آخر 10 مشاركات
5-لو كنت اعلم - آن ميثر - حصـــريا" (الكاتـب : فرح - )           »          475 - قلب في خطر - ماغي كوكس ( عدد جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          120 - سقط سهوا - ناتالي سبارك (الكاتـب : monaaa - )           »          رواية مباريات الجوع - سوزان كولنز ( الجزء الأول من ثلاثية مباريات الجوع ) (الكاتـب : ابن رشد - )           »          أنات في قلوب مقيدة (1) .. سلسلة قلوب مقيدة *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          هفهفت دِردارة الجوى (الكاتـب : إسراء يسري - )           »          110 - أحلامي ليست لي (الكاتـب : حبة رمان - )           »          شيوخ لا تعترف بالغزل -ج3 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          أنثى من ضوء القمر **مميزة ** (( كاملة )) (الكاتـب : هالة القمر - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree2701Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-09-23, 01:29 AM   #481

حمزة**محمد

? العضوٌ??? » 481498
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 156
?  نُقآطِيْ » حمزة**محمد is on a distinguished road
افتراضي


الفصل حزين جدا
فعلا مش بنعرف قيمة الي بنحبهم غير لما يضيعو مننا او نحس اننا هنفقدهم
منتظره باقي الفصل


حمزة**محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-23, 07:39 AM   #482

سناء يافي

? العضوٌ??? » 497803
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 447
?  نُقآطِيْ » سناء يافي is on a distinguished road
افتراضي ازهرت بساتين الورد

فصل رائع وحزين المهم نطمن عا فريدة تسلم ايدك

سناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-09-23, 01:55 PM   #483

محمد جمعة احمد

? العضوٌ??? » 489656
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 852
?  نُقآطِيْ » محمد جمعة احمد is on a distinguished road
افتراضي

رواية اكتر كن رائعة انتظر نزول الفصول بفارغ الصبر
اتمنى مواجهة تحدث بين فريدة وعمر لابد منها لانها تاجل
ت كثيرا شكرا كتير


محمد جمعة احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-09-23, 08:04 PM   #484

محمد جمعة احمد

? العضوٌ??? » 489656
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 852
?  نُقآطِيْ » محمد جمعة احمد is on a distinguished road
افتراضي

لازم عمر دة يلخبط الدتيا رايح المستشفى لية ؟؟ سيرى مازن وفارس وتتعقد المسائل اكتر ..رواية رائعة انتظرها على نار

محمد جمعة احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-23, 06:51 PM   #485

hanaa85

? العضوٌ??? » 55639
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,650
?  نُقآطِيْ » hanaa85 is on a distinguished road
افتراضي

هل يوجد فصل اليوم

hanaa85 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-23, 07:50 PM   #486

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

الجزء الثاني من الفصل التاسع والعشرون
***
-نعم!
رددتها شيماء بدهشة فتنحنح عُمر مُرددًا وشعور بالتوتر الشديد يغمره فيُغالبه ببأس وهو يتهرب من النظر بعينيها – أقصد أطمئن على الأولاد فثلاثتهم حالتهم غير مُطمئِنة وواجب عليّ الوقوف بجوارهم في موقف كهذا. سحبت نفسًا طويلًا وهي تدور حوله فتقف أمامه مُرددة برزانة – فعلا الموقف يستدعي أن "نكون" بجوارهم ولكن ليس بالمشفى يا عمر. ضيق عينيه وهو ينظر إليها مليًا وسألها – ماذا تقصدين؟ مطت شفتيها ثم تمتمت بنظرة خاصة – إن "ذهبنا" إلى المشفى الآن فسنُقابل "زوجها" والموقف سيكون مُتوترًا لأن علاقتك به سيئة وفي أخر مُقابلة لكما أهنته فوجودنا لن يكن مُناسبًا أو مُرحبًا به من جهة،ومن جهة أخرى لن تكون بجوار أبنائك بمفردهم بل ستكون بجوار زوجها وأبنائه وعائلته. دقق النظر إليها بعينين مبهوتتين فهو للحظة دفعته مشاعره للذهاب والاطمئنان عليها فلم يخطر بذهنه يوما أن يُصيبها مكروه،ولكن شيماء كالعادة لديها بُعد نظر فدقق النظر بعينيها مُتسائلًا بصوت مُحتقِن-وما المُفترض فعله في هذه الحالة؟ -انتظر سأفهم الوضع أولًا بعدها نُقرر . رددت كلماتها وهي تسحب هاتفها تُجري اتصالًا وهو ينظر إليها بشرود وقلب مُنقبِض،إنها تلك الحالة التي تُصبه كل فترة،الدوامة التي يسقط بها عقله وكأنه سقط في هوة زمنية ويظل يتسائل أسئلة بلا إجابات مُقنعة ترحمه من شطط أفكاره _ ما الذي حدث ليتحول من ساكن لقلبها إلى غريب؟ _ متى وقعت الهوة بعلاقتهما ليصبح بينهما بُعد المشرِق والمغرِب؟ _ أي شيطان تلبسه منذ سنوات ليجعله يتشبث بأحلام لم تكن سوى أوهام ؟ _ وفي نهاية المطاف ما المكاسب التي تُعادل خُسارته لها ؟ انتزعه صوت شيماء من شروده وهي تُجلي صوتها مُرددة – كيف الحال يا سمر طمأنيني؟ ظلت تتابع تعابيره الصامتة وهي تتحدث إلى سمر مُرددة – هل ستبقون بالمشفى أم ستعودون إلى البيت؟ وبعد دقائق قليلة كانت قد أنهت المكالمة مع سمر وأردفت بهدوء – كما توقعت فريدة لا تزال بالعناية المُركزة ولن يبقى أحد معها والجميع في ظرف ساعة سيكونون قد عادوا إلى البيت فلنذهب لهم إلى هناك بشقتهم الخاصة لنكون معهم كما تُحِب. أظلمت عيناه دون أن ينطق بشيء ولم تُدرك هل هذا لأنها أحبطت محاولة ذهابه إلى المشفى أم حزن على حالة فريدة ؟ ولو شقت عن قلبه لأدركت أن السبب في عدم استيعابه لأنه صار غريب عنها منذ سنوات ولم يعُد له أي صلاحيات. *** في المشفى كان جميع الزائرين قد انصرفوا ولم يتبقَ سوى تيمور وخالته واخوة فريدة والأولاد وكريم الذي قال لتيمور – أنا سآخذ الجدة عايدة وشروق وشمس معي. وغمغم عبد الرحمن وهو ينظر إلى باقي البنات وفؤاد – حسنًا هيا لأوصلكم حتى أعود ثانية. فأردف تيمور بجدية – لا تعود يا عبد الرحمن ارتاح أنت ليس له داعٍ تواجدك وهي كما ترى بالعناية. -لا سأعود والمُفترض أن تذهب أنت إلى البيت لترتاح فأنت منذ الأمس لم تنم. -أنا من سأبقى معها من فضلكم اذهبوا جميعًا واتركوني أنا. رددتها فدوى بصوت مُضطرب فأردفت سهر -وأنا سأبقى معكِ. فأردف تيمور وهو يرفع كفيه بالهواء يُخاطب الجميع. -يا جماعة كما ترون غير مسموح بالتواجد إلا في أوقات الزيارة وبقائي هنا يُعتبر استثناء فاذهبوا جميعًا لأنني لن أعود إلا حين تتعافى وأطمئن عليها . كانت نبرته حازمة وكانوا يعرفون جميعًا أنه لن يوافق على المغادرة فلم يجادله أحد فاقتربت منه شيري وهي تُعطيه حقيبة يد كانت معها منذ أتت مُرددة بنظرة باهتة – كنت أعرف أنك لن توافق على العودة فأحضرت لك غيارًا كاملًا . تناول منها الحقيبة وربت على كتفها وهو يشعر بالاختناق ولكنه يتماسك مُجبرًا أمام الجميع. *** وصلوا إلى البيت ففتحت شروق الباب بمفتاحها ودخلت جدتها عايدة وشمس بينما توقفت كل من سمر وسهر بالخارج وأردف عبد الرحمن لشروق – سنكون بالأعلى لأن أبي وصل كما أخبرتك، إن احتجتم أي شيء حدثيني. هزت رأسها بالموافقة ثم دلفت للداخل وهي تشعر بكل خلية في جسدها تنتفض وكل عضلة تئن بألم فأردف هو لشيري التي كانت تقف عند باب البيت بجوار شروق – هل تريدين أي شيء؟ رفعت عينيها إليه باستجداء ثم تمتمت بخفوت – هل ستبقون بالأعلى كثيرًا؟ أنا لا أستطيع دخول البيت ،أشعر أنه كئيبًا مُقبِضًا في غياب ماما وستزيد وحشته بعدم وجودكم جميعًا. كانت ملامحها ناطقة بالخوف الساكن قلبها فأردف وهو يُربت على كتفها بحنان – إن شاء الله وقت وسيمُر ،سحب نفسًا قصيرًا ثم ردد :لا أعرف هل أبي سيبقى أم سيرحل سريعًا ولكن حتى لو بقى سأرسل لكِ سمر أو سهر لأن حالتك لا تُطمأنني. لا تعرف هل نسى كفه فوق كتفها أم فعلها قاصدًا أو ربما داعمًا كل ما تعرفه أنها في هذه اللحظة تتمنى لو توقف بهما الزمن وظلا لساعات بهذا القُرب يغمرها بلمسة واحدة بفيض من دفء وحنان حتى تعود أمها،ملجأها وأمانها. فرقت شفتيها وتمتمت بخفوت – أنا أشعر أن حالتك أنت الأصعب بيننا ولكنك تكبت مشاعرك داخلك لذلك أخشى عليك أن يُصيبك أي ضر. نظر إليها مليا ،صغيرته التي شبت على يديه لم تعد الصغيرة التي يُلاعبها ويُمازحها بل صارت شابة يافعة وحبيبة مُتفهمة مُراعية تشعر به وتثبر أغواره دون أن ينطق وتقرأ الألم بعينيه فهز رأسه وأردف بنبرة واهنة رغم عنه – لديكِ حق أنا أحترق من الداخل يا شيري. واحتراقه الداخلي سرى كتيار كهربي ساخن بشرايينها وهو يُشدد دون قصد على كتفها فرفعت كفها تلامس أنامله فوق كتفها وتمسد كفه بحنان سرى بأوردته دافئًا كجُرعة مُهديء سريع المفعول وهمست بخفوت -بعيد الشر عنك حبيبي إن شاء الله سيجبرنا جميعًا ولن يحرق قلوبنا عليها . هز رأسه مُرددًا – يارب . -ماذا تفعلين يا شيري؟ انتفضت بموضعها على صوت فؤاد يأتيها من خلفها فتنحنح عبد الرحمن وهو يتراجع للخلف قائلًا – اهتمي بفؤاد يا شيري . أحاطت كتفي فؤاد بذراعها مُرددة بنبرة مُتماسكة – لا تقلق عليه. والصغير كان كطفل تاه من أمه فينظر إليهما بنظرة مُشتتة وقد انطفأ وهج عينيه الذي كان مُتقدًا دائمًا وهو يُشاكس هذا ويُمازح ذاك. -هيا يا عبد الرحمن. رددتها سمر من خلفه وهي تشعر بأن قوتها قد خارت فأشار هو لشيري أن تُغلِق الباب وأقبل على أُختيه وأحاط كتف كل واحدة بذراع وصعدوا إلى شقة الطابق الثاني. كان عُدي في انتظارهم أمام باب الشقة منذ أن سمِع صوت سيارة عبد الرحمن حين وصلوا فأسرع نحوهم واستقبله عبد الرحمن وقبل رأسه مُرددًا – أهلا يا حبيبي . وبالمثل فعلت سمر وسهر وحين دلف ثلاثتهم للداخل كان والدهم في استقبالهم فالتقت عيناه بعيني عبد الرحمن في نظرة فاترة من جهة الثاني وأقبلت سمر على والدها وهي تشعر بنفسها خائرة القوى فتلقاها بين ذراعيه وضمها يحتوي ارتجاف جسدها مرددًا بجزع – ماذا بكِ حبيبتي ؟هل أصاب والدتك مكروه؟ انفجرت سمر في بكاء حاد وهي تدفن وجهها بصدره، كانت تحاول التماسك منذ ما حدث إلى أن وصلت إلى مرحلة الانهيار -ما زال الوضع كما هو. رددتها سهر بصوت مهزوز وهي تقترب من عمر فيحيط كتفيها بذراعه الآخر ويحتوي ابنتيه أما عبد الرحمن فيظل كما هو بموضعه إلى أن ردد عمر بصوت مُحتقن – ماذا حدث لها لتصل إلى هذه المرحلة؟ ضيق عبد الرحمن عينيه وهو يناظره بتدقيق ثم ردد بنظرة فاترة وصوت مُختنق – أبدًا ... تراكمات،لها أشهر تقع تحت ضغط نفسي رهيب،بداية من رفضك المباشر والصريح من زواجي بشيري والذي ترتب عليه رفض والدها لتقع أمي بين شقي رحى رفضك ورفضه، مرورًا بحادث سهر وإصرارك على أخذها هي وسمر للبقاء لديك ثم رحيلي أنا الآخر وقد ضاقت عليّ الأرض بما رحُبت لتعيش أشهر دون ثلاثتنا، انتهاءً بكسر قلبها وهي ترى ابنها عاجزًا عن نيل سعادته مع من تعتبرها ابنتها ألا تكفي كل تلك الأحداث لاعتلال قلبها وسقوطها ؟ كان عمر ينظر إليه باتساع عينيه دون رد ومن خلفه شيماء التي شعرت بتوتر الموقف فأردف عمر بنظرة مبهوتة ونبرة مُستنكرة – أرى أنني القاسم المُشترك الأعظم في كل الأحداث التي تذكرها ! وقبل أن يُفرِق عبد الرحمن شفتيه ليرد عليه ردًا لاذعًا غادرت شيماء موضعها لتقف بينهما وهي تولي عبد الرحمن وجهها مُرددة بنبرة عالية مُسيطرة على زمام الموقف – الف لا بأس على والدتك يا عبد الرحمن بإذن الله ستمر الأزمة على خير،جميعنا جئنا لنكون بجواركم ،ثم جذبته برفق من ذراعه مُرددة : وجدك ينتظر بالداخل تعال لتصافحه. مط عبد الرحمن شفتيه وسار معها بلا عزيمة وخلفهما عُدي الذي لا يدرك طبيعة السجال الدائر بين والده وأخوه وكان الحاج إبراهيم جالسًا بحجرة المعيشة فأردف ما إن رأى عبد الرحمن – اشتقت إليك حبيبي. فأقبل عبد الرحمن نحو جده الذي استقام واقفًا فاتحًا ذراعيه له،شدد إبراهيم على كتفي حفيده مُرددًا بحنان – ستكون بخير إن شاء الله لا تقلق. بعد قليل كان عبد الرحمن وسهر يجلسان برفقة جدهما وشيماء وعُدي بحجرة المعيشة بينما سمر مع والدها بالشرفة،كانت طوال الوقت تحاول التماسك حتى وصلت إلى هذه الحالة فكانت تجلس بالشرفة مع والدها على مقعدين مُتقابلين يميل بجسده جهتها يحتوي كفها بحنان مُرددًا باهتمام – ماذا يقول الأطباء عن حالتها؟ أخبريني بالوضع كله حبيبتي. أخذت سمر تُخبره بالوضع الصحي لأمها وهو يُنصِت لها باهتمام وحدقتيه تهتزان توترًا إلى أن لمعتا لمعة تأثر وانكمشت تفاحة آدم بمنتصف قصبته الهوائية فتُدرك اضطرابه الداخلي فتوقفت العبرات بمقلتيها وهي تتأمل انفعاله ووجدت لسانها ينطق السؤال الذي لها سنوات تتمنى أن تطرحه عليه فتمتمت بنبرة متسائلة وعينان تلمعان بالحيرة – لماذا يا بابا؟ ضيق عينيه مرددًا بجهل – لماذا ماذا؟ فترد باندفاع – لماذا وقع الفراق بينك وبين أمي وأنت تحبها هكذا؟ وقبل أن يفكر في النفي أردفت بنظرة مُحذرة حتى لا يفكر في الإنكار : ولا تقل لي أنني مُخطئة، إن كنت مُخطئة في ظني طوال السنوات الماضية من ملاحظات دقيقة في مواقف عابرة بدت فيها مشاعرك سواء في كلمة أو نظرة فلن أُخطيء اليوم وأنا أرى القلق والخوف يتجليان بعينيك ولا تُخبرني لأنها أم أبنائك لأن هذه النظرة التي أراها بعينيك لا تعني ذلك. نظر إليها وإلى الدموع اللامعة بمقلتيها وبجوار دموعها ذكاء مُتقد ونظرة مُتحدية والتحدي لم يكُن سوى لرفضها أن يهين ذكائها فأردف بنصف ابتسامة - طوال عمرك وأنتِ نسخة من أمك،ثم ردد وهو يُخفِض عينيه عن عينيها: ولن أنفي يا سمر ولكن ألم يمر وقت الحديث في هذا الأمر وقد صار من الماضي؟ -وإن كان ماضيا لم أراه حيا بعينيك؟ رددت سؤالها باندفاع فتمتم بخفوت – لأن الماضي لا يموت. ثبتت عينيها فوق ملامحه التي تنطق بالقلق على أمها وتمتمت – الماضي لا يموت أم الحب الحقيقي لا يموت؟ هز رأسه دون تفكير ورغبة جامحة تجتاحه لنزع رداء الكبر والاستغناء وردد – اختلاف مُسميات ليس أكثر لن نختلف حوله. تمتمت والجنون يتراقص بعينيها وشريط حياتهم كله يُعاد أمام عينيها بكل تفاصيله – لماذا إذن؟ التقت عيناه بعينيها والصمت كان رفيقهما لدقيقة كاملة ثم رد بمنتهى الشفافية – إن سألتيني هذا السؤال منذ ثماني عشر عام كان ردي أنها حُرية شخصية وحق مُكتسب أما الآن في هذه اللحظة على وجه التحديد فربما أخبرك أنه طيش أو حماقة أو جموح . غامت عيناها بالدموع وهي تنظر له بعتاب فأردف وهو ينتفض انتفاضة داخلية وقد سحبته إلى منطقة لم يكن يود الخوض بها – في النهاية كلها أقدار حبيبتي. هزت رأسها وهي تردد بأسف -أقدار صنعتها أيادينا. زفر زفرة حارة وهو يشعر بعدم اتزانها وردد – لديكِ حق. -إن عاد بك العمر لم تكن لتبتعد عنها ؟ سألته وهي تشعر بكل الثوابت تهتز أمام عينيها فتمتم بابتسامة شديدة الوهن – لو عاد بي العمر لم أكن لأبتعد عنكم جميعًا . سالت دموعها فوق وجنتيها حارقة حزينة على ما أصاب أمها من جهة وحزينه على حالة الضياع التي تشعر والدها عليها من جهة فهو نادرًا ما يُبدي مشاعره ويبدو أنها كانت حالة عابرة،غفلة عقل استفاق منها سريعًا وهو يستقيم واقفًا ويجذبها لتستقيم واقفة أمامه مُرددًا – إن شاء الله والدتك ستكون بخير، أنا كنت سأذهب إلى المشفى اليوم للاطمئنان عليها ولكن شيماء لفتت نظري أنه لن يكون لائقًا. تنحنحت مُرددة بحرج – الأفضل أنك أتيت إلى هنا ونحن بالطبع سنوافيك بالأخبار. حاولت أن توصل له الصورة بقدر من اللباقة عوضًا عن اخباره أن تيمور لن يتقبل وجوده ولكنه أدرك دون أن تنطقها فأردف – المهم الآن اسبقيني إلى الخارج وأنا دقائق وأكون معكم لأنني أريد التحدث مع ثلاثتكم. قالها وهو يُربت على كتفها فهزت رأسها وقبل أن تغادر الشرفة أردف عمر بنظرة غامضة – الحديث الذي تحدثنا به منذ قليل ليس للنشر. تمتمت وهي تمسح وجهها بكفيها وقد تيقنت أن ما قاله كان تحت وطأة شعوره بالتعاطف اللحظي مع أمها فقط -لا أعمل بالصحافة أنا لأنشره. مط شفتيه ثم ردد بابتسامة صغيرة – أقصد الصحافة الداخلية. لمعت عيناها بشبح ابتسامة من بين دموعها فهو لا يزال يصيبها بالحيرة في شخصيته وفي طبيعة مشاعره تجاه أمها ففي أوقات غضبه يخبرهم أنها المُخطأة وأنها السبب فيما آل إليه حال أسرتهم وفي أوقات ضعفه النادرة ها هو اعترف أنه السبب ولكنه يبدو أنه ندم على ما تفوه به فيُطالبها بألا تُخبِر أحد فأردفت بصوت خفيض – حسنًا سأجعله سرًا صغيرًا بيننا. هز رأسه دون رد وتركته هي لتجد سهر في وجهها وقد كانت تَهِم بالدخول لوالدها فسألتها سمر بخفوت – هل هناك شيء؟ تمتمت سهر من بين أسنانها – أريد أن أتحدث معه،لابد أن يعرف أنه يتحمل وزر ما حدث لأمي بتعنته في أمر عبد الرحمن. قطبت سمر حاجبيها مُرددة – لا تتحدثي معه في شيء الآن يا سهر يكفيه ما به. ضيقت سهر عينيها متسائلة – وماذا به؟ ردت سمر على عُجالة – فيما بعد نتحدث المهم الآن أين عبد الرحمن أبي يريد ثلاثتنا. -يجلس مع شيماء بالخارج. رددتها سهر وتوترها الداخلي يبلغ ذروته وبعد دقائق كان عمر قد خرج من الشرفة بعد أن اختلى بنفسه لدقائق يرتب بها أفكاره ويضبط انفعالاته ويُلملم مشاعره فأردف وهو يجلس بين سمر وسهر على الأريكة بينما عبد الرحمن يجلس بجوار شيماء وعُدي على الأريكة المُقابلة – ما رأيكم أن تأتوا عندي حتى تتعافى أمكم أرى أنه لا معنى لبقائكم هنا ما دامت ليست متواجدة . كان يوجه كلماته بشكل خاص لسمر وسهر فأردف عبد الرحمن قبل أن تنطق أي منهما – بإذن الله ستعود قريبًا وليس منطقيًا أن تبتعد سمر وسهر عن هنا فهي ما إن تستفيق حتى تحتاجهما بجوارها. أردف عمر موضحًا – أنا فقط لا أريد ترككم في هذه المِحنة فأود أن أكون معكم. فأردف عبد الرحمن بلباقة وهو يشير بكفيه للمكان – البيت مفتوح وإن أحببتم أن تظلوا جميعًا فأهلا بكم. تبادلت كل من سمر وسهر نظرة ذات معنى وتبادل عمر مع شيماء نظرة متسائلة فأردفت برد فعل سريع – ليس لدي مانعًا بالطبع في البقاء مع البنات هنا ولكن أعتقد أنهما مرتبطات بالبقاء مع بنات الدكتور تيمور. تمتمت سمر – نعم في الحقيقة لن نستطيع تركهم هم وفؤاد فالجميع حالتهم ليست على ما يُرام. -إلى جانب أننا يوميا نذهب إلى ماما في المشفى. رددتها سهر بهدوء فهز عمر رأسه وتمتم – حسنًا لا توجد مشكلة وإن احتجتم أي شيء حدثوني مباشرة. -بإذن الله. رددتها كل من سمر وسهر وظل عمر يتحدث معهم محاولًا التخفيف عنهم هو وجدهم إلى أن قرر الرحيل برفقة والده وزوجته وابنه وعند باب الشقة ضم سمر وسهر يطلب منهما التماسك وصافحه عبد الرحمن برسمية ليلاحظ عمر أن نظرة ابنه ومعاملته له قد تغيرت تمامًا عن ذي قبل. *** في المساء في منزل الدكتور فؤاد ____ كان الجميع بغرفة المعيشة يجلسون والصمت يُخيم عليهم الدكتور فؤاد والجدة عايدة، الخمس بنات وفؤاد الصغير الذي ينظر حوله بتيه في غياب والديه المُفاجيء إلى أن على رنين جرس الباب فاتجهت شمس لفتح الباب بفتور وكان عبد الرحمن الذي دلف وهو يحمل بيديه عشاء أحضره للجميع فألقى السلام ووضع الطعام الجاهز فوق المائدة مُرددًا – هيا يا جماعة لتتناولوا الطعام. فكان رد الجميع بخفوت أنهم ليس لديهم شهية فأردف عبد الرحمن وهو يشير لشروق بنظرة خاصة – جدك وجدتك لابد أن يأكلا جيدًا حتي يتناولان الأدوية. ثم نظر إلى شيري مُرددًا – وفؤاد لم أراه يأكل شيء من الصباح. -ليس لدي شهية. رددها فؤاد باقتضاب فأردف عبد الرحمن للجميع – الامتناع عن الطعام لن يفيد بشيء بالعكس لن يكون لدينا طاقة للمواصلة. دقائق والتف الجميع حول طاولة السفرة يتناولون الطعام على مضض فنظرت شيري إلى عبد الرحمن بشفقة، لقد أصر على الجميع أن يتناولوا الطعام أما هو فلم يتناول سوى نذر يسير وكانت تتابعه فتشعر أنه يحمل هموم الدنيا فوق كتفيه فلجأت إلى حيلة تعرف أنها تأتي بمفعولها معه فكانت تضع الطعام أولًا بطبقها تقسمه إلى نصفين متساويين ثم تضع نصفه بطبقه بهدوء وبنظرة حانية فلم يُخيب رجائها وتناول ما استطاع وأخذوا جميعا يتجاذبون أطراف الحديث ليهونون على بعضهم ولكن الشعور بالوحشة كان يُخيم عليهم ويغمر الأجواء، لم تكن المرة الأولى التي يتغيب فيها تيمور وفريدة عن البيت ولكن في كل مرة كانوا جميعًا على علم أنهما بخير وأنها مجرد ساعات ويعودان أما الآن فأمهم ليست بخير ولا يعلمان لعودتهما موعدًا. *** بحجرة العناية المُركزة كان تيمور يجلس على المقعد الوحيد المُقابل لفراش فريدة،بدل قميصه بقميص آخر من الحقيبة التي أحضرتها له شيري وشعور بالقلق والاضطراب يلازمه فرغم تأكيد الطبيب أن غيابها عن الوعي طبيعي في مثل حالتها وأن مؤشراتها الحيوية ليست سيئة إلا أن قلبه متوجسًا ولن يشعر براحة إلا حين يرى بريق عينيها ويسمع صوتها،لامس كفها الساكن ومال قليلًا جهة الفراش وشعور بالإنهاك يغمره فهو لليلة الثانية على التوالي وهو يرافقها ولا يشعر برغبة لا في نوم ولا طعام إلى أن شعر في هذه اللحظة بأن الأرض تميد به وحجرة العناية تدور من حوله فاستند بجبهته فوق حافة الفراش وفي ثوان مرت أحداث الشهور الأخيرة أمام عينيه وكأنه في حلم وما هو بحلم فيرى أحداث اليوم الذي زارتهم به نرمين خالة البنات ورد فعل عبد الرحمن بعدها،بداية ظهور مشاعر عبد الرحمن وشيري التي كان وقعها عليه مُفاجئًا،شروق وتذبذبها في قبول كريم رغم ميل قلبها له،زيارتها لأمها وحديثها الذي مَزّق قلبه ثم قبولها واليوم الذي زاره فيه وليد وأسرته ليطلب يدها رسميًا لابنه وسعادتها التي أثلجت صدره،الجلسة العائلية الدافئة يومها وكيف كان سعيدًا لأنه سيُناسب صديق عمره والخنجر الذي غرسته شيري في قلبه بنظراتها الصامتة للسعادة المرسومة على وجهي أُختيها وذبولها وانزوائها وعجزه عن احتوائها... ليلة عقد القران وسعادته وهو يرى سعادة ابنتيه مع من اختارته كل منهما بمحض ارادتها ورهبة الموقف وهو يُسَلِم زمام أمر قُرتي عينيه لآخران فيدعو الله أن يُحسنا عشرتهما بالمعروف... سعادته المنقوصة وهو يرى فريدة تقوم بواجبها تجاه البنات على أكمل وجه وهي تُخفي بقلبها حزنها على ابنها ويرى شيري منطفئة رغم أن البيت من المفترض يعمه الفرح ... يرى عبد الرحمن يكبت انفعاله ومشاعره ويقوم بواجبه مع البنات تمامًا كما تفعل أمه فيشعر بالذنب لأنه السبب في حزنهم وهو عاجز عن نطق الكلمة التي بها حياتهم يرى نفسه وهو يتحدث مع والده والأخير يحاول اقناعه بالشيء الذي يؤرق مضجعه لأشهر وحين أخذ القرار على مضض سقطت فريدة وأسدلت الستار على القصة التي أرقت الجميع طوال الفترة الماضية كل الأحداث بعد ذلك تتوالى بذهنه ضبابية فلا يرى أمامه سوى صورًا مُشوشة وطنين بأذنيه يصمهما وقد حَلّ عليه ضغط الشهور الماضية وانهاك اليومين الماضيين فتَغيب ذهنه عن الوعي وسقط في سِنة من نوم في الوقت الذي كانت فريدة تفتح عينيها ببطء وتتسلل إلى رئتيها رائحة المشفى التي تدركها وتعي أذنيها صوت صفير الأجهزة المجاورة والموصلة أسلاكها بجسدها،كان جفناها ثقيلين ولكنها جاهدت لتفريقهما إلى أن فعلتها لتُبصِر سقف الحجرة الأبيض وحين حاولت تحريك أنامل يدها الحُرة من أي أجهزة موصلة شعرت بأنامله فوقها فأدارت رأسها لتجد تيمور جالسا أمامها ورأسه مُنكبًا فوق طرف الفراش فأخذت تعتصر ذهنها حتى تذكرت ما حدث وشعرت كأنها نامت كثيرًا وأن الدوار يلف رأسها فرفعت كفها ببطء ووضعته فوق رأسه مرددة بخفوت شديد – تيمور. وصله همسها وقد كانت أذنيه متحفزتين رغم غفوته وشعر بملمس أناملها بين خصلات شعره فانتفض جالسًا واتسعت عيناه بلهف وردد – فريدة أنتِ بخير ! أومأت بعينيها بابتسامة هزيلة فأردف وعيناه تلمعان بفرح وهو يشدد على أناملها – لقد أصبتِ الجميع بالرعب عليكِ. تمتمت بخفوت – كيف حال الجميع؟ - بخير حبيبتي ولكنهم سيموتون قلقًا عليكِ. تمتمت وهي تنظر إلى الأجهزة من حولها – منذ متى وأنا هنا؟ همس بنفس حار لفحت حرارته وجهها – منذ الأمس . تمتمت وكل لمحة بوجهها تنطق بالوهن – أشعر أن لي أيام طويلة نائمة . كان يحتضن أناملها وتشع عيناه بحنان فردد بنبرة حاول أن تكون مرحة – أنتِ نائمة من الأمس وكأنني كنت أحرمكِ من النوم بالبيت يا فريدة. ابتسمت ابتسامة صغيرة ورددت بتساؤل جدي – ماذا حدث لي لأكون هنا ؟ هذه حجرة عناية. تمتم بسرعة ونظرته تحتوي قلقها وخوفها – لم يحدث شيء صدقيني ،كنتِ مُرهقة فقط من ضغط أيام التجهيز لحفل عقد القران ونفسيا كنتِ متوترة من أجل مشاكل باقي الأولاد. دققت النظر إليه مرددة بشك – وهذه الأسباب تستدعي عناية مُركزة ! ردد بخفوت وقلبه يتمزق من هالة الوهن التي تحيطها – ستكونين بخير أنتِ فقط تماسكي وكوني قوية كما عهدتك. رددها وهو يُشدد على أناملها يرجوها بنظرة عينيه وقبل أن ترد أقبلت عليهما الممرضة مرددة بابتسامة صغيرة – حمدًا لله على سلامتك. ردت فريدة عليها بخفوت شديد وقد كانت تشعر بجفاف حلقها وعدم القدرة على الحديث وأخذت الممرضة تقوم بعملها وتُبدل لها المحلول وتيمور ينتحي جانبًا حتى تُنهي عملها وحين انتهت كانت فريدة قد غفت ثانية فأردف بحاجبين معقودين – هل نامت ثانية ؟ رددت الممرضة بنبرة متفهمة – نعم وهذا الأفضل لحالتها كان الله بعونها. نظر تيمور إلى زوجته نظرة متعاطفة فأردفت الممرضة برجاء – من فضلك يكفي إلى هذا الحد ،تعرف أن تواجدك لا يصح إلى جانب أنها نائمة ووجودك لن يفيدها بشيء. هز رأسه وهو يلقي على فريدة نظرة أخرى وغادر الحجرة ليجد عبد الرحمن بالخارج يقف خلف الزجاج الشفاف فأردف بنبرة رغم ضعفها تفوح بأمل وليد -حمدًا لله فاقت لدقائق وتحدثت معي. تمتم عبد الرحمن بصوت متحشرج وقد وصل به التعب مبلغه هو الآخر – نعم رأيتها حمدًا لله. -لمَ أتيت ثانية؟ سأله تيمورفأردف عبدالرحمن بصوت مختنق وهو يحيد بعينيه عنه – صدقني لا أطيق البقاء هناك دونها أشعر بأنني أجلس فوق أشواك. ربت تيمور على كتفه مرددًا – ستكون بخير إن شاء الله. -إن شاء الله. رددها عبد الرحمن راجيًا من ربه أن يحفظها ثم أردف وهو يشير نحو حقيبة وضعها على المنضدة القريبة بالاستراحة – وأحضرت لك طعامًا لابد أن تهتم بصحتك أنت الآخر حتى تستطيع المواصلة. تأثرت نظرة تيمور لعبد الرحمن الذي لم يشعر في يوم سوى بأنه ابنه وشعور يغمر قلبه بالرضا التام عن زواجه بشيري ووخزة تأنيب للذات تنغزه لأن القرار أتى مُتأخِرًا. *** كان الليل قد انتصف حين اتصل عمر بعبد الله وطلب منه أن يُقابله في المقهى وحين وصل الأخير كان بالفعل عمر ينتظره بوجه ملامحه غريبة وحين جلس معه واستمع إليه ردد باستفهام – أنا لا أعرف هل ما أصاب فريدة هو ما غير حالك هكذا أم تغير عبد الرحمن معك أم ثرثرتك مع سمر وشعورك أن دواخلك انكشفت أمام ابنتك؟ حاد عمر بعينيه بعيدًا في اللا شيء وردد بفتور – شعرت بأنني غريب حين علمت ما أصاب فريدة وعجزت عن الاطمئنان عليها ورؤيتها لأنني لا أملك هذا الحق،وشعرت بالوحشة وابني يحيد بعينيه عني يتجنب مُصافحتي ورأيت كأن سورًا أصبح بيننا وحين عرفت من شيماء أنه أخبرها بموافقة والد البنت على الزواج شعرت بأنني لم يعُد لي صفة في حياته،ابتلع لعابه بصعوبة وهو يردد: وحين رأيت حيرة سمر بعينيها وهي تسألني لمَ فعلت ما فعلته منذ سنوات شعرت بأنني خسرت أجمل سنوات عمري مع أبنائي. كان عبد الله يُدرك أن ما يمر به صاحبه صحوة تصيبه أعراضها ربما كل عدة أعوام وتظل مرافقة له لأيام حتى يعاود حياته الطبيعية فاستغل عبد الله تلك الحالة وأردف بحماس – الأمر لا يزال بيدك. -أي أمر ؟ رددها عمر بانتباه فأكمل عبد الله الذي يُمثل لعمر صوت ضميره ويدرك أنه في حياته الأخ الوفي والناصح الأمين – في كل الظروف ابنك سيتزوج ابنته،أنا توقعت من البداية أن رفض الرجل لن يطول وأنه مجرد رد فعل لرفضك الذي أهان كرامته فابنك تربى ببيته وعلى ما أعرف فأن له معزة كُبرى لديه لذلك فإن أفضل ما تفعله لتستعيد ابنك هو أن توافق على الزيجة لأنها في كل الأحوال ستتم فإن تمت برضاك ستحضر زفاف ابنك وسيكون لك رأي في كل خطوة يخطوها ودور فعال في حياته والعكس صحيح كما تعرف . نظر إليه عمر نظرة مترددة وفغر شفتيه يود نطق شيء ولكن لسانه يتعثر فأردف عبد الله مُحفزًا – إذا كنت حتى اليوم لا تستطيع تجاوز خسارتك لفريدة واستقرار بيتك فإن بإمكانك تدارك خسارة أبناءك،الزمن صار غير الزمن يا صاحبي الشاب والفتاة ما دام كل منهما اختار الآخر فلن تقف قوة أمامهما وأول خطوة للاحتفاظ بأبنائك وضمان وجودهم حولك هم وأسرهم في المستقبل القريب أن توافق على اختياراتهم ما دام ليس بها ما يسوء وهنا أتحدث عن عبد الرحمن وسهر وسمر ،صدقني يا عمر أبنائك على أعتاب بداية حياة جديدة وأنت وحدك من ستحدد هل سيكون لك مكانا ومكانة في هذه الحياة أم ستكون ظلا بها. اتسعت عيني عمر بدهشة ووجد نفسه يردد بهمس وبنفس الدهشة المتجسدة بعينيه -ظل ! *** في اليوم التالي بعد العصر كانت فريدة قد انتقلت إلى حجرة عادية بعد استقرار حالتها والحجرة كانت مُكتظة بالأهل والأحباب في مُظاهرة حُب أبهجت قلبها العليل فعلى جانبي الفراش كانت تجلس فدوى التي لا تسعها فرحتها منذ أتت إلى المشفى لتجد شقيقتها وقد غادرت حجرة العناية المُركزة واستفاقت وإن كان الوهن يغمرها وبجوارها علية وأبنائهما وعلى الجهة الأخرى كانت تجلس شروق وشمس والأولى تشعر أنها أخيرا تستنشق الهواء بعد توتر الأيام الماضية وعلى طرف الفراش عند قدمي فريدة كانت سمر على جهة وسهر على جهة أما بجوارها فكانت شيري من جهة وفؤاد من جهة وهو مُستلق في حضنها رافضًا الإبتعاد. -أنرتينا والله يا حاجة مُعتزة. رددتها الجدة عايدة وهي تُرحب بالحاجة مُعتزة التي لم تكتفي بالاتصال الهاتفي للاطمئنان على فريدة وأتت في نفس اليوم الذي خرجت فيه من العناية فأردفت مُعتزة بمودة – أعزك الله حبيبتي ،والله فريدة في معزة ابنتي التي لم أنجبها ولا تعرفي مقدار حزني حين علمت ما أصابها. تمتمت فريدة بصوت خفيض – أشكرك يا حاجة مُعتزة وصدقيني المَعَزة من القلب للقلب. وخارج الحجرة باستراحة للزائرين كان يجلس تيمور والدكتور فؤاد وعبد الرحمن وفادي وسامر برفقة فارس ووالده ومازن وبلال واخوة تيمور ،الجميع أصابهم التوتر والقلق منذ ما حدث لفريدة واليوم فقط تسللت الطمأنينة إلى القلوب. كان فارس يجلس بجوار مازن وقد نشأت علاقة طيبة بينهما في المرات القليلة التي تقابلا بها فأخذا يتبادلان أطراف الحديث معا في الوقت الذي وصل به يامن ووالده ووالدته وصافحوا الجميع ثم دلفت والدة يامن إلى حجرة فريدة وانضمت إلى النساء وبعد دقائق أخرى وصل وليد وزوجته وابنه وابنته ليكتمل تجمع العائلة الكبيرة. ومع حلول الليل كان الجميع قد انصرفوا ولم يتبقَ سوى إخوة فريدة وأبنائها فأردفت فدوى لتيمور الذي انضم اليهم بالحجرة ما إن رحل جميع الزائرين – أنا سأبيت معها الليلة وأنت أذهب إلى البيت لترتاح فلك أيام وأنت هنا. أردف تيمور بنبرة لينة – صدقيني لا أشعر بالتعب والأفضل أن أظل هنا وأنتم طوال اليوم معها وستأتون في الغد فلا يوجد داعٍ للبيات. نظرت إليه فدوى بشك وهزت رأسها ونظرت إلى فريدة التي غفت بعد أن رحل الضيوف وتمتمت بخفوت – تيمور هل تُخفي عنا شيء؟ هل الطبيب أخبرك أن هناك خطورة عليها ؟ تنبه الجميع على كلمات فدوى عدا فريدة الغافية في عالم آخر واجتمع الجميع حول فدوى وتيمور، الأولاد وفادي وعلية فأردف تيمور بجدية – ليس بالضبط هو فقط أخبرني أننا سنقوم بعمل عدة اشعات وتحاليل وغالبا سنحتاج إلى عمل قسطرة لذلك أُفضل أن أكون متواجدًا حتى إذا حدث أي تطور. أصاب الجميع القلق من كلماته فأردف بسرعة – ولكن الوضع بإذن الله تحت السيطرة بدليل أنها غادرت العناية. لم ينطق أحدهم والقلق يسكن القلوب بعد أن تفائلوا حين غادرت العناية وبعد دقائق كانت فريدة قد استفاقت ثانية ودلفت إلى حمام غرفتها بصحبة فدوى وسهر، أخذت حمامًا مُنعِشًا وقد كانت في أمس الحاجة له وبدلت ثيابها لثياب مُريحة وجففت شعرها وعقدته في عُقدة خلف عنقها وحين خرجت كان تيمور وعبد الرحمن بالحجرة والباقين خارجها وحين جلست فريدة فوق الفراش اقترب منها عبد الرحمن وأحاط جسدها الهش بذراعين قويين وغمرها بحضن طويل فاستكانت في حضنه وهي تضع جانب وجهها فوق صدره تستمع إلى دقات قلبه،لم ينطق بشيء ولكنه كان يشدد من ذراعيه حولها فتشعر بنبض قلبه وكأنه يهمس باعتذارات غير منطوقة ولم تكن تنتظر منه أي اعتذار كل ما كانت تريده أن يظل بجوارها،احترم الجميع خصوصية اللحظة وغادروا الحجرة حتى تيمور وظل عبد الرحمن على وضعه يضمها بحنان وهي تبتسم وتتعجب لتبدل الأدوار ما بين الماضي والحاضر فبالأمس كان هو صغيرًا تغمره بحنانها وعطفها وتسقيه محبتها وتضمه إلى صدرها فيسكن فيه واليوم هو من يفعل معها كل هذا في الأمس كان هو بحاجتها ولم تبخل عليه بل كان أول أولوياتها واليوم هي في أمس الحاجة له فلم يبخل عليها فتشعر بتمام الرضا وتعب السنوات الماضية يَهون أمام عينيها فلا أسفًا على عُمر قضته بصحبتهم ولا ندمًا على أيام ذاقت فيها الهوان وهي تُجاهد لرأب الصدع الذي شق حياتها مع والدهم من أجلهم فقط في هذه اللحظة التي تجد فيها حصاد العُمر بين يديها مُثمرًا والبستان الذي روته من روحها ونبض قلبها مُزهِرًا تشعر بأن كل ما قدمته قليل أمام لحظة كهذه. -أنا آسف. رددها عبد الرحمن بصوت مُختنق وهو يُمسد على ظهرها بحنان فتمتمت بنبرة واهنة ولا زال الشعور بعدم الاتزان والاعتلال يلازمها – أنا لا أريد أسفًا أنا أريدك فقط بجواري لا تفارق عيني حتى أموت. انتفض خافقه من وقع الكلمة الأخيرة عليه وردد بأنفاس مُتلاحقة – أنا بجوارك حبيبتي، سلمك الله من كل شر. رددت وهي تشعر بالارتياح على وقع نبضات قلبه – الشر لن يصيبني بإذن الله ما دمتم بجواري جميعكم. ردد بنبرة حانية – هل أخبركِ الدكتور تيمور بأي شيء أم لم تأتِ الفرصة؟ لم يكن يعرف هل أخبرها تيمور بموافقته على زواجه بشيري أم لا ؟ وكان يريد أن يرى نظرة السعادة بعينيها فأردفت بخفوت – أخبرني بماذا؟ لم نتحدث طوال اليوم فكما ترى الغرفة لم تخلُ إلا منذ قليل. فتمتم بعد أن طبع قبلة فوق رأسها – أنه وافق على زواجي بشيري. انتفضت وهي تبتعد عنه وتنظر إليه بدهشة ممزوجة بالفرحة ورددت بعينين لامعتين بالسعادة رغم وهنهما – حقًا يا عبد الرحمن؟ ابتسم مرددًا بسعادة لسعادتها – حقا يا أم عبد الرحمن. وبالخارج كان الجميع ينتظرون الرحيل بعد خروج عبد الرحمن وكانت شيري تجلس بجوار والدها فأردفت بخجل – بابا كنت أريد الحديث معك بمفردنا. نظر إليها باهتمام وردد – هل هناك شيء؟ نظرت حولها وكان العدد بالاستراحة ليس بقليل وتعرف أنها لن تأخذ راحتها في الحديث فأردفت وهي تبلل شفتيها الجافتين بطرف لسانها – لو أمكن نبتعد عن هنا قليلًا. وفي خلال دقيقتين كانا يقفان في شرفة بنهاية الممر وتيمور ينتظر أن تتحدث فأردفت وهي تفرك كفيها بتوتر – أنا أعرف أن ما حدث لماما ما هو إلا حزن من أجل تعثر موضوعي أنا وعبد الرحمن وأُقدِر جدًا وجه اعتراضك بعد أن عرفت الأمر من كل جوانبه، رفعت عينيها إليه بنظرة حاولت أن تبدو بها قوية وتمتمت : أنا لا أرضَ لك أبدا أن يحرجك أحد بسببي، لا أقبل أن أكون ورقة ضغط عليك يا أبي،غامت عيناها رغم عنها بالدموع وتحشرج صوتها ولكنها جاهدت لتبدو ثابتة ورددت: أنا فقط حزينة من أجل ما أصاب ماما وأشعر بالذنب لأنني سبب غير مباشر فيما أصابها لذلك أود أن أخبرك أنني معك في أي قرار ستتخذه في هذا الأمر لأنك أغلى عندي حتى من نفسي ولكني أريد منك شيء واحد إن لم يحدث نصيب بيني وبين عبد الرحمن وتعقد الأمر فلا تجبرني على الزواج من غيره لأنني لن أستطيع صدقني بابا لن أستطيع. عند هذه النقطة لم يتحمل تيمور الاستماع إليها ولا رؤيتها بهذه الحالة وأدرك أن عبد الرحمن لم يخبرها فجذبها وضمها بحنان إلى صدره فلم تتمالك نفسها لينهار صمودها المُدعى ويتخلخل ثباتها وتبكي بانهيار فوق صدره وتسيل دموعها فأردف وهو يحتويها بحنان – أنا لم أكن أدرك أنكِ كبرتِ إلى هذا الحد يا شيري ،ولا تعرفي وقع مشاعرك هذه وتقديرك لموقفي، وأنا حبيبتي لن يرضيني أن أفرق بينك وبينه أو أن يظل كل منكما تائه دون الآخر لذلك أخبرت عبد الرحمن أنني أوافق على زواجكما وظننت أنه أخبرك. ابتعدت عنه قليلًا ونظرت بعينيه اللتين كانت تسيلان بحنان وعطف وتوقف سيل دموعها المنهمر فوق وجهها وهي تتحرى الصدق بعينيه وتتأكد أنها لا تهذي فرددت بصوت مهزوز – حقًا! هل توافق على زواجي بعبد الرحمن! فهز رأسه بالإيجاب وهو يردد بابتسامة حانية – حقًا يا حبيبتي. بعد دقائق ____ كان تيمور يعود إلى حجرة فريدة برفقة شيري التي لم تتمالك نفسها بعد ،لا تصدق أن العقدة انحلت بكلمة واحدة ومن خلفهما دلف فؤاد الصغير الذي لا يقتنع بالعودة إلى البيت دون أمه فكانت فريدة تستريح بفراشها وعبد الرحمن بجوارها وابتسامتها تملأ وجهها فأدرك تيمور أن عبد الرحمن أخبرها وأردف بابتسامة صغيرة ونبرة حانية – لن أحتاج أن أخبرك يا سيدة فريدة أننا ننتظر تعافيكِ لنعقد قران الدكتور والآنسة. لمعت عيني عبد الرحمن وهو ينظر إلى شيري التي تقف مبهوتة بجوار والدها لا تصدق أذنيها وأردفت فريدة بصوت مختلج بمشاعر صاخبة – بإذن الله نفرح بهما عما قريب. ثم أشارت إلى شيري التي هرولت جهتها فضمتها فريدة بذراعها وبالذراع الآخر ضمت عبد الرحمن وتمتمت من بين دموع الفرح – مُبارك لكما أحبائي. وهما كل منهما كان نبض قلبه يتسارع بوجيب مجنون وقد انحلت عقدتهما أخيرًا وجمعتهما نظرة بالف معنى . وقف تيمور ينظر إلى ثلاثتهم بنظرة متأثرة في الوقت الذي أسرع فيه فؤاد للخارج صائحًا بصوت عال أمام الجميع – بابا وافق على زواج أخي وأختي. فاتسعت أعين الجميع وعم الصمت لثوان وهم يُحدقون في وجه فؤاد وفي غضون دقيقتين كان الجميع قد عادوا إلى حجرة فريدة يُهنئون ويُباركون لتشع السعادة وكأنها طيور مُحلقة بأرجاء المكان. *** -أبيت أنا معكِ أم تريدين عبد الرحمن؟ رددها تيمور لفريدة بنبرة ونظرة مُمازحة ردًا على عبد الرحمن الذي اقترح عليه الذهاب إلى البيت ليرتاح ولكنه كان متمسكًا بالبقاء فأردفت فريدة بصوت خافت والابتسامة لا تزال بعينيها بعد معايشتها لدقائق من السعادة الخالصة بين أسرتها الحبيبة – تُخيرني بين عيني اليمنى واليسرى؟ أريد كلاكما بالطبع. فأردف تيمور – كما ترين لا يوجد سوى أريكة واحدة وليس مسموح سوى ببيات شخص واحد. -أبيت أنا مع أمي. رددها فؤاد وهو يجلس بجوارها يحتضنها وهو لا يُصدق أنها عادت إلى الحياة ثانية فأردفت بنظرة متعاطفة – فقط سواد الليل وتعودون جميعكم في الصباح أحبائي المهم أن تأخذوا قسطًا من الراحة. بعد قليل كان الجميع قد غادروا المشفى وقد قسموا أنفسهم ككل يوم ما بين سيارة عبد الرحمن وفادي وسامر ودلفت الممرضة وأعطت لفريدة أدويتها وتمنت لها ليلة سعيدة ثم غادرت فجلس تيمور بجوارها على المقعد المجاور وهو يشعر بقليل من الارتياح وهي جالسة أمامه والسعادة مرسومة على ملامحها المُرهقة فأردف بنظرة خاصة – كنت سأُجن في اليومين الماضيين يا فريدة. تمتمت وهي تربت على كفه – أعتذر على كل هذا القدر من الارتباك الذي حدث في يوم هام بالنسبة للبنات. أردف وهو يحتضن كفها بين كفيه – أنا من أعتذر أن الوقت الذي أخذته للموافقة على زواج الأولاد كان أطول من اللازم ولكني ظننت أنكِ بحُكم تقاربنا الفكري ستتفهمين موقفي وأن الأمر ليس له علاقة بعبد الرحمن ومعزته كابن لي وأن صعوبة القرار كانت من رد فعل الأطراف المتداخلة في العلاقة رغما عنا. تمتمت بنظرة مُتفهمة -أفهم والله يا تيمور وأشعر بك وكنت أتلمس لك العذر ولكني وصلت في الفترة الأخيرة لمرحلة من عدم التحمل، رغما عني. هز رأسه وردد – ما أريدك أن تعرفيه أنني في كل الأحوال كنت سأوافق ولم يكن ليهن علي كسر قلبيهما ولكنها كانت مسألة وقت ليس أكثر وصراع كان بنفسي كنت أود إخماده أولا حتى لا يكون بنفسي شوائب فيما بعد،وأنني يشهد الله كنت آتيًا لأخبركِ أنني أوافق على زواجهما في نفس اللحظة التي سقطتِ فيها أي أن ما حدث لكِ ليس هو الدافع لي للموافقة. غامت عيناها بدموع رقيقة وهي ترى بعينيها ندمه وتسمع بأذنيها تبريره فأردفت بصوت مُختنق – لا تُحمل نفسك فوق طاقتها ما حدث مكتوب أن يحدث لي والحمد لله أنا بخير. رددت كلماتها وهي تُمسد على شعره بأناملها الهشة فلم يتمالك نفسه ومال عليها ليُقبِل رأسها وجبهتها ووجنتها ورغم عنه مالت رأسه المُثقلة بالأعباء فوق نحرها فضمته بذراعيها وهي تُدرك أنه أول المُتضررين من حالتها فهي له نقطة الأمان التي يرتكن إليها ودونها يشعر بالضياع ورغم انهاكها ووهنها ضمته بحنان كأنها تضم فؤاد الصغير وظل هو لدقائق قليلة يغمر وجهه بحضنها يستمد طاقته المُستنزفة ليستطيع مواجهة الأيام القادمة،وبعد قليل كانت قد غفت ومدد هو جسده فوق الأريكة المجاورة فلم يشعر بنفسه إلا وخيوط الصباح تشق عتمة الليل مُعلنة عن بداية يوم جديد. *** في الثالثة عصرًا كان الأولاد جميعًا قد أتوا ومعهم فدوى وأقنع عبد الرحمن تيمور بصعوبة أن يعود إلى البيت لساعتين يأخذ حمامًا ويُبدل ملابسه فله عدة أيام على هذا الوضع فأخذ تيمور أبنائه الأربعة ورحل بينما ظل أبناء فريدة الثلاثة وشقيقتها. كانت فريدة تجلس في الحديقة فقد سأمت غرفة المشفى وتريد أن تستنشق هواءًا نظيفًا فكانت جالسة والجميع حولها وشعور يراودها بأنها ولدت من جديد وصوت العصافير المُحَلِقة حولها يُطرِب أذنيها ويجعلها تشعر بالاسترخاء،على رنين هاتف عبد الرحمن فاستجاب له ورفع حاجبيه وهو ينظر الى أمه مرددًا – أين أنتم بالضبط يا عمتي ؟ نحن بحديقة المشفى. بعد قليل كان الحاج إبراهيم وابنته نسمة وشيماء زوجة عمر يجلسون مع فريدة وأبنائها في الحديقة فتمتمت فريدة بامتنان للحاج إبراهيم – لا أعرف كيف أشكرك يا عمي فزيارتك هذه عزيزة . أردف بنظرة متأثرة – أنتِ ابنتي يا فريدة ولا أتحمل أن يصيبك مكروه . وتمتمت نسمة بنظرة حانية – والله لم نرتاح جميعًا إلا حين اطمأننا أنكِ تجاوزتِ مرحلة الخطر . وأردفت شيماء بمودة – ها أنتِ عرفتِ غلاوتك لدينا جميعًا. فابتسمت فريدة وهي عاجزة عن الوفاء بكل هذا القدر من المحبة التي لا تُقدر بثمن. بعد قليل كان الحاج إبراهيم وابنته وزوجة ابنه يصافحون فريدة استعدادًا للرحيل في الوقت الذي رن فيه هاتف شيماء وكان عمر الذي ينتظرهم بالخارج فأردف – لم تأخرتم هكذا؟ ردت بخفوت – انتهينا للتو دقائق ونخرج لك. تنحنح متسائلًا – كل هذا تجلسون وزوجها مُتواجدًا؟ ضيقت عينيها مرددة بجهل – زوجها ليس متواجدًا ونحن نجلس معها بالحديقة وانتهينا كما أخبرتك و... توقفت فجأة عن الاندفاع في الكلام معه والشك يراودها في نيته فالسؤال ليس له موقعا من الإعراب ولم يدم شكها طويلًا فقد ظهر أمامها وهو يُقبل من جهة باب المشفى مُتجهًا نحوهم. تفاجأ الجميع بوجوده حتى أبنائه واتسعت عيني فريدة وهي تبصره مُقبلًا عليهم فألقى السلام ما إن اقترب ورد الجميع عليه فأردف وهو يُحول نظره جهة فريدة – الف لا بأس عليكِ ،شفاكِ الله قريبًا بإذن الله. -أشكرك. رددتها وحدقتيها تهتزان تخشى أن يعود تيمور ويراه وهي تعرف حساسية الأمر بالنسبة لزوجها -هيا لنترك فريدة ترتاح قليلًا. رددها الحاج إبراهيم وهو يشير لابنه وزوجته ونسمة فسارت فدوى وسمر وسهر وعبد الرحمن لبضع خطوات وهم يتبادلون الحديث مع نسمة وشيماء فالتفت عمر إلى فريدة والتقت العيون في نظرة متوترة من جهتها خوفًا من عودة تيمور، ثاقبة غامضة من جهته ثم تمتم لزوجته قبل أن يعاود أدراجه نحو فريدة – اسبقوني أنتم وأنا سأعود سريعًا. توقفت شيماء بموضعها ونظرت خلفها فكانت فريدة جالسة على مقعدها على بُعد أمتار قليلة وشعرت الأولى بغليان الدماء بعروقها وتبادلت مع نسمة نظرة صامتة مُستنكرة وتوقف الجميع مع عودة عُمر وساد التوتر بينهم أما الأخير فما إن عاد إلى فريدة التي كانت بعينيه رقيقة هشة فتُذكره بالفترة الأولى لانفصالهما وهي تقاوم أعراض الانهيار وردد بنبرة ودودة – حزنت جدا لما أصابك وكنت أريد زيارتك من اليوم الأول ولكن قالوا لي أنه لا يصح. اختنق صوتها بحلقها وكل تفكيرها مُنصبًا في الخوف من عودة تيمور بأي وقت فأردفت على عُجالة – أشكرك. -ولكن يبدو أنكِ تتحسنين. هزت رأسها ورسمت على وجهها ابتسامة صغيرة وردت – الحمد لله. تأمل ملامحها لثوان تأملًا زاد من ارتباكها إلى أن قال – أخبرني عبد الرحمن أن ما أصابك كان بسبب حزنك على فراقه وعدم اتمام زواجه من الفتاة التي يحبها. تمتمت بخفوت – الحمد لله على كل حال. فأردف بحاجبين معقودين – لن أدخل معكِ في نقاش عن أسباب رفضي لأنه لا مكانه ولا زمانه وأعتقد أنكِ أذكى من أن تغفلي عن السبب. تنحنحت بحرج وشعرت بعرق وهمي يغمرها والقلق من عودة تيمور يحاصرها فتحيد بعينيها عنه جهة باب المشفى الذي يبدو لها من بعيد فأردف هو – ولكني سأخبرك بقرار أخير وهو أنني أوافق على زواجهما وسأباركه بنفسي فبالطبع لن أجد سعادة في شقاء ابني حتى لو كان الأمر رغم ارادتي . اتسعت عيناها وهي تنظر إليه لا تُصدق أنه أخيرًا نطقها فأكمل هو بنظرة ثاقبة وهو يعز عليه في هذه اللحظة المسافات التي وُضعت بينهما – وبهذا أكون كَفّرت عن الذنب القديم مرتين وليس مرة واحدة . ضيقت عينيها متسائلة باهتمام – أي ذنب؟ ومتى كانت المرة الأولى؟ فأردف بصوت خشن وسنوات العمر الماضية تتمثل أمام عينيه وكأنه يستقل قطار سريع – الذنب كان حين تسببت قديمًا في تفريق شمل أسرتنا ،غامت عيناه بغيامة حزن وأكمل رغم الغصة بحلقه : كَفَرت عنه مرة حين تركت لكِ الأولاد ليعيشون معكِ على غير ارادتي واليوم أفعلها للمرة الثانية وأنا أعلن موافقتي على زواج ابني من ابنة ذاك الرجل أيضًا على غير ارادتي. بُهتت فريدة من كلماته ومنطقه وتعالى وجيب قلبها وهي تنظر إليه دون أن تنطق دقيقة واحدة من الصمت شملتهما وكل منهما لسانه معقود عن النطق إلى أن أردفت بنبرة هادئة – أشكرك لأنك وضعت سعادة عبد الرحمن في المقام الأول، وأعتقد أنني أخبرتك من قبل أنني لا أضمر لك أي بغضاء وأنني أسامحك. لم ينسَ تلك المرة التي أخبرته بها بالفعل أنها سامحته لأنها وجدت سعادتها مع غيره فهز رأسه بابتسامة باهتة ودون كلام ولاها ظهره ليجد الجميع ينظرون إليه وقد توقفوا بموضعهم فيساوره نفس الشعور الذي يساوره كلما جمعهما القدر وحانت لحظة الرحيل،شعور بأنه يفارق وطنه وأرضه ببطاقة ذهاب بلا عودة .


نهاية الفصل التاسع والعشرون قراءة ممتعة بإذن الله


Heba aly g غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا بأس إن قضيت نصف عمرك غريب الروح إذا كنت ستقضي ما تبقى منه حبيب الروح
رد مع اقتباس
قديم 25-09-23, 09:54 PM   #487

ايمان صفي

? العضوٌ??? » 476237
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 223
?  نُقآطِيْ » ايمان صفي is on a distinguished road
افتراضي

مش معقولفصل يجنن كانه رواية لحاله شو هيدا روعة مبهر كل كلمة تجنن تسلم ايدك

ايمان صفي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-23, 10:14 PM   #488

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايمان صفي مشاهدة المشاركة
مش معقولفصل يجنن كانه رواية لحاله شو هيدا روعة مبهر كل كلمة تجنن تسلم ايدك
تسلميلي يا إيمان الف شكر ????


Heba aly g غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا بأس إن قضيت نصف عمرك غريب الروح إذا كنت ستقضي ما تبقى منه حبيب الروح
رد مع اقتباس
قديم 25-09-23, 11:16 PM   #489

حنان الرزقي

? العضوٌ??? » 315226
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 756
?  نُقآطِيْ » حنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond reputeحنان الرزقي has a reputation beyond repute
افتراضي

أحلى المشاهد التي تكتبينها هي مشاهد الأبناء مع الآباء و ذلك الوصف الدقيق للمشاعر الإنسانية كمشاهد معتصم مع والده في رواية غريب الروح و اليوم مشهد عبد الرحمان مع أمه , متميزة حقا

حنان الرزقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-23, 11:36 PM   #490

Ghada A zoudeh

? العضوٌ??? » 456940
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 90
?  نُقآطِيْ » Ghada A zoudeh is on a distinguished road
افتراضي

اجمل التمنيات بدوام الإبداع ومن فصل الى فصل اجمل ومن رواية الى رواية اجمل????????????

Ghada A zoudeh غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:04 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.