آخر 10 مشاركات
جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          152 - الحلم الممنوع - مارغريت بارغيتر (الكاتـب : حبة رمان - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          حنين الدم ... للدم *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : رؤى صباح مهدي - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          القرصان الذي أحببته (31) للكاتبة الأخاذة::وفاء محمد ليفة(أميرة أحمد) (كاملة) (الكاتـب : monny - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree2701Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-08-23, 09:38 PM   #381

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جاري تنزيل الجزء الثاني من الفصل الخامس والعشرون

Heba aly g غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا بأس إن قضيت نصف عمرك غريب الروح إذا كنت ستقضي ما تبقى منه حبيب الروح
رد مع اقتباس
قديم 07-08-23, 09:39 PM   #382

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
Rewitysmile10

الفصل الخامس والعشرون

الجزء الثاني

حين شعر عبدالرحمن بأن لجامه على وشك الانفلات وشيري تقف أمامه بهيئتها التي تجمع ما بين القوة والضعف في مزيج أذهله هو شخصيًا سحبها من معصمها أمام عينيها المذهولتين متجهًا نحو البيت فأردفت بدهشة
-ماذا تفعل؟
لم يرد عليها وقد عصفت به عاصفة من مشاعر جامحة لجمها لسنواتٍ وها هي تصارع لاطلاق سراحها؛كانت تسير خلفه بقوة الجذب ولا تعرف ما به وكادت أن تتعثر على الدرج لولا ظهور فريدة المُفاجيء وهي تقف أمام الشرفة من الداخل وهي تُنحي الستائر جانبًا وقد رأت ما فعله عبدالرحمن عبر النافذة فأردفت بقلق
-ماذا بكما؟
توقف عبدالرحمن حين رأها وتمتم بصوت مُختنق ووجه مُتجهم
-الآنسة سمعتكِ أنتِ والدكتور تيمور حين كنتما تتحدثان بالأمس وعرفت كل شيء.
اتسعت عيني فريدة قليلًا واهتزت حدقتاها ثم مدت يدها جهة شيري مرددة بنبرة متماسكة
-تعالي يا شيري.
صعدت شيري الدرجات القليلة ووضعت يدها بيدها ووقفت كل منهما أمام الأخرى لثوان وقد ضاعت الكلمات وحل محلها نظرة تائهة تحمل كل معانى الضياع بعيني شيري ونظرة زائغة تحمل كل معاني العجز بعيني فريدة ولكن الأخيرة استدركت الموقف حتى لا تنهار البنت فأردفت بابتسامة مصطنعة وهي تجذبها للداخل -ماذا سمعتِ يا شيري؟
شعرت شيري بالحرج فتمتمت بخجل -صدقيني لم أقصد أن أستمع، كانت بالصدفة .
هزت رأسها بتفهُم ثم أردفت بنظرة ممزوجة بدفء وجدية وهي تمسح على شعرها بأناملها
-حسنًا أنا لا أعرف إلى أي جزء استمعتِ بالضبط ولكن من الواضح أن هناك جزء هام لم تنتبهي له وهو أنني ووالدك سنبذل قصارى جُهدنا حتى تنالون جميعًا السعادة التي تستحقونها،أحيانًا يكون الطريق غير مُمهدًا ومليء بالتعرجات ولكن هذا لا يعني أن الحياة ستتوقف بنا ولن نحصل على السعادة، فقط نحتاج إلى الصبر لننال ما نتمنى.
كان عبدالرحمن يستمع إليها وهو يضع يديه بجيبي بنطاله يحجب عن شيري شعوره بالتوتر ومن داخله بركان يهدد بالانفجار فأردف لشيري فقط ليُطمئن قلبها -كما قالت لكِ أمي،ثم تمتم بنظرة خاصة وهو يرفع حاجبه:وكما أخبرتك منذ قليل.
هزت رأسها وهي تشعر بالارتباك وبأن كل المشاعر مختلطة ببعضها حد التعقيد ونظرتها التائهة لاتزال تحتل عينيها فيشعر بالشفقة عليها فأكمل مؤكدًا :لا أريد لشيء أن يعطلك عن اختبار الغد اتفقنا؟
هزت رأسها دون رد وهي تحاول التماسك حتى لا تبدو مثيرة للشفقة فأردف وهو يكبت غضبه ويأسه بقلبه
-أنا سأذهب إلى العمل.
رفعت فريدة عينيها نحوه بنظرة تتمايل ما بين خجلها منه أنها لم تستطع التأثير على تيمور لتحقيق حلم ابنها وما بين القلق عليه أن يصيبه مكروه وهو يرزح تحت هذا الضغط ثم أردفت
-وأنت يا حبيبي اهتم بنفسك وكل شيء سيكون على ما يُرام.
هز رأسه ولمحت بعينيه نظرة تدرك مغزاها والمغزى أنه يعرف أن كل ما تفعله ليس إلا مُسكنات واهية
أدرك أن عليه الرحيل رغم إلحاح قلبه للبقاء بجوار شيري وتسمُر قدميه في موضعهما ولكنه تذكر احتياجها الذي لم يستطع تلبيته منذ قليل فأردف لفريدة بصوت محتقن
-خذيها بين ذراعيك يا أمي لا تتركيها هكذا.
دققت النظر بعينيه فأردف مُسرعًا مُبررًا طلبه
-ألا ترين كيف ترتجف!
نظرت فريدة إلى شيري فلم تكن ترتجف ولكن عيناها كانتا زائغتين فخمنت مقصد عبدالرحمن وجذبت شيري التي ما إن فعلتها فريدة حتى ألقت نفسها بين ذراعيها فضمتها فريدة بحنان وهي تمسد على شعرها فسحب عبدالرحمن نفسه دون كلام لتسمعان صوت إغلاق الباب يدوي بأذني كل منهما فيصيبهما نفس الشعور بالوحشة .
***
وحين تتوه في منتصف الطريق وتفقد بوصلتك فلا تدري أي الطرق تسلك عُد إلى نقطة البداية وقتها تتضح الرؤية وينقشع الضباب ...
حين دلف كريم إلى المشفى كان يراوده شعور غريب،فيشعر بنفسه حر طليق وكأن أحمال كانت فوق كتفيه وانزاحت فجأة...
صعد بهدوء وروية درجات السلم متجاهلًا المصعد الكهربائي وذهنه يجنح إلى أوقات كانت تمضي كالدهر وهو سجين حجرة الكشف بهذا المشفى ...
وعلى النقيض أوقاته التي كان حرًا طليقًا خارجها وهو يمارس الهواية الأحب إلى قلبه...
وصل إلى حجرة مكتب والده بعد أن ألقى السلام في طريقه على بعض الزُملاء ووقف أمام الباب لدقيقة مترددًا ثم حسم تردده وهو يطرق على الباب طرقتين وقد قرر المواجهة بشجاعة والدفاع عن حلمه ببسالة،ببساطة لأنه حقه.
دلف إلى الحجرة فكان هناك طبيب من الأطباء الصغار برفقة والده فألقى السلام لتتجهم ملامح وجه وليد دفعة واحدة ويكبت غضبه
جلس كريم على المقعد المواجه لمكتب والده ولم تمر سوى دقائق وكان وليد قد صرف الطبيب وينظر إلى ابنه قائلًا ببرود
-أخيرًا تذكرت أن لك أب.
-أنا لم أَنسَ يا أبي .
رددها كريم بهدوء ورغم الموقف الحرج إلا أن جسده كان مُسترخيًا
فأردف وليد بجمود وهو يُداري بمهارة حرقة قلبه طوال الأيام الماضية على فراق ابنه والحالة التي وصلوا لها
-ووجودك ببيت الناس دون أن تسأل ولو لمرة واحدة عن والدك ماذا تسميه؟
-أولًا لم أكن عند أحد غريب ،كنت ببيت صديق لي وتربطنا بهم الكثير من الروابط،ثم أنني لم ألجأ لهم هم من أصروا على بقائي لديهم عوضًا عن الفندق الذي لجأت إليه بعد أن ....
قاطعه وليد بصوت مُحتقِن ونظرة متوترة وكأنه يستنكر سماع باقي الحوار ...
أو ربما كانت الكلمة تؤلمه وتُذكره بما بدر منه في وقت انفعال ونَدَمَ عليه أشد الندم...
-ما حدث حدث وأنا لم أتجاوز صدمتي فيك بعد ولكن ما دمت أتيت فإذن لديك ما تقوله.
زفر كريم مُحاولًا تنظيم أنفاسه وضبط انفعاله فهو لم يأتِ سوى لاسترضائه فليس لديه أي رغبة في نقاش عقيم فأردف بهدوء شديد لا يخلُ من الحزم
-نعم أبي لدي ما أقوله أولًا أعرف أنني أخطأت بعدم اخبارك أنت وأمي بأمر دراستي ولكني لم أفعلها من تلقاء نفسي،لم أفعلها جحود أو قسوة أو تقليل وعدم احترام بل لأنني كنت قد وصلت معكما إلى طريقٍ مُغلقًا .
فتح وليد فمه يهم بنطق شيء والغضب يلمع بعينيه ليقاطعه كريم بصوت رغم حزمه خرج مبحوحًا
-أنت يا أبي ولا مرة فكرت في اهتماماتي وطموحي،ولا مرة فكرت ماذا أريد وأين توجد سعادتي كل تفكيرك كان في تحقيق طموحك أنت.
-هل أخطأت حين أردت أن تكون امتدادًا لي؟
قالها وليد باستنكار فأردف كريم بسرعة وهو يرفع كفيه في الهواء انفعالًا رغم التزامه بأدب الحديث مع والده
-أستطيع أن أكون امتدادك بطرق أخرى غير إجباري على الدراسة والعمل في مجال لا أحبه،أستطيع أن أكون امتدادك حين تفتخر بي في أي مجال أسلكه وأي مكان أتواجد به ،حين ينظر الناس لي نظرة تقدير قائلين هذا ابن الدكتور وليد قدري.
-ونظرة التقدير هذه ستنالها حين تصبح مخرجًا لأفلام ومسلسلات دون المستوى كالمنتشرة منذ سنوات؟
قالها بنظرة مُتهكمة ونبرة تحمل تقليل لقدر ما يفعله
فأردف كريم دون تفكير مُدافعًا عن حلم عمره
-بل حين أصبح مخرجًا لفيلم محترم كالذي شاهدته وأثنيت عليه بنفسك قبل أن تعرف أنني مخرجه .
جز وليد على أسنانه وناظر ابنه بضيق وهو يحاججه وواضح أنه لن يتراجع عن موقفه فأردف باقتضاب ووجه متجهم
-ماذا تريد الآن يا كريم؟ جئت لتخبرني بقرارك فما هو؟
-جئت لأسترضيك أولًا فلن أستطع مهما حدث أن أتركك غاضبًا مني أما بخصوص قراري فأنا بإذن الله على وشك التخرج وسأمارس عملي بعد التخرج مباشرة بل أنا من الآن أفعلها.
هز وليد رأسه بحركة ونظرة ألية وهو يشعر بأن حلم عمره ينهار أمام عينيه فأكمل كريم بنظرة ثاقبة لأعماق والده
-أنا سأحاول أن أوفق بين العملين ،عملي هنا بالمشفى وعملي في الإخراج،من مميزات مجالنا الطبي أن أوقات العمل تكن محددة ومنظمة إلى حد كبير ليس لدينا طواريء وخلافه فإن قَسَمت الأسبوع ما بين المجالين أعتقد سيكون أفضل.
ناظره وليد بصمت وكل ما يدور بباله أن ابنه الذي كان طوع يديه بالأمس صار رجلًا يُحدد مستقبله بنفسه ويرسمه بالطريقة التي يراها هو دون الحاجة لمعرفة رأيه بل لا يأبه به ،طال صمته وهو يناظر كريم فشعر الأخير بالحرج فاستقام واقفًا وردد بنبرة عملية
-هذا إن كنت لاتزال تحب أن أعمل معك وتتقبل قراري بالجمع بين المهنتين.
قالها كريم وهو يرفع الحرج عن نفسه وهو بهذا الموقف واستقام واقفًا يناظر والده الذي ظل على صمته ودهشته وكأنه يرى ابنه لأول مرة فيكتشف أنه أغفل طوال رحلته مع أبنائه الاستماع لهما اكتفى بالتخطيط لمستقبلهما على أتم وجه ،اهتم برسم الطريق وتمهيده كما يراه هو مناسبًا وأغفل أن في الحياة طرق متعددة وربما يود أحدهما أن يسلك درب آخر.
***
كان عمر قد أنهى المحاضرة الأولى له اليوم بالكلية ويقطع خطواته بالممر متجهًا لحجرة أعضاء هيئة التدريس في الوقت الذي وجد فيه عبدالله يخرج من باب قاعة التدريس على يمينه فابتسم كل منهما للآخر ابتسامة عفوية وأقبل عبدالله عليه مرددًا
-صباح الخير.
-صباح الخير يا دكتور كيف الحال؟
سار عبدالله بجواره فخفف عمر من سرعته ليسيران معا ويتبادلان السلام فرغم وجودهما بكلية واحدة ورغم صداقتهما والنسب الذي يربط بينهما إلا أنه أحيانًا تمر أيام دون أن يلتقيان ولو صدفة ...
-دكتور عبدالله... دكتور عبدالله.
قطع حديثهما صوت رقيق من خلفهما لفتاة تُسرع خلف عبدالله فتوقف كل منهما فأردفت الفتاة التي يُدَرِس عبدالله لدفعتها بابتسامة خجلى وهي تتأمل ملامح وجهه الوقورة
-أعتذر بشدة لقد نسيت أن أحضر لك الكتاب الذي استعرته منك الأسبوع الماضي.
تلاعبت ابتسامة ماكرة بعيني عمر وهو يحول نظره بين الفتاة وبين صاحبه فأردف الأخير بابتسامة صغيرة محتفظًا بوقاره الذي يزيده وسامة بعيني طالباته
-لا عليكِ احضريه في أي وقت وإن كنتِ تريدينه كمرجع خاص ليس لدي مشكلة لدي نسخة أخرى منه.
رفعت الفتاة حاجبيها وبدت السعادة بعينيها وهي تردد بقلب خافق
-لا أعرف كيف أشكرك على ذوقك يا دكتور عبدالله ولكني بإذن الله سأعيده في أقرب وقت.
أهداها عبدالله ابتسامة أخرى ثم ولاها ظهره وهو يسحب عمر من ذراعه والأخير كان لايزال يحتفظ بالابتسامة الماكرة فأردف متهكمًا
-ما الحكاية يا دكتور عبدالله؟ هذه الفتاة ليست المرة الأولى التي أراها تهرول خلفك هكذا؟
مط عبدالله شفتيه بعدم اكتراث وردد وهو يفتح باب حجرة أعضاء هيئة التدريس
-أنت تلاحظ أشياء أنا شخصيًا لا أُلاحظها ثم ردد بنبرة متسلية:هل تظن أن كل الناس مثلك!
أردف عمر بنبرة مُتعجرفة قاصدًا المزاح مع صديقه -وهل تطول أنت أن تكون مثلي!
فأردف عبدالله بعد أن جلس على الأريكة بجوار عمر في الحجرة الخالية إلا منهما
-يا حبيبي أنا لا أحب أن أكون مثلك، قلتها لك مرارًا.
لمعت عيني عمر بجذل وهَمّ بالرد المُشاكس على عبدالله ولكن الأخير باغته بتساؤل جاد بنظرة جادة
-على ماذا تنوي في أمر عبدالرحمن؟
تبدلت النظرة المُتسلية بعيني عمر إلى نظرة جوفاء وردد باقتضاب وقد تعكر مزاجه فجأة
-ما الذي ذكرك بهذا الأمر؟
-ما الذي ذكرني؟ وهل نسيته أنت؟
رددها عبدالله باستنكار ثم أكمل
-عمي إبراهيم حدثني وأخبرني أنك تعانده وأن عبدالرحمن قد وسطه في الأمر ووالدك يقف في موقف صعب بينكما كما أن نسمة حكت لي عن حالة عبدالرحمن السيئة بسبب اصرارك على الرفض .
-وهل كل هذا سيجعلني أغير رأيي؟
قالها ببرود فاردف عبدالله بضيق -يا بني آدم هذا ابنك.
تمتم بنظرة نارية -هو ابني وأنا لست أباه وهو يُعرضني لهذا الموقف مع أكثر شخص أكرهه على وجه الأرض؟
-وهل على القلوب سلطان لتختار ساكنيها؟ الولد أحبها رغم عنه ماذا يفعل؟
ردد بنبرة باردة تخالطها السخرية
-ستتحدث مثله هو وأمه في هذا الهراء المُسمى بالعشق والهوى!
رد عبدالله بنبرة حانقة
-أصبح الحب هراء الآن؟ وحين كنت تقع فيه كل مرة ألم يكن كذلك؟
أخذ عمر يبرطم بكلمات متذمرة وعبدالله يهادنه تارة بالاقناع وتارة يمطره بسيل من التوبيخ وهو رأسه يابس كالحجر وكان العناد يلوح بنظرته ونبرته حين أنهى الحوار مع عبدالله مرددًا بغل مكبوت
-أنا قلت له إن أراد الزواج بها يذهب بمفرده ويطلبها من أبيها،ثم تمتم بابتسامة ساخرة وقد كان في هذه اللحظة العناد يعميه عن الرؤية :أو يأخذ أمه معه.
في نفس الوقت كان عبدالرحمن قد وصل إلى المشفى التي يعمل بها وقبل أن يصعد ليبدأ عمله توقف في بقعة نائية بحديقة المشفى واتصل بجده ابراهبم وما إن رد عليه الأخير حتى أردف بصوت يجاهد حتى يخرج هادئًا لا يشي بعمق انفعاله وأوج توتره وشدة احباطه
-كيف حالك يا جدي؟
فيرد عليه ابراهيم وشعور بالخجل يغمره حد الاغراق
-بخير يا حبيبي .
-ألا يوجد جديد؟ كنت قد وعدتني بأن تتحدث مع أبي ثانية في موضوعي أنا وشيري.
شعر الجد بالأسف وتندى جبينه بقطرات من عرق من حرجه من عبدالرحمن لأنه لم يستطع التأثير في عمر بالعكس فالأخير رأسه يابس في هذا الأمر فتمتم بهدوء حتى لا يُغضب ابن أبنه
-عمك عبدالله سيتحدث معه ثانية وإن ظل على موقفه فكما أخبرتك سآتي أنا معك لوالد البنت،ثم ردد بضحكة مصطنعة ليبدد سخافة الموقف
-ألا أكفيك أنا يا ولد ؟
لم يستجب عبدالرحمن لمحاولة جده للتخفيف عنه وأردف وهو يعرف رد والده مسبقًا
-تكفي يا جدي بالطبع بارك الله في عمرك.
ردد كلماته بلباقة رغم الغصة التي تستقر بحلقه وأسرع بإنهاء المكالمة مع جده حتى لا يتأخر عن العمل والحقيقة أنه كان فاقدًا لكل معاني الحياة ورغم ذلك دلف إلى المشفى ونفس الشعور بالانهزام في وجه الحياة يلازمه ورغم ذلك أجبر نفسه على العمل وهو يُنحي مشاعره الخاصة جانبًا فعمله كطبيب جراح يستدعي التنبه والدقة والعجيب أنه ظل طوال اليوم في العمليات حيث كان هناك حادث سير وهناك الكثير من الجرحى فكان يُضمد جروح المُصابين بكفاءة ومهارة عملية وهو الأحوج لمن يُطيب جراحه.
***
وكثير من الجروح لا يُجدي معها تضميد ولا تقطيب بل تستدعي الكي.
دلف فارس إلى البناية التي تقع بها شقة أسرته بخطوات واثقة،لم يكن واثقا من شيء ذات يوم كثقته الآن في قراره الذي اتخذه،وصل إلى باب البيت فتوقف لثوان يحول وجهه ما بين باب شقة والده وشقة شقيقه الراحل ثم رن جرس شقة والده وفتح بعدها الباب بمفتاحه الخاص.
بعد قليل
كان يجلس برفقة شقيقته جهاد التي كانت قد اشتاقت إلى وجوده بالبيت فكانت تتعلق بذراعه وهي تجاوره فوق الأريكة مرددة باشتياق
-اشتقت إلى وجودك بالبيت يا فارس متى ستعود؟
ابتسم بوجهها وردد برزانة-ها أنا قد عُدت.
-حقا! رددتها بعد تصديق فأردف بنبرة غامضة -نعم .
ردت بشك -وأمر سمر ماذا ستفعل فيه؟
رفع حاجبيه مرددًا بنبرة لا نقاش بعدها -سأتزوجها بالطبع.
-وأمي؟ رددتها بحيرة فأردف وهو يلتفت حوله -أين هي؟
-بحجرتها،تناولت الافطار وأخذت الدواء وعادت إلى النوم ثانية.
هز رأسه وسألها -ما أخبار المدرسة ؟ من يتولى الأمر أثناء غياب أمي؟
-الأستاذ زاهي كما تعلم لا يتأخر طوال فترة عدم تواجدها هو يفعلها وأنا من وقت للآخر أذهب لأطمئن على الأوضاع.
زفر زفرة قصيرة ومن داخله دعاء بأن تمر هذه الفترة الحرجة على الجميع على خير وجهاد كانت تشتاق للثرثرة معه فأخذت تحكي له عن كل ما حدث في غيابه وهو يتلفت من الحين للآخر لكل رُكن في البيت باشتياق.
بعد قليل
طرق فارس باب غرفة أمه طرقة خفيفة ثم دلف فكانت الأخيرة تتململ في فراشها وحين دنى منها تنبهت حواسها وقد تسللت رائحته إلى أنفها ففتحت عينيها لتجده فرفعت حاحبيها دهشة ثم سرعان ما اعتدلت جالسة بالفراش وهي تردد بصوت ملهوف
-فارس !
ابتسم فارس وجلس أمامها مباشرة فضمته إليها باشتياق وهي تربت على ظهره بحنان مرددة -عدت... كنت واثقة أنك ستعود ولن أهن عليك.
ظل فارس بحضنها لدقائق يستمع لهمهماتها ولا ينكر أنه لا يزال بداخله طفل صغير يشتاق لأمه وحنانها وحين ابتعد أردفت بنظرة ثاقبة وهي تتأمل كل إنش في وجهه
-هل عدت إلى رشدك ونويت أن تُريح قلبي قبل أن أموت؟
دون أن يجعل كلماتها العاطفية وذكرها للموت يؤثر به أردف مباشرة بما نواه
– أنا عدت إلى البيت يا أمي لأنني لست طفل صغير سيغضب ويترك البيت لوالديه اللذان يحتاجان وجوده بجوارهما ،تركي للبيت سابقًا كان رد فعل طبيعي لما حدث ولست نادمًا عليه ولكن بعد الهدوء والتفكير كان لابد أن أعود ولكني لم أتخلى عن رغبتي في الزواج من سمر.
همت بفتح فمها للنطق ولكنه قاطعها مرددًا بعزم
-أنا أحبها ولا أرى لحياتي شريكة دونها... كما أنني أحبك وأحب أبي وشقيقتي وأدرك واجبي نحوكم وارتباطي بسمر بإذن الله لن يؤثر على علاقتي بكم فأنتم في حياتي بصفة وهي بصفة أخرى ... وأبناء ياسر في رقبتي حتى أموت،رفع سبابته وحاجبيه في وقت واحد وهو يردد بثبات لا أمل بزعزعته:أبنائه فقط دون زوجته.
هزت رأسها والعجز والإعياء يرتسمان على صفحة وجهها ورددت بصوت متحشرج ونظرة باهتة -هذا أخر شيء عندك يا فارس؟
هز رأسه بالموافقة دون تفكير فضيقت عينيها مرددة
-ماذا بها هذه الفتاة لتقف أمامي من أجلها؟
رد دون تفكير وبمنتهى الثبات
-أنا لا أقف أمامك يا أمي أنتِ في عينيّ حتى أخر يوم بعمري وكما قلت لكِ هي لها صفة بحياتي وأنتِ لكِ صفة ولا مجال للمقارنة أما عن سؤالك الأول ماذا بها فبها أنني أحبها من قلبي؟ ألا تريدين لقلب ابنك الراحة ؟
تجمعت دموع القهر بعينيها ،القهر على ابن رحل وأخذ قلبها وسعادتها معه فتركها بقلب خاوٍ لا يستطيع أن يمنح الابن الموجود هذه السعادة،ما يحدث رغم عنها، لا تتحكم به ،فوق طاقتها وقدرتها على التحمل ولا أحد يشعر بها، هي تريد له السعادة فهو ابنها وحبيبها ولكن لمَ دائمًا سعادة أشخاص تتعارض مع سعادة آخرين
ماذا فيها إن كان أمره هو وروند سار كما تريد ألن يكن وقتها سعيد مع زوجة جميلة شابة وكان أبناء شقيقه حصلا على السعادة والاستقرار بصحبة أمهما وعمهما وكان قلبها ارتاح؟
ظل عقلها يردد عليها نفس الأسئلة التي لا إجابة لها ،أسئلة حائرة تدوي بأذنيها بصوت مسموع لها وحدها تجعلها توشك على الانفجار والانهيار ،دائرة مغلقة تدور بها ولا يشعر بها أحدهم...
حين طال صمتها الظاهري وتجمُد ملامحها أمام عينيه أردف وهو يربت على كفها وينظر إليها نظرة مترجية ولكن رؤيتها الضبابية حجبت عنها نظرته
-أتمنى ألا تتركيني وحيد حين أحدد موعد زيارة والد سمر لطلبها منه؟ أحتاجك بجواري... لن يغنني وجود أحد عن وجودك.
كانت رسالته لها مباشرة بأنه سيتقدم للفتاة سواء رضت أم أبت فوصلتها الرسالة ولكن كل ذرة بها كانت متجمده عينيها وملامحها وجسدها فهز فارس رأسه بيأس رغم تفهمه لحالتها التي شرحها له الطبيب النفسي الذي تتردد عليه حين أخبره أن مرض الاكتئاب يتمكن منها وهي لا تقاومه وأن الزمن توقف بها عند لحظة وفاة ياسر وأن شخصيتها تميل لترتيب كل شيء حسب وجهة نظرها التي تراها الأصوب وهذا ما يجعل مهمة فارس صعبة.
استأذن منها فارس مُغادرًا وطلب من جهاد قبل خروجه أن ترافقها.
وعند باب شقة شقيقه الراحل توقف لدقيقتين مترددًا ثم حسم تردده وهو يضع أنامله فوق الجرس الذي على مُعلنًا بالنسبة له بداية عهد جديد،فتحت روند الباب لتتفاجأ به أمامها فاتسعت عيناها دهشة وتمتمت بخفوت
-فارس!
-كيف الحال ؟
رددها بنبرة عادية فأردفت والحيرة تتملكها-بخير.
-أين الصغار؟ سألها باهتمام وقد اشتاق إليهما فعليًا فتمتمت بعتاب مُبطن – ظننتك نسيتهما... منذ متى لم تسأل عنهما؟
أردف مُتجاهِلًا تلميحها -لا أستطع نسيانهما، أنا فقط كنت بحاجة للابتعاد قليلًا والاختلاء بنفسي لترتيب حياتي القادمة .
-هل هناك جديد؟ جهاد حكت لي كل ما حدث.
قالتها وهي تتظاهر بأن الأمر لا يهمها فأردف بجدية وهو يقف أمامها بصلابة يملأ عينيها بوسامة محياه وهيئته الواثقة وشخصيته المؤثرة
-أنتِ طبعًا عرفتِ ما قالته أمي لسمر ... جهاد قالت لي أنها أخبرتك.
هزت رأسها والقلق كان يساورها من مقدمته وظهوره المفاجيء هذا بعد غياب وكان قلبها لا يطمئن فأكد ظنها وهو يكمل
-أنا سأتزوج ممن أحببت يا روند ،رغم ما فعلته أمي ولكني تداركت الأمر مع سمر ،وطبعا وجود الصغار في حياتي سواء قبل زواجي أو بعده لا جدال فيه أنا كل ما أطلبه منكِ شيء واحد.
رفرفت برموشها وهي تسأله باهتمام وقلب خافق -ماذا؟
أردف بنظرة خاصة -أن تنفي لسمر أي ظن قد تسلل إليها من كلمات أمي... سمر ستكون زوجتي يا روند وأنا لا أريد أن يظل في ذهنها الصورة التي أوصلتها أمي لها عنكِ،لا أريد أي حساسيات بينكما،أريدك زوجة أخي وأم أبنائه و.... أختي.
كانت جهاد قد أوصلت لها الصورة كاملة من قبل فلم تكن كلماته بوقع الصدمة عليها بل كانت مُتوقعة ولم تكن لتفرض نفسها عليه وهو متمسك بتلك الفتاة التي وقع في هواها، لاذت بالصمت وهي تتأمل ملامحه وانفعالاته وتتعجب من تغير أحوال القلوب وتقلُبها،فالماثل أمامها هذا منذ سنوات كان يعشقها هي واليوم تنظر بعينيه فترى ظل لامرأة أخرى تسيطر على مشاعره وتحتل كيانه وتملك قلبه
قطع فارس الصمت القصير بينهما قائلًا-أعرف أن أمي هي السبب في هذه الورطة ولكن كما قلت لكِ لابد أن نصحح الصورة بعيني سمر فأنا لا أرضى لكِ أن تكوني بهذه الصورة أمامها، وشيء أخر أريد أن أحدثك به.
تمتمت بصوتٍ مُختنق وصدمتها بما سمعته تهز كيانها-ما هو؟
أردف بنظرة ثاقبة ونبرة شديدة الجدية
-أمي كانت تفعل ما تفعله حتى لا تتزوجي ويدخل غريب على أبناء أخي .
ضيقت عينيها وعقدت ذراعيها أسفل صدرها فردد بما كان قاسيًا على قلبه ولكنه قول الحق
-إن قابلتِ في أي وقت شخص ارتاح له قلبك وأردتِ الزواج فلا تترددي في اخباري ،لن أدعي أن الأمر سيكون يسير علي ولكنه حقك ومن الظلم أن يلوح لكِ أحد بتهديد صريح أو غير صريح أنكِ إن فعلتها ستُحرمين من أبناءك، أنا لا أرضاها لجهاد لأرضاها لكِ ،إن حدث في أي وقت كما قلت لك أخبريني ووقتها سيكون هناك ترتيب لهذا الأمر بناءً على الظروف المحيطة بالشخص ذاته وبنا.
زفرت نفسًا قصيرًا وهي ترسم ابتسامة مصطنعة فوق شفتيها وتمتمت
-أشكرك يا فارس على تفهمك ،حتى الآن لا يوجد أحد بحياتي ولكن أعدك إن حدث سأخبرك،لم تعطه فرصة الرد وهي تسأله بشكل مباشر بعينين تشبهان الزجاج الشفاف:المهم الآن بأي طريقة أستطيع مساعدتك في تغيير الصورة التي وصلت إلى فتاتك عني؟
سحب فارس نفسًا طويلًا ثم أخذ يشرح لروند ما يراه الأفضل من وجهة نظره وهي كانت تستمع إليه وتنظر إليه بدهشة وقد كان كقطار سريع انطلق ولا نية لديه للتوقف عن هدفه لأي سبب.
***
كانت سهر تصف السيارة خارج سور الجامعة فاليوم لديها اختبار وكانت سمر تجاورها فهي منذ الأمس وقد اتفقت مع فارس أنها ستلتقي به في الجامعة،كانت قد أخبرته بأنها تلازم سهر هذه الفترة لظرف خاص لدى أختها فطلب منها أن تنتظره ليلتقيان حتى لو دقائق بسيطة تسد رمقه وتعوضه عن أيام غيابها التي مرت عليه طويلة باردة.
-ستنتظري بالداخل أم هنا؟
سألتها سهر بعد أن صفت السيارة وإن كانت تعرف الرد مُسبقًا فتمتمت سمر بنظرة بريئة
-لا بالطبع سأدخل معكِ لن أتركك.
رفعت سهر حاجبًا وتمتمت باستنكار -لن تتركيني!
وحين كنا بالسينما وتركتيني وغرقتِ بالعسل مع فارس أحلامك.
تمتمت سمر بنظرة جادة هذه المرة -والله لم أكن مُتعمدة،هل غضبتِ مني؟
هزت سهر رأسها نفيًا وتمتمت بحنان وهي تمسد على كتف أختها -لا طبعًا ،بالعكس كنت سعيدة من أجلكما،كل منكما غارق في حب الآخر فلا تفعليها ثانية وتبتعدي عنه.
تمتمت سمر بنبرة متألمة لحال شقيقتها -ولكن سعادتي لن تكتمل دون سعادتك نحن نتقاسم كل شيء بالنصف يا سهر فأشعر بسعادتي منقوصة وأنا أراكِ هكذا.
أردفت سهر والحزن والحيرة يرسمان على صفحة وجهها لوحة توحي تفاصيلها الدقيقة بضياع صاحبتها
-دعيني فقط أدخل هذا الاختبار رغم أنني لا أعرف كيف سأبلي فيه وأنا بهذا التشتت والضياع ،بعدها نتناقش في مسألة السعادة التي لا أعرف هل لي نصيب منها أم لا.
بعد قليل
كانت سمر تسير في فناء الكلية بعد أن تركتها سهر ودلفت إلى مبنى الكلية في الوقت الذي سمعت من خلفها بوق سيارة فنظرت خلفها لتجده فارس فتبسم كل منهما للآخر والشوق بالعيون يتجلى بزهو رغم أن عمر الفراق هذه المرة ساعات،صف السيارة على مقربة منها وترجل فاقتربت منه بتؤدة وفي اقترابها شعر باقبال الدنيا بكل مباهجها عليه فهي بعينيه بكل بساطة دنيا جديدة فتحت ذراعيها له.
-أنا ماذا سأفعل كل صباح حين أفتح عيني وأرى هذا الوجه الجميل أمامي؟
سألها بنبرة مُغازلة ونظرة لامعة بشغف وشوق ،ضغطت شفتيها ببعضهما وهي تنظر إليه تتأمل ملامحه وهيئته فتشعر بأن هناك شيء جديد به ولا تعرف أن ما به عزم وإصرار استقر بنفسه على اقتناص حظه ونصيبه بالحياة .
-هذا السؤال أنت من عليك اجابته لأعرف هل ستكون من نوعية الرجال الذين يظلون على العهد دائمًا ويدركون قيمة المرأة أم من الرجال الذين يَمَلون بعد أشهر قليلة من الزواج ولا يجدون في زوجاتهم أي ميزة وقد صارت زوجة؟
وجملتها الأخيرة جعلت صورة والدها تحتل ذهنها وهي تتحدث عن تلك الفئة من الرجال فلم تكن تتحدث بمزاح بل بقلب ينبض بخوف من المستقبل.
فأردف دون تفكير
- وهل من يحب امرأة مثلك يصيبه ملل ؟
أنا أشعر وأنا معكِ أنني أعيش فصول العام دفعة واحدة،أشعر أنني أرى ألوان الطيف مجتمعة على صفحة وجهك وعينيكِ.
ومضت عيناها بألق من دقة وصفه وعمق شعوره فتبسمت شفتاها وتمتمت برقة
-أخجلتم تواضعنا دكتور فارس.
فتح شفتيه يهم بنطق شيء ثم سُرعان ما اتسعت عيناه وهو يردد بصدمة -الصغار!
-من؟ رددتها بتساؤل حائر لتتبدد حيرتها في التو وهو يفتح الباب الخلفي للسيارة حيث كان يجلس الصغيران في المقعد الخلفي.
اتسعت عيني سمر دهشة وهى ترى طفلة صغيرة تبدو تقريبا في سن هيا ابنة مازن وصبي يصغرها يغادران السيارة فأردف فارس وهو يقدمهما لسمر بعد أن ظل طوال الطريق يحكي للصغيرين عنها
-أقدم لكما سمر التي حكيت لكما عنها.
ونظر نحو سمر قائلًا -أقدم لكِ يا سمر الآنسة سجدة ياسر رفعت زيدان ولاعب كرة القدم المُستقبلي باسل ياسر رفعت زيدان.
تفرقت شفتيها في رد فعل أولي وهي تنظر إلى الصغيرين ثم سرعان ما تغلبت على دهشتها فتبسمت شفتاها وهي تخطو الخطوة الفاصلة بينها وبينهما ومدت يدها للفتاة أولًا مرددة
-أهلا يا سجدة كيف حالك.
مدت الصغيرة يدها نحوها وصافحتها مرددة بابتسامة طفولية-بخير.
وفعلت المثل مع الصغير ثم مسدت على شعره بحنان ولا تعرف سر الرجفة التي سرت بجسدها حين لامست الصغيرين!
ربما لأنها لم تتخيل أنهما بهذا القدر من الصغر والبراءة ...
وربما لشفقتها وتعاطفها معهما كونهما أيتام الأب ...
نظر إليها فارس وشعر بارتباكها فأردف بهدوء -أريد أن نجلس معا في مكان ونتحدث قليلا .
رفعت عينيها إليه ورددت بنظرة متوترة وكأنها تقرأ بعينيه القادم والذي يود اخبارها به ورددت بخفوت
-أنت تعرف صعوبة أن نجلس في مكان بالخارج أنا كنت أظن أنك تريد أن تراني فقط وفي كل الأحوال سهر ليس أمامها الكثير ستنهي ما لديها ونرحل مباشرة.
بعد قليل
كانوا يجلسون في كافيتريا الكلية المفتوحة على حديقة جانبية صغيرة محاطة بأشجار وارفة، فارس وسمر أمامهما كأسين من عصير الليمون بينما الصغيران يلعبان أمامهما مباشرة بعد أن شربا مشروبهما الخاص تتابعهما عيني فارس بحنان وسمر تتابع الأخير بترقب ثم سرعان ما تسائلت بشكل واضح
-لماذا أتيت بالصغار لمقابلتي يا فارس وما هو الشيء الذي كنت تريد أن تحدثني به؟
دون مراوغة ولا تزيين للأمر أردف فارس وهو يدقق النظر بعينيها اللتين تحملان القلق والترقب
-أردت أن تجلسي معهما وتتعرفي عليهما عن قرب لتشعري بعمق شعوري تجاههما ،هما قطعة مني يا سمر لا أستطيع الاستغناء عنها أو التفريط بها.
جزت على أسنانها وكسى عينيها جليد مفاجيء وهي تردد من بين أسنانها
-هل تريد اخباري أنك تريدني أن أوافق على أن تتزوجني ثم تتزوج من أمهما من أجلهما وتطلب مني التضحية بالموافقة على أن تُشاركني فيك أخرى وأكن قد قُمت بعمل انساني ؟
اتسعت عيني فارس وهو ينظر إليها ويستشعر انفعالها المكبوت الذي بكلمة واحدة قد ينفجر بوجهه ثم تمتم باستنكار
-ماذا تقولين؟هل تفترضين الفرض من تلقاء نفسك وتصدقينه؟
تمتمت بحنق مكبوت-ماذا تقصد من هذه المُقدمة إذن؟
ردد باندفاع عله يُدحض شكوكها ويزرع بقلبها براعم ثقتها فيه
-أقصد أن الأطفال صغار بلا أب وأعرف أن غياب الأب لا يعوضه أحد ولكني سأبذل جهدي حتى أسد جزء من احتياجهما وليس كله،أقصد أن تُعينيني على هذه المهمة وتكوني بجواري وأنتِ كلك ثقة بي أنني أفعل ذلك حبا لهما لا تقربا من أمهما،أفعل ذلك اكرامًا لذكرى أخى الذي كان يبني مستقبلًا مشرقًا لنفسه رفقة أبنائه ولكن القدر لم يُمهله،أفعل ذلك من باب الواجب والمسؤولية دون أن يكون لي أي أهداف أخرى ،لو كان لي أهداف أخرى لم أكن لأجلس معكِ الآن يا سمر فلست أنا الذي يُعلق فتاة به وهو يفكر بأخرى ولست انا المتذبذب الذي لا يعرف حقيقة وجهته ،أنا أعلم جيدًا ماذا أريد.... أريدك أنتِ.
كانت تنظر إليه تتلمس صدق حديثه وعمق مشاعره سواء تجاهها أو تجاه الصغار ولكن ذرة من غيرة فطرية أبت أن ترضخ فأردفت بانفعال
-أنا ليس لدي مشكلة في الصغار المشكلة إن أردت استضافتهما حين نتزوج لأيام أو أن تأخذهما لنزهة هل ستكون المحروسة أمهما معهما؟
رد بعفوية -والمحروسة أمهما لمَ ستأتي معهما؟ ها أنا قد أخذتهما اليوم هل أتت معنا!
أردفت بصوت محتقن والغيرة بعينيها تتوهج ووهجها يُشعله وهو ليس بحاجة لهذا فيكفيه شوقه الحارق للحظة تكن بها حلاله وتضمهما أربعة جدران حتى يحرر لجام مشاعره
-من أدراني أنا بما يمكن أن يحدث مستقبلا؟
وزع نظراته ما بين الصغار وبينها ثم تمتم بنظرة آسرة وغيرتها تشفع لها عنده انفعالها وحنقها
-فقط ثقي في حبي لكِ وضعي يدك بيدي ولا تحملي هم خوف من الزمن .
بللت شفتيها الجافتين فناظرها نظرة عاشقة وكأن ليس بالمكان غيرهما غير متنبهًا للفتيات الجالسات على المنضدة المجاورة ينظرن إليهما بفضول وقد كان يُدرِس لهما بعامهم الماضي ثم أردف مُهادنًا
-بالمناسبة روند تريد أن تتحدث معكِ.
-نعم!
قالتها بتعجب ممزوج باستنكار فأردف موضحًا -لا تنسي أنها ستكون متواجدة في بعض المناسبات بحكم تواجد الصغار،الأمر لن يسلم من مقابلة ببيت والدي أو في أي مناسبة تخص الصغيرين، لا أريد أن يكون هناك حساسيات دون داع يا سمر.
-أنت ترى أنها دون داعٍ؟ ورغبتها في الزواج منك ماذا تصفها؟
أردف بنفس اسلوبه في المهادنة معها
-يا سمر هذا ما كانت أمي تريده من أجل الصغار فقط لكن ما إن أبديت أنا رغبتي في الارتباط بك حتى عاد كل شيء لما كان عليه روند في حكم شقيقتي وهي تعلم مكانتك في حياتي وبالمناسبة أنا أخبرتها أنها في حال أرادت الزواج في أي وقت أن تخبرني لنرى ماذا سنفعل.
-هل ستأخذون منها الأولاد إن فعلتها؟
قالتها بتوجس ونظرة مترقبة فأردف دون تفكير -لا بالطبع أنا أول من سيتصدي لأي شخص يفرق أم عن صغارها الفكرة مع أي شخص سيكمل الصغار حياتهما هل شخص ثقة أم لا وهذا سيتحدد وقتها.
هزت رأسها وهي تشعر رغم عنها بالقلق فالأمر حقا مُعقد أن تتزوج رجل مُعلق في رقبته حمل كهذا ولكنها في نفس الوقت تؤمن أن كل ما حدث وسيحدث أقدار قدرها رب العباد وليس لأحد يد بها وهي حقيقة متعاطفة مع الصغار ولكن تلك السوسة التي تنخر في قلبها غيرة عليه هي ما تؤرقها.
-سأتصل بها لتحدثيها وتخبرك بما تود قوله.
من بين زحام الأفكار المتناقضة بذهنها تسللت عبر أذنيها جملته فرفعت حاجبًا واحدًا مرددة بنظرة خطرة
-ولمَ تُحدثها من هاتفك؟
ردد دون فهم-أحدثها من أين؟
جزت على أسنانها تكبت غيظها فأردف وهو يحاول فهم سبب اعتراضها -نتحدث من هاتفك؟
شدت كتفيها ورفعت أنفها بإباء مرددة بكبرياء
-لا بالطبع ،لا أريدها أن تظن أنني أشعر تجاهها بأي قلق.
ردد دون فهم وقد شعر فعليا في هذه اللحظة أنه لا يفهمها
-لماذا؟
ردت ببرود -أنا لا أحب أن يعرف أحد نقطة ضعفي ويضغط عليها بدم بارد فيما بعد.
تمتم بابتسامة صغيرة ونظرة مُعجبة وهي تصر في كل موقف أن تزيد قدرها وقيمتها بقلبه وعقله
-لا عاش ولا كان من يفعلها وأنا موجود.
ثم زفر نفسا عميقًا وهو يردد بصدق
-ماذا أفعل لتثقين بي؟
هزت كتفيها وتمتمت وهي تشعر بمجهوده الكبير لارضاءها
-لا تفعل شيء.
-كيف؟ سألها وهو يثبر بنظرته أغوارها فأردفت بملامح مُسترخية وهي تحيد بعينيها عن عينيه ناظرة جهة الصغار اللذان جلسا فوق العشب الأخضر يلعبان بلعبة كانت بحوزتهما
-أنا صِرت أثق ،أنا فقط أغار.
أثلج صدره اعترافها فأزهرت بقلبه بساتين ورد يانعة فأردف بصوت رخيم وابتسامة آسرة
-وأنا أحبك يا سمر.
عادت بعينيها إلى عينيه ليغرق كل منهما في عمق عيني صاحبه لثوان فاصلة ومؤثرة بحياة كل منهما .
بعد قليل
كان فارس قد أجرى اتصاله بروند وقد كان يستخدم سماعة الأذن التي وضع طرفها بأذنه وطرفها بأذن سمر،سألته روند في البداية عن الصغار فطمأنها أنهما بخير بصحبته ثم أخبرها أن سمر معها
فأردفت روند بنبرة لبقة -أهلا يا سمر كيف حالك ؟
تمتمت سمر بصوت متزن -أنا بخير.
فأردفت روند وهي تضبط نبرة صوتها على الوضع الهاديء
– مبارك خطبتكما المنتظرة.
أردفت سمر بنبرة واثقة-بارك الله فيكِ.
-كيف حال الصغار بالتأكيد أرهقاكِ .
قالتها روند في محاولة لفك الجمود مع سمر ربما لأنها تدرك في قرارة نفسها أن الأخيرة ليس لها ذنب فيما حدث بالماضي ولا داع لأخذ موقف منها،وربما لاقرارها أنها ظلمت فارس ذات يوم وتريد التكفير عن ذنبها القديم فتقر أن السعادة من حقه في النهاية لا أن يعيش في تعاسة فردت سمر بصوت رخيم وبنبرة هادئة
-اطلاقًا لقد أحببتهما.
كان فارس يجلس بجوارها يستمع إلى المكالمة ويدقق في كل حرف يخرج من شفتي كل منهما وكل ما يريده أن تكون العلاقة فقط جيدة خالية من التوتر والحساسيات، يروق له سمر وردود أفعالها وقوتها وعدم ابداءها لأي توتر في الحوار.
دلفت روند إلى صلب الموضوع وأردفت
-هناك فقط سوء تفاهم أود أن أوضحه وهو أن ما قالته والدة ياسر حين قابلتكِ ليس له أساس من الصحة هي فقط كانت تخشى على الأولاد فترى أن هذا الحل هو تأمينًا لمستقبلهما،ثم أردفت بأصعب جزء :فارس عم أبنائي وشقيق زوجي الراحل وفي مقام أخي لذلك لا أريدك أن تأخذي مني موقفًا بناءً على ما قالته ماما.
استمعت لها سمر إلى النهاية ثم رددت بصوت شديد الهدوء والرقة
-اطلاقًا أنا لم أظن شيء من هذا القبيل،فارس أخبرني بكل شيء ،أخبرني أنكِ في مكانة جهاد وأن طنط لديها مشكلة نفسية حيث أنها لم تتخطَ بعد حادث وفاة ياسر رحمه الله وأنا مُقدرة جدا لظروفها كان الله بعونها فلا تحملي أنتِ هم أي شيء.
زفرت روند زفرة قصيرة وقد قامت بما عليها فعله "من أجله"
ثم أردفت بعد زفرة قصيرة
-لم أتخيل أنكِ متفهمة إلى هذه الدرجة.
تمتمت سمر بابتسامة مدروسة ونبرة واثقة -أنا وفارس بفضل الله على درجة كبيرة من الوفاق فلابد أن أتفهم كل ظروف حياته وأدعمه.
شعرت روند بغصة تخنقها فسحبت نفسا قصيرًا ثم رددت
-بارك الله لكما.
-اللهم آمين وبارك لكِ في الصغار.
-أين فارس أريد أن أعرف متى سيحضر الأولاد؟
وقبل أن يهم فارس بفتح شفتيه رددت سمر بهدوء شديد
-ذهب ليحضر بعض الأغراض للصغار ،أخبرني أنهما سيبقيان معه طوال اليوم لأنه يشتاق لهما فلا تقلقي.
قالت كلماتها وأسرعت بالإغلاق مع روند وفارس كان متسمرًا أمامها بانشداه لا يستطع تفسير تصرفها وبعد أن أغلقت أردف بحيرة
-تتحدثين معها بمنتهى اللطف كأنها صديقتك ومعي أنا تدققين على الكلمة !
نظرت إليه دون رد فغاص في عمق عينيها واسترجع كلماتها التي قالتها منذ دقائق بأنها لا تريد أن يعرف أحدهم نقطة ضعفها فأدرك أنها تعمدت أن تتصرف هكذا مع روند حتى لا تشعرها بأنها تغار منها،سمر أكبر من أن تجعل أحد يتميز عليها
تمتمت بابتسامة مشاكسة ونبرة متسلية -قدرك هكذا ماذا تفعل؟
-ليت كل الأقدار بجمال قدري معكِ.
قالها بنبرة صادقة ونظرة دافئة فتنحنحت قائلة بابتسامة مُشرِقة
-أعتقد أن علينا تأجيل وصلة الغزل هذه لأن معنا صغار أريد أن أجلس معهما قبل أن أرحل.
أردف وهو يدعي البؤس-ألا يمكن أن تطول المدة وتأتين معنا سنذهب لنتناول الغداء وأشتري لهما ثيابًا .
رددت بابتسامة حلوة وقد راق لها بالشدة الجانب الإنساني بشخصيته الحريص على مراعاة الصغار واحتوائهم -أنت تعرف لن أستطيع.
فزفر زفرة حارة وردد بشغف ممزوج بلهف – قريبًا بإذن الله نستطيع فعل كل شيء معا.
-بإذن الله.
رددتها بأمل في لقاء قريب كما وعدها وغاب هو عنها لدقيقة أحضر فيها الصغيران ليجلسان معهما ثانية فاندمجت معهما بقلب حمل لهما المحبة ممزوجة بالتعاطف والصغيران كأي صغيرين لا يستقبلان سوى ذبذبات المحبة الخالصة فيستجيبان بعفوية.
***
شعوره شعور طائر تحرر للتو من سجنه بقفص صغير صديء لسنوات ...
كان يقف في شرفة شقته ينظر إلى المدى الممتد أمامه بملامح مُسترخية وابتسامة صغيرة كانت قد غادرت ثغره منذ سنوات،منذ لقاء الأمس القدري بنهى والذي لا يعرف حتى الآن من أين أتى بقوة الأعصاب هذه لمواجهتها وهو يشعر بنفسه خفيف كريشة منطلق كعصفور حر ذهنه صاف كما لم يصفُ من قبل،لم يتخيل يومًا أن دائه وسبب عذابه طوال السنوات الماضية سيكون دوائه،حين عاد إلى البيت بالأمس لم يكن يصدق نفسه أنه فعلها بل لم يكن يصدق أن رأي الطبيب سيكون مؤثرًا هكذا ظنها مجرد نصائح نظرية لا مجال لتطبيقها، ظن أن أقصى ما يستطيع الطبيب تقديمه له أنه يساعده على التنفيس عن غضبه لذلك حدثه مباشرة حين وصل إلى البيت،كان مُنطلقًا في الحديث وكأنه كان سجين مشاعره لسنوات وآن أوان البوح وكان طبيبه سعيد للغاية للنتيجة التي وصل إليها ولمح ذلك في نبرة صوته، بعدها مباشرة استلقى بفراشه الذي كان يعاني الأرق به لساعات طويلة فيلجأ للأريكة، لم يستغرق سوى ثوان ليغرق في نوم عميق حتى أنه شعر بكل عضلة بجسده قد استرخت وغرقت في سُبات.
وحين فتح عينيه في الصباح شعر كأنه صباح جديد لم يأتِ عليه مثله من قبل ...
لم يذهب إلى العمل فقد شعر أنه لا يريد أنهاك ذهنه ولا تشويش انتباهه بأي شيء
كل ما كان يسيطر عليه اللحظة أنه ليس منقوص ولا به عِلة
أن العِلة كانت علتها وهو مثله كمثل أي منكوب بالحياة وضعته أقداره في هذا الاختبار
تمامًا كمن يقود سيارته في أمان مُلتزمًا بالسرعة المحددة فتصدمه بلا رحمة سيارة مسرعة يقودها سائق أهوج ...
كشخص يجلس أمام شاطيء البحر يستمتع بشمس مشرقة وسماء رحبة وبحر شاسع فيرتفع الموج في إعصار مفاجيء...
هؤلاء المنكوبين من يلوموا؟
هل يلوموا أنفسهم؟
هكذا حدث نفسه في حادثة نادرة من الرضا على أقداره ...
-بابا أين سنذهب اليوم؟
سألته هيا وهي تحيط ساقيه الطويلين بذراعيها القصيرين وتنظر إليه من موضعها فتراه طويلا والمسافة بينهما متسعة فاختصر المسافة دون أن تطلب منه وحملها مُقبلا رأسها وأردف بحنان
-أنتِ أين تريدين الذهاب؟
-إلى دانية.
-ألم تكوني معها بالأمس؟
-هي صديقتي الوحيدة لذلك أحب اللعب معها،ثم رددت وهي تحيط جانبي وجهه بكفيها الصغيرين:وسهر أيضًا صديقتي ولكنك لا تريدني أن أحدثها أو أذهب إليها.
أردف وهو يضمها إليه-قريبًا جدًا حبيبتي أجعلكِ تتحدثين معها .
ثم تمتم بصوت خفيض -هي فقط يتسع صدرها لي وتتفهمني وكل شيء سيسير على ما يُرام.
***
كان تيمور يتجول بحديقة المشفى في وقت الاستراحة الخاصة به ويحتسي كوب قهوة سريعة التحضير وبيده الأخرى يبحث عن رقم مُحدد وحين وجده ضغط زر الاتصال، ثوان وعلى الصوت الرجولي على الجانب الآخر مرددا بنبرة مرحة ودودة
-تيمور باشا الذي نسينا وأخذته دوامة الحياة.
ردد تيمور بنفس النبرة -وأنا حين أخذتني دوامة الحياة أين كنت أنت يا رجل.
-كنت مسحول في نفس الدوامة.
قهقه تيمور ضاحكًا ثم ردد بنبرة ودودة -كيف حالك يا هارون؟
ردد صديقه المقرب الدكتور "هارون عمران الحسيني"
-بخير والله كيف حالك وحال المدام والأولاد ؟
-بخير جميعا وكيف حال الدكتورة إيمان وأحمد وأسر ؟
ظلا يتبادلان الأسئلة ليطمئنان على بعضهما ثم أردف تيمور بعدها
-كنت أحتاجك في أمر هام يا هارون.
-مُرني يا تيمور.
فأردف الأخير بنبرة جادة -شمس ابنتي تقدم لطلبها زميل لها هنا بالمشفى الشاب جيد جدا ظاهريا وأهله يبدو أنهم طيبون ولكن تعلم أن أمور النسب هذه هامة للغاية ولا يتم الأخذ بالمظاهر وأنا أريد أن أعرف كل شيء عنهم حتى أستطيع ابداء رأيي.
-حقك بالطبع.
-أنا تذكرت حين كان لدي شك في طبيب منذ فترة وأخبرتك وأنت وقتها أخذت بياناته وعن طريق ابن شقيقتك أرسلت لي تقريرًا مفصلا عنه وكان ظني صحيح وقتها.
-فعلا أتذكر هذا الأمر.
-هل متاح أن تقدم لي هذه الخدمة ثانية؟
أردف هارون بمودة -طبعا يا رجل هل لديك شك ؟ اعطني أنت فقط كل التفاصيل عنه وأنا سأرسلها ل"معتصم" ابن شقيقتي وبإذن الله يأتيك بما يُطمئن قلبك.
ظلا يتحدثان قليلا في هذا الأمر وتيمور يفضفض له بخوفه الفطري على ابنته ومع انتهاء المكالمة أرسل تيمور لهارون رسالة بها كل التفاصيل عن يامن.
وهارون رغم أنه كان يقود السيارة الا أنه أسرع في تلبية طلب صاحبه فاتصل بابن شقيقته العقيد مُعتصم الرحماني
الذي رد عليه مباشرة فأردف هارون ما إن استمع إلى صوته – سعادة وزير الداخلية القادم في أقرب تعديل وزاري.
قهقه معتصم على الطرف الآخر وردد بصوت عال مُرحب –وزير داخلية دفعة واحدة؟
فأردف هارون بابتسامة واسعة -أنا لا أجد من يستحقها أكثر منك.
فردد معتصم الجالس خلف مكتبه في مقر عمله بنبرة ودودة -أكرمك الله وأعزك يا خال.
وبعد أن تبادلا السلامات والسؤال عن الأحوال أردف هارون
-كنت أريدك في خدمة لصديق عزيز.
أردف معتصم باهتمام-تفضل وبإذن الله أستطيع المساعدة .
أخبره هارون بالخدمة التي يريدها فأردف معتصم وهو يسحب سترته ويلقيها فوق ذراعه مغادرًا المكتب وقد آن أوان رحيله
-بسيطة جدا بإذن الله في أقرب وقت يكن لديك كل المعلومات عنه ارسل لي فقط بياناته .
أغلقا معا وبالفعل حين وصل معتصم إلى سيارته المصفوفة أمام مبنى القسم وجد إشعار بوصول رسالة وحين هَمّ بفتحها باغته اتصال هاتفي وكان الاسم الظاهر على الشاشة
"حبيب الروح"
فتبسمت شفتاه وهو يستقل مقعده ورد بصوت رخيم -روحي.
ليأتيه الصوت الطفولي اللائم
-أنا غالية.
فيردد بسرعة بصوت حان-غاليتي.
فيعلو صوتا ثانيا مرددًا بنبرة شقية
-وأنا حبيبة .
فيردد بنفس السرعة وقد أدرك أن السماعة الخارجية مفتوحة ليراضي كلتاهما-حبيبتي.
فهما توأمتيه الحبيبتين المتنافستين دومًا على حبه وهو يُقسم بينهما كل المشاعر بعد أن راضاه الله بهما، أخذت كل منهما تطلب طلباتها التي تريده أن يحضرها معه وهو يردد
-عيوني يا بابا.
كانا يضعان الهاتف على المقعد بينهما ويتحدثان في صوت واحد إلى أن أتى كائن صغير فسحب الهاتف من بينهما بخفة وأسرع نحو غرفته جريا وهو يردد بسعادة وكأنه فاز عليهما
-بابا .
فحلق قلبه عاليا مع سماع صوته وردد بحنان دافق -حبيب بابا.
أنهى مكالمته مع صغاره وهو يقود متجهًا إلى بيته وفتح تطبيق الرسائل وهو يوزع نظره بين الهاتف والطريق الشبه خالي المؤدي إلى بلدته فقرأ بصوت عالي الاسم الذي يسمعه لأول مرة والمطلوب منه إحضار كل المعلومات الدقيقة التي تخص حياته
"يامن عاطف بحري"
***
حين عادت سهر من اختبارها كانت مُنهكة فقلة النوم وكثرة التفكير والحيرة التي تلازمها كظلها إضافة إلى الاختبارات التي تؤديها في الجامعة كل هذا يجعلها كالثور في ساقية ولكنها لا يهمها الانهاك فقد أصبحت تشغل نفسها بأي شيء حتى لا يشت عقلها من كثرة التفكير ،أخذت حمام دافيء وبدلت ثيابها للخروج ثانية فقد أهملت الفترة الأخيرة عملها بالصيدلية وزملائها تحملوا غيابها فعليها العودة للمداومة ثانية،كان من المفترض موعدها منذ ساعتين ولكن زميلتها تطوعت لتسد مكانها على أن تعوض سهر الساعتين مساءً،تفحصت سهر هاتفها فكانت هناك عدة مكالمات فائتة من مازن،تجهمت ملامحها وهي تتذكر موقف الأمس وهو يجلس مع المرأة التي رأتها فضغطت شفتيها ببعضهما وقد أخذت قرارها بمواجهته لمعرفة حقيقة تلك المرأة،سحبت حقيبتها وكانت قد تممت على هيئتها ووضعت بعض الكونسيلر فوق جفنيها اللذين تظللهما الهالات السوداء
- الن تتناولي الغداء يا سهر ؟
رددتها فريدة حين وجدتها على أهبة الاستعداد للخروج فأردفت سهر -تناولت الطعام مع سمر حين خرجنا.
أردفت سمر الجالسة بغرفة المعيشة-هذا كان في الصباح ونحن تجاوزنا العصر .
أردفت سهر على عُجالة وهي تسعى للخروج حتى تستطيع التحدث مع مازن هاتفيا في مكان هاديء
-تأخرت على الصيدلية سأتناول أي شيء هناك.
ولم تعطي فريدة فرصة للاعتراض فطبعت قبلة على وجنتها ثم أسرعت للخارج.
وبالحديقة الواقعة بنهاية الشارع والقريبة من الصيدلية جلست على مقعد رخامي وفتحت هاتفها واتصلت به وهو حين رأى اسمها على الهاتف أسرع بالرد المُتلهِف عليها مرددا-أين أنتِ يا سهر لم لا تردي؟
تمتمت بجمود ليس من طبعها-كنت بالكليه،ها أنا ذا.
ردد بصوت مشتاق لصوتها وملامح وجهها -اشتقت إليكِ.
تجاهلت جملته ورددت بنفس الجمود -من التي كانت تجلس معك بالأمس في منطقة ألعاب الأطفال بالمول؟
اتسعت عيناه دهشة وصمت لثوان ثم سألها بشك
-هل هناك أحد رآني وأخبركِ.
من بين أسنانها ردت -بل أنا من رأيتك.
اتسعت عيناه دهشة وسألها – ولكني لم أراكِ ! لمَ لم تأتِ مادمتِ رأيتني
تمتمت وقد اختنق صوتها وأظلمت عيناها – لم أستطع ،تلجمت مكاني حين رأيتك تجلس برفقة امرأة.
-ليست امرأة.
قالها مُدافعًا عن نفسه دون أن يقصد المعنى الحرفى للكلمة فردت هي باستنكار حاد -ماذا؟
استدرك بسرعة قائلًا-أقصد ليست امرأة كما تظني ،ثم اختنق صوته بضيق يلازمه مع ذكر سيرة نهى - هذه والدة هيا.
شعرت باندفاع الدماء الساخنة إلى دماغها مباشرة ورددت من بين أسنانها
-ووالدة هيا ماذا كانت تفعل معك؟ أنا لم أعد أفهم شيء في هذه القصة الغريبة،هل بعد ما قصصته عليّ تجالسها بهذا الهدوء وكأن شيء لم يكن؟ ثم رددت بانفعال والنار تشتعل بكل خلية من خلاياها
-هل كانت تريدك أن تعيدها إلى عصمتك؟
-أعيد من؟
سألها باستنكار وقد تجهم وجهه فأردفت سهر وقد طار عقلها فاستقامت تسير بغير هدي بالحديقة
- يا مازن بالله عليك أجب عن كل أسئلتي أنا أشعر أنني سأُجن.
فأردف بصوت مشحون بكل المشاعر الثائرة بداخله-اهدأي من فضلك واسألي كل الأسئلة الحائرة وأنا أقسم بالله سأجيبك عن كل شيء بمنتهى الصراحة،ثم استدرك وهو يتسلل بهدوء من جوار هيا التي تجلس أمام التلفاز مندمجة إلى غرفته ليتحدث معها بأريحية :لا لا أنا سأحكي لكِ كل شيء .
قالها دون عوائق وقد انحل قيد لسانه المعقود لسنوات ولاول مرة دون أن يجد غضاضة في الحديث عن هذا الأمر
الأمر مؤلم ؟ مؤلم أشبه بنار تسري بالشرايين
مُخزي ؟ مُخزي فليس هناك ما يُخزي الرجل قدر انغماس شرفه في الوحل
ولكنه كما أخبر نفسه منذ قليل وكما يشعر وكما أخبره طبيبه ليس له يد فيما كان قدره ووقع عليه فمن يستطع الهرب من أقداره ؟
صمتت وهي تلهث حين سمعت كلماته المُهدأة وبدأ هو في قص كل شيء عليها من البداية إلى النهاية.
***
حَلّ المساء وكان باردًا كدأب فبراير ومع قطرات المطر الخفيف وسواد الليل الذي يحل ما إن تغرب الشمس كان الشارع الهاديء أكثر هدوئًا وسكونًا وكانت سهر لا تزال بالصيدلية فعليها قضاء ساعتين بالمساء عوضًا عن الساعتين اللتين تغيبت عنهما في الصباح، رن هاتفها وكانت فريدة التي سألتها عن حالها فأردفت بثبات أنها بخير وحين سألتها هل تناولت طعامها أردفت كاذبة بالايجاب فيكفي أمها ما فيها.
-سهر لا تعودي بمفردك عمك تيمور أمامه أقل من ساعة ويصل وأخبرته أن يمر عليكِ ليقلك.
دون جدال معها رددت باستسلام-حسنًا يا أمي.
وحين أغلقت معها تلقت اتصال على هاتف الصيدلية بطلب لأدوية منزلية فجهزت الطلب وأرسلته مع عامل التوصيل، أردفت زميلتها الثانية التي ترافقها في ورديتها
-سهر أنا حدثت الدكتور ريمون وأخبرني أنه في الطريق هل أستطيع أن أنصرف الآن فابني الصغير حرارته مرتفعة ووالده لا يستطيع التعامل معه؟
رددت سهر دون تفكير -طبعا تفضلي الف سلامة عليه.
رددت زميلتها كلمات الشكر وانصرفت مباشرة وظلت سهر بموضعها تستعيد أحداث الساعات الأخيرة الماضية وعلى وجهها انفعال غريب
ذهول وصدمة واشمئزاز حتى أنها تقيأت مرتين منذ سمعت ما قصه عليها مازن ،لا تستطيع أن تتخيل أن هناك نساء بمثل هذه البشاعة
ومن جهة أخرى لا تستطيع التصديق أن هناك امرأة يكن معها رجل كمازن وتفعلها عقلها لا يستطيع استيعاب هذه الحقيقة...
وخوف يسكن قلبها من وقتها حتى أن يديها ترتجفان رجفة خفيفة تتحكم بها ولو عليها ما استطاعت إكمال عملها بهذه الحالة ولكنها مُضطرة فتعمل بذهن مشوش ...
دلف مازن إلى الصيدلية بخطوات معتدلة فرفعت عينيها لتجده أمامها يرتدي معطفًا ثقيلًا وحول رقبته كوفية، وقف أمامها مباشرة وتمتم بنظرة متفحصة
-ما الذي حدث يا سهر ؟ ألم تطلبي الحقيقة كاملة؟ ها أنا حكيت لكِ كل شيء لمَ أشعر أنكِ مصدومة من وقتها ؟ أغلقتِ معي دون أن تعطيني رد أو رأي فيما سمعتيه وأراسلك من وقتها ولا تردين؟
تمتمت بحلق جاف ونظرة مشتتة – أنا فقط صُدمت بالتفاصيل التي سمعتها.
يكن مخطئًا لو قال أنه لم يتوقع رد فعلها بل توقعه لذلك كان يخشى مصارحتها ولكن بما أن الماضي لا يموت فكان عليه البوح والمصارحة فأردف بخفوت خشن
-ما حكيته هو ما حدث لم أكذب في حرف واحد.
نظرت إليه مدققة في ملامحه الوسيمة وعينيه اللتين تغرق بهما كبحرين عذبين وجملته الأخيرة تتردد بذهنها بدوي
" لم أكذب في حرف واحد"
قلبها يُصدقه ولكن وخزة ك-سن دبوس توخزها وعقلها يذكرها بنفس الجملة حين كان يرددها والدها طوال سنوات بعد انفصاله عن أمها ،كان دائما يُحملها مسئولية الانفصال ويدعي أشياء غير حقيقية ولولا أنها كانت شاهدة على أحداث الماضي لصدقته من كثرة اتقانه وشعوره بالظلم الذي وقع عليه.
هل من الممكن أن يكون مازن مثله ؟
اختلال في الثوابت يضرب برأسها
وتشوش يشتت ذهنها كأنها جهاز لا يلتقط إشارة فيصدر شوشرة
وخوف من مستقبل غامض يحاوطها
وحب جارف يسكن قلبها وشفقة عليه أنه خاض تجربة بشعة كهذه ...
وخوف منه ...
ماذا لو كان الأمر ترك في نفسه ندبة وزرع الشك في قلبه تجاه أي امرأة ماذا سيكون شكل حياتها المستقبلية ؟
دوار يحيط برأسها ولكنها تقاومه فأردف مازن بنبرة متألمة آلمت قلبها قبل قلبه
-أنا أعرف أن الأمر صعب الاستيعاب عليكِ.
- الأمر بشع يا مازن أنا لم أكن أتصور أن هناك وجه بشع هكذا في الحياة .
قالتها بصوت مختنق وكل ذرة بكيانها ترتجف فهز رأسه يوافقها ودون إرادة كور قبضته وكان يضربها بفخذه برتابة ودون أن يشعر فانتبهت هي ومن بين ظلمات أفكارها تسلل خوف منه وهي تتذكر حين حكى لها جزأية ضربه الذي كان سيفضي للموت لنهى وعشيقها وهي مقدرة لحالته ولكن هل العنف طبع به أم كان رد فعل فقط؟
أغمضت عينيها وهي تشعر برغبة في الهروب إلى حضن أمها تجتاحها فأردف هو بصوته الذي يشع بين ظلمات أفكارها
-إن كانت المشكلة كلها في صدمتك بما حكيت فسأتركك تتجاوزين صدمتك ولكن ...
توقفت الكلمات فوق شفتيه فتعلقت عيناها البنيتين اللتين تمثلان له واحتي أمانه بعينيه اللتين كانتا كبقعتين مقفرتين بحاجة إلى من يرويهما بحبه حتى تُزهر بهما بساتين الورد وتمتمت بهمس-لكن ماذا؟
فأردف دون خجل بنظرة مُستجدية-ولكن لا تتركيني يا سهر،أنا لم أظن أن الكون كله به امرأة مثلك ولكني وجدتك صدفة وتعلقت أقداري بك فأخذت قراري أن أُكمِل حياتي معكِ وبكِ فلا تتركيني.
تجمدت نظرتها وملامحها حتى الدماء شعرت أنها تجمدت بجسدها فنبرته ومشاعره كانت تفوق الحدود...
قطع عليهما خلوتهما وحديثهما دفع أحدهم لباب الصيدلية الزجاجي فانتبه كل منهما وشعرت سهر بالارتباك وأدركت أنها لم يكن عليها أن تجاريه في الحديث وهي بمكان عملها،دلف شابان إلى المكان فحدجهما مازن بنظرة متفحصة فقد كانت هيئتهما كهيئة الشباب الذين يراهم من وجهة نظره مستهترين وملامحهم غريبة وشعر بداخله بالضيق لأنها مُضطرة للتعامل مع كافة الأشكال والمستويات ولكنه تراجع للخلف قليلًا حتى يتيح لها أداء عملها وتمتمت سهر بثبات مُدعى
-تفضل.
فمد لها أحد الشباب بورقة وهو يردد بصوت مضطرب
-أريد هذا الدواء.
وقف مازن يتابع زخات المطر المنهمرة من خلف الباب الزجاجي وهو يستمع إلى طلب الشاب للدواء أما سهر
فتناولت منه الورقة التي وجدتها مُهترئة وبخط رديء فأدركت أنها ليست وصفة طبيب فالدواء كان من نوعية الأدوية المُخدِرة المدرجة في الجدول والتي لا تُصرف الا بروشتة طبيب ولم يخفَ عليها بعد التدقيق بعيني الشابين أنهما مُدمنين فأردفت بهدوء وهي تُعيد الورقة إلى الشاب
-للأسف ليس متوفرًا.
بدى الذعر بعيني الشاب ونظر لصاحبه الذي لم تكن حالته تتخير عنه وكل منهما كان يأمل في أن يجدا بغيتهما فأردف الشاب الآخر بخفوت في أذني صاحبه
-هذه الصيدلية رقم كم التي دخلناها ويقولون نفس الكلام؟
لم يرد الشاب الأول وهو ينظر إليه بضياع ويشعر بأن عقله شت ورأسه على وشك الانفجار فأردف الثاني بنفس الخفوت وهو يجز على أسنانه والغضب قد بدء في اللعب برأسه
- لا يُعقل أنه ليس متواجدًا بكل تلك الصيدليات هي لا تريد صرفه لنا.
نظر الشاب الأول نحو سهر نظرة عدائية ثم سرعان ما تحول شعوره بالعدائية لفعل وهو يعاني من نقص وصول المادة المُخدرة إلى رأسه فيغيب عقله كُليا وهو ينقض في ثانية على سهر ويطوق عنقها مرددًا بنبرة غاضبة وإن كان صوته مهزوز
-الدواء متواجد اعطني شريط واحد فقط وسأعطيكِ ما تريدين.
التفت مازن في نفس اللحظة التي اخترق فيها صوت الشاب لسمعه واتسعت عيناه ذعرًا وغضبًا وقرأ اسمه منطوق فوق شفتيها في نظرة مُستغيثة فأردف بصوت غاضب ارتج صداه في المكان المُغلق بصدى مُخيف وهو يهرع تجاهها
-ماذا تفعل ؟ اتركها.
فردد الشاب وهو يسحبها من عنقها للخلف فتصبح أمامه وهو خلفها ويسحب من جيبه شفرة حادة يستخدمها الشباب في الدفاع عن أنفسهم ولوح بها بأنامل مرتجفة مهددًا مازن
-إن اقتربت سأؤذيها، أنا لا أريد شيء سوى الدواء سآخذه وأرحل.
نظرة الرعب بعيني سهر مزقته وخوفه عليها احتل كيانه وأصابه بالجنون أما هي فلم تكن ذراع الشاب قوية حول عنقها بل كانت مهتزة كل ما خافت منه الشفرة التي بيده الأخرى ففكرت في إحدى طرق الدفاع عن النفس التي تعلمتها قديمًا في دروس التايكوندو ولكن مازن ردد بنظرة تجلى بها الفزع وبنبرة مُهادنة وهو يرفع كفيه في الهواء أمام الشاب ولا يفصل بينهما سوى خطوتين
-حسنًا أنا سأعطيك ما تريد ولكن اتركها.
كان يحدثه وهو يقترب منهما ببطء شديد فأردف الشاب بصوت مخنوق بالبكاء -لا اعطني أولا.
فاردف مازن مهادنا وهو يكبت طاقة غضبه مؤقتا
-اعطني اسمه وأنا أحضره لك من الداخل حالًا فأنا أعمل هنا أيضًا.
ارتبك الشاب فهو كان يمسك الورقة والشفرة بيد واحدة وبينما يمد يده المهتزة بالورقة المُهترئة باغته مازن بضربة سريعة بساعده أطاحت بالشفرة واختل توازن الشاب وخلصت سهر نفسها منه وهي تلتقط أنفاسها بعد لحظات الرعب التي عاشتها وسحبه مازن من مؤخرة ملابسه بعنف وأوسعه لكمًا متواليا أما صاحبه فما إن رأى ما حدث حتى لاذ بالهرب.
أخذ مازن يسدد اللكمات للشاب الذي كان يقاربه في الطول فشعرت سهر بالخوف وهي ترى مازن يوسع الشاب ضربًا وأخذت تصرخ فيه بانفعال
-اتركه يا مازن سيموت بيدك.
ولكن مازن لم يكن يسمعها وقد أعمته لحظات خوفه عليها عن تلجيم انفعاله،لقد كانت على شفا الإصابة أو الموت والذي يزيد جنونه ويكاد يودي بعقله ماذا كانت ستفعل إن كانت بمفردها؟ لقد جاءها صدفة! كان يسدد اللكمات للشاب والشاب يحاول تفادي كلماته بذراعين واهنين وذهن مازن يصور له سيناريوهات بشعة كانت ستحدث لها لو كانت بمفردها.
فسحبت سهر هاتفها بأنامل مرتجفة حين لم تجد استجابة من مازن واتصلت بفادي تستغيث به وقد كان الأقرب لها لعدم وجود تيمور وعبدالرحمن في هذا الوقت.

قبل ما اكتب نهاية الفصل كنت حابة اقول كلمتين احنا اقتربنا جدا من النهاية وأعتقد كل قارئة كملت معايا رحلتي لمدة ٨ شهور فهي أكيد مستمتعة وحابة اللي بتقرأه والا مكانتش كملت فبصراحة مش شايفة اي سبب للمتابعة الصامتة اللي بتبخسني حقي وتقلل شغفي إني أكمل وأعتقد واضح المجهود الذهني والنفسي المبذول في الرواية فأتمنى زي ما بنستمتع ونقضي وقت حلو منبخلش على اللي قدامنا ونديله حقه دمتم بخير


نهاية الفصل
أتمنى يكون عجبكم












Heba aly g غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا بأس إن قضيت نصف عمرك غريب الروح إذا كنت ستقضي ما تبقى منه حبيب الروح
رد مع اقتباس
قديم 07-08-23, 10:36 PM   #383

كف القمر

? العضوٌ??? » 385981
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 407
?  نُقآطِيْ » كف القمر is on a distinguished road
افتراضي

فصل جميل جدا صعبان عليا أوي شيري وعبد الرحمن ربنا ينتقم من عمر أساس النكد والعكننة حبيت جدا تصرف فارس الي بيحاول يبني حياته مع سمر على اسس سليمة ويعرفها إن هو عنده مسؤلية تجاه اولاد أخوه مش هيتخلي عنها وفى نفس فرحت أوى بمعتصم كان واحشنا وخايفة على فريدة أنا حسه إنها مريضة بحاجة ربنا يستر ق
فصل أكتر من رائع دمتي مبدعة


كف القمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-23, 10:54 PM   #384

إيمان الألفى

? العضوٌ??? » 473669
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » إيمان الألفى is on a distinguished road
افتراضي

سلمت يداك فصل رائع

إيمان الألفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-23, 11:35 PM   #385

قوعه

? العضوٌ??? » 510583
?  التسِجيلٌ » Feb 2023
? مشَارَ?اتْي » 31
?  نُقآطِيْ » قوعه is on a distinguished road
افتراضي أزهرت بساتين الورد

تسلم ايدك روعه روعه ????????????????????????????????????????????❤️ ????❤️

قوعه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-23, 11:51 PM   #386

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile25

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 283 ( الأعضاء 34 والزوار 249)

‏موضى و راكان, ‏asmaaasma, ‏Heba aly g, ‏chouchou23, ‏د اروى, ‏Amanykassab, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏زهرة الشتاء المتقطع, ‏bahija 80, ‏إيمان الألفى, ‏نصر مبين, ‏Arw2, ‏قوعه, ‏فاطمة زعرور, ‏هداروي, ‏Nora372, ‏هبه هلال, ‏كف القمر, ‏عاشقة الحرف, ‏hoda ateya, ‏سميحة محمد, ‏سناء يافي, ‏Hoba Nasry, ‏إيمي حسن, ‏لميس رضا, ‏amany saedd, ‏jehan, ‏زهراء يوسف علي, ‏بسبوسه بسبس, ‏hanaa85, ‏حديث الذكريات, ‏زهرة ميونخ, ‏وفاء حسين سلطان, ‏yasser20


تسلمى يا هبة فصل رائع و خاصة بعد استضافة حبيب القلب معتصم الرحمانى و خاله الدكتور هارون

مفاجأة حلوة


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-23, 11:58 PM   #387

ماماسماح

? العضوٌ??? » 495260
?  التسِجيلٌ » Nov 2021
? مشَارَ?اتْي » 76
?  نُقآطِيْ » ماماسماح is on a distinguished road
افتراضي

قمر قمر قمر تسلم ايدك يا هوبا فصل ولا اروع يا جميل تسلم ايدك حبيبتي ♥️♥️♥️

ماماسماح غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-08-23, 11:59 PM   #388

سناء يافي

? العضوٌ??? » 497803
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 447
?  نُقآطِيْ » سناء يافي is on a distinguished road
افتراضي ازهرت بساتين الورد

فصل را ىع جدا
تص ف فارس وكنيته عا ولا.د اخوه وترتيب امو رة حلو
شيري وعبد الرحمن ايمتى بيتغير عمر
مازن فقد اعصابه ورعب سمر
تسلم ايدك عا مجهودك


سناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-08-23, 12:27 AM   #389

هناء صالح سليمان

? العضوٌ??? » 510460
?  التسِجيلٌ » Feb 2023
? مشَارَ?اتْي » 20
?  نُقآطِيْ » هناء صالح سليمان is on a distinguished road
افتراضي

الفصل روووووعة يا هوبة
فارس اثبت انه يستحق سمر
وكمان لن يتخلى عن اولاد اخيه المتوفى
سهر ومازن
هل ستتجاوز سهر عن عنف مازن وتوافق على الارتباط
ام سيكون هذا سببا لرفضها الارتباط
عمر الاناني
متي سيري ان من حق ابنه ان يختار الإنسانة التي سيرتبط بها حتي لو كان رافضا لهذا الارتباط
في انتظار ما سيحدث


هناء صالح سليمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-08-23, 12:27 AM   #390

نيفين الحلو

? العضوٌ??? » 413140
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 197
?  نُقآطِيْ » نيفين الحلو is on a distinguished road
افتراضي

الرواية أكثر من رائعة يا هوبه سلمت يداك وبالتوفيق دائما❤❤

نيفين الحلو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:57 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.