آخر 10 مشاركات
زوج لا ينسى (45) للكاتبة: ميشيل ريد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9707Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-02-23, 06:38 PM   #2131

نبيلة فوزي

? العضوٌ??? » 496466
?  التسِجيلٌ » Dec 2021
? مشَارَ?اتْي » 112
?  نُقآطِيْ » نبيلة فوزي is on a distinguished road
Rewity Smile 5


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رواية ممتازة وحوار ممتع

نبيلة فوزي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-02-23, 10:50 PM   #2132

لبنى البلسان

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية لبنى البلسان

? العضوٌ??? » 462696
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 5,543
?  نُقآطِيْ » لبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
السلام عليكم....


يوم السبت في ساعات الليل باذن الله سيكون موعد الفصل 36....


نلتقي على خير ان شاء الله......


سلامات


مساء الفل والياسمين ألحان
اشتقنا لرواية وابطالها
وان شاء الله متى تواجدت بالمنتدى سأقرأ
الفصل
دمت بود عزيزتي




لبنى البلسان غير متواجد حالياً  
التوقيع


أعظم الارزاق ♡
دعوة رفعت بإسمك في ظهر الغيب ★
لاأنت طلبتها.... ولا حتى تعلمها ☆




رد مع اقتباس
قديم 05-02-23, 01:00 AM   #2133

مها صابر

? العضوٌ??? » 418652
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » مها صابر is on a distinguished road
افتراضي

شكراااا كتيييييير ❤❤❤

مها صابر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-02-23, 02:24 AM   #2134

ميرا ميرا ميرا

? العضوٌ??? » 502345
?  التسِجيلٌ » May 2022
? مشَارَ?اتْي » 18
?  نُقآطِيْ » ميرا ميرا ميرا is on a distinguished road
افتراضي

💙💙💙💙💙💙💙💙💙🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩💙💙💙💙💙💙🤩🤩🤩🤩💙💙💙💙🤩🤩🤩🥳🤩🤩🤩

ميرا ميرا ميرا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-02-23, 05:16 AM   #2135

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكن صديقاتي الصابرات 🙋‍♀️🙈

أكيد تعودتوا في الآونة الأخيرة على تأخيراتي وفشلي بمواعيدي 💔💔

معلش تحملوني شوي حتى انهيها على خير باذن الله لأني لم أعد مثلما كنت بالبداية🥺💔......بقي القليل وترتاحون مني ههههه😁😁


المهم هنزل الفصل خلال دقائق بإذن الله ....وأهم شي تجاوزوا عن فظاعة اخطائي لأنه غير معدل وحتى لم اقرأه كاملاً لمرة واحدة......يعني الله يستر🤣😭😅


حبيبتي سماح نادين كنت حابة أهديك فصل أجمل من هذا لكن أعلم أنك تتقبلين كل شيء مني.❤❤......أهديك الفصل المتواضع مع خالص شكري لوقوفك جانبي خاصة به ولاقتراحك بأن اضيف مقطعا يخص بطلنا سامي والذي ألّفته من أجلك😘 ......تقبّلي هديتي البسيطة وأتمنى أن تعجبك غاليتي🌷🌷🌷


سلامات....


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 05-02-23, 05:27 AM   #2136

سماح نادين

? العضوٌ??? » 487383
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 426
?  نُقآطِيْ » سماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
السلام عليكن صديقاتي الصابرات 🙋‍♀️🙈

أكيد تعودتوا في الآونة الأخيرة على تأخيراتي وفشلي بمواعيدي 💔💔

معلش تحملوني شوي حتى انهيها على خير باذن الله لأني لم أعد مثلما كنت بالبداية🥺💔......بقي القليل وترتاحون مني ههههه😁😁


المهم هنزل الفصل خلال دقائق بإذن الله ....وأهم شي تجاوزوا عن فظاعة اخطائي لأنه غير معدل وحتى لم اقرأه كاملاً لمرة واحدة......يعني الله يستر🤣😭😅


حبيبتي سماح نادين كنت حابة أهديك فصل أجمل من هذا لكن أعلم أنك تتقبلين كل شيء مني.❤❤......أهديك الفصل المتواضع مع خالص شكري لوقوفك جانبي خاصة به ولاقتراحك بأن اضيف مقطعا يخص بطلنا سامي والذي ألّفته من أجلك😘 ......تقبّلي هديتي البسيطة وأتمنى أن تعجبك غاليتي🌷🌷🌷


سلامات....
شو هذا اللحان 😳😳😳
معقول هالشيء 😭😭😭
حبيبتي انت من كتبت و ابدعتي لا تفضحيني 🥺
و فصلك لا يطلق عليه أقل من كلمة رائع فقد أبدعتي به
بنات لا تصدقوها فألحانا حساسة و أصغر شيء تعتبره شيء كبير
حبيبتي هديتك بقلبي و لي الشرف بأن تهديني حرف من حروفك و ليس فصلا بأكمله
ماذا اقول أنا عن مساعداتك و إضافتك 🥺😍😍😍
بدي قول للبنات فصل 🔥🔥🔥🔥🔥 قراءة ممتعة 😘


سماح نادين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-02-23, 05:42 AM   #2137

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل السادس والثلاثون (( صفعة النهاية ))


وقفت على اعتاب الحديقة بانكسار للحظات لتحثّ بعدها قدميها للسير خطوة خطوة متمهّلة .....تجول بعينيها على كل ركن فيها....يمينها الأشجار والممر المبلّط الذي يأخذها الى تلك الزاوية حيث يوجد الملحق الصغير ...هناك كانت تلعب بالخفية مع ابنتيّ العاملة عندهم....حرّكت حدقتيها فوقعتا على الأرجوحة الخضراء مع الجلسة المتناسقة معها......هنا ضحكت بسعادة وهنا بكت حزناً وما أكثر حزنها وأقل سعادتها!!.....في هذا المكان قفزت ...وفيه لعبت ....هنا وقعت.....وعلى هذه الأرجوحة جلست خالتها واستلقت هي متكورة تتوسد فخذيها لتداعب لها شلالها الأسود وتحكي لها الحكايا....مرة عن جدها ومرة عن والدتها وأخرى حكاية (سالي) كرتونها المفضل!!.....عادت الأصوات لذاكرتها.....أصوات لن تنساها .....حتى أنها لوهلة شعرت بحنين لزوجة أبيها وابنها فهكذا نحن نشتاق لأي شيء يسافر بنا الى الماضي مهما كانت جراحه....انتقلت على جناح الذكريات من الطفولة الى زمن ليس ببعيد عنها حين جن جنوني عندما رأيتها تقع في حضن (صلاح) في هذه البقعة.....تذكّرت كيف اشتعلتُ غيرةً عليها !!...ابتسامة مكلومة تصاحبها غصة رسمتها على محيّاها!!....رنت بنظرها الى باب القصر الزجاجي الذي يؤدي الى هذه الحديقة.....رأته يقف هناك يتطلع عليها مبتسماً.....انزلقت دمعة من مقلتها لم تقوى على مسحها بل ظلّت تركّز نظرها كي لا تختفي صورته .....التفتت للخلف مجفلة على صوت رفيقتها التي هتفت:
" لقد وصل بكر والشبان ....عليك فتح البوابة الكبيرة لدخول الشاحنة الصغيرة ..!!"

أجبِرت على مسح الدمعة وهي تهز رأسها ايجاباً وأكملت سيرها لتدخل من الباب الزجاجي الذي يوصلها للمطبخ كي تضغط على الزر الكهربائي الذي يفتح تلك البوابة وتبعتها (رهف ) ايضاً..!!.....اجتازت المطبخ بعد ان فتحت لهم حتى وصلت الخندق الخاص بالعنكبوت .!!... مكتبه الذي شهد على جرائمه....دفعت الباب بحذر ووقفت تتأمّل حيطانه والكتب المرصوصة خلف كرسيه الضخم الوثير....عادت لتظهر صورته أمامها...يحمل غليونه ويجري اتصالاته ....تنهدت تنهيدة طويلة وولجت إليه باحثة عن بقايا من ذكراه ....فتحت الدُرج ....لا ملفات لا اوراق ولا مذكرات فالشرطة حجزت كل شيء من أجل التحقيق!!.....حملت الغليون المختبئ في الزاوية...قرّبته الى شفتيها وقبّلته مغمضة العينين وهمست متفائلة بحنان:
" ستعود إلى فم صاحبك قريباً إن شاء الله..."

وضعته جانباً وجالت ببصرها على كافة الكتب....ليتها تستطيع أن تأخذهم معها!!...فهذه الكتب تحمل بصماته وأنفاسه.....كم كان يحب القراءة!!....لكنها مجبرة على أخذ المهم فقط لأن البيت الملاصق لبيت السيدة (سهيلة)والذي نجح محاميها بشرائه لها صغير لا يتسع للكثير!!......تبسّمت لما رأت صورة لوالدها وهو يحملها طفلة موضوعة على طرف مكتبه....امسكت بها وضمّتها الى صدرها ثم وضعتها مع باقي الأغراض......جلبت لها رفيقتها صندوق من الكرتون لتضع ما تحتاجه ثم خرجتا منها لتصلا الى طاولة السفرة البيضوية الكبيرة التي كانت تجمعهم بالمرات القليلة!!.....تأملت كرسيا كرسياً تتذكر صاحبه....والدها...زوجته....خال? ?ها الحبيبة ومربيتها التي كانت تشاركهم الطعام في الماضي....حتى (كرم) اشتاقت له بهذه اللحظة!!...لو يعود الزمن بها قليلاً لجاهدت على أن تحبه ولا تعيش يتيمة مقطوعة من شجرة!!....قالت في سرها " على الأقل لم يمثل انه يحبني بخلاف البقية!...".....اتجهت لتصعد السلالم وعند كل درجة تتراءى لها ذكرى عن يمينها وأخرى عن شمالها .....كانت تصعد وتحمل اثقالاً على صدرها .....لم تفكّر يوماً أن هذا القصر سيغدو مهجوراً وكأنه يعود لحقبة تاريخية ما... لم تستطع تحديدها !!.....وصلت طابق غرف النوم ومالت الى يسارها متجهة لغرفة والدها وزوجته الأفعى.....دخلتها بهدوء والفوضى ما زالت كما هي عندما تركتها وذهبت لمربيتها !!.....اخذت من الخزنة المفتوحة ما بقي من اوراق ثم من خزانة والدها بضع اطقمه الرسمية ومنامات خاصة له....فهي ستذهب الى زيارته وستأخذ ما يحتاج وكي يجد ما يرتديه بعد خروجه ليعود لها !!...واثقة ببراءته أكثر من ثقتها بنفسها!!....اقتربت لطاولة الزينة وحملت عطره ومشطه الخاص ووضعتهما مع ملابسه في حقيبته!!....انهت عملها واغلقت الباب خلفها بعد ان القت نظرة وداع عليها!!.....كانت كلما اقتربت الى الجهة المغايرة كلما ازدادت ضربات قلبها....شعور غريب يجتاحها...متوترة.....تدعو باخلاص ومحبة....فقط لو مرة لا غيرها....مرة تراها وتكلمها.....تدنو من ذاك الباب وتغمض عينيها بارتخاء...لن تطرقه بل ستدفعه مثلما اعتادت ان تدخل لها لترتمي في حضنها وتتتدلع عليها لتداعب لها شعرها ...لما ارتطمت به وحاولت فتحه خذلها...انه مقفل!!....صفعت جبينها متذكرة!...الغرفة مقفلة من يوم سفرها لألمانيا ونسخة المفتاح الاحتياطي موجودة في غرفتها ....اسرعت بخطاها لتجلبه فكلها لهفة وشوق لحبيبتها ثم عادت لتفتحه ولما حرّكت الباب لفحتها رائحة عطرها الخفيف الخاص الذي كانت تضعه عندما تكون في غرفتها .!!...وها هي ملابس الصلاة كما هي تضعها على ظهر كرسيها الهزاز الثابتة جانب النافذة !!....دنت اكثر منها وكمشتها بقبضتيها وقرّبتها لأنفها تستنشق رائحتها بعمق وتشابكت الخواطر في ذهنها ....أحسّت بضيق أكبر يحتل صدرها ونار تكوي ضميرها ...ارتدّت للخلف تستند على الحائط وبدأت بنوبة من البكاء سامحة لجسدها بالانزلاق....هي تهبط ونحيبها يعلو تتوسلها أن تسامحها ....تخبرها كم تحبّها.!!....اندفعت (رهف) بقلق عليها ووضعت يديها على كتفيها هامسة لتهدئتها:
" استهدي بالله ألمى....لا تتلفين أعصابك أنتِ الآن تحملين روحاً بأحشائك......لا تقسي عليه بأحزانك!!...."

حاولت كتم عبراتها ونشيجها ورفعت وجهها الذي كانت تخنقه بين طيات أسدال خالتها ثم نهضت بتثاقل هامسة وهي تشير الى السرير:
" هنا كنت كل ليلة وكل نهار أنام على ساقيها لتداعب لي شعري.....عليه تعالت ضحكاتنا وهنا مسحت دموعي...أين هي الآن لتمسحها؟....أنا احتاجها بشدة يا رهف...أحتاجها أكثر من أي وقت مضى!...أريدها أن تعلمني كيف أربي ابني ؟!...لا استطيع وحدي..لا يمكنني ذلك..!!"

أنهت كلمتها الأخيرة وعلا نحيبها أكثر ليعذّبها!!...كانت مرافقتها تصغي إليها بعطف ...قلبها منفطر عليها ولأجلها!!...هي لها عائلة كبيرة ولا تستطيع تخيل رحيل عمتها (سهيلة) عنها وكيف لهذه التي لم يتبقّى لها شخص واحد أن تتحمل كل ما مرت به؟ ....تراها تتمزق ألماً أمامها وما بيدها حيلة غير مواساتها......حتى غناهم لم يفدها ومنصب والدها انطوى بصفحات مسودّة لا عنوان لها....لن يساعدها اسمه ولا كنيته بجلب السعادة إليها!!.......زلفت (ألمى) إلى خزانتها وفتحتها تلتمس برقة وحنان ملابس غاليتها وكأنها تتحسس من طفل صغير وشرعت باخراج أكثر فساتين كانت تكرر ارتدائها ثم لمحت صندوقها الخشبيّ الذي كانت تدخر به أغراضها المهمة وقد كان هذا الصندوق يحوي على عقدها ذو القلب الذهبيّ في الماضي....منه أخرجته سابقاً وأهدتها إياه!!.....فتحته فرأت خاتم والدتها التي لم تكن خالتها تخرجه من اصبعها بعد وفاتها....انبهرت بالمدخرات البسيطة مادياً والكبيرة معنوياً والتي كانت تحتفظ بها!.....مسبحة جدها المجاهد!...صورة تجمع الشقيقتان في أرض الوطن ( فاتن و كريمة)....بطاقة والدتها القديمة الخاصة بالجمعية.....و....صورة لخالتها وسط أهل المخيم!!...قرّبتها لوجهها تتفحصها بدقة علّها تجد أمانها!!....رفعت زاوية فمها بابتسامة طفيفة حين وقعت عينها على أمي وهي تضحك بالقرب من خالتها....كانت قد التقطتها لها السيدة (ايمان) اثناء زيارتهما لنا!!....تذكرت معاملتها الرقيقة معها حين زارتنا في بيتنا بعد كشف لعبتنا!!....تنهّدت بأسى وأعادتها للصندوق ثم وضعته على السرير ليكون ضمن كنوز عائلتها التي ستأخذها!....فتحت درج داخل الخزانة فوجدت به بعض الأوراق الخاصة بالفحوصات الأولية للسيدة (فاتن)....تحررت دمعة من عمق قلبها لتتبخر بالفضاء....شقت ثغرها ببسمة حنين لمّا رأت ألبوم قديم لصور خاصة بعائلة جدها كانت كلما اشتاقت تطلبه من خالتها تشبع نظرها بصورهم....وتحته ألبوم آخر أكثر حداثة لصور تخصها من يوم ولادتها حتى زواجها تجمعها مع الحنونة !!....كانت (رهف) تراقبها بصبر بينما هي تقلّب صفحاته باشتياق ووجع على حياتها!....وصلت آخر صفحة فسقطت صورة لا مكان لها داخله ....انحنت تلتقطها ومشاعر جمّة تتشابك في صدرها.....تتذكر ما أحسّت به تلك اللحظة فيرفرف قلبها ثم يمر من أمامها الحقيقة فتشعر بقبضة تعتصر معدتها ..كانت الصورة ليوم زفافنا وأنا احيط ظهرها من الخلف أشدّها نحوي وابتسامات صادقة ترسم على محيّانا بينما على الطرف الآخر تلتصق بها خالتها وتقبلها بحنان من خدّها !!....قلبت الصورة فوجدت تاريخ يطبع عليها مع كلمات تكتب بالحبر بيد خالتها
[ ربي يحفظكما يا حبيباي.....كونا سعيدين دوماً من أجلي ]

الصقتها على صدرها ناظرة للفراغ وحدقتيها تلمعان من الدموع وهمست بصوت أبح خفيض:
" أعدك خالتي سأحاول أن أكون سعيدة ....سأذهب إليه علّنا نجد حلول ترضي كلينا من أجل ابننا الذي لا ذنب له رغم أن خطأه كبير بحقي ولا يغتفر! .....لكني لا أريد لابني أن يعيش كما عشتُ أنا.....سأحاول أن أتجنب أكبر ضرر من أجله وربما أتنازل عن بعض الأشياء ليعيش حياة كريمة......فقط سامحيني أنتِ خالتي وسأحاول...لا أقدر أن أكمل بعذاب الضمير هذا....أرجوكِ سامحيني!..."

لملمت ما تحتاج من ذكريات تخص خالتها وشرعت رفيقتها بمساعدتها...اغلقت باب الغرفة بعد اتمام مهمتهما واغلقت معه أنفاس من كانوا هنا يوماً..!!..ولكن مؤكد ستظل روحها تطوف حولها لتترك اثراً صامتاً جميلاً!!...وهنا ومن هذه اللحظة أدركت أنها لن تعود ولن تراها مجدداً أمام نواظرها وبات حمل همها أثقل من ذي قبل ليضاعف ضيق صدرها!!..... اتجهت لوحدها الى آخر محطة ستغدو غريبة عنها وليست ملكها ولا من حقها!....إلى غرفتها العزيزة!...الى المكان الذي اتسع لطفولتها القصيرة وفترة صباها المريرة....تسمّرت للحظات على الباب تلقي نظرات عشوائية كأنها تريد أن تختزن أكبر قدرٍ من ذكرياتها فيها!!...احتارت لا تعلم من أين تبدأ فلو لم يكن مستحيلاً لقطعت هذه الغرفة بجدرانها وأخذتها بالكامل معها!!....إنها كما هي بتصميمها وألوانها الطفولية البريئة!...غرفة تشع شفافية ونقاء تماثل لروحها!...ولجت إليها متخذة يمينها حيث مكتبتها بلونها السكريّ....جالت بعينيها عليها بالكامل تفكر ماذا ستأخذ وتأخذ؟!....يا الله إنها مزدحمة بالأغراض التي حافظت عليها منذ طفولتها!...جمعت كتب قديمة ودفاتر وأشياء أخرى فالجديدة وما يخص الجامعة ما زال بالصناديق التي جلبتهم معها من بيتنا الهاشميّ بعد الفراق ولم يستنّ لها افراغها لانشغالها بمصيبتها!.....جيد!.... ربّ ضارة نافعة....اختصرت على نفسها الكثير من الوقت والجهد..!!....فتحت الدرج فوقع بيدها ورقة كانت تحتفظ بها وكانت شرحي لأول درس لها جمعنا معا لتشهد عليه مكتبتها!!....رفعتها تقلّبها بينما شعور لذيذ يحمل طيف ذكراها سرى في منابعها!...طردته في الحال واحتارت اتضمها لكنوزها أم ستختبر نفسها بأنها لم تعد تعني لها شيئاً وهي التي كانت في لائحة أثمن مقتنياتها ؟!..ففيها ترى خطي وبصمتي وأنفاسي وعطري !....هل ستتخلّى عنها حقاً؟!...مسكت طرفيها واغمضت عينيها تحاول مقاومة مشاعرها وهي تختبر نفسها إن أمكنها تمزيقها علّها تطرد عشقها لي مع قصاصاتها لكنها فتحتهما من جديد بسرعة عندما دلفت إليها (رهف) هاتفة:
" انتهيت من انزال الصناديق الصغيرة!....وأنتِ أين وصلتِ؟!.."

قطعت عليها محاولتها فلا شعورياً دسّتها مع أولوياتها بعد أن وجهها قلبها لا عقلها ثم حملت دفتر مذكراتها راسمة ابتسامة على ثغرها وضمته لصندوقها وأسرعت لتكمش مجموعة من أقلامها القديمة وكان بينهما الأغلى عندها قلمي الرصاص المحفور باسمها وحروفنا...!!...ثم أخرجت هدايا كانت لها تحتفظ بهم عبارة عن مجوهرات ثقيلة لم تكن تناسب ذوقها .!!...نزلتا السلالم بعد أن أغلقت ايضاً باب غرفتها الى الأزل ولا يعلم أحد أي حرب شعواء من المشاعر كانت داخلها وهي تكابد لتتجلّد بالقوة وقدرة التحمل الزائفة أمامهم خشية من أن ترى نظرات شفوقة عليها أو شماتة لما وصل إليه حالها...!!

×
×
×

كخلية النحل كان يبدو منظر قصر العنكبوت بعد أن قام (بكر) خطيب ابنة شقيق المربية باستدعاء مجموعة من شبان الحيّ القديم ليقوموا بنقل الأغراض التي ترغب بالاحتفاظ بها ضيفتهم المدللة وكان منها بعض القطع من الأثاث وقد أهدت ( رهف) طقم ملوكي لتحتفظ به ضمن جهاز بيتها رغم معارضة الأخيرة ولكنها أصرت عليها بعدما أبدت اعجابها به بعفوية أما باقي التحف والأغراض لقد كلّفت محامي والدها ببيعها كما باع القصر....!!..
كانت هذه الساعات من ضمن أصعب اللحظات التي عاشتها طوال عمرها.....لحظات الرحيل عن مكان وُلدت وترعرعت به بين احبائها ....رحيل أبديّ لا رجوع فيه....وقفت أمام محاميها ناظرة ليدها التي تبسطها وتحمل فيها المفتاح ...تتطلّع عليه بنظرات أسيّة ولوعة وفؤادها مكلوم من الأحزان ....سلّمته اياه وكأنها سلمته روحها فهو كان الوسيط بينها وبين شركة العـــقارات ....ليتها تستطيع تسليمه أحزانها وهمومها علّها ترتاح قليلاً...ليتها!!...هي لا تعلم أين الطريق للخلاص!...ما زالت ضالة تائهة في أروقة حياتها....تستغيث دون أن تنطق ....تريد أن ترسو الى برّ أمان في مشاعرها المبعثرة.....ألقت نظرة شاملة من بعيد للقصر والضباب يغشى سماءيها ثم هجرته الهجران الأخير تاركة في خلاياها ذكرى عسيرة وجرحاً لا يبرأ حتى الممات بعد أن طوت صفحة النهاية لهذا المكان....قصر استحل السكن فيه أشباح الماضي وصدى لبقايا أرواح.....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


في ساعات الظهيرة وبعد مرور اسبوعاً ونصف على وفاة السيدة (فاتن) كان يجتمع أصدقائي الثلاثة معاً في غرفة (سامي) الخاصة الموجودة في مركز الشرطة وسط مدينتنا الجبلية...يجلسون ويتناولون أطراف الحديث بين المزاحات والمشاحنات.....لقد مرّ (بلال و أحمد ) عليه ليشربا القهوة معه هروباً من أعمالهما المتراكمة بالشركة.!!...فعندما يريدان الترويح عن نفسيهما لا يخطر ببالهما الا صديقنا الأشقر الغليظ...!!....كانوا يقفزون من سيرة لأخرى دون ملل ثم انتقلوا ليكون محور الحديث العريس الحالي بينهم وهو بلبلنا الثائر الأسمر فموعد زفافه سيكون منتصف شهر أيار أي تبقّى ما يقارب الشهران والنصف ومن عاداتنا يوم الزفاف يقوم أحد الأصدقاء بدعوة العريس إلى بيته ليقوم بطقوس الحمّام الخاص به يتخللها مشاكسات من الصحبة ضد ضحية هذا اليوم وهو العريس.... ومن شدة حبه لأصدقائه وحماسه الذي لا يتضاءل نطق موجّهاً كلامه آمراً لـ(بلال) :
" بالطبع إن شاء الله سيكون حمّامك في بيتي أنا.....إياك أن تقبل دعوة أحد غيري!!..."

أمال (أحمد) شفتيه بابتسامة ساخرة ثم قال للعريس المنتظر:
" نصيحة ارفض الدعوة..!!..."

تطلّع عليه (سامي) باشمئزاز مصطنع وهتف ساخراً يعيد كلامه وهو يتكئ بساعده على مكتبه يجلس جلسة جانبية ويحرّك كرسيه يمنة ويسرة :
" نصيحة ارفض الدعوة !!.....لمَ ليرفضها أيها الغراب المنحوس ؟!....هل تغار من بلبلنا ؟؟!...."

وأسند ظهره بغرور مردفاً:
" اخطب ايها الأبله وسأدعوك لأجمل حمّام عريس...لا تقلق !!.."

نظر ( بلال) إلى شيخنا الوسيم وهتف متردداً بنبرة تمثيلية:
" قولك أبو حميد هل أرفض فعلاً؟؟.."

لفّ كرسيه ليقابلهما وصفق بكفيه على الطاولة مهدداً بمكر:
" أنت مجبرٌ على قبول دعوتي أيها البلبل وإلا لأتيتُ بك مكبّلاً بالأصفاد!!.....برأيك من سينتف لك ريشك غيري ؟؟!......أوتظن أنني نسيت مفاجأتك البغيضة مع الضفدع والخروف ليلة دخلتي ؟!..."

تعالت ضحكات (أحمد) الذي لم يكن يعلم بالموضوع وقال وهو يضرب كفيه ببعضهما من الضحك:
" أوبااا.....هل فعلها فعلاً؟.....خسارة لقد فاتنا منظرك تلك اللحظة!!..."

باغته يلقي عليه مطفأة خشبية صغيرة بطلاقة كانت أمامه لكنه تلقاها الآخر بحذر واحترافية قبل أن تؤذيه وردّ الأول بحنق:
" أصمت.....مصيرك أن تتزوج بإذن الله فأنا واثق بأنك لن تغضب خالتي أم مجاهد التي تتوق لزواجك......وحينها سأفعل بك العجائب وأفضحك أيها الغراب!..."

وأكمل وهو يلصق رأسيّ سبابته وإبهامه ببعضهما وينصب باقي أصابعه بحركة إعجاب:
"لكن الحق يقال....قناص محترف أيها الثائر البغيض..!!.."

فأجابه بهدوء وثبات واثقاً:
" هل تظنني أحمقاً لأسمح لأيٍ كان أن يدخل بيتي قبل زفافي؟!...."

هتف متفاخراً:
" ليس بالضرورة بيتك!....مؤكد هادي سيحجز لك مكاناً لشهر العسل هدية منه كما أهداني ونوى أن يهدي بلبل !...حينها سأقوم بالواجب أنا عنه وأتكفل بالتحضيرات!....لا أريد أن أتعب توأمي وصهري الحبيب!..."

أسند ظهره للخلف ووضع ساقاً فوق الآخر ورد عليه بذات الهدوء:
" لا تشغل بالك بشيء لن يحصل بإذن الله....لأن نيتي أن يكون شهر عسلي إن شاء الله في بلاد الحرمين لتأدية مناسك العمرة لتكون فاتحة خير عسى ربي أن يوفقنا بحياتنا الزوجية أيها الغليظ!!...."

" اووه ....ما شاء الله ....تفكير سليم يا صاحبي!.....اسأل الله لك الزوجة الصالحة التي تستحقك!..."

قال جملته بسرور ومحبة خالصة ثم التفت للآخر واستطرد هازئاً:
" تعلّم أيها البلبل الأحمق....أما الآن استمع لي لتستفيد من خبرتي بشأن حياتك الزوجية ..!!....."

تمتم بعد ضحكة مبتورة ناظراً للجالس ازاءه:
" أعانك الله يا صديقي على نصائحه التي تأخذك الى الهاوية..."

" سمعتك!!.."

هتف بكلمته لـ(أحمد) ناظراً بحنق تمثيلي ثم أعاد نظره للآخر قائلاً:
" ركّز معي جيداً لتتعلم!...."

رمقه (بلال) بنظرات ساخرة وهتف :
" عفواً سيد سامي!....من قال لك أني احتاج لدروسك ؟!.....ثم قل لي ...أنت من علّمك مثلاً هذه الدروس القيّمة التي تريد أن تتحفني بها ؟!..."

قطب حاجبيه بغيظ وزجره وهو يبتسم ابتسامة ثعلبية:
" هيــه...لا أحد يعلمني ....أنا المدرسة بذاتها....اسأل ما شئت بشأن الزواج وستجدني أسرع من محرك البحث بالشبكة العنكبوتية بالإجابة...!!....ثم أنا أعرفك جيداً .....مسكين وقلبك طيّب ستجعل نفسك خاتماً بإصبع زوجتك إذا لم تتبع نصائحي! وهذا ما لا أريده لك يا صاحبي......سأعلمك كيف تقطع رأس القط من ليلتك الأولى وإلا ستعاني لبقية حياتك"

ضحك (بلال) على كلامه ثم حوقل الذي كان جالساً بصمت واستدار قليلاً بجذعه نحو المسترخي على كرسيه خلف مكتبه وهتف:
" من قال لك أن ما طبّقته بحياتك حتماً سيتوافق مع حياته أو بإمكانه اتخاذه منهجاً له ؟!.....الأشقاء نفسهم الذين يخرجون من بطنٍ واحد وبيتٍ واحد لكل منهم شخصيته المستقلة ومبادئه الخاصة فإن حاولوا تبادل الأدوار لن يفلحوا وسيحوّلون حياتهم إلى جحيم.....كل شخص عليه أن يرسم حياته مع شريكه على حسب ما يناسب كلاهما هما فقط ولا شأن لهما بعلاقات الغير بتاتاً.....ربما زوجتك تحتاج الشد أو ابنك أما زوجته تحتاج اللين أو ابنه!!....."

وابتسم متابعاً :
"هو عليه التصرف بحكمة حسب الظرف الذي يقع به وليس كما تنصحه سيادتك!...."

تأفف (سامي) ورفع يده بتعالي تصنّعه وهتف:
" أنتما الخاسران .....أردتُ أن تستفيدا من خبرتي فتبيّن أنكما لا تستحقا أيها المنحوسان!!...."

" شكراً لكرمك أيها الغليظ....لكن لأبقى صامتاً خيرٌ لك فنحن رأينا نتائج ذبحك للقط أول ليلة ما شاء الله..!!..."

قالها (بلال) ثم انحنى بجذعه يتكئ بمرفقيه على فخذيه وصوّب حديثه لصديقه الآخر:
" تابع يا صديقي....أحب أن استمع لكلامك ونصائحك العامة المفيدة للدنيا والآخرة.....اطربني على ما في جعبتك من حديث بشأن الزواج..!!...."

" اوف.....مملّان حقاً.....سأعود بعد قليل !!..."

نطقها حضرة العقيد وهو ينتصب واقفاً دون أن يعقّب على كلام الأخير رغم إدراكه لما وراء المعنى ثم تركهما خارجاً لأحد زملائه بالمركز فرد الشيخ الوسيم بنقاء مع ابتسامة لطيفة تزيّن محيّاه ليبرز طابعه الحسن الذي يحتل ذقنه :
" أول بند يا صديقي ليكون زواجك ناجح بإذن الله عليك أن تتخذ شرع الله وسنة نبيه دستوراً في حياتك سواء بما يخصك أنت ذاتك أو زوجتك أو أولادك أو أهلك....فقد قال لنا جلّ في علاه... {{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}}......وهنا قول صريح بأن من تبع هدى الله وكان مستقيماً لن يضل بالدنيا وسيكون سعيدا ولن يشقى بالآخرة لأن له الجنة ومن لا يتبع الله ويعرض عنه ستكون عيشته كلها قلق وضيق ...."

اومأ يوافقه برضا وهمس:
" نعمَ المولى ونعمَ النصير..."

تنحنح وعدّل جلسته واستأنف ليرشد صاحبه داعماً أقواله من المصحف الشريف:
" التوافق بين الزوجين لا يأتي من فراغ......يكون بعد رضا الله عليهما فليكون ناجحاً يجب أن يبنى على المودة والرحمة بينهما والاحترام المتبادل فبهذا سيعيشان السعادة في الدنيا وكذلك في الآخرة وقد بيّن الله سبحانه وتعالى في آيته.... {{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً.}}.....كما قال في آية اخرى... {{ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ }}....أي هن ستر لكم وأنتم ستر لهن....ستصبحان كلباسٍ يستر أحدكما الآخر .....وعليكما ايضاً أن تكونا مكملان لبعضكما فالرجل دائماً هو من يحمل العقل أما المرأة صاحبة العاطفة وهكذا تغدوان كأنكما تحملان الجسد ذاته وروحاً واحدة لكلاكما ...."

ضحك ضحكة خجولة مضيفاً وهو ينظر إلى صديقه:
" مؤكد لا تريد أن أعرّفك كيفية التعامل بينكما ..!!.."

ضحك وأرخى يده على ذراع كرسيه بينما رفع الأخرى مشيراً إليه هامساً يحثّه ليكمل:
" تابع تابع يا صاحبي ....أعمالنا توقفت اليوم في الشركة على الأقل لنخرج بشيء مفيد من هذه الجلسة !!.."

تنهّد ضاحكاً وقال:
" لا تذكّرني !.....مهما هربنا سنعود لنفس النقطة !...."

جلى صوته ليعود للجدية أكثر وأردف:
" ما سأقوله يا بلال أن معاملتك معها وإرشادك لها سيكون المفتاح لنجاح الزواج....في السنة الأولى ستكتشفان أنكما لم تتعرفا على بعض كفاية أثناء الخطوبة فسيفتح باب للمشاكل وربما يريد كلٌّ منكما اثبات وجهة نظره للآخر بعناد لكن بيدكما أن تتخطيا هذه المرحلة بعد صبر وتريّث...... الاحترام هو الأساس مهما اختلفت آراءكما.....عدم تعظيم الخطأ إن كان الحل موجود بين أيديكما.....اظهار الحب دون بخل سواء بالقول أو بالفعل ... يجب أن تبنيا علاقتكما على الثقة المتبادلة......الاصغاء ثم الاصغاء وليس السماع فقط لأن الأول يكون بكل جوارحك وحواسك فيتفاعل القلب بصدق وتستطيع احكام عقلك ..... اصغيا لبعضكما ليتضاءل سوء الفهم بينكما بإذن الله...."

ما إن انتهى من كلامة حتى اتسعت ابتسامة القابع أمامه برضا وانشراح ليهتف مادحاً ومعتزاً به :
" يا عم هكذا يكون شيخنا ومدير العلاقات العامة....ملمّاً بكل شيء......صراحة أخشى أن أحسدك بسم الله ما شاء الله .....يا لحظ من ستكون شريكة حياة شيخنا الوسيم !!..."

ارتسمت ابتسامة خجولة على محيّاه أدّت لتورّد بشرته البيضاء الرجولية وهمس :
" لا تتوهم يا صاحبي.!!...أحياناً نستطيع نصح غيرنا بما لا نستطيع تطبيقه على أنفسنا....لكن أسأل الله أن يرشدني إلى الصواب دوماً ليرضا عني وأرضا عن نفسي !!..."

بينما كانا مستمران بنقاشهما دلف إليهما الأشقر بغتةً يدندن ويمشي بخيلاء وعظمة تمثيلية وكأن الأرض لا تسعه وهما يحدّقان به بانشداه وذهول كأنهما يران مجنون وليس عقيد له هيبته فهتف (أحمد):
" سلام قولاً من ربٍ رحيم.....ما بكَ يا غليظ ذهبت في حال ورجعت في حال آخر؟!.."

استمر بعدم اكتراث حتى وصل كرسيه وتناول هاتفه الخليوي عن مكتبه وحاول الإتصال وهو يهتف:
" سأتصل بهادي ليأتي ثم ألقي عليكم ما لديّ معاً....وقتي ثمين لا استطيع هدره بالإعادة دون داعي.!!.."

وضع الهاتف على أذنه وانتهى الرنين ولا من إجابة وكرر محاولاته وبدأ يضيق ذرعا كلّما انتهى الرنين على صوت السكرتيرة الالكترونية فسأله (بلال) بتشكك:
" هل شيء يخص قضية الوغد؟!..."

رفع حاجبيه بمعنى كلا وتمتم شاتماً وهو يحاول الاتصال لهاتف البيت:
" سحقاً.....يبدو أن هاتف بيتهم تعطّل ...دائماً يوجد مشكلة بالخطوط هناك.!!....ورأس الصوّان لا يرد على هاتفه ؟؟.....اووف.... وهاتف عيوش يبدو أنها نفذت بطاريته!! ....."

قال (أحمد):
" حسناً اخبرنا ريثما تصل إليه ....ربما ما زال نائماً..."

رد حانقاً:
" تباً له اطفأ حماسي بعدم رده عليّ.....!!.."

شرد قليلاً بوجه (أحمد) ينظر بلا مغزى كأنه يفكر بشيء ما ثم انفرجت أساريره بابتسامته الثعلبية الماكرة وقال وهو يستهّم للخروج من غرفته:
" سأعود حالاً واخبركما.....دقيقة!!..."

×
×
×

نمتُ حتى الظهيرة وما زلتُ جائعاً للنوم أكثر وأكثر!!...كنتُ مجبراً على النهوض للصلاة ولأني أنتظر اتصالاً تأكيداً لخبر تلقيته في الأمس يخص الغد!!......صليتُ ونزلتُ متجهاً إلى مطبخ بيتنا الجبليّ لعلمي أن أمي فيه لألقي تحية الصباح عليها فأجبرتني لأبقى عندها وأتناول فطوري المتأخر فأطعتها بكل حب وسرور ....هل أفوّت طعام نبض الحياة الذي حرمتُ منه لسنوات ؟؟!!..... وعندما أوشكتُ على انهائه قرع جرس الباب يصاحبه طرقات قوية فتململتُ لأنهض لكنها سبقتني لتفتحه فهي كانت بالقرب منه !!...ثواني قليلة ليصلني صوتها المرتجف هاتفة من بعد صوت جلبة قادمة من نفس الاتجاه :
"ما هذا؟؟.... ماذا تريدون منه ؟!.."

عجّلتُ خطواتي متأهباً متجهاً بعزم إليها مرتاباً عليها فذُهلت عندما رأيتُ أربعة رجال من عناصر الشرطة يقفون بشموخ بعد ان اقتحموا الباب فاقتربتُ بالحال قاطباً حاجبيّ مستنكراً دخولهم وسألت بخشونة:
" ما هذه الهمجية ؟!...كيف تدخلون هكذا؟؟!"

تطلّع إليّ أحدهم مجيباً بجدية:
" هل أنت السيد هادي محيي الدين الشامي ؟!.."

رفعتُ حاجبي بتشكك وقلت بصلابة:
" أجل!....تفضل!...بماذا يمكنني أن أخدمك؟!..."

مدّ يده الممسكة بورقة كانت بحوزته وقال بصوت صارم:
" لدينا أمر بالقبض عليك !!.."

اعترضت أمي قبل أن آخذها لتقف أمامي تحجبني عنهم كردة فعل دفاعية بخوف عليّ وهتفت:
" ما هذا الهراء ؟!....كيف تسمحون لأنفسكم بهذا ؟!.....ابني لم يفعل شيء!!.."

وضعتُ كفي على كتفها برقة من الخلف ثم دنوتُ منها لأصبح جانبها وقلت بسكون:
" لا تقلقي أمي....لنفهم القصة....لا بد أنه سوء تفاهم!!.."

ناظرتني برجاء بعد أن قبضت كفي بقوة وهمست:
" أنا غير مطمئنة يا ولدي.....اتصل بسامي ليوبخهم ....ألم ترَ كيف اقتحموا البيت وكأنهم يدخلون لبيت مجرم..؟؟!.....أو سأتصل به أنا"

قالت جملتها وحررتني من قبضتها عازمة لجلب هاتفها فاستوقفها أحدهم قائلاً:
" عفواً سيدتي....الأمر موقّع من سيادة العقيد سامي !!.."

اتسعت عيناها بصدمة وهتفت:
" ماذا؟!...ما الذي تقوله ؟!.."

مدّ إليها الورقة فأمسكت بها تتفحصها وتمتمت:
" غير معقول!!...ما هذا؟....ماذا يجري؟..؟؟"

أخذتها منها لأقرأها ثم تطلعت إليهم وتساءلت في الحال مع أن الأفكار السوداوية تدور بي في كل الاتجاهات:
" هل هذا مقلب مفتعل من الغليظ ؟!.."

أجابني قائد الدورية:
" لقد توقّع ذلك سيادة العقيد سامي لذا قال لنا أن نخبرك بأن الأمر جاء من قيادة عليا وأن عليك مرافقتنا دون شوشرة ..!!.."

تنحنح وأضاف:
" عفواً.....أو سنضطر لاستخدام القوة !....لذا رجاءً رافقنا بهدوء دون صخب!.."

قلت بصوت ثابت ناظراً بكبرياء لأخفي ضربات قلبي المضطربة :
" إذاً ...ما تهمتي ؟!.."

ردّ حائراً:
" صدّقني نحن لا نعلم لأن الأمر سري للغاية وفقط ننفذ الأوامر ..!!..."

أخفضت عينيّ اتفحص ملابسي البيتية فأنا كنت أرتدي بنطالاً رياضياً بلون أسود مع خطين جانبيين أبيضين وبلوزة سوداء ربيعية وكان الهاتف بجيبي ثم أعدتُ نظري نحوهم وهتفت واثقاً بلا مبالاة قبل أن أستدير:
" حسناً ...انتظروني لأبدل ملابسي وآتي ..!!.."

تحرّك أحد عناصر الشرطة وأمسك ذراعي يمنعني قائلاً:
" لا تؤاخذنا يا سيد....لا يمكننا الانتظار اكثر !!..."

رمقته بنظرة حادة جانبية ثم انزلتُ حدقتيّ ليده ...كدتُ أفقد أعصابي!!....استغفرتُ بسري لما لمحتُ نبض الحياة ووجهها يعتريه الوجوم والقلق فزفرتُ أنفاسي بتروّي كي لا أزيد عليها واخترتُ ألّا أعاند حفاظاً على مشاعرها إن احتدّ بيننا النقاش أو تفاقمت الأمور وهتفت محافظاً على هدوئي رغم النيران التي تأججت داخلي وكان وقودها القلق والشكوك:
" حسناً...كما شئتم هيا تفضلوا لنرى..!.."

ونفضتُ يده عني مردفاً بنبرة آمرة:
" إبعد يدك....سأمشي لوحدي!....وطريقتكم هذه بالاقتحام ستحاسبون عليها !!..."

اندفعت أمي تمسكني والدموع تترقرق بعينيها وهمست:
" سآتي معك بني!!..."

مسّدتُ خدّها بحنوٍ مبتسماً متأملاً تقاسيمها الحنونة وقلت بنبرة مُطَمئِنة وأنا الذي أرتجي من يطمئِنني فالغموض يفتك بي :
" لا بد أنه سوء تفاهم أمي...لا تقلقي سأعود بإذن الله سريعاً.....عندما أصل هناك سنتصل بك أنا وسامي لتطمئني...."

رمشت صاغرة بلا حول ولا قوة منها فانحنيتُ قليلاً لأقبّل خدّها وهمست:
" رضاكِ يا أمي..!!.."

طاوعتني لتطرب فؤادي كعادتها بهمساتها الغالية:
" رضا ربي ثم قلبي ليكونا رفيقيكَ أينما وليّت وجهك..!!.."

وخرجتُ ملقياً نظرة عطوفة راجية عليها ثم سرتُ بهدوء وإباء إلى أن وصلتُ سيارة الشرطة الواقفة في ساحة منزلنا...!!

×
×
×

" وأخيراً شرّفتنا يا سيد ؟!..."

قال جملته ناظراً إليّ بكل برود وهو يسند ذراعيه على ذراعيّ كرسيه لحظة دخولي غرفته بأمرٍ من أحد العناصر فالتفت صوبي صديقانا (أحمد و بلال ) فرمقني الأخير بنظرة سريعة من رأسي لقدميّ عند رؤيته ملابسي الرياضية البيتية ليلحق نظرته بسؤال قبل أن أنطق أي حرف :
" من أين أتيت؟!.... هل كنتَ تجري في وقت الظهيرة؟؟!.."

صككتُ على فكيّ بغيظ والتمعت عينيّ بوهج الغضب وقلت وأنا أدنو منهم متمهلاً:
" اسأل سيادة العقيد من اين أتيت ؟!.."

وأردفتُ في الحال مصوباً كل حواسي اتجاهه :
" هيا اخبرني ما الأمر الذي يستدعي كل هذه الهمجية والبلبلة وما تهمتي أصلاً ؟؟!!..."

أجاب دون مقدمات بصوتٍ رزين قاطباً حاجبيه :
" أولاً محاولة قتل عاصي!!.."

جحظت أعيننا ثلاثتنا بذهول فسبقني (أحمد) سائلاً باستنكار:
" لم تقل لنا هذا !!...هل أنت جاد ؟!..."

اقتربت منه أكثر وصرت جانبه من خلف مكتبه وهتفت متشككاً :
" ما الذي تقوله يا هذا ؟!....ثم أين الدليل ؟!.."

أسند ظهره بأريحيه الى كرسيه الجلديّ وتبسّم بمكر مجيباً وهو يحركها ببطء يمنة ويسرة:
" أنا الدليل...أكبر شاهد....ألم أملأ عينيك ؟!..."

اشتعلتُ غيظاً أكثر وأكثر فانحنيتُ أمسكه من تلابيبه وعيناي تنذران بالشر وصرختُ به :
" لا تفقدني أعصابي وقل ما لديك وإلا سأترك ندبة في وجهك في الحال ولن يهمني سجن أو غيره !..."

انفجر ضاحكاً وحاول افلات يديّ عنه ثم قال وسط ضحكاته :
" حسناً حسناً اتركني ولا ألبستك تهمة ثالثة !!"

لم أصغِ له وبقيتُ ممسكاً به بقوة وزجرته مستنكراً بسخط :
" أي تهمة ثانية وثالثة ما هذا الهراء ؟!.."

أجاب وهو مستمراً بضحكاته درجة القهقهة:
" تهمتك الثانية عدم إجابتك على الهاتف وأنا منذ ساعة ويزيد أحاول الاتصال بك!!..هذه جريمة بحق صبري عليك....."

أفلته منتصباً بوقفتي واضعاً يدي على خصري والأخرى أمسد جبيني لاهثاً بانفعال ناظراً إليه :
" هل أنت معتوه يا رجل ؟؟!!....كن جاداً وأجب!!.."

فأجاب وهو يسعل من قهقهته:
" تهمتك الثالثة أنك حاولت الاعتداء على سيادة اللواء.....ركز معي....سيادة ...اللوااء.... سامي الأنيس ..!!"

" ماذا ؟!...لواء.؟!."

سألت باندهاش متعجباً فشاركاه الآخران بضحكاتهما ليجيب وهو يعدل قميصه الذي بعثرته له من حركتي ونصب كتفيه ورفع أنفه بشموخ :
" أجل....اتصلتُ بكَ ألف مرة لأبشرك ولكنك كدت أن تصيبني بجلطة دماغية وأنت لا ترد فقررتُ مفاجأتك بدورية تجلبك إليّ....ما رأيك ؟!.."

أجبته بلكمة على خده هاتفاً:
" هذا رأيي...."

واستطردت في الحال بخشونة:
" هل تعلم بأي حال تركتُ أمي بسبب غلاظتك ؟!.."

مسّد مكان اللكمة بعد أن تمتم شاتماً وقال:
" ما بها عيوش؟!.."

" كلابك اقتحموا البيت بهمجية وأقلقوها ثم أخذوني ...حسب ظنك ماذا سيكون حالها ؟!...."

تحوّل للجدّية قائلاً وهو ينتصب واقفاً ويطرق سطح مكتبه بكفيه بغلّ :
" هل اقتحموا البيت فعلاً؟!...."

اطلقت ضحكة هازئة مبتورة وهتفت بنبرة ساخرة:
" كأنك لم تأمرهم بذلك !!..."

بنبرة أكثر جدية ودفاعية أجابني وهو يتخطاني ذاهباً إليهم والتوعد الغاضب ظاهراً بعينيه:
" سأريهم في الحال....لم أطلب منهم ذلك !!...كيف تصدق أني أفعلها لعيوش؟!..."

أكمل بطريقه مشتعلاً وبعد أن اختفى من أمامنا هززتُ رأسي رافضاً أفعاله ووجهّتُ كلامي للجالسين :
" أحدنا سيرتكب جريمة بسببه يوماً ما.....بالفعل غليظ!!...قال اتصلتُ بك ألف مرة.!!..ربما اتصل مرتين وسئم في الحال فأنا أعرفه لا صبر لديه عندما يكون لديه خبر ما...."

ضحك (أحمد) وهتف رافعاً رأسه ينظر إليّ وهو يتكئ بساعده الأيمن على المكتب ويلعب بقلم موجود بعلبة الأقلام :
" لن يكون سامي لو لم يتغالظ......أما في الحقيقة لقد حاول كثيراً الاتصال بك ....حتى انه كان متحمساً لنسمع الخبر ثلاثتنا في آنٍ واحد لكنه لم يستطع الثبات أمامنا لمّا لم ترد وأخبرنا بالبشرى..."

تبسمتُ وهتفتُ:
" سيختنق لو بقيت داخله!!....سأبارك له لما يعود...لقد أفقدني أعصابي حقاً...."

قال (بلال) بمحبة وحبور مبتهجاً لصديقنا :
" الحمد لله أخيراً نال ما يستحقه.....أتمنى أن لا يتأخروا بتسليمه المنصب!!..."

غضنتُ جبيني سائلاً:
" لمَ ليتأخروا؟!.."

أجاب:
" هذا خبر سري للغاية مسرب حالياً بتأكيد من أحد معارفه ذو منصب عالي ....لكنهم لم يعلنوا رسمياً بعد....يعني احذر من أي زلة..."

صمت برهة وأكمل حائراً:
" أعتقد في غضون أيام بإذن الله وسيستلمه !!.."

دسستُ يدي لجيبي لأخرج هاتفي وأتصل بأمي أطمئنها وقلت بهدوء :
" نسأل الله ما فيه خير .....بالفعل الأشقر يستحق بجدارة!!....لكن أشك بكلمة سري....فالغليظ سيخبر الجميع بسره تحت شعار لا تخبروا أحداً....برأيكم عند سامي هل يخفى الخبر ؟!..."

ضحكنا ثلاثتنا وهممتُ لأفتح الهاتف فاتسعت عيناي بتركيز لمّا رأيتُ مكالمات فائتة كثيرة وكان منها اتصالات من مكتب المحاماة الذي يمسك قضيتنا وهو الإتصال الذي كنتُ أنتظره ولكني سهوتُ عن تغييره من الوضع الصامت للرنين لذا لم انتبه لأي منها ولمحتُ رسالة واردة فتحتها بالحال ليرقص خائني طرباً على فحواها مع ابتسامة عاشقة أشرقت على وجهي عكست لمعتها على أرضي ثم التفتُ إلى يمناي تزامناً بدلوف (سامي) إلينا لأتبع التفاتة وجهي سائر جسدي من فوري مدبراً نحوه آمراً وأنا اقترب لأقبّل خدّه الذي لكمته وذلك من فرحتي بالرسالة:
" مبارك يا صاحبي المنصب!!....."

وتابعتُ معيداً الهاتف إلى جيبي وبيدي الأخرى أمسك ذراعه أدفعه للخروج:
" هيا لا وقت معنا....لديّ مشوار عاجل ومهمتك ايصالي!! .."

رمقني بنظرات مبهمة من غير فهم ثم تطلّع على صديقينا وسألهما:
" ما به تحوّل ؟!....ماذا جرى ليتكرم علينا برؤية أسنانه ؟!.."

ردّ (بلال) وهو يلوي فمه ويرفع كتفه :
" لا أدري!!....أساساً كلكم مجانين مصابون بالانفصام وأنا ضعتُ بينكم!.."

تبسّم الآخر ابتسامته الرجولية الجذابة وأجاب (سامي ) بهدوء يزيد من شخصيته هيبة:
" أظن ورده شيئاً من بلادٍ مجاورة فلمعة العينين والابتسامة الساحرتين أنا من شهدتُ عليهما سابقاً !!...اسألوني!!.."

قلتُ مبتسماً غير مبالي بسخريتهم :
" قولوا ما شئتم.....فمن حظكم أن مزاجي انقلب مئة وثمانون درجة ....لستُ متفرغاً لمناوراتكم الآن...."

ثم سحبتُ صديقي الأشقر عازماً على الخروج مستطرداً:
" نراكم لاحقاً باذن الله.....هيا يا سيد ...ستأخذني للبيت لأبدّل ملابسي وتستسمح عيوش خاصتك!..."

هتف بهم قبل أن نختفي عن أنظارهم:
" أشعرُ أن هذا يجرّني لمصيبة !!.....أحمد إن حصل لي شيء مهمتك نتف ريش البلبل عني يوم زفافه وإلا لن أسامحك .!!..وأخبروا سليمان أسدي أني أحبه وليثأر لي من خاله!!.....ولا تنسوا أن تغلقوا غرفتي خلفكم أيها المنحوسان..!.."

×

×

×

منذ يومين وردني معلومة أن حبيبتي سمائي المدللة أخذت الأذن لزيارة المغضوب عليه والدها في المركز الأمني الموجود في عاصمة الوطن والبارحة في ساعات المساء وصلني خبر من مكتب المحاماة رغم أنه أدهشني حقاً إلا أنه لعب بإيقاع قلبي حباً وحنيناً وجعلني أعد الوقت ثانية فثانية وكان مفاده أن المحامي خاصتها في تلك البلاد بعث رسالة عاجلة من أجل أخذ موعد معي بطلبٍ منها ليكون غداً وكنتُ طوال تلك الساعات أنتظر اخباري بالوقت الذي يناسبها فالشيء مربوط بظروف سفرها ولكني تفاجأتُ أن الموعد قُدّمَ لليوم لأن رحلتها العودة لتلك البلاد غداً صباحاً وكانت ساعة زيارتها للسجن في الخامسة مساءً وبهذا تكون السادسة أفضل ساعة للقائنا حسب طلبها ولأن المسافة بين مدينتنا الجبلية والعاصمة تستغرق ساعات ونحن في وقت الظهيرة الآن وعليّ أن أضبط أموري لأتواجد في الزمن المحدد فاستعنتُ بصديقي توأم روحي ليوصلني مستغلاً سيارة الشرطة من أجل ازاحة العراقيل عن طريقي....فالوقت يداهمنا !!.....عندما وصلنا البيت ترجّلنا كلانا من سيارته فسبقته بخطوات ثم التفتُ للخلف هاتفاً:
" ما بك تمشي كالسلحفاة؟!.."

حكّ عنقه مغمضاً عين وفاتحاً الأخرى يحاول التملّص وردّ بابتسامة مزيّفة:
" هل أكذب عليك؟....أنا متوتر من عيوش!.....ماذا سأقول لها بعد فعلتي السوداء ؟!.."

رفعتُ حاجبي مع زاوية فمي بابتسامة شماتة وقلت بتلذذ:
" إن لم تلحقك بخُفّها فأنت محظوظ....هيا لنرى نصيبك!..."

قال بارتياب وهو يتحسس مؤخرته :
" تقصد الخف البلاستيكي ؟!.....فأنا الى الآن أذكر بطولات امي الحنونة على جسدي منه!.....سلاح فتّاك لا يخطئ هدفه أبداً!.."

ضحكتُ مستديراً لألج لبيتنا وهو يتبعني وقلت:
" أذكر أنك أكثر ولد في الحيّ أكلتَ هذا من نبع الحنان بسبب غلاظتك!!.."

غمغم مستاءً:
" هيـه أنت لا تسخر!....خفّ نبع الحنان جعل مني رجلاً !!..."

واستأنف ساخراً بشماتة:
"على الأقل أنتم الحمقى تعرفون بقصتي مع خف أمي أما أنت من ينسى عندما منعك عمي محيي الدين رحمه الله من المشاركة في منافسة للجري على مستوى مدارس المدينة لأنك تشاجرتَ مع زميل لنا ولم تتحكم بأعصابك فكسرتَ له سنه فقط لأنه تحداك كلامياً أيها المغرور وكانت المنافسة التي تنتظرها والجميع يعرف شغفك لها ولمّا عرفوا أنك معاقب شمتوا بك وظلّوا يتحدثون عنك لأسابيع!!...أم أخبرك عندما جعلك تكنس الحيّ لتتعلم التواضع لأنك عاندتَ معلمة العربي ورفعت صوتك عليها أيها المسكين متفاخراً بابن من تكون حتى على ما أذكر أن رنيم خاصتك أمسكت بك صدفةً وهي تمرّ من هنا وكادت تبكي لحالك وهي تراك محكوم فاقد الهيبة التي تبجحت بها بالمدرسة !! ...."

تنهّد وهو يتمطّى عند وصولنا الباب مضيفاً بخباثة:
" آااه يا صاحبي على ماذا وماذا سأشمت بك؟!.....يبقى خفّ نبع الحنان عقاباً مقبولاً أما عقابات عمي محيي الدين كانت عقابات عسكرية بحتة لا تنازل بها!!.."

ثم أمال جذعه ليصل أذني سائلاً بينما كنت اقرع الجرس:
" طمئنّي على الأقل أنها لن تستخدم خفّك العملاق أي القارب خاصتك!....فخفّ عيوش رقيق سيكون على قلبي أحلى من العسل ..."

تأففتُ وقلت له:
" يا رجل القط نفسك قليلاً ....ثقبت مخي!!.....ماذا تفعل شقيقتي معك ؟!"

انتصب معتزاً بنفسه هاتفاً:
" ما دخلك بما بيننا ؟!..... ثم شقيقتك لا تستطيع فعل شيء لأنها تعلم أنها متزوجة من أسد!!... أنت اهتم بأمورك ولا عليك!...."

لمّا فتحت لنا الباب نبض الحياة فتفتّحت أساريرها وبرقت عيناها بفرح وسرور وارتمت في حضني تحمد وتشكر الله ثم أفلتتني لتهدي ابتساماتها الحنونة لصهرها وهي تمسك يده هامسة بامتنان:
" رضي الله عنك بنيّ...علمتَ أنك لن تتركه هناك اطلاقاً.....شكراً لك عزيزي سامي.....من حينها وأنا لم استطع الجلوس واجول البيت دون هدف يرصد متوترة انتظر اتصالكم....."

وابتعدت عن الباب تتنحّى جانباً متابعة براحة:
" هيا ادخلا واخبراني ما القصة ؟!.."

ولجنا الى الداخل وأغلقت الباب فوقعت أعيننا على شقيقيّ الجالسان بغرفة المعيشة ذات الباب الواسع المقابل للمدخل فقامت (دنيا) بهمّة لمّا رأت زوجها والحُب والفخر يشعان من شهديها وهمست وهي تنقل نظراتها بيننا:
" الحمد لله على السلامة.!!....مع أنها اقلقتني أمي الا انني كنتُ واثقة أنك ستحلّها في الحال ....ِشكرا لك سامي...."

قاطعتها أمي هاتفة وهي تشير لنا للدخول لغرفة المعيشة:
" بالفعل بنيتي ...زوجك من أجمل النعم التي وهبنا اياها ربي.......هيا تعالوا اجلسوا ريثما أحضر كأس شاي نشربه وتحكون لي من البداية!!.."

كان متوتراً لا يعرف كيف يفتتح الحديث ليعتذر من حركته الغليظة لذا ادّعى أنه متفاجئاً بوجودها هنا هاتفاً باندهاش مصطنع:
" دنيتي !!....ماذا تفعلين هنا حبيبتي؟!...أليس من المفترض أن تستقبلي زوجك حبيبك في البيت؟!..."

ضربته بمرفقي متمتماً قرب أذنه:
" اخجل قليلاً أمامنا ....إنها أختي يا غليظ!!....القليل من المروءة لن تضرّك بشيء!!.."

ردّت عليه زوجته بعد أن أنهيتُ تمتماتي:
" سامي بالله عليك لم تفاجأت مِن وجودي وأنت بنفسك مَن قمت بإخباري أن العم أشعب هو من سيقلّني الى بيت اهلي ؟! ....ماذا جرى لك؟!.."

حكّ شعره وقال برخاوة:
" آه أجل صحيح....نسيت!.."


استأذنتها قائلاً بكل هدوء وبرود قبل أن أوليهم ظهري:
" أمي عن اذنك علينا مشوار ضروري وسأصعد لأتجهّز له أما هذه النعمة الجميلة كفوا عن شكرها لأن ما مررنا به لم تكن سوى حركة غليظة من حركاته!!....لا داعي لنفخه كالطاؤوس سدى!!...لا يوجد شيء!...تفضلي أرينا شغلك معه....."

اتسعت أعينهما بصدمة سائلتان بصوت واحد:
" ماذا؟!.."

تنحنح ثم رفع رأسه يتابع إدباري عنهم بعينيه مستنجداً:
" هيــه.....أين ذهبت وتركتني ؟!..."

وتمتم بخفوت شاتماً:
" وغد...خبيث!!.."

لوّحت له بيدي عند صعودي السلالم قائلاً بصوت عالي:
" كان منايَ أن لا أفوّت الفيلم المشوّق لكن لا نصيب لي....مشاهدة ممتعة شقيقاي..."

قطبت شقيقتي حاجبيها بحنق وهمست قبل أن تولّيه ظهرها عائدة لمكانها :
" ما أغلظك سامي...بربك...هل هذه حركة تُفعل ؟!..."

وما إن سارت خطوتين حتى توقفت في أرضها لتستدير نصف استدارة ثم تتبعها بكامل بدنها عندما وصلها صوت أمي الحازم الخفيض :
" متى ستكبر يا ولدي قل لي ؟!....ابنك سيأتي قريباً ....هل ستربيه بغلاظتك هذه ؟!.....ألن تكفّ عن حركاتك الصبيانية ؟؟!.....لقد اسقطت قلبي ووترتني عليه!!..."

ليتبع توبيخها له صوته المتألم حقاً مع اضافة نبرة تمثيلية لتشفق عليه وقد كان يتململ بيدها منحنياً بجذعه لأنها تشدّه بقوة من أذنه :
" أيْ....حقك عليّ عيوش لن أعيدها!!.....تعالي لأقبّلك قبلة التوبة......فقط أتركي أذني أرجوك لأنها ستبقى حمراء لساعات وتفضحني...."

وتابع توسلاته وهو يتأوه وهي ما زالت تمسكها له كالطالب المشاغب:
" أيْ عيوش.....أرجوك.... أليس أنا صهرك الحبيب الوحيد ؟!.....ها أنت اطمأننتِ على ابنك ذو عقل الصوّان...إنه حيّ يرزق وحتى أنه أجبرني لأخذه مشوار ونبضات قلبه تفضحه وهي ترفرف من فرط سعادته....."


فأطلقت ضحكة عالية التي كانت تستمتع بمشاهدة المشهد ليأتي شقيقي (شادي) ويؤازرها بضحكاتها وهو يقول شامتاً ومعتزاً بعد تنهيدة طويلة ويتحسس عنقه مكان صفعات الأشقر التي تهبط عليه :
" آاااه وأخيراً أخذ أحد لي حقي من الأشقر الغليظ.....سلمت يداك أمي....ظهر الحق وزهق الباطل!!...."

حدّجهما بنظرات قهر لأنهما شهدا على توبيخه فهو بموقف لا يحسد عليه وخاصة أمام أكثر اثنان نال منهما بسخريته وقد جاء اليوم لتبادل الأدوار بينهم وقال لهما وهو يضحك بشماتة يخفي ألمه وهزيمته بل شعوره بالإحراج لفقدان هيبته أمامهما وبالذات تلك التي يتبجّح برجولته لها:
" هيــه أيها الضفدعان....لا تفرحا كثيراً.....أساساً أنا من أشفق عليكم إن كان هذا نهج عقابها لكم......خفّ أمي البلاستيكي أرحم من هذه الحركة!!...."

ولمّا أنهت توبيخها له حررته هامسة بنغمة حزينة متهدّجة وهي تلهث ببطء بعد أن أفلتَ لها أعصابها إثر معرفتها بمقلبه السخيف:
" إما أن تأتوني بخبر يسر البال أو لا تخبروني بشيء.....كفاني صدمات أرجوكم...."

دنا منها بحنوّ وعطف يتدفّق منه وحركة رزينة ثابتة ليقبّل لها رأسها هامساً بوقار:
" أعتذر أمي.....لم أرد أن تصل الأمور لهنا ...لكن ربما ستعذرينني إن عرفتِ سببي ...."

تطلّع عليه ثلاثتهما بتحديق ثاقب واهتمام جليّ فتبسّم بمودة مردفاً بانشراح :
" أردتُ أن أبشّر هادي أنني أصبحتُ لواء وكله بفضل مشاركتي بمهمة الامساك بالوغد !!....حمداً لله..."

فانقلبت الأجواء الى أجواء بهجة وأفراح بعد أن صرخوا بسعادة لا تضاهيها أي سعادة ....ينقضون عليه جميعهم ...يتسابقون لاحتضانه والمباركة له... مفتخرين به وبإنجازاته بكل مشاعر محبة صادقة جياشة يخصونه بها وحده ....صهرهم الغالي صديقي وتوأم روحي الأشقر سامي الاكثر وفاءً واخلاصاً ممن عرفتهم في حياتي....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


في طريقنا الى العاصمة كان الأشقر الغليظ يدندن وينقر بأنامله المقود وبين الحين والأخر يرمقني بنظرات خبيثة ماكرة وهو يتأمّل ملابسي وكان قد أشرف على الانفجار لأنه ما زال لم يعلق فساعدته ليفرغ ما في جعبته هاتفاً بضحكة لطيفة:
" قل ما لديك.....كيف صبرتَ الى الآن ؟!.."

أمال زاوية فمه بابتسامة واثقة وأجاب معتزاً بنفسه :
" انظر إليّ.....ذهبت الى البيت وخلعتُ ملابس العمل واستحممت وأرتديتُ ملابسي الجميلة هذه وأتيت في غضون عشر دقائق .....أما أنت جئنا وذهبنا وجئنا وذهبنا وأنت عالق مكانك !!....بالله عليك ماذا كنتَ تفعل يا هذا طوال الوقت؟!..."

ضحكتُ ضحكة رجولية واتكأتُ بمرفقي على الباب جانبي واضعاً سبابتي وابهامي على ذقني وقلت وأنا أنظر الى الطريق:
" ما شأن لك بما فعلت ؟!.."

وتنهّدت ثم عدّلتُ ياقة قميصي الأبيض بغرور مصطنع والذي ارتديتُ معه بنطالاً من القماش الأسود وأردفتُ مع قذفه بغمزة لحظة التفاته نحوي:
" بربك....ألستُ وسيماً ؟!..."

" بالطبع وسيم.....ستقع ابنة عاصي صريعة أمام وسامتك!!..."

قالها متفاخراً بإعجاب بينما أنا هربت خفقات عاشقة من قلبي عند سيرتها وداعب الهوى روحي وأجبتُ بعد تنهيدة طويلة تفضح حنيني واشتياقي:
" آااه يا صاحبي..... ادعو لي فقط بأن تنصلح أموري!!..."

دعا لي وأمّنتُ خلفه فاستطرد:
" إذاً ما تخطيطاتك بشأن اللقاء ؟!..."

شردت قليلاً بالخارج دون هدف وأجبتُ بحبور :
" سأدعوها للعشاء إن شاء الله لنتحدث مطولاً.....سأحاول اقناعها باللين طبعا لتقبل دعوتي وهناك لما اصطادها سأدلي عليها اقتراحاتي.."

خطف نظرة سريعة نحوي ثم أعاد عيناه للأمام سائلاً:
" مثل ماذا؟!.."

قلت مبتسماً رغم القلق الذي يساورني:
" سأقترح عليها أن تنتقل لتقيم بالعاصمة بدلاً من السفر المتكرر من أجل متابعة قضية الوغد عن كثب!....مالها سينفذ بسرعة....محاميهم عبارة عن نار لا تشبع ومال القصر لا بركة فيه!.....لا أريد لها أن تضيع أو تحزن إذا لم تتمكّن من زيارته ولا أن تتعذّب وهي تتنقل من هنا الى هناك !....فيبقى الوغد أبيها ....لا مفر لنا من ذلك!!..."

" معك حق!!...وما لديك ايضا؟!.."

فكرّت لبرهة وقلت :
" اقتراحاتي مربوطة ببعضها ....مهمتي الأولى اقناعها بالبقاء هنا في الوطن لتكن بالقرب....!!.."

ضحك بخباثة وحرّك سبابته هاتفاً بسخرية:
" أيها الماكر.....لتكن بالقرب ...هذا هو!!...لا تقل لي كي لا تتعذب وتضيع ومن أجل القضية..."

قطبتُ حاجبيّ بجدية وهتفت:
" يا رجل.....لتكن بالقرب من والدها!!..."

أصرّ وهو يستفزني بحركاته وكلماته فضقتُ ذرعاً منه واعترفتُ زافراً بغيظ منه ومن حالي :
" أووف سامي.....أجل...بالقرب مني أنا.....لقد سئمتُ بعدها عني!.....هداها الله ...لا أعلم متى ستزيح الغشاوة عنها !!.....أريدها أن تكون معي بأول نهاري وآخر ليلي ... لقد فاض بي الحنين!......ألستُ رجلاً ؟...ألا أحمل قلباً عاشقاً يتجرع عذاب الفراق؟!.......حان وقت الإصلاح وباذن الله قضيته لن تطول وسترضى صاغرة بالحقيقة في النهاية ......نحن نحتاج لبعضنا مهما أنكرت!.....تحتاجني ونيساً وأنا لا غيرها يؤنسني.......كفانا حرمان!!.."

[[...لا يؤنس قلبي حين يجيء الليل سواك

وحدي والقلب يذوب هنا ضمته يداك

والدمع العاشق ممتد في بحر هواك

يا أجمل حب يتجلى في وجه ملاك

يا شوقاً يسكبني عطراً يحتاج يديك

عيناي تذوب وكم ترجو نظرة عينيك

روحي من جرحي قد تعبت فأتيت إليك

فارحمني أحيي وجداني بالله عليك ]]
(( للمنشد علي حجيج ))

تعبتُ يا ألمتي.....فارحميني ....إرحميني وأقبِلي إليّ لنلتحم من جديد.!!....اسكني القلب دوماً وعانقي روحي بسمائك .....أنا ظمآن....وما أقسى ظمأ الغرام يا حبيبتي...!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


في الطابق الثالث بفندق بمستوى خمسة نجوم يقع وسط عاصمة الوطن ومن الشرفة الصغيرة بجدارها الزجاجي ذا اللون الحليبيّ تقف واضعة كفيها على حافته تتكئ لتطلّ على المدينة شاردة في البنايات المتراصة جانب بعضها بأحجامها المختلفة وبالشوارع التي تحفها أشجار النخيل والزينة وكانت الشمس ما زالت ترسل ضياءها فينعكس على نوافذ السيارات المصفوفة في كل مكان رغم زلوفها نحو الغياب وتفكر بهذا الذي يسمى وطن !!.....ماذا يشعرون اولئك الذين يتقاتلون من أجله؟؟.....الأرض واحدة والسماء واحدة وإن اختلفت العناوين....ألسنا نحن البشر أبناء آدم وحواء وخلقنا من طين وما اختلاف اسماؤنا الا كوسيلة للتعارف وتحديد شخصياتنا؟!.....وهكذا هي البلاد بالنسبة لها.....لا تشعر باللهفة التي لطالما سمعتها من خالتها ومني أو من كلام عابر عن حب الوطن!!.....هي تعلم أنها ولدت فقط في تلك البلاد وحملت جنسيتها فالتزمت بالانتماء لها لأن قدّر لها ذلك ولكنها لن تفرّقها عن أي أرض!!....لطالما كان الوطن بمخيلتها هو عبارة عن قلوب تجتمع على المحبة والوفاء وليس على تراب الأرض الميت!!.....ما فائدة حبه وهي يتيمة وحيدة لم يبقى لها أحد؟؟.....بضحكة مقطوعة هازئة تحمل فيها المرارة مع دمعة خرجت لتلمع كلؤلؤة نادرة عالقة على رموشها سألت نفسها موجوعة .." أساساً متى كان لي أحد؟؟!.".........لو خيروها وتركوا الأمر لها بين أن تكون وسط أقارب وأحباب صادقين وبخيمة تتنقل بها كأهل البادية دون استقرار وبين وحدتها على تراب وطن تعود اصولها إليه ودمائها تحمل هويته لاختارت الأول دون منازع فهي يكفيها الوطن اللا محدود في قلوبهم!!....بلى هذا ما تحتاجه بالضبط!....فما نفع الهوية والأرض والقصر وهي لا تجد من يمسح دمعتها العصية ويشفي جرحها الغائر ويتعاطف مع أنينها أو يربّت على آهاتها ثم يرسم البسمة على شفاهها ؟!...آه من قسوة نصيبها!!.....وقفتها القصيرة تلك جعلتها تسبح في بحر أفكارها المتناثرة ليقطع عليها شرودها رنين هاتف غرفتها فزفرت أنفاسها لتحرر ضيق يزاحم صدرها واستدارت ناكسة رأسها وبكتفين يحملان أثقالاً من الهموم ولجت بخطاها الضعيفة لترد على المتصل:
" تفضل..."
"....."
" أجل أنا جاهزة!"
"....."
" أجل أجل وحقيبته جاهزة!."
"...."
" حسناً إذاً.....سأنتظرك بعد نصف ساعة في بهو الفندق!!.."

أغلقت الهاتف براحة لتخط ابتسامة على محيّاها ....لقد حان وقت اللقاء!!....لقائها بوالدها ثم....بي!!....تبخّرت مشاعرها الثقيلة في الحال لتصبح وكأنها أكثر خفة من شدة توقها وحماسها ثم اقتربت من طاولة الزينة العريضة بمرآتها الكبيرة التي تحتل نصف حائط يقابل سريرها الزوجي وتأمّلت كل شيء بها بدايةً من شعرها الذي ترفعه كذيل حصان والذي ينزل بكثافته وسواده على كتفها جانبا يتخطى صدرها ليصل خاصرتها كشلال متدفق بالجمال وأرجعته للخلف بإعجاب ودلال وابتسامتها البريئة النقية تنير وجهها لتعيد له معالم الحياة فهو بات في أيامها الأخيرة أكثر شحوباً وانطفاءً ثم رتّبت ياقة قميصها السماوي بأكمامه الطويلة والذي يجتاز خصرها ليصل نصف مؤخرتها وباتساعه اليسير.....يا للعجب!!...كأنها مسيّرة وليست مخيّرة...لقد جلبت معها قميصاً هي وحدها من تعلم كم كنتُ أحبه عليها بسبب لونه ولأنه يسترها الى حدٍ ما خلافاً لباقي ملابسها!!...في قرارة نفسها تقرّ أنها قصدت ذلك.!!... وكانت تلائم له بنطالاً من الجينز الغامق لم يكن شديد الضيق اشترته بنفسها في أيامنا الهادئة التي سبقت عاصفتنا!!....حملت هاتفها ورفعت طرف قميصها من الأسفل لتكشف عن بطنها أمام المرآة لتتضاعف ابتسامتها حباً وحناناً بالفطرة التي جبلها عليها الله كأي أنثى تتحول بيوم وليلة لتحمل لقب (أم) بعد أن ضمّت في أحشائها كائنا من دمائها يشاركها أنفاسها ونبضاتها وأبسط طعامها وشرابها زرعه داخلها زوجها الحبيب المتيّم بعشقها في لحظات حميمية جمعتهما معاً أنتجا منها روحاً تربطهما مهما ابعدتهما المسافات ومهما كان بينهما بلاد وقارات .....!!....رفعت يدها القابضة للهاتف توجهه نحو المرآة بينما تضع الأخرى على بطنها الأبيض الرقيق لتلتقط أول صورة تجمعها مع إبنها الذي ما زال في مراحل تطوره الأولى لتوثق أيامها معه هامسة بكل رقة وحنية:
" هيا يا حبيبي ابتسم لنأخذ صورة ذاتية لي ولك...صورتنا الأولى... لنا وحدنا فقط بعيداً عن غدر البشر وقسوة الحياة !!.."

لما انتهت من التصوير ارتسمت على ثغرها ابتسامة بريئة وهي تمعن النظر بها وكأنها تراه فعلا وخطت خطوات قصيرة المدى للوراء وهو ما زال بيدها حتى وصلت طرف السرير لتجلس عليه ووضعت الهاتف جوارها وكشفت مجددا بصورة اكبر عن بطنها وأخذت تحسس بدفء أمومي بيدها الثانية الرقيقة الناعمة ...تحركها حركات دائرية لطيفة تطرق رأسها ناظرة إليه نظرات تتراوح بين الألم والأمل وتتابع همساتها بصوتها العذب لتعرّف ابنها بالتدريج عن حياته:
" يقولون هذا الوطن....نحن الآن موجودون فيه!!.....وا....يعني...والدك من هنا واسـ......واسمه هادي ...هو من اولئك الذين يدعون أنهم يحبون وطنهم كثيراً.....ويساعد الناس و...ويحب الأطفال بشكل جنوني!...."

اتسعت ابتسامتها لتظهر أسنانها البيضاء باستبشار مضيفة تتفاعل مع كلماتها واثقة أنه يشاركها فرحتها وهو يصغي لها :
" أتعلم؟....أنت محظوظ....والدك سيحبك كثيراً .!!.."

توهجت عيناها انفعالاً لتغلّفها دمعات حائرة لا تعلم هل ما تقوله له صحيح أم خطأ ولكنها رجّحت كفة الصحيح متعمدة فمهما كانت الحقيقة حلوة أو مرة...قاسية أم رحيمة آثرت أن تخبره الكثير من الأشياء من نسج خيالها وفق ذوقها !!....هكذا عزمت وقررت ....سترسم له الحياة التي تتمناها له ....حياة سعيدة ساكنة كما تمنّت أن تعيش يوماً ....حياة ستحب أن يحيَها ....تريد أن تراه يعيش الآن معها حلم جميل وإن كانت الحقائق بشعة.!!..فلتكن بشعة لن يهمها ...ما عادت تكترث للآتي كأنها تجرعت حصانة من كثرة المصائب التي هلّـت عليها !!...لن تجعل كل هذا السوء وقباحة ما خاضت طوال عمرها أن تؤثر عليه وعلى حلمهما معاً فهي ستجمّلها له بحبها الأمومي وبكل ما تملك من مشاعر وقدرة تحمل... ستقاوم لتكون لديها هذه القوة من أجله....صغيرها وأملها الذي جاء كشعاع يكسر عتمة آلامها !!....أكملت تمسّد بطنها لتشعره بدفئها ولربما هي من تسرق دفئه من جوف رحمها فحياتها أضحت صقيع لا يفارقها واستأنفت بحكاياها :
" أتسمعني صغيري ؟!....والدك يحبك أكثر من أي شيء في الوجود!!......قل لي....أتشتاق له ....كما أشتاق.......لوالدي؟؟..."

رعشة هزّت قلبها من فرط المشاعر والأحاسيس التي تتوافد عليها هذه اللحظة ....مشاعر جديدة عليها ولِكم أحبتها ولا تريد أن تتخلى عنها ....جمعت بها بين حب أبيها وابنها......ولم تستطع الانكار لا لنفسها ولا حتى لصغيرها أن بهذه المشاعر شاركهما آخراً رغماً عنها فأردفت وقشعريرة عشق تجتاح بدنها دون إشعار :
" وأشتاق ....اشتاق لوالدك ....هذا سرنا معاً .....أشعر بحاجة كبيرة لرؤياه....أنا ظمآنة لحضنه الآمن ...لهمسه الحنون وأنفاسه الدافئة.....حبي له تغلغل في دمائي منذ سنين ...تجذّر داخلي وصعب اقتلاعه كما توهمت وظننت...كنتُ أكذب على نفسي! .."

تنهّدت تأخذ أنفاسها وأكملت بينما كانت العبرات تتسابق على وجنتيها ...عبرات تنقي بها تلوث روحها وتضمد جرح نابضها واستأنفت بشجى :
" حتى لو أن غضبي عليه فاض مني وحتى لو أنني سأبقى متحفظة بقناعاتي ضده بأمورنا الأخيرة... إلا أن.....أن حقيقة عشقي له فاقت عنادي ....وفاقت صبري على البعد ....لا سلطان لنا على قلوبنا...قال أنني سحرته ونسي أنه من سحرني باحتوائه لي لحظة احتياجي آنفاً.......آااه صغيري...ماذا سأخبرك وبمَ أبوء لك ؟؟!!.....لا يهم الآن كرامتي ...لا يهم!!....قررت أن أتنازل من أجلنا حبيبي ....سأقابله وأكلمه لنتفق....سنتفق إن شاء الله على حل يرضينا ثلاثتنا دون حروبات!!......من أجل مستقبل أجمل....... وسأثبت لك أن أمك تحبك أكثر من نفسها ....أنا أحبك يا أملي فأنت الذي أشرقت حياتي.......ومعك لن أكون وحيدة أينما كنت !!..."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تخطو وراء محاميها الشاب في رواق طويل يأخذهما الى الغرفة المعدة للقاء المحامون مع موكليهم وهي تمشي بتمهل وحذر تتفحص الجدران الباهتة بعينيها....ألم يعتصر قلبها وهي تفكر بحبيبها الساكن هنا!!....لمَ هذه القسوة وهذا البخل ؟!.... ماذا ينقصهم ليقوموا بتجديد طلائها على الأقل ؟!... هل لأنها للمسجونين إذاً لا يستحقون استنشاق رائحة جدران نظيفة ؟؟!...أينقصهم عذاب وقهر فوق عذابهم ؟؟!....أيريدون قتلهم بالبطيء؟!.... تكاد تختنق من روائح الرطوبة التي تفيح في هذا المكان !!....هل هكذا كانت حاسة الشم عندها أم انها ازدادت بسبب حملها؟؟!.... لا يهم فالحال انها منزعجة وتشعر انها تريد ان تتقيأ..!!...غلّفت فمها وأنفها ببطن كفها لتخفف من حدّة الرائحة.... ستحاول دحض الافكار المزعجة عن عقلها وهي تلهي نفسها بكيفية مقابلة والدها التواقة له بكل جوارحها ....أول شيء ستفعله هو أنها سترتمي بأحضانه بعد قرابة الشهر من رحيله !!......كان المحامي خاصتهم يسقها ولما وصلا غايتهما أشار لها لتجلس على كرسي كان بجانبه لينتظرا دخول من أتيا لرؤيته...!!..... دقائق ففتح الباب الحديدي الصدئ ليخترق مسامعها صوت صريره الثقيل فيظهر منه شبح والدها..!!...." يا الله ما هذا الحال الذي وصل إليه؟!.."..... شهقت جاحظة عينيها مصدومة متسائلة في سرها من شكله ووضعه الذي يرثى له...... كان يرتدي بدلة السجن الزرقاء وبدا عليه النحول في منطقة بطنه وترهلات في وجهه ضاعفت من سنه رغم أن اللحية تغطيه بعد ان نبتت بعشوائية دون حلاقتها لأول مرة بلونها الأسود الذي خالطه شعيرات بيضاء وشعره المماثل لها ازداد طوله !!.....ظهر لها بصورة الضعيف المذلول لكنه يبقى ( عاصي رضا) .... حتى وهو بأدنى مكان سيستكبر عن الرضوخ والخنوع للمذلة او ان تمسه مهانة !!....دخل يمشي بعنفوان وهالة من الهيمنة تحيط به .....شعرت لوهلة انه ما زال في قوته التي عهدته عليها ولكن قلبه ممزق ينزف دماً حاول بجبروته وطغيانه اخفاؤه بإتقان....ويلات تفتك به مما رأى وذاق في هذا المكان بأيامه القليلة.!!....ويلات لا ندم فيها إنما عصياناً وغروراً بشكل أكبر فبالطبع لن يهمه حال السجناء ولا يفكر بما آل إليه حاله انما من شدة قذارته ومن تواجده بين فئات متنوعة من المجتمع....فئات لا تليق بمكانته وغطرسته.... ما بين المجرم الأمني وتاجر السلاح ومن كان غنيا او فقير وقد تعددت اسبابهم وظروفهم ولكن شاء أم أبى المكان ذاته الذي يجمعهم ليكونوا سواء .....سجن ضمهم دون تمييز كانت تذكرة دخولهم بسعر واحد ووحيد وهو عالم الإجرام وإن اختلفت ..!!.... وقفت متهدلة الكتفين واغرورقت عيناها بالدموع وانطلقت مندفعة نحوه فاقدة صبرها ....لم تتحمل حتى يصلها من فرط اشتياقها لأحضانه التي لطالما حُرمت منها بسبب إهماله..!!.... احاطت خصره بكلتا يديها تشد عليه من هول اشتياقها ودثرت وجهها على صدره وهي تطلق العنان لصوتها الباكي الذي يهز الأبدان على حالها وهتفت برجاء :
" سامحني أبي .....سامحني...... صدقني وغلاة امي انني لم اكن اعلم شيئا عنه ومن يكون ..!!..."

ازداد نشيجها وهي تضيف:
" قسما حاولت الوصول إليك لأحذرك لكنهم اغلقوا كل السبل امامي ..!!...أنت تعرفني أبي أنني أفديك بعمري ..!!..."

وصله صدق أقوالها فهو الذي يعلم براءتها وسذاجتها فهمس لها بعد ان داهمته كتلة من المشاعر نحوها تحمل الحنية بطياتها لتختنق الكلمات عند خروجها منه وهو يحاول السيطرة على نفسه من بكاء خشي أن يفضحه :
" ششش صغيرتي .....اهدئي حبيبتي...... لا شيء يستحق ان تبكي يا لوما "

يااه كم اشتاقت لمناداتها باسم دلعها المحبب على قلبها!!.....كم مضى دون أن تسمعه منه ؟!...أهي أيام أم شهور أم سنين ؟!.... قبّل رأسها ثم وضع كفه تحت ذقنها برفق ليرفعه لها ويرى وجهها مردفا بحنو:
" دعيني أرى قمري..!"

تطلعت عليه نظرات كلها استعطاف وسماءيها يغشاهما دمعها الطاهر فدنا مقربا شفتيه ليقبّل وجنتها وتبعها بقبلة على جبينها قائلا بصوت اجش:
" لا يليق بابنة عاصي رضا الإنكسار ولا تسمحي لأي حقير بإضعافك وسحقك.."

انحنت بجذعها تمسك يده وتقبلها قبلات متلاحقة تستسمحه وسط دمعاتها وهمست بشوق مع حشرجة :
"أحبك أبي.... اشتقت لك .....حياتي بدونك جحيم!!..... ارجوك افعل المستحيل لتعود اليّ.... انا واثقة ببراءتك!.."

أمسك يدها بقبضته برقة وشفقة وافته ليسحبها معه وسحب معها كرسيها لتجاور كرسيه فجلسا معاً دون ان يفلتها منه ثم القى التحية على المحامي الذي كان يشاهد المشهد الدرامي بصمت وبعد ان هدأت قليلا اثنت رأسها تتكئ على كتفه بينما هو يمسد على خدّها كأنه يستمد منها القوة والدفء الذين افتقدهما هنا فتنحنح المحامي هاتفا بثقة وثبات اعتاد عليهما بسبب مكانته المرموقة والشهيرة في عالم المحاماة :
"أنا المحامي صافي الشيخ جئت من طرف والدي الاستاذ نظير الشيخ لنتوّلى أمر قضيتك بعد تواصل محامي حضرتكم معنا هاتفياً من تلك البلاد..!!"

بالكاد ارتسمت ابتسامة على محيّاه يفوح منها العظمة والخيلاء وأجاب بسموّ محافظاً على كبريائه دون تزعزع يظهر:
" تشرفت بك.... السيد نظير الشيخ صيته يصل الى الخارج ونجاحاته لا غبار عليها فهو محامي مخضرم يحتذى به ..!!..."

اومأ بامتنان وزهوّ ملاصق لشخصيته ومؤكدا على كلام الآخر:
"أجل هو استاذي وقدوتي بغض النظر عن انه أبي الذي افتخر به وسنعمل معا في قضيتك .!!.."

عدّلت جلستها بعد إحساسها بتيبس أطرافها وتعبها فحدّجها بحنان حرمها منه في صباها عائداً الى طفولتها التي كان يعاملها بها بشكل خاص وربّت على فخدها ليبث الطمأنينة لها ثم نقل حدقتيه للجالس أمامه هاتفا بأريحية وكأنه لا يحمل هماً وليس هو المتهم وكأنه يتكلم عن آخر محتجز بالداخل فقط يهمه أمره :
" إذاً من أين سنبدأ ؟!.."

أسند ظهره بثقة تامة يشوبها الغرور وقال:
" هذا لقاءنا الأول للتعارف ولزيارة السيدة المى لك.... فنحن بصعوبة حتى حصلنا على هذا اللقاء القصير!.."

تنهد بهدوء ثم نهض منتصباً بوقفته مستطرداً:
" لذا سأترككما تبّلا شوقكما من بعضكما لتستغلّا الوقت وسأعود مجددا لمناقشة قضيتك لنبدأ خطوة خطوة..."

أفرج عن إبتسامة عصية وحرّك سبابته بحركة أشبه بالتهديد مازحاً:
" لكن بالطبع عليك مساعدتنا بأدق التفاصيل .....حتى نقاط ضعف خصومك.!!.."

حرّك رأسه بإيجاب يحمل بجنباته الأمل رغم يقينه لحقيقته الّا أن حب الحياة عند امثاله يجعلهم يتعلقون ولو بقشة من أجل العودة للنعيم الزائف الذي يعيشونه وقال بتعالي:
" بالطبع سأعطيك ما تريد من معلومات ..!.."

اطلق ضحكة متمهّلة بعجرفة مضيفاً بصوته الجهوري :
" كذلك من أموال..!."

أمال فمه بابتسامة مجاملة ونظر لساعة يده وهو يقف بتباهٍ وهتف :
" لنا لقاءات طويلة ...أما الآن استأذنكما ..."

وتطلّع على التي رافقته مستأنفاً وكأنها أمانته أو تحت مسؤوليته:
" سأنتظرك في الخارج...!."

اومأت رامشة بعينيها بامتنان هامسة بصوتها الناعم:
" حسناً.....سلمتَ....لقد أتعبناك معنا!!..."

بعد انصراف المحامي التفت (عاصي) لابنته الجالسة جواره ثم سألها متوجساً:
" لم تخبريني ...كيف وصلت لوالد هذا المحامي؟!... فهو ليس اي محامي!!..أنا أعلم أي أموال ينهشون من موكليهم..."

لمعت عيناها بعطف وامسكت يديه بقبضتيها الصغيرتين وأجابت تطمئنه: " تواصلت مع محاميك من أجل ايجاد الأفضل لك هنا في هذه البلاد وقد اشار لي على السيد نظير الشيخ !!..لقد أشاد به كثيراً وأطلعني على عناوين بعض القضايا التي نجح بها ....فوثقت به ووافقت على اختياره !.."

هتف بارتياب وحيرة:
"لكن أنتِ... من اين حصلت على الاموال لتوكيله ؟!.."

هربت بحدقتيها جانبا وغصة اختلجت صدرها ثم شجّعت نفسها لتعيد نظرها لعينيه مجيبة بخفوت وتمهّل كأنها تخشى عليه من الصدمة فهي تعرف ماذا يعني له هذا القصر وكيف بناه بدم قلبه على حسب ظنها وليس بالطبع على دماء الأبرياء:
" لقد قمت ببيع القصر يا أبي !!..."

كانت ردة فعله الأولى الصدمة لتشعر من فورها بانقباض خافقها لوهلة !!....اعتقدت أن سببها خسرانه لقصره ليتدارك صدمته في الحال سائلا ً بتعجّب وانشداه:
أبعتِ القصر ؟؟.."

فرك صدغيه بإصبعيه مطأطئاً رأسه سارحا بالأرض الباردة للحظات بتيه وضياع ثم رفعه مجددا هاتفا باستغراب :
" كيف بعت القصر وهو باسم ذلك الحقير المدعو يامن او أيٍّ كان ؟!.."

أجابت بأسى :
" لقد كان القصر باسمي منذ عقد قراننا ....بعد الفاجعة التي أحلّت بنا جاء محاميه واخبرني بذلك ....تحديداً على أثر انفصالنا وقد كان من ضمن مهري !!.."

تمتم بحقد دفين يغذي به روحه الجشعة :
" اللعين!!.... على كل حال يبدو أن هذا الخير الوحيد الذي فعله ذلك الوغد!!.."

بقي يتأمّلها لثواني ليسألها بعدها بفضول :
" وهل انفصلتما رسميا؟!."

اجابت بإيجاز:
" ليس بعد !!.."

برقت عيناه بغلّ وكراهية وقال بصوته الضغين:
" هل علمت ماذا فعلت المسماة خالتك ؟!.."

صمتت صمتا يسيرا تكتم عبراتها وهمست بصوت أبح :
"رحمها الله.... لقد ماتت!.."

صك فكيه بسخط وتمتم من بين اسنانه دون أن تهتز شعرة ببدنه وكأنها ألقت عليه خبر عابر :
" فلتذهب الى جهنم تلك الافعى الخائنة!!..... لقد باعتني تلك الحقيرة !!.."

حاولت الدفاع عنها بوجع والندم ينهش خلاياها هامسة بكلمات كادت ان تختفي بحلقها :
"الذنب ليس ذنبها ...انما ذنب من خدعها يا ابي!!.... ارجوك لا تدعو عليها بغير الرحمة.... انها الآن عند بارئها "

هتف بضيق مغتاظا :
" لا تعطفي على امثالها..... كنت أُسكِنُ ثعبان بيننا ....لا أعرف كيف أمّنتها عليك!!.."

عدّلت جلستها لتبدّل الموضوع الذي أزعجه وأزعجها فكانت كأنها تقبع بين شقي رحى لا تدري أتعطف عليه وتسانده ولا تعترض على ما يتفوّه به لأنه يتكلم بقهر وخذلان أم تدافع عن غاليتها التي لم تفارق مخيلّتها وتبكيها كل ليلة بتوق وندم ؟؟......تنحنحت وهمست ببراءتها تشق ثغرها ابتسامة تلوّن ملامحها :
" أبي...!!.."

رمقها بتساؤل فتابعت بحياء وهي تمسك يده بكف يدها البيضاء الرقيقة تجذبها نحوها لتهبط بها على بطنها :
" ستصبح جداً يا أبي.....بارك لي...!!.."

لم ترَ ما أحلّ به من ذهول ولا من اكفهرار وجهه ولم تشمّ أنفاسه النافرة المعترضة عندما هتف بتصنّع :
"حقا؟....كم هذا جميل أميرتي.!!.."

استأنفت بطيبة قلبها ونقاء روحها:
" أخرج بسرعة لنربيه معا..!!"

لحظات انعزل بها عن عالمها يدور بين أروقة عقله مشتتاً ثم نظر إليها مستفسرا بتشكك:
" هل ذلك اللعين عرف؟!"

اومأت ب(لا) وابتسامة ضائعة ارتسمت على وجهها فيها الوجل من ردة فعله وهي تجيب:
" يتوجب علي اخباره قبل أن يعلم من غيري ويأخذه مني ....لنا لقاء اليوم من أجل هذا.."

آثر السكوت بعد سؤالها مما جعلها تندهش ثم تتلو اندهاشها بنظرة ترقّب عسى أن تستشّف أيتها إجابة واضحة فهي لم تأخذ من سكوته ولا التأييد ولا الاعتراض وهذا زادها وجلاً فلم يتردد والدها يوماً ولم يحتر بالردّ على استفساراتها سواء أعجبها أم أرعبها ولو أنه عقّب بالحال لأراح بالها ولكان لم يكن ليضعها بحيرةٍ من أمرها ولا بموقف غامض المعالم كما الآن لكنها لن تضغط عليه ولن تعيد ما قالته وستكتفي حالياً بالصمت حتى ينطق بما لديه .....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~


غارقان في احاديثنا نتبادل الضحكات انا وصديقي (سامي) بينما كنا نقف عند باب الغرفة الكبيرة في بناية السجن الأمني المركزي حيث ينتظر الزائرين دورهم لمقابلة ذويهم من السجناء وكلٌّ حسب موعده وكان على مدخل هذه الغرفة يتواجد مكتب لعنصرين من الشرطة مسؤولان عن هذا القسم وأناس بمختلف أجناسهم واعمارهم يتخذون المقاعد الى حين استدعائهم للدخول!!....كان الجميع ينتظر ونار الاشتياق تحرقهم أمّا أنا كنتُ البركان ذاته الذي يحمل داخله حمماً من العشق والغرام لها ويحرق الكون من أجلها....أنتظرها نافذاً الصبر!!...أتوّق لرؤياها....أعدّ الثواني لتأسر أرضي بسماءيها....فطلبها بمقابلتي خصيصاً جعل فراشات الدنيا كلها تتراقص داخلي....كنتُ اشعر بالسكينة من الداخل أحمل الأمل لا غير بشأن علاقتنا المكسورة .....هل يا ترى تريد الإصلاح وجبر انكسارنا؟!....هل اكتشفت شيئاً يبرأني أمامها ؟!...أعرفت حقيقة والدها الخائن وأتت معتذرة؟!....آااه من أحلامي البريئة ما أصعبها !!.....لن أسمح للشيطان بهزمي وهو يحثّني للقنوط.....سأرفع سقف طموحاتي بها محسناً الظن!!..... فجأة من بين ضحكاتنا وصلني صوت تسلل الى مسامعي من ذات الرواق الضيق الذي يربط هذا المكان بغرفة اللقاءات المحصنة التي تجمع السجناء مع عوائلهم أو محاميهم... كان صوت حذائها ذو الكعب الملفت !!.....استدرت ثابتا مكاني...فاختل توازني وتبعثر زماني ....فرح خائني ودغدغ كياني ...لما رأيتها ترتدي لوني المفضل الذي ينافس لون سماءيها ...عند استدارتي تسمّرت بأرضها بعد ان وقع نظرها عليّ هي الأخرى...!....أمشتاقة؟؟....أتوا قة؟؟...عينيّ يغلفهما لون العشق الذي لا يظهر الّا امامها.....هي قدري واختياري.....وحدها من لها النصيب في كل ما يخصني....إنها من تشاركني أنفاسي وهي البطلة في أحلامي ولا غيرها يقود قلبي ليحدد سرعة دقاته ....حوريتي في دنيتي وجنتي....ألمى الروح وسمائي ..!!...بادرتُ أنقل قدمي بتروّي أتقدّم نحوها.....فهي ما زالت صامدة حيث توقفت!!...أيعقل أنها خجلة من بعدِ البُعد ؟! ...انفرجت أساريري لأنثر شذى حبي لرفيقة دربي ومليكة فؤادي...تقدّمتُ أكثر وأكثر لا أرى سواها ولم ألمح أيّ شبهة على محيّاها ....لم تهدني إلا نظرات عينيها ....أهي نظرات مبهمة؟!..أم خائفة؟؟...كلا إنها نظرات لهفة وصبابة وحنين فاض بي وبها....لن يخدعني خائني !!....هي ثواني قليلة التي تساءلت بها وكأنها دهراً فما زالت لم تتحرك وقبل أن اصلها بمترين وأكثر قليلاً كأن شريط الحياة عاد لها بغتةً فأسرعت لتمحو المسافة القصيرة بيننا وتصلني بينما ضحكتي الهائمة بسحرها لم تفارقني وعلى حين غرّة ولجزء من الثانية شعرتُ كأني وقعتُ من السماء الى الأرض أو ألقاني أحدهم بمستنقع من جليد قطبيّ عندما غدرتني بصفعة أنزلتها على خدّي تزامناً مع همسة اشتقتها من بئر الشقاق والعداوة:
" أنت مجرّد حقير.....أكرهك!!.."

صفعة لم استعدّ لها فقد أعماني حبها وهمسة غرزتها بنصل سكينها الحاد متشعب الأطراف ....وهنا تماما جنّ جنوني....وانهارت لتفتح طريقاً للكبرياء حصوني ..فتحولت البرودة التي ذقتها للحظات لنيران أضرمت بسائر جسدي الضخم نيران تدفعني لألقي مبادئي وحنيّتي بل عشقي إلى الهاوية....سحقاً للعشق...وتباً للعشاق.....لم أمهلها أن تأخذ أنفاسها بل أجبتُ على صفعتها أضخُ لهيب انفاسي بعد انتفاخ أوداجي ووجوم وجهي الذي شهد عليه كلّ شخص يتواجد هنا ...اجبت بحركة دفاعية قاسية لم أرغب يوماً أن افعلها مع أنثى وليست أي أنثى!....إنما من احتلّت وجداني وسرقت قلبي ...أنثى أهديتها روحي ولم أبالي أن أكون يوماً فداءً لعينيها ......هي الأنثى ذاتها التي عشقتها وخذلتني....اشتقتُ لها وغدرتني ....قطعتُ من أجل عينيها مسافات فأحرقتني.....ألصقتُ اسمها بإسمي معتزاً بها فأهانتني...!!....أين ذهب حبها ؟!...كيف استطاعت أن تبيع ما بيننا دون تفكير..!!....أهذا الذي انتظرته منها لساعات ؟!....أهذا ما استحقه بعد أن أفنيتُ عمري متيّماً بها ؟!.....طوّقت معصمها بإبهامي وسبابتي حتى اوشكت على سحق عظامها والشرر يتقافز من عينيّ وشددتُ على فكيّ ثم أدرتها بطلاقة كلعبة البلبل حتى أشعرتها بالدوار ليصبح ظهرها ملاصقاً لصدري وبفحيح رجل غاضب أحس بهدر كرامته أملت رأسي مقترباً بشفتي لأذنها هامساً بصوت خفيض جاف...قاسي خالي من أي مشاعر اعتادتها مني :
" أتذكرين عندما قلت لكِ سابقاً أنني لست مسؤولاً عن ردة فعلي إذا حاولت إعادة حركتك هذه ؟!!."

كان صدري يعلو ويهبط انفعالاً وصوت لهاثي الكاره يخترق أذنها ولم يرحمها بينما هي تكمش عينيها وتقاسيم وجهها ألماً .... تئن بخفوت محرجة من أن يسمعها أحد وهمست راجية:
" اترك يدي....أنت تؤلمني!!..."

أطلقت ضحكة قاسية وأجبت بذات الفحيح:
" ليس بعد يا صغيرة!!.....لم أنتهِ......سأجعلك تندمين لعصور قادمة وأنت تفكرين كيف تجرأتِ على فعل هذا لزوجك وأمام الناس ؟!.....سأجعلك عبرة لمن يعتبر يا ألمى.....أتسمعيني؟!....أنت تخطيتِ حدودك منذ زمن وأنا صابراً متعاطفاً معكِ.....لكني لم أكن سوى أحمقاً أعماه حبك وأسرته فتنتك!!.....انتهى عهد رقتي وحان الوقت لتذوقي عقابي.!!....اخترتِ فإذاً تحمّلي عواقب اختيارك!!!..."

همست بضعف ونشيج خفيض موجوعة:
"أيْ... قلت أتركني...ماذا تريد مني؟!.......يكفي......طلقني.... أنا أكرهك....أكرهك"

اندفع عنصران من الشرطة ليفضا شجارنا ويحاولان ابعادي فصرخت بهما:
" لن يقترب أحد.....زوجتي وأربيها كما أشاء!!...."

لم يصغيا لي وزلفا مني أكثر فانضم إلينا توأمي وأخرج بطاقته يريهما إياها آمراً بحزم:
" أنا العقيد سامي وهذا معي.... سأتولّى الأمر بنفسي!!.."

رفعا كفيهما لجبينهما وضربا بقدميهما الأرض بتحية العسكر هاتفان:
" أمرك سيدي!"

دنا مني صديقي لينهرني فرفعت يدي باسطاً كفي أمامه لأوقف اقترابه وهتفت بنبرة خشنة :
" من فضلك ابتعد عني ولا تتدخل.....!!.."

حاول الاعتراض فأوقفته بعزم أكبر:
" سامي!!....قلت لا تتدخل إنها زوجتي!!.."

ما زال معصمها أسير قبضتي وما زلتُ أضغط بقوة لو ضاعفتها لغدت بيدٍ مكسورة وعظامٍ مفتتة مسحوقة وتابعت خطابي بعد أن عتقني صاحبي علّني أعيد شيئاً من كرامتي:
" لا أعلم أي حقد تحملين ؟!.....أما زلتِ كما تركتكِ كارهة لا تعرفي للحب سبيلاً ولا للمسامحة طريقاً ؟؟!....نحنُ تعادلنا.....والدك قتل والدي فاستحق السجن....انتهى ...أسمعتِ...انتهى.....هذا هو العدل!!....ما الذي تريدينه بالضبط.؟؟....ثرتِ...كسرت....ضرب ت....مزقتِ...شتمتِ....حتى أنك حاولتِ قتلي بالبندقية.....كل هذا لم يؤثر بي لأني تفهمتك وحاولتُ احتواء غضبك ....قلت تحمّل يا رجل هي انثى مجروحة ...هي حبيبتك ...إن لم تستقبل أوجاعها بنفسك ولم تحاول تضميد جراحها من العيب أن تسمي هذا حباً.....سحقاً لكِ ولحبّك وسحقاً لمن أحبّك!!"

أنفاسي الملتهبة تلفح عنقها واذنها بينما لم أتوقف عن متابعة كلامي:
." أردتُ أن أثبت لك ولقلبي الخائن أنني آهل لك....يمكنني تحملك بكل حالاتك ...ببساطة لأني عاشقاً متيماً ....عذراً....بل كنتُ عاشقاً متيماً......فتحملتك بحلوك ومرك ولم أجزع ولم يهمني أي شخص حاول معارضة اختياري ...تحمّلتك بجنونك قبل سكونك!!......أجل سأعترف أنني مغفلاً سلّمك قلبه وروحه دون تفكير."

ثم بصلابة ونبرة حادة استأنفت:
" أي جريمة فعلتها لأستحق هذا منك؟؟.......أم جريمتي الوقوع في هواك؟؟.......جئتك أحمل آمالي .....خالتك وصتني عليك سابقا لأكون الجدار والبوصلة وووو.....ماذا سأذكر لكِ؟!......تركتُ لك المساحة الكافية لتفرغي غضبك بالمكان الذي تريدين ولم اجبرك على شيء رغم انك زوجتي.....لم أجبرك لتكوني معي وكانت نيتي كي لا اكسرك وإذ بك تخططين لكسري!!........أتعلمين حتى أنني وضعتُ احتمالية انفصالنا رسميا لو صممتِ على ذلك بكامل قواك العقلية..!!......لو وضعتِ عينك بعيني وقلتي أنا لا أحبك ولا أريدك ولا العيش معك كنتُ سأجازف وأفعلها وفقط من أجلك إن كان بهذا سعادتك."

زدتُ بضغطي على معصمها أكثر بسبب انفعالي وكانت عواصف كبريائي تهبّ بجسدي وأضفتُ بينما كانت هي تتلوى تحت يدي وجعاً وحرجاً تتوسلني أن أتركها ولم أكن أبالي :
".....أما الآن لو أطبقت السماء على الأرض وطلعت الشمس من الغرب لن تنالي الطلاق.!!..."

وبدّلتُ نبرتي لتصبح أكثر قسوة ونشوزا تزيدها رهبة وهي مغمضة العينين من وجع يدها وكان فائض من الأوجاع يحتلّ قلبها الصغير ولم أكن أعرف ما سرها :
" أتفهمين أم أعيد علّ عقلك الصغير المغلّف بالكراهية يستوعب ما أقول؟!....أجل....لن أُ..طَ..لِّـ..قُـ..كِ...احفظيه? ? !!....سأتركك معلّقة....لا تعودين لسابق عهدك ولا تغيرين مستقبلك.....سأجعلك أن تتذكريني ولو كارهة في الغدو والآصال.....سيبقى اسمك ملاصق لاسمي ليس كزوجين....إنما كعدوين وسأمضي في حياتي دون أن أذكرك.... وقسماً .... سأهجر كل من سيأتيني بسيرتك إن كان بنية الاصلاح او غيره حتى لو كانت أمي نبض حياتي!!....مثلما استوطنتِ قلبي سأقلعك من جذورك ولو اضطررت لاجتثاثه بالكامل .......ظننتُ بك الخير دوماً وما كنتِ الا واحدة تسعى للدفاع عن الشر وتقاتل لاستمراريته...!!.......أي حقد تحملين بقلبك اتجاهي لدرجة أن تهينيني هكذا أمام الجميع وانا زوجك ؟؟.....أجزم أن حبك لي الذي ادعيته سابقا لم يكن سوى خداع أو لعب طفلة مدللة لا تعرف ماذا تريد!......"

بيدي الأخرى مسكتُ شعرها المربوط بذيل حصان ثم أرجعته ليصبح وجهها مبايناً لوجهي وسلّطتُ أرضي المحترقة لسماءيها وهتفتُ مستشيطاً غضباً دون أن أعلّي نبرتي :
" لو تنظري بالمرآة سترين ما وراء عينيك من كراهية وغل ....لم أعد أرى الحب بهما ولا براءتك و لا حتى نقاءك الذي عشقت.....انت اخترتِ هذا الطريق الشائك المزروع بالألغام....إنما ألغام ستنفجر بك وحدك ...فبأنانيتك وحماقتك أردت طمس الحق وتظليل الحقيقة.....حقيقة وحيدة يدركها الجميع حتى والدك بذاته......حقيقة أن عاصي رضا أكبر مجرم خائن لوطنه ودينه ........هذه الحقيقة ستقاوم وتحارب لتخرج للنور وهذا النور سيسلط على عينيك بقوة ولن تتمكني من إبعاده حتى لو اغمضتهما لأنه النور الذي سيخترق كل ذرة فيك ليصل قلبك.....وسأرجو الله بأن لا تكوني حينها موجودة في سطور حياتي ولا بين صفائح دمائي وسأجاهد من أجل هذا والجهاد نهجي ولعبتي يا ابنة عاصي....."

ودون أن تحس بنفس الخفة أدرتها لتعود تقابلني كما البداية مثبتاً معصمها هاتفاً بنفور وعدوانية:
".هنا نكتبُ نهايتنا....!!"

حدّجتها بنظرة قاتلة كنتُ هائجاً متهدّج الأنفاس من تيار غدرها الذي صعقتني به وأضفت:
" اذهبي وعيشي الذل والهوان علّك تصحين من غفلتك... ....فالدلال والاحتواء لم يزيدوك الا عصياناً وتمرداً أحمقاً.......تذوقي الفقر لتعلمي أن الله حق وأنه كيفما اعطاك أخذ منك ومع هذا يبقى الرحيم اللطيف بك وبأحوالك فقد سخر لك خير الناس ...مربية فاضلة وفتاة تقية.....إنه يضعك باختباراته لكنك غبية عمياء البصيرة لا تنظرين الا من زاوية واحدة بحجة أنه والدك.....ألا تستوعبين أن كل المجرمين بشر ليسوا سوى أباً وأخاً وابناً وحبيباً وجاراً وصديقاً ...بشر يمكنهم فعل الجرائم بكل برود ودون ذمّة أو ضمير أو ذرة ندم....ووالدك منهم بل أكبرهم .....لمَ تستغربين هذا منه؟؟....أهو منزّل من السماء ونحن لا ندري؟؟......ثم لمَ تكذبين على نفسك وانت رأيت قسوته بأمّ عينيك؟!.....ضعي كلامي كحلق في أذنك.....والدك فعل أقبح الجرائم ويفعلها وإن أتته أي فرصة الآن سيعود ليفعلها فهو خالي من رائحة الانسانية ...!!.....ومصير نور الحق أن يسطع يا ابنة الوغد.!!...لا تنسي هذا...."

حررتها رافعاً كفي أدفعها من صدرها لتنصرف بصوت صارم أكثر ارتفاعاً:
" اذهبي لا أريد رؤيتك من بعد الآن....هيا اغربي من أمامي ....انتهينا!!.."

ولم أكن أعلم وأعي أن دفعي لها كان عنيفاً لدرجة أنها وقعت أرضاً للخلف على مؤخرتها ويدها المتألمة التوت تحتها عند اتكائها عليها كردة فعل أمام مرأى الحضور!!....لقد كنتُ فاقداً عقلي وجنون كبريائي يسيطر عليّ هذه الساعة ....وبومضة خائنة ارتجف قلبي رغماً عني لكني تسلّحتُ بالقوة والصمود ثابتاً كأنني معدوم المشاعر ارمقها بحدقتين غاضبتين وصلتا أقصى درجاتهما ثم غضنتُ جبيني وضيّقتُ عينيّ أراقب بتركيز رجلاً شاباً يرتدي حلة أنيقة وقد عرفت هويته التي رأيتها عند بحثي عن تاريخ محاميهم الذي وكّلوه كان قد دنا منها هاتفاً وهو يتحدّاني بنظراته :
" ما هذه التصرفات الغير أخلاقية ؟!....هل أنت قاطع طريق؟!"

ثم انحنى يمدّ يده لها هامساً بلطافة:
" اعطني يدك لأساعدك آنسة ألمى.....أعتذر لم أكن هنا ولم أرَ ...."

وبقيت كلماته معلّقه لأجلٍ غير مسمّى عندما سحبته من يده الممتدة نحوها ولويتها له مهدداً بصرامة :
" احفظ لسانك وابعد يدك وإياك ثم إياك أن تستعرض بطولاتك!....لمسة واحدة تلمسها بها سأبعثك من خلالها إلى الآخرة ولن أبالي لمركزك ولا لمركز والدك ذاك محامي الشياطين وقد أعذر من أنذر يا سيد صافي ..!!.."

حاول افلات نفسه بقوة والدفاع فدفعته هو الآخر أحرره من قبضتي ليرتدّ بعدها للخلف فقوتي الآن مضاعفة لن يستطع الوقوف ازائي ....أعدتُ نظري إليها حيث كانت تمسد معصمها باكية لتنتقل وتضع يدها على بطنها وعبراتها تنهمر على وجنتيها توثّق أوجاعاً على أوجاعها وكانت تطرق رأسها محرجة لم تقوَ على الالتفات حولها ولا على النهوض ثم الهروب من هنا...كانت كأنها تحجب نفسها....لا تريد أن ترى نظرات الناس الذين كان منهم ما بين مستنكراً للحدث دون تدخّل أو مستمتعاً بالمشهد .......اقترب (سامي) وقد نفذ صبره عليّ ولم تعجبه تصرفات كلانا ثم أمسكني من ذراعيّ من الخلف يوجهني للخروج هاتفاً بجدّية:
" تركتك كما تريد ولم أتدخّل.....يكفيك جنون انتظرني في الخارج!!..."

نفثتُ أنفاسي بقوة والتفتُ للوراء التفاتة يسيرة اتطلع عليها بنظرة جانبية وكانت هي ما زالت مكانها تبكي فقسوتُ على قلبي أكثر وجعلته متحجراً بليد الشعور عندما اخترتُ إكمال طريقي دون رجوع خارجاً من هذا المكان الذي خنقني وأخرجَ اسوأ ما بي من تصرفات كانت ضحيتها التي حملت اسمي وخطفت قلبي وأمام القريب والغريب!!.....راقبني صديقي حتى اختفيتُ من أمامه ثم سار إليها وانحنى قليلاً صوبها بينما كان يشيح عينيه للجهة الأخرى يغض بصره عنها احتراماً لي وقال بجدية:
" ما كان عليك فعل هذا .....لقد دستِ على عرق كبريائه ...لم يجرؤ أحد على فعلها من قبلك !!.....والده لم يصفعه على وجهه يوماً ....احمدي الله أنه اكتفى بهذا ولو كنتِ رجلاً لما خرجتِ حية!....هيا انهضي على مهلك واذهبي غسّلي وجهك..!....لا أعلم كيف سوّلت لك نفسك بأن تجلبيه من مدينتنا البعيدة من أجل اهانته.!!.....لن يثق بك مجدداً!.....خطأك كان فادحاً وأظن في قاموس هادي لن يغتفر .....إنه لشيء عظيم.!!.....هداكِ الله يا زوجة اخي!!......هيا انهضي ....لقد أصبحتما مشهداً وضيعاً أمام الناس...."

×
×
×

كنتُ في الخارج واقفاً واضعاً يديّ على خصريّ ناظراً للسماء استنشق الهواء الطلق لأعيد اتزاني منتظراً صديقي الذي لحق بي بعد دقائق وألصق كفه على ظهري قائلاً:
" اهدأ يا صاحبي.."

لم انظر له واغمضت عينيّ أشدّ عليهما وشعرتُ بوجع يخرج من معدتي سببه فقدان أعصابي فربّت على كتفي هاتفاً:
" هيا الى السيارة لنعود أدراجنا"

" ليتك منعتني من المجيء يا صاحبي!....ليتك حبستني بالفعل ولا أن أعيش هذا اليوم!..."

هزّ رأسه محوقلاً وقال:
" عساه خيراً هادي..."

تنهّدتُ بعمق واستدرتُ قاصداً التوجه للسيارة لترصد عيناي طرف ساقها وهي تركب سيارة محاميهم الشاب فتأججت نيران غيرتي وأثيرت حفيظتي ولمّا لمح (سامي) ما رأيت حاول منعي فدفعته عني شاتماً الآخران:
" من يكون الحقير لتركب معه ابنة النجس!؟.....يبدو أنها لن يهنأ لها عيشاً قبل أن تجعلني قاتلاً لا محالة!!..."

أسرعتُ بخطاي الغاضبة أدكّ الأرض من تحتي وفتحتُ بابها قبل أن يشغّل محرك سيارته وسحبتها من ذراعها وهي تقاوم صارخة:
" ابتعد....اتركني!..."

فهززتُ يدها بعدوانية وسحبتها هاتفاً بخشونة بينما كنتُ أرنو بنظري للساحة أبحث عن أي سيارة أجرة :
" اسمي ستصونينه غصباً عنك!!.....لا علاقة لكِ بالرجال وإلا لأحرقتك اينما تكوني!!.....ذاك البغيض المتملّق لا كلام لكِ معه ...."

وقفتُ فجأة وضغطتُ على ذراعها صارخاً بوجهها:
" أسمعتِ ما قلت ؟!..."

كانت عيناها ملتهبتان من كثرة بكائها وما زالت الشهقات تخرج منها فوصلني هذه اللحظة محاميهم المتملّق قابضاً على ذراعي ومهدداً:
" اتركها أيها الهمجيّ...ألم يكفك ما فعلت في الداخل من فضائح؟!.."

توقفتُ عن هزّها لبرهة وأنزلتُ حدقتيّ ناظراً ليده ثم أفلتُّ من كانت أسيرتي لألكمه بكوع ذراعي في وجهه وقلت وأنا أمسكه من تلابيبه:
" يبدو أنك مصرّاً على وقاحتك وتدخّلك بما لا يعنيك!؟.."

وضربت جبينه بجبيني صارخاً بينما ما زالت ياقته بيديّ:
" في قاموس هادي ....لا تدخّل بين الأزواج ولو أحرقا بعضهما !!.....هذا أولاً.."

ولحقتُ الضربة الأولى بثانية مماثلة:
" في قاموس هادي .....لن يقترب أيً كان من زوجته!!....هذا ثانياً.."

ثم أفلتُ إحدى يديّ ولكمته على خده متابعاً:
" في قاموس هادي لن تكون لك علاقة مباشرة معها بما يخص قضيتها.....يعني اجعل امرأة وسيطاً بينكما أو والدك فقط......ولو رأيتكَ مرة أخرى قربها سواء داخل المحكمة أو خارجها سأجعلك تندم على اليوم الذي تعلمتَ به محاماة أنت ووالدك......!!..."

تركته هادراً به :
" هيا انصرف من أمامي..!!.."

وعدتُ للواقفة تحتضن نفسها بذراعيها كأنها تلتمس الأمان منهما وهي تبكي بصمت وانفجارات الألم والقهر تعيشها في باطنها دون أن تترك لها ركنٌ آمن تستند عليه !...أمسكتُ ذراعها بذات العنف الذي ذاقته مني حتى وصلت سيارة أجرة قريبة وأركبتها بها ودفعتُ للسائق ثم وليّتها ظهري متجهاً لسيارة صديقي بينما كانت هي تلقي نظراتها وكأنها النظرات الأخيرة التي تحمل بها العتاب والملامة وهي تضع يدها تتحسس بطنها وقد أحسّت بنغزات تأتيها من أسفله .....دموعها قد تساقطت دمعة لتلحقها أختها وهي تعيد في ذاكرتها ما سمعته من والدها عندما كانت تنتظر رده بعدما قالت له بأنها تود اخباري بحملها وكان قد سبق كلامه دمعة اختلقها بمكره الثعلبيّ أشبه بدمعة تمساح مع نغمة حزينة ارفقها بصوته ليعزف على وترها البريء العطوف.!!

\\\..." لا....لا...إياك أن تخبريه بحملك!!."

سألت متعجبة:
" لماذا أبي؟...هو والده وعليه أن يعلم!.."

بصوته الدرامي أجاب وهو يطأطئ رأسه يمثّل أنه يهتم لأمر حفيده:
" إن أردتِ لابنك أن يعيش ....لا تخبريه عنه....اسأليني أنا!!.."

سألته وما زالت مستغربة!..:
" لم أفهمك أبي....ما الرابط بين حياة ابني واخباره؟!.."

أجاب بخباثة ولؤم وكأن ألتي أمامه ليست من صلبه :
" عندما أمسك بي وسألته عنك وكيف فعل بك هذا وماذا إن كنتِ حاملاً.....ضحك ساخراً منا وقال لي بلسانه * أتظن أنني أرغب بولد من ابنتك التي تحمل دماؤك النجسة ؟!*...و..و...."

ونكس رأسه أكثر ليؤثر عليها بشكل أكبر وكأنه لا يستطيع المتابعة وهو يهز رأسه رافضا فأصرت عليه ليكمل وبعد اصرارها البريء أكمل:
" لقد قال لي بالحرف الواحد....*.ابنتك كانت للتسلية وأعدك لو علمتَ يوماً أنها حملت مني سأجعلها تجهضه إن بالرضا أو بالإجبار !!.....فلو بقيت هي آخر امرأة على الأرض لن أقبل بأن يكون لي أبناء منها ولا أن تكون أماً لأولادي.......لأنها ابنتك انت!!....ودماؤها هي دماءك...*...\\\

**********( انتهى الفصل السادس والثلاثون )**********


أتمنى لكم قراءة ممتعة....

يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين....



ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 05-02-23, 05:53 AM   #2138

سماح نادين

? العضوٌ??? » 487383
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 426
?  نُقآطِيْ » سماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond repute
افتراضي

أخيرا نزل الفصل 💃💃💃💃❤️❤️😍
حتى لو متأخر المهم ضمناه بنات
لي عودة ألحاني بعد قرائته 😘😘😘


سماح نادين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-02-23, 07:10 AM   #2139

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 39 ( الأعضاء 9 والزوار 30)
‏ألحان الربيع, ‏زهر العمر, ‏افيندار, ‏قاهر الصعب, ‏نائلة نصر, ‏ام نود وريم, ‏بنفسج العشق, ‏سماح نادين+, ‏ام احمد ورؤى



قراءة ممتعة وبتمنى تعجبكم🌷🌾


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 05-02-23, 08:00 AM   #2140

кнadιja .♡

? العضوٌ??? » 337327
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » кнadιja .♡ is on a distinguished road
افتراضي

🤍🤍🤍🤍🤍🌹🌹🌹🌹🌺🌺😀😀🌸🌸💕💕💕

кнadιja .♡ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:58 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.