أسبوعًا شديد الصعوبة عليها، ستجلس بمفردها في بيتها وسط أطفالها وتتذكر كل أحداثه وكل شعور شعرت به حين كانت رجلًا..
دلفت إلى غرفة السيدة العجوز وفتحت الضوء فوجدتها غافية على حالها طفلة بريئة وكأن الزمن لم يحفر آثار عدوانه على وجهها، مدت أمنية اليد الخشنة تمسد وجنتها ففرقت العجوز أجفانها، برزتا عينان زحف الأبيض الطفيف فوق المقلتين وناظرتها بتشوش:
ـ جيت من المدرسة يا كرم؟
جثت أمنية على الركبتين ببسمة حنون وأجابتها:
ـ أه جيت يا ماما اصحي صلي واقعدي معايا شوية..
ضحكت الأم بسعادة ونهضت تجلس على الفراش، استقامت أمنية وجلست جوارها، تحدثتا في أمور عديدة وأطعمتها بيدها وبعد ذلك تركتها نظيفة الثياب برفقة الجارة نجيبة وأولادها، قبلتها على وجنتيها فيما ضحكت الأخرى:
ـ مش هتأخر عليكي يا ماما بالليل إن شاء الله هكون رجعت..
غادرت أمنية المنزل متوجهة صوب المركز وكلها أمل أن يعود كرم لأمه وتعود لحياتها كأن شيئًا لم يكن..
...

لم ينعم كرم بالنوم ولا للحظة واحدة، أرّقته الهواجس وسلبته راحته الظنون ، تقلب على الفراش طيلة الليل كأنما يرقد فوق موقد حتى بزغ الصبح فنهض بإعياء قاصدًا الحمام، لم تحمله قدماه فجلس على حافة المغطس كما العادة شاردًا، كادت الجدران أن تنطبق فوق صدره فتضيقه فوق ضيقه، زفر بقوة ونهض يغسل عن الجسد والرأس بعضًا مما ألمّ بهما من علل وهموم، انتهى وغادر الحمام دون تجفيف للشعر، جلس على أرجوحة دائرية في الشرفة منكمشًا على نفسه يراقب أسراب الحمام التي تتجه صوب شرفة أحد الجيران المقابلين للبناية، حمائم بيضاء ناصعة كلها بذات الحجم تقريبًا، تحمل قشًا رفيعًا وتدلف به لداخل الشرفة العالية، راح يغيب بعقله مع سيناريوهات عدة، بل هو سيناريو واحد فقط
الأمومة!
عاش منذ ولادته برفقة أمه التي كره وجوده معها وسأل نفسه لألف مرة ذي قبل لماذا وُلد لهذه المرأة الفقيرة التي مات عنها زوجها وتركهما في هذا العالم وحيدين، كان يخاف تركها وحدها ليأتي فيجدها قد فارقت الحياة ويصبح من بعدها وحيدًا كجذع شجرة يابس، يقولون إن الشريك السيء أفضل من الوحدة، والوحدة تلك هي أكثر ما يمقته، تُرى ماذا كان إحساس أمه به، أمه المتقلبة في أفعالها حد التطرف والذي وصل أقصاه إثر مرضها الأخير..
سمع من الداخل جلبة أمجد وأطفاله، ذلك الصباح هو الأخير له معهم، تُرى هل سيشتاق إليهم؟
كلا لن يفعل
لا يمتون له بصلة كي يفكر فيهم أصلًا حين تستقيم الحياة مجددًا..
ظل جالسًا محله والصراخ والمشاحنات الصباحية تصل إلى مسامعه، بدا له بعد حين أن الأب قد تدبر أموره وحضر فطور الأطفال وتمت المهمة الشاقة بنجاح، سمع الباب يُفتح فوجد نفسه ينهض بغتة ويقصد مكانهم، وقف الثلاثة مرتابين بصمت، تقدم صوبهم وعانقهم دون مقدمات، شعر بالسعادة تكاد تتقافز من أعينهم الصغيرة خاصة رونزا التي شددت العناق وهتفت بفرحة عارفة:
ـ بابا قال هتجيبي لي بيبي ألعب بيه..
تبددت اللحظة العائلية كما يتبدد الثلج تحت الشمس الساخنة وأولاهم الظهر مغادرًا الرقعة التي يشغلونها، لوح بيده فيما توجه صوب الغرفة هاتفًا بتقزز:
ـ يلا امشوا..
تبادلوا النظرات المتوترة بعدما راقبوا رحيلها عنهم للداخل، أشار لهم أمجد الذي كان يراقب المشهد بتمعن صوب الباب وغمغم بحزم:
ـ يلا عشان متتأخروش على الباص، ماما هتبقى بخير هي بس مخنوقة شوية عشان الحمل..
أرفق حديثه ببسمة مترددة، أغلق الباب فور ذهابهم وانطلق إلى زوجته بغية مهادنتها، طرق الباب الذي تختبئ خلفه برفق فأجابه الصمت، أدار مقبض الباب فانفتح بسهولة، لاحظ الشحوب والإعياء اللذين يحاوطان عينيها الغائرتين، فتنهد بهدوء وتقدم من الفراش الذي تجلس عليه وجاورها متجاهلًا نفورها البادي عليها وأعزاه لتقلب هرموناتها وافترض أنها ترفض ذاك الطفل لاسيما وأنهما اتفقا قبلًا على الاكتفاء بالثلاثة أطفال، مد يده يلامس بها ركبتها فصاب كرم الغثيان، كرم مد يده يزيح كف الآخر عنه برؤوس أصابعه، نهض الزوج يقف أمامه ويحاصره بنظرة فاحصة:
ـ عايزين نتكلم يا أمنية؟
كتف كرم ذراعيه أمام صدره وأغلق أي باب للنقاش:
ـ روح شغلك دلوقت ولما ترجع ممكن نتكلم..
خطى أمجد الخطوة الفاصلة بينهما وحاوط ذراعي زوجته مجبرًا إياها على النهوض ومواجهته بدلًا عن التهرب المستمر بالعينين:
ـ قولي لي مالك يا أمنية في حاجة مخبياها عني..
رُغم كرهه لذاك الرجل إلا إنه في هذه اللحظة يشفق عليه من أجل جهله التام بغياب زوجته عن البيت وإحلال مجرد ظل محلها، دار دورة كاملة وبدل الأدوار فأصبح كرم قرابة الباب والآخر بينه وبين الفراش، حفرت معالم الامتعاض نفسها على الوجه وتمتم بما يعتريه حقًا:
ـ حاسة أني عايزة أرجع..
انتقلت عدوى الاشمئزاز إلى أمجد الذي أزاح زوجته قليلًا وغادر الغرفة يومئ بتفهم:
ـ طيب ارتاحي شوية أنا نازل..
..
بعد ساعة أتت سيارة أسفل البناية قد أرسلها المركز وهبط كرم الدرج مهرولًا كأنما يهرب من عار يلاحقه، استقل المقعد الخلفي مترجيًا الدقائق الثقيلة أن تمر فتمحو معها المسافة، وصل إلى القلعة الرمادية وسط الصحراء فبدت كصرح من الأساطير يستحق أن تخلده حكاية ما، فتح الباب على عجل وهبط السيارة ورُغم كل شيء شعر باصطكاك الركبتين اللتين تنتميان إلى امرأة لا يحب أن يراها ثانية، سئم النظر إليها عبر المرآة رُغم جمالها الأخاذ، كانت كلعنة تطارده، فالسجن يبقى سجنًا حتى لو حاوطه سياجًا من الورود اليانعة، ابتسم في نفسه فتلك الغُمة قد أوشكت على الانقشاع، لم يعوضه رغد العيش في بيتها عن رجولته ولا للحظة واحدة..
خطى بأقدامه واجتاز الباب المفتوح وتلك المرة كان مدركًا لكل خطوة يخطوها، استقبله الدكتور إياد وصافحه بثبات آلة، أشار له كي يدلف ففعل بزفرة مكتومة، أدخله إلى قاعة باردة كل أثاثها أبيض، جلس كرم على مقعد ضخم جوار آخر فارغ يماثله، راح يهز القدم بعصبية دون أن ينبس أحدهما ببنت شفة، بعد ربع ساعة من الصمت الداكن فُتح الباب تزامنًا مع صرير مزعج، دلفت أمنية ببطء، لم يلتقيا منذ اقتحم كل منهما حياة الآخر، تقدمت أمنية بجسد كرم الذي صابه الهزال الطفيف، كانت تتناول لقيمات بسيطة خلال الأسبوع وتبكي حظها العثر، أحضرتها سيارة كما حدث مع كرم ووقفت أمام القلعة تشاهد سور نهاية الكون، كتلة مهيبة من رماد تتسيد ساحة صحراوية يخيم عليها الضباب والبرد مُحال أن تنتمي لهذا العالم..
أشار لها إياد أن تتقدم وتجلس على المقعد المجاور لكرم، فعلت ما أمرها به، رجفة طفيفة سرت عبر الأوصال، كلاهما يتوق للعودة لنفسه ومقت سجنه، وجدا إياد يسحب كرسيًا ويضعه أمامها ويجلس عليه، استهل حديثه بنقل بصره بينهما بالتناوب، زفر بمسرحية وبدا على وشك نقل عرض رديء لن يروق لأحد، قال بديناميكية دون مشاعر:
ـ عايز أتكلم معاكم في موضوع مهم.
كلاهما نظر صوب الآخر بارتياب قبل أن ينظرا إليه متعطشين لإنهاء تلك المهزلة، ترصد إياد أمنية بنظراته لعدة ثوان قبل أن يرمي في وجهها قنبلته بأعصاب باردة:
ـ إنتِ حامل يا مدام أمنية..
لحظة واحدة اخترقت فيها الجملة عقل أمنية المتجسدة بهيئة كرم، اضطراب مهول بدأ بداخلها..
ماذا وكيف ومتى ولماذا وكل أداة استفهام ممكنة، كلها أسئلة اندفعت إلى رأسها دفعة واحدة تبعها صراخ رجولي في ظاهره، أنثوى في كينونته وتوابعه، فبعد الصراخ نحيب وعبرات تشاطر دمع السماء بالخارج، الأمطار تهطل في الصيف كأنما تشاطرهما الطبيعة الجنون!
حان دور كرم الذي يرمقهما من بين أجفان مرتخية، مُخدر كليًا ينتظر الخلاص من المتاهة التي سقط بها عنوة، التفت إياد صوبه ونطق بما يعرف وقعه جيدًا:
ـ عملية التبديل صعبة يا كرم فيها خطر كبير عليكم أنتو التلاتة..
توقفت أمنية عما تفعل وشخص بصرها فيما اعتدل كرم من استرخائه على هامش بئر من مفرقعات، نهض كالمجنون يهتف و يذكره:
ـ خطر في إيه ما أنتو عملتوا لنا عملية التبديل وهي كانت حامل..
أومأ إياد بتفهم وأخبره بنبرته الثلجية:
ـ مينفعش نعرضكم للخطر مرتين، النتيجة مش مضمونة..
استقبل كرم القذيفة فجمدته مكانه فيما تقدمت أمنية تتمسك بذراع إياد وتتوسله:
ـ أكيد عندكم حل..
أسبل أهدابه و قال بغموض:
ـ في حل واحد؟!
استعاد كرم جزء من إحساسه كإنسان فيما سارعت أمنية بسؤاله:
ـ حل إيه أرجوك قولنا..
منح كل منهما نظرة واحدة قبل أن يغمغم بأسف:
ـ عملية إجهاض..
هنا اندفع كرم صارخًا بهستيريا، وابل السباب الذي كان يكتمه حرره كليًا، ضربات ولكمات تارة إلى إياد الذي سقطت نظارته أرضًا وتهشمت، وتارة إلى أمنية المحتلة جسده، هراء أن يضرب أحدٌ نفسه، وهراء كل ما يحدث، صابه الانهاك من فرط الانفعال وسقط مغشيًا عليه، تعالى صراخ أمنية بجنون، كيف و متى تنتهي تلك الكارثة التي أوقعت نفسها بها، جثت على الركبتين تبكي نكبتها فيما تدخل بعض الناس المتشحين بالأبيض حملوا كرم إلى غرفة أخرى وتولى إياد مهمة تهدئتها، بعد ساعة كان كرم قد استفاق من الصدمة وواصل سبهم مجددًا:
ـ أنا راجل يا ولاد ال....
حاول النهوض فكان مكبلًا من أطرافه الأربعة بقيود حديدية في الفراش، وجد إياد الكريه يراقبه عن كثب، واقفًا يضع كفيه في جيبي معطفه الأبيض:
ـ معندكش اختيارات كتير يا كرم في مصلحتك تختار إللي هيفيدك أكتر، المركز هيدفعلك مبلغ محترم أكبر بكتير من إللي اتفقنا عليه..
بتر إياد البقية لن يخبره أن سمعة فريقهم البحثي ومركزهم على المحك، والحالة الفريدة إن استمرت للنهاية ستكون أرض خصبة للدراسة بتوسع، فهي الحالة الأولى من نوعها، رفع ملف أبيض اللون قد دون عليه قبل لحظة الاسم بخط أحمر
x الحالة
تعالت اللعنات التي يطلقها كرم بلسانه وسب النساء والرجال على حد سواء، من بين هذره سأل بذهول:
ـ هو يا إجهاض يا ولادة؟!
توقف لحظة واحدة وعاد يكيل لهم من جديد:
ـ يا ولاد ال..................
وهذا ال...... كثير كي يتحمله أحد، تفوه بأقذع الألفاظ الممكنة
سأله بعصبية من بين لهاثه:
ـ أنت ترضاها لنفسك..
تجعد ما حول أحداق إياد ولم يجبه، قرأها كرم في عينيه فازدادت صراخاته وصب اللعنات عليهم، استمروا في تكبيل جسده وتركوا فمه حتى يفرغ ما بداخله كليًا، لن يخاطروا باسم المركز ولن يفوتوا تلك الفرصة كذلك..
أخبره إياد أنهم سيأتون به كل شهر للمتابعة الدورية..
على الجانب الآخر غادرت أمنية بإعياء بعد وصلة بكاء ونحيب مريرة، راحت تهذي بمرارة:
ـ مش عايزة أموت ابني..
طمأنها إياد بأن كل شيء سيبقى كما هو عليه، وهذا يعني الاستمرار كما هي تصلى النار داخل ذلك الجسد ، عجزت عن النظر في عيني كرم رغم أنها أرادت توسله الصفح والصبر، تعرف أن القادم عصيب عليه، هي لا تتحمل أصلًا، قصدت منزل كرم مجددًا وفتحت الباب بهدوء لتجد الأم ونجيبة في الانتظار، لأول مرة يروه منهار هكذا ومنتفخ الأجفان، نهضت نجيبة تغادر مستحية من الوضع وتركته برفقة أمه، اقتربت أمنية من العجوز بعدما أغلقت الباب، جلست جوارها أرضًا ومالت برأسها التي تتحمل ألم العالم وأراحتها إلى فخذ العجوز وأجهشت في بكاء مرير:
ـ طبطبي عليا يا ماما..
اختلج لب الأم وهطلت عبراتها كأمطار بلا نهاية وراحت تقرأ آيات قرآنية علها تهدئ من روع ابنها وتغمره بالطمأنينة..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-03-21, 09:52 PM   #26

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

***
ماذا بعد الورطة!
إن كنت قد وقعت فيها بيد غيرك ستجد من تصب عليه لعناتك، أما إن كنت أنت السبب الوحيد فستقف عاجزًا تكبت سخطك بداخلك، فأنت الأحمق الوحيد هنا..
هناك أشياء لا يصح فيها الاعتياد، أنثى بداخل جسد ذكر يعني اضطراب مستمر، طبيعة مغايرة، خلل بائس بين الشعور والتعبير عنه، لم تكن أمنية تدرك ذلك قبل قرارها الأكثر غباء ورعونة، كانت معضلتها في سيطرة رجل على مصيرها بذريعة أنه رجل، لكن سجنها بداخل كتلة عضلية من لحم ودم وأبعاد أخرى صعقها كليًا، لزامًا عليها التعايش في الجسد والحياة معًا..
تطلعت حولها فوجدت الأمر يتطلب رجولة بعيدة كل البعد عن الذكورة، ربما حانت لها فرصة لتتصرف كرجل، حولها أم عجوز مريضة تحتاج رعاية كاملة، وخطيبة لا تفكر لأبعد من قدميها وجارة تعاني فقر مدقع،
لن تقف مكتوفة الأيدي في كل اتجاه، يكفي عجزها فيما يخص أولادها..
فعلت ما كان يرفضه كرم كليًا، ذهبت إلى منزل أرزاق ذات ليلة، دلفت إليهما وجلست جوار الأم، كانت أرزاق الواقفة تناظرها من علو بغضب، تهتز دون سيطرة على جسدها، لا جديد عن الزيارة السابقة من حيث الضيافة، أجمل ما في هذا لحي هو تحضير الطعام للضيوف كأن ذلك شيء متفق عليه ضمنيًا..
تناولت الطعام وأثناء احتساء الشاي التفتت إلى الأم قائلة بهدوء:
ـ مصنع المراتب بعيد عن هنا؟
اندهشت الأم وأرزاق التي اتخذت من الأريكة المتهالكة مجلسًا، متباعدة تتظاهر بمشاهدة التلفاز، أخيرًا انتهت حقبة الرفض المستمر، أجابته الأم متهللة الأسارير:
ـ قريب يا كرم جنب المستودع، ما أنت عارفه..
هزت أمنية رأسها بلا معنى ونهضت تجلس بجانب أرزاق، مالت بالرأس قليلًا إليها حين نهضت الأم إلى الحمام:
ـ عايز نتكلم شوية..
كتفت ذراعيها أمام صدرها وأشاحت بوجهها للجهة الأخرى:
ـ نتكلم في إيه إن شاء الله..
تنهدت أمنية وحكت الجبهة بعصبية، لا تحتمل ذلك الضغط ولا تطيق محايلة أحد لكنها ولسبب ما تشعر بالمسئولية تجاه أرزاق السائرة مع أي تيار دون تردد، أعادت الهمس محكمة الخناق على انفعالها:
ـ لازم نتكلم وتسمعيني يا أرزاق..
مطت أرزاق شفتيها بملل وتندرت:
ـ هتديني درس في الأخلاق ولا إيه؟!
نفت أمنية بزفرة مكتومة:
ـ لاء بس هعلمك حاجة مهمة..
توسعت أحداق أرزاق، أمنية تحدثها كما الرجال، وبعض النساء ينصتن حين يتشح الرجال بحلة المُعلم، هكذا عاملها أمجد لسنوات طويلة، قد كان يجلسها أمامه كتلميذة ويقول بثقة
( خليني أعلمك)
لا تعرف كيف سلكت ذاك المسلك الجدي مع الفتاة التي تتطلع إليها بتركيز:
ـ المفروض يكون ليكي كيان خاص ومتكونيش مضطرة تتنازلي عشان جوزك أو خطيبك..
صمتت تقلب ما تفوهت به في رأسها، من الذي يتحدث، أمنية التي تركت أمجد يمارس دور المعلم والعراب دون ممانعة، إلى حد جعله يحولها إلى شخص يعيش حياته إرضاءً لرجل دون الالتفات إلى نفسه، كانت لتعيش بسلام وسعيدة لو أنها اختارت ذلك، لكن إجباره لها على ذلك هو المؤذي بشدة، أن تكون ظلًا مرغمًا ستعيش داخل قمقم بلا شك، تساءلت أرزاق بحنق:
ـ وأعملها إزاي دي؟
أجابتها ببديهية:
ـ تشتغلي..
تباعدت أجفان أرزاق مصعوقة، أمعنت في وجهه النظر تتأكد من أنه لا يمزح، وجدت قناعًا من الجدية يكسوه فسألته بحذر:
ـ عايزني أشتغل إيه يا كرم؟
لم يخطر ببال أرزاق سوى تلك السيناريوهات الرديئة حيث الخاطب يمارس ضغوطه على مخطوبته وينتهي بها الأمر تعمل كراقصة أو بائعة هوى، نهض بانتفاضة كمن مستها صاعقة وهتفت:
ـ وهتشغلني فين بقى..
قرأت أمنية ما جال بخاطر المخبولة فنهضت ضاحكة بدورها:
ـ أكيد مش هشغلك في مكان مشبوه..
كتفت أرزاق ذراعيها أمام صدرها وتولى جسدها الاهتزاز بعنف ينم عن غضبها المكبوت، تنهدت أمنية ورغمًا عنها تعالت ضحكاتها، فالهموم هنا تثير الضحك بشدة، رفعت أرزاق حاجبيها بسخط فلوحت لها أمنية بأن تطمئن:
ـ افهمي يا أرزاق دلوقت أنا هستلف فلوس من صاحبي وأعمل محل صغير لبيع العطور بتاعة نجيبة أنتِ بقى هتكوني مسئولة عنه..
استشاطت غضبًا حين سمعت اسم نجيبة و اشتعلت غيرة منها:
ـ نجيبة مين دي كمان، هي من بقية أهلنا!..
ضيقت أمنية العينين وتفهمتها جيدًا، رفعت الرأس إليها ببسمة بسيطة:
ـ نجيبة عايزة تصرف على ولادها وأنا عايزك تعتمدي على نفسك، حاولي تتأقلمي مع الوضع..
أرزاق لا تستسيغ فكرة العمل أصلًا، حقها أن تتزوج رجل يتحمل مسئوليتها، سألت متأففة:
ـ وأشتغل ليه، ما نتجوز وأنتَ اعمل واجبك واصرف عليا..
اتسعت ابتسامة أمنية وأجابتها بصبر:
ـ المفروض متعتمديش على حد في الدنيا غير نفسك، بلاش تكوني اتكالية مستنية حد يصرف عليكِ..
تمتمت خلف خطيبها بتفكير:
ـ اتكالية!
بدت على وشك الاقتناع وأمنية أحبت ذلك بشدة، شجعتها بدفعة حقيقية:
ـ في ستات غيرك بيتمنوا يحققوا ذاتهم، عندك فرصة يبقى ليكي فلوس خاصة وكيان يخصك لوحدك..
صمتت لحظة وتنفست بعمق قبل أن تطمئنها بهدوء:
ـ مش هاخد منك فلوس متخافيش..
عقدت حاجبيها تفكر بعمق:
ـ بقيت بتتكلم بطريقة غريبة يا كرم، أنت عايز إيه بالظبط..
لأول مرة تمد يدها إليها، حطت أمنية بكفها على كتف الفتاة وربتت بهدوء:
ـ عايز ك تحسي بكيانك..
وهي لا تفهم معنى أن تنفصل امرأة عن زوجها في شيء، الحال الدائر هو أن المرأة تكمل الصورة ولا تكون أساسها، شعرت بأنها تائهة فتجعد أنفها بخوف:
ـ طب يلا نكتب الكتاب..
وما تطلبه كارثة، من الذي سيردد خلف المأذون بأنه قبِل الزواج!
أولتها أمنية الظهر وكانت منتظرة ذلك الطلب، زفرت بضيق وأخبرتها:
ـ هنضطر نأجله كام شهر...
شهقت الفتاة ودارت بسرعة لتقف أمام خطيبها وتسأله:
ـ يعني إيه نستنى، أنت بتخوفني يا كرم..
حاولت أمنية كبت انفعالها، تريد قبل الجميع الانسلاخ من ذلك الجسد وتلك الحياة للعودة لنفسها، وتركهم لحالهم، ارتسم على الثغر ابتسامة مريرة تزامنت مع قولها الخافت:
ـ هنحوش شوية يا أرزاق..
قبل أن تعترض وعدتها بخشونة:
ـ هحوش الفلوس معاكي عشان تطمني..
وبالفعل كانت تعطيها نصف ما تكسبه من العمل الشاق، مر شهران على ذلك وتم افتتاح متجر العطور في شارع مأهول بالمارة، لم تتوافق أرزاق مع نجيبة التي تغار منها قط لكنها لا تراها كل يوم حيث أن المقابل لإنشاء المتجر كان الاعتناء الكامل بوالدة كرم أثناء غيابه، فكانت نجيبة وأطفالها يقضون النهار بأكمله برفقة العجوز تعتني بها وأرزاق في المتجر الصغير الذي يدر دخلًا مناسبًا وأمنية في العمل ككرم تعمل بكد وإتقان..
أمنية الأم تعيش أسوأ حالاتها النفسية، كانت تسترق النظر إلى أطفالها كل صباح حين يهبطون إلى حافلة المدرسة، تراقبهم كل حين بمرارة في حلقها وعبرات غزيرة تغافل أحداقها المحمرة وتهبط، رأت كرم من بعيد ذات مرة في المركز تجاهل وجودها وكان شاحبًا يعيش التجربة بدلًا عنها، بالنهاية كانت تلك أسوأ ضريبة ممكنة..
انتهى الفصل
قراءة ممتعة


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 12:47 AM   #27

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الخامس
( الأخير)
***
أرّقتها الحيرة وسرقت سلامها الهواجس، كيف لكرم أن يطلب منها العمل وينعتها بالاتكالية في وسط كوسطهم الذي لا تعمل فيه المرأة إلا للضرورة، كيف يطلب منها العفة بعدما دنسها، خوفها من تملصه منها لا يفارقها ويسلبها راحة بالها، تململت في رقدتها على الأريكة البسيطة وتدثرت بغطاء خفيف، وصلتها رسالة من رقم مجهول وكان الوقت قد تعدى منتصف الليل، جعدت جبينه لتلك الجرأة الفجة وأغلقت الهاتف، عدته متطفلًا لزجًا ولم تكترث له، قضت وقتها في الانتقال بين قنوات التلفاز دون هدف، فكرت في عدة احتمالات ممكنة تخص مستقبلها ، لماذا لا تترك كرم الغريب الأطوار هذا وتتزوج من رجل يقدرها حق قدرها، تنهدت في يأس تمسح وجنتها، لا تتخيل أن تتركه ببساطة، اقترابه منها صنع أُلفة كبيرة وانسجام يحُول دون رغبة الانفصال، استقرت في رقدتها على ظهرها تناظر السقف المتهالك شاردة، ماذا لديها لتخسر!
جسد وسقط في الوحل وما بيدها حيلة، نقود والفقر مدقع يكاد يبتلع الجميع دون هوادة، فزوج آخر لن يزيد عن كرم فيما يقدمه إلا بمقدار ضيئل، لا تنكر بينها وبين نفسها حاجتها، تحتاج رجلًا يضمها بين ضلوعه يحميها تقلبات الزمن ويقاسمها شظف العيش، تنهدت تمسح على كتفها وطمأنت نفسها بأنه سيدخر أمواله معها، علّهما يحصلان أخيرًا على حياة بسيطة تجمعهما تحت سقف واحد، غفت بعد حين مبتهلة كي يتبدل الحال..
عند الصباح وجدت رسالة جديدة، متحرش سمج يتغزل فيها بفجاجة، نهضت تزيح عنها الغطاء وتستغفر كيلا تهاتفه وتفرغ فيه غضبها وضيقها كله، حمل ثقيل فوق صدرها يضيق أنفاسها، تنهدت تهدئ من روعها وقد كان الطقس رائقًا لسعة برودة طفيفة هدهدت وجنتيها قبل سطوح الشمس الحارقة، تفقدت حال أمها فوجدتها غافية على فراشها، أتمت روتينها الصباحي الشخصي والمنزلي وانتهت من التنظيف فيما استيقظت الأم أخيرًا، ارتدت أرزاق عباءتها السوداء وأخبرتها أنها ذاهبة لابتياع الفول والفلافل لتحضر الفطور، غادرت إلى الشارع الفارغ تتلفت يمنة ويسرة، لم تشعر بالراحة فور مغادر ة المنزل، شعرت حين وصلت نهاية الشارع بأعين تتلصص عليها، ثمة خيال يطاردها وكلما بحثت عنه تلاشى، وصلت إلى الزحام المحاوط لعربة الفول على ناصية قريبة، تناست شعورها بالحصار حين غازلت شهيتها رائحة مأكولات العربة ونقدت الرجل ثمنها عندما سلمها لها ساخنة، عادت أدراجها وتلك المرة التقطت المتطفل فتساءلت مندهشة فيما تتفحص عيناها وجوده كي تتأكد:
ـ عماد!
تقدم إليها يسارع الخطوات في حماس ووقف قبالتها:
ـ صباحك زي وشك يا أرزاق..
جعدت ما بين حاجبيها، أيسبها لأن وجهها عكر أم!
عند التساؤل الثاني رفعت حاجبيها في استهزاء:
ـ خير يا عماد عالصبح..
ابتسم بطريقة مقززة يحك رأسه بخفة:
ـ كل خير يا أرزاق بس قلت أسلم عليكِ..
أشارت للطريق تسأله:
ـ وسلمت!.. يلا سكة السلامة بقى..
استفهم منها في مكر ونظرات مبهمة بالنسبة لها:
ـ أخبارك إيه مع كرم..
لوت شفتيها تقلب عينيها في ملل:
ـ وده يخصك في إيه؟
هز رأسه كمن يعرف الخبايا كلها:
ـ مش حاسة إنه متغير معاكِ حبتين!
رمشت عدة مرات عابسة، بالفعل كرم تغير وكثيرًا، انتبه عماد لاضطرابها فابتسم متخابثًا:
ـ مسألتيش نفسك اتغير ليه..
ركزت بصرها على وجهه تزجره:
ـ وأنتَ مالك بيا..
اقترب إلى حد خطر يلفحها بأنفاس كريهة:
ـ مردتيش على رسايلي ليه؟
جحظت عيناها متجهمة، ابتعدت خطوة تسأله في استنكار:
ـ أنتَ إللي بعت الرسايل بالليل؟
توتر قليلًا، كان عليه التروي لكنه فضح أمره بنفسه بكل غباء، تلفت حوله فاطمأن لخلو الشارع إلا من عدد ضئيل من الناس، جازف أكثر فإما أن تسير الأمور على أكمل وجه أويخسر من أول جولة:
ـ أيوة أنا..
أشارت لنفسها متعجبة:
ـ ده أنا خطيبة صاحبك..
سخرت ملامحه، كاد يفتش لها سر كرم لكنه أذكى من ذلك، لن يقتل دجاجة بإمكانها وضع بيضة ثمينة له:
ـ أنا وصاحبي واحد..
والمعنى المبطن قذر قرأته في نظراته الناهشة قبل كلماته المقززة، في لحظة رمت عليه الطعام فتبعثر على ملابسه وفي أخرى خلعت حذاءها وهرولت إليه تنهال على رأسه ضربًا، تأوه ينهرها ويتباعد فتركض خلفه وتعاود ضربه، كيف يجرؤ على ذلك ستلقنه الدرس الأقسى، من يظنها ذاك الأبله!
ابتعد من بين يديها ينفض نفسه ويهتف ساخطًا وقد هُدرت كرامته أرضًا:
ـ أنتِ فاكراه راجل ولا إيه، بكرة تعرفي الفرق بيني وبينه..
قذفته بالحذاء في وجهه متجاهلة العدد الضئيل من المارة الذي تجمع حولهما:
ـ لا بكرة ولا بعده إياكَ أشوف وشك العِكر ده..
بصقت في وجهه قبل أن تلتقط الحذاء وترتديه عائدة للمنزل، ستسقطه من ذاكرتها بعد أن تشكوه لصديقه، لا يستحق حتى التفكير فيه..
زادت نقمتها على كرم الصفيق الذي يتركها بلا زواج عرضة لأمثال صديقه القذر، بل ويصادق الحثالة الطامعين، إن رأت وجه عماد ستشوهه وتوعدت أن توبخ كرم نفسه ما إن تراه..
..
انصرف عماد مغتاظًا، عزم على استغلال الموقف قبل أن ينكشف أمره، ذهب في ذات الصباح إلى منزل كرم بعدما هندم ثيابه وهيئته، طرق الباب بوجه سمج ففتحه أمنية، كانت قد تحضرت للذهاب للعمل الجديد، تساءلت في وضوح دون تبادل تحية:
ـ خير ياعماد، في حاجة؟ ..
مهما حاولت التصرف مثل كرم تفشل، كان ليلاحظ اختلافًا جذريًا إن تعامل معها دون أن يخبره صاحبه، تصنع بؤس القسمات وأطرق لبعض الوقت:
ـ متأخذنيش يا كرم بس عايز قرشين سلف أمي محتاجة تروح للدكتور دلوقت، عمليتها بالليل ومش عارف أروح لمين، لو اتأخرنا هيبقى في خطر عليها..
تأثرت أمنية فورًا وازدردت لعابها، فكرت أن وجودها هنا ما هو إلا سببًا لمساعدة هؤلاء الناس، سألته في اهتمام متجنبة السؤال عن طبيعة مرضها حتى لا يشك بها:
ـ هي حالتها صعبة كدة؟
أومأ عماد في أسف ورمقها بطرف عينيه متصنعًا التأثر:
ـ ما أنتَ عارف يا كرم، مش بتنام من ألمها..
ازدادت حيرة أمنية وغلبها لين قلبها وعطفها سألته في اندفاع:
ـ محتاج كام للعملية دي..
التمع الجشع في عينيه خاطفًا، أخفاه سريعًا قبل أن يخبرها بصوت خافت:
ـ عشرين ألف..
رددت خلفه في تفكير:
ـ عشرين ألف..
سارع عماد بإضافة ما يستطيع من قهر في نبرته:
ـ الغلابة ملهومش عيش هنا، مش كفاية فقر لاء فقر ومرض كمان..
التفتت برأسها للخلف، والدة كرم المسكينة خير دليل، لقد توفت والدتها في مراهقتها وألم الأمهات يمس قلبها ويؤلمه، هدلت كتفيها فيما عادت تناظره:
ـ هحاول أتصرف لك في المبلغ يا عماد النهاردة..
كاد يبتسم عماد نصرًا وكبح تلك البسمة سريعًا وقدم سؤاله بصيغة اهتمام بالغة:
ـ وهتجيبهم منين بس ياكرم ما أنا عارف الحالة وإللي فيها..
طمأنته أمنية ببسمة بسيطة:
ـ هستلفهم من واحد صاحبي متقلقش..
وعدته أن تقابله عند الظهيرة ووفت بوعدها، أعطته المبلغ كاملًا في ظرف ورقي عند المقابلة في أحد الميادين العامة، غادرت سريعًا وفور عودتها للمنزل بعد المغيب صدمها وجود أرزاق قرب المنزل، واقفة ترغي وتزبذ متخصرة، حكت أمنية الجبهة تزفر ببطء كي تهدأ، تقدمت أرزاق تطالعها صعودًا وهبوطًا:
ـ مبتردش على التليفون ليه؟.
أطبقت أمنية الشفتين وتنهدت، عليها بتمالك أعصابها واحتمال ذاك الحصار:
ـ كان عندي شغل بس والموبايل كان سايلنت..
تهدلت شفاة أرزاق السلفى وتمتمت مستهزئة:
ـ موبايل سايلنت!
تداركت أمنية نفسها وصححت:
ـ تليفوني بس كان صامت عشان الشغل وكدة..
كتفت أرزاق ذراعيها أمام صدرها وأخبرتها في نزق وسخط شديدين عن فعلة عماد النكراء، صُدمت بشدة وربطت ما حدث صباحًا مع ما ترويه أرزاق وتوجست خيفة من أن يعرف هذا الرجل كل شيء ويبتزها ليكتسب المال بغير حق..
احتوت الموقف وأظهرت استياءً وبغضًا يرضيان أرزاق وطمأنتها أنها سوف تتصدى له في أقرب وقد، ابتهجت ملامح أرزاق قبل أن تتلفت حولها وتتأكد من خلو الشارع قبل أن تتصنع الدلال وتسأل خطيبها:
ـ ما وحشتكش يا كرم..
تهكمت أمنية بطريقة الواقفة أمامها نفسها:
ـ متشوفيش وحش..
تجهم وجه الأخرى فابتسمت أمنية التي تريد صفعها على ميوعتها:
ـ اتفقنا على إيه!
زفرت أرزاق بعنف قبل أن تلوح بكفها وتنصرف في غضب..
غرقت أمنية في أفكارها السلبية طيلة الليل قبل أن تخبر إياد صباحًا بكل ما حدث، أخبرها في عملية أنه سيهتم بالأمر وطلب منها أن تعتمد عليه، فتركت له زمام الأمر ولم تترك عقلها أفكارها البغيضة..



التعديل الأخير تم بواسطة Fatima Zahrae Azouz ; 21-05-21 الساعة 09:28 PM
samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 12:51 AM   #28

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


***
كل شيء وارد الحدوث تحت سطوة الجنون المحض، كرجل كامل الذكورة يعاني أعراض الحمل..
كم مر من الوقت
يوم
شهر
سنة
دهر!
ربما كانت لحظة تضاهي الدهر كله، اللحظة التي شعر فيها كرم بالغثيان والتي جعلته يكره كل من وطأت أقدامه هذه الأرض، إعياء مستمر وضيق يوازي ثقب إبرة باتا لا يفارقانه، اعتزل أمجد وأطفاله من بداية فاجعة الحمل تلك واتخذ لنفسه غرفة داخلية لا يفارقها إلا إلى الحمام، تذرع بإحساسه الدائم بالقرف من أمجد، أمجد الذي رفع حاجبيه وقتها باستنكار وتساءل:
ـ قرفانة مني أنا يا أمنية..
وكما يسمع في الأعمال الدرامية الرديئة أجابه بعد زفرة مختنقة:
ـ قرفانة من ريحة البتاع إللي بتحطه على هدومك ده..
والحقيقة أنه يقرف منه شخصيًا، يقرف كون هناك رجل أكثر رجولة منه بل ويحمل طفله!
شعر أمجد بإهانة مبطنة مستمرة جعلته يؤثر كبريائه على حبه لزوجته وسعادته بحملها:
ـ والله البرفيوم بتاعي مش جديد، اعملي إللي يعجبك..
سمعها كرم كما تسمعها كل امرأة بالطبع ففي تلك الحالة تتم الترجمة تلقائيًا إلى
( اضربي راسك في الحيطة)
أراحه ابتعاد أمجد وأمضى معظم ساعات اليوم في الغفوة، لم يختر الهروب بتلك الطريقة فقد كان يجد نفسه بلا مجهود يُذكر يسقط في النوم العميق من فرط الإعياء..
وعند الطعام فلم يعد يتقبل شيئًا مطلقًا، كل شيء ها هنا مثير للغثيان، ازداد عصبية ووحدة بالتدريج، كره ذاته مع كرهه للجميع، وتساءل كثيرًا لماذا هو بالذات الذي يسقط فريسة لهؤلاء ولاد ال.................
والنقاط تصل إلى ما لا نهاية، ظن أن أبشع شيء ممكن أن يحدث له هو التبديل مع امرأة رآها جذابة ذات مرة، لكن أن تتمرغ رجولته وهرموناته الذكورية في الوحل هكذا
هذا هو القرف بعينه، نهض من رقدته المستمرة على الفراش الصغير بغية تكييل الكيد إلى المدعوة أمنية، أرسل لها رسالة دنيئة تجعلها تتلظى بنيران الشك
( أنتِ ضامنة منين إني مش بأذي ولادك أو بخرب لك بيتك!)
كانت أمنية في تلك اللحظة في طريق العودة إلى المنزل تجلس جوار نافذة حافلة عتيقة تنظر للسماء الرمادية من فوق رأسها وتغيب في طفلها الذي لن تنجبه أبدًا، وصلتها الرسالة فتنفست ببطء، تتوقع منه كل شيء، تتفهم اضطرابه، تريد هدهدة قلبه الحزين والاعتذار حتى ينفد مخزون الأسف في العالم، لكنها قد اكتسبت بعض الخبث من وضعها الجديد وما أجبرها على معايشته، أرسلت ردها أشد خبثًا منه
( وتضمن منين أني مأذيش والدتك.... ولا أرزاق، البنت دي لو قلت لها تعالي هبيعك بالكيلو مش هترفض)
وصلته الرسالة فنهض يتصل بها ويترك العنان لوابل من السباب، مسدت الرأس بكف وبالأخرى تمسكت بالهاتف فوق أذنها:
ـ أنا عارفة يا كرم ومقدرة ظروفك، آسفة أني هكون حقيرة لو أنتَ اضطرتي لكدة..
قطع حديثها بتنهيدة وأكملت في أمل:
ـ زي ما بساعدك في حياتك، أنتَ كمان لازم تساعدني..
لم يرد عليها إلا بعد مرور بعض الدقائق الرتيبة في ظاهرها، تشتعل اختناقًا في جوهرها، قطع الصمت بوابل جديد من السباب وأغلق الهاتف في وجهها...
***
قتله الشعور بالضجر، والحزن كذلك، لا يعرف لماذا تغرورق عيناه بالدمع دون داعٍ، الرجال كما يعلم لا تبكي لكن النساء يفعلن وبغزارة!
انتهى من وصلة بكاء وغثيان صباحيين غير مبررين وجلس على أرضية الرخام بالمطبخ يعبث في الهاتف، الخادمة التي تأتي كل يومين لتنظيف المنزل والطهي تؤدي عملها على أكمل وجه، قد أزالت بالأمس خيط النمل الذي عاد اليوم يسير ببطء أسفل الحوض الذي يتفحصه الآن باهتمام بالغ، بات يصب تركيزه على تفاصيل لم تكن لتخطر بباله قط، عماد الذي كف عن الاتصال بكرم على هاتفه الخاص بعد حادثة العشرين ألف جنيهًا ولم ينكشف ما فعله معها ومع أرزاق حول الدفة صوب كرم المتجسد في هيئة المرأة الخلابة التي تشبه ممثلات التليفزيون ذوات البشرة الناعمة والقد الممشوق، رد عليه كرم بعصبية:
ـ خير إن شاء الله..
أجاب عماد بخفة ظل مصطنعة لا تليق به:
ـ وحشتني يا صاحبي، عايز أشوفك..
قلب كرم العينين في الفراغ بملل:
ـ متشوفش وحش..
استخدم عماد بطاقته الرابحة:
ـ عديت على أمك امبارح..
استرعى كل انتباه كرم الذي قتله الحنين لتلك العجوز التي يحبها أكثر من أي شيء في هذا العالم، لم يمر عليه وقت طويل كهذا بعيدًا عنها وفي هاته اللحظة ود مغادرة ذاك الجب الحالك السواد الذي سقط فيه عدوًا إلى أحضانها، سمع عماد يسأله بترقب:
ـ أجي أطمنك عليها؟
تردد كرم قليلًا، الوحدة تقتله ولا يستطيع التقدم خطوة واحدة قرب منزله، يستحي ويستنكف أن يمر بأمه أو يرى أرزاق التي يهاتفها كل يوم يسمع صوتها ويغلق الهاتف فقط، أعاد عماد عليه ذات السؤال بخفوت فأجابه كرم ببطء:
ـ تعالى يا عماد العنوان.........
بعد نصف ساعة كان عماد يدق الجرس فيفتحه كرم بزفرة حادة، أمجد قد سافر ليومين والأطفال ذهبوا إلى زيارة جدتهم لأبيهم وسيأتون في المساء برفقة الجدة كما يفترض..
دلف عماد حين أفسح له كرم مكان يكفيه، تلفت الضيف حوله مشدوهًا بانبهار، أغلق كرم الباب وارتكن إليه يرمق صديقه بهدوء، وصديقه انطلق يقيم الشقة ومحتواياتها الباهظة في جشع، سأله كرم الذي أمعن فيه النظر:
ـ أمي عاملة إيه..
النظرة التي منحه إياها صديقه أعلمته أنه اقترف خطأ لا يُغتفر، كانت عيناه تتلكأن بتباطؤ على الجسد الأنثوى المغوي الذي يحتله، تقدم عماد صوبه، الجسد مستدير يعكر صفو فتنته بروز صغير عند البطن، لكن لا يهم، أجاب والرغبة تكاد تتقافز من مقلتيه:
ـ أمك بخير..
حط بكفيه على الباب المرتكن إليه كرم وبدت نيته السيئة، ازداد كرم معرفة بنية الآخر حين قال بصوت أجش كره تردداته:
ـ إيه الحلاوة دي..
كان كرم في لحظة واحدة قد طرحه أرضًا بضربة قاسية تحت الحزام وهتف ببغض:
ـ حلاوة دي تبقى أمك!
الجميع يروادنه عن نفسه أو نفس أمنية لا فارق، لابد أن تعرف تلك اللعينة أنها كانت مستهدفة من حثالة البشر، فتح الباب يشير لصديقه الذي يتلوى متألمًا على الأرض:
ـ يلا روح في داهية مشوفش وشك ده تاني..
كانت تلك الحادثة ستمر مرور الكرام دون أن يذكرها سوى كرم وصديقه لكن الصدف السيئة تُفضل أن تحدث، كان أمام الشقة المقابلة امرأة ترتدي عوينات دائرية ضخمة تناظرهما بصدمة عارمة، هتفت المرأة الخمسينة الممتلئة الجسد باستنكار حاد:
ـ مش معقول يا مدام أمنية دي تاني مرة أشوفك مع راجل غريب، جوزك لازم يعرف إللي بيحصل من ورا ضهره..
اشتعل كرم غضبًا، هذا ماكان ينقصه، امرأة فضولية تحشر أنفها فيما لا يخصها تأتي هكذا وتخرب كل شيء، بصق في وجه عماد الذي نهض يتأوه:
ـ امشي من هنا..
نهض عماد يناظر من يعتمر الجسد الأنثوي ويتوعد :
ـ أنا هفضحكم..
ركله كرم في ركبته وهتف بفظاظة:
ـ أنا كمان هفضحك، شوف أنت لسة سارق مين من كام شهر..
اتشح وجه عماد بالذعر قبل أن يفر هاربًا..
شيعت رحيله السيدة نوال بسخط قبل أن تنقل بصرها إلى جارتها اللعوب، تأفف كرم ولوي الشفتين قبل أن يشير صوب الصالة الداخلية:
ـ ادخلي..
رفعت المرأة المشمئزة حاجبيها بعدم رضا، لا يعجبها سلوك جارتها صاحبة الثلاثة أطفال، كادت تنفعل أكثر لكنها أيضًا ليست متأكدة من خيانة أمنية بشكل كامل، لاسيما وأن ذاك السلوك جديد عليها، دلفت تدير عينها أرجاء الصالة الفسيحة وتكتف ذراعيها أمام صدرها:
ـ خير إن شاء الله، هتمنعيني إزاي أحكي لجوزك عن خيانتك!
ابتسم كرم بسخرية وسألها:
ـ اتأكدتي منين بقى، بيقولوا لازم تشوفينا من غير هدوم..
تخضب وجه المرأة بحمرة الخجل، صدمها أن تتحدث جارتها بتلك الجرأة، جارتها التي أغلقت الباب وأشارت لها كي تجلس، رفضت السيدة نوال وطفقت تحدثها بحكمة سنوات عمرها الخمسون:
ـ الخيانة بتغضب ربنا، وغير كدة أنتِ أم..
رفع كرم الخصلات النافرة للخلف وباغتها دون مقدمات:
ـ بس أنا راجل..
رفرفت أهداب المرأة مما تسمع، استغل كرم تشوشها وأخبرها الحقيقة دفعة واحدة، اتسعت أحداقها بصدمة عارمة ولم تصدق حرفًا، صاحت مستنكرة:
ـ أنتِ فاكرني مجنونة هصدق الجنان ده؟
مال قليلًا يلتقط الهاتف من فوق منضدة صغيرة وهاتف أمنية فردت عليه سريعًا، فتح مكبر الصوت وأشار للمرأة كي تلتزم الصمت، سأل أمنية بسخط:
ـ امتى هنخلص من الورطة دي أنا كرهت حياتي بسببك..
سمعت السيدة نوال تنهيدة وحشرجة صوت رجولي على وشك البكاء:
ـ نفسي يا كرم أرتاح النهاردة قبل بكرة، ولادي وحياتي وحشوني، ومش عارفة أوصفلك شعوري عامل إزاي بظروف البيبي..
تصنع كرم زيادة الغضب وقاطعها:
ـ أنا ذنبي إيه أعيش حياة زي دي وأخسر رجولتي بسببك..
بررت أمنية باكية:
ـ أنا السبب يا ريتني ما حبيت أجرب إحساس لو كنت راجل..
وتلك محادثة تتم كل بضعة أيام كلما يضيق الحالة بكرم يحدثها يوبخها فتبرر وتبرر دون نهاية، قطع كرم سيل حديثها غير المجدي برصاصة أردتها صريعة اليأس فورًا:
ـ جارتك شافتك وأنتِ معايا المرة إللي فاتت هنا، ومن شوية صاحبي جالي وشافته وفاكراكي بتخوني جوزك..
بتر التتمة التي كان سيرميها في وجهها وهي أن زوجها البغيض يستحق الخيانة وهذا انتهاك صريح لمواثيق الرجال إذ أنهم يؤمنون بأن الرجال جميعهم لا يستحقون الخيانة
رغم أن الخائنات تخونن الرجال مع رجال أيضًا!
عبث..
فرك جفني العينين المغلقتين منتظرًا منها التعليق على ذلك كما فعلت السيدة نوال، انهارت أمنية ببكاء حار مصدومة، الأمر يزداد تعقيدًا، كلما تطمئن قليلًا يحدث ما يسلبها الراحة الطفيفة، أخبرته من بين بكائها المرير:
ـ أنا هاجي دلوقت أتكلم معاها، يارب متكونش حكت لأمجد حاجة..
عقب كرم بلا مبالاة ظاهرية:
ـ هي سامعاكي وهتقعد تستناكي..
رفعت السيدة حاجبيها استنكارًا فأخبرها بما لا يقبل النقاش:
ـ هتقعدي تستنيها، مش عايز صداع..
تأففت المرأة دون رفض، ربما دفعتها الحياة الرتيبة الفارغة التي تعيشها للقفز داخل متاهة لا تعرف كيف ستخرج منها..
جاءت أمنية بسرعة فائقة، ارتقت الدرج بركبتين مصطكتين رعبًا، كيف ستواجه المرأة وكيف ستبرر، إنه لمن السخافة أن تحكي ذلك العبث لجارتها التي ما حدثتها ذي قبل إلا بتحيه عابرة، دلفت إلى منزلها بعدما فتح لها كرم بابه، اغرورقت عيناها بدموع حارقة وتأجج قلبها بحريق هائل حين وطأت أقدامها جنتها الصغيرة، وزاد من اشتعال الحريق رؤيتها لموضع الجنين المنتفخ قليلًا، ضيعت على نفسها مشاعر كانت تؤنسها أثناء كل حمل، كانت تحدث أطفالها أجنة وتقص عليهم حكايا بلا نهاية، افتقدت دفء المنزل وجلبة الأطفال، هل اعترفت بإن صراخ أطفالها وشجارهم حياة!
تقدمت للداخل مرتجفة، وجدت السيدة نوال واقفة جوار كرم تمعن فيها النظر، بدت كمن أقسم على ألا يصدق، لكن ربما للصدق رائحة أزكمت أنف المرأة، المرأة التي تعيش وحيدة بعد وفاة زوجها الذي لم تنجب منه قط، بلا أسباب واضحة وجدت أمنية نفسها تنأى عن التبرير بل وتسلك درب التوسل بكل ما آتاها من القوة:
ـ هطلب منك طلب، اعتبريه دين في رقبتي العمر كله.
اقشعر بدن نوال من هكذا طلب، ارتجف قلبها دون سيطرة حين مسها ارتعاش النبرة، أجابت أمنية سؤالها غير المنطوق:
ـ هسيب ولادي أمانة معاكِ لحد ما الأمور ترجع زي ما كانت، مقدرش أحكي لحد من أهلي ومبنمش يا مدام نوال من قلقي..
كانت قد فكرت في إخبار أختها عدة مرات وتراجعت لخوفها من توابع الأمر، وجدت أن معرفة الجارة نوال سيكون ضارة نافعة إن وافقت على المساعدة، ازدردت أمنية لعابها بعسر قبل أن تخبرها:
ـ هخلي حضرتك تكلمي الدكتور المسئول عن عملية التبديل وهو هيقولك كل حاجة بالتفصيل...
كانت أمنية قد حدثت إياد في طريقها، وطلبت منه ما يثبت حدوث عملية التبديل تلك فأرسل لها مقطع فيديو صغير تجلس فيه جوار كرم كل على مقعده وكيف يغفوان بحال ويستيقظان بآخر، بدت أمارات التصديق على وجه السيدة نوال دون حروف، تنفست أمنية الصعداء وانزاح عن كاهلها هم ثقيل فقد اكتسب أولادها الثلاثة أمًا جديدة قد قرأت الحنان يتقاطر من عينيها فاطمأن قلبها بعض الشيء..
سألت كرم قبل أن تنصرف:
ـ صاحبك عماد مش كدة؟
لم يتعجب من معرفتها به بالطبع وأومأ ببطء فهزت رأسها بتفهم ورحلت..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 12:53 AM   #29

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي



***
وعن كرم المكبل بقيود صلبة فقد أرجحته الهرمونات كما يتأرجح النرد بعشوائية..
عاش التجربة على أكمل وجه، آلام ظهر وثقل جديد، كره وحب الأشياء دون سبب، بل وأصبح عاطفيًا يحتضن الأطفال الذين أحبهم وبات يألف وجودهم حوله بعض الشيء، كان ينهض من سبات عميق سعيد بغير مبرر، يهاتف أمنية يمازحها فتتوجس وقبل أن يغلق يخبرها:
ـ أمنية أنا بحبك يا أمنية..
تتوجس أمنية وترتاب وتشك في قواه العقلية، يهاتف أرزاق تفتح الخط ولا يتحدث، لمدة دقيقة واحدة يسمع وجيب أنفاسها وهديرها الغاضب من المتصل المتطفل، حتى أمجد تقبل وجوده بعض الوقت، ذات مساء أخبره ببسمة عريضة بينما يتناول المثلجات التي يضع علبتها فوق بروز البطن المنتفخة عن آخرها بالجنين:
ـ أمجد بحبك يا أمجد!
والزوج المحروم من زوجته جُن جنونه، سارع بإجبار الأطفال على النوم متذرعًا بأن النوم المبكر ضروري للصحة العامة، رمقه كرم الجالس على الأريكة أمام التلفاز يتناول المقرمشات بحذر، تقدم أمجد صوبه باسمًا بعبث فنهض بغتة لتتناثر الحبيبات وتلوث السجادة والأرض:
ـ والله أصوت وأفرج عليك العمارة..
تقدم أمجد المرتسم السخط على وجه وزعق بدوره:
ـ بقيتي لا تطاقي والله..
لقد مل كونه منبوذ ويريد أن يشعر بوجود الطفل، كانت أمنية في كل حمل تحتد عاطفتها وتحبه وتقترب منه مثل قطة هادئة، تلك المرة قد ملّ منها، ابتعادها يزداد بشكل يغضبه لا تسمح له حتى بلمس يدها حتى، اغتاظ وسأل ببغض:
ـ لحد إمتى!
كاد يجيبه كرم بزعقة حادة:
ـ لحد ما ربنا ياخدك ..
لكنه تراجع متصنعًا عدم الاهتمام:
ـ لحد ما أخلص من البلوة دي..
قالها مشيرًا على البطن، هو محق تلك بلوة ضخمة لا يتحملها أحد، غيره كان لينتحر قبل أن يتعايش في وضع كهذا، انصرف إلى الغرفة تحت ذهول أمجد الذي أصبح قاب قوسين أو أدني من الهجرة وترك البلد بأكملها..
لحظة تصلب منه الجسد والروح معًا، تحرك الجنين بداخل الأحشاء يعلن عن وجوده بركلات، بكى كرم رجولته وضيقه وشعر بالقهر يغمره، تبًا لهم جميعًا، تهرب من ذلك الشعور بالنوم العميق، كانت السيدة نوال تطمئن عليه يوميًا وتعتني بحميته الغذائية وتعتنى بالأطفال على أكمل وجه، وبالعودة إليه ثقل أكثر الجسد وتورمت أقدامه، بات عاجزًا عن النوم براحة وحتى الحركة العادية باتت تشكل له معضلة، معضلة أن تكون امرأة!
***
المخاض
كيف سيقابل آدم وبأي وجه سيبرر له
كيف ترك مهمته السامية كرجل وأصبح امرأة تحمل وتلد؟!
آلام من بداية الصباح، وجع لا ينتهى
تجسيد حرفي للموت دون أن تغادر ه الروح، كان قد أكد على الطبيب أن تتم الولادة بعملية جراحية وبنج كلي فيكفي انتهاكًا للرجولة إلى هنا، سأل الطبيب باهتمام:
ـ مش عايزة تكوني أول واحدة تشوفي بنتك؟
أجابه كرم بنزق:
ـ مش عايزة أشوف بنات حد..
اندهش أمجد وسأل بعقدة جبين:
ـ في المرتين إللي فاتوا أصريتِ على ولادة طبيعية عشان مش عايزة جروح، إيه الجديد!
أشاح كرم بوجهه وعلق من بين أسنانه:
ـ تعالى اولد مكاني يا أمجد..
اتسعت أحداق أمجد ورمى زوجته بسهام نظرات مشتعلة متوعدة أمام الطبيب الذي كتم ابتسامته وتدخل:
ـ اعذرها يا أستاذ أمجد، أكيد الولادات السابقة كانت صعبة عليها..
تكبله بظروفها فيضطر للصمت والتحمل وقد ضاق منها ذرعًا..
أتى اليوم قبل أوانه، فجأة استيقظ بألم لا يُحتمل، كل الآلام تدافعت على نغمة واحدة من يا ولاد ال..........
ما زاد رجولته انتهاكًا كان فيضًا من الدم قد سال بلا توقف أغرق كل شيء، لماذا يصاحب المخاض كل ذلك الألم!
أشبع الطاقم الطبي وإياد وأمنية وأمجد بالسباب البذيء
قبل غياب الوعي التام سأل نفسه كيف تحملت حواء كل هذا!
بالتأكيد قد شعرت بكل ما تشعر به بناتها قاطبة من بداية الإنسانية إلى نهايتها دفعة واحدة ومن ثم انشطر الوجع إلى شظايا صغيرة وأخذت كل واحدة منهن جزءً، لقد كان احتمالها ملحمة، كاد يفارق الحياة كلما باغتته دفقة ألم من خلف ظهره إلى الرحم فتهز كيانه، الألم جعله ينضج
الألم جعله يشتاق أمه، حكت له أنها ولدته بعد أسبوع من المعاناة، هل سُميت والدة لأنها تلد؟!
طوبى لكل أم تلد ويسيل دمها بنفس راضية، أوحشته أرزاق، يومًا ما سيقبل جبينها باعتذار حين تحمل طفله وتنجبه
تُرى هل سيعود للحياة
هذيان بلا توقف أتعب رأسه قبل أن يغمض عينيه ويغيب تمامًا..
فرق أجفانه على سحابة ناصعة البياض، شعور بعظمة ما حدث لا يضاهيه شيئًا، ظن أنه بطلًا يحتاج أن يتوج بتاج ويتسلم كأس النصر، أحضروا له الرضيعة فأعرض عنها، الجميع اندهش من تلك الأم التي نبذت طفلتها فور ولادتها، أخبرهم الطبيب أن ذلك وارد الحدوث عليهم فقط بتركها بعض الوقت لتتقبل الأمر..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-04-21, 12:55 AM   #30

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي


***
ما ساد الظلام إلا ليسطع النور من بعده..
في صباح مشرقة شمسه استيقظ الجميع على الحدث المنتظر، انتظرت السيدة نوال كرم أمام الشقة بترقب، كان قد مر أسبوعان على الولادة وتعافي الجسد الذي يحتله من العملية الجراحية بعض الشيء، فتح الباب بهدوء ليقع بصرها عليه، اعتلّت روحه باكتئاب ما بعد الولادة مما أجبر أمجد على اتخاذ مربية تهتم بشئون الطفلة، كسى الشحوب الوجه وانطفأت العينين أكثر، كانت قد نمت بينهما صداقة ودية طوال الأشهر التي أمضاها كأمنية، تعاطفها معه غلب تفهمها لأمنية التي ورطته في حياتها بهذا الشكل الفج، ليس من حقها سلبه حقه ورجولته هكذا، ربتت على أحد الأكتاف بابتسامة مشجعة:
ـ جاهز يا كرم؟
منحها ابتسامة فاترة وأومأ ليهبطا الدرج سويًا، هاتفت إياد الذي تواصلت معه بجفاف طيلة الأشهر الماضية وناقشت معه أحوال الحمل بصفة مستمرة، كانت تُحمله نصيب الأسد من الذنب وذات مرة سألته عن سبب قيام مركزهم بعملية تبديل كتلك، أجابها مختصرًا أن كل ذلك يحدث بهدف الدراسة، وقتها انفعلت بقوة وهتفت بغير سيطرة:
ـ والدراسة أهم ولا حياة الناس ومشاعرهم..
إجابته الثلجية أوغرت صدرها تجاهه أكثر فقد سمعت أنفاسه البطيئة تتسربل عبر الهاتف قبل الكلمة المقيتة:
ـ الدراسة..
حثت كرم على الجلوس بجانبها في السيارة، وقادتها ببطء تشق طريقها بين الزحام، غمرته بنظراتها المشفقة كل حين حتى وصلت إلى المركز الملعون، اجتاحتهما دفعة برد مفاجئة بددت إحساسهما بسخونة الطقس قبل قليل، هبط كرم بآلية، شغفه للحياة قد انطفأ كليًا، لا يثق بأحد ها هنا فقد ذاق منهم الكثير، دلفا متجاورين إلى الداخل فاستقبلهما أحد الحراس، وجدا أمنية قد حضرت قبلهما وجلست تنتظرهما برفقة إياد، نهضت ببطء تركز بصرها عليهما، بدا عليها الشحوب بدورها وهزال الجسد، هذا ما كان ينقصه ستعيد له جسده هزيلًا أيضًا، أشاح كرم بالوجه وأطلق سبة نابية فاقتربت منه نوال تربت على العضد في مؤازرة وتمنح أمنية نظرة لوم قاسية..
أشار لها إياد الذي دلف توًا بالجلوس:
ـ اتفضلي استنينا هنا يا مدام نوال هنغيب شوية وقت..
أشار لأمنية وكرم أن يتبعانه ففعلا دون حروف، سار كرم دون مشاعر تخص نوع بعينه، تائهًا بين مقصلة التعادل، هو ذكر أنجب طفلة بطريقة النساء ولا عزاء للطبيعة..
رغم حماس أمنية كانت متوترة، تخاف من أن يطول الكابوس ولا تعود أبدًا، ذاك الشعور يلازمها منذ البداية، كانت تواكب الخطوات باستسلام ورهبة، أدخلوهما لالتقاط صور تذكارية لتخليد تلك الذكرى التي لن تتكرر أبدًا ، كانت رهبتها تكسو وجهها وموت شغفه يطفو فوق مقلتيه..
دلفا تباعًا إلى غرفة التحضير ومنها إلى التبديل، جلسا متجاورين بصمت، ودعت أمنية الكينونة الذكورية بغير أسف، قوتها تكمن بداخلها دون أن تحتاج لنوع معين يدعمها..
تبادلا آخر نظرة قبل تلاقي الأجفان بتثاقل وغياب الوعي، الوعي غاب إلى حيث لا عودة، تاها بين أرواح شفافة، أرض لينة تحت الأقدام لا تثبت أبدًا، نور من شمس خجول يتسلل عبر غصون خُضر تكسو حواف الأرض، سارا بلا هدى بين أرواح بيضاء، ابتسامتها تنضح بالمعرفة، لا تنتمي إلى نوع معين، كانت كبشر قد خلقوا في ذات المرتبة..
عاد الوعي بنذير الصافرة المزعج، ذات الصداع الحاد وذات الشهقة العالية، كانت أمنية من استعادت وعيها أولًا، فرقت أجفانها بغتة بانفلاج يؤلم الأحداق، لم تحرك بؤبؤي عينيها إلا حين تقدموا يتفحصون مؤشراتها الحيوية، ظلت على حالها حتى انتاب إياد القلق وأزاح الجميع بإشارة منه متقدمًا إليها، احتل مجال رؤيتها بالكامل، كانت كمن عبر ممر مظلم عبر عالمين متوازيين، سألها بتركيز:
ـ أنتِ بخير يا مدام أمنية؟
رفرفت بأهدابها المنفرجين كأشجار عالية على حواف جزيرة، أغمضت عينيها وأغلقتهما ومن ثم نفت بهزة رأس، ضيق عينيه وقد زحف التوجس إليه:
ـ طيب عارفة أنتِ مين؟
ذات الهزة النافية اللعينة، جعلته يضطرب ويزدرد لعابه مائلًا إليها أكثر:
ـ ولا عارفة أنتِ فين؟؟
لم تمنحه جديدًا فاعتدل يهز رأسه بذهول، لا يريد أن يصدق أنها خسرت ذاكرتها أثناء رحلة العبور، أمر الفريق بإجراء الفحوص اللازمة بعصبية ونفاد صبر رُغم أنه يعرف الإجابة مسبقًا، لن يصل لشيء أبدًا، فحالة العقل ليست مستقرة ويتطلب الأمر شهرين كاملين حتى يستطيع تحدد حالتها..
جنَّ جنونه حين شعر بأن مشروعه قد فشل ذلك الفشل الذريع، زعق فيمن حوله كالمخبول:
ـ خدوها من هنا، دوروا لي على أي حل..
ما حدث مع أمنية أنساه أن ينظر إلى الجهة الأخرى
كرم!
كرم لم يعد بعد وتلك مصيبة أكبر، تنفسه بات أكثر خفوتًا والكارثة الكبرى ستحدث إن لم يستيقظ..
تأخر في العودة كأنما يتشبث بالعدم ولا يريد تلبس جسده ثانية، ثمة شيء قد تغير به، انتظروه بقلق وتزايدت الحركة من حوله كأن النار اشتدت من تحت أقدامهم، بالأخير لاحظوا صوت الصافرة المزعج يتعالى رويدًا، انتهت بشهقته الخفيفة..
رجوعه باهت بلا شغف لم يفتح أجفانه كذلك، ظل محله لوقت طويل ساكنًا تحت ترقب أنظار الجميع، أنهى العرض المسرحي الصامت بنهوض مباغت وسبة مستحقة تحتاج إلى مقص رقابي حاد:
ـ يا ولاد ال.....................
أخذتهما السيدة نوال بسيارتها وغادرت بعد مفاوضات طويلة مع إياد الذي ود احتجاز أمنية، هددته بأنها ستقدم بلاغًا إلى النيابة العامة ولن تترك الصحف دون علم إن لم يتركها لها، كانت ستسبب للمركز فضيحة مدوية هم في غنى عنها، تركها لها مرغمًا ووعدته ببسمة هازئة أنها ستكون عرابتها كما كانت مع كرم..
فتحت الباب لأمنية التي جلست في الخلف بصمت، كان جليًا على وجهها الغياب التام كمن لا تتذكر شيئًا أبدًا ولا حتى اسمها، بل ولا تمتلك الرغبة في التذكر، شيعهما إياد خائب الأمل، فقد كان ينتظر بعد عودتهما احتفالًا مدويًا، قفز سعيد ومفرقعات العيد، وحظه العثر ضيع منه ذلك النجاح المبهر..
جلس كرم جوار مقعد السائق الذي استقلته نوال، انطلقت بهما والتفتت صوب كرم تسأله بخفوت:
ـ أخبارك إيه يا كرم، مرتاح؟..
هز رأسه بلا معنى، لا يشعر بشعور واضح، جملة من التشوش تكتنفه، تفهمته كليًا، حانت منها التفاتة صوب أمنية الجالسة في الخلف بشرود وعادت تنظر أمامها بغموض..
أوصلت كرم إلى مقدمة الميدان الذي يسكن أحد شوارعه الفرعية، لوحت له بالوداع فمنحها تلك الابتسامة المريرة قبل أن يسير ويبتلعه الزحام..
أشارت لأمنية صوب المقعد الذي تركه كرم فارغًا ففتحت الباب بآلية وأغلقته لتفتح الباب الثاني وتجلس محل كرم الفارغ، قادت بها السيدة نوال إلى المنزل بزفرة تعب كان لها صدى كبير في قلب أمنية، سألتها بخفوت:
ـ أنتِ بخير يا أمنية..
هزت رأسها إيجابًا:
ـ بخير يا مدام نوال متقلقيش..
***
عند كرم فكان مترددًا في خطواته، لا تطاوعه أقدامه في المضي، اشتاق أمه بشدة، اشتاق أرزاق، وعن رجولته فلا يعرف بعد، مازالت في طور معطل..
وبالحق هو لا يعرف إن كان يريد العودة لوضع فعال أم يفضل حاله هكذا، وصل إلى منزله وطرق الباب، اعتاد طرق الأبواب ففعلها، نهضت نجيبة وفتحته له، لاحظت تجهمه وعدم نظره إليها فارتبكت وأخذت أطفالها وغادرت بحرج، دلف إلى أمه المسلقية على فراشها مباشرة، وجدها مستلقية فوصلها استلقى جوارها واحتضنها دون حروف، أجفلها فمرت عدة ثوان قبل أن تعانقه بذراعيها الواهنين وتضمه إلى قلبها من جديد..
استيقظ بعد حين ليجد الحياة تبدلت، كل شيء منظم كل شيء نظيف وأمه تغمره بحبها على غير العادة، تنتقي الكلمات كيلا تزعجه وتطلب منه خدمتها في رفق فيفعل باسمًا لها بصمت..
***
انتهى الكابوس!
حروف بسيطة تعنى انقشاع غمة، ولا غمام يذوب دون خسائر، خسارتها الكبرى في أنها أنجبت طفلة لم تنجبها، الأمر بذلك التعقيد فلم تحمل بها وتعاني ككل مرة، لم تلدها و لم يقتلها المخاض، لم تشتم عبير الطفولة الأول، لم تحتضنها بعد، لم تمارس أمومتها ولم تروِ شعور الظمأ بداخلها، مليون لم رافقت أفعال لم تحدث قط..
أوصلتها السيدة نوال إلى باب شقتها، ربتت على كفها بمؤازرة فحتى بعدما ظلمت كرم وقلبت حياته رأسًا على عقب هي لا تزال أمًا، نوال لم تجرب الأمومة قط لكنها شعرت لعدة أشهر بأنها أم الصغار تميم وتيم ورونزا..
دفعتها دفعًا صوب الباب ففتحته أمنية بإيدٍ مرتجفة كما حال قلبها تمامًا، دلفت بأقدامها الهشة تمشط جنتها ببطء، كل ما في المنزل كما هو سوى تلك الروح التي كانت تغمره قبلًا، بات صامتًا كمغارة مهجورة وهو الذي كان يعج بالركض، مر من أمامها تميم ولوح لها بفتور قبل أن يجتاز الممر إلى غرفته، اتسعت أحداقها، ليس ذهولًا فحسب بل أسفًا كذلك، نادته بصوت مشروخ:
ـ تميم!
عاد للخلف برأسه فقط يرفع أحد حاجبيه متسائلًا دون حروف، تقدمت منه عدة خطوات بوهن، زفرت بتعب قبل أن تخبره بلهفة مريرة:
ـ وحشتني يا حبيبي..
ازداد ارتفاع حاجبه فارتسمت على محياها ابتسامة مرتعشة، رجفة قلب توازيها غصة في الحلق، تتحمل كل شيء إلا هذا..
هي السبب الأول ولن تحمل كرم فوق احتماله، يكفي دينها له الذي يكبل عنقها، اقتربت صوب طفلها بلهفة تغمره بعناق دافئ فبادلها إياه الطفل بارتياب قبل أن يشدد على عناقها ويدفن رأسه بين رقبتها وكتفها بصمت، يا الله كم طيّب جروحها هذا العناق هي من كانت تحتاج للشعور بأمومتها أكثر من احتياجه هو لأمه..
اعتصرته بين أحضانها حبًا وتنهدت بأعين رطبة، كل شيء قابل للرتق حتى علاقتها بأطفالها، لقد اتسعت بينهما فجوة عميقة جدًا ستبذل جل جهدها لغلقها، ستبدأ مشوار الأمومة من جديد دون استسلام ..
أمسكت بيده تتلمس منه العون ودلفت إلى غرفة الرضيعة، كانت بين أحضان مربية حديثة العهد، شعرت باضطراب يغمر صدرها، لا تعرف ماذا تفعل لعنت نفسها كل المرات الممكنة، تسارعت خطواتها بلا سيطرة والتقطتها منها بقوة تضمها إلى روحها، كان قد حضر تيّم ورونزا ووقفا خلفها يطالعانها بفضول، غريب أمرها، شعروا بأن رائحتها التي هجرتها قد عادت من جديد وغمرت المنزل بدفئها، تقدما منها يراقبون انهيارها الوشيك، جلست على الفراش تحتضن الطفلة وتجهش في بكاء مرير، راحت تهذي بلا سيطرة دون أن يفهموا منها شيئًا، عانقوها يربتون على ظهرها يهدهدونها كأنما هي الطفلة وليس هُم، مدت يدها المرتجفة كجسدها كله تعانقهم وتغرقهم بقبلاتها المشتاقة، أدركت أمنية سر وجودها في تلك الحياة، هي إنسان في مرتبة أم ولن تكتمل إنسانيتها إلا بتلك الأمومة..
قررت أن تمكث في منزلها لبعض الوقت كما اتفقت مع السيدة نوال كيلا يتسنى لإياد لقاؤها، كانت قد خططت معها أن تتصنع ضياع الذاكرة حتى لا يتذوق لذة نجاحه؛ يستحق أن يخيب أمله في تجربته ذلك البارد منعدم المشاعر، فليحترق بقلقه في جهنم..
سمعت صوت مفتاح الباب يدوي بصوت مميز، صاح الأطفال بسعادة:
ـ بابا وصل!
نهضت من محلها تتشبث بالرضيعة تضمها إلى قلبها، بعد دقيقة واحدة دلف إليها أمجد ووقف قبالتها، انعقد جبينه توجسًا من سيل العبرات فوق وجنتيها وتورم عينيها بحمرة مخيفة، وازت وقوفه بوقوف مماثل وقالت بجسارة بينما تركز بصرها عليه:
ـ أمجد إحنا لازم نتكلم في حاجات مهمة..
***
أرض الجشع خصبة لنمو النفايات..
جلس كرم أمام صديقه ممتعض الوجه يوبخه:
ـ امتى هترجع لعقلك يا عماد..
أشاحت المرأة الفاتنة الجالسة أمامه وجهها، طلاء شفتيها الفاقع يتنافر مع قشدية بشرتها، أزاح عماد الخصلات النبيذية عن الكتفين وسخر مهاجمًا:
ـ وأنتَ رجعت لعقلك بعد قد إيه؟
فرك كرم وجهه بكلا كفيه، ظروف الحمل عرقلت عودته قسريًا وعماد المقزز اتفق مع المرأة التي تبدل بها أن يمكث عدة أشهر محلها بينما تظل هي محله، رمقه كرم بعدم رضا:
ـ إللي بتعمله ده قرف ميصحش يا عماد..
مط عماد شفتيه وتفقد أنامله في ملل:
ـ بعوض الراجل عن غياب مراته، إيه عملت جريمة!..
سعل كرم وحدجه مشمئزًا:
ـ أنا برده إللي كنت عايز أتستت!
تنهد عماد في دلال أتقفنه خلال الأشهر الفائتة ونهض يحمل الحقيبة الباهظة ويرحل دون وداع، بعد خروجه من منزل أمنية تتبعه إياد وقبل أن يمر الأسبوع كان قد استقطبه بنفس طريقة كرم، استيقظ ووجد نفسه امرأة أخذ وقته في الاضطراب ومن ثم سلك مسلك الفيلسوف الشاذ الذي أقرّ بأن البيئة هي السيدة وواجبنا علينا التكيف!
***
بعد مرور عام ونصف..
عشان أنتَ قمري وشمسي وهوايا
وجودك معايا ده عندي كفاية
يا وعدي ومنايا يا أجمل حكاية
معاك للنهاية يا فرح السنين تقرب تلاقي في قلبي الحنين
طريقي وطريقك طريق عاشقين..
...
مركز للعلاج الطبيعي لافتته معنونة باسم
أمنية عسكر
قصده كرم ركضًا خلف أرزاق التي اشتاقها بشدة، صعد الدرج فتسربلت إلى أذنه مقطوعة لأمير الغناء الذي عرّفها بأغنياته ذي قبل، اجتاز الباب فوجدها منكبة على المكتب تراجع بعض الأوراق بتركيز، ابتسم ببطء، قد تغيرت تمامًا، تخلت عن عبائتها السوداء واستبدلتها بأثواب عصرية محتشمة وحجاب أنيق، كانت ترتدي ثوبًا أزرق اللون وحجابًا أبيض يناسبانها بشكل غير معقول، تلكأ بصره عليها من رأسها هبوطًا إلى كتفيها ومارس مرور بطيء جدًا حتى وصل إلى قدميها، حمدلله قد اطمأن على بوادر الاستجابة الرجولية التي كان يعرفها قبلًا، تنهد مبتسمًا باتساع وتقدم صوبها، شعرت بوجود صُحبة فتمتمت دون أن ترفع رأسها:
ـ اتفضل استريح الدكتورة أمنية على وصول..
لم يحرك ساكنًا وظل مركزًا بصره عليها فرفعت عينيها لتقع في عمق عينيه، اتسعت أحداقها و تساءلت مندهشة:
ـ كرم!
الدهشة من حقها فلم تلتقِ به منذ عام كامل، قد ظلت لعدة أشهر تلاحقه بالبكاء والتهديد وخموله في ردوده كان يثير غيظها، بالنهاية يئست منه وسلكت طريقها بمفردها بعد أن ألقت الحلقة الذهبية في وجهه، في هذه الأثناء كانت قد تعرفت على الدكتورة أمنية عسكر وطفلتها الصغيرة ذات الستة أشهر، نشأت بينهما صداقة متحفظة، في البداية ارتابت منها بشدة كيف لامرأة بمكانة الأخرى أن تهتم بشخص بسيط تعليمه متوسط مثلها، عرضت عليها أن تعمل كموظفة براتب محترم في مركزها العلاجي الذي تنوي افتتاحه و تترك العمل في متجر نجيبة الذي بدأ ينشط ويدر عائدًا مناسبًا، دهشتها لم تتوقف هنا فقد تعرفت أمنية على نجيبة نفسها وساعدتها في تطوير متجرها أيضًا، الصادم في الأمر أنها كانت تتباسط معهما وكأنها تعرفهما جيدًا بالإضافة أنها تعرفت عن طريق نجيبة على والدة كرم وباتت تزورها بصفة أسبوعية وتشاركها وجبة غذائية تأخذها معها من بيتها، استغرب الجميع من تلك الألفة التي نشأت بين والدة كرم والمعالجة الفيزيائية المتواضعة، وبالعودة إلى والدة كرم فابنها الوحيد يقف الآن أمام أرزاق، يترصد خلجاتها مهتمًا، نهضت تكتم أنفاسها كيلا يُفتضح اضطرابها الداخلي:
ـ خير ياكرم عايز إيه؟
اتسعت ابتسامته ببطء:
ـ إزيك يا أرزاق؟
لوت فمها يمينًا ويسارًا فيما تخصرت تميل وتهتز بسخرية:
ـ زي ما أنتَ شايف أهو، أحسن منك..
ناظرها صعودًا وهبوطًا وارتسمت في عينيه نظرة قد غابت عنها لوقت طويل، نظرة تأكلها أكلًا تمنح أنوثتها الدلال الذي تنشد، اضطربت أكثر فقد انتهت الحقبة التي عاملها فيها ببرود، لكنها قد تغيرت ولم تعد تلك الراكضة خلف رجل تتنازل له عن نفسها كي يتعلق بها ويتزوجها، سألها دون مقدمات:
ـ أجي أخطبك تاني إمتى؟
انطلق الشرر من عينيها كيف له أن يكون منعدم الإحساس هكذا، لولا وجودهما في مركز محترم لكيلت له السباب تكييلًا:
ـ وده من إيه إن شاء الله..
ارتكن إلى المكتب بمرفقه وحافظ على أسر عينيها بقيد عينيه، تجاهل ثورتها التي يعرف كيف يطفؤها قائلًا:
ـ بحبك..
ارتدت للخلف فأزاحت معها المقعد، والثائرة قبل قليل لم تفلح في الحفاظ على انفعال ثابت فاستدارت توليه ظهرها وتتصنع الصرامة:
ـ ومين قالك إني موافقة عليك، أنا دلوقت اتغيرت وبشتغل ومش هتجوز غير إللي أحبه ويناسبني..
استدارتها منحته فرصة ليتفحصها جيدًا، كما هي لم تتغير قط، قتلته الرغبة في لمسها وستحدث فضيحة إن ظلت توليه ظهرها، حمحم بخفوت وأطرق قليلًا:
ـ لفي يا أرزاق مش عايز صداع..
مرت دقيقة واحدة قبل أن تستدير ببطء تناظره بعينيها المتوجسة وتزم شفتيها:
ـ عايز إيه؟
ضحك بخفوت قبل أن يجيبها:
ـ عايز أتجوزك، وتبطلي شغل..
استشاطت غضبًا وتمتمت بحنق:
ـ شغل إيه إللي أبطله أنتَ إللي علمتني مكونش اتكالية يا كرم..
اللعنة على أمنية التي ملأت رأسها بكل هذا الهراء، هادنها بصبر وتنفس ببطء:
ـ أنا دلوقت عندي شغل ثابت ومعايا فلوس مش هنحتاج شغلك ده..
كتفت ذراعيها أمام صدره بنزق فسألها ببسمة واسعة:
ـ قلتي إيه؟
تخصرت مجددًا ومالت بدلال تجيبه:
ـ مش موافقة..
طاف المجون على صفحة وجهه وهمس:
ـ ما تيجي أقولك كلمة سر..
قبل أن تنهال عليه لكمًا أو تقذفه بالملفات القابعة على المكتب استمعا إلى صوت حمحمة أنثوية يعرفانها جيدًا، اضطراب اكتنف خلايا كرم المُخية جعلته يستدير بتباطؤ وتتسع عيناه بتصلب، راقب دلوف أمنية الواثق تحمل بين يديها طفلة ملفوفة بدثار وردي، تقدمت إليهما ببسمة واسعة:
ـ إيه ده يا أرزاق، إحنا عندنا ضيوف!
نقلت بصرها بينهما بمكر قبل أن تصلهما وتقف أمام كرم:
ـ ليه معزمتيش على خطيبك بحاجة يشربها..
دكت أرزاق الأرض بأقدامها في سخط:
ـ مش خطيبي..
ابتسم لها كرم قبل أن يمد كفيه بارتباك فتُقبل الطفلة بعمق مغمضة عينيها و تقدمها له باسمة بتقدير، تلقى الطفلة بين كفيه فارتجفت ليضمها إلى صدره ويتسلل عبقها إلى أنفه، رائحتها تبعث في النفس الراحة، هدهدة طفيفة تسربلت إلى قلبه منحته دفقة سعادة لم يستطع كبتها فبدت جلية على وجهه، بينه وبين الصغيرة رباط لا ينفصم أبدًا ويبدو أنه لم يعد ناقمًا على ذلك..
أثار ريبة أرزاق تلك الأريحية بينهما ونظرت لنصف الكوب الممتلئ، كرم سيكون أبًا جيدًا حنون على أطفالهما..
وعن أمنية فقد تركت لهما طفلتها ذات العام ونصف ودلفت تشق الخطى إلى مكتبها بالداخل، كما شقت طريقها في الحياة، لم تنفصل عن أمجد لكنها أجبرته بحنكتها التي اكتسبتها في سوق العمل حين كانت محل كرم أن يحترم وجودها كامرأة ذات عقل راجح لا يقل عنه شيئًا، وجدت الأطفال يعتمدون على أنفسهم جزئيًا في غيابها وحين عادت علمتهم الاعتماد الكلي وعلمت أمجد أن ينصت ويفهم ويدرك أنها لن تفعل شيئًا دون اقتناع به، صار لها سيف ودرع تحارب بهما من أجل نفسها فهي الزوجة والأم والعاملة الناجحة، هي حواء الجسورة الغير متخاذلة، كينونتها كينونة الإنسان المميز في كل المراتب ..
تمت بحمد الله
2021/2/6
3:06 am
سمر حمدان
( مؤسسة المعهد العالي لنفخ البلالين)


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:52 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.