وقبل ان تجد الجواب كان قد خرج هذا اذا كان ما قاله يحتاج الى جواب. وتحركت كارين ناهضة عن الكرسي حيث كانت تجلس ثم ابتدأت تختار ملابس نظيفة من الدرج حيث وضعتها منذ دقائق, واخرجت معها ثوب ازرق داكنآ من الخزانه وكانت ساقاها قد لوحتهما الشمس فبدتا سمراوين بما في الكفاية لتستغني عن الجوارب التي لم تكن تحب ارتداءها خاصة في فصل الصيف.
كانت الخزانه مصنوعه من خشب السنديان كبقية الاثاث. وكان الزمن قد زاد من قتامة لون الخشب باعثآ منه مثل رائحة عسل النحل في الاوقات العادية, كانت كارين تستمتع جدآ بغرفة كهذه صنعت بشكل الكوخ ولكنها حاليآ لم تشعر نحو كل هذا بأي اهتمام.
خرجت من الحمام حين ارتدت ملابسها ووضعت الضلال على جفنيها والزينة على شفتيها وذلك بيد ثابته ادهشتها. وسوت من شعرها بالفرشاة وبدا وجهها شاحبآ كما رأت ضلالآ خفيفة تحت عينيها ولكنها لم تحاول ان تضع زينة اكثر من ذلك على وجهها, وتساءلت عما يدعوها الى ذلك.
فهي لا تريد ان تؤثر على أي انسان وخاصة لوغان.
كان جالسآ على مقعد عالٍ يتحدث الى الساقي عندما وصلت هي الساعة 8.15 وكان المكان مزدحمآ وليس ثمة مقعد خالٍ وكان العديد من الحضور واقفين . ونهض لوغان من مكانه حين رآها تقترب, مقدمآ اليها مقعده لتجلس . وجلست لأنها لو رفضت لبدا الأمر شاذآ اذ تقف بينما يجلس هو وهي تشك في امكان قبوله لهذا.
ووقف مشرفآ عليها يكاد يلتصق بها اكثر مما يستلزم . وكان عليها ان تعتبر ضيق المكان . وطلبت شرابآ خفيفآ ونظر حوله قائلآ :
- لم اتوقع رؤية المكان مزدحمآ بهذا الشكل. كان من الأفضل لنا لو استأجرنا كوخآ.
ولكن كارين كانت مسرورة لأن هذا الأمر لم يحدث ذلك ان اخر شيء كانت تريده هو ان تكون بمفردها معه, ووجدت العشاء في مطعم الفندق فاخرآ رغم حالتها الذهنية السيئة.
وكان لوغان يبادلها الحديث ببساطة اثناء العشاء, وكانت تصرفاته طبيعية وكأن لم يحدث بينهما شيء في الساعات القليلة الماضية, ولكنه كما فكرت كارين لم تكن الأوهام تتملكه مثلها هي لكي يحطمه فقدانها.
ربما كان الزواج يبنى على التلاؤم فقط لقد اوضح لها ذلك في غرفتهما. فلتفترض انها وضعت مشاعرها جانبآ, مثله؟ واخذت تتأمل في الأمر لتصل الى نتيجة هي ان تلك المشاعر لم يعد لها اهمية تذكر.
ودون اعتبار لأي شيء اخر لاحظت لوغان مازال اكثر الرجال الذين قابلتهم في حياتها جاذبية وحيوية فقد طغى حضوره على كل الرجال الموجودين في الغرفة, ولم تكن هي الوحيده التي فكرت في هذا. فقد ادركت ذلك من نظرات النساء اللاتي كن يرمقنه من حول موائد الطعام.
ولم يكن يبدو عليه انتباه الى اهتمام النساء به فقد كان كل اهتمامه منصبآ عليها هي . وتفتحت مشاعرها بهذا, ولمعت عيناها, وتقوس فمها, وتألقت بشرتها.
وعندما انتهى العشاء وكانت الساعة قد تجاوزت ال 10 وكان الظلام قد بدأ يرخي سدوله.
وعندما عادا الى صالة الفندق , قال لوغان:
- اظن الوقت مازال يبدو نهارآ.
حين وصلا الى غرفتهما استدار لوغان نحوها ولامس شعرها بيده برقة وحنان.
ودون وعي منها, مدت ذراعيها حول عنقه وقد نسيت كل شيء اخر. انه زوجها...انه لها وهي له على الدوام , على الدوام , على الدوام.
وفجأة , عاد ذهنها يتحرك. ما الذي تفعله بعد كل ما كان بينهما وما قال لها وما قالت له ؟ كيف تسمح له بهذا وكأنه لم يعد شيء يهمها بعد الآن؟ ولكن , مازال هناك ما يهمها .
وقالت وهي تصر باسنانها:
- ابتعد عني... ابتعد عني حالآ يا لوغان.
ولكنه لم يرد عليها وقد ساد الجمود ملامحه. وبدت عيناه سوداوين كالليل. وقال لها بخشونة:
- ماهي اللعبة التي تظنين نفسك تقومين بها؟
فحاولت الابتعاد عنه وهي تقول:
- انها ليست لعبه.
وامسكها بكتفيها, فصرخت فيه قائلة:
- ارفع يديك عني لا اريدك ان تلمسني
فقال وهو يصر على اسنانه:
- ولكنك اردت ذلك منذ لحظات , واكثر من ذلك
فقالت بوحشية:
- لم اكن ادري ماذا افعل.
فقال :
- وانت الآن تدرين. اليس كذلك؟ انك كاذبة , كاذبه مسكينه.
فقالت:
- لقد كذبت عليّ . لقد اوقعتني في فخ هذا الزواج.
واطلق آهة ثقيلة مفاجئة وتراخت قبضته عليها قليلآ وهو يقول:
- اذا ان لم اخبرك كل الحقيقة فهذا لا يعد كذبآ . انني اشعر نحوك باعتزاز كبير يا كارين, ودومآ كان هذا شعوري نحوك.
فكرت ورأسها يدور,بأنه لا يذكر الحب كما كانت تحلم على الدوام.
وقالت:
- اذا كان كلامك صحيحآ. فدعني بمفردي
توتر فمه, ثم قال:
- ان هذا يجعلني بين شقي الرحى.
ولم تكن كارين تفكر بتعقل, كانت تريد ان تثأر....
تثأر منه لما سببه لها, وما زال من الألم, واجابته قائلة:
- هذا لا يهمني , فقط دعني وحدي.
وبقي جامدآ لحظة ثم قال:
- بعد قليل كما تشائين.
وبقيت كارين صامته وقد ساد صمت رهيب, بينما كان هو يأخذ جاكتته ثم يتجه صوب الباب, لتشعر في هذه اللحظة فقط بأن ليس هذا ماتريده ابدآ.
وحاولت ان تناديه ليعود ولكن الكلمات التصقت في حلقها, مالبث الآوان ان فات بعد ما سمعت اقفال الباب خلفه.
ومرت عدة دقائق قبل ان ترغم نفسها اخيرآ على النهوض, اين ذهب لوغان, وهل تراه سيعود , لم يكن لديها فكرة عن ذلك.
وحدثت نفسها انها لن تهتم على الاطلاق حتى ولو لم يعد ابدآ.
انها تكرهه ليس فقط لما فعل , وانما لأنه مازال يؤثر عليها بهذا الشكل.
وأنهت تغير ملابسها بحراكات آلية, فأرتدت قميص نوم وهي تقاوم النظر الى شكلها في المرآة الكبيرة التي تمر بها في طريقها الى الحمام.
فهي لم تعد تهتم بمظهرها بعد اآن.
وكانت مستلقية على السرير وقد ادارت وجهها نحو النافذة,عندما عاد لوغان بعد ساعة أو نحوها. فلم يتكلم كما انه لم يشعل المصباح, بل دخل الحمام مباشرة.
وعاد من الحمام بعد 5 دقائق خالت انها لن تنتهي, لينسل بين الملاءات بحركة خفيفة, وهو يقول بصوت هادئ:
- انني اعرف انك غير نائمة . ولهذا فسننتهي من هذا الأمر الآن هنا. انني سأتركك بمفردك . ولكن عليك ان تمثلي دورك بشكل يبعث على اقتناع امي, فلا تشتبه بأن هناك شيئآ بيننا. هل تردين ان تفعلي ذلك؟
وكان صوتها لا يكاد يسمع وهي ترد عليه قائلة:
- لأجلها هي... نعم.
فقال:
- هذا حسن.
ومضت برهة طويلة قبل ان يعود فيقول:
- ليلة سعيدة .
ولم تجب كارين . وبعد فترة بدت لها قصيرة. سمعت انفاسه تعمق وتنتظم , بينما بقيت هي في اتم يقظة, تحدق بقلب كسير في النجوم التي كانت تطل عليها من عليائها من خلال النافذة.
كان يجب ان تكون هذه الليلة هي الأروع في حياتها, ولكنها بدلآ من ذلك لم تكن سوى زيف وتظاهر بالنوم منها , بينما لم يشعر هو من الاهتمام بما يكفي لكي يمنعه من الرقاد.
وعادا الى قصر وايت غيتز عصر يوم الاحد الذي كان مشمسآ رائعآ, فوجدا امه هيلين بانيستر جالسة في شرفة مدخل المنزل.
واستقامت الام في جلستها وهي تقول باسمة:
- انني لم اتوقع عودتكما باكرآ هكذا. ولكنها سرتني جدآ.والأفضل ان تخبر السيدة لاوسون عن عودتكما لكي تحسب حسابكما للعشاء يا لوغان.
فرد عليها قائلآ:
- لقد سبق ورأتنا قادمين . والشاي في طريقه الينا.
وسكت برهة يمعن النظر فيها ثم سألها:
- كيف حالك انت؟
فقالت تطمئنه:
- في احسن حال.
وانتقل نظرها الى وجه كارين بشئ من التشكك وكأنها رأت غير ما توقعت, ولكن كل ما قالته هو:
- ان بشرتك تبدو سمراء اللون.
فأجابت كارين:
- لقد كنا نتمشى كثيرآ.
وكانت حاولت ان تتكلم ببساطة كما يفعل لوغان وهي تتابع قائلة:
- فالمناظر هناك جميلة جدآ.
فعادت الأم الى الابتسام مرة اخرى وهي تقول:
- جميل ان تحبا انتما الاثنين الحركة في الحياة فالتناقض قد يحدث التجاذب بين الشخصين ولكن التماثل هو الذي يدوم في النهاية.
فقال لوغان بجفاء :
- هذا ليس دومآ. فقد كنت انت وابي غير متماثلين, ومع هذا فقد دام زواجكما.
فضحكت امه وهي تجيبه:
- يوحد استثناء لكل قاعدة.فقد تعودنا انا وابوك ان نتغلب على تناقضاتنا تلك.
فقال:
- وهذا مالم نستطعه انا وهو.
فأجابت:
- هذا لأنكما لم تحاولا الوصول الى تسوية.
وبدت عليها خيبة الأمل وهي تقول :
- على كل حال, فقد اصبح هذا في الماضي . والآن اصبحت الأملاك تحت تصرفك . هل ما زلت مصممآ على تأسيس مدرسة لتعلم ركوب الخيل.؟
فأجاب:
- نعم. ولكن مازال هناك متسع من الوقت.
فتدخلت كارين وقد شعرت بأن الوقت قد حان لكي تبدي شيئآ من الاهتمام:
- طبعآ سيكون هذا في فصل الصيف؟.