آخر 10 مشاركات
2- أصابعنا التي تحترق -ليليان بيك -كنوز أحلام(حصرياً) (الكاتـب : Just Faith - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          همس الجياد-قلوب زائرة(ج1 سلسلة عشق الجياد) للكاتبةالرائعة: مروة جمال *كاملة&الروابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          موضوع مخصص للطلبات و الاقتراحات و الآراء و الاستفسارات (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          أحزان نجمة ( تريش جنسن ) 446 ـ عدد جديد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          368 - رياح الماضي - بيني جوردان ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ربما .. يوما ما * مميزة و مكتملة * (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          زواج على حافة الانهيار (146) للكاتبة: Emma Darcy (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          عواقب إنتقامه (144) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree55Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-05-21, 06:35 AM   #1

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 قيلولة القمر *مكتملة*





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعضاء روايتي الغالين نقدم لكم رواية

((قيلولة القمر ))

للكاتبة/ MeEm.M | مروة



هزائم الروح (2) سلسلة ملامح الغياب *مكتملة *







روابط الفصول

الفصول 1, 2, 3, 4 .. اسفل الصفحة
الفصول 5, 6, 7 نفس الصفحة
الفصل 8
الفصل 9, 10 نفس الصفحة
الفصول 11, 12, 13, 14, 15 نفس الصفحة
الفصول 16, 17, 18, 19 نفس الصفحة
الفصول 20, 21, 22, 23, 24 نفس الصفحة
الفصل 25 الأخير







التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 21-02-22 الساعة 11:38 AM
MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 06:37 PM   #2

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



( قيلولة القمر )


تواقيع الأبطال

























التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 22-01-22 الساعة 02:11 AM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 06:43 PM   #3

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



( قيلولة القمر )


لا احلل النقل بغير اذن
`°°
أتعشَقُ مثلي الرّبا و الشّجرْ
فـ تُهدِي الضّياءَ لها يا قمرْ
أتعشقُها أم رثيتَ لـ حاليْ ؟
فـ جئتَ تُشاركنيْ فيْ السّهرْ
أعزّكَ أنّي مقيمُ الرّحـالْ؟
فسيحُ الخيالِ بعيدَ النّظرْ
نُقيمُ و نحسبُ أنّا نُطيلُ
و أيّامنا كلّـها فيْ سفَرْ

لــ: عبدالرحمن العشماوي
____


`°°°°

لأنني سئمت الليل، سئمت الظلام، سئمت السهر بمفردي.
سئمت الوحدة، سئمت الضجر.
مللتُ من كل شيء.
من الهدوء والسكون المريب، والذكريات الموجعة.
تمنيت أن يحظى القمر بـ...
بعض القيلولة!
وتمنيت أن أتمكن أنا من استقبال الفجر جيدا، من معانقة الشمس لوقت أطول!
أن أتمكن من تحية الطيور، ومشاهدة الأزهار وهي تتفتح بشكل ساحر.
تمنيت لروحي أن تصبح حرة، خفيفة.. تحلق في الأفق وتبتعد دون أن تلتفت إلى الخلف.
..
هل ربما.. تمنيت الكثير؟


`°°°°


اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.


( الفصل الأول )

`°°°°

ليلة مختلفة عن غيرها من الليالي.
ليلة مليئة بالأشياء الصاخبة والمبهجة.
بعد ما قضى لياليه السابقة وهو منكب على مكتبه وبين ملفاته وأوراقه.
أخيرا.. جاء اليوم اللي نال فيه ثمار جهده وتعبه طوال السنوات الماضية.
ما كان الموضوع هيّن وسهل أبدا.. ولا كان طريقه مفروش بالورد.
لكن النتيجة كانت تبرد الخاطر فعلا.
لما قدر ينال الترقية اللي يتمناها أخيرا، ويوصل للمنصب اللي يبغاه من زمان.
له ساعات يحتفل مع أصدقائه في واحدة من الاستراحات اللي استأجروها عشان يحتفلوا فيه ويفاجئوه.. حتى وقت متأخر من الليل.
ممكن الموضوع يكون عادي بنظر البعض، لكن المقربين منه يعرفون انه هذا حلمه، وانه اشتغل عشانه لوقت طويل..
وقف سيارته قدام بيتهم وخرج، حمل بيده عدة أكياس هدايا.
وترك الباقي في شنطة السيارة، بعد ما استبعد فكرة انه يصحي أخوه الصغير حتى يجي يساعده.
ما فارقت الابتسامة شفايفه وهو يقرب من البيت، ثم يفتح الباب بمفتاحه بكل هدوء حتى ما يزعج أهله.
دخل بخفة وهدوء ومن دون ما يصدر أي صوت، وما كان مستغرب من الظلام اللي كان يعمّ المكان.
أكيد الكل نايم بحلول هالوقت.

ما مداه يعتب باب الصالة حتى انفتحت الأنوار فجأة وتعالت صرخات حماسية أفزعته في البداية، إلا انه لما استوعب ضحك بفرح وسعادة وهو يشوف هالمنظر.
كانت الصالة مزينة، وأفراد عائلته الصغيرة كلهم موجودين.
أمه وأبوه واخواته الثنتين.
على طاولة صغيرة قدامهم هدايا، وكيك كبير عليه صورته.
حطّ اللي بيده على الأرض وقرب منهم وهو يضحك من المفاجأة اللي ما توقعها.
قبل رأس أمه وأبوه وسلّم عليهم.. باللحظة اللي ما قدر يتمالك نفسه فيها وصار يبكي وهو حاضنهم.
بكوا هم معاه من شدة فرحتهم، وشعورهم بالفخر بابنهم الكبير.
أما هو فكان يبكي شعوره بتأنيب الضمير، لما شاف فرحتهم بمجرد ترقية.. وتذكر قد إيش خذلهم قبل!
ابتعد عن أحضان والدينه وهو يلتفت للي ضربته على ظهره بقوة:
- يا مسلمة!
- قليل الحيا، وينك من الصبح قاعدين ننتظرك! حتى كريمة الكيك بدت تسيح واحنا شوي وننام، رايح عند أصحابك حتى ما ترد على اتصالاتنا!
ضحك وهو يفرك المكان اللي ضربته فيه ويناظر وجهها المحمر من الغضب:
- يا قلبي معليش والله العيال أشغلوني، ما انتبهت لجوالي كنت منشغل.
ناظرته بحنق:
- طبعا هم أهم منك احنا يا أهلك، عموما مبروك.
قرب منها وحضنها وقبّل رأسها:
ما عندي أهم منكم والله، الله يبارك فيك، ومشكورين على هالمفاجأة.. صدقيني فرحتكم عندي بالدنيا.
رفعت رأسها وقبّصت خده كأنه طفل أصغر منها:
- يمه ما أصدق إنك حصلت على هالترقية أخيرا.
ضحك وهو يلتفت للي كانت جالسة بمكانها، وابتسمت بهدوء وهي توقف وتقرب منه ثم تعطيه هديته:
- مبروك، منها للأعلى إن شاء الله.
مدّ يده ناحيتها ومسح على شعرها بحنية:
- الله يبارك فيك.
أومأت برأسها بعد ما أخذ الهدية منها ثم تركت المكان من دون ما تقول شيء ثاني.
ناظرتها ألماس بطرف عينها:
- مو كأنها اللي كانت متلهفة لرجعتك وتنتظرك من الصبح.
صغرت عيونها وهي تلتفت وتناظر أخوها بخبث:
- ما علينا منها، المهم....
اتسعت عيون مساعد لما فهم نظراتها وابتعد عنها فورا:
- يا ويلك تقربين مني.
مشت بهدوء باتجاه الكيك:
- وش قصدك ياخوي؟ قرب وقطع الكيكة شف أمي وأبوي فيهم نوم من زمان.
رمقها بشك للحظات حتى تطمن، وقرب وهو يقول:
- قسم بالله تسوين حركاتك النذلة بدفنك بمكانك.
طالعته بحنق وهي تعطيه السكين:
- وش بسوي يعني؟ أساسا الوقت متأخر حتى أنا بروح أنام أول ما تقطع.. يلا.
أخذ مساعد السكين ووقف بين أمه وأبوه.. اللي خلاهم يمسكون يده، ثم قطع الكيك بعد ما ألماس أعطته الإشارة على إنها جاهزة للتصوير.
وخلال لحظات خاطفة.. باغتته دون سابق انذار وهي تأخذ كمية كبيرة من كريمة الكيك ثم تلطخ وجهه وتبتعد عنه وهي تصرخ وتضحك.
ضحك الأب وهو يشوف يلحقها وبيده كمية أكبر من اللي كانت بيدها.
هزّت أمهم رأسها باستياء:
- عمرهم ما راح يكبروا.


`°°°°

دخل غرفته أخيرا بعد يوم طويل جدا ومتعب، وجميل للحد اللي ما له حد.
كانت الغرفة مشتركة مع أخوه الصغيرة، اللي عمره ما تعدى العشر سنين.
ابتسم وهو يشوفه غارق في النوم بملامحه الملائكية البريئة.
غطاه كويس ثم رقد بمكانه وتنهد من شعوره بالراحة بعد هاليوم المليان بالأحداث السعيدة.
غمض عيونه ناوي يستسلم للنوم اللي داهمه فورا بسبب قومته من الصباح، والحين الساعة 3 إلا ربع.
إلا إنه رنين جواله المنبه بوصول رسالة جديدة خلاه يفتح عيونه وهو يتأفف.
أخذ الجوال وفتحه ناوي يصمّته ويتجاهل الرسالة.
لكن اسم المرسل خلاه يفزّ ويجلس فورا.

وبدون أي تفكير او انتظار فتح الرسالة، واللي كان محتواها ( بارك لي حبيبي، وأخيرا لقيت وظيفة مناسبة لي من ناحية طبيعة العمل والراتب، ولو انه المنطقة مزعجتني جدا، بس مو مشكلة.. طالما راح يعطوني بدل سكن راح أدور لي سكن كويس أقعد فيه أيام الدوام).
ابتسم تلقائيا وهو يعاود قراءة الرسالة.
طبعا.. هذي هي نسمة، وهذا أسلوبها اللي ما تغير ولا راح يتغير بيوم من الأيام.
وللمرة الأولى وبدون ما يحس، لقى نفسه يكتب رد على رسالتها ( مبروك، تستاهلين كل خير، إن شاء الله تكون هالوظيفة خير عليك وبداية طيبة لك ).
ضغط على زر الارسال بدون لا يحسب حساب فعلته هذي.
الليلة هو فرحان بترقيته بشكل مو طبيعي، وأكيد هي زيه.. تعبت كثير لين لقت هالوظيفة بشق الأنفس، ما عندها أحد يفرح لها.
يمكن هالفكرة الخفية في عقله الباطن وشعوره بالحزن عليها هو اللي خلاه يبادر ويرد عليها من دون ما يحس.
أو يفكر في ردة فعلها على الأقل!
تأفف لما رنّ الجوال مرة ثانية، وهالمرة كان اتصال.. ومنها هي!
اتسعت عيونه واعتدل بجلسته وهو يستشعر حجم المصيبة اللي طيّح نفسه فيها.
كتم الصوت حتى لا يصحى أخوه من صوت الرنين، وخرج من الغرفة مسرع.
ارتاح لما شاف الصالة فاضية وأهله دخلوا ينامون.
جلس على أقرب أريكة وعينه على شاشة الجوال.
اللي انطفت للحظات ثم رجعت تنور باسمها من جديد!

ظل يناظر هالإسم ويتأمله وهو يعض شفته بتوتر وندم على تسرعه وعدم تفكيره قبل لا يسوي اللي يسويه.
صحيح انه أخطأ بالرد، ولو انه كلامه مختصر وعادي جدا.. بس مستحيل يرد عليها.
مستحيل يرتكب خطأ أكبر وأعظم بالرد عليها وهي يائسة بهالشكل اللي خلاها تعاود الاتصال لمدة ربع ساعة تقريبا.
بعد مرور هالوقت اللي كان ثقيل وبطيء عليه جدا.. حس بالحزن عليها، قلبه انقبض من شدة الحزن.
شتان بينها وبينه.
لمجرد ترقيته في العمل احتفل مع أصحابه طول اليوم، ثم لما رجع البيت لقى والدينه واخواته بانتظاره.
وهي توها لقت الوظيفة بعد تعب سنين.. لكن ما عندها أحد ممكن يفرح لها، ويشاركها سعادتها.. غيره هو!
كيف يتجاهلها ويوجعها بهالشكل؟ وهو قادر يسعدها حتى لو كان كذاب!
ابتلع ريقه بصعوبة ويده ترتجف لما داهمته رغبة قوية في انه يرد عليها.
غمض عيونه وهو يرد ويرفع الجوال لأذنه، قطّب جبينه بانزعاج لما سمع صوت شهقتها العالية.. كأنها انصدمت وما كانت متوقعة انه يرد عليها!

تبع هالشهقة صوتها المكتوم والمخنوق بسبب الغصة، تكلمت بصعوبة:
- وأخيرا! وأخيرا رديت! ماني مصدقة والله ماني مصدقة!
ظلّ ساكت ومغمض عيونه وهو ينصت لكلامها، وألم قلبه يزداد مع كل حرف تنطقه، وكل تنهيدة تصدرها من أعماق قلبها، وكل نفس تتنفسه:
- ليش تسوي فيني كذا؟ وإلى متى ناوي تعذبني وتتعبني معاك هااه؟ ليه مطنشني ومتجاهلني كل هالسنين؟ لدرجة إني خلاص فقدت الأمل منك، مع ذلك ظليت أراسلك بدون ما أتوقع انك ممكن ترد عليّ بيوم من الأيام.
سكتت شوي تحاول تنظم أنفاسها وتكتم شهقاتها:
- إيش صار اليوم! إيش اللي خلاك ترد عليّ؟ وليش بعد ما رديت وطيرتني للسما تجاهلت اتصالاتي؟ جاوبني!
تعالى صوتها بغضب من سكوته المستفز:
- والحين ليش ساكت؟ لو ما تبي تتكلم ليش رفعت؟ ليش ما خليتني أموت باحباطي ولا خليتني أفرح لهالدرجة ثم تحطمني؟ تكللللم قول شيء.
كانت تنهيدته الحارقة جوابه الوحيدة على غضبها، على انفعالاتها وشوقها المميت.
كملت هي بحقد وغضب معمي:
- كمل، كمل اللي قاعد تسويه واذبحني كثير، صدقني بعد كذا لو جيتني تبوس رجولي ما سامحتك، دام دموعي هانت عليك لهالدرجة، وتستمتع بتعذيبي بهالشكل.
- آسف.

الكلمة الوحيدة، والقاتلة لروح نسمة.. اللي قدر ينطقها أخيرا بهاللحظة وغصبا عنه.
قفل بعدها الخط وهو معصب ومقهور من نفسه حيل.
تمنى لو بيده حيلة، أو أي شيء يقدر يسويه لها وممكن يخفف شعورها بالعذاب والوحدة!
رفع راسه مفزوع من صوت ألماس، اللي كانت تتأمله وتراقبه من لمّا ردّ على اتصال نسمة ومن دون ما يحس هو، سألت بهدوء:
- نسمة؟
هز رأسه بإيجاب ثم سأل:
- انتِ من متى هنا؟
تنهدت ألماس بضيق وهي تقرب وتجلس جنبه:
- من زمان خرجت بروح المطبخ، شفتك سرحان وما انتبهت لي حتى، لما رديت وظليت ساكت عرفت انها هي، ملامحك ما تتغير بهالشكل إلا بسببها، بس مصدومة منك، ما توقعتك بترد عليها وتعطيها أمل.. ما كان في داعي صراحة.
مساعد بعد صمت قصير والضيق يكتم أنفاسه:
- غصبا عني، ما كنت برد بس ما قدرت أمسك نفسي، تخيلي راسلتني تبشرني انها لقت وظيفة، وأنا الغبي رديت وباركت لها.. عشان كذا ظلت تتصل لين رديت.

ألماس الوحيدة اللي تعرف قصة أخوها الغريبة مع نسمة، ضاق صدرها على البنت.. وقطبت جبينها بانزعاج:
- حرام عليك مساعد، ليش ما تقول لها الحقيقة وتنهي هالموضوع، مسكينة إلى متى بتنتظر عشان مجرد سراب؟ إلى متى بتتظل تتعذب؟ أنا لو كنت بمكانها صدقني قدني بصير جثة حية.
ابتسم بهدوء وضيق ثم وقف:
- تعرفين إني قلت لها أكثر من مرة ومو راضية تصدقني، ما باليد حيلة ياختي.
وقفت وربتت على كتفه:
- الله يكون بعونها وعونك، يلا روح نام أكيد ميت تعب.
ابتسم لها بحنية ثم سأل بفضول:
- وانتِ في عينك كلام كثير.
ابتسمت بشقاوة وهي تقرص ذراعه:
- أموت على اللي يفهموني من نظرات عيوني، المهم ما عليك انت.. بكرة لي جلسة طويلة معك، روح ارتاح الحين.
هز رأسه بإيجاب وقبّل راسها ثم دخل غرفته.
استلقى بتعب وصار يتأمل السقف المظلم والنوم طاير من عيونه.
صوتها وهي تبكي انحفر في مسامعه، وظل يتردد فيها بشكل موجع جدا.

`°°°°

صباح اليوم التالي..

تتأمل البيت اللي وقفت السيارة جنبه من لحظات.
منبهرة من التصميم الخارجي لهالبيت، ومن جماله الغير متوقع بالنسبة لها.
حجمه المهيب واللي ما يقدر عقلها انه يستوعبه فعلا!
كانت تعرف إنه اللي طلبت جيتها من عائلة غنية جدا، لكن ما توقعتها بهالغنى الفاحش!
فزعت لمّا ارتفع صوت السائق اللي هدر فيها بعصبية:
- وبعدين يعني؟ بتنزلين ولا لا؟
غمضت عيونها من التوتر والخوف ثم هزت رأسها:
- معليش، سرحت شوي.
حطت فلوس الأجرة بالمقعد اللي بالنص وخرجت، كأنها بنت ثانية غير اللي كانت ميتة خوف بداخل السيارة.
سيطرت على مشاعرها السلبية بسرعة وهي تذكر الله وتتوكل عليه قبل لا تتجه ناحية البوابة.
شدت قبضتها على شنطتها الصغيرة بعد ما خرجت جوالها منها، وطلبت رقم اللي تواصلت معاها عشان هالوظيفة الغريبة جدا.
ردت عليها الثانية فورا، وطلبت منها تدخل حتى توصل للبوابة الداخلية.
دخلت وصارت تتلفت تناظر كل جهة بالحديقة الواسعة الفاصلة بين البوابة الداخلية والخارجية.
من وسعها وجمالها كانت كأنها حديقة أو بستان، مو مكان يخص بيت لوحده.
ابتسمت من النسمات الهواء الخفيفة وهي تمر من جانب الورود الملونة، واللي منظرها أنعشها فعلا.. وخففت كثير من توترها.
حتى رفعت رأسها تجاه اللي كانت واقفة تنتظرها.
ما كانت الثانية إلا موظفة أخرى، وسيطة بينها وبين اللي راح تعمل لصالحها!

ابتسمت لها من ورى نقابها وقربت منها حتى وقفت أمامها:
- السلام عليكم، الأنسة فوزية؟
هزت فوزية راسها بإيجاب وهي تبتسم ابتسامة واسعة وتصافحها:
- إيه أنا فوزية، حياكِ الله مرام.
- الله يحييك، اممم ودي أبدأ من الآن عشان أخلص بسرعة، تعرفين عندي أكثر من وظيفة، وعندي جامعة.
أومأت فوزية براسها وهي تدخل البيت ومرام تتبعها:
- أكيد حبيبتي، بإذن الله هذا راح يكون وقتك الثابت كل يوم عشان لا يتعارض مع جدولك.
- كويس، مشكورة حبيبتي كنت شايلة هم هالشيء.
تبعتها حتى استقلت المصعد معاها، ولا زالت تتلفت تناظر كل جهة من البيت وعيونها متسعة تماما من شدة الانبهار والذهول، سألت بدون ما تحس:
- ما شاء الله هالناس قد إيش أغنياء؟
ضحكت فوزية من سؤالها العفوي:
- أكثر مما تتخيلين، حتى وأنا أشتغل عندهم من سنين ما تعودت على هالوضع.

انفتح باب المصعد بعد ما توقف في الدور الثالث.
خرجت فوزية ووقفت قدام مرام بملامح غريبة أقلقتها:
- في البداية حابة أقول لك بعض القوانين اللي ممنوع تخالفيها لو تبين سلامتك.
ضحكت بتوتر وارتباك:
- سلامتي؟ صوتك وهالكلام يحسسني إني بدخل عرين أسد!
زمت فوزية شفايفها بضيق:
- راح أكون كذابة لو قلت انه ما يشبه عرين الأسد يا مرام، أول شيء حاولي تتجنبين صاحبة البيت، ما تطيحين بوجهها لو إيش ما صار، لأنها عصبية حيل وشخصيتها غريبة وصعبة، وأنا ما أقول هالشيء عشانها، لا عشانك إنتِ، ما أباها تجرحك ولا تعصب عليك أو تحط حرتها فيك من أشياء ما لها دخل فيك أبد، تمام؟
هزت مرام راسها وحثتها على الاكمال، كملت فوزية:
- مو بس صاحبة البيت، كلهم يا مرام.. كلهم غير اللي جيتِ عشانها، تجين في وقتك المحدد أستقبلك عند الباب، ثم تتصلين فيني لما تخلصين وأنا أوصلك عند الباب، ممنوع يكون لك أي علاقة غيرها هي، وعود.
- فهمت.
- وغطا وجهك ما تنزليه إلا بغرفتها وتلبسينه وانتِ خارجة، تمام؟ البيت زي ما تشوفينه كبير وكل شيء فيه ثمين ونادر، عشان كذا بكل ركن في كاميرا وانتِ أكيد ما تبين أحد يشوفك.
ضحكت مرام:
-أكيد ما في داعي تنبهيني على هالشيء أصلا.
ابتسمت لها فوزية:
- من باب الاحتياط.
قربت منها ومسحت على كتفها برقة:
- آسفة يمكن أثقلت عليك بكلامي الطويل وخوفتك، بس كله عشان مصلحتك وعشان مصلحة وعود.
- أبد يا قلبي ما في مشكلة، طبيعي أتلقى توجيهات رئيستي قبل لا أبدأ أي عمل، لا تشيلين هم.
ربتت على كتفها ثم اتجهت ناحية باب غرفة كبير وواسع جدا:
- يلا، وعود تنتظرنا.

أومأت برأسها بإيجاب ثم تبعت فوزية، اللي دقّت الباب بخفة ثم فتحته ودخلت.
دخلت مرام بعدها بعدما أذنت لهم وعود بالدخول.
كانت الغرفة مظلمة نسبيا، ما ينورها إلا أشعة الشمس من النافذة الكبيرة والواسعة.. واللي بالرغم من انها تغطي معظم الجدار، إلا إنه الستائر الثقيلة كانت تحجب النور إلا من الفتحة البسيطة.
خلعت نقابها والطرحة، ودخلتها في شنطتها.
في الوقت اللي كانت فوزية تكلم فيه وعود وهي على سريرها.
كانت تتأمل الغرفة الواسعة وعلى شفايفها ابتسامة حسرة، بس هذا حلمها الوحيد.. إنها ترجع تمتلك غرفة كبيرة وجميلة خاصة فيها، مثل قبل!
انتبهت لفوزية لما قربت منها وهي تذكر الله:
- ما شاء الله عليك جميلة، لدرجة اني أحس غلط تشتغلين هنا.
ضحكت مرام بإحراج:
- لو كل واحد اشتغل وتوظف على حسب شكله ما تقدري تتخيلي الفوضى اللي كنا نعيشها.
ضحكت فوزية وهي تأشر لها ناحية وعود.
وقفت الثانية وقربت منهم بخطوات بطيئة، راسمة على شفايفها ابتسامة جميلة ومشرقة، خلت مرام تبتسم تلقائيا.
تكلمت وعود بصوتها الهادئ:
- حياكِ الله مرام، إن شاء الله تكونين مرتاحة طول فترة شغلك هنا.
ابتسمت مرام:
- إن شاء الله.
فوزية:
- تمام الحين أترككم تأخذون راحتكم، مثل ما قلت لك من قبل يا مرام، لا تخرجين لوحدك من هنا، تمام؟
هزت راسها بإيجاب، وخرجت فوزية تاركتها لوحدها مع وعود.. اللي من طاحت عينها عليها راودتها الكثير من المشاعر.. إلا انها فضّلت تكتمها في نفسها وتكبتها حتى يحين الوقت المناسب.
ابتسمت وهي تنزل عبايتها وتحطها على جنب الأريكة ثم تجلس:
- اخترتِ شيء لليوم؟ ولا تحبين أختار لك؟
جلست وعود على نفس الأريكة وهي تضم كفينها ببعض بتوتر:
- عادي اليوم انتِ اختاري، بما انه هذا أول يوم لك وحابة أعرف ذوقك.
أومأت برأسها بتفهم وهي تخرج كتاب من شنطتها، سألتها وعود بعد تردد:
- بس.. تعتقدين انه ضروري تبدئين من الحين؟ توك جاية.
مرام باستغراب:
- وليش لا يعني؟ أنا جاية عشان شيء واحد بس.. وبخلص في الوقت المحدد، ليش لازم أنتظر يعني؟
ضحكت وعود بخفة وارتباك:
- لا يعني أقصد.. تقدرين تاخذين راحتك، لو ودك نسولف ونتكلم عن أي شيء ونتقهوى، بدال ما يخلص الوقت كله وانتِ بس تقرئين.

تأملتها مرام بنظرة خاوية وهي مميلة فمها بسخرية، قبل لا تتكتف وتقول بنبرة خالية من التعبير:
- اعذريني آنسة وعود، ما عندي وقت لمثل هالرفاهية، أنا جاية أشتغل.. وباخذ أجري على هالشغل بس، السوالف وكوب القهوة هذي مو من ضمن الأشياء الموجودة في العقد.
ادمعت عيون وعود من نبرتها اللي فهمتها على انها تهديد، ثم هزت راسها وهي تبتسم غصبا عنها:
- صحيح.
انصدمت وهي تسمع ضحكة مرام:
- بس لو ودك نقدر نضيفها لما تجي فوزية، عشان أكون أستحق الأجر اللي آخذه منك، إيش رأيك؟
رفرف قلبها من السعادة وهي تضحك من قلبها ثم تمسك يدين مرام:
- من جدك؟ عادي؟
- أكيد عادي، ليش لا؟ بس اليوم خلينا نسوي اللي اتفقنا عليه، لأن بعد ساعة ونص عندي محاضرة ولازم أكون في الجامعة قبل الوقت.
أومأت الثانية راسها بتفهم وعيونها تلمع من السعادة ثم تتنهد براحة.
تأملتها مرام مرة ثانية وعلى فمها نفس الإبتسامة الساخرة المتهكمة، واللي صاحب هالمشاعر بهاللحظة.. شيء من الألم اللي داهم قلبها فجأة وهي تكلم نفسها ( هذي لسه البداية يا وعود، باقي قدامنا كثير.. أنا وأنتِ ).


______________


وأخيرا..
بعد انتظار طويل، طويل جدا.
استمر لعدة أسابيع، حدّثت!
ونزلت قصيدة جديدة.. أخيرا!
كانت عيونها متسعة على آخرها وهي تجلس قدام جهازها، تستمر بتحديث الصفحة أكثر من مرة حتى تتأكد، وتصدق اللي شافته.
ما كانت الوحيدة اللي كانت تنتظر، الكثير من معجبيها ومعجبي قصائدها الفصيحة، بمعانيها الجميلة والنادرة.. اللي متأكدة إنه ما في أحد بالدنيا يقدر يجيبها أو يكتبها بالطريقة اللي هي تكتبها.
قصائد آسرة وساحرة، تأخذها لعالم آخر.. بالرغم من انها صديقتها ومن وقت طويل، وكانت معها من بداية مشوارها.. مع ذلك لا زالت تتعجب وتنبهر من اللي تكتبه.
كانت مسمّرة قدام الشاشة، استجمعت حواسها أخيرا وبدأت تقرأ القصيدة الجديدة.
واللي بالرغم من كونها قصيرة، إلا انها حستها طويلة.. طويلة جدا عن أي قصيدة ثانية كتبتها ( نجمة ).
ثقيلة حيل وموجعة.

غابت عن اللي حولها بهاللحظات القصيرة وهي تعيد القراءة مرة بعد مرة.
التفتت بسرعة لمّا حست بأختها تحط يدها على كتفها وتسأل باستغراب:
- إيش فيك؟ لي ساعة أناديك وانتِ مانتِ حولي أبد، إيش صاير؟
رجعت أنظارها للشاشة بدون ما ترد.
استغربت ألماس أكثر وهي تناظر الشاشة معاها ثم تقرأها وتسأل:
- قصيدة جديدة لنجمة، ليش صنمتِ كذا بعد ما قرأتيها؟
ردت بعد صمت قصير:
- ما تشوفين البيت الثالث؟
قربت ألماس من الشاشة أكثر وهي تقرأ بتركيز:
- ربما تلك الشقراء....
عقدت حواجبها وهي تلتفت لأختها قبل لا تكمل قراءة الشطر:
- نعم؟ وش تقصد يعني؟
مررت آلاء يدها على شعرها وهي تبتسم بألم:
- إيش راح تقصد غير اللي في بالي وبالك؟
احمرّ وجه ألماس من الغيظ:
- مين سمح لها؟ هي تدري انه الكل راح يعرف مين تقصد، كيف تنزل مثل هالكلام باستهتار؟
ربتت على ذراعها بخفة:
- ما عليك ألماس، مستحيل يعرفون.. ويمكن.......
قاطعتها ألماس وهي تصارخ بعصبية:
- وش المستحيل آلاء؟ وإيش اللي يمكن؟ الحين بروح أنتف شعرها وأخليها تحذف هالكلام، تحسب الناس غبية ولا لأنك ضعيفة ما راح تأخذين حقك؟ لا وربي بتأخذينه ونص.
وقفت آلاء بسرعة ومسكت يد أختها اللي كانت متجهة للباب بخطوات سريعة:
- لمووس تكفين والله ماني ناقصة مشاكل، لا أنا ولا أمي وأبوي.. لا تتهورين الحين أنا بخير.
ناظرتها ألماس بقوة وهي تبعد يدها عنها:
- مانتِ بخير، كنا نمشي لك هالكلام قبل بس مو الحين، تفهمين؟ ما راح تضطري تتحملي شيء ما يعجبك واحنا موجودين.
التفتت عنها واتجهت للباب والغضب معميها فعلا، انفجعت ودارت ناحية أختها بقوة لما صرخت فجأة:
- ألماس!
بلعت ريقها وهي تناظرها مصدومة:
- إيش فيك؟ يعني تتوقعين تقدرين توقفيني كذا؟
هزت آلاء رأسها بالنفي ثم أشرت بعيونها على رجول ألماس:
- بتطلعين لهم كذا؟ تبين تندفين اليوم؟
ناظرت ألماس نفسها بعيونه متسعة ثم شهقت لما استوعبت انها لسه بملابس النوم القصيرة:
- يمه!
تنحنحت وهي تأخذ ملابسها من الشماعة ثم تدخل دورة المياه.

زمّت آلاء شفايفها وهي تجلس على السرير باحباط، دقات قلبها متسارعة من الخوف والارتباك، من القصيدة اللي ما تعرف كيف راح تأثر عليها، ومن تهور ألماس.. اللي إذا عصبت ما في شيء ممكن يوقفها عن اللي تنوي عليه.
قدرت تهديها الحين، وأكيد إنها راح تقدر تقنعها بعدما تخرج بما إنه غضبها نوعا ما خفّ.. لكن لو عصبت مرة ثانية العواقب راح تكون وخيمة.
ابتسمت بسخرية وألم على نفسها لما رن جوالها منبه بوصول رسالة نصية، وظل يرن ورى بعض أكثر من مرة.
عارفة ومتأكدة من محتوى هالرسايل.. لذلك ودها تتجاهل ولا تتحرك من مكانها وتأخذ الجوال، لكن لو طاح بيد ألماس راح تتعقد الأمور.
قامت بسرعة وأخذت الجوال، خلته على الصامت.
ومن بين كل الرسايل اللي وصلتها على رقمها، كان في اسم واحد ميزته.. خلاها تتنهد بضيق وتطالع الشاشة بنظرة خالية من التعبير.
انتبهت من شرودها على خروج ألماس، اللي أسرعت ناحيتها وسحبت الجوال من يدها.
اسودّ وجهها من الضيق على أختها:
- بنات الــ **** من وين يجيبون رقمك؟ كل ما غيرتيه جابوه وضايقوك؟ وش يحسون فيه بالضبط؟

صارت تتحلطم وتمشي يمين ويسار من القهر والعصبية وهي متكتفة والجوال لسه بيدها.
انتبهت فجأة ووقفت بمكانها، ارتخت ملامحها المشدودة وهي تشوف آلاء جالسة على كرسيها بكل هدوء.. تناظر الأرض بشرود.
جلست قدامها على الأرض وحطت الجوال بيدها:
- آسفة آلاء، أدري إنك إنتِ اللي تعانين وما تركتك حتى تعبرين عن عصبيتك.
هزت آلاء رأسها:
- من متى أصلا قد عبرت عن اللي فيني؟ على الأقل حلطمتك تريحني شوي.
مسكت يدينها برجاء قبل لا تقاطعها:
- بس تكفين ألماس طلبتك، أمي وأبوي لا يدرون.. ولا تسوين مشكلة بينهم وبين أهل نجمة ما لي بوجع الراس.. أنا عارفة انك مو عاجبك اللي قاعد يصير وتبين تاخذين حقي، بس.. عارفة! راح تصعبين عليّ الموضوع أكثر، ما أبي حازم يدري بهالأمور، تمام؟
كانت ألماس تناظرها بغير رضا بحواجبها المعقودة وجبينها المغضن:
إلى متى؟ آلاء.. ترى راح اترك البيت قريب وانتقل، ما أبي أتركك كذا وانتِ بعدك ما تخطيتِ اللي صار.
قامت من مكانها وخرجت من الغرفة، قفلت الباب وراها بقوة.
تاركة وراها آلاء اللي اتسعت عيونها من الصدمة.
كيف يعني بتنقل؟ هل فعلا راح تتركها وراها لوحدها؟
الفكرة مرعبة.. وجدا.
لولا الله ثم هالألماس.. كانت ميتة من زمان، كيف الحين تفكر تتركها؟
كيف تفكر تنقل وهي عارفة انها لسه ما تخطت اللي صار ولا راح تتخطى بسهولة؟

`°°°°

- من جدك يا بنت؟ بتتركين هالبيت؟
أومأت برأسها بخفة ولا مبالاة وتكمل تقشير البصل.
جلست عمتها قدامها تتأمل وجهها، تحاول تفهم شيء من تعابير وجهها.
إلا أنه الثانية كان وجهها خالي من أي تعبير.
- تتركين هالبيت الكبير وتعيشين فية؟ عادي؟
هزت رأسها مرة ثانية:
- إيه عادي ليش لا؟
سألت بسخرية بعد صمت قصير:
- بعدين يا جيهان أنا مستغربة وحييل، العمارة ما هي صغيرة وحتى موقعها مو سيء، ليش ما تتضاربون عليها انتِ واخوانك زي باقي الناس؟ لما يبون يورثون أبوهم؟
رمقتها جيهان بحدة:
- انتبهي يا بنت، في أحد صاحي يقول مثل هالكلام الشين.. تتمنين لنا السوء أنا واخواني؟ مو عاجبك اننا بخير وعلى قلب واحد؟
نسمة بلا مبالاة:
- صح مو عاجبني، أتمنى مرة ثانية لما أسألك سؤالك تختصرين الجواب.
- بنت!
نسمة بجدية:
- أنا أتكلم صدق جيهان، مو عاجبني انكم طيبين مع بعض وما بينكم أي أحقاد ولا مشاكل.
تجاهلت جيهان شعورها بالغضب مراعاة لحال نسمة، ورجعت سألت بجدية:
- وش بتسوين بعدين؟ بترجعين؟
- إذا رجعت باخذ غرفة جدي بس، أبي أأجر باقي الشقق وأستفيد من الإيجار، بس عاد أنبهك من الحين.. مو لما تشوفوني أكسب تطمعون بالعمارة.
- مين الغبي اللي بيفكر يأجر شقة هنا؟ والعمارة عفى عليها الزمن، كل ركن فيه متآكل، صدقيني غير المجانين والأشباح ماحد راح يقرب منها.
- عشان كذا ما تتضاربون عليها صح! عادي يا شيخة، أنا من زمان أعيش مع الأشباح ما راح يكون الموضوع جديد أو غريب عليّ.
جيهان بنفاذ صبر:
- نسمة، تكلمي معي بجدية!
حطت نسمة اللي بيدها على الأرض بعصبية:
- وأنا أتكلم بجدية جيهان، وش تبين أقول؟ من زمان وقلوبكم طاوعتكم تتركوني أعيش لوحدي بهالعمارة الكبيرة، ما لي حق الحين؟ ما لي حق أقرر وين لازم أروح وكيف أعيش؟ ترى كبرت خلاص.
جيهان بضيق:
- لما تتكلمين بصيغة الجمع استثنيني، تعرفين انه ما كان بيدي أي حيلة، كنت صغيرة مثلك.

قاطعتها نسمة بصوت منخفض:
- لما كبرتِ ما التفتِ لي، كان كل همك انك تتزوجين!
تجاهلت جيهان الإهانة الخفية اللي توجهها نسمة لها:
- المهم، ترى أعمامك مستحيل يسمحون بهالشيء، تنقلين لمكان بعيد ومنطقة بعيدة هالقد، عشان كذا حاولي تنسين الموضوع.
رفعت نسمة عيونها تناظرها بحدة وقهر:
- طيب؟ وبعدين؟ إلى متى؟
قربت منها جيهان أكثر ومسكت يدينها:
- لو تبين هالوظيفة عشان الفلوس، ماحد مقصر معك.. أعمامك كل شهر يحولون لك مصروفك الشهري، غير كذا زي ما قلتِ.. تقدرين تأجرين الشقق بعد الترميم، أو تبيعين المبنى خلاص، وقتها يمديك تعيشين بكرامة ورفاهية.
سحبت نسمة يدينها وهي تحاول تكظم غيظها قد ما تقدر، سألتها جيهان بفضول:
- مين تحاولين تزعلين بحركتك هذي نسمة؟
نسمة ببرود وبابتسامة ساخرة:
- كلكم، خاصة الــ **** سعد، ما أبيه يرجع البيت ويلقاني.
وقفت واتجهت للصنبور تغسل يدها، ثم تتجه لغرفتها.. دخلت وقفلت الباب وراها بالمفتاح بعد ما قالت:
- تغدي لوحدك أنا شبعانة، قفلي الباب كويس وانتِ رايحة.

كانت عيون جيهان مسمّرة على المكان اللي كانت نسمة جالسة فيه.
مصدومة وحزينة جدا، كم سنة مرت! قد إيش انتظرت؟ وقد إيش كمان راح تنتظر!
لها فترة ما تكلمت عن الموضوع، ما جابت سيرة سعد لا بالزين ولا بالشين.
لذلك توقعت انها يمكن خلاص نسيت وتخطت الموضوع، بعد ما كانت تتكلم عنه ليل نهار، وتدور عليه بكل مكان.
صدمتها اليوم مرة ثانية، وأكدت لها انها ما نسيت، ولا راح تنسى.. أبدا!
قامت من مكانها هي الثانية، وأخذت المكنسة تنظف المطبخ من قشور البصل المنتشرة بكل مكان.
ثم تسخن الغداء وتاكل لوحدها، بما انها متأكد انه نسمة مستحيل تأكل معاها.

__

بداخل الغرفة..

كانت تجلس على المقعد الصوفي المريح ومريحة ظهرها عليه، مغمضة عيونها وتحاول تسترخي، تنسى الجدال العقيم اللي خاضته من شوي مع جيهان، وتخوضه كل يوم تقريبا.
جدال يخرجون منه من غير أي فائدة.. إلا إنه هذا الشيء الوحيد اللي يسليها، من بعد ما تركت دراستها وصارت عاطلة، تدور على أي وظيفة تشغلها وتنسيها الهم اللي هي فيه.
فتحت عيونها اللي طاحت فورا على جوالها.
من بعد اللي صار أمس في وقت متأخر من الليل، من بعد اللي سمعته.. من بعد ما انكسر قلبها وتحطم، ما عاد فيها نفس تمسك هالجوال اللي سبب لها كل هالألم.
ما كانت المرة الأولى ولا الثانية اللي تواجه فيها مثل هالمشاعر البائسة.. ولا المرة الأولى اللي تفكر فيها بعدم الإقتراب من الجوال مرة ثانية.
لذلك هي متأكدة إنها راح تسوي هالشيء من جديد، راح ترتكب نفس الغلطة، وتوجع نفسها آلاف المرات من دون ما تتوقف، ولا ترحم نفسها المسكينة.
نزفت شفتها السفلية دم، من كثر ما تعض عليها بسبب ترددها وتوترها من الفكرة اللي تدور في بالها.
فكرة بسيطة وعادية تسبب لها هالحالة الغريبة، اللي تخليها تشق شفايفها.. وترتجف حرفيا!
إنها تمسك الجوال!

وكالعادة، سوتها وقامت من مكانها.
جلست على السرير بعد ما أخذت جوالها من الكومدينة.
كانت نظراتها بهاللحظة خالية من أي تعبير، وملامحها جامدة.
مو كأنها اللي من شوي كانت ترتجف.
سجل الإتصال، أول شيء شافته عينها بعد ما فتحت الشاشة ببصمة أصبعها.
تأملتها بروح ضايعة وقلب متألم، 4 دقايق تقريبا.. كانت مليانة دموع وانهيار من ناحيتها، وسكوت فظيع ومستفز.. وكلمة موجعة للحد اللي ما له حد ( أنا آسف ) من ناحيته هو!
كيف قدر ينطقها؟ كيف تجرأ يوجعها بهالشكل!
إيش كان يفكر فيه لما قال هالكلمة البشعة؟
إلى متى ناوي يأذيها ويقتل روحها؟
دخلت للمحادثة الخاصة بينها وبينه، كانت فارغة زي فراغ روحها.
لأنها تحذف هالرسايل أول بأول، ما تخلي شيء.
كل ما أرسلت وتجاهلها، عصبت وحذفت اللي أرسلته.
وبسبب تجاهله المستمر لها، ما توقعت انه ممكن يرد عليها بيوم من الأيام.
لذلك انصدمت كثير أمس، فرحت وبكت من قلبها.
إلا إنه هالفرحة ما تمّت!
رمت الجوال على جنب بإحباط واستلقت على ظهرها وهي تتأمل المنظر الغريب اللي في غرفتها، اللي ممكن كل الناس تشوفه بشع ومرعب.. إلا هي، كل ما ضاقت بها الدنيا تأملت حيطان غرفتها، حتى تحس بالراحة!

`°°°°

حط الكوب على الطاولة وهو يناظرها باستغراب:
- متى ناوية تتكلمين؟ لك ساعة تحكين يدك اللي شوي تتقشر وتنزف، عسى ما شر؟
تلتفتت تناظر حوالينها بحذر للمرة الألف، ثم رجعت تناظره وعلامات القلق ظاهرة وواضحة على وجهها:
- مساعد.
ضحك من نبرتها اللي كانت كأنها استنجاد:
- تكلمي وش مسوية؟ إيش المصيبة اللي عملتيها وتبين أغطي عليها؟
طالعت فيه بغيظ، وضحك حتى يتفادى غضبها:
- خلاص خلاص مانتِ مسوية مصيبة.
- لسه ما سويت أي مصيبة، بس أبي أسوي.. عشان كذا جيت أستشيرك يا رفيق السوء.
رفع حاجبه مستغرب:
- لا والله، وإيش تبين تسوين؟
عضّت شفتها بتوتر ثم قربت منه تهمس في أذنه:
- أبي أنتقل.
طالع فيها مصدوم وعيونه متسعة تماما:
- وش تقولين؟ شكلي سامع غلط.

ضربته على كتفه بخفة تضحك بغباء، لما عرفت من ردة فعله انه المهمة ما راح تكون هينة:
- لا وليش تسمع غلط، انت داري والكل داري إنه مو بسهولة قدرت أقدم أوراقي حتى أكمل ماجستير صح؟ يعني بصعوبة انقبلت حتى لو بالجامعة اللي كنت أبي أكمل فيها، مع ذلك.. حرام ينكسر قلب أختك وما تقدر تحقق حلمها.
كان مساعد مصدوم من اللي سمعه، من الكلام اللي ما توقع يسمعه بيوم من الأيام من فم أخته.
سأل بعد ما استوعب وبصعوبة، وتحت أنظارها المترقبة:
- ووين إن شاء الله ناوية تنقلين؟ ووش دخل الجامعة بنقلك؟
تنهدت ألماس بهمس:
- مساعد أنا آسفة إني خبيت مثل هالموضوع عنكم، ولا قلت لك وين انقبلت.. راح أكمل ماجستير بجامعة الـــ**** مو بجامعة منطقتنا.
اتسعت عيونه أكثر وسأل بصوت عالي من الصدمة:
- نعم؟ وش تقولين إنتِ؟
غطت ألماس فمه بخوف من انه أهلها يصحون من قيلولتهم بعد الغداء:
- اهدأ إيش فيك تصارخ؟
سأل مرة ثانية وهو لسه مصدوم:
- سألتك وش تقولين إيش هالكلام الغريب؟ تعرفين وين هالمنطقة وكم تأخذ في الروحة والجية؟ أكثر من ساعتين يا ألماس!
ألماس بعد ما تنهدت بضيق وعيونها على الأرض:
- عشان كذا أبي أنقل، انت مستحيل تقدر توديني وترجعني يوميا، وفكرة إني أروح مع سائق مستحيلة.. لا أنا ولا انتم راح ترضون بهالشئ، عشان كذا ما في حل غير اني اسكن في سكن الطالبات.
التفتت له بكل جسمها ومسكت يدينه برجاء:
- تكفى مساعد، أدري الموضوع صعب ومو عادي.. بس على الأقل ادعمني انت واوقف معاي، عشان أقدر أقنع أمي وأبوي.
أبعد يدينها بعصبية:
- مجنونة انتِ؟ كيف تبين نسمح لك بهالشيء؟ تحسبينه شيء عادي؟ تسكنين في سكن طالبات وبمنطقة بعيدة عنا قريب الـ3 ساعات!
- أدري إنه مو عادي، بس بنفس الوقت ما هو عيب ولا حرام ولا هو شيء كبير عشان يكون ممنوع! مو مستحيل يا مساعد!

وقف مساعد بعد ما زفر أنفاسه وهو يحاول يهدي نفسه، وخرج من الغرفة ومن البيت بكبره بدون ما يقول لها شيء.
يدري إنها عنيدة وجدا، ومستحيل تتراجع عن هالقرار بسهولة.
وإذا قعد معاها أكثر راح تحاول تقنعه بأي طريقة، يدري إنه بالنهاية راح يطلع من عندها بعد ما يعطيها موافقته، وهو أصلا رافض.. ومستحيل يوافق!
المفروض يسمعها أكثر ويعرف التفاصيل على الأقل حتى ما يكسر خاطرها، لكن فعلا.. الموضوع صادم جدا، ولا يبي يقتنع بالمرة.
زفرت ألماس تنهيدتها المكتومة بداخل صدرها وهي تفرك يدينها بضيق شديد.
صعب الواحد يكون حالم، صعب يكون عنده هدف مثل اللي عندها.
صعب يكون عنده أمنية كبيرة ويحاول يحققها.. وكل اللي حوله ما يفهمون!
وبكل فرصة يحاولون يحبطون ويثبطون عزيمته.
حتى لو حقق شيء، بسيط أو عظيم.. مستحيل يلقى أي ثناء!
وللأسف إنها ولدت بوسط محيط مليان ناس جاهلة، ما تؤمن بالأحلام، ولا تحاول تعطي لغيرها فرصة تحقيقها على الأقل.
وقفت واتجهت للمطبخ بخطوات بطيئة، مليئة بالإحباط والخوف وخيبة الأمل.
ردة فعل مساعد ما تبشر بالخير أبد، إيش راح تسوي الحين؟ كيف راح تقنع أهلها لوحدها!
جلست على طرف واحد من دواليب المطبخ بعد ما أخذت قطعة توست ودهنت عليها شوكولاتة، وبيدها كوب حليب.
عصبت فجأة وصارت تكلم نفسها وهي تأكل باليمين، واليسار تحركها بانفعال:
- لحظة هو ليش عصب؟ إيش قلت أنا؟ ليش انصدم لهالدرجة يعني؟ مو كأني قلت بروح أسكن مع رجال! سكن طالبات! معناته المكان راح يكون مليان بنات، مثلي مثل غيري!
سكتت شوي عشان تبلع لقمتها، ثم رجعت تكمل:
- ليش الناس عادي عندهم يرسلون بناتهم وأهلي لا؟ لا وفي ناس ترسلهم حتى للبعثات الخارجية من دون خوف، يعني هم يثقون ببناتهم وبتربيتهم لهم، إيش المشكلة فيني؟ أنا أحسن من كثير بنات بالدنيا.. إيه متأكدة من هالشيء، مستحيل تكون في عائلة بالدنيا ربت بنتها زي ما ربوني هم، ليش ما يثقون فيني طيب!
سكتت مرة ثانية تحرك عيونها يمين يسار كأنها بدأت تستوعب الكلام اللي قاعدة تقوله:
- بس لحظة، لسه ما كلمت أمي وأبوي ولا أعرف رأيهم.. تتوقعين بيوافقون يا ألماس؟
ردت على نفسها بإحباط وزعل:
- طبعا لا، هذا إذا ما حبسني أبوي بالمخزن وحلق شعري، موتي يا ألماس موتي.
قالتها وحشرت النص الباقي من قطعة التوست بفمها بقوة وهي تمضغها بقوة من شعورها بالقهر والغيظ.


`°°°°

رفعت يدها تطالع في الساعة، تنهدت بضيق لما شافتها تأشر لـ 9المساء.
تأخرت مرة ثانية!
ترجلت من سيارة الأجرة بعد ما دفعت له، ثم أسرعت ناحية المطعم الصغير اللي نزلت عنده.
دخلت وهي تسلم على الرجل اللي كبر في السن وهو يدير هالمطعم الصغير ويكسب قوت يومه منه، ابتسم لما شافها ووقف وهو يرحب فيها:
- وينك يا بنتي، لك أسابيع ما مريتِ علينا، ولا استغنيتِ عنا بعد ما تعلمتِ الطبخ؟
ضحكت مرام وهي تجلس على واحد من الكراسي، كانت مرتاحة كون المطعم فاضي:
- لا والله يا عمي، مين يقدر يستغنى عنك؟ أنا متأكدة إنه كل اللي بالحارة ما يقدرون مثلي.
ضحك وهو يأخذ علب الطعم ويجهز لها طلبها المعتاد.
كملت كلامها بصوتها المليان تعب:
- كل اللي بالموضوع إني بالأيام الماضية كنت تقريبا عاطلة مثل هالوقت، لكن الحين أول ما بدت الدراسة لقيت أكثر من وظيفة الحمد لله، عشان كذا تأخرت اليوم، واحتمال كل يوم بتأخر، يعني معليش بتعبك على طول.
ابتسم لها بحنية ثم سأل:
- وأمك؟
مرام بضيق:
- عارفة صعب أخليها كل هالوقت لوحدها، بس.. عشانها أحتاج أدبر كل هالفلوس.
حط العلب بداخل كيس ثم جلس على كرسي قريب منها:
- حتى لو يا بنتي، تعرفين إنه أمك ما تقدر تتحرك أبد، كيف تخلينها لوحدها من بعد الفجر لين بعد العشا؟ لو كانت محتاجة شيء ولا شيء؟ لو حست بالجوع؟
ابتسمت له من ورى نقابها:
- لا تخاف من هالناحية، نسمة تمر عليها كل بعد كم ساعة تتطمن عليها وتساعدها وتأكلها، راح تكون بخير.
تردد العم وهو يناظر الفراغ قبل لا يصدمها:
- نسمة مرت عليّ اليوم، وقالت إنها هي كمان لقت وظيفة، كلها ظرف كم يوم وتنقل لمنطقة الـ*****
ارتجفت يدها وحدقة عيونها من الصدمة والإرتباك، بلعت ريقها بصعوبة ثم وقفت وأخذت الكيس، خرجت الفلوس من شنطتها وحطته على الطاولة ثم خرجت بسرعة:
- خلّ الباقي عندك.
وقف العم وهو يتجه للباب بسرعة:
- تعالي يا بنتي، كم مرة قلت لك لا تدفعين؟

تجاهلته مرام وأسرعت ناحية العمارة، صعدت بخطوات أقرب للجري حتى وصلت لشقة نسمة، وقفت عند الباب وهي تلهث، ثم ترفع يدها وتدق الجرس.
فتحت لها نسمة وهي مفجوعة:
- بسم الله وش فيك فجعتيني، صاير شيء؟
دخلت مرام ونزلت نقابها والطرحة على كتفها:
- بنت، مو من جدك!
- وشو؟
- بتنقلين للــ..........؟
ابتسمت نسمة وهي تتجه للمطبخ ومرام وراها، صبّت لها كاسة موية ومدتها لها:
- أجل علمك ابو طارق؟ قلت له لا يعلم أحد، كنت بقول لك بنفسي.
رفعت حواجبها من نظرات مرام المستنكرة:
وش فيك مصدومة لهالدرجة!
جلست مرام على الكرسي بوهن:
- بتتركين العمارة؟
هزت راسها بالنفي وهي تجلس:
- مو بالضبط.. إنتِ والخالة راح تكونوا موجودين، إذا تيسرت أموري برمم المبنى بالكامل، شقة بشقة وأأجرها للناس.
ابتسمت مرام بارتباك وهي تسأل:
- ومتى ناوية تروحين هناك؟
- همممم يمكن من الأسبوع الجاي!
تسارعت دقات قلبها واحمرّ وجهها، ما عرفت بإيش ترد عليها أو كيف تتصرف، إلا انها تكلمت بصوت ثابت:
- كان لازم تعلميني من قبل، نسمة.
نسمه باستغراب:
- ليش؟ انتِ غريبة اليوم مرام، حتى ما فرحتِ لي بالوظيفة ولا باركتِ لي.
- أدري إني بكون جدا وقحة لو قلت هالكلام، بس.. تعرفين أنا ما أقدر أوصي أحد ينتبه على أمي غيرك إنتِ، إذا رحتِ مين بيشوفها؟
ابتسمت نسمة:
- مو كأني أنتبه عليها طول الوقت أو كل يوم، تقدري تنتبهي عليها بنفسك، اللي أعرفه إنك تنشغلين في الصباح والعصر بس.
هزت مرام رأسها وهي حاسة انها طاحت في مصيبة:
-هذاك قبل، أنا اليوم لقيت وظيفتين، وحدة في الصباح والثانية في المسا.. أدرس مجموعة كبيرة.
كملت بعد صمت قصير:
- لو دريت من البداية كنت بقدر أرفض أو على الأقل ما أدور وظائف إضافية، إيش بسوي الحين؟
تأملتها نسمة للحظات ثم قالت:
- اشرحي لهم وضعك، قولي إنك ما تقدرين تجين.
- ما أقدر، في وحدة من أمهات الطلاب حريصة ومعقدة، خلتني أوقع معاها عقد.. إذا تركت ولدها فجأة احتمال بترفع عليّ قضية.
زمت نسمة شايفها بإحباط وحزن:
- آسفة مرام، بس تعرفين.. من زمان أدور على وظيفة مثل هذي.
ابتسمت مرام وهي تقاطعها:
- اسكتي مو كأني ألومك أو أقول لك لا تروحين، بس تفاجأت كثير.
- آسفة.
هزت مرام راسها وهي تتنهد بضيق:
- مو مشكلة، بحاول أدور لي حل.
وقفت وهي تحاول تصطنع ابتسامة سعادة:
- عموما مبروك حبيبتي، إن شاء الله تكون هالوظيفة خير عليك.. بروح قبل لا يبرد الأكل.
وقفت نسمة ومشت معاها للباب وودعتها عنده.

صعدت مرام لشقتها هي وأمها بخطوات بطيئة تدل على إحباطها وحزنها، مع انها عارفة إنه نسمة من زمان تدور على الوظيفة، إلا انها ما كانت متوقعة.. أو بالأصح ما كانت مستعدة أبدا.
ما في أحد من البشر تقدر تعتمد عليه غيرها هي، وإذا نقلت هي كمان كيف راح تصعب عليها الأمور!
ما تقدر تتخيل بالمرة.
فتحت باب الشقة الموجودة على السطح، ودخلت وهي تسلم بصوت عالي.
فسخت عبايتها وعلقتها على الشماعة الموجودة في الصالة الصغيرة، واللي تتوسط البيت، بين غرفة أمها وغرفتها، والمطبخ الصغير المفتوح ودورة المياه.
رتبت الأكل على صينية صغيرة واتجهت بها لغرفة أمها.
جلست جنبها على الكرسي الصغير، وساعدتها على الجلوس.
كانت ساكتة كعادتها وما نطقت بحرف واحد لأمها اللي كانت تنتظرها بفارغ الصبر، وقلبها يرقع من الخوف على بنتها الوحيدة.
بدأت مرام تأكلها بدون ما تطالع فيها أو تحط عينها بعينها.
الشيء اللي ضايقها كثير، ويضايقها كل يوم.

سألت بعد تردد وخوف:
- تأخرتِ كثير اليوم، صار معك شيء؟
هزت راسها بالنفي ثم ردت باقتضاب:
- رجعت أدرس الأولاد.
توترت أكثر من إجابتها المختصرة، إلا انها استجمعت قواها مرة ثانية وسألت:
- ليش متضايقة يا بنتي؟
ردت بنفس النبرة:
- نسمة لقت وظيفة وبتنقل من الأسبوع الجاي.
ابتسمت بسعادة:
- صدق؟ الحمد لله.. من زمان تدور على وظيفة تناسبها، وأخيرا لقتها، يا ربي لك الحمد.
رفعت عيونها تناظرها بحدة وقهر:
- مبسوطة؟
اختفت ابتسامتها تدريجيا وبلعت ريقها بصعوبة، ولا عرفت إيش الغلط اللي ارتكبته.
حطت مرام الملعقة على الصحن بقوة، ودون أدنى احترام لأمها:
- مبسوطة عشانها؟ وإنتِ مين يهتم فيك؟ مين ينتبه عليك لو كنت غايبة عن البيت؟ لو كنت بعيدة؟ تعرفين هالأيام بخرج من قبل الفجر وما راح أرجع إلا بمثل هالوقت، كيف تنبسطين؟
اعتصر قلبها من الحزن والضيق على بنتها:
- وليش تشتغلين كل هالوقت يا بنتي؟ أنا توقعت بس اليوم خرجتِ بدري بما إنه أول يوم دراسي، ما توقعتك بتشتغلين من بعد الفجر.
ميّلت فمها بابتسامة ساخرة:
- وإذا ما ضغطت على نفسي واشتغلت كذا مين راح يدفع تكاليف علاجك؟
سكتت الأم وحبست تنهيدتها اللي خانقتها، قالت بصوت منخفض:
- ليش ما تحطيني بدار الرعاية وتفكين نفسك مني؟
رفعت راسها تناظرها بحنق مرة ثانية:
- تقولين هالكلام وانتِ عارفة الوضع ولا تجهلينه؟ بيقبلونك وانتِ عندك بنت شابة وصحية؟ ولا الناس إيش بتقول؟ مرام رمت أمها بدار الرعاية؟ تبين الناس تتكلم عني بهالطريقة؟ تبين تكونين عائق بحياتي الحين وبعدين؟ تكفين فكري كويس قبل لا تتكلمين!
زفرت أنفاسها وهي توقف وتبعد الطاولة الصغيرة عنها بشيء من العنف:
- حاولي تكملين بنفسك، بروح أنام ميتة تعب.

خرجت تاركة الباب مفتوح حتى يوصلها صوت أمها لو كانت بحاجتها!
كانت أنظار أمها ثابتة على المكان اللي اختفت منها.
الضيق كاتمها وخانقها بشكل مو طبيعي.
تصرفات بنتها، وطريقتها في التعامل معها مو عاجبتها أبدا.. تخاف تكون عاقة!
لكن بنفس الوقت، وبشكل غريب جدا.. تحس بالراحة لما تقسى عليها كذا!
تشوف انها تستحق معاملة أسوأ من هذي، وهذي عواقب أفعالها لذلك أكيد تستحقها.
بنتها البريئة اللي ما لها ذنب في شيء، تعاني بسببها.. كيف تقدر تزعل من تعاملها السيء!


في الغرفة المجاورة..
خرجت من دورة المياه بعد ما أخذت شاور سريع واستلقت على السرير بتعب.
غمضت عيونها وغطتها بذراعها.
رفعتها بعد حوالي الربع ساعة وهي مليانة دموع، ومحمرة بشكل مفجع.
ما مداها تنبسط بوظيفتها الجديدة في الصباح، إلا صدمتها وحطمتها نسمة بحصولها على الوظيفة.
أكيد إنه ما لها أي حق للزعل، كونها ما تربطها بها أي علاقة سوى الجيرة، وعلاقة مالكة ومستأجرة.
لكن هالشيء بالنسبة لها كبير، وجدا!
توها خطت أولى خطواتها حتى تنفذ الخطة اللي رسمتها في بالها، عشان تكمل حياتها بشيء طبيعي.. ما مداها!
إيش بتسوي في الأيام الجاية؟
أو...
عضّت شفتها بقوة تنهر نفسها على هالفكرة الفظيعة اللي خطرت في بالها، إنها تحط أمها في دار الرعاية عشان تلتفت لنفسها!

___________



مرت 3 ساعات تقريبا، من لمّا رقدت وهي تحاول تنام.
كان اليوم بطوله مجنون بالنسبة لها، وتعبت حيل.. نفسيا وجسديا.
من الصباح وصلتها آلاف الرسائل، وآلاف التعليقات على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن بدري كانوا هي وألماس يحاولون يتصرفون بنفسهم حتى لا يوصل العلم لوالدينها ومساعد.
لأنهم لو عرفوا العواقب ما راح تجي سليمة.
ما تدري كيف قلبت الأحوال كذا فجأة، وكيف نجمة بنفسها تغيرت عليها بهالشكل!
صارت تحاول تأذيها وتضرها بأي طريقة.
هالمرة استخدمت شِعْرها وكلماتها حتى تطعنها بأبشع طريقة!
ابتسمت بهدوء لما جلست وطاحت عينها على السرير المجاور.
كانت ألماس نايمة بعمق، مثل عادتها.. على بطنها ورجلها كل وحدة بجهة، حتى الغطا طايح.
فمها مفتوح.. ووجهها مع شعرها في حالة فوضى تامة.
تمنت من قلبها لو كانت حياتها هادئة وجميلة ووردية مثل حياة أختها.
اللي ما قد مرّ عليها يوم إلا وعاشته بحذافيره، بكل تفاؤل وسعادة.
تضحك كل يوم بملء الفم.
حتى لو مرّ عليها شيء يضايقها ويحزنها، حوّلت هالشيء لفرح وسعادة بطريقتها!
ما تدري هل ألماس ما قد بكت بحياتها كلها، ولا هي ما شافتها تبكي!
أو لأنها ما سوّت شيء يستحق تبكي عليه أصلا، لا من ندم ولا من حسرة.
مثلها هي!

اللي هي فيه حاليا، السب والشتم والتنمر اللي يجيها عن طريق مواقع التواصل.. ومن كثير ناس، من بعيد ومن قريب.
ما كان إلا بسبب أفعالها في الماضي.
لما تمردت على أهلها، تحدتهم ورفضت الانصياع لأوامرهم.
وتسببها في بكاء والدينها المساكين.
أكيد هذي عاقبة أفعالها هي!
كانت شاشة جوالها تنور كل شوي، بسبب الإشعارات اللي ما وقفت إلى الآن.
ترددت للحظات قليلة قبل ما تمد يدها وتأخذه، بعد ساعات طويلة تجاهلت فيها رغبتها في قراءة هالتعليقات القاسية اللي توصلها.
تجاهلت هالمرة رجفة يدها وهي تدخل على واحد من مواقع التواصل.
ما استغربت لما لقت نفسها في الترند، وصورها هي الأكثر تداول طول اليوم.. حتى اللحظة!
كل تعليق، كل عبارة.. كل كلمة مكتوبة مع صورتها، أقسى من اللي قبلها بكثير.
مع انها من زمان تركت هالمجال وابتعدت عنه، إلا انهم لا زالوا يتكلمون عنها بالسوء، يسبونها ويتهموها حتى بشرفها.
ما حسّت بدموعها وهي تنزل وتبلل خدودها، ولا حسّت بنفسها وهي تشهق بصوت عالي من شدة الألم اللي تحس فيه من كلام الناس، اللي بعضها مو معقولة أبدا.
ممكن تكون تستاهل القسوة من الناس، بس مو للدرجة اللي تخليهم يقذفونها من دون أدنى شعور بتأنيب الضمير!
ولا كانت حاسة بألماس اللي كانت تراقبها من وقت طويل وهي تمثل النوم.
تركتها تبكي على راحتها، لكن بالنهاية ما قدرت تتحمل وهي تشوفها تنهار بهالشكل.
قامت من مكانها بقوة واتجهت لها وهي معصبة، سحبت الجوال من يدها وقذفته على السرير.
اتجهت لمفاتيح الأنوار وفتحتها كلها وصدرها يعلو ويهبط من انفعالها الشديد.
وكعادتها لمّا تحاول تهدئ نفسها ولا تعصب عليها، صارت تمشي يمين يسار وهي متكتفة ووجهها يحمرّ أكثر مع مرور كل دقيقة.
كانت آلاء منهارة فعلا وهي تضم ركبها لصدرها وتخبي وجهها بينها، ترتجف بشكل هستيري.
غمضت ألماس عيونها، أخذت نفس عميق وزفرته ثم جلست قدام أختها بعد ما سحبت كرسي التسريحة.
تأملتها للحظات وهي تحاول تتصرف بأنسب وأفضل طريقة ممكنة.
بما إنه الوقت مو مناسب للتوبيخ واللوم وصبّ جام الغضب عليها وهي بهالحالة.
لكن فعلا.. غضبها بهاللحظة ما كان عادي، كانت حاسة انه بتنفجر لو سكتت أكثر.
آلاء ما هي بحاجة للطبطبة، إلا بحاجة لكف يصحيها من الغفلة اللي هي فيها، من الموقف اللي حطت نفسها فيه، من الحالة اللي ارتضتها لنفسها!

تكلمت بنبرة حاولت قد ما تقدر تخليها هادئة، إلا إنها كانت قوية على آلاء، ومخيفة وحادة:
- أجل تقولين الناس ما راح تفهم؟ ما راح تعرف إنك المقصودة؟
سكتت شوي كملت وهي مميلة فمها بحسرة على أختها:
- شوفي إيش صاير الحين، منعتيني أروح بيتهم وأتصرف معاها من بدري عشان أمي وأبوي لا يدرون؟ مو كان أحسن لو دروا من بدري وبطريقة حلوة مني ولا منك؟ أحسن ما يعرفون من الناس؟ أحسن ما يشوفون بنتهم تنهان وتنذل على لسان ناس لا احنا نعرفهم ولا هم يعرفونا؟
سكتت مرة ثانية تلتقط أنفاسها بعد ما قالت كل شيء دفعة وحدة، وهي تشوف نظرة أختها المعاتبة لها:
- أهاا! تبين أرحمك لأنك مو ناقصة؟ تبين أتصرف مثل دايم؟ أتركك على راحتك ولا أقسى عليك ثم تصير الناس تقسى عليك أكثر!
وقفت وهي ترفع شعرها عن وجهها ثم تتجه لسريرها، أخذت جوالها تحت أنظار آلاء المستغربة والخايفة بنفس الوقت، سألتها بنبرة مرتجفة:
- إيش ناوية تسوين؟
ألماس وهي تحرك الشاشة بأصابعها بكل عصبية وقهر وهي تنتفض حرفيا:
- اللي المفروض أسويه من الصباح.
وقفت آلاء وقربت منها وهي تبلع ريقها بخوف وتمسح وجهها:
- أمانة ألماس وش تقصدين.. قلت لك.....

ضغطت ألماس على زر القفل الجانبي ونزلت جوالها وهي ترمقها بحدة:
- روحي خذي لك شاور بارد وريحي أعصابك، بسوي لك شاي على ما تخرجين.. لو مسكتِ جوالك مرة ثانية بقطع يدك، تفهمين؟
هزت آلاء رأسها بخنوع ثم اتجهت لدورة المياه، وقفت عند الباب والتفتت لأختها اللي كانت تراقبها بحزن:
- ألماس تكفين.. أدري إني أطلب منك كثير، بس أرجوك.. حاولي ما تسببين أي مشكلة بيني وبين حازم، تعرفين وش أقصد.
اكتفت ألماس بنظرة خالية من أي تعبير، حتى دخلت آلاء وقفلت الباب وراها.

خرجت هي من الغرفة وهم كبير جاثم على صدرها.
كانت تراقب الوضع من الصباح، كل شيء قاعد يصير بمواقع التواصل.
تحاول تتصرف بالطريقة اللي تقدر عليها، تدافع عن أختها من حسابات وهمية.
لكن صعب تتدارك كل شيء لوحدها.
هي بعد عندها هم، لكن تجاهلت نفسها عشان أختها.
تبي تحلّ المشكلة قبل لا تصير أعظم.
انتبهت من شرودها لما شافت المويا تغلي.
غسلت أوراق النعاع كويس وحطتها على كوب آلاء، ثم صبّت عليها المويا الساخنة.

شهقت بخوف لما التفتت وشافت مساعد واقف عند الباب، متكتف وعلى وجهه نظرة غامضة.
حطت الصينية على الطاولة لمّا عرفت من ملامح وجهه إنه درى بالسالفة.
تنهدت لما قرّب وجلس على كرسي، سأل بهدوء يخفي وراه عواصف من الغضب والقهر:
- ليش ما قلتِ لي؟
جلست على الكرسي اللي قدامه:
- بكذب عليك لو قلت ما كنت متوقعة الأمور بتوصل لهالحد، بس ما كان بيدي شيء أسويه، حتى لو قلت لك ما كان مداك تسوي شيء وقتها.
غمض عيونه بغيظ:
- طيب وبعدين؟ إيش راح يصير؟
- لا تشيل هم بحاول أتصرف من بكرة، أوقف هالــ.*** عند حدها.
- بعد كذا؟
رفعت حواجبها:
- قلت لك بوقفها عند حدها، يعني ما راح تتجرأ تتصرف بهالطريقة من جديد مساعد.
سأل بفضول:
- إيش ناوية تسوين يعني؟
أبعدت عيونها عنه، واللي لمعتها خلّت مساعد يعرف إنه اللي ناوية تسويه مو هين، وانها صبرت كثير، وبيطفح الكيل في وقت قريب جدا!
- مو متأكدة، تقدر تنتظر وتشوف.

كان خايف من توترها وقلقان، لكن بنفس الوقت ما عنده نية يوقفها ويمنعها.. ولا يتجرأ أصلا.
بحياته ما عرف يتصرف بمثل هالمواقف، ما قدر يساعد خواته.. كيف يجي الحين ويقول خلوا الموضوع عليّ أنا أخوكم الكبير؟
ناظر جهة غرة خواته وسأل بضيق:
- كيف حالها؟
ردّت وهي توقف وتاخذ الصينية:
- كانت خايفة مني طول اليوم وما مسكت الجوال، لما نمت أخذته وانهارت من التعليقات.. بس، الحين أحسن إن شاء الله، تصبح على خير.

دخلت وقفلت الباب، ومساعد يراقبها لين اختفت.
ظلّ جالس بمكانه حتى بعد ما دخلت وعيونه ما تتحرك عن الباب.
هو كمان.. الهمّ اللي بقلبه مو عادي.
خاصة إنه مو عارف إيش لازم يسوي، وإيش هو التصرف الصحيح بهالموقف.
ما عمره كان كفو، ولا أخذ دوره كأخ كبير لهم.
ما كان العون والسند اللي المفروض يكونه.
يوجعه هالشيء كثير، ويندم كثير.. لكن ولا مرة هالندم نفعه!

__________


انتهى الفصل الأول

اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-05-21, 06:44 PM   #4

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير، عيدكم مبارك.. كل عام وانتم بخير ❤️✨

كيف حالكم إيش أخباركم؟ وحشتوني جدا جدا..كلكم بدون استثناء 🥺❤️❤️

___

وأخيرا قررت أرجع برواية جديدة، ولو اني ما أطلت الغياب 😂🏃‍♀️
وهذي مو الرواية اللي كنت أخطط انزلها بعد العيد، رواية أخرى بالفصحى.. لكن فجأة بعد ما كتبت منها جزئية طويلة نوعا ما.. تراجعت وقررت أأخر تنزيلها، وتأجيلها لأجل غير مسمى.
لذلك اعتبروا هذي تصبيرة، ما عرفت اكمل الرواية اللي وقفتها بسبب انه فكرتها عميقة وما ينفع أكتبها وانا مشغولة بالدراسة 😅💔
مو الحين طبعا، قبل كم شهر...
يا ربي شكثر أتكلم!

المهم، اتمنى تكون الرواية خفيفة لطيفة ظريفة وحلوة وتناسب الكل 🙊❤️
قراءة ممتعة للجميع 💜🌿
لا تنسوا تكتبوا لي آرائكم وتوقعاتكم
هذا لو في أحد فاضي يقرأ لي بزحمة العيد 🤝

أستودعكم الله 💕



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 27-05-21, 02:48 AM   #5

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.

____

عِشْ أَنْتَ إِنِّى مِتُّ بَعْدَكَ
وَ أَطِلْ إِلَى مَا شِئْتَ صَدَّكَ
كَانَتْ بَقَايَا لِلغَرَامِ
بِمُهْجَتِي.. فَخَتَمْتُ بَعْدَكَ
أَنْقَى مِن الفَجْرِ الضَّحُوْكِ
وَقَدْ أَعَرْتَ الفَجْرَ خَدَّكَ
وَأَرَقُّ مِنْ طَبْعِ النَّسِيْمِ
فَهَلْ خَلَعْتَ عَلَيْهِ بُرْدَكَ
وأَلَذُّ مِنْ كَأْسِ النَّدِيْم
وَقَدْ أَبَحْتَ الكَأْسَ شَهْدَكَ
مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ عَدَلْتَ
أَمَا رَأَتْ عَيْنَاكَ قَدَّكَ
وَ جَعَلْتَ مِنْ جَفْنَيَّ مُتَّكَأً
وَ مِنْ عَيْنَيَّ مَهْدَكَ



— بشارة الخوري الأخطل الصغير

____

( الفصل الثاني )

____

تردد وخوف وارتباك، نفس المشاعر اللي تراودها كل مرة قبل تخطي مثل هالخطوة وترتكب مثل هالخطيئة في نفسها، تسبب الوجع والأذية لنفسها.
كان الجوال على الطاولة، وهي جالسة على الكرسي بجمود بدون ما يتحرك فيها ساكن.
عيونها على هالشاشة الصغيرة من وقت طويل، بعد ما كتبت رسالة مكونة من كم كلمة.
تفكر ترسلها ولا لا.
هي فعلا معصبة منه وحيل، كيف تجرأ يعتذر منها وينطق هذيك الكلمة السخيفة!
كأنها بتشفع له يعني؟ أو تخليها تغفر له أفعاله الشنيعة وتتقبل أسفه بكل سهولة.
مدّت أصبعها بتردد ناحية زر الإرسال، إلا انها فزّت ورفعت راسها مفجوعة من صوت صراخ مرام اللي وصلها من السطح.
اسودّ وجهها وهي تتنهد بضيق من تصرفات هالبنت الطائشة، واللي أكيد بتندم عليها بيوم من الأيام.. وكثير.
سمعت صوت خطواتها بوضوح وهي تنزل من الدرج معصبة، عرفت فورا إنها وقفت عند بابها.
وقفت وهي تسمع صوت طرقات الباب الهادئة.. واللي إذا أحد سمعها ما راح يصدق إنه الطارقة هي نفسها مرام اللي سوّت فوضى قبل شوي.

فتحت الباب وابتسمت لها:
- طالعة الحين؟ لسه ما أشرقت الشمس.
هزّت مرام رأسها بإيجاب:
- إيه للأسف مضطرة، بتكونين موجودة طول اليوم؟
أومأت نسمه براسها:
- إيه بس اليوم، من بكرة بطلع أدور لي شقة في المنطقة اللي بشتغل فيها.
تنهدت مرام براحة:
- كويس أجل، كفاية لليوم.. من بكرة إن شاء الله بدور ممرضة تهتم فيها بأوقات شغلي.
رفعت نسمه حاجبها مستغربة:
- عجيب أمرك مرام، مو قادرة أفهمك.. تشتغلين طول اليوم عشان الفلوس، وهالفلوس بتصرفينه على ممرضة؟ تعرفين انه المبلغ اللي يطلبونه مو هين.
اكتفت مرام بالصمت وهي تعدّل حاجبها.
كملت نسمه وهي متضايقة من الوضع:
- ليه ما تتركين الوظيفة هذي الحين؟ أقصد اللي مضطرة تروحين لها من بدري؟
شتت مرام أنظارها بعيد عنها:
- ما راح تفهميني نسمه، عندي أسبابي اللي تخليني أسوي كذا، عموما أنا بروح ما أبي أتأخر، إذا احتجتِ شيء كلميني، تمام؟
دارت عنها وأسرعت خطواتها وهي تنزل لأسفل.
زفرت نسمه أنفاسها بضيق وقفلت الباب.
رجعت للمطبخ ونسيت الرسالة مع انشغالها بتفكيرها في الخالة المريضة فوق.
خرجت بيض من الثلاجة وهي مميلة فمها بسخرية على حال مرام، وتكلم نفسها:
- مدري وش تفكر فيه هالبزر، وكيف تعامل أمها بهالبرود واللامبالاة! آآآآخ لو كانت أمي بس، والله لاشيلها على راسي وأهتم فيها أكثر من اهتمامي بنفسي، ما أقول غير الله يهديك ويصلحك يا مرام.

جهزت فطور لشخصين بأسرع ما يمكن.
متأكدة إنه مرام ما أعطت شيء لأمها قبل لا تطلع، هي ومزاجها السيء!
جهزت الصحون ورتبتها على الصينية بعناية، ثم جهزت عصير طبيعي مفيد لأم مرام.
لبست حجابها وحملت الصينية وصعدت لفوق.
احمرّ وجهها من الغيظ أول ما حطت رجلها على السطح وهي تشوف هالمنظر.
كان الباب مفتوح على مصراعيه!
حتى لو ماحد راح يجي هنا المفروض تقفله بعناية، أمها مريضة وما تقدر تتحرك أبد.. يعني حتى لو دخل حيوان ولا حشرات مضرة، ما راح تقدر تحمي نفسها.
كظمت غيظها بقوة وهي تدخل وتصبح على أم مرام، اللي رفعت صوتها وهي تناديها:
- تعالي يا بنتي.
دخلت نسمة للغرفة وهي تبتسم:
- صباح الخير خالتي، كيف حالك اليوم؟
أنوَر وجهها بعد ما كان مسود ومظلم من تصرفات بنتها وصراخها عليها:
- أنا بخير دامك بخير يا بنتي، بس ليش تعبتِ نفسك وسويتِ كل هالفطور؟
نسمة اللي حطت الأكل على طاولة صغيرة وجلست على كرسي مرام:
- مرام خرجت من بدري أكيد ما مداها تجهز لك شيء، ما ينفع تاخذين أدويتك على معدة فاضية.
ابتسمت بحزن وهي تتأمل نسمة، هالبنت الغريبة عنها تهتم فيها أكثر من بنتها!
بدأت نسمة تأكلها بهدوء وعناية، حتى انتهى كل الأكل اللي جابته.
آلمها قلبها على هالشيء، لو انها أكلت أمس بالليل ما جاعت بهالشكل.
أكيد إنه مرام ما أكّلتها شيء!
كانت تبي تسأل وتتأكد، لكن لعلمها إنها مستحيل تقول الصدق، أو لأنها راح تتوجع من هالحقيقة.. فضّلت عدم السؤال.
ناولتها أدويتها ثم ساعدتها على الاستلقاء.
ابتسمت لها وهي تغطيها كويس:
- الجوال جنبك وما في داعي أكرر كلامي صح، إذا احتجتِ شيء لا تترددي واتصلي على طول، تمام؟
هزت أم مرام رأسها وهي تمسح على كف نسمة بحنان، ثم تسأل:
- صدق بتتركينا وتروحين بعيد؟
زمت نسمة شفايفها بضيق:
- مضطرة، مستحيل أعيش بدعم أعمامي طول عمري، هم بعد عندهم عيال يهتمون فيهم.. إيش بسوي لو انشغلوا عني ونسوني؟
أومأت برأسها بخفة وهي تتنهد:
- صدقتِ يا بنتي، بهالزمن صار الواحد لازم يأمن عيشته بنفسه ولا يعتمد علي غيره، انتبهي على نفسك يا نسمة.

ابتسمت لها بامتنان وقبّلت جبينها باحترام، ثم خرجت من الغرفة ومن الشقة.. زفرت أنفاسها وهي تتجه للجلسة البسيطة الموجودة بركن السطح.
بالها انشغل فعلا بوضع مرام وأمها، راح تكذب على نفسها لو قالت إنها ما فكرت فيهم أول ما انقبلت بالوظيفة!
صحيح إنه هالشيء غريب وجدا، بس بنفس الوقت معقول.. حتى لو ما بينهم أي صلة قرابة.
يمكن لأنهم الوحيدين اللي عاشوا معاها، وقاسموها شيء من حياتها.. بعكس أقاربها المقربين منها بالدم!
أسندت يدينها خلفها وهي ترفع راسها للسما، قبل لا يجفلها صوت من وراها وهو يتكلم بهدوء، وبنبرة فيها شيء من الغضب:
- كنتِ هنا طول الوقت أجل، لي ساعة أدورك.
وقفت واستدارت تناظره بصمت، ثم سرعان ما ابتسمت لما عرفت انه فعلا معصب.
قربت منه ويدينها ورى ظهرها:
- نورت بيتي عمي الغالي، ما توقعتك تشرفني بيوم من الأيام، أي ريح طيبة جابتك لعند بنت أخوك؟

`°°°°

أنهى اجتماعه بسرعة واتجه لمكتبه بخطوات سريعة وملهوفة، إلا إنه أول ما قرب من عند الباب مثّل البرود واللامبالاة وهو يفتحه ويناظر الموجودة داخل.
كانت متكتفة وهي واقفة عند الشباك، والهواء يلعب بخصلات شعرها المفرود.
أكثر شيء يكرهه بالحياة إنه أحد يفتح شباك مكتبه، لكن لو كانت هي الشخص اللي ترتكب هالغلط.. أكيد ما عنده شيء يسويه إلا إنه يرضى بهالشيء وغصبا عنه.
ابتسم على المنظر، وسرعان ما أخفى هالإبتسامة واصطنع البرود من جديد وهو يتقدم من الطاولة ويجلس على الكرسي:
- إيش اللي جابك عندي من بدري؟
التفتت له رافعة حواجبها مستغربة:
- وش هالأسلوب؟ ما تعرف كيف الواحد يرحب بضيوفه؟ وترى علمتك من أمس اني بجيك
شهقت وهي تمثّل إنها مصدومة:
- أوبس معليش، نسيت إنك تكره أحد يفتح شباكك.
قفلته ومشت ناحية المكتبة تضرب الأرض بكعبها، حتى جلست على المقعد قدامه وحطت رجل على رجل.
كان هو يمثل الإنشغال بأوراقه، وصغّرت هي عيونها بمكر.. راسمة ابتسامة خبيثة تتأمل وجهه، قبل لا تكشر وهي تصطنع نبرة حزينة وتقول:
- أووه إيش لازم أسوي الحين؟ عزيزنا سلطان مشغول حيل، أرجع البيت؟
قفل سلطان الملف اللي بيده وهو يكتم ابتسامته ويرفع عيونه لها:
- وش تبين ألماس؟
اتسعت ابتسامتها وهي تطق أصابعها:
- الحين نقدر نتفاهم، اسألني إيش أبغى أشرب، حرام عليك ليش تخلي ضيفتك تتصرف بوقاحة؟
ناظرها بصمت لبعض الوقت قبل لا يقول:
- يعني مو كأنه عندي سبب حتى أتصرف بهالطريقة؟
زمت شفايفها وحركت كتوفها:
- مدري، يمكن.. عموما.....
- إلى متى بتمددين الموعد هالمرة لو رفضت طلبك اللي جايتني عشانه؟ واللي متأكد مليون بالمئة انه غبي وغريب مثلك؟
مثّلت الصدمة وهي تبقق عيونها، ثم تضحك بصوت عالي:
- تعجبني سلطان، صاير تفهمني أكثر مع مرور الأيام! صحيح بمدد الفترة، وهالمرة.. سنتين، غير قابلة للنقص.
طالع فيها بغير تصديق ثم رمى القلم اللي بيده على الطاولة بقوة:
- مانتِ معقولة ألماس! من جدك إنتِ؟ ليش سنتين بعد؟
حركت حواجبها باستفزاز:
- طبعا سنتين كثيرة لو ناوي ترفض طلبي من قبل لا تسمعه، ولا تدري حتى إذا هو قابل للتنفيذ ولا لا، أستاذ سلطان؟

غمض عيونه يحاول يتمالك نفسه:
- إيش تبين؟
أبعدت عيونها عنه لما ظهرت تعابير وجهها اللي تعبر فعلا عن نفسيتها ومشاعرها بهاللحظة:
- افصلها، فورا.
- مين هي؟
جاوبت بعد صمت قصير:
- نجمة.
التفتت تناظره لما طال الصمت ولا رد عليها.
هزت راسها تحثه على الرد.
ضحك بسخرية وغير تصديق:
- انجنيتِ؟ إيش اللي يخليني أفصل أفضل إعلامية بشركتي؟
- طلبي منك سلطان، ما أظن في سبب مقنع أكثر من هذا، ولا إيش رايك؟
وقف ودار حول الطاولة حتى وقف قدامها:
- واثقة من نفسك كثير صح؟
ابتسمت بغباء وهي ترفع راسها وتطالع فيه من تحت:
- صحيح، وأستحق هالثقة.. أنا زوجة مؤسس الشركة.
سلطان بنفاذ صبر:
- ألماس!
وقفت ألماس وهي متكتفة، تغيرت ملامحها تماما واحمرّ وجهها من العصبية:
- ارفض سلطان، لكن بالنهاية ماحد راح يخسر غيرك، سواء فصلتها أو لا.
تكتف هو الثاني يميل فمه بسخرية:
- إنتِ ليش تسوين فيني كذا؟ ممكن أفهم؟ ممكن تقولي لي السبب الحقيقي اللي يخليك تتصرفين بهالقذارة؟
- حبا وكرامة سلطان، السبب إنه موظفتك العزيزة النشيطة المحبوبة كمان قذرة جدا، ما ينفع معاها غير التصرف القذر، عشان كذا..............
قاطعها بصوت مرتفع من الغضب:
- ألماس لا تتدخلين بيني وبين موظفيني، عندك شأن خاص مع أي أحد منهم حليه بينك وبينه، لا تحاولين تخربين شغلي.
- هه هه صدق يا حضرة الرئيس؟ عشان كذا سمحت لها تسوي اللي سوته أمس؟ عشان كذا سمحت لها تشهّر بأختي؟
رفعت صوتها وهي تقرب وجهها منه وبكل غضب:
- مبسوط وانت ترعى انسانة وسخة وقذرة مثلها؟
- ما راح أفصلها.

سكتت وعيونها المصدومة بعيونه.
التفتت عنه وهي ترفع حجابها وتلفه بكل هدوء:
- تمام، صار عندي سبب مقنع أقدمه لأهلي حتى أقدر أترك البيت وأكمل دراستي في جامعة الـ......
اتسعت عيونه وظل واقف بمكانه يحاول يستوعب اللي سمعه.
حتى أخذت شنطتها واتجهت للباب بعد ما غطت وجهها.
أسرع ناحيتها ولفها له بعد ما مسك ذراعها بقوة:
- تمزحين صح؟ مو ناوية تأجلين الزواج أكثر من كذا.
أبعدت يده عنها بعنف:
- لا ما أمزح، عادي عندك تخلي موظفة مثل نجمة تكمل شغلها معاك لكن تباني أتحمل وجع أختي؟ أناظرها وهي تبكي بسببها! تكسب كثير من وراها صح؟ تهنى بهالفلوس الوسخ.
خرجت وقفلت الباب وراها بقوة حتى أصدر صوت عالي.
ركبت المصعد وهي مقهورة ومعصبة حيل.
تحس دمها يغلي من شدة الغضب.
عارفة ومتأكدة إنه حتى هو معصب مثلها إلا أكثر.
كانت متكتفة وتعض شفتها تفكر بالخطة الثانية، متوترة لكن متحمسة بنفس الوقت.
تدري إنه اللي جات تطلبه من سلطان مستحيل تقريبا وما راح يوافق بسهولة، لذلك خططت لشيء ثاني.
وهو أصعب من اللي قبله.. لكن لازم تسويه، لازم ترد ولو شوي من كرامة أختها.
لازم تنتقم لها.

كان الثاني يغلي من القهر بداخل مكتبه.
مسك نفسه غصبا عنه ولا لحقها.
لأنه اكتفى من هالشيء، اكتفى من مزاجها السيء، ومن طباعها الحادة.. من شخصيتها الغريبة.
ملّ وهو يحاول يليّن قلبها تجاهه، تعب وهو يسعى لإنجاح هالعلاقة اللي كانت بدايتها غريبة جدا، وظلت غريبة حتى الآن!
بما إنه المتحكم بالعلاقة هي، وهي اللي تحرك خطوط هالعلاقة!
جلس على الكرسي وفتح القارورة بعصبية، فرغ كل المويا بجوفه حتى يقدر يهدّي أعصابه شوي.
اكثر شيء رفع ضغطه انها جات قالت اللي عندها ثم راحت بدون ما تعطيه فرصة يقول شيء ثاني.
وانها ما اعطته حتى فرصة تبرير موقفه، وسبب رفضه لفصل نجمة!
مو كأنه راضي انه اختها تنهان وفي العلن!

ما أعطته على الأقل فرصة يسألها وش تقصد! ووين تبي تروح بالضبط، وليش!
الله وحده يعلم قد إيش كان مبسوط لما وصلته رسالتها المختصرة، اللي محتواها ( بجيك بكرة).
هالكلمتين خلته يسهر طول الليل، وخلته يتحمس لهاللقاء.
كان عنده أمل انه هاللقاء البسيط المفاجئ يغير ولو شيء صغير بينهم، يحسن علاقتهم.
لكن بالنهاية جاية تقول انها بتأجل الزواج؟ لبعد سنتين كمان؟

__________

تسند راسها على الشباك تناظر السماء، تتأمله وهو يتغير لونه مع بداية الشروق.
حاسة بتعب فظيع وإنهاك بكامل جسدها.
صحيح إنها المفروض تنام من أول ما رجعت البيت، إلا إنها ما قدرت.
أصابها الأرق وحرمها من النوم حتى ساعات متأخرة.. وبصعوبة قدرت تدخل في النوم.
ما كملت ساعتين إلا واضطرت تصحى فورا عشان تلحق دوامها!
زفرت أنفاسها بضيق لما توقفت السيارة قدام القصر.
أخذت أغراضها ونزلت، حضنت نفسها وهي تتأمل القصر من جديد.
صارت عيونها تلمع وأفكار كثيرة تدور بعقلها.
انتبهت من شرودها لما انفتح الباب الرئيسي فجأة، ولمحت مقدمة سيارة فخمة.
تحركت بسرعة وخفة وهي تتخبى ورى الشجرة الكبيرة.
وقفت تناظر السيارة وهي تخرج، ثم تلمح الشخص اللي قاعد يسوقها.
كان شاب واضح انه في نهايات العشرين، متأنق ومتكشخ.. واضح إنه هو الثاني متوجه لدوامه.
انتظرت حتى اختفت السيارة، ثم خرجت من ورى الشجرة وهي تزم شفايفها بمكر.
خرجت جوالها واتصلت على فوزية، اللي سمحت لها بالدخول.
استقبلتها عند الباب الداخلي، ثم ساعدتها حتى وصلوا عند غرفة وعود.
وعيون مرام تدور تناظر كل ركن وكل حيط تطيح عينها عليه!
حتى فتحت لها فوزية الباب ودخلت، خلعت نقابها والطرحة وتقدمت ناحية وعود.. اللي كانت جالسة على واحد من الكراسي الموجودة بالقرب من الشباك الكبير المفتوح.

حطت عبايتها وباقي أغراضها على الكنبة، ثم قربت وجلست على الكرسي الثاني وهي تبتسم:
- صباح الخير وعود.
ابتسمت وعود وأشرق وجهها بفرحة:
- صباح النور يا هلا، كيف حالك اليوم؟
- بخير الحمد لله، ما شاء الله وش هالفطور الرايق؟
- لسه ما بديت ترى قاعدة أنتظرك، قالت لي فوزية إنها اتفقت معك صحيح؟
- صح، عشان كذا خرجت من البيت بدون ما آكل شيء.
اتسعت إبتسامة وعود أكثر:
- مشكورة حبيبتي، لي فترة طويلة ما أفطرت ولا أكلت شيء مع أحد.
تأملتها مرام بشيء من الحزن، ثم تحولت نظراتها لكره وحقد.. قبل لا تتصنع الإبتسامة مرة ثانية وتبدأ تأكل معاها.
نقلت نظراتها ناحية الشباك، وصار تتأمل الحديقة الواسعة.. بدون ما يخف ألم قلبها والحرّة اللي فيها.
سألتها وعود لما سمعت تنهيدتها:
- فيك شيء؟
هزت رأسها بالنفي ثم سألت:
- عادي أسألك سؤال ممكن يزعجك شوي؟
ابتسمت وعود:
- إيه طبعا عادي، بس ما أحس في شيء ممكن يزعجني.. تفضلي.
- ودي أعرف شلون فقدتِ بصرك؟

اختفت ابتسامة وعود وتوترت، حطت كوبها على الطاولة بيد مرتجفة:
- آووه هذا، اممم.. صار معي حادث قبل كم سنة.
- ليش ما تعالجتِ طيب؟ دامك كنتِ تشوفين قبل.. وأبوك خيره واجد ما شاء الله، ما هو عاجز يسوي لك العملية.
ابتلعت وعود ريقها بصعوبة من الارتباك:
- سويت.. أكثر من عملية، لكن بدون فايدة.
كملت بنبرة توضح ألمها ووجعها من الموضوع:
- الأفضل لي حاليا إني أظل عميا، ما عاد أبي أشوف شيء بعيوني هذي.. اللي شفته قبل الحادث كان أكثر من كافي.
أسندت مرام كوعها على الطاولة وهي تتأمل ملامح وعود وتسأل بفضول:
- وش اللي شفتيه؟
ابتسمت وعود ابتسامة واسعة ثم ضحكت حتى تخفف توترها:
- شيء ما يستحق إني أذكره.
رفعت كوبها وارتشفت شيء من الشاي ثم سألت وهي تعقد حواجبها:
- بس لحظة، شلون عرفتِ إني ما كنت كفيفة قبل؟
اتسعت عيون مرام بارتباك من السؤال الغير متوقع، إلا إنها ضحكت:
- كيف بعرف يعني؟ صورك منتشرة بالغرفة وكلها واضحة فيها إنك كنتِ تشوفين.

اكتفت وعود بالسكوت وابتسامة صغيرة بالرغم من شعورها بغرابة الموضوع.
اللي تعرفه إنه ما لها إلا صورة وحدة بداخل درجها، تجمعها بأمها وأبوها.
ما حطت أي صور ثانية لأنها ما تصلي إلا بنفس الغرفة.
ومستحيل إنه مرام شافت صورتها، أو تكون عرفت منها إنها ما كانت كفيفة!
يمكن تكون استفسرت عن حياتها من فوزية بدافع الفضول!
سألت مرام بعد تردد حتى لا تحشرها وعود مرة ثانية:
- طيب ليه وظفتِ وحدة تقرأ لك؟ حاليا تطبيقات القراءة مليانة في الجوال!
تنهدت وعود بضيق بدون لا تخفي ابتسامتها:
- كنت بحاجة لإنسانة أقعد معاها ساعتين في اليوم على الأقل، أكثر من حاجتي لمجرد كتب.
ناظرتها مرام للحظات بنظرة خاوية، ثم رجعت تناظر ناحية الشباك ترتب أفكارها!

`°°°°

كان جالس على أرضية الصالة اللي تتوسط شقة نسمة.
يلتفت حوالينه يناظر كل ركن وكل بقعة.
كانت هالصالة في السابق في حالة يُرثى لها، ولا زالت.
ذكرياته مع أخوانه ووالدينه توالت على عقله واحدة ورى الثانية، واللي خلته يبتسم غصبا عنه.. وخلت عيونه تدمع من بساطة هالذكريات وجمالها.
ومن الشعور اللي غمر قلبه حتى تنهد من أعماقه.
كانت هي واقفة عند باب المطبخ تناظره، عرفت من تعابير وجهه انه جالس يستحضر ذكرياته القديمة.. وانه حسّ بشيء من الندم.
وهالشيء أكثر من كافي بالنسبة لها.
زفرت أنفاسها ونصّبت ظهرها ووقفت باستقامة، قبل لا تخرج له وهي راسمة على شفايفها نفس الابتسامة الصغيرة المليانة سخرية وتهكم!
- اعذرني عمي، ما عندي شيء أضيفك فيه غير الشاي، لو دريت انه في أحد بيجيني كنت نزلت البقالة واشتريت شيء مناسب.
عبدالرحمن وهو يأخذ منها الفنجان:
- ما في داعي يا نسمه، جيت أقول لك كم كلمة وبمشي.
تظاهرت نسمه بالحزن:
- أفاا يا عمي! جيتني بعد كل هالوقت عشان تقول كم كلمة وتمشي! خاطر بنت أخوك يهون عليك؟ ما اشتقت لي؟
عبدالرحمن بعد صمت قصير:
- كنت أشك قبل، لكن الحين تأكدت إنك تستمتعين بالسخرية منا يا نسمه!
ضحكت نسمه بعد ما ناظرته بصدمة:
- لا تصدمني كذا عمي، ليش ممكن أسخر منكم يعني؟ انتوا اعمامي اخوان أبوي أولاد جدي!
ناظرها بطرف عينه بقهر، خاصة لما نطقت العبارة الأخيرة بسخرية لاذعة.

تجاهل شعوره بالغضب وهو يحط الفنجان على الصينية ثم يرفع راسه يكلمها بجدية:
- احنا وش مقصرين فيه معك؟ إيش اللي ناقصك حتى تتركين البيت وتروحين تشتغلين بمنطقة بعيدة؟ مصاريفك وتوصلك كل شهر من أعمامك كلهم حتى عمتك جيهان، غير الإيجار اللي تاخذينه من المستأجرة اللي فوق، إيش اللي حدك على الشغل يا نسمه؟
- هذا هو السبب، ما عاد أبي أسمع أحد يقول تراني أصرف عليك شهريا وماني مقصر معك.
احمرّ وجه عبدالرحمن من العصبية:
- ترى ما أقولها لأني أمنّ عليك ولا قد قلت هالشيء من قبل، أنا قاعد أسألك بس...
- راح ينقال هالشيء مستقبلا وكثييير.. لو مو انتوا حريمكم وعيالكم راح يقولون، ولا تقول لي لا تتكلمين عن شيء ما صار، لأني بتكلم.. ما أبي أعيش على حسابكم أكثر من كذا.
عبدالرحمن بتعجب:
- إنتِ ليش عنيدة كذا؟ ليش تبين تصعبين الحياة على نفسك وهي سهلة؟ ليش ما تبينا نساعدك؟
أجفل عبدالرحمن من صرختها المفاجئة:
- ليتكم ساعدتوا جدي قبل، ليتكم عرضتوا المساعدة عليه، ليتكم جيتوا تكلمونه قبل لا يموت وأقنعتوه يعيش معاكم مثل ما تحاولون تقنعوني الحين!
سكتت شوي وهي تشوف أمارات الصدمة على ملامح وجهه:
- فعلا كل ما شفتكم يصير ودي أضحك بصوتي العالي، وهذا اللي يخليني أسخر منكم وأستمتع بهالشيء على قولتك، حتى الآن كل واحد جا عندي وحاول يمنعني من الوظيفة ومن النقل ما عرض عليّ إني أعيش معاه! تحسبون الفلوس لوحده كافي عشان أكون مرتاحة ومبسوطة؟ ما تعرفون إيش أكثر شيء يقتل روح الإنسان؟ ما عرفتوا حتى بعد ما توفى جدي بأبشع طريقة؟ الوحدة يا عمي.. الوحدة بتقتلني وتذبحني مثل ما ذبحت جدي.
سكتت مرة ثانية تلتقط أنفاسها:
- مع إني لسه مو عارفة السبب اللي يخليكم تمنعوني!
كان عبدالرحمن مصدوم فعلا من كلامها ولا عرف بإيش يرد، ظل ساكت يناظرها فاتح فمه للحظات.
تقريبا هذي المرة الأولى اللي شاف فيها نسمه تنفجر بهالشكل بعد وفاة أبوه.
يمكن لأنه ما يجي يشوفها من الأساس، أو لأنها فعلا كانت كاتمة الكثير في صدرها!
حتى هالمرة صحيح انفعلت وقالت الكثير، لكن برضوا ما بكت ولا ذرفت دمعة وحدة.. بالرغم من إنه وجهها تقريبا راح ينفجر من كمية الدم اللي تجمعت فيه وخلى وجهها يحمرّ.
مثل ما كانت بيوم اختفاء سعد، ويوم وفاة جدها!
تكلم بنبرة هادئة:
- احنا نبي مصلحتك يا نسمه، ما في داعي تفتحين مواضيع قديمة وتجرحين نفسك وتجرحينا، وإذا ودك بفتح لك بيتي.
ابتسمت بسخرية ثم ضحكت:
- بعد ما قلت لك بنفسي؟ ماني موافقة وغير مشكور.. راح أنقل وأشتغل ولا في أحد ممكن يقنعني بالعكس يا عمي، والحين تقدر تتفضل.. ما عندي شيء ثاني أقوله.
وقفت واتجهت ناحية الباب بكل برود:
- وإذا تبون مصلحتي ولا تبوني أتعب، حسابي مفتوح على طول، تقدروا تستمروا بدفع مصاريفي مثل قبل، بجمع لي مبلغ يكفي لترميم العمارة عشان أأجرها.. بس الوظيفة ما راح أتركها.
وقف عبدالرحمن واتجه ناحية الباب وهو كاتم غيظه من حركتها، وقف قدامها وسأل:
- ليش ما تكملين دراستك قبل؟ مو أفضل لك؟ عشان تلاقين وظيفة أنسب؟
تكتفت نسمه وأشرت له بعينها على الباب.
غمض عينه وزفر أنفاسه ثم خرج بدون ما يقول كلمة ثانية.

قفلت الباب وراه بقوة.
ظلت واقفة عنده للحظات قبل لا تجلس على الأرض بضعف.
تكرهه، إلا تكرههم كلهم.. هو وأخوانه.
كان هذا اللي ناقصها..
إنه يجي يستفزها بهالشكل، ويستفز عقلها ويوجعها كذا.
مع إنها ما مرّ عليها يوم إلا وتوجعت فيه على ذكرياتها مع جدها.
لكن لما يكون واحد من أعمامها هو السبب في استثارة هالذكريات، ما تقدر تتقبل.. أبدا.
زفرت نفسها الخارج من أعماقها ثم تأوهت بألم، انحنت وهي تغمض عيونها ثم تبكي بصمت.
وقفت بضعف ووهن ودخلت الغرفة، وقفت عند الباب اللي أسندت ظهرها عليه.. وهي تمرر أنظارها على كل مكان.
الحيطان اللي تحولت من لونها الأبيض الفاتح للوحة من الألوان العشوائية، وبإسمها هي!
يمكن لو جدها كان أطول.. كان غطى حتى الجزء العلوي من الغرفة بإسمها.
خرجت بعد ما هدأت نوعا ما، ودخلت المطبخ.
أخذت الجوال اللي تركته على الطاولة، فتحت الشاشة على الرسالة اللي كتبتها في الصباح.
قرأتها بعناية وأكثر من مرة، قبل لا تضغط على زر الإرسال.. وهي تتمنى إنه ما يجرحها ولا يوجعها هالمرة!
الأذى اللي جاها من أعمامها كافي.

`°°°°°

في جهة ثانية...

وصلته الرسالة وهو جالس على طاولة الفطور مع أمه وأبوه.
كانت أمه تتذمر وهي تجهز صحنه، بسبب خروج ألماس من بعد الفجر وبدون لا تجهز الفطور.
قفل الشاشة بارتباك وهو يضحك:
- خليها يمه، كل يوم تجهز لنا فطور ملكي خليها تأخذ إجازة اليوم وترتاح.
أيّده أبوه:
- وأنا لي فترة أحاول أقنع أمك نجيب عاملة ونخلي أختك ترتاح، بس عيّت.
ردت بعصبية:
- انتوا مو عارفين ليش أسوي كذا؟ ليش أكرفها ولا أجيب عاملة؟
رد مساعد بضحكة:
- عشان تكره الحياة هنا وترضى تتزوج بسرعة؟ ألماس بعنادها تقدر تخضع دولة كاملة تعتقدين إنها بتتخلى عن كبريائها وتقول خلاص بتزوج؟ انسي يمه بس إنتِ الوحيدة اللي بتتعبين من هالموضوع.
قبل لا ترد الأم انفتح الباب بقوة، ودخلت منه ألماس كأنها إعصار هائج:
- الأسبوع الجاي بنقل وبكمل دراستي في جامعة الـ***** انقبلت من زمان بس ما علمتكم قبل لا آخذ اذن ولد أخوك يا أمي، واللي وافق وأجل الزواج سنتين عشاني.
اختفت بسرعة البرق زي ما ظهرت، دخلت الغرفة وقفلت الباب بقوة.
قبل لا يستوعبوا اللي سمعوه انفتح الباب مرة ثانية فجأة، وخرجت منه آلاء وعيونها متسعة من الصدمة بعد ما دفعتها ألماس لبرة، ثم رجعت قفلت الباب بالمفتاح.
التفتت لهم متفاجئة:
- إيش فيها؟
هزّ مساعد كتوفه بحيرة.

عمّ الصمت للحظات.
توترت آلاء من نظرات أمها وأبوها، اللي كانوا يتأملوها من وجهها لرجولها بدون ما ينطقوا بأي كلمة.. يتطمنون عليها بهالطريقة!
الشيء اللي خلاها تعرف انهم دروا باللي صار أمس.
تقدمت منهم بخطوات بطيئة وجلست على الكرسي جنب مساعد.
تضايقت لما صدّت أمها عنها بزعل.
ثم التفتت لأبوها اللي سأل بحنية:
- كيف حالك يا بنتي؟ كيف حاسة اليوم؟
ابتسمت وردت بهدوء:
- الحمد لله.
بلعت ريقها ثم قالت بصوت واطي:
- أنا آسفة على الـــ......
قاطعتها أمها ببرود:
- ليش تعتذرين منا؟ إنتِ المتضررة من الموضوع.. وإنتِ اللي جبتِ هالشيء لنفسك.
مساعد بعتاب:
- يمه!
تركت اللي بيدها ووقفت ثم خرجت من المطبخ، ثواني وسمعوا صوت باب غرفتها اللي انقفل.
تكلم الأب بحنية بالغة وهو يشوف الوجع بعيونها:
- ما عليه يا بنتي لا تزعلين من كلامها، قالت هالكلام لأنها متضايقة عشانك وشايلة همك، حتى انها ما نامت طول الليل لما عرفت بالموضوع.
رفعت له عيونها المليانة دموع:
- يبه هالكلام ما يواسيني، ما تزعلني تصرفات أمي كثر ما يزعلني كلامك وانت تحاول تخفف عني، أرجوك خليك صريح وعاملني بالطريقة اللي أستاهلهت، كل ما تصرفت معي بلطافة وحنية كل ما توجعت أكثر صدقني.
شهقت وهي توقف وتخرج من المطبخ ثم تتجه للمجلس وتقفل الباب عليها بما إنه ألماس طردتها من ملجأها الحقيقي!
تنهد الأب بضيق ثم ضحك حتى يخفف جو التوتر اللي ساد المكان:
- كل الإناث زعلانات ماحد بيغسل المواعين غيرنا.
ضحك مساعد مع أبوه، واثنينهم صدروهم ضايقة من الزعل على حال ألماس وآلاء.

خرج من البيت وركب سيارته بعد ما أنهى فطوره وتعاون هو وأبوه على تنظيف المطبخ.
خرج الجوال من جيبه وهو خايف من محتوى الرسالة.
إيش ممكن تكون أرسلت هالمرة!
فتحها بلهفة بالرغم من شعوره بالتردد والارتباك.
كان المحتوى موجع كالعادة ( ما أعرف بالضبط إيش اللي غلطت فيه وكيف آذيتك، ولا أعرف السبب اللي يخليك تعاملني بهالطريقة.
اختفيت من حياتنا فجأة قبل فترة طويلة.
على قد ما أوجعني اللي سويته على قد ما انتظرتك تحن وترجع.
لكن ما أعرف إيش اللي صاب قلبك بالضبط، وإيش اللي خلاك قاسي لهالدرجة!
حتى بعد ما عرفت إنه جدي توفى، ورجعت وحيدة ويتيمة من جديد!
عموما من اليوم ورايح ما عاد راح أزعجك، أو أحاول أخليك ترجع، أو تعرف مكاني حتى.
هذي آخر مرة أتواصل فيها معك، أو قبل الأخيرة لو حبيت تحيي قلبي من جديد وتخليني أشوفك دقيقة وحدة على الأقل.
أروي فيها شوقي لك ولجدي وأمي وأبوي.
راح أنتظرك إلى الساعة 12 الظهر بالضبط، يوم السبت.
بيت جدي لا زال موجود بمكانه وبنفس المنظر اللي كان عليه لما تركتنا.
وإذا نسيت العنوان بسبب طول المدة، هذا هو أرفقته مع الرسالة.
أرجوك.. لا تخذلني ).

عاود قراءة الرسالة أكثر من مرة ودقات قلبه تتسارع.
كان يحتار في كل مرة ترسل فيه شيء، لكن مثل هالحيرة ما قد حس فيها!
الحين تطلب منه يروح لها، ومن ثقتها إنه هالرسالة ممكن تأثر فيه هالقد.. أرسلت العنوان على طول!
إيش راح يسوي الحين؟ كيف راح يتصرف؟

__________

تدخل الغرفة الموجودة في أبعد ركن في الشركة.
واللي تعتبرها المكان المفضل لها.
كان بيدها كوبها وهي تدخل بذهنها الشارد.
فتحت نور خافت وجلست على واحد من الكراسي الموجودة حول طاولة الاجتماعات الطويلة.
حطت الكوب على الطاولة وغمضت عيونها، شبكت يدينها ونزلت راسها تحاول تخفف من هالشعور الفظيع.
هي معصبة، وجدا..
لكن مضطرة تكتم حتى لا تفقد صورتها قدام موظفين الشركة وباقي الإعلاميين الموجودين معاها.
إيش اللي سوته بالضبط؟ إيش الغلط اللي ارتكبته حتى يستدعيها رئيسها ويعطيها إنذار؟
من سمعت صوته وهو ينطق هالعبارة بصوته البارد وهي حاسة بأعصابها تفلت.
( أنا أحترمك كثير وإنتِ واحدة من الإعلاميات المجتهدات اللي يفيدون الشركة، لكن لو تكرر اللي صار أمس واستخدمتِ شهرتك ونجاحك عشان أذية غيرك راح أضطر أتصرف بطريقة مختلفة.
وقتها جلست على أقرب كرسي وحطت رجل على رجل، ميّلت فمها بسخرية وهي تسأل:
- شكلك استقبلت ضيفة من بدري، زوجتك ألماس.
رفع حواجبه مستغرب:
- وش جاب طاريها الحين.
تكتفت وهي تحط عينها بعينه:
- اعذرني على صراحتي، بس كثير تعديت حدودي قبل كذا، وسويت حاجات ما تُقارن باللي كتبته أمس، مع ذلك كنت دايم تتغاضى عني لأني أكثر وحدة تجذب المستثمرين.
أبعد أنظاره عنها بعد صراحتها والحقيقة اللي نطقتها ولا يقدر ينكرها:
- أجل اعرفي من اليوم إني بحط عيني عليك وبنتقدك على كل تصرف غلط بتسوينه.
قطبت جبينها بانزعاج وهي توقف:
- تمام، تبي شيء ثاني؟
هز راسه بالنفي من دون ما ينطق بشيء ولا يرفع عينه.
خرجت بخطوات غاضبة ).

كان عندها الكثير عشان تقوله، كانت تبي تدافع عن نفسها.. وتوضح الموقف.
بس هي عارفة نفسها، لو فتحت فمها ما راح تسكت.
راح تفضح أفعال آلاء، وراح توضح السبب اللي خلاها تتصرف بهالطريقة.
راح تأذيها أكثر من آذاها لها أمس.
تنهدت بضيق وهي ترفع كوبها وترتشف من الشاي.
شرقت أول ما رفعت عينها وشافت الشخص اللي ما توقعته.
كحّت وهي توقف بارتباك وتوتر، ثم تتنحنح وتعدل شعرها.
ما حركت عينها من عليه وهو يتجه للمفاتيح ويولع كل الأنوار.
جلس على الطرف الثاني من الطاولة، وقدامها مباشرة.
رجعت جلست وهي تبعد أنظارها عنه بتوتر، بعد ما عرفت من تعابير وجهه انه مو جاي إلا عشان نفس السالفة!
أظهرت اللامبالاة وهي ترفع كوبها وتشرب ببرود.
حتى قطع الصمت الموتر صوته اللي تحبه حيل، إلا تعشقه:
- ما أعتقد كان في داعي للي سويتيه، نجمة!
ضحكت في سرها بسخرية على نفسها.
ما خيّب ظنها.
ووالظاهر الكل متفق عليها اليوم، سألت بهدوء:
- إيش قصدك؟
- انتِ عارفة قصدي وفاهمتني بدون ما أتكلم.
حطت رجل على رجل بدون ما تطالع فيه:
- وأنا ما أعتقد إنه في أحد له حق يتدخل بشغلي، ما احد له حق يحاسبني على تصرفاتي.. غير رئيسي في العمل، وأنا أوريدي سمعت اللي لازم أسمعه من بدري، ما لي خلق أسمع شيء ثاني.
زفر حازم أنفاسه بضيق ثم قال:
- بس لي حق لما تكون اللي آذيتيها زوجتي.
ضحكت نجمة ضحكة قصيرة وهي تحس بصدرها يحرقها من القهر والغيرة:
- ليش؟ ما أذكر إني كتبت اسمها في القصيدة، ولا قلت لهم انها هي المقصودة.. مو ذنبي لو الكل عرف بحقيقتها، ودرى انها انسانة سيئة زي ما وصفت.
احمرّ وجهه من الغيظ لكن اضطر يكتمه:
- نجمة! الزمي حدودك، ومستحيل ما يعرفون انك تقصديها، ما في بنت ثانية مشهورة بشقارها كثر آلاء، والكل يعرف انكم كنتوا مقربات قبل لا يصير اللي صار، ويدرون بعد بخلافكم لأنك ما شاء الله ما تقصرين، لازم تعرضين حياتك بتفاصيلها على الجمهور.
انقهر أكثر من ردها المختصر والبارد:
- طيب إيش تبى مني إنت الحين؟
وقف وهو يحط يدينها على الطاولة ويقول بنبرة فيها شيء من التهديد:
- لا عاد تزعجينها يا نجمة، ولا يجيها شيء منك.. هذي المرة الأخيرة اللي أتجاوز فيها عن اللي سويتيه، بما انه اللي بيني وبينك منتهي من زمان، ما راح أسمح لك تتدخلين بحياتنا، تفهمين؟
اكتفت بالسكوت وهي تشوفه يطلع من الغرفة بعد ما رمقها بنظرة حادة، حست فيها تخترق صدرها وتدمي قلبها.
شدت قبضة يدها بقوة، ونظراتها الضعيفة بحضرة حازم تتحول لكتلة من الشرارة.
رفعت الكوب بيدها الثانية المرتجفة، وفرغت كل اللي فيه بجوفها متجاهلة الحرارة اللي لسعت فمها وأحرقت حلقها.
ثم مسحت دمعتها بقوة وهي تتنفس بغضب.

`°°°°

خرج حازم من المقر وركب سيارته.
ما كانت مشاعره هو الثاني عادية.
واللي تظاهر فيه كان عكس كل اللي حس فيه قدامها.
شغل السيارة وحركها متجه لأقرب محل ورد.
اختار باقة من الورد اللي تحبه آلاء، ثم اتجه لبيتهم.
أخذ جواله بضيق وهو عارف إنه ما راح يقدر يوصل لها الحين كمان.
من أمس وبعد اللي صار وهو يحاول يتصل فيها أو يوصل لها عن طريق الرسائل على الأقل، إلا إنه ما قدر.
حاول يتصل أكثر من مرة، لكنها تجاهلته مرة ثانية.
تردد للحظات وهو يطلب رقم أمها، واللي ردت على طول.
كان حاس بالإحراج لما سألته ليش ما اتصل على جوال آلاء، لذلك اضطر يكذب عليها بأول شيء جا في باله:
- أكيد إنها متضايقة من اللي صار أمس عشان كذا قفلت جوالها.
قفل الخط منها ثم ترجل ووقف قدام الباب، فتحت له خلال لحظات قليلة.
سلّم عليها وراح وراها، وصلته عند باب المجلس والتفتت له:
- هي موجودة هنا من الأساس بس مو راضية تفتح الباب لأحد، عاد انت وشطارتك الحين شوف تفتح لك ولا لا.
أنهت كلامها ودخلت وهو يناظرها مستغرب ومصدوم.
إيش اللي يخلي آلاء تحبس نفسها هنا وما تفتح الباب لأحد!
إذا متضايقة ليش ما تحبس نفسها بغرفتها!
تنحنح وعدّل نفسه ثم رفع يده يدق الباب بخفة.
انتظر للحظات قبل لا يناديها بإسمها:
- آلاء هذا أنا، حازم.. افتحي الباب.

كانت الثانية متكورة على نفسها ومنهارة من البكاء من الوقت اللي دخلت فيه.
تهدأ شوي ثم ترجع تبكي.
أول ما سمعت صوته أجفلت ووقفت دموعها عن النزول من الصدمة.
جلست بمكانها وعيونها متسعة من الخوف والتوتر والإرتباك.
ما قدرت تحرك رجولها وتنزلها وهي تسمعه يكرر النداء باسمها.
مسحت وجهها بكفينها بقوة ووقفت بعد ما استجمعت نفسها.
ظلت واقفة بمكانها تفرك يدينها بتوتر، طالعت في نفسها ثم تأففت لما لقتها في حالة فوضوية.
حتى شعرها مبعثر، ما لقت فرصة تمشطه.. ولا لقت فرصة تبدل قميصها الوردي الواصل لنص ساقها.
كويس فرشت أسنانها وغسلت وجهها قبل لا تطردها ألماس من الغرفة.
أجفلت مرة ثانية لما سأل:
- يعني ما راح تفتحين؟ أروح؟
لقت نفسها ترد عليه بسرعة ومن دون تفكير:
- لا لحظة.
ابتسم حازم وتنهد براحة:
- تمام افتحي.. رجولي تعبت من الوقوف.

أما هي فعضّت شفتها من الورطة، شتمت نفسها على الرد عليه.
الحين كيف تطلع له وهي بهالشكل؟
ابتلعت ريقها بتوتر ثم قربت من الباب بخطوات بطيئة مترددة، حطت يدها على المقبض.
سمّت بالله وفتحته وهي مغمضة عيونها.
وفي لحظة خاطفة وتحت أنظاره المصدومة، أبعدته عن طريقها بقوة وركضت.
اختفت بملح البصر وهي تقول:
- انتظر شوي ببدل وأجيك.
تعلقت عيون حازم على الباب اللي اختفت وراه، حتى استوعب اللي صار.
ضحك ودخل المجلس ينتظرها.

وقفت هي عند باب الغرفة تلتقط أنفاسها وتطالع وراها تشوف لحقها ولا لا!
دقت الباب بخفة خوفا من غضب ألماس:
- ألماس تكفين افتحي، محتاجة أدخل.. ضروري، تكفين ألماس.
فتحت لها ألماس بعد دقيقتين.
كانت هي الثانية بوضع فوضوي..
لكن طبعا ما تجرأت تسألها عشان لا ينالها غضبها بهالوقت.
راح تنتظر أكثر حتى تهدأ أكثر ثم تفتح معاها الموضوع.
كانت تناظرها بطرف عينها وهي تفتح الدولاب وتاخذ لها لبس.
رجعت ألماس ترقد، حطت ذراعينها تحت راسها وهي تراقب آلاء.
سألتها بهدوء:
- على وين بهالوقت؟
آلاء بارتباك:
- ولا مكان، بكون هنا في البيت.
رفعت حاجبها باستغراب:
- وتلبسين هالفستان؟
رفعت آلاء الفستان اللي كان بسيط جدا وأنيق بنفس الوقت:
- عادي ما هو فستان عرس ولا عزايم.
اكتفت ألماس بالسكوت لما دخلت آلاء تلبس.
تنهدت بضيق وعيونها على السقف، تفكر إيش المفروض تسوي.
وكيف كانت ردة فعل أهلها على اللي قالته من ساعة تقريبا.
خاصة أمها.. استغربت إنها ما جات تهزئها وتخاصمها مثل دايم.
انتبهت من شرودها على صوت آلاء، اللي وقفت جنب السرير وهي تضم كفوفها بتوتر.
ما كانت تبي تقول لها عن جية حازم، بس ما تقدر تمسك نفسها.
هي راح تعرف بالنهاية.
سألتها:
- إيش فيك؟
عضّت آلاء باطن شفتها ثم جاوبتها بصوت واطي:
- حازم... هنا.
ناظرتها ألماس بعيون متسعة من الصدمة، قبل لا تفز جالسة.
تربعت فورا وواجهت آلاء:
- وش يبي؟
هزت كتوفها بحيرة:
- ما أعرف، بس أكيد عشان السالفة اللي صارت أمس.

جلست آلاء جنبها وهي تحس إنها مو قادرة تمسك نفسها أكثر، والفضول بيذبحها حرفيا.
- أبي أعرف وين كنتِ في الصباح؟ إيش سويتِ وليش رجعتِ معصبة؟
ردت ألماس بلا مبالاة:
- ما سويت شيء رحت أشوف سلطان، اتفقنا انه الزواج يكون بعد سنتين.
شهقت آلاء بصدمة:
- سنتين، سنتين يا الظالمة؟ بتذبحين الرجال.
- اقول لك اتفقنا ما أجبرته على شيء، قلت له بكمل دراستي.
اصطنعت ابتسامة واسعة وهي تقول:
- حلو يكونوا الزوجين متفقين حتى قبل الزواج صحيح؟ قصدي بعد الملكة.
احتارت آلاء فجأة وهي تشوف هالتعابير الغريبة على وجهها، سألت بعد تردد:
- إيش صار كمان؟ ألماس انتِ مستحيل تأجلين الزواج وتخلينه بعد هالفترة الطويلة بس عشان دراستك، أدري إنك من البداية كنتِ تأجلينه عشان تقهرين سلطان وعندك أسبابك اللي خلتك تسوين كذا، بس بنفس الوقت هالأسباب ما راح تخليك تأجلينه لبعد سنتين.
ترددت ألماس قبل لا تقول:
- طلبت منه يفصل نجمة وما وافق.
عمّ الصمت في الغرفة للحظات، قبل لا تقطعه آلاء بصرختها وهي توقف بعصبية:
- نعم؟ وش تقولين ألماس! وليش تطلبين منه هالشيء!
وقفت ألماس قدامها مفجوعة من صراخها المفاجيء:
- وليش ما أطلب؟ ليش عصبتِ كذا؟
سألت بشك:
- لا تقولين إنك خايفة عليها وعلى مستقبلها!
- وليش ما أخاف؟ ألماس إنتِ تعرفين إيش تعني هالوظيفة بالنسبة لها، وقد إيش عانت عشان تصير اللي صارته الحين.
تكتفت ألماس وهي تبتسم بسخرية:
- بالله! من كل عقلك تقولين هالكلام؟ بعد اللي سوته فيك؟
- ما أنكر إنها آذتني، وجاني منها شيء ما أستحقه.. بس قلت لك من أمس لا تسوين شيء، ما طلبت مساعدتك.. لو كنت محتاجة فزعتك فعلا كنت جيتك بنفسي وقلت ساعديني، بس لما تخالفين كلامي وتسوين اللي براسك ثم تعتقدين اني بشكرك! هذا الشيء مو مقبول.
تجاهلت ألماس شعورها بالغضب والحزن:
- أنا فعلا ودي أعرف إيش اللي يخليك تتصرفين كذا؟ تشفقين عليها وتحزنين وتعذريها على كل شيء تسويه حتى الأشياء التافهة! كأنك إنتِ المذنبة مو هي!
شتتت آلاء أنظارها بعيد عن أختها وهي تتنهد وتقول:
- مو ضروري، أهم شيء الحين يا ألماس انتِ لا تتدخلين بيننا أبدا، لا تزعجين نفسك بسببي، مشاكلي أنا أحلها بنفسي، ونجمة لا عاد تتعرضين لها لو كنتِ تحبيني وتعزيني، أرجوك يا ألماس.
تأملتها ألماس لثوانِ بحيرة، قبل لا تهز رأسها بإيجاب:
- زي ما تحبي.

خرجت من الغرفة وقفلت الباب وراها.
أدمعت عيون آلاء، اللي نهرت نفسها ومسحت دموعها بسرعة وهي تجلس قدام التسريحة.
مشطت شعرها على السريع وحطت مكياج خفيف وهي تقاوم رغبتها في البكاء طول الوقت.
خرجت بعد ما خلصت، طاحت عيونها على ألماس فورا.
واللي كانت جالسة في الصالة تاكل وجبتها المفضلة في كل زمان ومكان.
قطعتين توست مدهونة بشوكولاتة سائلة وكوب حليب!
اتجهت للمجلس بعد ما استجمعت شجاعتها لمواجهة حازم، واستعدت تسمع اللي جاي يقوله!

`°°°°
مساء اليوم التالي..

تخرج من شقتها وتقفل الباب بالمفتاح، بعد ما طالعت في نفسها بالمرايا.
كانت متوترة لأنها تأنقت وتكشخت أخيرا بعد فترة طويلة، وعشان تقابل شخص غريب.
نزلت الدرج بهدوء، وبخوات بطيئة عكس دايم.
لأن السبب مختلف عن كل مرة تخرج فيها.
كانت تخرج مرتين تقريبا في الأسبوع، مرة عشان تقضي حوائجها وتشتري مقاضي البيت.. ومرة عشان تتطمن على أحوال الجيران، كبار السن منهم خصيصا.
قابلت واحد منهم أول ما خرجت، صديق لجدها المتوفى.
سلمت عليه وحيّاها هو بحرارة وشوق كأنها بنته اللي ما شافها من زمان.
مشت برجولها ناحية الشارع العام.
بعد ما عبرت عدة أزقة وشوارع ضيقة تكفي سيارة واحدة.
الشوارع اللي تحفظها عن ظهر قلب.
وتحفظ كل بيت وكل ركن، كل محل، حتى أصحاب هالمحلات وعائلاتها، تعرفهم كلهم.
حتى انها تعرف متى جا كل واحد واستقر بهالحارة العتيقة.
أول ما وقفت على الرصيف وقفت لها سيارة أجرة، ركبتها وأعطته العنوان اللي تبي تروح له.
وصلت خلال ساعة تقريبا.
كل ما بعدت السيارة عن بيتها وحارتها، كل ما حسّت بالخوف والارتباك.
كونها ما ابتعدت هالقد بحياتها ولا مرة.
تنفست الصعداء أول ما وقفت السيارة قدام المقهى المقصود.
دفعت للسائق ونزلت، رفعت عينها وتأملت واجهة المقهى بانبهار.
ضمت كفوفها بارتباك..
صحيح انها كانت بتموت من الخوف ولا زالت خايفة ومرتبكة، لكن لازم تسوي هالشيء، لازم تخطي هالخطوة، عشان نفسها مو عشان شيء ثاني.
شدّت قبضتها على حبل شنطتها لما تذكرت لقائها بعمها في الصباح، هالذكرى قوّتها أكثر وخلتها تتجه للمقهى وتدخل بكل ثقة.
خرجت جوالها وطلبت رقم الشخص اللي جات تقابله.

وصلها صوتها الناعم والهاديء، واللي كان السبب في انها ترتاح على طول وتجي تقابلها بدون تردد:
- هلا، وصلتِ؟
- إيه وصلت، بطلع للدور الثاني الحين.
- تمام، جاية أقابلك عند المدخل.
قفلت منها وكملت صعود باقي الدرج.
حتى لمحت البنت اللي كانت واقفة عند مدخل القسم النسائي.
تقدمت منها ونطقت بإسمها حتى تتأكد.
هزّت البنت رأسها بإيجاب وهي تبتسم:
- إيه أنا، نسمه صحيح؟ تقدري تنزلي نقابك هذا القسم خاص بالحريم ماحد راح يجي.
نزلت نسمه نقابها وهي تهز راسها:
- إيه أدري، عشان كذا قدمت للوظيفة.
صافحتها البنت ثم أشرت لها تدخل:
- تعالي ارتاحي الحين في استراحة الموظفين، أكيد تعبتِ من الطريق الطويل.
مشت نسمه وراها حتى دخلوا لغرفة صغيرة.
أشرت لها تجلس على الكرسي وخرجت.
رجعت وبيدها كاسة عصير.
جلست قدامها:
- ما شاء الله طلعتِ أجمل مما تخيلت بعد ما سمعت صوتك.
ضحكت نسمه بتوتر:
- حتى إنتِ جميلة الله يحفظك.
ابتسمت البنت:
- بعد ما تشربي عصيرك باخذك أوريك المقهى، ثم يشرحون لك البقية طبيعة العمل.
هزت نسمه راسها بإيجاب، قبل لا تسألها صاحبة المقهى:
- بس عندي سؤال.
- تفضلي اسألي.
- قلتِ لي إنه منطقتك بعيدة من هنا، تاخذ منك قريب الساعة، يعني.. يوميا راح تجين وتروحين كل هالمسافة؟ مو تعب عليك؟
هزت نسمه راسها بالنفي وهي تبتسم:
- لا، كويس فتحتِ هالموضوع، جاية اليوم وبنيتي أدور مكان أسكن فيه، شقة أو بيت صغير ما عندي مشكلة، يا ليت تساعديني لو تعرفين.
لمعت عيون البنت وأشرق وجهها:
- صدق؟ تدورين سكن؟ راح يناسبك أي شيء صح؟
أومأت نسمه براسها وهي مستغربة من ردة فعل الثانية.
قربت منها البنت بحماس:
- أدري انك مصدومة ومستغربة ويمكن تخافين حتى ههههههههههه عموما، أنا لي فترة أدور ناس تسكن عندي في بيتي، بس للأسف كل اللي هنا بيوتهم قريبة، وأنا بيتي جدا كبير من دورين، فيه غرف كثيرة.. أختي الكبيرة قريب راح تتزوج وتنقل لبيت زوجها، أخوي نفس الشيء لأن زوجته دلوعة ولا حابة تفارق أمها.. قلت أخليهم براحتهم ولا أجبرهم يقعدون معي في البيت عشاني، إيش رايك؟
نسمه اللي كانت مصدومة فعلا:
- رأيي في إيش؟
- قصدي إيش رايك تسكنين معي؟ يعني أأجر لك عندي غرفة في بيتي، غرفتين 3 لو حابة.
كانت عيون نسمه متسعة وهي تحاول تستوعب اللي تسمعه:
- عادي؟ يعني.. حتى لو اخوانك تزوجوا بيت أبوهم لازم يكون لهم، يعني.. أحس الموضوع غريب شوي.
ضحكت البنت:
- لا حبيبتي مو غريب، ترى لي فترة طويلة أفكر بالموضوع.. لا أنا اللي ودي أترك البيت ولا ودي هم يسكنون معي غصبا عنهم، زوجة عمي قالت تساعدني، تقدر تحول البيت لسكن جماعي للبنات.
زمت شفايفها وهي تفكر:
- هو صحيح ما أنكر الموضوع غريب وغير مألوف، ولا قد سمعت عن سكن خاص بالبنات غير سكن الطالبات أو الممرضات، بس.. سكن جماعي أفضل من انك تسكنين لوحدك في شقة، وأنا أجزم انه في كثير بنات غيرك يجون من القرى البعيدة يشتغلون أو يدرسون، ولا تعجبهم أنظمة السكن الخاصة فيهم، عشان كذا يدورون شيء مريح لهم من كل النواحي.
سكتت نسمه وهي تفكر بالموضوع اللي نوعا ما راق لها.
- اممم طيب تخليني أشوف البيت ثم أفكر؟
فزّت البنت من مكانها فورا:
- طبعا حبيبتي، بوريك المقهى قبل ثم نروح بيتي، وتراه قريب من هنا.

أخذتها في جولة داخل المقهى، وعلمتها المسؤولة عن أساسيات الشغل وإيش هي وظيفتها بالضبط.
بعد قرابة النصف ساعة خرجوا من المقهى واتجهوا للبيت بالمشي.
واللي كان قريب فعلا، ما أخذ منهم غير 5 دقايق.

`°°°°
بداية الأسبوع التالي..

تصحى من النوم وتأخذ جوالها فورا.
ابتسمت لما شافت الإشعارات اللي تعودت تشوفها كل صباح.
رسائل غزل وتصبيحات من حازم.
من اليوم اللي جا يشوفها فيه وراح، إلى هاليوم.
صارت هالرسايل بالنسبة لها زي الفيتامينات اللي تقويها وتخلي نفسيتها أفضل!
ما تنكر إنه كان لطيف معاها وطيب من أول ما ارتبطت فيه، لكن بعد اللي صار ألطف وأطيب!
الشيء اللي خلاها تعتقد انه إلا الآن ما يدري، أو يعتقد انه هي ما تدري عن علاقته بنجمة!
يمكن عشان كذا حاس بالذنب تجاهها، ويبيها تتحسن بأي طريقة.. ولا تتأذى بسببه.
لو درى ما تصرف بهالطريقة أبدا.
جلست وهي ترفع شعرها.
استغربت لما شافت سرير ألماس فاضي.
العادة تصلي الفجر وترجع ترقد ساعتين ثم تقوم تسوي الفطور.
يمكن اليوم قررت تسويه من بدري!
مع انه الأمور كانت فوضوية من الأسبوع الماضي.
كانت تنام على صوت صراخ أمها، وتقوم على صراخ ألماس.
مرّ الأسبوع كلهم وهم بس يتهاوشون على سالفة زواج ألماس، وعلى قرارها اللي قابلته أمها بالرفض التام.
فتحت الدولاب حتى تأخذ ملابسها وتدخل تتروش، إلا إنه عيونها اتسعت تماما من الصدمة.. لما شافت مكان ملابس ألماس فاضي، ولا فيه حتى لبس واحد.
رفعت عيونها لفوق الدولاب، وانصدمت أكثر لما لقت مكان الشنط الكبيرة فاضي.
أسرعت للباب وفتحته وهي مفجوعة من الفكرة اللي راودتها.

كانت الصالة فاضية، الكل رجع نام بعد الصلاة، وماحد قام لسه بما إنه اليوم سبت وما في دوامات.
صارت تفتح بيبان الغرف كلها، واحد ورى الثاني..
هي تقريبا شبه متأكدة إنه ألماس تركت البيت وراحت، بس برضو تبي تتأكد وتطمن قلبها.
خنقتها العبرة من الخوف، وصارت تبكي بدون سابق إنذار وهي تدق باب غرفة مساعد.
اللي خرج هو الثاني مفجوع من صوت شهقاتها:
- بسم الله عليك آلاء وش فيك؟ صار شيء؟
- ألماس....
توسعت عيونه بخوف لما نطقت اسمها وسكتت، لقى نفسه يسرع ناحية غرفتهم ويدخل.
التفت لآلاء لما لقى سريرها فاضي:
- وينها؟
هزت راسها بالنفي:
- ما أعرف، صحيت من النوم ما لقيتها، أغراضها كلها اختفت.. دورتها بكل الغرف حتى السطح طلعت له بس ما لها أثر مساعد.
- اتصلتِ فيها؟
مسحت دموعها وهي تدخل للغرفة بسرعة:
- لا لسه.
رفعت الجوال لأذنها بيد مرتجفة وهي مو قادرة توقف بكاءها.
تسارعت دقات قلبها أكثر لما لقت الجوال مقفل:
- مقفل.
ارتبك مساعد وتوتر، مستحيل تكون تهورت وتركت البيت بدون علم أهلها عنادا فيهم لأنهم رفضوا انها تكمل دراستها في هذيك المنطقة، وتأجل زواجها لبعد سنتين!
حتى لو كانت مجنونة مستحيل تتصرف بهالطريقة الغبية!

_________


انتهى الفصل الثاني

اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



اعذروني على الأخطاء الإملائية إن وجدت.
نزلت الفصل على عجالة وبدون مراجعة لأني مشغولة.. وخفت أنشغل زيادة وما يمديني أنزل اليوم ��‍♂ï¸?



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 01-06-21, 12:47 AM   #6

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميلة البداية و مشوقة و شخصياتها متعددة مما يثرى الرواية بالاحداث و العلاقات المتشابكة

دمتى موفقة يا جميلة و فى انتظار الفصل القادم لنتابع اين ذهبت الماس


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-21, 02:46 AM   #7

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.


_____

أَنَا مَا هُنْتُ في وَطَنِي وَلا صَغَّرْتُ أَكْتَافِي
وَقَفْتُ بِوَجْهِ ظُلاَّمِي
يَتِيمَاً ، عَارِيَاً ، حَافِي
حَمَلْتُ دَمِي عَلَى كَفِّي
وَمَا نَكَّسْتُ أَعْلامِي
وَصُنْتُ العُشْبَ فَوْقَ قُبُورِ أَسْلاَفِي

— توفيق زياد

( الفصل الثالث )
________

- لسه ما لقيتِ ممرضة تهتم بأمك؟ مرام؟
تنهدت مرام بضيق وهي تصب الشاي لنسمة:
- بديت أدور وحدة كويسة من أمس، بس طبعا أحتاج وقت.
انصدمت نسمة:
- لسه بديتِ من أمس؟ مرام وش تفكرين فيه بالضبط؟
- نسمة تكفين اللي فيني مكفيني، كنت جدا مشغولة ومضغوطة، من جهة دراستي ومن جهة شغلي.. أهتم بإيش ولا إيش؟
- كان كلمتيني وطلبتِ مساعدتي!
ابتسمت مرام بهدوء:
- انتِ بعد مشغولة، يا دوب أسبوع واحد كفاك حتى تنقلين للبيت الجديد.
- ما راح ألومك أكثر ولا أعاتبك لأني ما بقدر أغير شيء، لكن أمك وش راح يصير معاها؟ لو خرجتِ من الفجر وما رجعتِ إلا بالليل؟
زمّت مرام شفايفها وهي تبعد أنظارها عن نسمة:
- بحاول أضغط على نفسي أكثر وأرجع بدري.
حطت نسمة الكوب على الطاولة وهي تقول باهتمام:
- مرام، ليه ما تتركين وظيفة الصباح على الأقل؟ وتحذفي مادتين هالترم إذا ما ودك تأجلين؟ صحة أمك قاعدة تتدهور يوم عن يوم.. تلزمها رعاية طول اليوم مو بس كم ساعة بالليل.
احمرّ وجه مرام من الغيظ:
- نسمة لا تحاضريني تكفين، أنا أعرف إيش لازم أسوي، لو تركت هالكم طالب راح ينقص الكثير من ميزانيتي في الشهر، من وين بدفع الإيجار وفلوس علاج أمي وباقي المصاريف؟ وإذا أجلت الترم أو حذفت كم مادة على قولتك ما راح أتخرج إلا بعد 6 أو 7 سنين.. يعني مستقبلي بيضيع، وقتها أمي ما راح تنفعني.

كانت نسمة تستمع لها بتفهم، وتنتظرها حتى تتناقش معاها على هالمواضيع، إلا انها صدمتها باللي قالته آخر شيء، نطقت بلسان ثقيل:
- مرام! وش تقولين إنتِ؟ هذي أمك.
بلعت مرام غصتها:
- أدري، وأنا أعتذر منك لأنك بتسمعين مثل هالكلام الوقح مني، لكن لو هي تصرفت وعاشت كأنها أم فعلا ما صرت أنا كذا.. ما اضطريت أهتم فيها بدال لا تهتم هي فيني.
نسمة اللي لا زال الذهول يسيطر عليها:
- مرام حرام عليك، مهما كان الوضع اللي انتِ فيه ومهما بلغت صعوبته ما يصير تتكلمين كذا عن أمك، مرضها مو بيدها، لا تطلقين لسانك بهالطريقة وتؤثمين.. صدقيني راح تندمين على معاملتك لها بهالطريقة.
فزعت من صرخة مرام المفاجئة، واللي كانت عالية.. مصاحبة للدموع:
- اسكتي نسمة، إيش تعرفين إنتِ؟ إيش تعرفين عن حياتي حتى تتكلمين بهالطريقة؟ إيش تعرفين عشان تحكمين عليّ؟ تدرين إيش اللي وصلها لهالحالة؟ إيش اللي خلاها مشلولة! إيش اللي خلانا بهالوضع؟ من دون لا أقارب ولا قروش؟ ما تعرفين.. ما تعرفين شيء أبدا عشان كذا لا تتكلمين وتعطيني محاضرات بكل مرة تشوفيني فيها، وتقولين اني بندم.. أنا عارفة ومتأكدة إني ما راح أندم على شيء، أبدا.
عمّ الصمت في المكان كله بعد انهيارها اللي صدم نسمة، وذكرها بنفسها.. لما كانوا يسألونها أعمامها عن سبب تصرفاتها الغريبة وغير المقبولة وترفض هي تخبرهم، حتى انهارت فجأة قدام عبدالرحمن، لما صار الألم أقوى من قدرتها على التحمل.
وقفت قدام مرام ومسكتها من كتوفها بلطف، ثم جذبتها لحضنها وضمتها:
- آسفة مرام مو قصدي، سامحيني.
شدت مرام على عبايتها من ورى وغطت وجهها في كتفها تطلق العنان لدموعها.
لأنها فعلا مو قادرة تتحمل أكثر، الوجع اللي في قلبها كبير.. كبير جدا.
حتى لو تكلمت وباحت بكل اللي في صدرها ما راح ترتاح.
كانت بحاجة لشخص تبكي على كتفه، نسمة كانت الانسانة الوحيدة الموجودة!
ابتعدت عنها لما حسّت انها هدأت وهي حاسة بالإحراج:
- أنا كمان آسفة، صدمتك صح.
ابتسمت نسمة بهدوء وهي تمسح على ذراعها:
- ما عليك، أنا غلطت بحقك.. و....... ما راح أتدخل بحياتك أبدا، بس بنفس الوقت راح أظل أنصحك تهتمين بأمك، مو لأني أستهين بجرحك ووجعك، لا.. لأني ما أبيك تندمين، إنتِ لسه صغيرة مرام وقدامك عمر طويل بإذن الله، يمكن الحين انتِ معصبة لدرجة انك ما تفكرين بالمستقبل، وكيف راح تكون تبعات تصرفاتك، لكن لو كبرتِ ووعيتِ أكثر صدقيني راح تعرفين إني أقول الصدق.. وعشان مصلحتك.
تنهدت بضيق:
- راح تقولين لا تتكلمي عن شيء ما جربتيه، صحيح ما جربت أعيش حياة مثل حياتك، بس جربت الحياة بعد وفاة الشخص الوحيد اللي كان جنبك، سواء نفعك ولا ضرك.. أسعدك ولا أوجعك، لو تركك لوحدك راح تعرفين قيمته.
كانت مرام تسمعها بقلبها، وتنصت لها بكل حواسها.
لكن بنفس الوقت كانت تسخر على نفسها بألم، ماحد راح يفهمها!

نزلت نسمة من السطح بعد ما ساعدتها على إدخال الصحون لداخل.
ودخلت هي لغرفة أمها.
وقفت عند الباب وهي متكتفة، مستغربة إنه أمها اليوم طوّلت وهي نايمة.
ما كانت تدري، ولا اعتقدت لو واحد بالمية انه أمها ممكن تسمع كلامها الموجع اللي قالته لنسمة قبل شوي.. ومن وقتها وهي منهارة تبكي بصمت!
خرجت مرام بعد ما زفرت أنفاسها بضيق وبصوت مسموع.
جلست في الصالة ضامة ركبها لصدرها.
ما تدري تكون ممتنة لنسمة ولا معصبة منها!
قالت انها ما راح تأخذ منها أي ريال، لا فلوس الإيجار ولا فلوس المويا والكهربا.. زيادة على انها بنفسها راح ترسل ممرضة لأمها وتدفع أجرها بنفسها!
بس تبغاها تهتم بأمها، لا أكثر ولا أقل!
المفروض انها تكون ممتنة.. وجدا.
مستحيل تلقى انسانة طيبة مثل نسمة، تقدم لها مساعدة كبيرة وعظيمة مثل هذي.
لكن بنفس الوقت، تحس انها تغار منها.. تحقد عليها.
كونها غنية وعندها اللي يكفيها من الفلوس وزيادة، وهي ما تكبرها إلا بكم سنة.
بالرغم من انها وحيدة مثلها!
لكن وش بيدها تسوي.
ماحد جا على هالدنيا وهو مختار حياته ومصيره فيها.
الرزق من الله، وهي لازم ترضى بوضعها وتشتغل على نفسها بدون ما تلتفت لغيرها.
الأسبوع اللي راح ما كان عادي بالنسبة لها.
كل ما دخلت القصر كل ما حست بالضيق يجثم على صدرها، كل ما كبر هالضيق حتى صار كاتمها.
يمكن هالشيء اللي خلاها تنهار اليوم فجأة وقدام نسمة!

__________


عند نسمة..

تفاجأت أول ما نزلت وهي تشوف جيهان واقفة عند باب شقتها، واللي كانت مشغولة بجوالها ولا انتبهت لها لما نزلت.
- توقعت انك قاطعتيني تماما وتخليتِ عني مثلهم، وش جابك الحين وأنا على وشك إني أروح؟
ناظرتها جيهان بصمت للحظات وتأملتها من رأسها لرجولها كأنها تبي تتطمن عليها، ثم تنهدت بضيق لما قرّبت نسمة من الباب وفتحته.
دخلت وراها ومررت أنظارها على أنحاء البيت:
- يعني راح يصير هالبيت فاضي تماما وبدون حياة؟
ردت نسمة بلا مبالاة:
- إيوا، بس برجع كل نهاية أسبوع أنظفه عشان لا يتغبر ويصير كأنه مهجور.
جيهان بابتسامة مائلة:
- راح تجين بانتظام أول شهر أو شهرين، ثم مرتين في الشهر.. بعدين مرة، بالأخير راح تصيرين مثلنا، تهجرين هالمكان وتتركين طيف جدك لوحده.
آلمها قلبها بشدة وهي تسمع هالكلام، إلا إنها تظاهرت بالبرود وهي تجلس على الكنبة وتحط حجابها بحجرها:
- كلكم قدرتوا تسووا هالشيء ليش أنا ما أقدر؟
سألتها بعد صمت قصير:
- ما قلتِ ليش جيتِ؟
- إيش قصدك ليش بجي يعني؟ رفضتِ تحضرين عزيمتي لحفل وداعك عشان كذا جيت أودعك بنفسي.
ضحكت نسمة:
- تكفين تعرفي إني أكره هالشيء، كل اللي راحوا من حياتي راحوا بدون سابق إنذار، ما تجين الحين انتِ تودعيني لأني بنقل لمنطقة جديدة.
وقفت نسمة:
- بجهز باقي أغراضي، تساعديني؟

هزت جيهان راسها وهي تقاوم دموعها، من حزنها على فراق نسمة بهالطريقة.
ومن معرفتها بحزن نسمة اللي تحاول تخبيه بطريقتها الساخرة في الكلام، واللي طول عمرها تتكلم فيها.
دخلت وراها الغرفة اللي كانت تعني كل شيء بالنسبة لنسمة، وما توقعت انها بيوم من الأيام راح تتركها وتروح بيت ثاني.
لكن فعلا، يمكن الوحدة بتقتلها وما هي قادرة تتحمل أكثر.
بعد سنين طويلة، بعد ما عاشت وكبرت لوحدها..
إذا احتاجت شيء لقت الجيران حولها، واللي أغلبهم رهن اشارتها بسبب طيبة جدها ولطفه مع الكل وكرمه قبل لا يتوفى.
وإذا فرحت بشيء شاركوها وفرحوا أكثر منها.
وإذا حزنت كانت هالغرفة هي اللي تواسيها!
ناظرتها نسمة لما زفرت نفس مسموع:
- إيش فيك؟ مو كأنك إنتِ اللي بتفارقين غرفتي مو أنا.
اكتفت جيهان بالسكوت وهي تحط أغراض التسريحة بعناية في علبة خشبية متوسطة الحجم.
كملت نسمة:
- الأسبوع الماضي كان حافل بالنسبة لي كأنه عيد، شفت الناس اللي ما شفتهم من سنين، وهدايا أكثر من اللي جاتني طول عمري.
رفعت حواجبها باستغراب:
- في أحد جا غير عبدالرحمن؟
ميّلت فمها بسخرية:
- من جدك؟ شفت حتى حريم أعمامي.. كلهم، اللي جات وبيدها باقة ورد، واللي جابت لي عطر، تصدقي حتى جاني أحدث جوال في السوق؟ ومن عمي الكبير البخيل!
قربت منها جيهان وهي مصدومة فعلا:
- حتى عبدالله جا؟
- إيه، الشيء اللي خلاني أعرف نيتهم بالضبط.
كملت وهي تضحك بسخرية:
- مو حبا فيني طبعا، هالشيء أعرفه من زمان.. شكيت بشيء ونزلت أسأل الناس تحت، أكدوا لي شكوكي فورا.
مسكت جيهان يدها وجلستها وهي تسألها بفضول:
- ليش؟ وش السبب؟
ناظرتها نسمة بنص عين:
- عليّ؟ يعني قصدك ما تدرين؟ ما علموك؟
- لا والله، كل اللي قالوه إنه هالعمارة هي الوحيدة اللي فيها ذكريات لنا مع أبوي وأمي، ولا يبون يخسرونها عشان كذا.
ضحكت نسمة بصوت عالي:
- وصدقتيهم؟ بالله عليك جيهان لو كانوا قد كذا مهتمين ما تركوني أعيش لوحدي، كان على الأقل واحد منهم جا وسكن في أي شقة موجودة هنا، لكن مين راح يترك بيته الكبير في حيّه الفاخر ويجي يسكن بهالحي العتيق والقديم؟
تنهدت بضيق ثم كملت بابتسامة مشبعة بالألم:
- كل اللي بالموضوع يا عمتي إني إذا تركت العمارة ماحد راح يتركني في حالي إلا لما أبيعها، سواء شركة أو شخص غني.. راح يعرضون عليّ مبلغ ماحد يتخليه، ليش؟ معقولة يشترون مبنى بهالحي اللي قرّب يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ طبعا لأنه في خطة تطوير بهالمنطقة راح تتنفذ بعد سنة.. سنتين كحد أقصى، والمشروع ضخم جدا، المبلغ اللي راح يحصله صاحب الأرض بهذاك الوقت ما راح يتقارن بالمبلغ اللي ممكن نحصله من بيع المبنى.

كانت جيهان فاغرة فمها بذهول، تطالع فيها بصدمة وغير تصديق.
رفعت نسمة يدها وقفلت فمها وهي تضحك:
- فهمتِ الحين ليش مصرين أقعد؟ مو عشاني، هم يدرون انهم مستحيل يقدرون يأخذون مني المبنى أو أسلمه لهم بأي طريقة، لو قدروا كان واحد منهم اشتراه مني من زمان وصار باسمه، لكن لو حصلت مبلغ المشروع بعد سنتين راح يطالبون بحقهم من الميراث.. لأن بنظرهم أنا بنت ضعيفة ووحيدة ما راح أقدر أتصرف لوحدي بهالمبلغ الكبير، ولا راح يسمحون لهالفلوس يروح لأحد من برة العايلة، أقصد زوجي المستقبلي وعيالي.
وكملت وهي تبتسم بسخرية من جديد:
- حتى انه عمي الكبير خطبني لولده، يقول عشان ما أضطر أشتغل.. واني ما عاد راح أكون وحيدة، وتصير عندي عائلة وبيت!
تكملت جيهان أخيرا:
- الحقيرين التافهين، حتى ما علمونا ولا قالوا لنا شيء أنا وعمتك، ما يبون يعطونا شيء.
اتسعت عيون نسمة وهي تناظرها بحدة.
بلعت جيهان ريقها من نظراتها، وضحكت بتوتر:
- ياختي ما أقصد عشان الفلوس، بس فعلا انصدمت.. بس هم وش عرفهم عن المشروع؟
- أخوك موظف كبير في البلدية وما تدرين، غبية.
ضحكت جيهان وهي تضرب كتفها بمزح:
- ياختي راح عن بالي من الصدمة، المهم قومي نكمل.. قلتِ بتمشين قبل الظهر.
هزّت راسها وهي توقف بصمت..
يمكن بتضطر تنتظر إلى بعد الظهر، راح تنتظر.. لعلّ وعسى يجي، ولا يخيب ظنها أكثر من كذا!

_________

على الطريق السريع، كانت سيارته تسير والهدوء يسود بداخلها.
ما نطق بحرف واحد من لمّا ركبت سيارته، غير الرد على سلامها البارد واللامبالي.
إلى الآن مو مصدق، ولا مستوعب اللي قاعد يصير.
كيف طاوعها وجاها مستسلم!
بدون لا يهتم لغضبه منه، ولكبريائه اللي داست عليه وقاعدة تدوس حتى الآن بكل جرأة!
كانت هي جالسة جنبه على مقعد الراكب.. متربعة، مشغولة بشيء على جوالها بدون ما تعيره أي اهتمام، ولا كأنه موجود جنبها.
أما هو فكان يناظرها كل دقيقة والثانية بطرف عينه، أو حتى يلف لها وجهه.
علّها تنتبه وتحسسه انها موجودة حوله!
داس على الفرامل بقوة ووقف السيارة وهو حاس بأعصابه تحرقه من برودها ولا مبالاتها.
شهقت هي بخوف وصدمة من المفاجأة.
التفتت تناظره بعيونها المتسعة:
- بسم الله وش فيك؟
تكلم بقهر وهو يفكّ حزام الأمان:
- كنت بفوّت المقهى، إيش تبين تشربين؟
فكّت حزامها وعدّلت حجابها ثم غطت وجهها:
- ما أبي أشرب شيء، أبي أفطر ميتة جوع.. حماتك جوعتني طول الأسبوع، كانت تعطيني بقايا أكلهم والفتات لعيونك.
التفتت له باستغراب بعد ما فتحت الباب:
- وش تنتظر؟ يلا.
أسند راسه على المقعد وغمض عيونه ثم سحب نفس عميق حتى يهديء نفسه ولا يرتكب فيها جريمة.
نزل ومشى وراها، دخلوا المقهى الوحيد الموجود على الطريق.

بعد ربع ساعة كان طلبهم قدامهم على الطاولة، ولا زالت ألماس مشغولة بجوالها.. حتى بعد ما صار الأكل قدامها.
سحب منها الجوال وهو يتأفف، قفله بالزر الجانبي ثم حطه جنبه:
- كلي قبل لا يبرد.
ناظرته بصمت ثم بدأت تأكل، وهو يناظرها بدون لا يلمس شيء.
تجاهلته برغبتها بالرغم من انها تكره أحد يناظرها وهي تأكل.
ابتسم بسخرية وهو يتكتف ويسند ظهره على الكرسي:
- مو قادر أصدق، كمية البرود والخبث اللي فيك، ما عهدتك كذا ألماس، متى مداك تتغيرين هالقد؟
شربت شيء من الشاي ثم ابتسمت وهي ترد بهدوء مستفز:
- ما تغيرت سلطان، أنا أعامل كل شخص بالطريقة اللي يستحقها، الصديق له معاملة مختلفة، والزوج له معاملة مختلفة طبعا.. لا تقول انك تعامل كل الناس بطريقة وحدة، مستحيل.. ما راح تعامل موظفينك أمثال نجمة وغيرها مثل ما تعاملني.
- في الحقيقة أعاملهم بطريقة ألطف من معاملتي لك.
- هااه شفت! لا تظلمني سلطان، أنا طبيعية جدا.
كتّف ذارعينه فوق الطاولة وهو يقرب منها:
- بس مو المفروض انك تعامليني بطريقة أحسن مما كنتِ تعامليني فيه لما كانت علاقتنا عبارة عن صداقة بس.
أبعدت أنظارها عنه:
- قول هالكلام لنفسك، كيف تعامل موظفينك بطريقة ألطف من معاملتك لزوجتك.
- مو كأنه زوجتي تقدرني! ولا كأنه حياتي معاها وردية وتنطاق!
سكتت للحظات وهي تناظر أكلها، قبل لا ترفع عيونها له بطريقة مخيفة:
- بس سلطان، اترك هالكلام الفارغ اللي ما منه فايدة، مو كأني ناقصة! ما يكفي إني نفذت رغبتك ووافقت أتزوجك وأنتقل معاك لبيتك؟ إيش تبي أكثر من كذا.
- عاد من زين الطريقة، مو كأني ما أعرف رغبتك من ورى هالشيء؟ تبين تخرجين من بيت أهلك وتكملين دراستك في جامعة الـ .......... وأنا عذرك؟ لهالدرجة أنا تافه بنظرك؟
حسّت إنه الهواء اختفى من حولها من شدة ضيقها، ردت بهدوء:
- ما قلت كذا، ولا شفتك تافه بيوم من الأيام، بس انت اللي قلت لي انك بتصير السلم اللي يوصلني للقمه، وانك بتساعدني حتى أنجح وأحقق أهدافي، لازم تتحمل هالقد على الأقل، إيش كنت تبغى بالضبط؟ عرس؟ شهر عسل؟ ولا وش علمني.. كمان انت بنفسك كنت قايل لي من فترة انه هالأشياء مجرد شكليات ما لها أهمية عندك، لذلك ارضى بالواقع سلطان، وخلني أدرس.
شدّ سلطان قبضته بقوة وهو يحاول يتمالك نفسه:
- وانتِ كان لازم تحفظين كل كلمة نطقتها ولا كتبتها؟ حتى وانتِ تدرين اني ما كنت أعنيها؟ إيه أبي عرس وشهر عسل وحياة مثل أي زوجين، وبعدين مين قال انه هذي رغبتي ولازم أنبسط؟ لما تخليني أنتقل معاك هناك؟ وأترك شغلي وراي؟
- مين قال انك بتترك شغلك؟ عادي تقدر تجي وتروح كل يوم، كلها ساعتين مو كثير.
- ألماس!
نطق اسمها بغضب خلى أطرفها ترتجف، ما توقعته يعصب عليها وبمكان مثل هذا.
بلعت ريقها بتوتر وتظاهرت بالقوة وهي تأخذ جوالها وتريح ظهرها:
- ليش الحين لما جيت أدور شقة ما أحصل لي وحدة حلوة؟ حتى قبل أسبوع كانت الإعلانات مليانة!
رمقها بحدة وقلة صبر، قبل لا يوقف ويتركها ثم يخرج.. بعد ما حطّ الحساب على الطاولة.
نزلت الجوال وتنهدت بضيق، بلعت ريقها بصعوبة وهي تعدل جلستها وتقاوم رغبتها بالبكاء.
هي كمان معصبة من نفسها وحيل، ولا عاجبها اللي قاعدة تسويه أبدا.
مو راضية على نفسها وهي تعذبه بهالشكل.. لكن ما بيدها أي حيلة.
نفذت من يدها كل الحلول بعد ما وقفت أمها ضدها، وقفت بوجهها تمنعها من تحقيق حلمها في انها تكمل دراستها في الجامعة اللي تتمناها.
مع ذلك ما تحس انها غلطانة.
هو الغلطان، هو الكذاب.
اللي مثّل الوداعة والطاعة لما عقد عليها، والحين بدأت أنيابه تظهر مع كل فعل تصدره.. سواء بقصد أو بغير قصد.
تحمّل ولا ما تحمّل، مو مشكلتها.. ما أرغمته على شيء، ولا راح ترغمه!
هو اللي قال بنفسه إنه راح يصير الجسر اللي لازم تمشي عليه حتى توصل للضفة الثانية من النهر.
عشان كذا لازم تستغله، وتستخدم أفعاله وكلماته ضده.
رفض ولا وافق، هو الوحيد الخسران.
المهم عندها الحين، انها قدرت تطلع من بيت أهلها، وقدرت تترك أمها وراها.. بدون لا تكون البنت العاصية اللي تخالف كلامها.
حتى لو تركها سلطان لوحدها ما راح تخسر شيء.
بالعكس، راح تكسب الكثير!

_________

بعد صراعات طويلة ومهلكة دارت في عقله وعاشها طوال الأسبوع الماضي، وبعد ما وصلته رسالتها الأخيرة اللي ما أرسلت شيء بعدها.
كان ينام ويقوم ونص الرسالة بعقله.
أخيرا اتخذ قراره، اللي غير مقتنع فيه أبدا.
لكن عشانها لازم يسويه، لازم ينهي هالموضوع.. واليوم!
خرج من غرفته وهو لابس ثوبه والشماغ بيده.
تنهد بضيق وهو يشوف آلاء اللي لا زالت منهارة في مكانها بالصالة من ساعتين.
جلس جنبها وربت على ظهرها:
- خلاص يا بنت يكفي بكا، راح تكون بخير لا تشيلين هم.. هذي ألماس.
ردت وكلامها يا الله ينفهم بسبب شهقاتها العالية:
- أنا خايفة لأنها ألماس، أدري انها متهورة بنفس الوقت تعرف تهتم بنفسها، بس وش اللي سوته الحين! كيف تترك البيت بدون علمنا وتروح؟ كيف راح تتصرف لوحدها وهي ما تعرف أحد هناك؟ كيف تعصي أمي بعد هالعمر!

التفت مساعد يناظر جهة جناح والدينه، هدوءهم غريب جدا.
وعدم خروجهم إلى هالوقت من الغرفة والساعة 11 الظهر أغرب.
يقدر يجزم، ويقدر يقسم انه ألماس ما تهورت لهالدرجة.. ما هي مجنونة للدرجة اللي تخليها تطلع من وراهم بدون ما تخلف أي أثر!
ألماس نعم متهورة، لكن مستحيل تعصي أوامر أمها وترميها بعرض الحائط.. إلا في موضوع الزواج وهي عندها عذرها لهالشيء.
انتبه لآلاء لما سألته بصدمة:
- انت وين رايح بهالوقت؟ ليش كاشخ كذا؟
توتر لما تذكر اللي ناوي يسويه:
- بطلع، عندي موعد مع واحد من أصحابي.
اتسعت عيونها وقالت بغير تصديق:
- من جدك؟ مساعد بتترك البيت وتروح لصاحبك والوضع كذا؟ ما أدري أمي إيش راح تسوي لو قامت وما لقت ألماس، تكفى لا تتركني لوحدي معاها.
ابتسم وهو يمسح على شعرها:
- لا تشيلين هم، ما أعتقد انها خرجت بدون اذن أمي، إلا متأكد أنها تدري بالسالفة.
رفعوا الاثنين رؤوسهم على صوت الأم وهي خارجة من الجناح:
- إيه أدري.
وقفت آلاء بلهفة وقربت منها:
- وينها؟ ليش راحت من الصباح وبدون ما تعلمنا؟
الأم ببرود وهي تتجه للمطبخ:
- عادي ما في داعي تسوي ضجة وهي رايحة لبيت زوجها، وإذا على العرس لاحقين عليه.. نقدر نسويه بأقرب إجازة.
اتسعت عيونهم وانعقدت ألسنتهم من الصدمة.
ناظروا في بعض بغير استيعاب.
دخل مساعد للمطبخ ورى أمه:
- يمه إيش قصدك بالضبط؟ أي زواج وأي عرس؟
- جا سلطان من بدري وأخذها.
- كيف يعني أخذها؟ ووين؟
- وين بيأخذها يعني؟ راح يقعدون في أي فندق بشكل مؤقت لين يلاقي لهم شقة مناسبة يعيشون فيها.
ظلّ مساعد ساكت من هول الصدمة ولا عرف إيش يقول، عضّ شفته من قلة الحيلة قبل لا يقول بهدوء وبوجع على أخته:
- وانتِ عاجبك هالموضوع؟ كيف يأخذها من غير ما يأمن لها شقة؟ وبهالطريقة! من دون ما نعرف احنا؟ ما نعني لك شيء يمه؟ كيف ترسلينها بدون علمنا احنا اخوانها؟ كيف توافقين؟
سكت شوي ثم كمل:
- ولا ما تهمك غير رغبتك؟ أو نظرة أهلك لك! تتوقعين انها بتكون مبسوطة كذا؟ ما راح تندمين؟
استغرب من سكوت أمه اللي كانت معطيته ظهرها وواقفة بدون ما تتفوه بشيء:
- يمه جاوبيني.
ردّت بدون ما تلتفت له:
- ما أجبرتها على شيء ولا قلت لها روحي، هي اللي نادته وراحت معاه.
انصدم مساعد أكثر، وآلاء اللي كانت واقفة عند الباب ما كانت صدمتها أقل:
- إيش! راحت بنفسها!
- إيه، لا تلومني على اللي سوته هي بإرادتها.
فقد مساعد أعصابه اللي كان ماسكها بالقوة، وصرخ بدون قصد:
- مو لو خليتيها تروح تكمل دراستها ما كانت تسوي كذا، أكيد إنه كل الحلول نفذت منها عشان كذا ما قدرت تتصرف إلا بهالطريقة! إنتِ أكيد تستمتعين لما تشوفيها تتعذب بهالشكل! بالأول أجبرتيها توافق عليه والحين ضيقتِ عليها لين راحت له بنفسها وبهالطريقة!
مسكته آلاء برجاء وأبعدته عن مكانه وهي تهمس له:
- بس مساعد حرام عليك كيف ترفع صوتك عليها!
كان صدره يهبط ويعلو من الانفعال.
ألقى على أمه نظرة أخيرة وخرج.
فزّت بخوف من الصوت اللي أصدره لما قفل الباب بقوة.

وقفت مكانها للحظات، قبل لا تتفاجأ وهي تشوف جسد أمها يهتز.
توترت وارتبكت كثير، ما قد واجهت مثل هالمواقف لوحدها.. دايم تكون ألماس معاها، وتتصرف بطريقة سلسة.
ما ترتبك وتتوتر مثلها أو تصير عاجزة!
قربت من أمها وهي مترددة وحطت يدها على كتفها:
- يمه، انتِ تبكين؟
كانت تبكي فعلا، وفلتت شهقتها بس حطت آلاء يدها على كتفها.
انصدمت آلاء كثير، خاصة لما التفتت لها ووجهها محمر تماما، تكلمت والغصة خانقتها:
- ما كنت أبي الأمور توصل لهالحد، ما توقعت انها بتسوي كذا.
خنقتها العبرة مرة ثانية وهي تشوف أمها بهالمنظر وللمرة الأولى!
حضنتها وتعالت أصواتهم وهم يبكون من قلبهم، على فراق ألماس اللي جا بشكل غير متوقع!

_________


ركب مساعد سيارته وظل جالس فيها بدون ما يحركها حتى يهديء نفسه.
تعوّذ من الشيطان واستغفر ربه.. مقهور بشكل مو طبيعي.
يمكن من زمان ما عصّب من شيء بهالطريقة، ولا فقد أعصابه عليه.. كيف لو تصرف كذا مع أمه!
غمض عيونه وأسند ظهره على المقعد وهو حاس بضيقة صدره تخنقه.
على سوء تصرفه مع أمه، ثم على ألماس.
ما كان لازم تتصرف بهالطريقة!
ما كان لازم تصدمهم وتفجعهم كذا.
على الأقل لو أعطته خبر هو أخوها الوحيد.
لما كلمته قبل أسبوع وخرج بدون ما يعطيها رايه، ثم تجاهلته تماما ولا سألته لكن كانت تصارع مع أمها وتحاول تقنعها بشتى الطرق، كان لازم يعرف انها مصرة وجدا، وبتسوي أي شيء عشان تنفذ رغبتها!
مو من حقه يزعل منها الحين وهو ما قدر يساعدها بشيء! ولا يقدر يحط كل اللوم على أمه.. وخيّب ظنها بجدارة!

حرّك السيارة أخيرا بعد ما طاحت عينه على الساعة اللي كانت تشير للــ 11 ونص.
طوال طريقه لوجهته كان متوتر وخايف من اللي راح يصير.
توتر أكثر لما قربت الساعة تصير 12 وهو لسه ما وصل.
وأخيرا.. بعد نصف ساعة بالضبط وصل!
وقّف سيارته على بعد عدة أمتار من الموقع المحدد.
تردد كثير وفكر ألف مرة قبل لا يترجل وعيونه على العمارة القديمة اللي توقع انها تكون بداخلها.
عرفها تماما لما شاف لوحة المحل الموجود في الدور الأرضي.. واللي كلمته عنه.
ثم سيارة نقل الأغراض.
ظل يتأمل العمارة من مكانه.. بدون لا يتجرأ على الاقتراب منها.
توتر لما شاف أنظار الناس الموجودة في المكان عليه، كونه غريب عنهم.
رجع ركب سيارته حتى لا يشكون فيه.
مسح وجهه بقوة، ثم فتح قارورة المويا اللي كانت جنبه.
فرغ كل الل فيها بجوفه وهو حاس باضطراب في نفسه من شدة الإرتباك.
انتبه على صوت رنين جواله.
بلع ريقه لما عرف انها المرسلة، بما انه الساعة تعدّت الـ 12 ظهرا!
أخذ الجوال بتردد، وفتح الرسالة فورا.
لانت ملامحه ورقّت عيونه وهو يقرأ المكتوب ( خيّبت ظني للمرة المليون، ما أظن إنه جرحك هالمرة عادي.. ما راح يبرى أبدا صدقني.
كنت ناوية أقطع عنك كل السبل اللي ممكن توصلك لي، لكن قلبي ما طاوعني.
بالأخير أنا وحيدة، ما لي إلا انت، مهما سويت وفعلت.
تركت لك المفتاح في المكان المعتاد، تقدر ترجع بأي وقت.
لو كنت أنا سبب امتناعك عن الجيّة، تقدر تجي الحين وتاخذ راحتك.. أهم شيء ما تحس انه ما لك بيت أو أهل ).

قفل الرسالة وهو يزفر أنفاسه بضيق.
قبل لا ينتبه أو تنتبه كل حواسه وتركز على المخلوقة اللي خرجت من العمارة.
عدّل جلسته وهو يتأملها بدون وعي.
يبي يشوف الإنسانة اللي تعذبت وعذبته معاها طوال السنوات الماضية.
ما كان في شيء واضح منها غير عيونها، واللي كانت مغطيتها بنظارات شمسية.. ثم خلعتها وهي تتجه لكبار السن اللي كانوا واقفين قريب من العمارة.
وقفت تتكلم معاهم، الظاهر انها كانت تودعهم.
عرف وتأكد من تعابيرهم وهم يكلمونها انها فعلا محبوبة من الموجودين في المنطقة.
ابتسم بدون ما يحس وهو يراقب الموقف.
اتسعت عيونه وتسارعت دقات قلبه لما التفتت ناحية السيارة فجأة، وحسّ بعيونها تطيح بعيونه.
أبعد أنظاره عنها بسرعة وهو يتظاهر بالانشغال بالجوال.
حتى تحركت هي وركبت السيارة اللي كانت تنتظرها، واللي تحركت هي الثانية واختفت عن انظاره.
غمض عيونه وهو يتنهد بانزعاج من نفسه.
كان وده ينهي هالموضوع اليوم، ويخليها تتوقف عن الأمل الكاذب اللي قاعد يعطيه لها.. ويأخر الشيء اللي هي تبيه.
لكن ما يدري وش صار.
لما شافها حس بشيء في نفسه، حس بشيء يتحرك في قلبه تجاهها.
خلى رجوله متجمدة بدون ما تتجرأ على الحركة!
بلع ريقه من الفكرة اللي راودته وهو يناظر الطابق اللي فيه شقتها، شباك غرفتها.. واللي وصفته له من قبل حتى ما يضيعها!
انتظر شوي، حتى صار المكان خالي تماما من أي شخص.
وقتها طفّى سيارته، وترجل للمرة الثانية بعد ما استجمع شجاعته.
تلفت وناظر يمين ويسار وهو يتجه ناحية العمارة.
وقف قدامها بتردد للحظات، ثم عقد عزمه خلال ثواني ودخل.
صعد للطابق الثاني وهو يتأمل المكان ويتذكر كل شيء قالته.
كأنه هو اللي يمتلك هالذكريات دونها.
بما انها شاركته ذكرى كل ركن، كل سلّم.. كل عتبة.
حتى وصل قدام باب الشقة أخيرا.
مرر أنظاره حول الباب، حتى شاف المكان اللي وصفته واللي حطت المفتاح فيه.
رفع يده وصار يتلمس هالمساحة البسيطة على يمين الباب، حتى مسك المفتاح.
أخذه.. ووقف يتأمله لبعض الوقت، قبل لا يبلع ريقه من جديد وهو يحس بنبضات قلبه اللي تتسارع.
دخّل المفتاح ببطء، وغمض عيونه.. حتى فتح الباب.

قدّم رجله اليمنى ودخل.
كانت يده اللي فيها المفتاح ترتجف بشكل غريب، وهو يلتفت ويناظر البيت.
خايف من شيء غريب ما هو عارف إيش هو.
ويحس انه اللي قاعد يسويه غلط، إلا متأكد.. ويحس انه مُراقب!
لكن ما كان قادر يمسك نفسه، ما قدر يمنع نفسه.
بعد ما قطع كل هالمسافة عشانها، ولا قدر يسوي اللي جاي عشانه.
على الأقل يشوف البيت ويروي فضوله.
ويشوف الأماكن اللي تكلمت عنها كثير حتى حفظ تفاصيلها من دون ما يبصر شيء منها!
بعد لحظات كان واقف فيها في الصالة متردد، وقف قدام غرفتها.. المكان اللي تغلب عليه فضوله بسببها.
حط يده على المقبض وداره، تفاجأ انه لقاه مفتوح.
عضّ شفته بارتباك وغمض عيونه.
شعور انه قاعد يقتحم مساحتها الخاصة، وشعوره بالذنب طغى عليه.
وخلاه يرجع يسحب الباب ويقفله بدون ما يشوف شيء من الغرفة!

حسّ بالكون يضيق من حوله وتتوقف الأرض عن الدوران، لما صار الشيء اللي ما توقعه.. ولا تمناه يصير أبدا.
إلا تمنى الأرض تنشق وتبلعه ولا يطيح بهالموقف! لما سمع صوتها وهي تنطق بنبرة مليانة شعور بالخذلان والعتاب:
- جيت في النهاية!
شد قبضته وهو مغمض عيونه بقوة ووجهه يحمرّ من هالمشاعر اللي فاضت بداخله.
تمنى لو يقدر يختفي من المكان فجأة، أو يقدر يهرب من نسمة بسهولة.
الطريق الوحيد اللي يسمح له بالهروب هو نفسه اللي هي سدته بوقوفها عنده.
ابتسمت بألم وهي تتقدم ناحيته:
- راح تجرحني مثل كل مرة؟ ما راح تخليني أشوفك بعد ما قطعت كل هالمسافة وجيت!
ضاقت أنفاسه أكثر وهو يسمع خطواتها اللي تقترب منه بدون ما يكون عنده القدرة على انه يلتفت ويوريها وجهه.
إيش لازم يسوي الحين؟ كيف لازم يتصرف!
كيف يهرب من هالموقف بدون ما يوجعها أكثر، وبدون ما يجرح نفسه!
اتسعت عيونه بصدمة لما حس بيدها اللي مسكت كتفه.
وبدون سابق انذار خلته يلتفت!
عمّ الصمت والسكون في أرجاء البيت.
وكل منهم يناظر الثانية بمشاعر مختلفة عن الثاني تماما.
كان هو منبهر ومذهول وهو يشوف وجه صاحبة الرسائل والمكالمات اللي ما توقفت من 10 سنين!
وجه نسمة اللي ما فارقته لحظة وحدة، هي وصوتها وكلماتها.
نسمة اللي حافظها عن ظهر قلب.
نسمة اللي مشاعره ناحيتها ما هي عادية.
نسمة اللي بسببها عانى من الأرق طوال الليالي الماضية.
واللي بسببها هو صار الإنسان اللي عليه الآن!
اللي قدرت تغيره وتخليه شخص مختلف بدون ما تبذل أي جهد، غير كتابة الرسائل.
أما هي فكانت مصدومة حيل.. تحس انها بحلم.
وان اللي تشوفه مو حقيقة.
تمنت لو انها ماتت قبل لا تشوف اللي شافته الحين.
بلعت غصتها بصعوبة وعيونها تحمر وتتجمع فيها الدموع.
حسّت بالسكاكين تجرح حلقها وهي تنطق هالعبارة القصيرة بصوتها المبحوح من الغصة:
- مين انت؟ وين سعد؟ مستحيل تكون أخوي سعد!

_______


صباح اليوم الثاني..

جات اليوم أبكر من كل يوم، مع انها ما قد تأخرت ولا مرة.
إلا انها اليوم خرجت قبل الوقت المعتاد بكثير.
خرجت حتى قبل لا يأذن الفجر.
بعد ما حرصت على انها تصحى مبكر وتجهز الفطور لأمها.
صحيح انها ما أخذت وقت طويل ولا فكرت بعناية، لكن تحس نفسها مو قادرة تتحمل أكثر.. مو قادرة تصبر أكثر.
لازم تسوي أي شيء بأقرب وقت.
ما تقدر تتحمل شوفتهم وهم يعيشون بعز وكرامة، بينما هي وأمها يتعذبون ويعيشون حياة فقر وفاقة وقلة حيلة.
خاصة بعد ما راحت نسمة وصارت أمها لوحدها.. مو عاجبها هالحال أبدا.
مو عاجبها إنها مضطرة تشتغل وهي بهالعمر، وتوفر لقمة عيشها بنفسها..
بدال لا تتهنى بشبابها، وبدال لا يهتم فيها أحد.. مضطرة تهتم بأمها!

ظلت واقفة قدام القصر للحظات طويلة تتأمله من الخارج كالعادة وتتحسر.
قبل لا تعقد عزمها تقرب منه ثم تبدأ تدور حوله.
بعد ما لقت الباب الرئيسي مقفل ومستحيل تقدر تدخل منه.
فعلا دارت حول القصر ولا لقت أي مدخل تقدر تدخل منه بسهولة.
لمعت عيونها وحسّت بالراحة وهي تشوف باب واحد مفتوح.
كان الباب الخاص بالعاملين.
وكان واحد من السائقين موجود عند الباب يغسل سيارة.
كانت نفس السيارة الفخمة اللي شافتها قبل كم يوم.
وقفت بعيد تناظر المدخل بحيرة، تفكر كيف تدخل بدون لا تلفت انتباه السائق.
عضّت شفتها بعجز لما ما لقت أي فكرة، وتسارعت دقات قلبها.. أخيرا لمعت في بالها فكرة، لكنها خطيرة نوعا ما.. ونسبة نجاحها ضئيلة!
زفرت أنفاسها واستجمعت قوتها قبل لا تنحني وتلتقط حصاة صغيرة.
رفعتها ثم قذفتها على زجاجة السيارة الأمامية بقوة حتى أصابت الهدف.
وانخدشت الزجاجة.
من حسن حظها انه السائق كان يغسل الجهة الثانية، وكان منحني.
لذلك ما عرف الاتجاه اللي جات منه الحصاة.
أول ما شاف الخدش اتسعت عينه وتسارعت دقات قلبه بخوف.
تحرك من مكانه وخرج بسرعة يحرك راسه يمين وشمال يدور الفاعل.
في الوقت اللي غيرت فيه مرام مكانها بسرعة بعد ما تحركت بخفة من ورى الأشجار.
الظلام النسبي اللي كان يعمّ المكان ساعدها.
حتى ابتعد هو عن المدخل بمسافة بسيطة يصارخ ويسأل عن الفاعل.
دخلت بخفة ورشاقة، ثم أسرعت خطواتها حتى لقت نفسها في المسافة الفاصلة بين مسكن السائق وبين المطبخ.
حطت يدها على صدرها تسحب النفس لصدرها.
لفّت تناظر المكان وحمدت الله لما لقته فاضي وهادئ تماما.
مع ذلك كان الخوف بقلبها كبير، لدرجة انها تحس بقلبها يرجف بين ضلوعها.
يا ليت لو فوزية ما حذرتها كثير!
كان قدرت تتحرك بداخل القصر بكل اريحية!
ويكون عذرها انها ما تدري، انه التجول بداخل القصر ممنوعة.
عدلّت نقابها وعبايتها واستقامت واقفة، ثم اتجهت ناحية مدخل البيت الداخلي.
حطّت يدها على المقبض وابتسمت لما لقته مفتوح.
دخلت بكل خفة وهدوء، وهي مرتاحة نوعا ما لأنها تدري انه ماحد من أهل البيت يصحى بهالوقت، غير وعود طبعا.. وهي مستحيل تصيدها.
مررت أنظارها على أرجاء القصر، تحاول تخمن وتعرف مكانه حاليا.. تعرف غرفته وين بالضبط، حتى تقدر تسوي شيء.
تدري انها غبية للحد اللي ما له حد.
يوم دخلت البيت واقتحمته بدون خطة معينة وواضحة.
لكن بنفس الوقت تقدر تهني نفسها على هالشجاعة، اللي خلتها تتقدم لهالخطوة على الأقل.

لكن وبلحظة خاطفة، بدون لا تحس بأي شيء.. فقدت هالشجاعة فورا.. وهي تسمع صوت من خلفها، صوت جاي من أعلى السلم الدائري اللي هي واقفة تحته تناظر الناحية الثانية!
- مين انتِ!
حسّت بدمها يتجمد بعروقها ولونها ينخطف من وجهها، حتى فمها نشف من شدة الخوف، وارتجفت يدها تلقائيا وهي تسمع هالصوت الجهوري، الحاد والمخيف جدا.
مرّت لحظات حست انها دهر، من المشاعر الكثيرة اللي راودتها بهاللحظة.
خوف وغضب وحقد، ورغبة بالهروب!
أكيد رغبة الهروب كانت أقوى.
ما كانت تبي تنحط بهالموقف أبدا، خصوصا الحين!
لما قربت تسوي شيء، لمّا عقدت العزم على انها تقابله وترجع الحق لأصحابه!
التفتت ببطء لما حست فيها وقفت وراها تماما، وهي تسأل بنفس النبرة المخيفة:
- ما جاوبتيني، مين انتِ؟ وكيف دخلتِ هنا؟
بلعت ريقها بخوف ثم تنحنحت قبل لا ترد بنبرة حاولت قد ما تقدر انها تخليها ثابتة:
- مرحبا، انتِ أكيد صاحبة البيت؟
عقدت حواجبها وقطبت جبينها بحدة وهي تناظر عيونها:
- إيه أنا صاحبة البيت؟ مين تكونين؟
حسّت بالورطة لما لقت عقلها فارغ من أي إجابة ممكن تنقذها من هالموقف.
كانت تبي تقول الحقيقة، بس تعرف لو نطقتها راح تجيب أجل وعود.. وهي ما تبي تضر هالبنت المسكينة.
في النهاية هي ما جات لهالمكان عشان تنتقم، ولا تضر ناس ما لهم علاقة بوضعها.. ما تبي إلا الحق.
نطقت أخيرا تحت أنظار المرأة المصوبة على عيونها:
- أنا عاملة جديدة في المطبخ، اليوم أول يوم دوام لي.
ناظرتها المرأة باستغراب:
- عاملة جديدة؟
- إيه.. وظفتني فوزية.
ما توقعت مرام أبدا انه هالإجابة ممكن تنقذها، ولا توقعت انها بتشوف ردة الفعل البسيطة هذي والراحة على وجه المرأة المخيفة، لما هزت راسها بإيجاب وفكت يدينها بعد ما كانت متكتفة في مظهر مكتمل لصاحبة قصير كبير وفخم مثل اللي هم فيه الآن:
- كذا أجل، بس وش جابك هنا في وسط البيت؟ اللي أعرفه انه فوزية تمنع أي عاملة من انهم يتعدون المطبخ.
ابتسمت مرام بارتباك:
- الظاهر اني جيت بدري، اتصلت فيها وما ردت.. عشان كذا فتحت أول باب لقيته قدامي ولقيت نفسي هنا.
تنهدت الثانية واتجهت ناحية المطبخ:
- تمام أجل طالما هذا أول يوم لك وما عتبتِ الدرج راح أمرر لك غلطتك هالمرة، بس إياك تجين هنا مرة ثانية، مفهوم؟
ردت بصوت خافت وهي ناقمة عليها وحاقدة من قلبها:
- تمام.
التفتت تناظرها متعجبة:
- ليش واقفة هناك لسه؟ تعالي وراي..

قبل لا تكمل عبارتها توسعت عيونها بصدمة وهي تشوف الشخص اللي كان نازل من الدرج جري كأنه عاصفة، وهو مو مستوعب شيء قدامه، يسب ويشتم بغضب.. بشعر أشعث ولبس غير مرتب:
- عيال الـــ........... موتهم على يدي اليوم.
ما مداهم يستوعبوا شيء إلا وهو يصدم مرام اللي كانت واقفة عند الدرج، ويطيرها من مكانها حتى طاحت على الأرض جالسة بقوة.
تجاهل اللي صار وكمل خطواته السريعة للباب لين خرج وصفقه بقوة، حتى دواه صداه بأنحاء القصر، واختفى فجأة زي ما ظهر فجأة.
تأوهت مرام وغمضت عيونها من الوجع، لما رفعت يدها اللي طاحت عليها من الأرض صرخت من الألم القوي اللي حسّت فيه.
قربت منها المرأة بسرعة وانحنت لها بخوف:
- بسم الله عليك وش صار لك؟
رفعت مرام عيونها الدامعة لها وانصدمت من تعابير وجهها، اللي ما تقدر تقارنها بملامح القسوة اللي كانت قبل شوي! كانت مليانة حنية وخوف وقلق.
ردّت بصوت مختنق:
- أظنها انكسرت.
شهقت وجلست بمستواها، ومدّت يدها لذراع مرام حتى تتطمن.. إلا انها وأول ما لمستها صرخت مرام بصوت أعلى وبكت:
- تعور.
عضّت المرأة شفتها بحيرة:
- يا ربي هالولد شبلاه فجأة خرج بهالشكل! حاولي توقفين بشويش بتصل على الإسعاف.
وقفت مرام بشويش وهي تبكي بصوتها لما عجزت تتحمل الألم وتكتمه في نفسها، متجاهلة موقفها والورطة اللي هي فيها.
ساعدتها الثانية حتى جلست على واحد من الكراسي الموجودة بالصالة، ثم اتجهت للتليفون الأرضي، رفعت السماعة بعد ما طلبت رقم الإسعاف.
وقلبها يدق بخوف على هالبنت الغريبة، ثم على ولدها اللي خرج بشكل أفجعها.. واللي ما مداها حتى تلحقه وتسأله عن اللي صار بسبب البنت!
قبل لا يجيها الرد من الطرف الآخر، فاجأها صوت آخر وهو يسأل بكل صدمة واستغراب:
- مرام! وش جابك هنا؟

__________

بعد ساعتين تماما من استلقاءها على السرير بكل جمود وبرود، وهي تتأمل السقف الفارغ من أي شيء.. لكن هي رسمت عليه حياتها، مستقبلها بالكامل، بدونه، ومعاه!
وقفت وهي تتأفف، واتجهت للستائر.
ابتسمت بمكر وهي تشوفه غارق بنومه ولا حاس بأي شيء حوله.
بعد يوم طويل ومجنون، فقد فيه نص عقله تقريبا.
بسبب حركاتها النذلة.
مسكت الستارتين وفتحتها مع بعض، حتى انتشر النور بأرجاء غرفة الفندق اللي استأجروها أمس بعد عناء طويل.
تأفف وهو يرفع ذراعه ويغطي عيونه:
- ألماس بلا هبال خليني أنام!
- نمت بما فيه الكفاية، قوم خلنا نفطر بموت من الجوع.
لف للجهة الثانية وعطاها ظهره وهو يتأفف مرة ثانية:
- لا تكذبين شفتك تاكلين بعد ما صليتِ الفجر.
جلست على السرير بقوة:
- هذي كانت تصبيرة، يلا سلطان أنا واحدة من الناس اللي يحبون يسوون كل شيء بدري، يلا نخرج ندور شقة.
كان سلطان فاتح عيونه وهو متكتف، والنوم طار من عيونه بعد ما فتحت الستاير.
أظلمت عيونه من جديد لما بدأ يستعيد الذكريات القريبة، الخاصة بأمس!
واللي نساها لساعات قليلة أثناء نومه ثم رجع يتذكرها من جديد لما جابت طاري الشقة!
تذكر طريقة زواجه، يوم زواجه الغريب جدا.. والمميز!
يدري انه كل رجال بهالحياة يحظى بذكريات مميزة عن اليوم الأول له مع زوجته وشريكة حياته، لكن مثل ذكرياته هو! مثل بشاعتها!
اللي صار معاه ما يتمناه حتى لعدوه، وبالتالي ما يقدر يرضى بهالشئ لنفسه.
جلس وأسند ظهره على المخدة بعد ما عدلها وراه.
ثم قال بصوت بارد:
- ما راح يصير هالشيء.
- وشو؟
- ما راح أرضى بمثل هالزواج ألماس، لازم نصلح هالوضع.
تكتفت ألماس وهي تعدل جلستها وبنبرة مماثلة لنبرته:
- أي وضع قصدك؟ كنت تبي زواج عاجل وصار، قلت انه الظروف ما تهمك دامنا بنصير تحت سقف واحد، وهو صار.. ظروفي ما سمحت نسوي عرس، وانت رضيت وجيت أخذتني من بيت أبوي، أنا جيت معك بكل إرادتي.. وبكل عقلي، عن أي وضع تتكلم؟ إيش اللي لازم يتصلح؟
زفر سلطان أنفاسه بضيق وهو يمسح وجهه:
- ما كنت داري إني بتضايق هالكثر، واني راح أحس بهالشعور إذا كان الزواج بسيط كذا ومن دون ما احد يدري غير أهلي وأهلك، واللي نصهم دروا بالصدفة!
- انت تهتم بالمظاهر وكلام الناس أجل، أكثر مما تهتم بمشاعرك، وتهتم بحياتك معي!
احتدّت ملامح نوعا ما وهو يقول:
- على أساس انك انتِ المهتمة!
- أنا موقفي واضح من البداية يا سلطان، لو عرضت عليك حقيقتك لا تحاول تتهمني بالمثل، حاليا انت اللي قاعد تخالف كلامك، انت اللي قاعد تغير رايك كل شوي، كل ما ذكرتك بشيء زعلت مع انه واضح وضوح الشمس انك الوحيد اللي قلت شيء المفروض ما تقوله، ووعدت بأشياء ما تقدر توفيها، ولا أنا غلطانة.
ارتجف قلبها بخوف وارتباك لما قرب منها فجأة ومسك ذراعها، وقرب وجهه منها حتى صارت أنفاسه تلفح بوجهها:
- صحيح ألماس، أنا اللي تغيرت وأنا اللي راح أغير كلامي أكثر في المستقبل، بس ليش ما تشوفين حقيقتك بعينك؟ ليش مو قادرة تفهميني وتفهمين تصرفاتي؟ مو من حقي أزعل لما أعرف انه زواجنا تم بهالسرعة وبهالطريقة الغريبة بس عشان دراستك انتِ؟ بعد انتظاري الطويل لك تكافئيني كذا؟ وتخليني أبعد عن شركتي اللي وصلتها لهالمرحلة بصعوبة!
تنفست بصعوبة وهي مرتبكة من قربه، إلا انها ردت بثبات:
- مو عشان ما تمر بكل هالأشياء، ولا تحس بالإحباط رفضتك من البداية، لكن انت أصريت وخليتني أوافق غصبا عني، انت اللي حطيت نفسك بهالموقف، لا تلومني.. ولا تخليني أتكلم عن هالموضوع مرة ثانية لأني مليت، تبي تكمل معي قوم خلنا ندور على شقة، ما تبي تكمل اتركني هنا وروح.
ابتعد عنها شوي بدون لا يترك ذراعها، ثم ابتسم.. قبل لا ترتفع ضحكته الساخرة:
- هذا اللي تبينه انتِ من البداية! كنتِ عارفة اني مستحيل أترك شغلي وأجي أسكن معك هنا! ما أصدق قد إيش انتِ ماكرة وخداعة!

كانت ملامحها متجهمة وهي تنتظره يكمل.
كمل فعلا وهو يترك يدها ويوقف على الأرض:
- لك اللي تبينه يا ألماس، أنا ماني مثلك.. ما أقدر أتحمل عتاب ولوم أهلي لي خاصة أمي، اللي كانت تبي تشوفني عريس، ويزف عروسه قدام كل الملأ اللي تعرفهم.
تركها ودخل دورة المياه.
وقفت هي وقربت من الشباك.
تكتفت وهي تناظر برة، أظلمت عيونها بشدة وتغيرت ملامحها.. بتعابير غامضة ومخيفة.
حتى انها ما انتبهت لما خرج سلطان بعد مدة ولقاها واقفة بكل جمود، وبالها مو معاها!
تنحنح حتى ينبهها، التفتت له متسائلة:
- البسي وخذي أغراضك، خلينا نفطر وندور لك على سكن.. ولا تبغين تسكنين في سكن الطالبات؟
- لا، أنظمتهم ما تعجبني.. ما أبغى أكون مقيدة طول الأسبوع كأني مراهقة.
آلمه قلبه على حاله بشدة وهو يشوفها تتجه للدولاب بكل برود ثم تخرج الشنطة الصغيرة اللي دخلتها معاها.
لمّت أغراضها القليلة ورتبتها داخل هالشنطة، ثم لبست عبايتها بدون ما تنطق بأي حرف.
أي قلب هذا اللي تملكه هالألماس!
أي قلب هذا اللي ما يحس أبدا!
أي قلب هذا الخالي من المشاعر!
معقولة كل اللي صار أمس ما أثر فيها؟ والكلام اللي سمعته من شوي ما حرك ولا شوي من مشاعرها!
بالرغم من انه طول اليوم الماضي كان عصيب بالنسبة له، إلا إنه اللحظات الأخيرة منه نسته كل شيء.. وانه اللي بين يدينه نفسها اللي عذبته طوال سنين ولا زالت.
نسى كل شيء، إلا حبه الكبير وعشقه العظيم تجاهها.
معقولة هو الوحيد اللي عاش اللحظة بهالمشاعر لوحده!

أخفت ألماس ارتباكها وتوترها من أنظاره المصوبة عليها وهو شارد الذهن:
- ليش واقف بمكانك؟ ما تبي تخرج؟
تنهدت وهي تشوف واقف بدون ما يتحرك:
- يلا، ما أبي أخرج والشمس فوق راسي.
قرب منها فجأة حتى وقف قدامها:
- شيء واحد بس أبي أعرفه، انتِ ما تحسين؟ ما عندك قلب؟ كيف قادرة تتصرفين بهالبرود؟
ردت بدون لا تناظره:
- أنا أحس يا سلطان وعندي قلب، لكن لو كان الموضوع يخص دراستي وأهدافي ما أقدر أسمح لأي أحد بالدنيا يوقف بطريقي، وانت مو استثناء.
مسك ذقنها وحط عينه بعينها، علّه يقدر يتلمس الصدق فيها هالمرة.. ويعرف حقيقة مشاعرها، اللي يتمنى ومن كل قلبه إنها تكون عكس اللي تنطقه!
إلا انها ومثل دايم، قدرت تخفي كل شيء بطريقة عجيبة، حس بطبقة جليدية تغطي عيونها وتمنعه من انه يعرف شيء.
سأل بصوت منخفض، وبنبرة صادرة من أعماق قلبه، كأنه يترجاها تشفق عليه:
- حتى لو انتهت علاقتنا.. راح تكملين طريقك؟ وتتركيني؟ وانتِ تعرفين إيش إنتِ بالنسبة لي؟
اكتفت بالسكوت للحظات، وارتبكت أخيرا..
الشيء اللي خلى سلطان يحس بالأمل، حتى لو كان ضعيف.
كانت فعلا متأثرة من كل اللي قاعد يقوله من أمس ومن كل اللي قاعد يسويه.
ومرت عليها لحظات فكرت فيها بالتنازل عن كل شيء عشانه.
فكرت تستسلم.. لكن هالشيء مستحيل.
ما انخلق الشخص اللي يخليها تستسلم، ولا جابته أمه اللي يضعفها أمام إرادتها القوية.
طالما ما كانت هي الشخص اللي خالف وعده وغير كلامه مع مرور الأيام.
حتى لو كانت الطرف الأسوأ، كونها قيّدت علاقتهم بشروط معقدة.
لكن كان عندها عذرها من البداية حتى الآن.
ابتسمت فجأة وهي تبعد أنظارها عنه:
- تعرف رأيي من البداية سلطان، تعرف جوابي، ليش تخليني أكرره أكثر من مرة وأجرحك غصبا عني؟
- أبغى تأكيد للمرة الأخيرة، عشان يكون وداعنا لايق.

ترددت للحظات قصيرة وهي تحط عينها بعينه بكل ثقة، كأنها تتلذذ بتعذيبه، تتلذذ بشوفة عيونه اللي تهتز بسبب هالإعتراف الموجع:
- مشاعري تجاهك ما تغيرت ولا راح تتغير بيوم من الأيام، خسارتك مكسب بالنسبة لي.
عمّ الصمت بأرجاء الغرفة بعد عبارتها الموجعة والمؤلمة، واللي كسرت قلب سلطان فعلا.. إلا انه ضحك بسخرية على نفسه ومسك ذراعها برقة بالرغم من كل اللي يحس فيه:
- كنتِ تقدرين تستخدمين تعبير ألطف، يوم قلت لك أبي وداع لائق تمنيت لو جبرتِ خاطري لو مرة وحدة بس، تمنيت لو تكذبين وتطلبين مني أنتظرك على الأقل، تمنيت لو تنازلتِ وضحيت عشاني مرة وحدة يا ألماس!
كانت عيونها على الأرض وهي تحاول انها ما تبكي:
- أنا أدرى الناس بنفسي، وأعرف اني مستحيل أكون لك الزوجة اللي تتمناها، ما عندي شيء أقدمه لك مقابل مشاعرك الكبيرة تجاهي، لكن ما راح أكون سخيفة وأقول لك انك تستاهل وحدة أحسن مني، لأنك أناني يا سلطان، أناني جدا.. سويت كل شيء قدرت عليه حتى انجبرت أوافق عليك، حلفت يمين وأقسمت آلاف المرات انك راح توفي بكل وعودك.. بس صرت بين يدينك بديت تحاول تغير الأمور لصالحك، ظنيت هالشيء بيكون سهل لأني خلاص صرت زوجتك! يوم اكتشفت انه اللي تبغاه ما راح يصير قعدت تحاول تخليني الغلطانة، أنا ما جبتك هنا عشان أبعدك عن أهلك وعن شغلك، كنت بس بشوف تقدر تسوي هالشيء ولا لا.. تقدر تكون قد كلمتك ولا لا، لكن اللي صار العكس تماما، لكن مثل ما توقعت أنا بالضبط.. ما صبرت إلا يوم واحد! تتوقع انت الوحيد اللي قاعد تتوجع؟ تتوقع اني ما تأثرت أو ما عندي قلب وما أحس! انت آذيتني كثير من قبل وقاعد تأذيني للآن، وإذا تركتني هنا ورحت بكون أنا الغلطانة والمذنبة بعيون الكل، سمعتي راح تتشوه وتصير بالأرض، كيف تقول اني ما تنازلت! كيف تقول اني ما ضحيت! ضحيت وتنازلت بالرغم من اني من البداية ضد هالزواج تماما.
أبعدت يده عنها وغطت وجهها بالطرحة وهي تبتعد بخطوات سريعة وتخرج بعد ما فتحت الباب بقوة.
ظل سلطان واقف بمكانه مصدوم، يناظر المكان اللي اختفت منه بدون ما يتحرك.

أما هي..
ركبت المصعد ونزلت للدور الأرضي، واتجهت ناحية سيارته.
حطت شنطتها على الأرض وتكتفت تنتظر جيته.
فضّلت انها تنزل وتنتظره عند السيارة، بدال لا تظل معاه بالغرفة ويطول الكلام أكثر.. تجرحه أكثر، تصارحه أكثر.. وتقول كل شيء كتمته في نفسها لليوم.
مع انها تقريبا قالت كل شيء!
زفرت نفس عميق ومسموع، حتى شافته يخرج من المصعد ويفتح الباب بمفتاحه.
ركبت بعد ما حطت الشنطة بالمرتبة الخلفية، لبست الحزام وتكتفت تلف وجهها ناحية الشباك، تحاول تتجاهله قدر الإمكان، دعت من كل قلبها انه ما يتكلم ولا يفتح أي موضوع، لأنها فعلا مصدعة وتعبانة.. وباقي بينها وبين الانهيار خيط رفيع.. وراح تنفجر بأي لحظة!

____________

لو حاولت تتذكر المرات اللي واجهت فيها صدمات عنيفة، صدمات غير متوقعة.. تضرب قلبها بكل قوة حتى تحس انها تدميه.. ما راح تحصيها.
لكن لو جات تقارن بين كل الصدمات في سنين عمرها الـ24، واللي واجهتها أمس.. ما راح تلاقي أي وجه تشابه.
مو قادرة تستوعب، إلى هذه اللحظة.
تحس انه كل اللي صار كان مجرد حلم.. مجرد كابوس.
راح تصحى منه في أي لحظة.
لكن كل ما صحَت من شرودها ورجعت للواقع، تحس بألم قلبها يزيد ولا تقدر تتحمل.
ما تدري كم مرة بكت من أمس، ولا تعرف كمية الدموع اللي ذرفتها.
ولا تعرف كم مرة سرّحت بعقلها وابتعدت عن الواقع تماما.
كانت جالسة في غرفة استراحة الموظفات بعد ما وقفت 4 ساعات متواصلة، أخذت فيها طلبات الزباين.. بما انها مستجدة ولا تعرف تحضّر شيء بنفسها.
ما انتبهت للي دخلت بابتسامتها الواسعة وبيدها كيكة صغيرة حتى ترحب فيها.
لكن أول ما شافت وجه نسمة اختفت هالإبتسامة، وعقدت حواجبها باستغراب وهي تحط الكيكة على الطاولة:
- بسم الله نسمة يا بنت وش فيك؟ كأنك مريضة وش صابك؟
ابتسمت لما انتبهت لها:
- آسفة ما انتبهت لك لما دخلتِ، ما فيني شيء بس مجرد إرهاق بسبب النقل.
تأملت ملامحها بابتسامة هادئة ثم قالت:
- يا عمري، أكيد عزّ عليك فراق البيت اللي سكنتِ فيه طول عمرك عشان كذا حزنتِ بهالشكل، شفتك تبكين طول اليوم بس ما حبيت أزعجك وأحرجك.

هزت نسمة راسها بايجاب وعلى فمها ابتسامة باهتة.
قرّبت منها الكيكة وابتسامتها تتسع من جديد:
- تفضلي كلي هالكيكة، واعتبريها هدية توظيفك وعملك هنا.
ضحكت نسمة وانشرح صدرها شوي وهي تشوف هالألوان المبهجة والشكل اللي يشهي فعلا:
- تسلمي لي غزل، ماني عارفة إيش أقول لك بس قاعدة تحرجيني بلطافتك.
ميّلت غزل راسها بشيء من المرح:
- كيف ما أكون لطيفة مع أول إنسانة وافقت تشاركني السكن ولا تخليني وحيدة!
نسمة بعد ما أكلت قطعة صغيرة:
- والله أنا اللي المفروض أشكرك انك وفرتِ عليّ عناء البحث، بس عندي سؤال بسيط أتمنى ما يضايقك، كيف عرضتِ مثل هالعرض على انسانة قابلتيها للمرة الأولى في حياتك؟ يعني.. مستغربة صراحة كيف وثقتِ فيني على طول؟ ممكن أكون حرامية ممكن أكون مجرمة وقاتلة، ما فكرتِ بهالإحتمالات؟
ناظرتها غزل بصدمة للحظات قبل لا يرتفع صوت ضحكها فجأة:
- ضحكتيني فعلا، انتِ مجرمة وقاتلة وعندك هالوجه؟ المهم.. صح كلامك، أنا مو واثقة فيك ومستحيل أثق بأي شخص غريب بمجرد اني ارتحت له أو لأنه موظف عندي! خاصة اني مو من النوع الاجتماعي، بس مضطرة، مضطرة أمثل اني واثقة حتى أعرف حقيقة هالشخص، لو كان سيء وعكس ظني الطيب فيه، بتصل على الشرطة، بسيطة!
- لو فاجئتك بلحظة غير متوقعة وهاجمتك! إيش بتسوين!
ضحكت غزل مرة ثانية:
- خيالك واسع، كلي كيكتك بس، أما عن هجومك عليّ فهذا ذنبك انتِ لو ضريتيني، بس لازم تعرفين قبل انه عندي اخوان ما يرضون حتى الشوكة تدخل بجسمي.
وقفت وربتت على كتفها:
- بالعافية، إذا حسيتِ إنك أفضل تعالي كملي الشغل.
هزت راسها بإيجاب حتى خرجت غزل وصارت لوحدها من جديد.
دسّت في فمها قطعة من الكيك وهي ترجع بذاكرتها لأمس...


كانت تنتظره بفارغ الصبر، تعد الدقائق والثواني بدون لا تلبس عبايتها.
كأنها كانت متأكدة انه فعلا راح يجي، وما راح يخذلها مثل كل مرة.
إلا انها وكل ما قربت الساعة تصير 12 انقبض قلبها وحسّت بالقلق والخوف.
لدرجة انها فقدت القدرة على الوقوف على رجولها، فقدت قدرتها على التنفس.. حتى طاحت جالسة على الأرض بكل ضعف.
ركضت لها جيهان بخوف وجلست جنبها:
- بسم الله عليك، بسم الله عليك حبيبتي.. انتِ بخير؟
هزّت راسها بالنفي وهي تحاول تتنفس من جديد.
أسرعت جيهان ناحية الشباك وفتحته، ثم ساعدت المسكينة على الوقوف والاستلقاء على السرير.
بعد لحظات عادت لوعيها وبعد ما شرّبتها جيهان المويا.
رفعت يدها تناظر ساعة معصمها، قبل لا تتأوه بوجع وتبدأ دموعها تنزل بقهر.
أدمعت عيون جيهان من هالمنظر، وهي تظن انها تبكي على فراق البيت، وعلى ذكريات جدها.
انحنت وضمتها لصدرها، وصاروا الثنتين يبكون مع بعض بأنين موجع.
فقدت الأمل أخيرا، وحسّت بقلبها يتقطع من الحزن والقهر.. وهي توقف على حيلها وتلبس عبايتها.
ما راح تنتظر أكثر، ولا راح تتأخر.
أغراضها صارت تحت، والعامل ينتظر.
مسّحت المكان بعيونها، وودعت كل ركن فيه بقلبها.. على أمل العودة في أقرب وقت.
حتى آخر لحظة، حتى حطت رجلها على عتبة الباب.. كانت مترددة، ما كانت تبي تترك البيت أبد، ولا تبي طيف جدها لوحده.
يعزّ عليها فراق هالمكان، لكنها مضطرة.
ما راح تبقى هنا آخر عمرها، تنتظر شفقة أعمامها، واللي وان ظهرت فهي تأخرت جدا.
خرجت جوالها من شنطتها الصغيرة، وكتبت الرسالة بيد مرتجفة.. وعيون مليانة دموع.
أرسلتها بدون تردد، وهي شبه متأكدة انه ما راح يجي، بما انه تأخر لهالدرجة.. وأوجع قلبها.
زفرت نفس عميق قبل لا تنزل أخيرا وهي تمرر أنظارها على أرجاء المبنى.
تستودع الله مرام وأمها، وتستودع المبنى والجيران.. وتودعهم بقلبها.
حتى خرجت، وابتسمت بألم وحنان وهي تشوف أصحاب جدها اللي قربوا ووقفوا عند المدخل حتى يودعوها.
وقفت قدامهم وهي تبكي بخفوت، وتسمع كلماتهم الحانية ووصاياهم لها بقلبها قبل أذنها.
الناس اللي عاشرتهم طول عمرها، من كانت صغيرة حتى وصلت لهالعمر.
اللي عاشرتهم أكثر من أهلها الحقيقين.. ويهتمون فيها كأنها بنتهم مو جارتهم.

حتى حانت منها التفاتة ناحية السيارة الفخمة المتوقفة على بعد عدة امتار منها، باللحظة اللي تسارعت فيها دقات قلبها لما راودها هالشعور الغريب، واحساس انه اللي بداخلها سعد!
خاصة لما سألتهم وقالوا لها انه اللي بداخلها شخص غريب ما قد شافوه بالحي.
احكمت عقلها ولا رجعت تناظره.
ودعتهم للمرة الأخيرة وهي ترغم نفسها على عدم الالتفات.. حتى تحركت سيارتها وابتعدت.
أول ما خرجت السيارة من الحارة طلبت من السائق يرجع فيها للمبنى من جديد.
ترجلت من السيارة بسرعة أول ما وقفت تحت المبنى، وركضت بأسرع ما عندها.. وبكل شوق ولهفة، وأمنية من قلبها انه ظنها هالمرة ما يخيب.
وقفت على آخر درج، وما في شيء يفصل بينها وبينه إلا المسافة الفاصلة بين السلم والباب المفتوح!
ضحكت بسعادة وعيونها تدمع، ثم تغرق خدودها بهالدموع.
كتمت شهقاتها بكفها وهي مو قادرة تصدق.
ثبتت نفسها بسرعة حتى لا تطيح لما حطت يدها على الجدار.
نزّلت النقاب عن وجهها حتى تترك الحرية لدموعها، وحتى تقدر تتنفس زين.
ظلت واقفة للحظات قصيرة، قبل لا تمسح دموعها بقوة وهي مو قادرة تتحمل أكثر.. كان شوقها عظيم ولهفتها أعظم.
واللي خلتها تسرع بخطواتها حتى دخلت وشافته واقف عند غرفتها.

بلعت ريقها وهي تقول بابتسامة:
- جيت في النهاية!
بالرغم من شعورها العارم بالسعادة، إلا انه نبرتها خرجت معاتبة.
تحسست صدمته من الموقف، أكيد انه كان متطمن.. ولا توقع رجعتها.
وهالشيء آلمها أكثر.
إلا انها آثرت تجاهل كل شيء، في مقابل انها تضمه لصدرها وتروي شوقها له!
- راح تجرحني مثل كل مرة؟ ما راح تخليني أشوفك بعد ما قطعت كل هالمسافة وجيت!
ابتسمت بألم لما ظل على نفس وقفته، حتى تجرأت ومدت يدها ناحيته.. وخلته يلتفت لها غصبا عنه.
وهنا كانت الصدمة.
ما تدري إيش اللي حسّت فيه بهاللحظة، أو بالأصح.. فقدت كل مشاعرها وصارت كأنها تهيم في فضاء واسع.
وعينها تشوف اللي ما توقعته!
شخص ثاني، مختلف تماما عن أخوها!
ظنت انها تتوهم وانها من فرط شوقها ومن اختلاط مشاعرها أخطأت الرؤية فصارت تشوف أخوها بشكل مختلف.
أو يمكن لأنها شافته وهي صغيرة وهو بعد مراهق، أكيد تغير لأنه كبر.. أو يمكن ذكرياتها صارت مشوشة!
مع ذلك حتى لو تغير مستحيل يصير مثل هالشخص اللي قدامها!
ببشرته السمراء وشعره المجعد الظاهر من خلف غترته، وعيونه الواسعة برموشه الكثيفة.
بملامحه اللي ما تمت لها ولأقاربها بأي صلة!
ما في أي شخص بالعائلة كلها يحمل هالصفات الخَلقية!
كلهم بيض البشرة، ناعمين الشعر، وملامحهم بعيدة كل البعد عن الوسامة! كل اللي يتميزون فيه بياض بشرتهم وسواد عيونهم لا أكثر!
ألجمتها الصدمة، لكن لما قدرت تتكلم نطقت بلسان ثقيل:
- مين انت؟ وين سعد؟ مستحيل تكون أخوي سعد!

استشعرت الصدمة في تعابير وجهه، وثقل لسانه هو الثاني.
حتى استوعب الوضع وغض بصره عنها بسرعة، ثم ابتعد متجه ناحية الباب بدون ما ينطق بأي حرف.
إلا انها وبدون شعور منها مسكت ذراعه بقوة وسألته بحدة:
- أنا سألت مين انت؟ وين سعد؟
غمض عيونه للحظات قبل لا يسحب يده ثم يتكلم بهدوء:
- لو ودك نتكلم خلينا نخرج ونقعد بواحد من الأماكن العامة.
تسارعت أنفاسها واحمرّ وجهها أكثر بعصبية، وهي لسه تواجه صعوبة في فهم الموقف:
- ما راح تروح لأي مكان قبل لا تقول لي مين انت وكيف عرفت بيتي، كيف دخلت هنا، وين سعد!
غمض عيونه بعجز وقلة حيلة وهو منزل راسه:
- نتكلم برة.
أخذت وقتها حتى تهدي نفسها وتمسح دموعها، قبل لا ترفع نقابها وتلبسه وهي تشوفه يخرج:
- نتكلم بالسطح.
هزّ راسه بتفهم ثم صعد بخطوات مترددة وهي تتبعه بخطوات بطيئة ومتعثرة.
قبل لا ترجع تبكي من جديد والصداع يرجع لها.
حتى وصلوا للسطح وطاحت هي على الكرسي الخشبي جالسة بضعف.

ظلت منزلة راسها للحظات قبل لا ترفعه وتناظره وهو واقف على الطرف معطيها ظهره.
- تكلم!
كانت نبرتها مؤلمة وصوتها مختنق.
الشيء اللي خلاه يندم على جيته أكثر من أي شيء ثاني بالدنيا!
تكلم بتردد بدون لا يلتفت لها:
- قلت لك من زمان يا نسمة، علمتك من فترة طويلة اني مو أخوك، قلت اني مو سعد بس ما صدقتيني.
شهقت بصوت أعلى وهي تحط يدها على صدرها بألم.
كأنها للتو تذكرت اللي قاله، تذكرت بداية تواصلها معاه.. وتجاهله لها مرات عديدة، قبل لا يرد ويقول انه مو سعد!
لكن هي ما صدقته أبدا، بالرغم من انه الشك ساورها مرات عديدة بسبب انكاره المستمر.. الا انها ما قدرت.
ما قدرت تتقبل واقع انه شخص ثاني غير اللي تبغاه هي.
تبغاه جنبها، يوقف معاها يساندها ويخفف عليها، يشاركها أفراحها.. يبعد عنها الأحزان.
مثل ما سوى هالشخص الغريب بالضبط.
بعد مرور فترة على تواصلها معاه.. أعطاها وجه لبعض الوقت، قبل لا يرجع يجافيها من جديد ويوجعها ويحطم قلبها!
بتجاهله وانكاره مثل ما سوى في البداية.

التفت لها أخيرا بوجه حزين وضايق عليها، لما طال صمتها وطال بكاءها.. وصارت شهقاتها ترتفع أكثر وأكثر.
حسّت فيه ووقفت وهي تحاول تهدأ:
- طيب مين انت؟ مين تكون؟ ليش رقم سعد عندك؟ أنا متأكدة انه هالرقم له، واني ما دقيت عليك بالغلط.. وينه هو؟ ليش انت اللي رديت؟ وين اخوي جاوبني!
احتار مساعد من هالأسئلة الكثيرة ولا عرف على أي واحد منهم يجاوب!
بلع ريقه بصعوبة وهو حاس بالضعف بسبب دموعها اللي تلمع وتبلل النقاب تحت فتحات عيونها.
ورد بعد تردد:
- ما أدري وينه، فقدت أثره من قبل 10 سنين.. في الوقت اللي فقدتيه فيه انتِ بالضبط!
وأخيرا توقفت دموعها لكن بغير ارادتها.
ألجمتها الصدمة تماما وخلت جسمها يتصلب في مكانه، قبل لا تقول بنبرة ثقيلة:
- إيش قصدك؟ تعرفه انت؟ تعرف سعد؟
هز راسه بإيجاب بدون لا يرفع راسه:
- أعرفه، عشان كذا جواله عندي.
كمل حتى ما يترك فيها المزيد من الاستفهامات:
- أنا وسعد كنا أصحاب، بس ما كنا مقربين.. لكن طلعاتنا وخرجاتنا كانت مع بعض، كان لنا صديق مشترك.. طبعا هذا كله قبل لا يختفوا الاثنين فجأة بدون ما يتركوا وراهم أي أثر، بس جوالاتهم هي اللي كانت موجودة بالمكان اللي رحنا له كعطلة شبابية، ما أدري إيش اللي خلاني أحتفظ بجوال أخوك شخصيا، وأعطي جوال صاحبي لأهله.

كانت تسمع كل اللي يقوله بجمود ظاهري، لكن قلبها يخفق بعنف من الخوف والقلق والمفاجآت اللي تنتظرها!
نهاية هالقصة المبهمة اللي قاعد يقصها عليها.. وكانت أسوأ نهاية، نهاية مفتوحة!
كان هالشخص الغريب صاحب صديق أخوها!
واللي طلعوا مع بعض في رحلة، كلهم رجعوا منها إلا أخوها والصديق المشترك!
بلع مساعد ريقه من جديد بتوتر وهو يرفع راسه يناظرها لما طال صمتها وسكونها.
سألته بنبرة خالية من التعابير لما طاحت عينها بعينه:
- ومين تكون إنت؟ أقصد.. بصفتك مين كنت ترد عليّ وتسمعني؟

رجعت للواقع مفزوعة من صوت واحدة من زميلاتها:
- من متى أناديك؟ جاية تشتغلين ولا تكيفين بقهوة وكيك مثلك مثل أي زبونة؟
فزّت نسمة واقفة تمسح وجهها بقوة:
- آسفة ما انتبهت، سامحيني.
رمقتها البنت بحدة ثم راحت عنها، وتبعتها نسمة بهدوء تكمل شغلها.. تحاول قد ما تقدر انها تركز ولا ترجع تشغلها ذكريات أمس!

_________

انتهى الفصل الثالث

اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-06-21, 05:26 PM   #8

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مفاجأة مفزعة لنسمة أين أخوها سعد ؟ و ماذا حدث له ؟

و مرام هل وقعت فى ورطة بسبب تهورها ؟

تسلمى مروة


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-06-21, 08:55 PM   #9

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مفاجأة مفزعة لنسمة أين أخوها سعد ؟ و ماذا حدث له ؟

و مرام هل وقعت فى ورطة بسبب تهورها ؟

تسلمى مروة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلا موضى..
تشرفني قراءتك ومتابعتك لروايتي، ربي يسعدك ويحفظك 💙💙


MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-06-21, 01:19 AM   #10

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله.
لا إله إلا الله.

_____

وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها
أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ
فَالعَينُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِداقَها
سُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُ

— أبو ذؤيب الهذلي
_____



( الفصل الرابع )

_____

نزلت غزل من الدور العلوي للمقهى، بعد ما لبست عبايتها وشنطتها والجوال بيدها.
كان هذا دورها الحين حتى تسرح وتبعد عن الواقع.
بعد سؤال نسمه اللي صحاها من غفلتها القصيرة.
ظنت انها نست وتجاوزت، لكن سرعان ما ذكرتها نسمه بكل اللي صار وبالتفصيل، وذكرتها بشخصيتها الضعيفة والمثيرة، المثيرة للشفقة طبعا.
وانه القناع اللي كانت تحطه بالأيام الماضية كان مزيف تماما.
تنهدت بضيق وهي توقف بعيد عن المدخل، تنتظر اتصاله بعد ما طلبت منه يجيها.
ضمت كفيها ببعض وأسندت ظهرها على واجهة المقهى، حتى رن جوالها في اللحظة اللي أبصرت فيها سيارته.
قفلت الخط واتجهت للسيارة، ألقت السلام أول ما ركبت.
رد السلام وهو يتفحص عيونها:
- نقدر نقول رجعت حليمة لعادتها القديمة!
زمت شفايفها وهي تلبس الحزام وتسند ظهرها براحة:
- آآه يا زيد وش أقول بس، فعلا أنا على وشك اني أرجع لعادتي القديمة، الله يستر بس.
سأل وهو يحرك السيارة:
- ليه وش صاير؟
تجاهلت سؤاله وردت عليه بسؤال:
- زيد أمانة قول لي، هل أنا غلطانة يوم قررت أأجر غرف البيت وأخليه زي السكن الجماعي؟
ابتسم زيد بدون لا يلتفت لها:
- انتِ ما تسألين مثل هالأسئلة وبنبرتك هذي إلا عشان تبيني أشجعك على قرارك، بس أنا لا زلت رافض الفكرة، لكن بنفس الوقت ما راح أمنعك ما دام أمي بتساعدك.
تكتفت وهي تتأفف:
- إيش الشيء الخطير اللي تشوفونه انتوا وأنا ما أشوفه؟ لا انت ولا آسر ولا حتى رزان موافقين.
- آسر ورزان على الأرجح ما يبون يخسرون بيتهم، لكن أنا خايف عليك.. أدري انك ما تثقين في الغرباء بسهولة، كيف إذا جو يسكنون معك ويقعدون في بيتك طول الوقت؟ إلى الآن مو قادر أستوعب ولا قادر أصدق كيف جات هالفكرة ببالك؟ انسيها غزل الله يعافيك.
ردّت بعد صمت قصير، اتسعت خلاله عيون زيد وهو يلتفت لها بصدمة كأنه عارف إيش بتقول:
- فات الأوان، أمس جات وحدة وأعطيتها واحدة من الغرف اللي فوق.
تنهد زيد ثم اكتفى بالسكوت.
ورجعت هي تفكر بكلام نسمه، خاصة عبارتها الأخيرة اللي فعلا أجفلتها وخلتها تنصدم وتسترجع ذكرى مؤلمة، إلا انها تجاهلت كل شيء قدام نسمه وبأعجوبة.
قبل فترة طويلة نوعا ما، كانت ساكنة لوحدها في هذاك البيت الكبير مع أختها الكبيرة، واللي كانت شبه مجنونة.
هاجمها شخص غريب، متشح بالسواد من راسه لأخمص قدمه.
ضربها وأفقدها الوعي.
تتذكر هذاك اليوم بالتفصيل.

( كانت معتكفة في غرفتها الخاصة للرسم.
بعد وقت طويل، خرجت من الغرفة وقفلت الباب بالمفتاح، نزلت بعد ما قفلت كل الأنوار.
تأففت وهي تشوف الفوضى بالصالة، تقريبا كل أغراض المطبخ هنا الحين!
ما غابت إلا ساعة تقريبا، طلعت بعد ما نظفت وغسلت الفوضى اللي سوتها رزان للمرة الثانية باليوم.
قربت تشيل الصحون وترجعها لأماكنها، ما تدري تضحك ولا تبكي.
هذي القدور والصحون هي ألعاب رزان!
تأوهت فجأة وجلست على الأرض لما حست بشيء حاد يدخل برجلها.
عضت شفتها بألم، كانت قطعة زجاج كبيرة نوعا ما.
ما انتبهت للكوب المكسور.
أدمعت عيونها وصرخت وهي تخرج القطعة المكسورة، وتناثر شيء من الدم على الأرض:
- الله يسامحك يا رزان.
زفرت وهي مغمضة عيونها، ثم وقفت بحذر.
جلست بالصالة وبحضنها علبة الإسعافات الأولية.
ما مداها تمسح الدم وتمسك القطن وعلبة المطهر، إلا سمعت صوت قوي صادر من غرفتها.
توسعت عيونها بخوف وطاحت علبة المطهر لما استوعبت انه صوت تكسر الشباك!
وقفت بسرعة متجاهلة ألم رجلها وعلبة المطهر اللي طاحت وتكسرت وتناثر قطعها بكل مكان.
أسرعت ناحية غرفتها بخطوات عرجاء وهي تعتقد انه رزان راحت غرفتها وبدأت تكسر.
تجمد الدم بعروقها ووقفت بمكانها قدام باب غرفة رزان اللي كان مفتوح، وشافتها راقدة بمكانها ونايمة!
تسارعت دقات قلبها بخوف واتسعت محاجرها أكثر، تجهمت ملامحها.. لما سمعت صوت خطوات بغرفتها.
التفتت ببطء لما انفتح الباب، وظهر من خلفه شخص خلاها ترتد للخلف كم خطوة مترنحة.
طاحت على الأرض جالسة وعيونها عليه.
أطلقت صرخة مدوية لما قرب منها وانحنى لمستواها.
كتم صرختها بقماش أسود كبير، غطى به نص وجهها.
أدمعت عيونها بخوف شديد، على رزان أكثر من خوفها على نفسها.
تغضن جبينها من الألم لما ضربها فجأة من أعلى ظهرها بقوة.
طاحت على جنبها عاضة على شفتها من قوة الألم، غمضت عيونها وطاحت الدمعة الأخيرة المحبوسة.. من احساسها بالعجز والخوف، وهي تشوف خطواته المتجهة لــ غرفة رزان! )

رجعت للواقع على صوت زيد:
- ما دام الأوان فات ما أقدر لا أنا ولا غيري نخليك تتراجعين، لكن خليك منتبهة، وخليك قوية وشجاعة، ما في شيء راح يفيدك غير نفسك.
تنهدت من قلبها وهي تناظر من الشباك:
- والله حسبت إني صرت قوية، لكن قبل شوي اكتشفت إني زي ما أنا وما تغير فيني شيء أبد، كنت أدّعي القوة وأنا من جنبها، وكنت أظن إنه شخصيتي صارت أفضل وأنا لسه هشة زي ما كنت من قبل.
ابتسم زيد بحنان وهو يمسك كفها ويضغط عليها:
- هوّني على نفسك غزل، انتِ مو ضعيفة.. انتِ بس قلبك رهيف غير انه الظروف أثرت عليك، ولا أنا بحياتي كلها ما شفت بنت قوية مثلك، علميني بس مين غيرك قدر يصبر على بلاء رزان لما كانت مريضة؟ مين صبر عليها وتحملها غيرك انتِ؟
على قد ما تحمد الله انه هذيك الأيام راحت وولّت، على قد ما تكره تتذكرها وتسمع طاريها، لذلك غيرت الموضوع فورا وهي تبتسم ابتسامة عريضة:
- إيوا زيد يا اخوي يا حبيبي ما علمتني، شخبارك مع رسيل؟
تغيرت ملامح زيد تماما واسودّ لونه وهو يترك يدها، متفاجيء من سرعة تغييرها للموضوع:
- لازم تنكدين عليّ من الصباح؟ الله يسامحك.
ضحكت ضحكة صاخبة تحت أنظاره المقهورة ومزاجه اللي فعلا تغير في لحظة خاطفة بسبب طاري رسيل!

`°°°°°°

الهدوء يعمّ البيت، وكل واحد بغرفته على حاله من صباح الأمس.
ما في كائن واحد خرج، على الأقل حتى يبان انه في حياة في هالبيت الكبير! اللي بيوم وليلة تحول لمأتم، ومكان كئيب جدا.
معقولة شخص واحد بس يقدر يسوي كل هذا!
معقولة غياب فرد واحد فقط يقدر يحول البيت من صاخب إلى كئيب وهادئ!
أكيد، لو كان هالفرد شخص مو عادي، لو كان هالشخص ألماس دون غيرها!
لو كان مساعد هو اللي اختفى، ما كانوا يحسون لأنه أوريدي بالنهار يكون في دوامه، وفي الليل مع أصحابه أو أولاد عمه.
أما آلاء فهي دائما وأبدا حابسة نفسها في غرفتها، من صغرها.
مسعود الصغير مشغول بألعاب الفيديو.
أما ألماس..
كانت دائما تتنقل في البيت، من مكان لمكان.. طول النهار وأغلب الليل، كأنها فراشة.. لا تتعب ولا تملّ.

زفرت أنفاسها بضيق ومسحت دمعتها اللي كانت على طرف عينها وهي تحمل صينية الأكل وتتجه ناحية غرفة البنات، فتحت الباب ودخلت.
تضايقت أكثر لما لقت آلاء على نفس وضعها من الصباح.
جالسة على طاولة الكمبيوتر، رافعة رجولها على الكرسي وحاضنة ركبها لصدرها، عيونها على شاشة الكمبيوتر، واللي تحوّلها كل دقيقة والثانية للجوال بدون ما يتحرك فيها ساكن غير هالعيون الحمرا.
قربت منها وحطت الصينية على الطاولة:
- ارحمي نفسك يا بنت، حركاتك هذي ما راح تنفعك بشيء، ألماس ما درت عنك ولا راح تدري.
ظلّت ساكنة زي ما هي كأنها ما سمعتها.
تنهدت الأم وهي تربت على كتفها:
- ما تركتنا للأبد هي بس تزوجت، أكيد راح تجي تزورنا قريب.. سيبك من جو الكآبة هذا وكلي كم لقمة، من أمس ما أكلتِ شيء.
أبعدت يد أمها عنها بجمود ثم انتفضت فجأة:
- اتركيني يمه، راح أكون بخير لو تركتيني.
عضّت شفتها السفلية بقلة صبر:
- آلاء، لا تعاندين.. كلي وارقدي، نامي كم ساعة.
آلاء وهي بنفس وضعها:
- طبعا انتِ مرتاحة ومبسوطة، مبسوطة لأن أمنيتك تحققت وقدرتِ تخرجيها من البيت! بس إيش عني أنا؟ مين يبقى معي؟ مين يحميني؟
ناظرتها صفية بتعجب وغضب:
- آلاء وش هالكلام؟ مين قال لك إني كنت أبى أخرجها من البيت؟ وتحميك من مين؟
رفعت عيونها عليها فجأة وبشكل مخيف:
- أجل اللي كنتِ تسوينه إيش؟ ليش كنتِ تطفشيها ليل نار بطاري الزواج؟
- طبيعي أجيب طاري الزواج على طول، أجل أسكت عنها وهي تأجله بدون عذر وتأخره لأجل غير مسمى؟ إيش راح تقول الناس عنا؟ وإلى متى بتقعد على هالحال! مخطوبة لأكثر من 5 سنين!
زادت انتفاضتها وهي تضم نفسها أكثر وعيونها على شاشة الكمبيوتر:
- أجل ما كان المفروض أجبرتيها على الموافقة لما هي رفضت ولد أخوك.
ضربت صفية الطاولة بيدها بعصبية:
- هذا الموضوع منتهي من زمان يا آلاء، وبالنسبة لحمايتها لك.. مين اللي كان يأذيك من أهلك عشان تحميك؟ تحميك من مين بالضبط؟ إيش هالكلام الفاضي اللي تقولينه!
- كلكم.. كلكم غير ألماس، كلكم تأذوني.
سكتت شوي ودموعها بدأت تنزل وتبلل خدودها المحمرة بشدة:
- والحين تكفين اطلعي وخليني لوحدي، راح ترد عليّ بأي وقت وما أبي أحد يشغلني، أبي أكلمها براحتي.

غمضت صفية عيونها بقوة وهي حاسة انه أعصابها راح تنفجر من برودها ومن اتهاماتها الخفية.
وهذي مو المرة الأولى اللي تتهم فيها آلاء أمها بشكل غير مباشر.
لكن هي عارفة إيش عاقبة هالتصرفات، راح تنهار فجأة وبشكل مخيف ومفجع.
واذا انهارت بهالشكل ماحد يقدر يتعامل معاها غير ألماس، واللي مو موجودة الحين.
أخذت الصينية وخرجت ثم قفلت الباب وراها، ظلّت واقفة عنده للحظات تدعي لها بالسر.. قبل لا ترجع للمطبخ.

ظلّت آلاء على وضعها وهي تهتز وتبكي بصمت.
مقهورة وزعلانة، ولا عارفة إيش تسوي.
من أمس وهي على هالوضع.
تتصل بألماس، ترسل لها آلاف الرسائل ومن كل المواقع والبرامج.
من غير أي فائدة.
ما استقبلت الاتصالات، لكن الرسائل توصلها.. إلا إنها ما تقرأ ولا ترد.
وهذا أكثر شيء زعلها.
كيف تتجاهلها! كيف تطنشها وتتركها بهالشكل؟
انتبهت من شرودها على رنين جوالها واللي نوّر باسم حازم.
تقوست شفايفها بزعل وشهقت فجأة وبكاءها يزيد.
قبل لا تمد يدها المرتجفة وتاخذ الجوال ثم ترد، وقبل لا يوصلها صوته تكلمت فورا بصوت مليان عتاب، ومختنق من شهقاتها اللي صارت تتعالى مع كل كلمة:
- ما اتصلت من أمس ولا سألت عني، إذا أنا ما سألت عنك انت بعد ما تسأل، ليش تسوي فيني كذا حازم!
انصدم حازم وتفاجأ من اندفاعها وانفعالها، وصوت شهقاتها لدرجة انه ما عرف يتكلم ويرد عليها.
كملت بنفس النبرة:
- إذا ما تحبني ولا تحس انك تقدر تهتم فيني لا توهمني حازم، لا تحيرني كذا.
بلع حازم ريقه بارتباك:
- وش فيك آلاء عسى ما شر؟ ليش تبكين؟ ومين قال اني مو مهتم فيك؟
آلاء بعتاب وحزن:
- طيب ليش ما سألت عني من أمس؟

كان هو اللي حاس بالحيرة بدالها، وترته وخلته ما يعرف يتكلم ولا يرد بالرد المناسب:
- كنت مشغول والله، تعرفين وضعي هالأيام.. أحاول ألحق على أشغالي وأخلصها من بدري.
- هذا مو عذر!
عضّ حازم طرف شفته بقلة حيلة، وهو لا زال مصدوم من كلامها:
- آسف، ما راح يتكرر هالشيء.
عدّلت جلستها فجأة وتوقفت عن البكاء:
- لا تعتذر، أكره أسمع هالكلمة.
عقد حواجبه واحتار أكثر، مرر يده على شعره يدور الرد المناسب، إلا إنه ما لقى شيء يسعفه!
يكره هالشيء، يكره يكون عاجز عن الكلام عندها، يكره يكون هو الطرف الضايع واللي ما يعرف يتصرف.
تكلم بعد لحظة صمت قصيرة:
- ما قلتِ لي ليش كنتِ تبكين؟
آلاء اللي حسّت انها أفضل من قبل، وانها صارت طبيعية أكثر.
بالرغم من انها كانت مضطربة لسه.
وقفت قدام المرايا وعيونها على وجهها اللي كان في حالة فوضى تامة، وهي تمرر يدها على قلادتها:
- ما أعرف.. ما أعرف لو عادي أقول لك هالكلام ولا لا.
عقد حواجبه أكثر:
- ليش يعني؟ الموضوع خاص وما ينفع أعرفه؟
- هممم هو مو كذا، لكن تقريبا إيه.. يعني تقريبا هو موضوع خاص بأهلي، ما أعرف ينفع أقوله لك ولا لا.
تنهد بضيق لما حس نفسه عاجز مرة ثانية، هي اللي تخليه بهالشكل، هي وتصرفاتها الغريبة، وكلامها الأغرب:
- خلاص أجل براحتك آلاء، لو كان سر يخص أهلك أكيد لازم تحتفظي فيه، لكن لو........
قاطعته:
- خلاص عادي أقول لك، كذا ولا كذا انت وكل الناس راح تعرف، خاصة انك زوجي.. وما يصير تجهل مثل هالموضوع.. أختي وسلطان تزوجوا أمس، وراحت معاه.
عمّ الصمت من الطرف الآخر، واللي كان يحاول يستوعب اللي سمعه.
نطق ببطء:
- سلطان تزوج؟ أمس.. كذا بسكات وبدون أي خبر؟
- هذا اللي صار، حتى احنا ما درينا إلا بالصدفة.. ألماس........
سكتت فجأة وهي تسب نفسها بداخلها، وحسّت بالورطة.. كأنها كانت بتكشف سر خاص جدا!
هو كمان لما حس انها ارتبكت قرر يغير الموضوع:
- ما تغديتِ صح؟
- لا.
- تمام تجهزي بمرك بعد شوي، مع السلامة.

قفل الخط وهي مصدومة، تناظر الشاشة بغير تصديق.
ما سألها حتى تبي تخرج ولا لا.
لكن طبعا هالشيء لصالحها هي، كانت بترفض أكيد لكن بداخلها موافقة.
حطت الجوال على التسريحة ورفعت وجهها تناظر نفسها بصمت للحظات، قبل لا تتحرك فجأة وبسرعة وهي تتجه لدولابها.
صارت تخرج ملابسها واحد ورى الثاني، وترميها على الأرض بلا مبالاة، بعد ما تحط اللبس على جسمها وتناظر نفسها على المرايا ثم تحس انه مو مناسب!
حتى دخلت أمها من صوتها وهي تتذمر وتتأفف.
اتسعت عيونها بصدمة من المنظر.
كانت قبل شوي بمكانها والغرفة هادئة وفاضية، وبلحظات قليلة تحولت لفوضى عارمة.
قربت منها بخوف:
- إيش صاير آلاء؟ إيش فيك ليش تسوين كذا؟
التفتت لها ومسكت كفها برجاء:
- يمه أمانة ساعديني، حازم بيمرني بعد شوي.
تأملتها صفية بشيء من الراحة.
واضح جدا من تعابير وجهها انه نفسيتها تغيرت، وخرجت من الحالة اللي كانت فيها.
ألماس الوحيدة اللي كانت تقدر تساعدها وتبسطها بعد ما تكتئب فجأة، لكن واضح الحين إنه في شخص ثاني راح يقوم بالمهمة!
قربت صفية من الدولاب وخرجت لها لبس بسيط وحلو بنفس الوقت:
- البسي هذا راح يكون مريح تحت العباية.
ناظرت نفسها في المرايا وهي تحط اللبس عليها، قبل لا تتسع ابتسامتها وينور وجهها:
- تمام راح ألبسه.

أسرعت ناحية دورة المياه وهي شوي وتطير من السعادة:
- يمه على ما أخرج اختاري لي جزمة وشنطة.
ضحكت صفية وهي تهز راسها من حركاتها الطفولية.
بالفعل ما خرجت آلاء من دورة المياه إلا ولقت كل شيء جاهز قدامها، حتى العباية اللي راح تلبسها.
جلست صفية على طرف سرير ألماس وهي تراقب آلاء اللي صارت تتحرك وتتجهز بسرعة، كأنها طفلة خارجة للملاهي، مو بنت بعمر الـ22 خارجة مع خطيبها.
لدرجة انها وثقت باختيارات غيرها على طول، بدال لا تختار الشيء اللي يناسبها في موعدها مع الشخص اللي تحبه وترجو حبه!
ظلّت تتأملها حتى جلست على التسريحة وبدأت تحط مكياج خفيف، زي دايم.
أكثر شيء اهتمت فيه هو صبغ رموشها بماسكارا سوداء ثقيلة.
وقفت قدام أمها بعد ما خلصت ودارت حول نفسها:
- إيش رايك يمه؟
وقفت ومررت يدها على شعرها بحنان:
- قمر زي دايم، تهبلين حبيبتي.
ابتسمت آلاء بخجل واحمرّت خدودها، قبل لا تفزع من صوت رنين الجوال.
بلعت ريقها بارتباك وهي تأخذ الجوال ثم تتنحنح حتى تنعم صوتها وترد.
وخلال لحظات قليلة كانت أمها تودعها عند الباب، كأنها فعلا طفلة صغيرة رايحة الملاهي!

صار البيت هادئ وفاضي من جديد، وتنهدت هي بضيق.
اتجهت لغرفة البنات وعيونها كاسيها الحزن والهم.
طاحت عينها على سرير ألماس اللي كان مرتب، ثم على سرير آلاء.. واللي كان على نفس الوضع.. لكن كان عليه بعض ملابس آلاء.
دخلت وهي بالفعل حزينة.
أيام معدودة بس، ربما شهور فقط.. أو سنة على أكثر تقدير ويصير هذا واقع بيتها.
ألماس تزوجت فعلا، وآلاء كمان راح تتزوج.. وتصير الغرفة خالية زي الحين.

بدأت ترتب الغرفة وتلتقط الملابس من كل مكان وتعلقها في مكانها، وهي شاردة بعقلها.. تتذكر الماضي، تسترجع المواقف ويزيد الألم في قلبها.
خاصة الجزء المتعلق بآلاء.
من لحظة ولادتها وهي تعاني.
كانت طفلة مميزة، مختلفة، لافتة للانتباه.
بسبب امتلاكها لصفات جينية غير عن العائلة كلها، إلا عن المجتمع بأكمله.
بشرتها شديدة البياض، يمكن أشد بياض من الورق.
كذلك شعرها ورموشها وحواجبها.
اتضح عندهم من البداية انها تعاني من ( البرص ).
لكن بالرغم من ذلك ما كانوا زعلانين ومتضايقين من الموضوع.
كانوا راضيين تماما، بما انه مو مرض كبير أو يسبب آلام جسدية للطفلة.
لكن الوضع اختلف لما كبرت، وصارت تخرج وتختلط مع غيرها من الأطفال.
صارت تعاني، وكثير.. بسبب التنمر أكيد.
واللي زاد لما دخلت المدرسة.
الشيء اللي خلاها تحب العزلة والانفراد، ثم تتطور حالتها وتصير ( مكتئبة ) في كثير من الأحيان.
لما صارت في المرحلة المتوسطة صارت عنيدة جدا، لدرجة انها رفضت تروح المدرسة وتكمل دراستها.
صارت تكره تخرج برة البيت، تكره الناس، تكره الاختلاط فيهم.
تكره تشوف أو تقابل أحد، حتى والديها!
كانت طفلة صغيرة، ما تفهم شيء ولا تستوعب الواقع.. لذلك اتهمت والدينها بالإهمال، وانهم لو عالجوها من البداية ما تعرضت لكل هذا!
ما تعرضت للتنمر، ولا فضّلت العزلة على الاختلاط بالناس! ولا انعدمت ثقتها بنفسها!
بالرغم من انها كانت جميلة، وجدا.
كانت أجمل أطفالها.
ببشرتها الفاتحة وعيونها المائل لونها للأزرق السماوي، وشعرها البني بخصلاتها المائلة للأبيض.. بأنفها الطويل الحاد، بشفايفها المكتنزة.
باختصار كانت تمتلك كل شيء تتمناه أي بنت بهالعصر، بدون أي تدخل جراحي بشري.
لكن كانت مختلفة.
الاختلاف اللي ميزها عن غيرها وخلاها أجمل من الكل، ما تقبله المجتمع الجاهل من حولها.
ما استوعبه عقلهم الصغير.
خلوا مرضها اللي ابتلاها الله فيه كأنه عيب أو غلطة هي تسببت فيها لنفسها!

بسبب صغر سنها ماحد قدر يقنعها بعكس اللي سمعته من الناس، ماحد قدر يغير تفكيرها السلبي، ماحد قدر يغير نظرتها لنفسها.. ولا قدر يشيل من راسها انها بشعة! حتى هذا اليوم!
الشخص الوحيد اللي قدر يقتحم عزلتها، ويشاركها الحياة الكئيبة بداخل جدران غرفتها، كانت ألماس!
بالرغم من انها كانت هي الثانية صغيرة، إلا انها من يومها كانت أعجوبة.. ذكية جدا، مسؤولة عن نفسها وعن اخوانها اللي أصغرها.
سابقت بنات جيلها بأشياء كثيرة.
بدراستها اللي كانت دايم تتفوق فيها، برقيها في التعامل مع الناس وتواضعها مع الكل، خاصة كبار السن والأطفال، بقدرتها على الانسجام مع أي شخص، بأناقتها وذوقها في اختيار الأشياء الجميلة من كل شيء، بالرغم من عيشهم في مكان بعيد ومنعزل نوعا ما عن المدينة.
بنت صغيرة قادرة تسوي كل هالأشياء، مستحيل تعجز عن مساعدة أختها بعد فضل الله طبعا.
لذلك آلاء متعلقة فيها بشدة، وتخاف من فكرة انها تتركها بيوم من الأيام!
ما تدري صفية حتى الآن، كيف دخل حازم في حياتها.. وكيف تقبلته وسمحت له يتقرب منها بالرغم من انها بعيدة عن الكل!
لكن في شيء واحد تتذكره زين، موقف واحد ما راح تنساه طول عمرها، موقف لو فقدت كل ذكرياتها ما راح تنساه.
لما خرجت عليهم آلاء من غرفتها فجأة، بعد ما صار عمرها ٢٠ سنة.
وعلى وجهها نظرة غريبة، غير اللي اعتادوها منها.
نظرة مليانة تحدي، عيونها كانت تبرق حرفيا.
وجهها اللي كان يعبر عن حزن وضيق وكآبة وضعف، كان يعبر عن شيء مختلف تماما بهذاك اليوم.
كانوا كلهم جالسين حول الطاولة الأرضية، يشربون قهوة المساء.
وكانوا كلهم مصدومين ومستغربين منها.
خاصة انها لابسة عبايتها والطرحة على كتفها.
وقفت قدامهم تتكلم بثقة ما تعودوها منها:
-أنا بخرج مع صديقتي نجمة.

أجفلتهم الصدمة، من رغبتها في الخروج أولا.. ثم خروجها مع شخص غريب!
صحيح انهم يعرفون نجمة ويعرفون انها مقربة جدا من آلاء، وهي زي ألماس بالنسبة لها.. لكن هذي المرة الأولى اللي تفكر تخرج فيها، وعمرها 20 سنة.. يعني قبل سنتين بالضبط.
تكلمت ألماس أخيرا بعد ما استوعبت الصدمة:
- وين بتروحون؟
ارتبكت شوي وهي تنزل عيونها للأرض:
- قلتوا لي أشوف شيء يخرجني من اللي أنا فيه، شيء ألقى نفسي فيه، شيء ممكن يساعدني أتجاوز موضوع مرضي.. بعد عناء طويل عرفت إيش أبغى بالضبط.
وقفت ألماس مقابلها بشيء من الحماس والفرحة:
- وإيش هذا الشيء؟

بالرغم من انها تدربت كثير واستعدت لهالموقف، وحفظت الكلام اللي تبي تقوله.. إلا انها نست كل شيء من التوتر والارتباك والخوف.
انتفضت وهي واقفة بمكانها لما مسكت ألماس كفها تشجعها حتى تتكلم:
- لا تخافين آلاء، تكلمي وقولي لنا إيش تبين تسوين، كلنا راح نساعدك ونوقف معك، صح يمه؟ صح يبه؟ مساعد!
كانوا كلهم فرحانين والابتسامة على وجوههم، كونهم يشوفون آلاء تتخذ قرار للمرة الأولى في حياتها، ويمكن يكون قرار مصيري.
لكن بنفس الوقت، المرة الأولى هذي خلتهم يشكون في الموضوع، وخلتهم يخافون كثير.
مع ذلك كلهم هزوا رؤوسهم بإيجاب.

تشجعت فعلا وابتسمت وهي تقول بخجل:
- أبي أصير مشهورة مثل نجمة.
عمّ الصمت أرجاء البيت في اللحظة التالية لسكوتها، وكلهم يناظرونها بصدمة وغير تصديق.
إيش هذا اللي تقوله!
هل كانت بكامل قواها العقلية لما نطقت بهالعبارة؟
سمعت نفسها!
المشكلة انها كانت فرحانة جدا، وواثقة وهي تقول هالكلام.
وقف مساعد مصدوم وقرب منها:
- إنتِ من جدك آلاء؟ صادقة؟
ردود أفعالهم أحبطتها كثيرا، وأغضبتها.. وخلتها تفقد أعصابها.
سكوتهم استفزها لدرجة الموت.
وكان سؤال مساعد بهالنبرة هو اللي كان ناقصها بهاللحظة، حتى تنفجر بوجهه تصرخ بهستيريا:
- ليش؟ ليش ما أكون صادقة؟ ليش مصدومين كذا؟ بعد ما طفشتوني عشان أخرج من عزلتي، بعد ما عورتوا راسي وانتوا تقولوا لي ألقى لي شيء يخرجني من بين هالجدران الأربعة؟
كملت بنفس النبرة العالية وهي تضحك بسخرية:
- ولا مثلكم مثل البقية؟ تشوفون الشاشات غير مناسبة لي؟ لأني بشعة؟
صارت ترتجف بشكل غريب ووجهها يحمر بشكل فظيع، تحت عيونها المتسعة من الصدمة وعدم القدرة على الاستيعاب.
أبعدت ألماس عن طريقها وخرجت بخطوات مسرعة وغاضبة، بدون لا تهتم بأي شيء.
حتى حجابها اللي كان على كتفها.
ركضت ألماس خلفها لما استوعبت، إلا انه آلاء كانت سريعة جدا.
خرجت وقفلت الباب بقوة، ثم ركبت سيارة نجمة اللي كانت تنتظرها.
لما فتحت الباب بسرعة ومعاها مساعد ما لقت إلا الغبار في وجهها، بعد ما حركت الثانية السيارة بسرعة.
بعد كذا تغيرت آلاء تماما، صارت انسانة ثانية غير اللي كانوا يعرفونها طوال الـ20 سنة من حياتها.
وكانت نجمة هي سبب التغيير، وسبب المعاناة الجديدة اللي تعيشها آلاء حاليا!
بعد ما خاب ظنها، وصار كل شيء عكس توقعاتها.. وانصدمت بالواقع المؤلم!


`°°°°

في واحد من المستشفيات العريقة.

فتحت عيونها بوهن وضعف، وانصدمت من المكان اللي هي فيه.
غمضت عيونها ورجعت تفتحها، كررت الحركة أكثر من مرة وهي تحاول تستوعب المكان، وتحاول تستوعب يدها.
وقبل لا تستوعب تجمد الدم بعروقها وهي تسمع صوت رجولي من ورى الستارة اللي بينها وبين هالشخص الغريب، وهو يقول بنبرة قوية مهددة خلى قلبها يرتجف من الخوف والرهبة:
- لا تحاولي تمنعيني يا فوزية ولا تحاولي توقفيني، ما راح ينقذها مني شيء، قسم بالله بطلع حق القزاز من عيونها، بخليها تعرف بسيارة مين عبثت هالنكرة.
تكلمت فوزية برجاء:
- اهدأ أستاذ عزيز أرجوك، الموضوع ما يستاهل منك كل هالعصبية.
عصّب أكثر من كلامها ورد من بين أسنانه:
- ما يستاهل وهي مكسرة قزاز سيارتي الجديدة؟
ابتسمت فوزية حتى تلطف الجو:
- مو كأنك عاجز تصلحه يا أستاذ عزيز، وإذا ما تبي تدفع أكيد عندك تأمين.
- ما أبي، بخليها تدفع الثمن.
ابتسمت فوزية بهدوء:
- تمام إنت هدّي أعصابك وأنا بتعامل معاها وبعاقبها بالطريقة اللي تستحقها، لكن انسى فكرة الثمن، لأنها ما راح تقدر تدفع لك ريال واحد، البنت مسكينة وعلى قد حالها وهذا أول يوم دوام لها.. ارفق بحالها شوي.
كان عزيز عنيد جدا، غير انه سيارته بالنسبة له أغلى شيء عنده، ومستحيل فوزية تقدر تقنعه بأي طريقة:
- لا تحاولي يا فوزية، مو على الأقل قبل لا أعرف السبب اللي خلاها تتصرف بهالطريقة، بإيش آذيتها أو متى ضريتها؟ ولا من الغباء عشان تكسر قزاز سيارة صاحب البيت اللي جاية تشتغل عندهم وبأول يوم! أي غباء وأي حقارة هذي؟
كانت مرام تسمعه وهي ساكتة، وضغطها يرتفع مع كل كلمة ينطقها، كانت ناوية تتجاهله حتى لا تكبر الموضوع أكثر وتتورط زيادة، إلا إنها ما قدرت تسكت لما سمعته ينعتها بالغباء والحقارة:
- وأي حقارة وانعدام ضمير اللي خلاك تكسر لي يدي بأول يوم دوام لي ثم تتجاهلني!

اتسعت عيونه واحمرّ وجهه لما سمع صوتها الغاضب، مسك الستارة بيده بقوة ناوي يبعدها حتى يعطيها درس ما راح تنساه طول عمرها.
لكن فوزية كانت أسرع لما مسكت الستارة من الجهة الثانية تسأله بصدمة:
- وش قاعد تسوي؟ البنت محجبة.
ترك الستارة وغمض عيونه ثم زفر أنفاسه حتى يمسك نفسه ولا يبطش فيها بعد ما يتعدى كل الحدود!
تكلم بغضب وبصوت أقرب للهمس حتى ما يفتعل فضيحة:
- ولك عين تتكلمين!
استوعبت مرام موقفها وسكتت وهي تغطي فمها من الورطة.
خاصة لما أبعدت فوزية الستارة ودخلت تناظرها بعتاب، وبغضب!
كمّل عزيز بنفس النبرة الغاضبة، وبتهديد:
- خلينا نخرج من هنا بس، والله لا تدفعين الثمن غالي وانا عزيز.
تنهدت فوزية بضيق وهي تناظر مرام، ثم ترجع تناظر عزيز اللي أعطاها ظهره.
وحركاته اللي يسويها حتى يسيطر على أعصابه لما يكون معصب صدق!
خوفتها كثير.
عليه أكثر من خوفها على مرام.
ناظر ساعته ثم التفت لها:
- وش تنتظر! خليها تقوم بسرعة وراي دوام! بسبتها ضيعت نص الوقت!

أخذت جوالها لما سمعت طاري الوقت، وشهقت شهقة عالية حسستهم انه روحها بتطلع، ثم قالت مفجوعة:
- أمي! نسيت أمي! أرجوك فوزية ساعديني، لازم أرجع البيت الحين.
قربت منها فوزية بخوف وسألتها:
- وش فيها أمك عسى ما شر؟
نزلت مرام من السرير وهي تعدل حجابها بسرعة ثم تنحني تلبس جزمتها اللي كانت جنب السرير:
- أمي مريضة وما معاها أحد، المفروض أكون عندها من الظهر.. والحين 5 العصر! إيش اللي نومني كل هالوقت!
جاها صوتها الساخر والغاضب من ورى الستارة:
- اسألي نفسك، تحسبين نفسك بيتك وماخذة راحتك بالكامل، رحنا ورجعنا ألف مرة وانتِ لسه نايمة في العسل.
تجاهلته مرة ثانية وهي تلبس نقابها ثم تمسك يد فوزية تترجاها:
- فوزية تكفين ساعديني وصليني البيت، لازم أوصل بأسرع وقت تكفين.
ربتت فوزية على كفها بحنان، ونست بهالوقت كل غضبها عليها، نست نيتها في انها تسمعها تقريع يأدبها:
- تمام حبيبتي هدّي أعصابك، أصلا كنت ناوية أوصلك بما انه الوقت تأخر.. يلا مشينا.

مشت فوزية ورى عزيز اللي سبقهم، وهي ماسكة يد مرام اللي كانت ترجف حرفيا.
حتى ركبوا السيارة ويدها على قلبها.
كان عزيز في أوج غضبه حتى هاللحظة، لكن قرر يأجل محاكمتها بعد ما سمع نبرتها وهي خايفة على أمها.
يقدر يجزم انها قاعدة تمثل حتى تتهرب منه، وأكيد إنها عارفة ثمن تصليح السيارة.
لكن بنفس الوقت خاف انها تكون صادقة، ثم يضطر هو يدفع ثمن وقوع امها في الخطر بسبب تأخيرها!
قابل في حياته الكثير من أمثالها، لذلك ما يقدر يثق ولا يصدق أي أحد.
بما انه هالبنت عاملة عندهم، عنده آلاف الفرص حتى يأخذ حقه منها، و...يعرف سبب فعلتها الغبية هذي!
بعد ما خرج من محيط المستشفى رفع عيونه يناظر من المرايا الأمامية، حتى أبصرها وهي لا زالت على حالها.
ترتجف من الخوف والتوتر، وعيونها مليانة دموع!


يتبع..


MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:42 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.