وقفت تتأمل مظهرها فى المرآة . مقطبة الجبين , ابتداء من شعرها المنسدل على كتفيها وعينيها العسليتين الواسعتين , إلى قدميها الرشيقتين فى النعل الخفيف ذى الأربطة , والبرونزى اللون , ثم هزت رأسها وهى تفكر فى أنها تبدو غريبة عن ذاتها .. وأنها أشبه ما تكون بالمرأة العجوز المذكورة فى أغانى الأطفال .
شعرت بالإحباط وهى تفكر فى أن جيروم مونتكورت لو كان قد جاء إلى المكتبة حيث كانت تعمل طوال ثمانية عشر شهرا الماضية , ربما ما كان ليوليها أى اهتمام , إنها ما زالت لا تعرف لماذا قبلت دعوته هذه إلى العشاء , فهذه لا تبدو لها خطوة حكيمة مطلقا . ذلك أنها لا تعلم عنه شيئا ما عدا اسمه الذى قد يكون مزيفا , على كل حال .
انتابها الضجر , أخيرا , من كل هذه الوساوس , ألا يمكن أن تكون مخاوفها , تلك من أن يكون مخادعا , ناشئة عن أنها هى نفسها تقوم بدور مخادع ؟ إنها لاتنكر حماسه الفائق فى تقديم المساعدة لها , ولكن ألا يمكن أن تكون هذه ناحية من شخصيته ؟ وتذكرت ذلك التعبير الجامد المخيف الذى سبق ولمحته على وجهه المنعكس فى زجاج النافذة , وقبل ذلك فى السيارة حين شعرت للحظة وكأن غضبه يمتد إليها كشئ حقيقى تماما .
ربما كان من أولئك الأشخاص الذين يتبدل مزاجهم بسرعة .. وربما , وهذا أكثر احتمالا , كان هذا كله مجرد تخيلات منها , وفكرت وهى تتحول عن المرآة , فى انها لم تعد تعرف شيئا , ولكن هذه الدعوة قد حصلت بحضور الموظفة المسؤولة , وهذا يجعلها فوق مستوى أية شبهة , وبعد , أنها على الأقل , لن تتعشى وحدها فى أول ليلة لها هنا فى اللانغيدوك . وتملكها , لذلك شعور بالبهجة .
حملت حقيبتها اليدوية وكتابا عن الكاثار كان السيد اوتواي قد قدمه إليها عندما ودعته , ثم نزلت إلى الطابق الأسفل لتنتظره . وفى قاعة الاستقبال , كانت الموظفة مستغرقة فى جدل حام فى الهاتف مع واحد سيئ الحظ من ممثلى شركة الكهرباء . ولكنها ابتسمت لميغ مشيرة إليها بأن تذهب إلى باحة الفندق .
كانت الشمس قد عادت , بكل قوتها وتألقها , لتغرق الكائنات بفيض أشعتها الذهبية . وجلست ميغ إلى أحدى تلك الطاولات الحديدية المزخرفة المنتشرة فى الباحة ترشف كوبا من العصير وتقرأ فى الكتاب .
لم يكن من السهل , فى هذه الأمسية الرائعة , أن تركز ذهنها فى ما تقرأه , كما انه مما يدعو للاكتئاب أيضا , أن الكاثار كانوا يعتقدون أن الجنس البشرى وكل شئ أخر هو مكون فى جوهره , من الإثم . ولكى يتجبنوا اللعنة اتبعوا نظاما صارما من الصلاة والصوم والامتناع عن الكحول بما فى ذلك الامتناع عن أكل اللحوم . كما كان يدعون أيضا إلى العزوبية دون الزواج .